الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد:
اللهم ارزقنا العلم النافع، والعمل الصالح.
قال المصنف -رحمه الله تعالى- في قوله تعالى:
هذا مضى الكلام عليه، وهذه إماتة حقيقة، ثُمَّ أَحْيَاهُمْ من أجل أن يُبيَّن الله ، ويُظهر قدرته على إحياء الموتى، وأنه على كل شيءٍ قدير، وأن الحذر لا ينجي من القدر.
وذكره المؤلف هنا "ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ليستوفوا آجالهم" لا إشكال، لكن الإماتة والإحياء من أجل إظهار قدرة الرب -تبارك وتعالى- على البعث، وأيضًا أن الحذر لا يُنجي من القدر، والله أعلم.
وهذا خلاف ظاهر، فالظاهر أن هذا الخطاب للأمة: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:244] ومناسبته مع ما سبق: أن هؤلاء كما قيل: بأنهم فروا من القتل، وفروا من الحرب؛ استبقاءً لأنفسهم فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ [البقرة:243] فالحذر لا يُنجي من القدر، ثم أمر بعد ذلك بالقتال في سبيل الله، فقال: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:244] فبما إن الحذر لا يُنجي من القدر، وأن الفرار من القتل لا يُغني عن الإنسان شيئًا، فأنتم مأمورون بالقتال في سبيل الله؛ وذلك لا يقرب آجالكم، ولا يموت الإنسان قبل الوقت الذي قضى الله أن يموت فيه.
قوله: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [البقرة:245] هذا الاستفهام يُراد به الحث.
والقرض أصله: اسمٌ لكل ما يُلتمس عليه الجزاء، وما أسلفتَ من عملٍ صالح أو سيء، مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [البقرة:245] وسماه قرضًا: باعتبار أن الخلف مضمون، وما ذكره هنا بأن "الآية نزلت في أبي الدحداح حين تصدّق بحائطٍ" هذا كما جاء عند أبي يعلى[2] وابن أبي حاتم[3]، وسعيد بن منصور[4]، والبيهقي في شعب الإيمان[5]، وعند ابن جرير أيضًا[6] وغيرهم، عن ابن مسعود لما نزلت: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [البقرة:245] قال أبو الدحداح: يا رسول الله إن الله يُريد منا القرض؟ قال: نعم يا أبا الدحداح، والشاهد: أنه تصدق بحائطه وفيه ستمائة نخلة، والقصة مشهورة، ومعروفة، ولكن ليس فيها أن ذلك هو سبب النزول، هو لما سمع الآية قال ذلك، مع أن هذا الحديث قد ضعفه جماعة من أهل العلم كالحافظ ابن حجر[7]، والبوصيري[8] والشيخ أحمد شاكر[9]، فالمقصود أنه ليس سببًا للنزول.
القرض الحسن يُراد به وجه الله -تبارك وتعالى- ولا بُد أن يكون خالصًا، وكذلك يكون من كسبٍ طيب لا يكون من حرام، وكذلك أيضًا لا يشوبه شائبة لما يُذهب الأجر، ويبطل العمل من المنَّ والأذى، كما قال: لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى [البقرة:264].
في قراءة ابن عامر وعاصم: "فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً، وقراءة الجمهور: "فيضاعُفُه له أضعافًا كثيرة"[10]، وكذلك التشديد، والمعنى كله ذلك فيه واحد، قراءه ابن كثير وابن عامر بالتشديد مع حذف الألف، وقراءة الجمهور إثبات الألف والتخفيف فيضاعفه[11].
يقول: "وبالرفع على الاستئناف" يعني: فيضاعفُه "أو عطفًا على يقرض" والمعنى: من ذا الذي يقرض فيضاعفُه، "وبالنصب في جواب الاستفهام" مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً [البقرة:245].
كما قال الله : مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ [البقرة:261] وكما سيأتي -إن شاء الله- مما أيضًا سبق في كلامي تعليقًا على تفسير ابن كثير، بأن التضعيف فوق السبعمائة: يكون بحسب ما يقوم في قلب العبد من الإخلاص، واستحضار النية[12] وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [المؤمنون:60] ويحتف بهذه الصدقة من جهة الزمان والمكان، وكذلك أيضًا الحال، والجهة التي تُصرف فيها، فتُضاعف هذه الصدقات ويعظم أجرها بهذه الاعتبارات.
وبعضهم يقول: فَيُضَاعِفَهُ يعني: فوق السبعمائة، وبعضهم يقول: إن هذا التضعيف إلى سبعمائة، وكأن الأول -والله أعلم- أقرب، وفي حديث أبي هريرة عند مسلم في النزول الإلهي آخر الليل، وفيه: من يُقرض غير عديمٍ ولا ظلوم[13]، فالعديم لا يمكن أن يحصل منه الوفاء، والظلوم يحصل منه المطل، فقال: غير عديمٍ ولا ظلوم[14].
يَقْبِضُ يعني: يضيق ويُمسك، وَيَبْسُطُ يعني: يوسع، بمعنى أن هذه النفقات والصدقات ليست بمذهبةٍ للمال، ومتلفةٍ له، فلا يكون ذلك سببًا للفقر والنقص والقلة، وإنما القبض والبسط بيد الله فبيده خزائن السماوات والأرض، وقد سمى ذلك قرضًا، فهو لا يذهب، ولا يضيع، والنبي ﷺ يقول: لا ينقص مال من صدقة[15].
فالصدقات لا تُذهب المال، ومن ثَمَّ فإن المتصدق يوقن بالعوض والبركة، والعائدة من الله فصدقته هذه لا تورثه فقرًا، ولا قلةً، ولا عدمًا، ولكن ضعف اليقين هو الذي يجعل للإنسان يبخل بما في يده.
الرؤية هنا لا شك أنها رؤية قلبية، يعني بالعلم "ألم تعلم" لأن النبي ﷺ ما رآهم، وقوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَأ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى [البقرة:246] الملأ؛ هم أشراف الناس، وجوههم، قيل لهم ذلك -كما يقول بعض أهل العلم- باعتبار أنهم يتمالئون على الأمر، يعني: أنهم أهل الحل والعقد، أو أنهم يملئون صدور المجالس، أو أنهم ملئوا شرفًا، أو أنهم مليئون بما يُحتاج إليه منهم، كل ذلك لا إشكال فيه، فهم أشراف الناس، والمقدمون فيهم.
وهذا الاستفهام أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ [البقرة:246] للتقرير.
يقول: "وكانوا قوما نالهم الذلة من أعدائهم، فطلبوا الإذن في القتال فلما أُمروا به كرهوه".
لا يثبت مثل هذا، فهذا من الأخبار الإسرائيلية، والله أعلم.
لا يُقال في (عسى) عسِي، ولكن إذا اتصل بها الضمير عسَيت، فيصح فيها الكسر، فيقال: عسِيت، والمعنى واحد، فهما لغتان، وإدخال حرف الاستفهام "هل" على فعل المقاربة، التي منها (عسى) لتقرير ما هو متوقع عندهم، والإشعار بما هو كائن هَلْ عَسَيْتُمْ، كأنه كان يتوقع منهم النكول والتراجع، فلم يطمئن ويتوثق إليهم، وهذا ما كان.
هنا يقول: "قال وهب بن منبه" ووهب بن منبه في عدد التابعين، وهو من أكثر من رُوي عنه الأخبار والمرويات الإسرائيلية، وأيضًا كعب الأحبار.
ولاحظوا هنا في الهامش للأسف المؤلف نقل نقلًا كان الإعراض عنه هو المتعين، يقول: "وكان يقول -يعني وهب- سمعت اثنين وتسعين كتابًا، كلها أُنزلت من السماء، اثنان وسبعون منها في الكنائس، وعشرون في أيدي الناس، لا يعلمها إلا قليل، فوجدت في كلها: أن من أضاف إلى نفسه شيئًا من المشيئة فقد كفر" فهذا الكلام "من نسب لنفسه شيئًا من المشيئة فقد كفر" ما ينبغي أن يُنقل، ولا يصح بحالٍ من الأحوال، الله يقول: وَمَا تَشَاءُونَ [الإنسان:30] فأضاف المشيئة إليهم إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الإنسان:30] فوهب بن منبه رُمي بالقدر، والذين ينفون المشيئة والإرادة عن الإنسان، ويسلبونه الفعل هؤلاء هم الجبرية، يقولون: هو كالريشة في مهب الريح.
ووهب بن منبه -رحمه الله- رُمي بشيءٍ من القدر، ويقال: إنه تاب منه، فمثل هذه المقالة إنما هي جارية على قول القدرية، ونحن لا نعلم هل هذا الكلام فعلًا موجود في كتبٍ لأهل الكتاب أو لا، لكن إن كان موجودًا فهو من المحرف؛ لأنه يُخالف ما ثبت عندنا في الكتاب والسنة، والأخبار الإسرائيلية كما هو معروف لها ثلاثة أحوال:
إما أن توافق ما عندنا، فتُقبل، وإما أن تخالف كما في هذا المثال، فتُرد، وإما ألا تكون لا موافقة ولا مخالفة، أي لا يُعلم حالها، فيُتوقف فيها. والأشياء المخالفة لا يجوز أن تُروى، وإذا رويت للبيان والإيضاح فيُبَّين معها البطلان، فهذا ما كان هناك حاجة لنقله في الهامش أصلًا، ولم يذكره المؤلف، ولم يشر إليه حتى يُنقل، فهي مُقحمةٌ هنا من غير موجب، وإنما نبهت على هذا؛ لأنه بين أيديكم في الهامش.
يقول: "أوحى الله إلى نبيهم: إذا دخل عليك رجلٌ فنشّ الدهن الذي في القرن" يعني: صار له مثل صوت الغليان، الذي في القرن، كأنه ما يوضع به الزيت من وعاءٍ لربما يُستعمل في ذلك القرن، أو ما يشبه القرن،
"فهو ملكهم" وهذه رواية على كل حال من الروايات الإسرائيلية، لا يُبنى عليها شيء، ولا حاجة إليها.
يقول: وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ [البقرة:247] روي أيضًا عن وهب ابن منبه "أنه كان دباغًا ولم يكن من بيت الملك" وهذا أيضًا من الأخبار الإسرائيلية، والله تعالى أعلم بها، ولا حاجة لمثل هذا، ويزعمون أن الملك كان في أحد أسباط بني إسرائيل، وأن النبوة كانت في سبطٍ آخر، هكذا يزعمون، وأن هذا الملك لم يكن من السبط الذي منه الملوك، والعلم عند الله .
لما ذكر الله -تبارك وتعالى- الأسباط قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ [البقرة:136] إلى أن قال: وَالأَسْبَاطِ [البقرة:136] فالإيمان بما أُنزل على الأسباط المقصود: الأنبياء الذين كانوا في أسباط بني إسرائيل، في قبائل بني إسرائيل، من ذرية يعقوب -عليه الصلاة والسلام- فكان الأنبياء فيهم، وهذا ظاهره أنهم كانوا في هذه الأسباط جميعًا، وإن كان ذلك ليس بنصٍّ قاطع؛ لأن ذلك قد يكون من قبيل العام المراد به الخصوص، يعني: أنه ذكر الأسباط والمقصود بذلك: سبط واحد وهو الذي كان فيه النبوة، فيحتمل يكون من قبيل العام ويراد به الخصوص، يعني: أطلق لفظًا عامًا (الأسباط) والنبوة في سبطٍ واحدٍ منهم، هذا يحتمل وليس عندنا فيه دليل، وإنما هي أخبار إسرائيلية، يعني النبوة كانت في سبط، وأن الملك كان في سبطٍ آخر، والله أعلم.
ومما يدل على أن هذا غير صحيح: أن داود آتاه الله الملك والنبوة، وهم يزعمون أن الملك كان في سبط، وأن النبوة كانت في سبطٍ آخر، فجمع الله ذلك لداود وسليمان -عليهما السلام-.
وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ (الواو) واو الحال، يعني: والحال أننا أحق بالملك منه، يعني: باعتبار أن الملك كان في سبطٍ لم يكن منه هذا الملك، فيما ذكروا، ولربما يكون ذلك باعتبار تعنت هؤلاء.
"والواو في قوله: وَلَمْ يُؤْتَ لعطف الجملة على الأخرى" وهذا واضح.
بَسْطَةً البسطة يعني: السعة، وأصل هذه المادة بسط: تدل على امتداد الشيء وسعته؛ ولذلك يُقال البساط. وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطًا [نوح:19] فهذا أيضًا من ذلك.
يقول: "كان عالمًا بالعلوم، وقيل: بالحروب، وكان أطول رجل يصل إلى منكبه" والله أعلم.
وهذا يدل على تميزه بهذين الأمرين، اللذين بهما يكون الكمال، في مثل هذا المطلب، طلبوا ملكًا يُقاتلون معه في سبيل الله، فجاءهم هذا الملك الذي قد جمع بين كمال الجسم، وكمال العلم، فكمال الجسم يحصل به القوة والهيبة، وكمال العلم يحصل به حسن التدبير.
كما قال الله : قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ [آل عمران:26].
التابوت: هو الصندوق، أو الوعاء، فبعضهم يقول: هو من التوب، يعني: الرجوع؛ لأنهم يرجعون إليه، وبعضهم يقول: هو صندوق التوراة، ويذكرون فيه أشياء، فبعضهم يقول: كان فيه عصا موسى وفيه أشياء، وبعضهم يقول: بقايا من التوراة، والله تعالى أعلم.
ويذكرون أيضًا أن التابوت كانوا ينقلونه معهم في أسفارهم ومغازيهم، ويتوجهون إليه في صلاتهم، وأنهم إذا كانوا في البلد وضعوه على الصخرة، فكانوا يستقبلون الصخرة التي في بيت المقدس لهذا، هكذا قالوا، والعلم عند الله وما ذُكر فيما يحويه التابوت غير ما ذكره الله -تبارك وتعالى- فكل ذلك من أخبار بني إسرائيل.
لكن هنا قال: فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ [البقرة:248] تركه آل موسى وآل هارون، فالظاهر أنه المقصود -والله أعلم- ما تركه موسى وهارون، والآل قد يُطلق على الشخص نفسه، أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46] فالمقصود: فرعون، وأتباعه يكونون تبعًا له، حينما يُذكر الآل قد يُراد به أتباع الرجل، وقد يُراد به أهله، وقد يُراد به نفس الرجل.
قوله هنا: فِيهِ سَكِينَةٌ السكينة من السكون، والوقار، والطمأنينة، والسكينة: زوال الرعب، فأصل هذه المادة (سكن) خلاف الاضطراب والحركة.
يعني: ما يبعث السكينة يكون سببًا لسكون قلوبهم فيما اختلفوا فيه من أمر طالوت، وحمله أبو جعفر بن جرير -رحمه الله- على الشيء الذي تسكن إليه النفوس من الآيات التي يعرفونها[19]، ويطمئنون إليها، أما هذه التفاصيل فالله تعالى أعلم، يعني: ما الذي يحويه هذا التابوت؟ فلم يذكر، ولو كان في هذا فائدة لذكره الله .
وأما ما يُذكر من هذه الأخبار والمرويات الإسرائيلية، كما قال هنا: "رمح فيه رأس ووجه كوجه الإنسان" وفي نسخة "ريحٌ" وعلى كل حال كل هذا لا دليل عليه.
"وقيل: طست من ذهب، تُغسل فيه قلوب الأنبياء، وقيل: رحمة" وهذا قال به الربيع بن أنس -رحمه الله-؛ من التابعين[20].
"وقيل: وقار" هذا قال به قتادة[21].
لكن السكينة ليس معناها الرحمة، وإنما هي من مقتضيات الرحمة، فكأن هذا قد فسره بسببه، يعني: سبب هذه الطمأنينة التي تحصل السكينة، هي رحمة من الله بهم.
وقول قتادة بأنه وقار هذا أيضًا قد يكون من الآثار -يعني من باب التفسير بالأثر- فإنه إذا حصلت السكينة نتج عن ذلك الوقار، والسلف قد يفسرون الشيء بسببه، وقد يفسرونه بأثره، وقد يفسرونه بجزء معناه، وقد يفسرونه بالمثال، وقد يفسرونه بلفظٍ مقارب، لكن السكينة ليس معناها الرحمة، ويدل على أنه ليس معناها الرحمة، الحديث المشهور: ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده[22] السكينة غير الرحمة.
هذا القول المروي عن ابن عباس -ا- صحيح وثابت، كذلك مروي عن جماعة من التابعين كالسُدي، وقتادة، والربيع، وعكرمة[23].
قال: "هي عصا موسى، ورضاض الألواح" لكن عكرمة ذكر العصا، وذكر التوراة، وهذا -أعني ما جاء في هذه الآثار من أنه رُضاض الألواح- بناءً على أن موسى -عليه الصلاة والسلام- لما رجع من الميقات، وأنزل الله عليه التوراة، ورأى قومه قد عبدوا العجل، ألقى التوراة فتكسرت، لكن هذا لا يثبت، وجاء في بعض الآثار أنه رُفع منها الأكثر، لكن هذا لا يثبت، والله أعلم، الله أخبر أنه ألقى التوراة.
"وقيل: العصا": يعني عصا موسى "والنعلان" نعال موسى -عليه الصلاة والسلام- "وقيل: ألواحٌ من التوراة" وبعضهم يقول: كانت فيه أشياء فاضلة من بقايا الأنبياء وآثارهم، فكانت النفوس تسكن إلى ذلك، وتأنس به، وتتقوى إذا شاهدوه، ولا حاجة للخوض بمثل هذه التفاصيل التي طُوي عنا خبرها.
كما سبق أن الآل يُطلق على هذا وهذا آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ والقول مثلًا أنه التوراة، أو بقايا من التوراة، أو عصا موسى، أو النعلان... إلى آخره، هذا يرجع إلى أن (آل موسى) يعني موسى ويحتمل الآل، يعني: الأهل.
فَصَلَ يعني، فارق البلد التي كان فيها.
قيل: بين الأردن وفلسطين، والله أعلم.
"قوله: فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ... [البقرة:249] الآية، اختبر طاعتهم بمنعهم من الشرب باليد.
قوله: إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً [البقرة:249] رخص لهم في الغرفة باليد، وقرئ بفتح الغين وهو المصدر، وبضمها هو الاسم".
غَرفة وغُرفة، فبالفتح هي قراءة أبي عمرو، وابن كثير، ونافع، وقراءة الجمهور بالضم غُرفة[25]، وهما لغتان مثل: نَهْر ونَهَر.
يقول: "وبضمها هو الاسم" وبعضهم يفرق في المعنى، هنا يقول: "غُرفة وغَرفة، بفتح الغين وهو المصدر غَرف غَرفة "وبضمها هو الاسم" غُرفة، اسمٌ للواحدة من الغَرفات، وبعضهم يقول: هي بالفتح غَرفة اليد، وغُرفة بالضم بالإناء، ما يكون باليد يُقال لها: غَرفة، وبالإناء غُرفة، وبعضهم يقول: بالضم الماء الذي يكون بهذا المقدار يُقال له: غَرفة، وبعضهم يقول: الغَرفة هي باليد، يعني: هذا المقدر ملء اليد يُقال لها: غَرفة، وبعضهم يقول: بالفتح هي المرة الواحدة، وهذا اختيار ابن جرير -رحمه الله-[26]، فعلى هذا التفريق الذين فرقوا بأي قولٍ من هذه الأقوال يكون هناك فرق في المعنى بين الغَرفة والغُرفة، وأنها لا ترجع إلى اختلاف اللغات على هذا التفريق.
يعني من شرب أكثر من الغَرفة اشتد عليه العطش.
وقد جاء في الصحيح عن البراء بن عازب قال: "حدثني أصحاب محمد ﷺ ممن شهد بدرًا: أنهم كانوا عدة أصحاب طالوت، الذين جازوا معه النهر بضعة عشر وثلاثمائة" يقول البراء: "لا والله ما جاوز معه النهر إلا مؤمن"[27]، وهذا في البخاري، وهو يدل على أن العدد الذين جاوزوا النهر مع طالوت أنهم كانوا بهذا العدد؛ ثلاثمائة وبضعة عشر، وهذا قول الجمهور.
قال: "ويُقال: إن البربر من ذريته" الله أعلم، وقيل: كانوا بمدينتهم أريحا في غور الأردن، وأن هؤلاء من عاد، فالعلم عند الله.
الظن المقصود به: العلم، قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ [البقرة:249] يعني: يوقنون، وليس المقصود به مجرد الظن، فإن ذلك لا يُقبل فيه الظنون، كما قال الله في سورة البقرة: الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ [البقرة:46]، يعني: يوقنون، فهذا المقصود به اليقين قطعًا، فهكذا هنا، قال: الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً [البقرة:249]، يعني: أهل اليقين.
"قوله: وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ [البقرة:251] كان داود في جند طالوت، فقتل جالوت، فأعطاه الله ملك بني إسرائيل، وفي ذلك قَصَصٌ كثيرة غير صحيحة.
وَالْحِكْمَةَ [البقرة:251] هنا النبوّة والزبور، (وفي بعض النسخ: أو الزبور)".
الحكمة هي النبوة، وهذا قاله السدي[28]، والقول بأنه الزبور بينه وبين القول الذي قبله ملازمة، فإن النبوة التي أعطاها الله -تبارك وتعالى- لداود -عليه الصلاة والسلام- كان الكتاب الذي أنزله عليه هو الزبور، وحينما يُقال: آتاه الله الملك والحكمة أنها النبوة، أو ما أوحى إليه من الزبور، فبينهما ملازمة.
كما قال الله : وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ [الأنبياء:80] فهنا "صِنعة الدروع" هي صنعة ما يلبسونه في الحرب، علمه الله -تبارك وتعالى- هذه الصنعة؛ ولهذا كان أول من صنع الدروع هو داود -عليه الصلاة والسلام- وعُلِّمَ ذلك بصورة مفصلةٍ دقيقة، وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ [سبأ:11]، بمعنى: أن هذه الحِلَق التي تكون في الدرع، وما يكون مما يُثبتها ويُمسكها من المسامير فإنها تكون بمقدار، ليست كبيرة، فينفصل ذلك الموضع، ولا تكون دقيقة فيضطرب، وإنما يكون ذلك بمقدار لائق يحصل به المراد، ويحتمي بها المقاتلة.
قراءة نافع بكسر الدال (دِفاع)، وقراءة الجمهور (دَفعْ)[29] وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ [البقرة:251] ودفاع، والمعنى يرجع إلى شيءٍ واحد، وهذا الدفع والدفاع، قيل: يدفع بالمؤمنين المجاهدين كيد الكفار والفجار، وهذا الذي اختاره جمعٌ من المفسرين: كالواحدي[30]، وابن عطية[31]، ومن المعاصرين: كالسعدي[32]، والطاهر بن عاشور[33]، يدفع بأهل الإيمان أهل الكفر، وقال به من السلف عبد الرحمن بن زيد[34].
وبعضهم يقول: المراد: ولولا دفع الله بالمؤمنين والأبرار عن الكافرين والفجار لأهلكوا بعقوبةٍ منه -تبارك وتعالى- وهذا الذي اختاره ابن جرير[35]، فيكون المعنى: ولولا دفع الله بالمؤمنين والأبرار عن الكافرين والفجار لأهلكوا بعقوبة، يعني وجود من يعبد الله ويطيعه، ويدعو إلى سبيله يكون سببًا، ووجود من يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر يكون سببًا لدفع العقوبات العامة، وإلا لنزل الهلاك.
فالله -تبارك وتعالى- يقول: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود:117] ولم يقل: وأهلها صالحون، وإنما ذكر الإصلاح، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله -تبارك وتعالى- فهذا الذي تُدفع به العقوبات العامة، ولا يكفي أن يكون الناس على حالٍ من الصلاح والتقوى، لكن من غير أن يكونوا بهذه الصفة مصلحين، فإن الصلاح وحده لا يكفي.
فاختيار ابن جرير[36] يقول: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ، يعني: وجود المصلحين يكون سببًا لدفع العقوبات العامة، وهذا القول نسبه بعض أهل العلم إلى الأكثر من المفسرين، وهو مروي عن ابن عباس، ومجاهد[37]، والآية تحتمل ذلك كله، يعني: ما يحصل من الدفع وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ يمكن أن تُحمل على هذا وهذا، فمما يحصل به الدفع: الجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والمدافعة التي تكون بين الحق والباطل، وكذلك أيضًا ما يحصل من منع العقوبات العامة بسبب وجود أهل الإصلاح بين أظهرهم فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ [هود:116].
يحتمل أن يكون تِلْكَ هنا باعتبار إشارة للبعيد، إلى جماعة الرسل، ويحتمل أن يكون إشارة إلى المذكورين في هذه السورة، أو إلى الأنبياء الذين بلغ علمهم النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يعني أعلمه الله بهم تِلْكَ الرُّسُلُ الذين قص الله خبرهم على نبيه ﷺ وأعلمه بهم، والله أعلم.
قوله -تبارك وتعالى-: فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ [البقرة:253] يقول: بأن هذا التفضيل عام من غير تعيين، وذكر هذا الحديث، وهو حديث أبي سعيد الخدري : لا تخيروا بين الأنبياء، فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من تنشق عنه الأرض، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أكان فيمن صعق، أم حوسب بصعقة الأولى[41]، يعني حينما قال: رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ [الأعراف:143] فابن جزي -رحمه الله- يجمع بين هذا الحديث مع قوله: أنا سيد ولد آدم[42]، بأن المقصود بقوله: لا تخيروا بين الأنبياء[43]، يعني أن ذلك حينما يكون على سبيل التعيين، فيُقال: فلان أفضل من فلان، فيُفهم منه تنقص المفضول.
والعلماء -رحمهم الله- أجابوا عن هذا بأجوبة، وما ذكره هنا في الحديث، حيث قال: لا تفضلوني على يونس بن متى[44] يقول ابن أبي العز: هذا الحديث بهذا اللفظ لم يروه أحدٌ من أهل الكُتب التي يُعتمد عليها[45]، وقال الشيخ الألباني: لا أعرف له أصلًا بهذا اللفظ[46]، لكن يكفي عنه حديث: لا ينبغي لعبدٍ أن يقول: أنا خيرٌ من يونس بن متى[47].
والجمع بين هذه الأحاديث: ذكر العلماء فيه وجوهًا، فالحافظ ابن كثير -رحمه الله- ذكر أنما هو النهي عن تلك الحال من التخاصم والتشاجر[48]، يعني لما استب رجلان رجل من المسلمين، ورجل من اليهود، قال المسلم: والذي اصطفى محمدًا على العالمين، فقال اليهودي: والذي اصطفى موسى على العالمين، فرفع المسلم يده عند ذلك، فلطم وجه اليهودي، فذهب اليهودي إلى النبي ﷺ فأخبره بما كان من أمره، وأمر المسلم، فدعا النبي ﷺ المسلم، فسأله عن ذلك، فأخبره، فقال النبي ﷺ: لا تخيروني على موسى، فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأصعق معهم، فأكون أول من يفيق، فإذا موسى باطش جانب العرش، فلا أدري أكان فيمن صعق، فأفاق قبلي أو كان ممن استثنى الله[49]، فهذا سبب ورود الحديث، فما كان من هذا القبيل على سبيل التخاصم والتشاجر فهو مذموم.
وبعضهم يقول: كان هذا قبل علمه ﷺ بالتفضيل، وبعضهم يقول: قاله تواضعًا، وبعضهم يقول: منعًا للذم، يعني: لئلا يتخذ ذلك وسيلة وذريعة لتنقص أحد من الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- وبعضهم يقولون بأن ما كان على سبيل العصبية فهو ممنوع، فلا شك أن النبي ﷺ هو أفضل الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- وقد قال ﷺ: أنا سيد ولد آدم[50]، لكن هذه الأحاديث التي وردت عنه ﷺ في فضله ومنزلته ليس فيها شيءٌ على سبيل التعيين، فلم يقل: أنا أفضل من فلان، وإنما فيها الإطلاق، والله تعالى أعلم.
لكن هذه الأوجه التي جمع العلماء بين الحديثين، والآية نص صريح في المفاضلة، وهذه المفاضلة تكون باعتبارات، فمن أهل العلم من قال: باعتبار كثرة الأتباع، مثلما أُعطي النبي ﷺ وبعضهم يقول: في منازلهم، كما رآهم النبي ﷺ في السماء ليلة المعراج، فضل بعضهم على بعض، وبعضهم يقول: فيما أعطاهم من الآيات، فكان أعظم الآيات القرآن، إلى غير ذلك، والتفضيل لا يختص بنوعٍ من هذا، فالله فضل بينهم في المنازل، وفي العطايا، والهبات، والنبي ﷺ ذكر أنه قد فُضِّلَ على الأنبياء بخمس[51].
وذكر الشاطبي -رحمه الله- في كتابه: "الموافقات": أنه ما من آيةٍ، يعني: معجزة أُعطيها نبي إلا أُوتي النبي ﷺ مثلها، يعني سواء له مباشرة، أو لأحد من أتباعه[52]، يعني هذا التي يسمونها كرامات الأولياء، هي من جملة آيات الأنبياء، يعني تسمية الذي يُعطى للنبي معجزة، وما يُعطى للولي كرامة، هذا اصطلاح متأخر، لم يكن معروفًا لا في القرآن، ولا السنة، ولا في أقوال السلف الصالح، وإنما وجد بعد ذلك، وكأنه وُجِد على يد المتكلمين، ولكن لا مشاحة في الاصطلاح، وإلا ففي القرآن تُسمى الآيات والبراهين، وتُسمى في كلام المتقدمين: بدلائل النبوة.
فالمقصود: أن كرامات الأولياء هي من جملة آيات الأنبياء؛ لأنه ما حصل له هذا إلا باتباعهم، فالنار التي أُلقي فيها إبراهيم ولم يحترق، حصل هذا لبعض أتباع النبي ﷺ وهو أبو مسلم الخولاني في اليمن مع الأسود العنسي، فألقي في النار ولم يحترق[53]، فكانت هذه آية للنبي ﷺ من جنس آية إبراهيم وهكذا.
نعم هو موسى وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء:164]، وكذلك النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- كلمه الله ليلة المعراج.
قوله: "مطلق في كل من فضله الله منهم"، يعني: قد يكون التفضيل في المسافة، يعني بمعنى: فيما يكون من التفاوت بينهم في السماوات، كما رآهم النبي ﷺ ليلة المعراج، وقد يكون فيما أعطاهم من الكمالات، والهبات، والعطايا، والفضائل، والمنح الربانية، والكتب المنزلة، وما إلى ذلك، فالتوراة من أعظم الكتب، وأشملها، وأوسعها، وموسى كانت أمته من أكثر الأمم، وقد لا يزيد عليهم إلا أمة محمد ﷺ وهذا الكتاب، وهذه الشريعة أوسع الشرائع، فتخصيص ذلك بإدريس في قوله: وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا [مريم:57] هذا أشبه ما يكون التفسير بالمثال، وإلا فإن ذلك لا يختص به، وإن كان الله -تبارك وتعالى- قد رفعه وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وكأن المعنى أوسع من ذلك، والله أعلم.
وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ فخص عيسى بإنزال البينات، والآيات الواضحات، من إحياء الموتى، وإبراء ذوي العاهات؛ كالأبرص، والأكمه، وما أشبه ذلك، فخصه بهذا كأن ذلك من قبيل الرد على اليهود الذين كذبوه واتهموه، وأيضًا هو آخر الرسل قبل النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وأمته حاضرة كثيرة أكثر أتباعًا من اليهود وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ من بعد هؤلاء الأنبياء؛ يعني: بعد كل نبي، وليس المقصود بعد جميع الأنبياء، وإنما بعد كل نبي من هؤلاء الأنبياء -عليهم السلام-.
وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا [البقرة:253] فكان هذا الاختلاف هو سببًا موجبًا بعد إرادة الله وتقديره لوقوع هذا القتال، فهو أمرٌ مقدر، كائن لا بُد من وقوعه، وذلك لحكمةٍ يعملها الله والسبب الظاهر لذلك: هو وقوع الاختلاف، فالاختلاف المذموم يورث التدابر، والتقاطع، والتباغض، والتهاجر، والقتال.
وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا، يعني: حتى مع وقوع الاختلاف وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ فقضى ذلك وقدره فكان كما قُدر.
يعني هذا الأمر يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا [البقرة:254] هنا لم يُخص بنوعٍ من الإنفاق، فيشمل الزكاة، وصدقة التطوع، قد يقول قائل: هذا أمر، والأمر للوجوب، فيُحمل على الزكاة، ولكن يُمكن أن يُقال: بأن هذا الأمر جاء بهذا الإطلاق، فيصدق على ما هو واجب، وما هو مستحب.
لا بَيْعٌ فِيهِ أي: لا يحصل للإنسان فيه تصرف بماله، كأنه ذُكر البيع -والله أعلم- بأنه أعم وجوه المكاسب، وأسرع ذلك تحصيلًا، وهو أكثر اشتغالهم.
الخلة هي الصداقة المتناهية في الإخلاص والمودة، وأصل الخِل: تقارب الفروع، ومنه الخليل الذي يُخالك، كأن محبته قد تخللت القلب، فيكون في غاية القرب لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ عند ذلك كل أحد يشتغل بنفسه.
- العجاب في بيان الأسباب (1/602) وأحكام القرآن للجصاص ط العلمية (1/547).
- مسند أبي يعلى الموصلي (8/404).
- تفسير ابن أبي حاتم - محققا (2/460).
- التفسير من سنن سعيد بن منصور - محققا (3/934).
- شعب الإيمان (5/126).
- تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (4/430).
- المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية (16/421-4046).
- إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة (7/307).
- حيث قال: "وهذا إسناد ضعيف جدًا" انظر: تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (5/285).
- حجة القراءات (ص:699) والسبعة في القراءات (ص:185).
- حجة القراءات (ص:699) والسبعة في القراءات (ص:185).
- تفسير ابن كثير ت سلامة (1/693).
- أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل، والإجابة فيه برقم: (758).
- سبق تخريجه.
- أخرجه أحمد ط الرسالة (3/208-1674) وقال محققو المسند: "حسن لغيره".
- معاني القراءات للأزهري (2/387) والإقناع في القراءات السبع (ص:305).
- البحر المديد في تفسير القرآن المجيد (1/274).
- البحر المديد في تفسير القرآن المجيد (1/274).
- تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (4/472).
- تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (1/333).
- تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (1/333).
- صحيح مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر برقم: (2699).
- تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (5/331) وتفسير ابن أبي حاتم - محققا (2/470).
- تفسير الزمخشري = الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (1/293).
- حجة القراءات (ص:140) وإتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر (ص:207).
- تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (4/486).
- أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب عدة أصحاب بدر برقم: (3957).
- تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (4/514).
- السبعة في القراءات (ص:187) وحجة القراءات (ص:140).
- التفسير الوسيط للواحدي (1/361).
- تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (4/124).
- تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص:109).
- التحرير والتنوير (2/500).
- تفسير ابن أبي حاتم - محققا (2/481).
- تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (16/580).
- تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (16/580).
- تفسير ابن أبي حاتم - محققا (2/480).
- أخرجه البخاري في كتاب الخصومات، باب ما يذكر في الإشخاص والخصومة بين المسلم واليهود برقم: (2412) ومسلم في الفضائل باب من فضائل موسى برقم: (2374).
- ذكره بهذا اللفظ، بلا إسناد، ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث (ص:182) وقد ذكره البخاري بنحوه، في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: {وإن يونس لمن المرسلين} [الصافات:139] برقم: (3412) بلفظ: ((لا يقولن أحدكم: إني خير من يونس)) زاد مسدد: ((يونس بن متى)).
- أخرجه مسلم في كتاب الفضائل، باب تفضيل نبينا ﷺ على جميع الخلائق برقم: (2278).
- سبق تخريجه.
- سبق تخريجه.
- سبق تخريجه.
- سبق تخريجه.
- شرح الطحاوية ت الأرناؤوط (1/161).
- شرح الطحاوية ص:(172).
- أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: {وإن يونس لمن المرسلين} [الصافات:139] برقم: (3416) ومسلم في الفضائل باب في ذكر يونس برقم: (2376).
- تفسير ابن كثير ت سلامة (3/473).
- أخرجه البخاري في كتاب الخصومات، باب ما يذكر في الإشخاص والخصومة بين المسلم واليهود برقم: (2411) ومسلم في الفضائل، باب من فضائل موسى برقم: (2373).
- سبق تخريجه.
- أخرجه البخاري في كتاب التيمم برقم: (335) ومسلم في أول كتاب المساجد ومواضع الصلاة برقم: (521) ولفظه: ((أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة)).
- الموافقات (4/199).
- انظر: حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (5/120).