الثلاثاء 01 / جمادى الآخرة / 1446 - 03 / ديسمبر 2024
(005) قوله تعالى (يريد الله ليبين لكم ويهديكم..) الآية 26 – إلى قوله تعالى (وإن خفتم شقاق بينهما..) الآية 35
تاريخ النشر: ٢٠ / جمادى الأولى / ١٤٣٨
التحميل: 1000
مرات الإستماع: 1091

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في تفسيره في قوله تعالى:

يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ [النساء:26]، قال الزمخشري: أصله يُريد الله أن يُبيّن لكم، فزيدت اللام مؤكدةً لإرادة التبيين كما زيدت في لا أبا لك، وقال الكوفيون: اللام مصدرية مثل أن وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، أي: يهديكم مناهج من كان قبلكم من الأنبياء والصالحين لتقتدوا بهم.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فقوله -تبارك وتعالى-: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ يُبيّن لكم ما أحل وما حرّم مما تقدّم ذكره في هذه السورة وغيرها كما قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-[1]، وهذه اللام لِيُبَيِّنَ لَكُمْ على ما ذكره المؤلف أنها للتوكيد؛ لأن زيادة المبنى لزيادة المعنى، وعلى قول الكوفيين أنها مصدرية مثل أن -يعني- تُصاغ وما بعدها بمصدر، يُريد الله البيان لكم، وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، والمقصود بذلك: طرائق المتقدمين الحميدة واتباع شرائعه التي يُحبُّها والسُنن جمع سُنّة، وهي الطريقة المسلوكة والمنهاج المُتَّبع، يعني أن يسلك بكم سبيله.

وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ [النساء:27]: كرر؛ توطئةً لفساد إرادة الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ: وهم هنا الزُنَّاة عند مجاهد، وقيل: المجوس؛ لنكاحهم ذوات المحارم، وقيل: عامٌّ في كل متبعٍ شهوةً وهو أرجح.

قوله هنا: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ يقول: كرر يعني ذكر الإرادة، إرادة الرب -تبارك وتعالى- كما قال قبله: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ فما قال: ويتوب عليكم، وإنما كرر فعل الإرادة وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ.

 يقول: كرر؛ توطئةً لفساد إرادة الذين يتبعون الشهوات، وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا فقابله بإرادته، وبعضهم يقول لما كانت الشهوة في هذا الباب غالبة فلابد أن تُوجب ما يوجب التوبة وهو الذنب، فكرّر هنا وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ، وبعضهم يقول: إنها مسُوقة هنا لبيان كمال منفعة إرادة الله وكمال مضرَّة ما يُريد الفجرة، لا لبيان إرادته لتوبته عليهم حتى يكون من باب التكرير.

المقصود: أن هذا ليس بتكرار محض ولا يوجد في القرآن -كما ذكرنا في بعض المناسبات- لا يوجد تكرار محض وإنما يكون لمعنى، وذكرنا لهذا أمثلة كما في سورة الرحمن فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ وأن كل موضع يتعلق بالذي قبله، وهكذا فيما يُظن أنه من قبيل التكرار.

وقوله هنا: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ: فظاهره -والله تعالى أعلم- أن المُراد هنا -والله أعلم-: المقابلة بين إرادته وإرادة الذين يتّبعون الشهوات وبضدّها تتبين الأشياء، فهذه إرادته الكاملة، وتلك إرادة أولئك المُنسفِلة، والذين يتبعون الشهوات هنا ذكر الأقوال فيهم، لكن المقصود قبل هذا بقوله: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ يعني أن يُوفقكم للتوبة ويقبلها منكم فيرجع بكم إلى طاعته مما كُنتم عليه من معصيته، يعني يُجمع في المعنى هنا بتوبة الله -تبارك وتعالى- على العبد، فهي تأتي بمعنى التوفيق للتوبة وتأتي بمعنى قبول توبة العبد، الرجوع عليه بالتوبة، فكل ذلك حاصل، -والله تعالى أعلم-.

والَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ قال: "هنا الزُنَّاة عند مجاهد، وقيل: المجوس لنكاحهم ذوات المحارم"، وهذا كأنه من قبيل التفسير بالمثال، الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أوسع من هذا كما يدل عليه ظاهر اللفظ، ولهذا قال: "عامٌّ في كل متبعٍ شهوةً"، فهم كما يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: "أتباع الشياطين من اليهود والنصارى والزُناة"[2]، وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا يعني عن الجادّة، عن الصراط المستقيم، عن الحق، ومعلومٌ أن الانحراف يقوم على أصلين:

  • الأول وهو اتّباع الشهوات: باب الشهوة.
  • والثاني: وهو باب الشُبهة.
يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ [النساء:28]: يقتضي سياق الكلام التخفيف الذي وقع في إباحة نكاح الإماء، وهو مع ذلك عامٌّ في كل ما خفَّف الله عن عباده، وجعل دينه يسرًا، -وفي نسخة: [وجعل دينهم يسرًا-].

يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ بتوبته -تبارك وتعالى- عليهم؛ ليتجاوز لكم بتوبتكم عن الماضي أو ما سلف منكم من الذنوب والمعاصي قبل التوبة، يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ.

الحافظ ابن القيم -رحمه الله-[3] ذكر توجيه يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ، وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ، يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ، بأنه لمّا كان للعبد في هذا الباب ثلاثة أحوال: حالة جهل بما يحل له ويحرم عليه، وحالة تقصير وتفريط، وحالة ضعف وقلة صبر، قابل جهل عبده بالبيان والهُدى يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ، وقابل تقصيره وتفريطه بالتوبة وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ، وقابل ضعفه وقلة صبره بالتخفيف يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ، وهذا التخفيف في شرائعه وأوامره ونواهيه وكذلك ما يُقدّره لهم، ولذلك لما كانوا بحالٍ من الضعف أباح لهم نكاح الإماء بشرطه، وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا [النساء:28] كما سبق هذا عام ويدخل فيه أيضًا ما جاء بهذا السياق أنه ضعيف أي: لا يصبر عن النساء، فإذا كان لا يستطيع أن يتزوج الحرة فإنه يُباح له أن يتزوج الأمة، فهذا من التخفيف.

والمعنى أعم من هذا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ، هنا قال أن : "يقتضي سياق الكلام التخفيف الذي وقع في إباحة نكاح الإماء، وهو مع ذلك عامٌّ، وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78]".

وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفًا [النساء:28] قيل: معناه: لا يصبر عن النساء، -وفي نسخة: [لا يصبر على النساء]-، وذلك مقتضى سياق الكلام، واللفظ أعم من ذلك.

لا يصبر عن النساء أحسن من على، لا يصبر وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفًا على كل حال هو ضعيف في نفسه، وضعيف في بدنه وضعيف في عزمه، وإرادته، وهمّته وضعيفٌ في صبره، فيُحمل ذلك على العموم، ضعيف في عبادته، ضعيف في مُقاومته لدواعي النفس وشهواتها إلى غير ذلك، وهذا المعنى اللائق -والله تعالى أعلم-، لكن من السلف من حمله على أمر النساء كما أشار المؤلف، وهذا جاء عن طاووس واختاره كبير المفسرين أبو جعفر ابن جرير -رحمه الله-[4] باعتبار السياق، وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفًا أي لا يصبر عن النساء، فهذا معنًى صحيح دل عليه السياق لكن المعنى في الآية أعمّ من هذا، وقد قال وكيع بن الجراح -رحمه الله-: بأنه يذهب عقله عند النساء[5]، -والله المستعان-.

لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ [النساء:29] يدخل فيه القمار والغصب والسرقة وغير ذلك.

كل أخذ للمال بغير وجه حق فإنه داخلٌ فيه، ربا، البيوع المُحرّمة.

إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً [النساء:29] استثناءٌ منقطع، والمعنى: لكن إن كانت تجارةً فكلوها.

هنا في قوله: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً يقول بأن الاستثناء منقطع باعتبار أن التجارة المُباحة ليست من جنس المُستثنى منه، يعني ليست من جنس أكل أموال الناس بالباطل، لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ يعني لا يأكل بعضكم مال بعض، إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً فالتجارة ليست من المُستثنى منه، فهذا الذي لا يكون المستثنى من جنس المستثنى منه يكون من قبيل الاستثناء المنقطع، يعني بمعنى لكن، وبعضهم يقول بأن المستثنى كون والكون ليس مالًا من الأموال، يعني هذا وجه آخر في كون الاستثناء منقطع، الوجه الأول الذي ذكرته آنفًا وهو إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً بمعنى لكن، يعني أن التجارة ليست من جنس أكل الأموال بالباطل.

والوجه الثاني لكونه منقطعًا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً إن المستثنى كون، إلا كون ذلك تجارةً، فالكون ليس بمال، لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ إلا كون ذلك على سبيل التجارة، فالكون ليس من المال فكان منقطعًا بهذا الاعتبار، لكن المراد واضح، ويكفي بأن نفهم أن التجارة التي أباحها الله ليست من أكل أموال الناس بالباطل، فالاستثناء بهذا الاعتبار مُنقطع إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً.

وجاء عن ابن عباس من طريق ابن أبي طلحة لما أنزل الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ... الآية، قال المسلمون: "إن الله نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل، والطعام هو أفضل أموالِنا، فلا يحل لأحدٍ منّا أن يأكل عند أحد، فكيف للناس؟ -يعني ماذا يصنعون؟- فأنزل الله بعد ذلك: وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ [النور:61]"[6]، الآية التي في سورة النور، وهذا في سبب النزول ينحلّ به إشكال كما هو معلوم في آية النور، آية النور يُشكل هذا الموضع فيها لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ.. إلى آخره، وأقوال العلماء فيها معروفة ليس عليه حرج في ماذا، هل لأنهم كانوا إذا ذهبوا وسافروا إلى الغزو ونحو ذلك تركوا مفاتيح البيوت عند أهل الأعذار من يتخلف عن الغزو من العميان ونحو ذلك، فكانوا يتحرّجون من الأكل منها، ولو أُذن لهم يقولون: لعل نفوسهم لم تطب بذلك فقال: لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ.. إلى آخره، هذا قول لبعض أهل العلم لكن من تأمل الآية يجد أن الإشكال لا يرتفع من جميع أجزائها لأمور تُذكر هناك، لكن هذا في سبب النزول في تحرّجهم، يعني بعضهم يقول: إنهم تحرّجوا، لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ.. أن يأكل مع المبصرين، والأعرج كذلك مع الأصحاء الأسوياء ونحو هذا، ما علاقة هذا؟ قالوا بأن الأعمى لرُبَّما يتحرجون باعتبار أنهم يأكلون أكثر مما يأكل ويرون الطعام ويتخيّرون فلا يكون منهم إنصاف نحو هذا الأعمى، وقد يتقذّر بعضهم باعتبار أن يده قد تطيش أو ما قد يبدُر منه.

والأعرج قالوا كذلك يحتاج في جلوسه وهيئته أو نحو ذلك لا يكون كالأسوياء، فيحصل حرج منه أن يأكل معهم فنفى الحرج عنه، هكذا قال بعض أهل العلم، لكن مثل هذه الرواية ينحل بها الإشكال، -والله أعلم-.

إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً [النساء:29] استثناءٌ منقطع، والمعنى: لكن إن كانت تجارةً فكلوها، وفي إباحة التجارة دليلٌ على أنه يجوز للإنسان أن يشتري بدرهم سلعةً تساوي مائة.

هذا من الغبن، هو غبنٌ فاحش، إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً باعتبار أنه أطلقه، ومعلوم أن الغبن يجوز معه الرد وإن اختلفوا في مقدار ذلك، يعني بعضهم يقول بأن هذا إذا بلغ الثلث؛ لأن النبي ﷺ قال في الوصية: الثلث والثلث كثير[7].

وبعضهم يقول: الربع يصح معه أو يحق معه الرد، لكن هنا يجوز للإنسان أن يشتري بدرهم سلعة تساوي مائة، هذا غبن فاحش، إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً إن الله أطلقه فيمكن أن يحصل هذا التمايز والتفاوت الكبير، لكن لو أنه اشترى سلعة بدرهم تساوي مائة فيحق لصاحب السلعة أن يرجع لأنه غبنٌ مُحقق، لكن الصورة الأخرى إذا كانت السلعة تساوي درهم وبيعت بمائة فهذا أيضًا قد يكون من قبيل الغبن الفاحش، هذا إذا كان للسلعة نظائر في السوق، إذا كان لها نظائر فهذا غبن، لكن أحيانًا يكون لا نظير لها، فهل هناك حد في الربح؟ بمعنى أنه جاء بسلعة ليست موجودة في السوق، جاء بها من بلاد أخرى وهي تساوي عشرة وباعها بثلاثمائة، فهل يُقال هذا لا يجوز؟ طيب ما الحد الذي يقف عنده؟

لا يوجد إلا أن تكون تجارة، فمثل هذا الذي يظهر أنه جائز في مثل هذه الصورة الأخيرة، لكن ينبغي للإنسان أن لا يكون صاحب طمع وأن يُحب لأخيه ما يحب لنفسه وأن يرفق بالناس.

والمشهور إمضاء البيع. وحُكي عن ابن وهب أنه يرد إذا كان الغَبن أكثر من الثُلث.

يقصد المشهور يعني عند المالكية إمضاء البيع.

وموضع أن نصب، وتجارة بالرفع فاعل تكون وهي تامةٌ، وقُرئ بالنصب خبر تكون وهي ناقصة.

(إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةٌ) باعتبار أنها يعني إلا أن توجد تجارة، هذا إذا كانت تامة وهذه قراءة الجمهور بالرفع خلافًا لعاصم إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً فتكون خبر تكون، تجارة تكون إلا أن تكون هي تجارةً وهي ناقصة بهذا الاعتبار لها اسم وخبر فالاسم مُضمر، أو إلا أن تكون الأموال أموالَ تجارة، وحُذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، بعضهم يقول: بأن التقدير إلا أن تكون التجارةُ تجارةً عن تراضٍ منكم، والمقصود أنها على قراءة النصب كانت ناقصة وتجارة خبر لها.

عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ [النساء:29] أي: اتفاق، وبهذا استدل المالكية على تمام البيع بالعقد دون التفرق[8]، وقال الشافعي -رحمه الله-: إنما يتم بالتفرق بالأبدان[9]، لقوله ﷺ: المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا[10].

قوله -تبارك وتعالى-: عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ جاء عن ابن عباس -ا- في الرجل يشتري الثوب فيقول: "إن رضيته أخذته وإلا رددته ورددت معه درهمًا، قال: هو الذي قال الله  : لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ"[11].

وهنا: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ، لا يكون ذلك في الأمور المُحرّمة إذا حصل التراضي بها، يعني لو أنه أراد أن يعقد معه عقدًا ربويًّا وقال: أنا راضي ومصلحتي في هذا فإن هذا لا يجوز، لا يجوز التراضي على ما حرّم الله -تبارك وتعالى-، لو أنه عقد معه عقدًا فاسدًا، عقدًا لا يصح، فإن هذا لا يجوز ولا يكون صحيحًا برضا الطرفين يقول أنا قابل بهذا فإن ذلك لا يُبيح ما حرّم الله -تبارك وتعالى-، إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ.

وفسره المالكية قال: عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ يعني عن اتفاق، يعني عن طيب نفس، قال: "استدل المالكية على تمام البيع بالعقد دون التفرق"، هو العقد يقع بما يدل عليه من الإيجاب والقبول أو غير ذلك بالمعاطاة ونحو هذا، ولكن يبقى له الخيار ما لم يتفرقا، فالبيع وقع لكن لهما الخيار للحديث: المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا، فسمّاهُما بذلك المتبايعان بالخيار.

وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء:29] قال ابن عطية: أجمع المفسرون أنّ المعنى لا يقتل بعضكم بعضا، قلت: ولفظها يتناول قتل الإنسان لنفسه، وقد حملها عمرو بن العاص  على ذلك، ولم يُنكره رسول الله ﷺ إذ سمعه.

عبارة ابن عطية أوفى مما نقله المؤلف -رحمه الله-، "وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ، قال ابن عطية: أجمع المفسرون أنّ المعنى لا يقتل بعضكم بعضا"، وهذا -كما سبق في بعض المناسبات- ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ [البقرة:85]، تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ يعني يقتل بعضكم بعضا، وهكذا في توبتهم من عبادة العجل فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ [البقرة:54]، يعني فليقتل بعضكم بعضًا، وهنا: لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ يعني لا يأكل بعضكم مال أخيه، فيُنزّل النفوس المُجتمعة على دين واحد منزلة النفس الواحدة، وهنا: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ كقوله: لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ، يعني لا يقتل بعضكم بعضًا، ويقول: "ولفظها يتناول قتل الإنسان لنفسه"، هذا من حيث اللفظ، ولا إشكال في هذا، وعبارة ابن عطية.

لفظه، وقوله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ قرأ الحسن: ولا تُقتّلوا على التكثير.

لاحظ الآن ولا تُقتّلوا هذا يدل على أنها لا يقتل بعضكم بعضًا؛ لأن الإنسان ليس له إلا نفس واحدة فالتكثير ليس له معنى إذا كان المقصود أن يقتل نفسه.

فأجمع المتأولون أن المقصود بهذه الآية النهي عن أن يقتل بعض الناس بعضها، ثم لفظها يتناول أن يقتل الرجل نفسه بقصدٍ منه للقتل أو بأن يحملها على غررٍ رُبما مات منه.

يعني يشمل الصورتين، أن يعمد إلى قتل نفسه، والصورة الثانية أن يتصرف تصرفات تُفضي به إلى الهلكة، "فهذا كله يتناوله النهي".

وقد احتج عمرو بن العاص بهذه الآية حين امتنع عن الاغتسال بالماء البارد خوفًا على نفسه منه، فأقره الرسول ﷺ.

هذا في الحاشية الرابعة ذكر نص الحديث، يقول:

عن عمرو بن العاص قال: "احتلمت في ليلةٍ باردةٍ في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي ﷺ فقال: يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جُنُب؟، فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت: إني سمعت الله يقول: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29]، فضحك رسول الله ﷺ ولم يقل شيئًا"[12]، رواه أبو داوود.

فهذا الاحتجاج بالآية أخذًا من ظاهرها، وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ يعني لا يتصرف أحد بما يُفضي به إلى الهلكة، فأقره النبي ﷺ على هذا فدل على أن هذا المعنى صحيح، يعني لا يقتل بعضكم بعضا هذا الذي أجمعوا عليه.

وكذلك أيضًا يؤخذ من ظاهرها ألا يتسبب في قتل نفسه.

وكذلك أيضًا لا يُلقي بنفسه إلى التهلكة، والحافظ ابن كثير -رحمه الله- يقول: "أي بارتكاب محارم الله وتعاطي معاصيه وأكل أموالكم بينكم بالباطل"[13]، يعني أنكم بذلك تُهلكون أنفسكم.

وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ [النساء:30] إشارةٌ إلى القتل؛ لأنه أقرب مذكورٌ، وقيل: إليه وإلى أكل المال بالباطل، وقيل: إلى كل ما تقدّم من المنهيات من أوّل السورة.

هنا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ بعضهم يقول من آخر نهي وهو قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا [النساء:19]؛ لأن كل ما نهى عنه من أول السورة قُرن به وعيد، إلا أن قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا لم يذكر وعيدًا بعده إلا قوله: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ هنا في هذه الآية، فبعضهم يقول هذا مرتبطٌ به.

ويُمكن أن يكون المراد به ما ذُكر في آخر نهي إلى هذا الموضع ومنه القتل، أو إلى هذا وإلى ما قبله أكل أموال الناس بالباطل، أو إلى كل ما تقدم من المنهيات، ولكن مثل ما ذُكر هنا من أن ذلك من آخر نهيٍ لم يُقرن معه وعيد، وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ، كأن هذا له وجه، والله أعلم.

إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ [النساء:31] اختلف الناس في الكبائر ما هي؟

فقال ابن عباس -ا-: الكبائر كل ذنبٍ ختمه الله بنارٍ أو لعنةٍ أو غضب.

وقال ابن مسعود : الكبائر هي الذنوب المذكورة من أول هذه السورة إلى أول هذه الآية -وفي نسخة في قوله: إلى أول هذه الآية أن أول زائدة-.

وقال بعض العلماء: كل ما عُصي الله به فهو كبيرة، وعدّها بعضهم سبعة عشر، وفي البخاري عن النبي ﷺ: اتقوا السبع الموبقات: الإشراك بالله، والسحر، وقتل النفس، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولِّي يوم الزحف، وقذف المحصنات[14]، فلا شك أنّ هذه من الكبائر للنص عليها في الحديث، وزاد بعضهم عليها أشياء ورد في الأحاديث النص على أنها كبائر، أو ورد في القرآن أو في الحديث وعيدٌ عليها، فمنها:

عقوق الوالدين، وشهادة الزور، واليمين الغموس، والزنا، والسرقة، وشرب الخمر، والنهبة، والقنوط من رحمة الله، والأمن من مكر الله، ومنع ابن السبيل الماء، والإلحاد في البيت الحرام، والنميمة، وترك التحرّز من البول، والغلول، واستطالة المرء في عرض أخيه، والجور في الحكم.

على كل حال بهذا الضابط كل ذنب جاء عليه وعيدٌ خاص أو لعن أو غضب أو نحو هذا فهو من الكبائر، أو جاء النص على ما يدل على ذلك، مثل: اتقوا السبع الموبقات، والكبائر ليست أيضًا على درجةٍ واحدة بل هي متفاوتة، فأعلاها الشرك بالله ، وكذلك أيضًا هذه السبع المذكورة في هذا الحديث.

نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ [النساء:31]، وعدٌ بغفران الذنوب الصغائر إذا اجتُنب الكبائر. مُدْخَلًا كَرِيماً [النساء:31] اسم مكان وهو هنا الجنة.

مُدْخَلًا كَرِيماً، ويحتمل أن يكون مُدخلًا أن يكون مصدرًا ميمًا، ويعني وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا يعني إدخالًا كريمًا، ويحتمل أن يُراد به هذا وهذا يعني المكان أو معنى المصدر الميمي، فيكون الكريم وصفًا للإدخال ولموضع الدخول، مكان الدخول، يعني يكون دخولهم بهذه الصفة وكذلك الموضع الذي يصيرون إليه إذا دخلوا كريم.

وَلا تَتَمَنَّوْا [النساء:32] الآية، سببها أن النساء قلن: ليتنا استوينا مع الرجال في الميراث وشاركناهم في الغزو، فنزلت نهيًا عن ذلك؛ لأن في تمنيهم ردًّا على حكم الشريعة، فيدخل في النهي تمنّي مخالفة الأحكام الشرعية كلها.

قوله -تبارك وتعالى-: وَلا تَتَمَنَّوْا يقول: "سببها أن النساء قلن: ليتنا استوينا مع الرجال"، جاء عن ابن عباس -ا-: "قالت امرأةٌ: يا نبي الله للذكر مثل حظ الأنثيين، وشهادة امرأتين برجلٍ، أفنحن في العمل هكذا؟، -يعني على النص في الأجر والثواب؟ إن عملت المرأة حسنة كُتبت لها نصف حسنة؟- فأنزل الله: وَلا تَتَمَنَّوْا"[15]، وهذا أخرجه ابن أبي حاتم وصححه الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله-.

وجاء من حديث أم سلمة أيضًا -ا- قالت: يغزو الرجال ولا تغزو النساء وإنما لنا نصف الميراث، فأنزل الله -تبارك وتعالى-: وَلا تَتَمَنَّوْا الآية"[16]، فيحتمل أن يكون السائلة واحدة أبهمها ابن عباس -ا- ويكون في سؤالها أجزاء لم تُذكر في الرواية الأولى، يحتمل أنها سألت عن هذا وهذا.

ويحتمل أن ذلك وقع من امرأتين وتكون الآية نازلة بعدهما إذا كان ذلك في وقتٍ متقارب، وإذا كان الوقت متباعدًا لا مانع من أن تكون الآية نزلت مرتين، -والله أعلم-.

هذا ما يتعلق بسبب النزول ووجه الجمع بين هذه الروايات.

يقول: "لأن في تمنيهم ردًّا على حكم الشريعة، فيدخل في النهي تمنّي مخالفة الأحكام الشرعية كلها".

يعني كالجهاد والعلم والعمل، بل المال والولد وسائر أمور الدنيا والدين، وَلا تَتَمَنَّوْا فهذا عام، فيدخل فيه تمنّي النساء ما أُعطي الرجال، ويدخل فيه أيضًا تمنّي الرجل أيضًا بعض ما أُعطيت المرأة، ويدخل فيه أيضًا العموم تمنّي الناس ما عند غيرهم، لكن سياق الآية يدل -والله تعالى أعلم- على أن ذلك بين النساء والرجال، وإذا كان هذا بمجرد التمنّي فكيف -كما قال بعض أهل العلم- بمن يحكم بالتسوية بين حقوق المرأة والرجل أو يعترض على تمييز الرجل عن المرأة ببعض الأحكام، ويقولون: هذا مجتمع ذكوري، وهكذا بعض العبارات الساقطة التي يلوكها بعضهم، فهذا شرع الله -تبارك وتعالى- وهو مبني على كمال العدل.

لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا [النساء:32] الآية، أي من الأجر والحسنات.

وكذلك أيضًا السيئات، الحسنات والسيئات كما قال ابن جرير[17]، والحافظ ابن كثير[18] -رحم الله الجميع-.

لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا [النساء:32] الآية، أي من الأجر والحسنات، وقيل: من الميراث، ويردّه لفظ الاكتساب.

لأن الميراث هو انتقال المال بصورة أو بصفة جبرية لا يد للإنسان فيها إطلاقًا، حتى مجرد الرضا والإقرار والموافقة غير معتبر، الهبة والعطية والهدية تتوقف على القبول؛ لئلا يلحقه بذلك منّة، فلا يصير ذلك في جملة أملاكه إلا إذا حصل منها القبول لها، أما الميراث فهو انتقال جبري من غير توقّف على قبوله ورضاه، لكن له بعد ذلك أن يتبرع به، أن يهب هذا الميراث أو غير ذلك، لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا من الأجر والحسنات والسيئات، ونحو ذلك.

وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ [النساء:33] الآية، في معناها وجهان:

أحدهما: لكل شيءٍ من الأموال جعلنا موالي يرثونه، فمما ترك على هذا بيان لكل.

والآخر: لكل أحدٍ جعلنا موالي يرثون مما ترك الوالدان والأقربون، فما ترك على هذا يتعلق بفعل مُضمر -وفي نسخة: [مما ترك على هذا يتعلق بفعلٍ مُضمر]-، والموالي: هنا الورثة والعصبة.

وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ يعني أولياء وهم ورثته أو عصباته، وممن قال: إنهم الورثة ابن عباس -ا- في روايةٍ، وجاء ذلك أيضًا عن مجاهد وسعيد بن جبير وأبي صالح وقتادة وزيد بن أسلم والسُدي والضحاك ومقاتل أنهم الورثة[19].

وممن قال: إنهم العصبة هذه الرواية الأخرى عن ابن عباس -ا-[20]، يقول أبو جعفر ابن جرير -رحمه الله-: "والعرب تُسمي ابن العم مولى"[21]، يعني العصبات.

وكذلك أيضًا المُعتق والمُعتَق يُقال هذا أولى، فالموالي أعلون وأدنون كما هو معلوم، فالمُعتِق مولى أعلى والمُعتَق مولى أدنى هذا يقول: مولاي، وهذا يقول: مولاي، كذلك يُقال: المولى للناصر وللجار، والمعنى -والله أعلم- وَلِكُلٍّ جَعَلْنا إذا اعتبرنا أنها بمعنى العصبات، وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ أي عصبة يرثون ما أبقت الفرائض، وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ.

وهنا ذكر وجهين، الأول: "لكل شيءٍ من الأموال جعلنا موالي، وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ، لكل شيءٍ من الأموال جعلنا موالي يرثونه، فمما ترك على هذا بيان لكل، مما ترك": يعني من الأموال، "بيان لكل": شيء من الأموال، "مما ترك": يعني من الثروة أو المال.

والمعنى الآخر الذي ذكره: "لكل أحدٍ جعلنا موالي يرثون مما ترك الوالدان والأقربون، فمما ترك على هذا يتعلق بفعل مُضمر والموالي: هنا الورثة والعصبة، وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ" الفعل المُضمر يرثون مما ترك، هذا الفعل المُقدّر.

والموالي: هنا الورثة والعصبة -وفي نسخة: [الذرية]-.

لا،  "والموالي: هنا الورثة والعصبة"، القولان في هذا الورثة والعصبة.

وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ [النساء:33] اختلف هل هي منسوخةٌ أو محكمة، فالذين قالوا: إنها منسوخةٌ قالوا: معناها الميراث بالحِلف الذي كان في الجاهلية.

وهذا قول الجمهور، كان الناس يتوارثون بالحِلف، وهذا الذي اختاره الحافظ ابن كثير -رحمه الله- أن المقصود بذلك التوارث بالحِلف[22]، وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ يعني من الميراث، فنُسخت، هذا قول عامة أهل العلم.

وقيل: بالمؤاخاة التي آخى رسول الله ﷺ بين أصحابه -رضوان الله عليهم-، ثم نسخها: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ [الأنفال:75] فصار الميراث للأقارب.

والذين قالوا: إنها محكمةٌ اختلفوا، فقال ابن عباس -ا-: هي في المؤازرة والنصرة بالحِلف لا في الميراث به.

هذا المعنى الذي قاله ابن عباس -رحمه الله- هو اختيار ابن جرير -رحمه الله-[23]، ومن المعاصرين الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحم الله الجميع-[24].

وقد جاء عن ابن عباس -ا- بهذه الآية: وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ قال: ورثة، وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ -عاقدت أيمانكم كما في القراءة الأخرى- قال: كان المهاجرون لما قدِموا المدينة يرث المهاجر الأنصاري دون ذوي رحمه للإخوة التي آخى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بينهم، فلما نزلت: وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ نُسخت، ثم قال: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ إلا النصر، والرفادة، والنصيحة، وقد ذهب الميراث، ويوصي له"[25]، يعني يوصي لهذا الحليف أو الذي حصلت معه المؤاخاة باعتبار أن الوصية تكون لغير الوارثين، وهذا مُخرّج في الصحيح في البخاري.

وقال أبو حنيفة -رحمه الله-: هي في الميراث، وأن الرجلين إذا والى أحدهما الآخر على أن يتوارثا صح ذلك وإن لم تكن بينهما قرابة.

هذا فيه نظر، فإن الله -تبارك وتعالى- قد حدد المواريث والوارثين، جاء في صحيح مسلم: لا حِلف في الإسلام، وأيما حِلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدّة[26]، والمقصود بالحِلف هنا المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتناصر، باعتبار أن المؤمنين أولياء لبعضهم، وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71].

الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ [النساء:34]، قوّام بناء مبالغةٍ من القيام على الشيء والاستبداد بالنظر فيه.

يعني مراعاة الشيء وحفظه بالاجتهاد، بالقيام بمصالحه ورعايته ونحو ذلك، يعني يقوم عليها بما يجمُل ويحسُن من صيانةٍ وحفظٍ ورعايةٍ وتعاهد وما إلى ذلك، فالقوامة هي من كمال هذه الشريعة برعاية النساء وحفظهن من أن يجور عليهن أحد أو يُظلمن أو يُعتدى عليهن أو على أعراضهن أو تطمح إليهن نفوس الضعفاء وما أشبه ذلك، فهذا معنى القوامة، قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ وليست نقيصة كما يُصور أعداء المرأة، وهؤلاء الذين يُعارضون نص القرآن بالمطالبة بإسقاط الولاية، هذه الآية صريحة ولا يحل لأحدٍ كائنًا من كان أن يتفوّه بهذا، أو أن يعتقده بقلبه ولو لم يتكلم به؛ لأن ذلك مخالفة لصريح القرآن، يعني هذا تكذيبٌ للقرآن واعتراضٌ على حكم الله الصريح، ليس ذلك من قبيل الاجتهاد أو التأويل أو ما يحتمل أو نحو ذلك.

فهذه القوامة لو كان هؤلاء يعقلون لعرفوا أنها من محاسن هذه الشريعة وذلك برعاية المرأة وحفظ حقوقها، وما أشبه ذلك يقوم عليها الرجال الأقوياء، فبذلك تكون صيانة المرأة والاحتياط لها، فلا تكون سلعةً رخيصة تُباع وتُشترى فتذهب كرامتها وعفافها وطهارتها وتكون ألعوبة بأيدي الذئاب البشرية، هذا هو المقصود، ولا يصح بحالٍ من الأحوال التفوّه بغير هذا، -والله المستعان-.

فالرجال قوامون على النساء وهم أيضًا حاكمون عليهنّ بإلزامهن بحقوق الله تعالى وأداء فرائضه وتأديبهن وكفهن عن الشرور والمفاسد، كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته[27]، فهي من جملة رعيّته، فهو قيّمها والقائم على شئونها ولابد للناس من هذا في كل مكان، المؤسسات والشركات والأعمال والإدارات ونحو ذلك لابد لها من قائمٍ بأمورها، يعني من يُدير شئون هذه الإدارة أو المؤسسة أو الشركة أو نحو ذلك، ولا يصح أن يُقال: إن الجميع سواء كلهم مُدراء في هذه الجهة، فبذلك يحصل خراب هذه المؤسسة، وهكذا حينما يقود هذه المركبة أو السفينة أو نحو ذلك أكثر من واحد فهذا يعني العطب والغرق كما لا يخفى، فكذلك أيضًا في شئون الأسرة تدبير هذه الأمور إنما يكون لقائدٍ واحد ويكون ذلك للأقوى، والأقوى في الأصل هو الرجل فهو الأقدر سواء كان ذلك كما سيأتي بما أعطاه الله من القوة البدنية، فهو أقوى بدنًا من المرأة وهذا شيءٌ مُشاهد في الإنسان وفي غير الإنسان حتى في الحيوانات وحتى في النباتات وحتى في الطيور تُميّز بين الذكر والأنثى، أو كان ذلك في المواهب العقلية والقُدر والإمكانات، وكما يقول الأطباء بأن تلافيف عقل الرجل أكثر من تلافيف عقل المرأة، وهذا يستدعي القوة في اتخاذ القرار ورباطة الجأش والثبات وبُعد النظر والتفكير وما أشبه ذلك، هذه خِلقة خلقها الله -تبارك وتعالى- في الرجل، فهذا هو الأصل في الرجل وإن وُجد بعض النساء قد تكون أحسن تدبيرًا من بعض الرجال، لكن العبرة بالغالب وليس بالاستثناءات.

الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ [النساء:34]، قوّام بناء مبالغةٍ من القيام على الشيء والاستبداد بالنظر فيه، قال ابن عباس -ا-: الرجال أمراء على النساء

بِما فَضَّلَ اللَّهُ [النساء:34] الباء للتعليل، وما مصدرية، وهو التفضيل بالإمامة والجهاد، وملك الطلاق وكمال العقل وغير ذلك.

على كل حال التفضيل -كما ذكرت- يكون بأعمّ من هذا، بما فضل الله بما أعطاهم من القُدر البدنية والإمكانات العقلية، وهكذا ما فضّلهم به من الأحكام ونحو ذلك، هذا الجانب الأول من التفضيل الذي يُقال له: التفضيل الوهبي، يعني الذي وهبه الله للرجال، جعل بدنه أقوى من المرأة، وجعل عقله أيضًا أكبر من عقل المرأة.

الجانب الثاني الذي هو التفضيل الكسبي، وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:43]، وهو الصداق والنفقة المستمرة على الزوجات، وهذا الذي ذكره الحافظ ابن كثير -رحمه الله-، النفقة[28] وبهذا تكون القِوامة قائمة على أصلين:

الأصل الأول: وهو التفضيل الوهبي.

الأصل الثاني: الإنفاق، فإذا صارت المرأة هي التي تُنفق فيكون الرجل قد ضيّع نصف القِوامة فتستطيل المرأة عليه، ومعلومٌ أن الذي يُنفق -حتى في أوساط الرجال- يكون هو صاحب الكلمة، وهو والمُقدَّم، وهو المُطاع وهو الذي يُصرِّف الشئون، الذي يُنفق صاحب النفقة، فمتى ما استغنت المرأة عن إنفاق الرجل أو تراجع الرجل عن هذه المرتبة فذلك يعني تراجعه عن القِوامة أو عن شق القوامة، فتكون المرأة ندًا له وتستطيل عليه، ومن هنا إذا ترفّعت المرأة حصلت المشكلات، ولم يحصل الوفاق بين الزوجين، ولذلك كثُر الطلاق في هذه الأوقات وهذا من أعظم أسبابه، النفقات، المرأة صار عندها مال وضعفت نفوس كثير من الرجال فصار يُطالبها بأن تقوم بالنفقة في شئون بيتها ونحو ذلك، فكان ذلك سببًا لاستطالتها وأنها مُستغنية عنه، وأنها هي التي تُنفق، ولذلك تقول: بملء فيها إذا قيل لها هذا الرجل تعيشين في كنفه وكذا، قالت: البيت بيتي وأنا التي تُنفق وإن شئت -وهذا الكلام أسمعه بأذني- وإن شئت طردته وبقيت مع أولادي في البيت، طردته هذه كلمة صعبة جدًا الإنسان يسمعها من امرأة تقولها في حق زوجها كأنه حشرة أو حيوان، صعبة تُقال في حق آدمي، طردته، إن شئت طردته وبقيت في البيت مع أولادي، بيتكِ هذا تصرفي فيه وأجريه، افعلي به ما شئتِ، لكن أنا عندي بيت ولو أستأجره بالدين ولا تمنّين عليّ بمثل هذه المنة، إذا غضبت ظهرت منها مثل هذه الكلمات القاسية، فهي تشعر أنها مُستغنية عنه.

وكثير ما تُردد بعض النساء مثل هذا إذا وقعت المشكلات وكذا تقول: أنا لست بحاجة إليه أنا التي أُنفق أصلًا، أنا مستغنية عنه، ماذا لقيت من هذا الرجل؟ تحاول تقنعها جاهدًا ولكن للأسف هي مستعلية مستغنية، والسبب هو الرجل نفسه إذا نزل ارتفعت المرأة.

وَبِما أَنْفَقُوا [النساء:34]، هو الصداق والنفقة المستمرة على الزوجات، فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ [النساء:34] أي: النساء الصالحات في دينهن مطيعات لأزواجهن.

وهذا الذي قاله ابن عباس -ا-[29]، قانِتاتٌ، والقنوت عرفنا أنه دوام الطاعة، يعني أنها تُديم طاعة الزوج لا تعصيه إلا فيما كان معصيةً لله -تبارك وتعالى- وهذا يدل على أن التي لا تُطيع زوجها والناشذ ليست بصالحة، فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ فمن لم تكن على هذه الحال فليست بصالحة ولو كانت لا تفتر من التسبيح والذكر وصلاة الليل وصيام النهار كما يحصل بعض النساء بهذه المثابة، ولكنها في حق الزوج مستطيلة، مُتسلطة، مُضيعة لحقوقه، غير مبالية بها، وهي في الجانب الآخر متمسكة صاحبة عبادة وذكر، وهذا لا يجتمع وهذه لا تكون صالحةً بهذا الاعتبار، لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها[30] ولاحظ هذا التشديد في النصوص من أجل أن تستقيم أحوال الناس، وتستقر الأسرة؛ لأنه إذا حصل هذا الترفّع من النساء حصل خراب البيوت.

فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ [النساء:34] أي: النساء الصالحات في دينهن مطيعاتٌ لأزواجهن أو مطيعةٌ لله في حق أزواجهن.

بين القولين هما يرجعان إلى شيءٍ واحد، يعني مطيعة لله في حق الزوج، أو مطيعة للزوج، فذلك يرجع إلى معنى الطاعة.

حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ [النساء:34]، أي: تحفظ كل ما غاب عن علم زوجها، فيدخل في ذلك صيانة نفسها وحفظ ماله وبيته وحفظ أسراره.

أصل الحفظ هو مراعاة الشيء، فيدخل في هذه المعاني التي ذكرها المؤلف حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ، فهي لا تتكلم بشئونه وشئونها الخاصة عند النساء، وتذكر أسرار بيتها، وكذلك أيضًا إذا غاب زوجها لربما قرفت بعض ما لا يليق، وهكذا ما يتعلق بحفظ بيته وماله ونحو ذلك، فهي امرأةٌ مأمونة من كل وجه.

حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ فهو إذا غاب عنها يطمئن إليها أنه لا يبدر منها شيءٌ يكرهه لا في المال ولا في تصريف شئون البيت ولا في لسانها والكلام الذي قد تتحدث مع بعض صواحباتها حينما تذكر كل التفاصيل التي تجري بينها وبين زوجها، وما قال لها، وتذكر عيوبه وتتنقصه عند صواحباتها، ونحو ذلك، هذه امرأة ليست بصالحة، وإذا كانت الغيبة من الكبائر وحرام فلا شك أن غيبة الوالدين أو غيبة الزوج تكون أشد حُرمةً؛ لحرمة شدة حرمة المُتعلّق وهو الزوج أو الوالد، وكذلك غيبة المُعلم ونحو هذا، يعني التلاميذ يغتابون المعلمين وأيضًا بعض الأولاد يغتاب الأب، البنت تغتاب الأم ونحو هذا، هذا لا يجوز، يعني يقول مثلًا: أبي بخيل، أبي شديد، أبي قاسي، أبي كذا، هذه غيبة، وللوالد وفي أمورٍ هو يُفسرها هكذا وإذا تقدمت به الأيام والعُمر عرف أن هذه التصرفات كانت في مصلحته، والبنت كذلك تتحدث عن أمها بأنها كثيرة الطلبات أو أنها ترفع صوتها أو نحو ذلك، أو أنها تشغلها أو أنها عصبية كما تقول أو نحو ذلك، فهذا لا يجوز، هذا أشد في الغيبة، والطلاب ما يفتأ الواحد منهم إلا من رحم الله، غيبةً في هؤلاء المعلمين الذين لهم حق عليهم، وهكذا في صور فاشية.

بِما حَفِظَ اللَّهُ [النساء:34] أي: بحفظ الله ورعايته.

"بحفظ الله ورعايته" يعني بِما حَفِظَ اللَّهُ، بحفظ الله ورعايته" إياهن يعني بتوفيقه لهن بِما حَفِظَ اللَّهُ لا من أنفسهن، فإن النفس أمارة بالسوء، فالمحفوظ من حفظه الله -تبارك وتعالى-، يعني يكون المعنى فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ يعني بحفظ الله إياهُن، بتوفيقه لهن صرن بهذه المثابة.

بِما حَفِظَ اللَّهُ [النساء:34] أي بحفظ الله ورعايته أو بأمره للنساء أن يطعن الزوج ويحفظنه.

يحفظنه يعني بما أمر أو بأمره -تبارك وتعالى-، يعني حافظات له بما استحفظهن من أداء الأمانة إلى أزواجهن الذي أمر الله به، بِما حَفِظَ اللَّهُ، أو حافظات للزوج، حافظاتٌ له بحفظ الله لهن بما أوصى به الأزواج في شأنهن من حرصٍ للعشرة، هذا معنى آخر، حافظات له بحفظ الله بهن بما أوصى به الأزواج في شأنهن من حسن العشرة، وقرأ أبو جعفر بالنصب في اسم الجلالة بما حفظَ اللهَ والمعنى بما حفظن الله، يعني حفظن أمره أو دينه، يعني بحفظهن الله، بما حفظَ اللهَ.

أبو جعفر ابن جرير ذهب إلى أن في الكلام مُقدّر، يعني فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ: "فأحسنوا إليهن وأصلحوا"[31].

أو بأمره للنساء أن يطعن الزوج ويحفظنه، فما مصدرية أو بمعنى الذي.

"فما مصدرية" يعني بِما حَفِظَ اللَّهُ يعني بحفظ الله، "أو بمعنى الذي، بِما حَفِظَ اللَّهُ" بالذي حفظ الله، والعائد محذوف يعني بالذي حفظه الله لهن من مهور أزواجهن والنفقة عليهن، ويحتمل أن تكون ما هذه نكرة موصوفة والعائد محذوف كما في الموصولة، يعني أي بشيءٍ حفظه الله لهن، كل هذا على قراءة الرفع، وقراءة النصب لها توجيهات.

وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ [النساء:34]، قيل: الخوف هنا اليقين -وفي نسخة: [قيل: الخوف هنا بمعنى اليقين]-.

تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ، نشوز يعني المعصية والتعالي عما أوجب الله عليهن من طاعة الأزواج، بُغض المرأة لزوجها، أصل النشوز الارتفاع، الأرض الناشزة ونحو ذلك هذا نشاز من الأرض يعني المكان المرتفع، فمعنى ذلك أن المرأة تترفع على طاعة الزوج، فلا تُطيع زوجها وتكون مُترفعةً عليه، وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ [النساء:34]، "قيل: الخوف هنا اليقينط يعني بمعنى أنه إذا علم منها النشوز، تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ تيقّن نشوزها، صارت المرأة لا تُطيعه، لا تستجيب له سواء كان في أمر الفراش أو كان ذلك في سائر شئونها، إذا أمرها لم تستجب، ولم تمتثل لأمره، ينهاها عن الخروج وتخرج، ينهاها عن استضافة من لا يرتضيه في بيته فتستضيف، يدعوها إلى فراشه فلا تستجيب، ينهاها عن أمور ليست مما يتعلق بطاعة الله ، ينهاها عن أشياء يرى أنها المصلحة فلا تستجيب، يأمرها بأشياء ليست من معصية الله فلا تستجيب، فهذه المرأة الناشز، وأكمل هذه الصور فيما لو ذهبت المرأة أو خرجت إلى بيتٍ آخر، أو إلى بيت أهلها أو نحو ذلك تاركةً لزوجها، ففي هذه الحالة لا شك أنها ناشز وتسقط عنها النفقة.

وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ [النساء:34]، قيل: الخوف هنا اليقين -وفي نسخة: [قيل: الخوف هنا بمعنى اليقين]-، وفي نسخة: [قيل: هو على أصله].

"قيل: هو على أصله" هذه زيادة تُضاف، "قيل: هو على أصله" بمعنى أنه على ظاهره أنه إذا غلب على ظنه أن هذه المرأة غير مُستجيبه فإنه يُعالج هذه المشكلة، القول بأنه اليقين باعتبار أنه لا يجوز له أن يتخذ عقوبةً تجاه هذه المرأة ولم يصدر منها شيء، وإنما هو مجرد التوقّع، فهي لا تستحق بذلك أن تُعاقب بالهجر أو الضرب وهي لم يصدر عنها شيء.

فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء:34]، هذه أنواع من تأديب المرأة إذا نشزت على زوجها وهي على مراتب: بالوعظ في النشوز الخفيف.

يعني تُذكّر بالله وتُخوّف من عقابه على معصية الزوج، تُذكر لها النصوص في هذا الباب، الترغيب في طاعته، ما لهن من الثواب إذا أطعنه، تُذكّر بالعواقب، وبما يؤول إليه مثل هذه التصرفات، وما تكون المصلحة فيه من بقاء هذه الوشيجة، وقيام الأسرة وما يحصل بسبب ذلك من استقامة الأمور والحياة المطمئنة ونحو ذلك، فالوعظ يدخل في الحث على الشيء بما يحمل على فعله من الترغيب والترهيب وذكر المحاسن ونحو هذا، فهذا كله داخلٌ فيه، فَعِظُوهُنَّ، وهذا يعني التدرج بالأسهل لا يُبدأ بالأصعب حتى في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يُسلك الطريق الأسهل الأقرب الأيسر، والنبي ﷺ ما خُيّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما[32]، فإذا كان الشيء يتأتّى بطريقٍ سهل فهو المُقدم.

بالوعظ في النشوز الخفيف، والهجران فيما هو أشد منه.

الهجران يعني يهجر، وَاهْجُرُوهُنَّ هنا قيّده بالمضاجع، الهجر في المضاجع ويأتي الكلام عليه باعتبار أن هذا أشد من الوعظ، وهذا قد يؤثر في بعض النساء ويكون شديد الوطأة عليها إذا هجرها، إما لحاجتها للمعاشرة، وإما لأن هذا التصرف يُنبئ عن سخطه عليها فيشتد، ومنهن من لا تُبالي بذلك أصلًا وتُصرح بأنها لا تُريد هذا الزوج وتكرهه وهي التي تمتنع منه، فإذا هجرها حصل لها مطلوبها وسُرّت بذلك، فهذا لا يؤثر معها.

والضرب فيما هو أشد، ومتى انتهت عن النشوز بوجه من التأديب لم يتعد إلى ما بعده، والهجران هنا هو ترك مضاجعتها، وقيل: ترك الجماع إذا ضاجعها، والضرب غير مبرّح.

الهجران يعني هل يترك الكلام معها أصلًا أو يترك المبيت معها في غرفة واحدة أو يكون الهجران في نفس المضجع بمعنى أنه يُدير ظهره.

فهنا يقول: "هو ترك مضاجعتها"، بعضهم يقول: ألا يُدخلها معه فيما يجعله عليه من لحاف ونحوه حال الاضطجاع.

وبعضهم يقول: لا يبيت معها في الموضع الذي تبيت فيه أو تضطجع فيه، يعني يبيت في غرفة أخرى، وتقييده هنا وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ يدل على أنه يكون معها في مضجع واحد والله أعلم، لكن يهجرها فيه، ولهذا قال بعضهم: "ترك الجماع" يعني بمعنى أنه يضطجع معها في فراشٍ واحد لكنه يُدير ظهره إليها وليس المقصود أن يهجر هجرًا كاملًا ولا يكلم هذه المرأة ونحو ذلك ويخرج من البيت، فقد جاء عن ابن عباس -ا- هذا المعنى، بمعنى أنه يُوليها ظهره[33]، وفي رواية: "ولا يُكلمها"[34]، هذا جاءت في رواية عن ابن عباس وهو مروي عن السُدّي والضحّاك وعِكرمة[35].

فيما يتعلق بالضرب هنا الضرب غير المُبرّح، وللأسف الجرأة على القرآن أحدهم أصدر مقطعًا يتحدث عن الضرب وهنا ليس المقصود به الضرب المعروف، وإنما وَاضْرِبُوهُنَّ الضرب بمعنى الانتقال ونحو ذلك والمباعدة وليس الضرب، وأن الشارع لا يأمر بضرب المرأة، وأن هذا خلاف الأدب، وخلاف الأصول، وخلاف الرفق، وخلاف الرعاية، وكلام من هذا القبيل ويُفسر الضرب بهذا التفسير البعيد الذي ينادي به على جهله أو هواه للأسف، إذا كان بلغ بالجهل هذه الحال رُبما -وهذا بعيد- أن يصل بالإنسان الجهل إلى هذا الحد، وللأسف أصبح يتكلف من يتكلف، ويتكلم من شاء وأشياء يسأل الناس عنها لا تستحق الرد، مثل هذا الذي يفسر الحروف المقطعة بلغةٍ أخرى بالسريانية ونحو ذلك، وينتشر في الناس ويذكر تفاصيل وأشياء لا تستحق الوقوف معها، ولا الاستماع لها، الله يقول عن القرآن: بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء:195]، وهذا يقول باللغة السريانية.

وهذا الضرب القواعد والأصول المعروفة القرآن يُحمل على معهود الأميين والمعنى المُتبادر أيضًا، ما هو المعنى المتبادر، المعنى المتبادر مثلًا في موضوع الضرب هو الضرب المعروف، وكذلك جاء في صحيح مسلم عن النبي ﷺ: ولكم عليهن ألا يوطئن فُرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مُبرّح[36]، ما معنى الضرب غير المبرّح هذا الذي يتكلم عن الضرب بمعنى السير في الأرض ونحو ذلك والمباعدة، الضرب غير المبرّح يعني تمشي مشيًا غير مُبرّح؟!

هذه جهالات ولعب بالنصوص وجُرأة، ومن شاء تكلم بما شاء، والجدار القصير أصبح هو الكلام في نصوص الكتاب وسُنة من غير رادع يردع مثل هؤلاء السفهاء، والعجيب أنك تجد من يقبل مثل هذا الكلام ويقول اكتشاف ومعنًى أخطأ الكثيرون في فهمه، وإذا رأيت هذه العبارات الكثيرة قبل الكلام فلا تقرأه، اعلم أن الذي تحته ليس بشيء، غاية التهويل الكثير قبل الكلام هذا يدل على أن الذي تحته لا شيء، والحق لا يحتاج إلى هذا التأويل.

فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا [النساء:34]، أي إذا أطاعت المرأة زوجها فليس له أن يؤذيها بهجران ولا ضرب.

فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا، بعضهم يقول لا تطلبوا منهن الحب، لكن على كل حال إذا أطعن وهذا هو القدر الواجب فعند ذلك ليس له أن يؤذيها بالقول ولا الفعل، يعني لا تطلبوا طريقًا إلى أذاهن.

والبغي هنا فَلا تَبْغُوا يُطلق على طلب الشيء، الظلم، الترفع والعلو، مجاوزة المقدار، فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا، لا تطلبوا سبيلًا إلى الإيذاء لا بالقول ولا بالفعل.

وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما [النساء:35]، الشقاق الشر والعداوة.

يُقال الشر والعداوة، أصله المخالفة، أصل مادة شقق تدل على انصداع في الشيء، شقاق بينهم.

وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما [النساء:35]، الشقاق الشر والعداوة، وكان الأصل إن خفتم شقاق بينهما، ثم أضيف الظرف إلى الشقاق على طريق الاتساع لقوله تعالى: بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ [سبأ:33] وأصله: مكرٌ بالليل والنهار.

والمخاطب هنا الجمهور أن المخاطب بذلك الحكام والأمراء، وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا، يعني باعتبار أن هذا ليس المخاطب به الزوج وإنما القاضي ونحو ذلك، فهو الذي يبعث الحكمين.

فَابْعَثُوا حَكَماً [النساء:35] الآية، ذكر تعالى الحُكم في نشوز المرأة، والحكم في طاعتها، ثم ذكر هنا حالةً أخرى، وهي ما إذا ساء ما بين الزوجين ولم يُقدر على الإصلاح بينهما ولا عُلم من الظالم منهما، فيبعث حكمان مسلمان لينظرا في أمرهما، وينفِّذا ما ظهر لهما من تطليقٍ وخلعٍ من غير إذن الزوج، وقال أبو حنيفة -رحمه الله-: ليس لهما الفراق إلّا إن جُعل لهما، وإن اختلفا لم يلزم شيءٌ إلَّا باتفاقهما، ومشهور مذهب مالك -رحمه الله-: أن الحاكم هو الذي يبعث الحكمين، وقيل: يبعثهما الزوجان، وجرت عادة القضاة أن يبعثوا امرأةً أمينة ولا يبعثوا حكمين، قال بعض العلماء: هذا تغييرٌ لحكم القرآن والسنة الجارية.

هذا صحيح، ليس له أن يبعث امرأة وإنما يبعث حكمين، واختلف السلف هل هما وكيلان أو حكمان؟

يعني إذا كانا وكيلين فمعنى ذلك أن ذلك يقتصر على القدر الذي حصلت به الوكالة، ولكن إذا كانا حكمان فالحكم مُطلق هنا فيما يريانه من المصلحة، ومن هنا أبو حنيفة والشافعي -رحم الله الجميع- في أحد قوليه ورواية عن الإمام أحمد أنهما وكيلان، هذا وكيل عن المرأة، وهذا وكيل عن الرجل[37].

وذهب أهل المدينة ومالك وهو الرواية الأخرى عن أحمد وقول الشافعي أنهما حكمان[38]، وهذا الذي اختاره الحافظ ابن القيم -رحمه الله-[39] ونبّه إلى أنهما حاكمان فيهما شائبة الوكالة، ووكيلان منصوبان للحكم، يعني واحد ينوب عن الرجل وواحد ينوب عن المرأة هذه تُشبه الوكالة، وهما أيضًا حاكمان.

وذكر الحافظ ابن عبد البر -رحمه الله- إجماع العلماء على أن الحكمين إذا اختلف قولهما فلا عبرة بقول الآخر[40].

يعني هذا يقول مثلًا: يُفرّق بينهما، وهذا يقول: لا. يبقى النكاح على حاله، لكن ذكر الإجماع على أن قولهما نافذ في الجمع وإن لم يوكلهما الزوجان، يعني إذا رأوا أن بقاء الزوجية هو المصلحة فإن ذلك يكون نافذًا، لكن اختلفوا هل ينفذ قولهما في التفرقة، وحكى عن الجمهور أنه ينفذ وإن لم يوكلهما الزوجان، وإلا فما معنى كون هؤلاء بهذه الصفة أنهما حاكمان، والله سمّاهما بذلك، فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ، فالحكم يحكم، فيحكمان بما يريان فيه المصلحة.

والأصل أن يكون أحد هذين الحكمين من أهلها والآخر من أهله، هذا ينوب عن هذا وهذا ينوب عن هذا، لكن لو أن القاضي لم يجد من يصلح لذلك في أهله وأهلها هذا لربما قرابة هذه المرأة سفهاء لا يزيدون الأمر إلا سوءًا، وكذلك الرجل، وأحيانًا تكون المرأة لا قرابة لها أو الرجل لا قرابة له، في هذه الحالة يبعث القاضي من قِبَلِه رجلين عاقلين ينظران في أمرهما ويتفقان على شيءٍ.

مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها [النساء:35]، يجوز في المذهب أن يكون الحكمان من غير أهل الزوجين، والأكمل أن يكونا من أهلهما كما ذكر الله: إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما [النساء:35] الضمير في يُرِيدا للحكمين، وفي بَيْنَهُما للزوجين على الأظهر، وقيل: الضميران للزوجين، وقيل: للحكمين.

بينهما ملازمة، لكن هذه الإرادة هنا ترجع للحكمين وهذه مهمة جدًا أن من يسعى في الإصلاح بين الزوجين وكذلك بين الناس فإنه ينبغي أن يستحضر هذه النية، نية الإصلاح، لا يأتي منتصرًا للطرف الآخر ومُبيّتًا لنصرته بأي وجهٍ كان، فهذا لا يصح، ويكون بسبب ذلك من الفساد والشر والعناد والعداوات ما لا يخفى، ولذلك استحضار مثل هذه النية من دواعي الإصلاح والوفاق وتوفيق الله بين الزوجين والوصول إلى ما هو أنفع وأكثر عائدةً عليهما، إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما، فإذا قلت بَيْنَهُما أي بين الحكمين فذلك يرجع إلى الزوجين، وإذا قلت: بَيْنَهُما يعني بين الزوجين فذلك من نتائج إرادة الإصلاح، إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً.

  1. تفسير ابن كثير (2/267).
  2. تفسير ابن كثير (2/267).
  3. روضة المحبين ونزهة المشتاقين (ص:203-204).
  4. تفسير الطبري (6/624-625).
  5. تفسير ابن كثير (2/267).
  6. انظر: تفسير الطبري (17/366)، والدر المنثور في التفسير بالمأثور (6/224).
  7. أخرجه البخاري، كتاب الوصايا، باب الوصية بالثلث، برقم (2743)، ومسلم، كتاب الوصية، باب الوصية بالثلث، برقم (1628)، وبرقم (1629).
  8. انظر: المقدمات الممهدات (2/96).
  9. انظر: الحاوي الكبير (5/34).
  10. أخرجه النسائي، كتاب البيوع، باب وجوب الخيار للمتبايعين قبل افتراقهما بأبدانهما، برقم (4483)، وأحمد في المسند، برقم (393)، وقال محققوه: "إسناده صحيح على شرط مسلم"، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (6672).
  11. تفسير الطبري (6/627)، وتفسير ابن كثير (2/268).
  12. أخرجه أبو داود، كتاب الطهارة، باب إذا خاف الجنب البرد أيتيمم، برقم (334)، وأحمد في المسند، برقم (17812)، وقال محققوه: "حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف، فيه عبد الله بن لهيعة، وهو سيئ الحفظ، وباقي رجاله ثقات رجال الصحيح"، وصححه الألباني في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (1/181)، برقم (154).
  13. تفسير ابن كثير (2/269).
  14. أخرجه البخاري، كتاب الوصايا، باب قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء:10]، برقم (2766)، وبرقم (6857)، في كتاب الحدود، باب رمي المحصنات، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها، برقم (89)، كلاهما بلفظ: ((اجتنبوا السبع الموبقات)).
  15. أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (3/935)، برقم (5223)، وابن كثير في تفسيره (2/286)، والسيوطي في الدر المنثور في التفسير بالمأثور (2/507).
  16. أخرجه الترمذي، أبواب تفسير القرآن عن رسول الله ﷺ، باب ومن سورة النساء، برقم (3022)، وقال: "هذا حديث مرسل"، والحاكم في المستدرك، برقم (3195)، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين إن كان سمع مجاهد من أم سلمة"، وأحمد في المسند، برقم (26736)، وقال محققوه: "إسناده ضعيف، فيه انقطاع بين مجاهد وأم سلمة، كما هو ظاهر الإسناد، وقد نص على ذلك الترمذي".
  17. نقله عنه الحافظ ابن كثير -رحمه الله-. انظر: تفسير ابن كثير (2/287).
  18. تفسير ابن كثير (2/287).
  19. تفسير ابن كثير (2/288).
  20. تفسير ابن كثير (2/288).
  21. تفسير ابن كثير (2/288).
  22. تفسير ابن كثير (2/291).
  23. تفسير الطبري (6/679)، واختياره في (6/682) من تفسيره.
  24. تفسير السعدي (ص:176).
  25. أخرجه البخاري، كتاب الكفالة، باب قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ}، برقم (2292).
  26. أخرجه مسلم، كتاب فضائل الصحابة ، باب مؤاخاة النبي ﷺ بين أصحابه ، برقم (2530).
  27. [27] - أخرجه البخاري، كتاب الجمعة، باب الجمعة في القرى والمدن، برقم (893)، وبرقم (5200)، في كتاب النكاح، باب المرأة راعية في بيت زوجها، ومسلم، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل، وعقوبة الجائر، والحث على الرفق بالرعية، والنهي عن إدخال المشقة عليهم، برقم (1829).
  28. انظر: تفسير الطبري (6/687)، و(6/690).
  29. تفسير ابن كثير (2/293).
  30. أخرجه الترمذي، أبواب الرضاع عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في حق الزوج على المرأة، برقم (1159)، وابن ماجه، أبواب النكاح، باب حق الزوج على المرأة، برقم (1852)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (5294).
  31. تفسير الطبري (6/695).
  32. أخرجه البخاري، كتاب الحدود، باب إقامة الحدود والانتقام لحرمات الله، برقم (6786)، ومسلم، كتاب الفضائل، باب مباعدته ﷺ للآثام واختياره من المباح، أسهله وانتقامه لله عند انتهاك حرماته، برقم (2327).
  33. تفسير الطبري (6/701)، وتفسير ابن كثير (2/294).
  34. تفسير ابن كثير (2/294).
  35. تفسير ابن كثير (2/294).
  36. أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي ﷺ، برقم (1218).
  37. انظر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق (7/25)، والحاوي الكبير (6/494)، والمجموع شرح المهذب (14/93)، والبيان في مذهب الإمام الشافعي (9/532).
  38. انظر: الإشراف على نكت مسائل الخلاف (2/724)، والبيان في مذهب الإمام الشافعي (9/532-533)، والمجموع شرح المهذب (16/454)، والشرح الكبير على متن المقنع (8/171).
  39. انظر: زاد المعاد في هدي خير العباد (5/172).
  40. انظر: الاستذكار (6/183).

مواد ذات صلة