الإثنين 23 / جمادى الأولى / 1446 - 25 / نوفمبر 2024
(011-أ) من قوله تعالى (مراغما كثيرا وسعة..) الآية 99 – إلى قوله تعالى (فيميلون عليكم ميلة واحدة..) الآية 101
تاريخ النشر: ١٧ / رجب / ١٤٣٨
التحميل: 872
مرات الإستماع: 985

الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وعلمنا الحكمة والقرآن، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحابته الطيبين الطاهرين.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولشيخنا والحاضرين والمستمعين، أما بعد:

فيقول الإمام ابن جُزي عند قوله تعالى:

"مُرَاغَمًا [النساء:100] أي: متحوّلًا وموضعًا، يرغم عدوه بالذهاب إليه".

فقوله -تبارك وتعالى-: وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً [النساء:100] فسر المُراغم هنا بالمُتحَول والموضع الذي يحصل به إرغام العدو، وأصل هذه المادة المُراغم: الراء والغين والميم يدل على المذهب والمهرب.

وقد ذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في معناه: أنه حيثما ذهب وجد عنهم مندوحةً وملجأً يتحصن فيه[1]، يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً [النساء:100] يعني يجد العِوض والبديل الذي يلجأ إليه، ويستطيع أن يعبد ربه -تبارك وتعالى-.

وفسره ابن عباس -ا- بالتحول من أرضٍ إلى أرض[2]، وكما ذكر ابن جُزي بمعنى متحولًا كما سبق، وهكذا جاء عن جماعة: الضَّحاك، والربيع، وسفيان الثوري -رحم الله الجميع-[3]، وجاء عن مجاهد: مُتزحزحًا عما يكره[4]، وهو بمعنى المُتحَول، يعني يجد في الأرض مُتَحولًا على رُغم أنفِ قومه الذين هاجرهم، هذا هو المشهور، وتكلم الحافظ ابن القيم -رحمه الله- في (المدارج) على هذه العبودية -عبودية المُراغمة-، وأنها محبوبة لله -تبارك وتعالى-، وأشار إلى سجدتي السهو فهي إرغامٌ للشيطان، كما جاء عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: ومنه حُمد التبختر بين الصفين[5]؛ لأنه إرغامٌ للعدو.

"وَسَعَةً [النساء:100] أي: اتساعٌ في الأرض، وقيل: في الرزق".

وَسَعَةً [النساء:100] اتساع في الأرض، وكذلك قيل: في الرزق، وقيل أيضًا: في الصدر، وغير ذلك، فالله -تبارك وتعالى- قد أطلق ذلك يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً [النساء:100] سعة في الأرض، وسعةً في الرزق، وسعةً في الصدر، وسعةً في التنقل والتحول والتصرف، فلا يكون مقيدًا، هذا كله داخلٌ فيه، بل قال قتادة -رحمه الله-: والسعة يعني من الضلالة إلى الهدى، ومن القلة إلى الغنى[6]، فكل ذلك داخلٌ فيه؛ لأن الله أطلقه، وهذا يُقال في كل زمان: أن المؤمن لا ينبغي أن يعيش في ذل ومهانة في أرضٍ يسُتضعف فيها، وإنما ينتقل إلى أرضٍ يستطيع أن يعبد الله فيها، فيجد العِوض عن أرضه وقومه، فمن الناس من يصر على حياة المهانة والذل، وهذا غير صحيح إذا كان يجد العِوض، فأرضُ الله واسعة، فإذا ضاقت عليه ناحية انتقل وتحول إلى غيرها.

"فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [النساء:100] أي: ثبت وصح".

يعني ثواب من هاجر وبلغ دار هجرته فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [النساء:100] فيكون كمن بلغ الناحية التي قصدها؛ لأنه قال: وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [النساء:100] وهو لم يبلغ غايته ومُهاجره، لكن الله يكمِّل له هذا العمل، ولا يضيع منه شيء، فيكون له ثواب من هاجر، وهذا من فضل الله -تبارك وتعالى-، ورحمته بعباده، أن يكمِّل لهم الأعمال، ويتممها، والنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى[7] وقد يبلغ بنيته ما لم يبلغ بعمله.

"وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ [النساء:100] الآية، حكمها على العموم، ونزلت في ضمرة بن جندب، وكان من المستضعفين بمكة، وكان مريضًا، فلمّا سمع ما أنزل الله في الهجرة، قال: أخرجوني، فهُيئ له فراشٌ، فوضع عليه، وخرج، فمات في الطريق[8]، وقيل: نزلت في خالد بن حزام، فإنه هاجر إلى أرض الحبشة، فنهشته حيةٌ في الطريق، فمات قبل أن يصل إلى أرض الحبشة[9]".

قوله -تبارك وتعالى-: وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ [النساء:100] يقول: "الآية حكمها على العموم" يعني كل من كان بهذه الصفة، وهذا لا شك فيه، والعبرة بعموم الألفاظ والمعاني، لا بخصوص الأسباب، هذا إذا صحَّ سبب النزول، يقول: "ونزلت في ضمرة بن القيس -وهو ضمرة بن جُندب-، وهذا كان من المستضعفين بمكة، وكان مريضًا، فلمّا سمع ما أنزل الله في الهجرة قال: أخرجوني، فهُيئ له فراشٌ، فوضع عليه وخرج فمات في الطريق" لا بد من تتمة هذه الرواية، فنزل الوحي وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [النساء:100] فهذه التتمة هي التي تبين، وهي موضع الشاهد، وهي عبارة صريحة في سبب النزول، فنزل الوحي، وهذه الرواية لا تخلو من ضعف في طرقها، لكن بمجموعها تتقوى بمجموع الطرق.

وأما الرواية الثانية التي قال: "نزلت في خالد بن حزام، فإنه هاجر إلى أرض الحبشة فنهشته حية في الطريق فمات قبل أن يبلغ أرض الحبشة" فهذا لا يصح، في إسناده رجلٌ مجهول، وآخر ضعيف، وعلى كل حال تحديد هذا لا يتوقف عليه المعنى، فهذا من النوع -أعني سبب النزول- الذي يترتب على معرفته فضيلة لمن نزلت فيه الآية، هذا إذا عُرف، فهذا ضمرة بن جُندب إذا كانت الآية نزلت فيه، فهذه فضيلة له، باعتبار أن ذلك شهادة له بصحة هجرته، وصحة إيمانه، فهذه منقبة من مناقبه.

فمعرفة سبب النزول أحيانًا يدل على منقبةٍ أو فضيلةٍ، وقد يتوقف عليه فهم المعنى، وقد يرتفع الإشكال، وقد يكون زيادة إيضاح، وقد لا يترتب عليه شيء.

ضمرة بن العيس؟

لا، هو ضمرة بن جُندب.

"وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:101] اختلف العلماء في تأويلها على خمسة أقوال:

أولها: أنها في قصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين في السفر؛ ولذلك لا يجوز إلّا في حال الخوف [وفي النسخة الخطية: وأن ذلك لا يجوز إلا في حال الخوف] على ظاهر الآية، وهو قول عائشة وعثمان -ا-[10].

الثاني: أن الآية تقتضي ذلك، ولكن يؤخذ القصر في السفر دون الخوف من السنة".

قوله -تبارك وتعالى-: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:101] فقوله: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ [النساء:101] هذا أخذ منه الجمهور أن القصر ليس بواجب؛ لأنه نفى الحرج عنهم، وليس ذلك من صيغ الوجوب، فهذا قول الجمهور[11]، خلافًا للظاهرية الذين يقولون: بوجوب القصر، وأن الصلاة لا تصح إذا كانت تامة في السفر، لا يصح الإتمام[12].

وقوله -تبارك وتعالى-: أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:101] فهذا يحتمل كما ذكر المؤلف، فهو بمعنى قصر الكيفية، بمعنى أنه يجوز فيها ما لا يجوز في صلاة الأمن، هذا في صلاة الخوف، كأن يصلي مع الإمام ركعة ثم تأتي الطائفة الأخرى فتصلي معه ركعة، كصلاته إيماءً، ركبانًا ومشاةً، فهذا قصرٌ في الكيفية.

وذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: أن ذلك بمعنى التخفيف في الصلاة من كميتها بأن تُجعَل الرباعية ثنائية[13]، وحمله أبو جعفر بن جرير -رحمه الله- على قصر حدودها بترك إتمام الركوع والسجود والاستقبال وذلك حال المسايفة[14]، وبه قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله- من المعاصرين[15]، يعني قصر حدود الصلاة بترك الإتمام للركوع والسجود ونحوه في حال المسايفة، ويحصل في صلاة الخوف من التخفيف ما لا يكون في غيرها.

وكلام هؤلاء يدور على الكيفية والكمية، الكمية يعني عدد الركعات، فبعض السلف قال: بأن صلاة الخوف يُجتزئ فيها بركعة واحدة، وهنا يقول الله -تبارك وتعالى-: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:101] وهنا الضرب في الأرض لا يختص بالجهاد كما هو معلوم، بل قد يذكر الله -تبارك وتعالى- هذا باعتبار أن المراد به السفر للتجارة ونحوها، ويذكر أيضًا الجهاد والقتال في سبيل الله، فهذا الضرب في الأرض يشمل الجهاد، ويشمل غيره من الأسفار؛ ولهذا فهم منها طوائف من أهل العلم أن ذلك في قصر الصلاة في السفر، وأن هذا القيد -أعني قوله -تبارك وتعالى-: إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:101] لا مفهوم له، مفهوم المخالفة حجة، لكن هنا لا يعتبر، مفهوم المخالفة باعتبار أنه أحد المواضع التي لا يُعتد فيها بمفهوم المخالفة، من جهة أنه نزل على وفاق حالٍ وواقعٍ معين، يعني أن الخوف كان غالبًا في ذلك الوقت الذي نزلت فيه هذه الآية، فقال: إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:101] ولهذا -كما سيأتي- لمّا سُئل عمر : قد أمن الناس، فذكر أنه سأل عنها النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فقال: صدقة تصدَّق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته[16]، فهذا يدل على أنها لا تختص بحال الخوف، ولا بصلاة الخوف، وإنما هي في قصر الصلاة، فقصر الصلاة تارةً يكون بالكم -بالكمية- كما في السفر يصلي ركعتين -أعني الرباعية- فهذا قصرٌ للكمية، وهكذا على قول طوائف من أهل العلم: بأنه في حال الحرب والخوف يقصر بالكمية، فيجتزئ بركعةٍ واحدة.

وأما القصر -قصر الكيفية- فهذا بالنسبة للسفر من غير حرب ولا خوف يكون قصر كيفية، قصر في حدودها، فهذا يكون في السفر من غير الحرب والخوف لصلاة النافلة، يصلي على راحلته حيثما توجهت به إيماءً، فيسقط عنه الاستقبال في النافلة، ويسقط عنه أيضًا الركوع والسجود، فيصلي إيماءً، وأما بالنسبة للخوف فإنه يصلي بحسب حاله، إذا كان في حال المسايفة يصلي إيماءً، ويسقط عنه الركوع والسجود، وأما إذا كان يتأتى له أن يركع ويسجد فجاء ذلك على صفاتٍ متنوعةٍ متعددة، فكل ما صحَّ فيه فهو من أوصافه، ويكون ذلك من الصيغ والصور الشرعية لصلاة الخوف، وكل هذا الصور التي صحَّت عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلَّم- صحيحة؛ وذلك من توسعة الله على عباده، بحيث إنهم يصلون بحسب حالهم، إذا كان العدو أمامهم، أو كان العدو خلفهم، أو كانوا في حالٍ أخرى، فهذه الصلاة يسوغ فيها ما يمكن أن يحتاج إليه، كالالتفات مثلًا، بل كان النبي ﷺ يصلي بأصحابه، ويلتفت إلى ناحية الوادي، حيث أرسل طليعةً -عليه الصلاة والسلام-، أو أرسل رجلًا عينًا على الكفار[17]، فكان يلتفت إلى تلك الناحية، وهو يصلي بأصحابه، مع إن الالتفات في الصلاة لا يجوز، فمثل هذا يسوغ في مثل تلك الأحوال، وهذا من رحمة الله -تبارك وتعالى-.

فإذا حُمل قوله: إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:101] على صلاة الخوف، فيُقال: أنه يجوز فيها ما لا يجوز في صلاة الأمن.

قال: "اختلف العلماء في تأويلها على خمسة أقوال:

أولها: أنها في قصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين في السفر؛ ولذلك لا يجوز إلّا في حال الخوف على ظاهر الآية، وهو قول عائشة وعثمان -ا-"[18].

وذكر عندكم في الحاشية عن ابن جرير أثر عائشة -ا- تقول في السفر: أتموا صلاتكم، إن رسول الله ﷺ كان في حرب، وكان يخاف، هل تخافون أنتم؟[19]، ولكن هذا لا يصح عن عائشة -ا-، وهو غريب، فكيف يخفى عليها حال النبي ﷺ وكانت تذهب معه وتخرج في بعض مغازيه وأسفاره؟

وكذلك ما جاء عن عثمان قال: إنه بلغني أن قومًا يخرجون إما لتجارةٍ، وإما لجباية -جباية خراج أو نحو ذلك- يعني من غير خوف، وإما لحشرٍ -يعني حشر الناس الأجناد وللقتال ونحو هذا- ثم يقصرون الصلاة، إنما يقصر من كان شاخصًا، أو بحضرة عدو[20]، والمشهور عن عثمان أنه أتم بمكة، كما هو معلوم في الحج، بعض أهل العلم حمل ذلك على أنه كان قد تأهل بمكة، لا أنه ينكر القصر في السفر.

وبعضهم قال: خشي أن يفهم الأعراب، ومن يرد الموسم ممن لا فقه له، ولا علم، ولا بصر أن الصلاة الرباعية تُصلى ركعتين فقط، وهكذا شُرعت، فخشي من هذا، فكان يتم متأولًا.

ولا شك أن القصر في حال الأمن ثابت عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وكان النبي ﷺ إذا خرج من المدينة لا يزال يقصر حتى يرجع إليها، فقصر بمكة -عليه الصلاة والسلام-، ولم يكن في حال خوف، وقصر -عليه الصلاة والسلام- في أسفاره عمومًا، وكان في بعضها آمن ما يكون، فهذا القول الأول: أنها في قصر الصلاة الرباعية، وهذا يدخل في هذه الآية، لكن القول بأن ذلك لا يكون إلا في حال الخوف بناءً على ظاهر الآية، فهذا غير صحيح، قلت لكم: بأن مفهوم المخالفة غير معتبر، ففي قوله: إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:101] هذا مفهوم شرط وهو من أقوى أنواع المفاهيم، يعني يأتي مفهوم الشرط ربما في الدرجة الثالثة من درجات القوة، مفهوم المخالفة، ومفهوم الشرط ومفهوم الصفة، لكن هنا غير معتبر بناءً على ما ذكرت: أنه داخل في إحدى الحالات التي لا يعتبر فيها مفهوم المخالفة وهو أن ذلك نزل على وفاق واقعٍ معين، وذكرتُ أمثلة له في بعض المناسبات: كقوله تعالى: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ [آل عمران:28] فعلى معنى مشهور في الآية -وإلا فالآية في تفسيرها قيل غير ذلك- لو أنه اتخذ الكافرين مع المؤمنين ليس من دون المؤمنين فهذا لا يحل، إذًا مفهومه هنا لا يُعتبر؛ لأنه نزل على وفاق واقع معين، وهكذا في قوله في سورة النور: وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا [النور:33] هذا مفهوم شرط، ولا عبرة به؛ لأنه نزل على وفاق واقع معين،  وهو أن عبد الله بن أُبي كان له جارية، فكان يكرهها على البغاء، فنزلت الآية[21]، لكن لو كانت لا تريد التحصن، فلا يجوز أن يمكِّنها من البغاء.

وفي هذا الشرط هنا إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:101] ذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله- نحوًا من هذا، فقال: قد يكون هذا خرج مخرج الغالب[22]، ويمكن أن يكون هذا توجيه آخر لهذا الشرط إِنْ خِفْتُمْ [النساء:101] يعني باعتبار أن هذا هو الغالب، لكن حال نزول هذه الآية في مبدأ الإسلام بعد الهجرة، يقول: "كان غالب أسفارهم مخوفة، بل ما كانوا ينهضون إلا إلى غزوٍ عام، أو في سريةٍ خاصة، وسائر الأحيان حربٌ للإسلام وأهله"[23]، بمعنى أن هذا يرجع إلى أصل المعنى الذي أشرت إليه، وهو أن ذلك نزل على وفاق واقع معين، يقول: "والمنطوق إذا خرج مخرج الغالب، أو على حادثةٍ فلا مفهوم له"[24]، على حادثة يعني على وفاق الواقع، فلا مفهوم له.

"الثاني: أن الآية تقتضي ذلك، ولكن يؤخذ القصر في السفر دون الخوف من السنة، ويُؤيد هذا حديث يعلى بن أمية، قال: قلتُ لعمر بن الخطاب: إنّ الله يقول: إِنْ خِفْتُمْ [النساء:101] وقد أمن الناس، فقال: عجبتُ مما عجبتَ منه فسألتُ رسول الله ﷺ عن ذلك، فقال: صدقةٌ تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته[25]، وقد ثبت أن النبي ﷺ قصر في السفر، وهو آمن".

وهذا لا شك فيه، وجاء أيضًا عن أبي حنظلة الحذَّاء، قال: سألتُ ابن عمر -ا- عن صلاة السفر، فقال: ركعتان، فقلتُ: أين قوله تعالى: إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:101] ونحن آمنون؟ فقال: سنة رسول الله ﷺ[26]، يعني وإن كان ظاهر الآية قد جاء التقييد فيه في حال الخوف، لكن السنة دلَّت على أنها تُقصر كذلك في حال الأمن.

وجاء في الصحيح عن أنس قال: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- من المدينة إلى مكة، فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة، وسُئل أقمتم بمكة شيئًا؟ قال: أقمنا بها عشرًا[27].

وكذلك أيضًا حارثة الخزاعي -حارثة بن وهب- يقول: صليت مع النبي ﷺ الظهر والعصر بمنى أكثر ما كان الناس وآمنه ركعتين[28]، قوله: "أكثر" أي: أوفر ما وُجد من الناس في حجه ﷺ،  حيث اجتمع ما لم يجتمع في مناسبةٍ سواها، أكثر من مائة ألف، وكانوا آمن ما يكونون، يقول: "صليت معه ركعتين" ومعروف أن النبي ﷺ كان يصلي في منى ركعتين، يقصر الصلاة، وقصر أيضًا في عرفة، وفي مزدلفة، وهو آمن -عليه الصلاة والسلام-، وصارت مكة دار إسلام، فيُحمل على ما ذُكر، ولا يُقيَد بالخوف.

"الثالث: أنّ قوله: إِنْ خِفْتُمْ [النساء:101] راجعٌ إلى قوله: وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ [النساء:102] الآيةُ التي بعد ذلك، والواو زائدةٌ، وهذا بعيد".

يعني فلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا [النساء:101] إِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ [النساء:102] هذا بعيد، وحتى القول الذي قبله: بأن الآية تقتضي تقييد ذلك في حال الخوف، وأن القصر يؤخذ من السنة، فقد يُقال أيضًا: حتى الآية -كما سبق- باعتبار أن ذلك جرى على الغالب في أسفارهم، حيث يغلب الخوف، أو أن ذلك باعتبار وفاق الواقع.

"الرابع: أنها في صلاة الخوف على قول من يرى أن تصلي كل طائفةٍ ركعةً خاصة، قال ابن عباس: فُرضت الصلاة في الحضر أربعًا، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة[29]".

هذا -كما سبق- باعتبار أن صلاة الخوف يحصل فيها قصرٌ بالكم، فهذا قول ابن عباس -ا- وهو في صحيح مسلم: فُرضت الصلاة في الحضر أربعًا، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة[30]، الصلاة ركعة في الخوف، وهذا قال به الإمام أحمد -رحمه الله-[31]، وقال به جماعة من السلف قبله: كعطاء، وجابر بن زيد، والحسن البصري، ومجاهد، والحكم، وقتادة، وحمَّاد، وطاووس، والضَّحاك[32]، وكان محمد بن نصر يرى رد الصبح إلى ركعة في الخوف[33]، وإليه ذهب ابن حزم[34]، وحمله أو خصَّه إسحاق بن راهويه بحال المسايفة[35]، فيجزئه ركعة واحدة، يومئ بها إيماءً، فإن لم يستطع فسجدة واحدة؛ لأنها ذكر الله، ومعنى: سجدة واحدة يعني يصلي بحسب ما يمكنه، فالقول بأن ذلك يكون في ركعةٍ واحدة، هذا كما ترون في صحيح مسلم عن ابن عباس -ا-، وقد يكون ذلك أحد صفات صلاة الخوف، أنه قد يجتزئ بركعة بحسب حاله، وقد يُقيدُ ذلك في الصبح، وقد يُضطر إليه في غيرها، والله -تبارك وتعالى- ما جعل على هذه الأمة من حرج.

"الخامس: أنها في صلاة المسايفة، فالقصر على هذا هو من هيئة الصلاة [وفي النسخة الخطية: فالقصر على هذا هو من هيئات الصلاة] كقوله: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا [البقرة:239] وإذا قلنا: إنها في القصر في السفر، فظاهرها أن القصر رخصةٌ، والإتمام أفضل، وهو مذهب الشافعي[36]، وقال مالك: القصر أفضل[37]، وقيل: إنهما سواء، وأوجب أبو حنيفة القصر[38]".

تقييد ذلك أنها في صلاة المسايفة هذا فيه نظر، والآية ليس فيها ما يدل على هذا القيد، والقصر من هيئة الصلاة بمعنى أنه يصلي إيماءً مثلًا، فهذا أيضًا ليس في الآية ما يدل عليه، وأن يكون هذا هو المعنى والمراد الذي تُحمل عليه الآية -والله أعلم-.

وأما القصر في السفر من غير خوف فالقول: بأنه رخصة والإتمام أفضل، فهذا فيه نظر، فقد ثبت عن عائشة -ا- أن الصلاة شُرعت ركعتين، فزيد في صلاة الحضر، وأُقرَّت صلاة السفر[39]، والنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ما كان يتم الصلاة في السفر قط، ولا شك أن هديه -عليه الصلاة والسلام- أكمل الهدي، وذلك يدل على المشروعية، لكن هل ذلك للوجوب فيجب القصر؟ الذي عليه الجمهور أن ذلك لا يجب[40]، خلافًا للظاهرية حيث أبطلوا الصلاة على الإتمام، وخلافًا للحنفية الذين أوجبوا القصر[41]، فالجمهور على أن ذلك يُستحب، وهو الأفضل والأكمل حتى يرجع، فهذا ما يتعلق بهذه الجزئية.

وتطرَّق المؤلف إلى قضايا أخرى تتعلق بالصلاة والقصر، لكن هذه الأقوال الخمسة التي ذكرها لو قيل: بأن هذه الصلاة المذكورة، أو هذا القصر المذكور يشمل القصر في السفر حال الأمن، فيكون قصرًا بالكمية، فتُصلى الرباعية ركعتين، ويكون قصرًا أيضًا بهيئتها بالنسبة للنافلة، ويصليها إيماءً، فيومئ بالركوع والسجود، ويسقط عنه استقبال القبلة، فهذا كله في السفر، وأما ما يتعلق بالصلاة في حال الخوف والحرب ونحو ذلك فهذا قد يكون قصرًا للكمية، وقد يجتزئ بركعة، وقد يصلي الرباعية ركعتين، وقد يكون ذلك أيضًا في الهيئة فيصلي إيماءً في حال المسايفة، وهذه تفاصيلها -كما هو معلوم- في كتب الفقه، وما ذكره الله -تبارك وتعالى- من صلاة طائفةٍ معه، ثم تحول هذه الطائفة، هل معنى ذلك أنهم اجتزئوا بهذه الركعة التي صلوها، أو أنهم يتمون لأنفسهم ركعة؟ فهذا يحتمل، والعلماء -رحمهم الله- مختلفون في هذا، واختلافهم فيه مشهور، يعني هل كل طائفة تصلي مع النبي ﷺ ركعة واحدة فقط، ثم تنصرف، أو أنهم يتمون لأنفسهم ركعةً أخرى؟ ففي بعض الروايات لا يدل على أنهم أتموا، فظاهرها ليس فيه الإتمام، وقد يُفهم من رواياتٍ أخرى غير ذلك، وعلى كل حال هذا موضعه كتب الفقه.

"وليس في لفظ الآية ما يدل على مقدار المسافة التي يُقصر فيها؛ لأن قوله: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ [النساء:101] معناه السفر مطلقًا؛ ولذلك أجاز الظاهرية القصر في كل سفرٍ طويلٍ، أو قصير[42]، ومذهب مالك[43] والشافعي[44] أن مسافة القصر ثمانيةٌ وأربعون ميلًا، واحتجوا بآثارٍ عن ابن عمر، وابن عباس".

وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ [النساء:101] كما قال الله : عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [المزمل:20] بمعنى السفر للتجارة، ونحو ذلك، ويشمل أيضًا السفر للجهاد، وقوله هنا: "بأنه ليس في الآية ما يدل على مقدار المسافة التي يُقصر فيها" هذا صحيح، والذين حددوا المسافة أخذوا ذلك من وقائع أعيان، يعني قصر فيها النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، وكذلك أيضًا استنباطًا من بعض الأحاديث، كالتي يذكر فيها النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه لا يحل للمرأة أن تسافر مسيرة كذا وكذا إلا ومعها ذو محرم، فبعضهم فهم من مثل هذه الأحاديث تحديد المسافة، وليس في نصوص الكتاب والسنة فيما أعلم نص صريح واضح في تحديد المسافة في السفر من أجل القصر، وهذه مسألةٌ يكثر وقوعها، وتعم بها البلوى، وما كان من هذا القبيل، فإن من شأن الشارع ومن عادته أن يبين ذلك ويجلِّيه، فلمّا تُرك هكذا بإطلاق، فكأنه يدل -والله تعالى أعلم- على أن ما كان من قبيل السفر فتجري فيه أحكامه، فما كان في عرف الناس من قبيل السفر فتجري فيه الأحكام، وهذا ليس محل اتفاق، ونجد مثلًا عن ابن عباس -ا- التفريق بين السفر إلى ناحيةٍ، أو ناحيةٍ أخرى، كالطائف مثلًا، فعدَّ ذلك من قبيل السفر، وعلى كل حال يقول: "معناه السفر مطلقًا؛ ولذلك أجاز الظاهرية القصر في كل سفرٍ طويلٍ أو قصير"[45]، لكان لو يُقيد بما كان في عرف الناس الغالب، وليس عرف الأقل من الناس، فإن لم يوجد عرفٌ غالب أو كان ذلك مترددًا -يعني عند الناس- بين كونه سفرًا، أو ليس بسفر، فيُغلَّب جانب الإقامة؛ لأنها هي الأصل.

هل الذهاب إلى الجبيل يُعد سفرًا أو لا؟

بصرف النظر عن المسافة، إذا قلنا: يُنظر إلى العرف -عرف الناس- فما هو العُرف؟ إذا كان ذلك مترددًا عند الناس، فمنهم من يعتبر ذلك من قبيل السفر، ومنهم من يعتبر ذلك على خلافه، وليس هناك عُرفٌ غالب، فماذا نغلِّب؟ نغلب جانب الإقامة، ولو كانت المسافة مسافة سفر، وهكذا الذهاب من هنا إلى مثل: صلاصل، وجوف بني هاجر، هل يعتبر سفر هذا أو ليس بسفر؟ هو متردد عند أهل تلك الناحية، فبعضهم يقصر، وبعضهم لا يقصر، وليس هناك عرف غالب مع أن المسافة تبلغ الثمانين، أليس كذلك؟ فمثل هذا يُغلَّب فيه جانب الإقامة، إذا تردد بين كونه سفرًا أو ليس بسفر غلَّبنا جانب الإقامة؛ لأنها الأصل، والسفر عارض، وهكذا، والسفر إلى البحرين لا يبلغ قطعًا هذه المسافة التي حددها كثير من الفقهاء، وهي الثمانون، مع أن الثمانين ليست محل اتفاق، بعضهم يذكر دون ذلك، وبعضهم يذكر أكثر منه، وهذا التحديد الدقيق كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية لم تأت بمثله الشريعة[46]، يعني مثلًا أن هذا التحديد بثمانين لو أنه بقي على الحد -حد الثمانين- إذا انقلب إلى هذه الناحية كان مسافرًا، وإذا انقلب إلى الناحية الأخرى كان مقيمًا، والشريعة ما جاءت بمثل هذا -والله تعالى أعلم-.

لكن هذا يقول به كثير من أهل العلم، يقول: "ومذهب مالك والشافعي أن مسافة القصر ثمانيةً وأربعون ميلًا، واحتجوا بآثار عن ابن عمر وابن عباس" وورد عن ابن عمر أنه كان يقصر الصلاة في مسيرة أربعة بُرد، هذا ذكره البخاري تعليقًا، وقال: هي ستة عشر فرسخًا[47]، ووصله الحافظ في "تغليق التعليق"[48]، والفرسخ ثلاثة أميال، وكذلك عن ابن عباس -ا-، كما جاء عن عطاء بن أبي رباح قلت لابن عباس: أقصرُ إلى عرفة؟ قال: لا، ولكن إلى الطائف وعُسفان[49]، وذلك يبلغ ثمانيةً وأربعين ميلًا، لو حسبت هذه المقادير التي وردت بمثل هذه المنقولات والآثار ستجد أنها تتفاوت، تزيد على الثمانين وتنقص، والله أعلم.

س: شيخنا -أحسن الله إليك- فيما يتعلق بالعُرف، إذا تردد العرف بين الإقامة والسفر هل يُقال بأنه يتم؛ لأن الأصل الإقامة؛ ولأن من قصر هناك فهناك من يبطل صلاته، ولكن من أتم فلا تبطل صلاته؟

نعم، يكون ذلك أحوط للعبادة، وأبرأ للذمة في مثل هذا، والعمل بالأحوط يكون معتبرًا في مثل هذا، والعمل بالأحوط كما هو معلوم لا يعتبر دائمًا، لكن في مثل هذا يعتبر، ويكون ذلك أيضًا من الورع الصحيح، وشيخ الإسلام يقول: الذين يترددون في كل يوم، فيذهبون ويجيئون في ناحيةٍ تُعد في العُرف من قبيل السفر، أو عند من يحددون ذلك بمسافة معينة، فليس لهؤلاء حكم المسافر[50]، ولا يُقال: إنه سافر، فهذا الذي يذهب لدراسة أو عمل ويرجع بيومه إلى الأحساء مثلًا، على قول شيخ الإسلام: هذا لا يكون سفرًا، وكذلك لو أن أحدًا يرى أن الذهاب إلى الجبيل مثلًا سفرًا، فالمتردد كل يوم على قول شيخ الإسلام ليس بمسافر، وهذا قد لا يخلو من إشكال -والله أعلم-.

وظواهر النصوص الإطلاق، والمقصود بذلك التوسعة على الناس، ورفع الحرج عنهم، ولو كان يتردد، وذكر شيخ الإسلام -رحمه الله- أيضًا فيمن يكون كالرعاة، ومن يطلبون الكلأ، ونحو هذا، أو قل مثل هذا الآن فيمن يذهب للتنزه، وهو لا يريد ناحيةً بعينها يقصدها تُعد من قبيل السفر، ولكنه يتبع الكلأ، أو يتبع الصيد، أو يتنزه، ثم وجد نفسه قد بلغ إلى نواحي تُعد في العرف من قبيل السفر، أو أنها في تحديد المسافة تُعد من قبيل السفر، عند من يحدد ذلك بالمسافة، فمثل هذا لا يكون مسافرًا، كمن يبحث عن شيء ووجد نفسه قد جاوز، ووصل إلى أماكن ما كان يقصدها، فلا يكون مسافرًا بهذا الاعتبار، والله أعلم.

"وكذلك ليس في الآية ما يدل على تخصيص القصر بسفر القربة، أو السفر المباح، دون سفر المعصية، فإنّ لفظها مطلقٌ في السفر؛ ولذلك أجاز أبو حنيفةَ القصر في سفر القربة، وفي المباح وفي سفر المعصية[51]، ومنعه مالكٌ في سفر المعصية[52]، ومنعه ابن حنبل في المعصية وفي المباح[53]، وللقصر أحكامٌ لا تتعلق بالآية، فأضربنا عن ذكرها، والمراد بالفتنة في هذه الآية القتال أو التعرض [وفي النسخة الخطية: والمراد بالفتنة في هذه الآية القتال والتعرض] بما يُكره".

فيما يتعلق بسفر المعصية والسفر المباح وسفر القربة، هذه ثلاثة أنواع في السفر، أما القربة فلا شك أنه يقصر كالحج والعمرة والجهاد، أما السفر المباح كالتجارة والنزهة المباحة فهذا من أهل العلم من منع منه، والأقرب أن ذلك يُقصر فيه؛ لأن الآية جاء فيها الإطلاق وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ [النساء:101] فلم يُقيد ذلك بنوعٍ من السفر، لكن سفر المعصية من نظر إلى ظاهر الآية قال: إنه يقصر؛ لأنه مسافر، ومن منع فإنه لم يأخذ ذلك من الآية، وإنما أخذها من ملحظٍ ومأخذٍ آخر، وهو أن القصر تخفيف وتيسير، وهذا الذي سافر للمعصية لا يُعان، وليس بأهلٍ للرخصة والتخفيف، فيكون ذلك عونًا له على معصيته، هذا مأخذ من منع العاصي من الترخص، سواءً كان ذلك في القصر، أو كان في الفطر في رمضان، وأولئك نظروا إلى أنه سفر من حيث هو، وأن المعصية جهةٌ منفكة عن السفر.

يقول: "المراد بالفتنة في هذه الآية القتال أو التعرض بما يُكره" يعني الأذى والمباغتة أو القتل.

"وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ [النساء:102] الآيةُ في صلاة الخوف، وظاهرها يقتضي أنها لا تُصلى بعد رسول الله ﷺ؛ لأنه شرط كونه فيهم، وبذلك قال أبو يوسف، وأجازها الجمهور بعده ﷺ[54]؛ لأنهم رأوا أن الخطاب له يتناول أمته، وقد فعلها الصحابةُ بعده ﷺ، واختلف الناس في صلاة الخوف على عشرة أقوال لاختلاف الأحاديث فيها، ولسنا نُضطر إلى ذكرها، فإن تفسيرها لا يتوقف على ذلك، وكانت صلاةُ رسول الله ﷺ لصلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع".

هذه الصفات التي جاءت عن النبي ﷺ هي صفات مشروعة بحسب حال المسلمين، وحال العدو، إذا كان بينهم وبين القبلة، أو غير ذلك.

وجاء في سبب النزول عن أبي عياش الزُرقي قال: "كنا مع رسول الله ﷺ بعُسفان، فاستقبلنا المشركون عليهم خالد بن الوليد، وهم بيننا وبين القبلة، وصلى بنا رسول الله ﷺ الظهر، فقالوا: قد كانوا على حالٍ لو أصبنا غِرَّتهم، ثم قالوا: تأتي عليهم الآن صلاةٌ هي أحب إليهم من أبنائهم وأنفسهم -يعني العصر- قال: فنزل جبريل بهذه الآيات بين الظهر والعصر وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ [النساء:102] قال: فحضرت، فأمرهم رسول الله ﷺ، فأخذوا السلاح، قال: فصفننا خلفه صفين، قال: ثم ركع فركعنا جميعًا، ثم رفع فرفعنا جميعًا، ثم سجد النبي ﷺ بالصف الذي يليه، والآخرون قيامٌ يحرسونهم، فلمّا سجدوا وقاموا جلس الآخرون" فالصف الأول سجدوا معه وقاموا "فسجدوا في مكانهم" يعني تقدموا، وأولئك تأخروا "ثم تقدَّم هؤلاء إلى مصاف هؤلاء، وجاء هؤلاء إلى مصاف هؤلاء، قال: ثم ركع، فركعوا جميعًا، ثم رفع فرفعوا جميعًا، ثم سجد النبي ﷺ والصف الذي يليه، والآخرون قيامٌ يحرسونهم، فلمّا جلس جلس الآخرون فسجدوا، ثم سلًّم عليهم، ثم انصرف، قال: "فصلاها رسول الله ﷺ مرتين: مرةً بعُسفان ومرةً بأرض بني سُليم"[55]، فالصحابة  مما هو ظاهر من هذه الرواية أنهم لم يجتزئوا بركعةٍ واحدة، بل صلوا معه -صلى الله عليه وآله وسلم- الركعتين، يعني في السفر تُقصر الصلاة، فصلوا معه الركعتين، لكن كانت تتقدم طائفة، وتتأخر طائفة.

وجاء عن ابن عباس -ا- قال: خرج رسول الله ﷺ فلقي المشركين بعُسفان، فلمّا صلى رسول الله -عليه الصلاة والسلام- الظهر فرأوه يركع ويسجد هو وأصحابه، قال بعضهم لبعض: كان هذا فرصةً لكم، لو أغرتم عليهم ما علموا بكم، حتى تواقعوهم، فقال قائلٌ منهم: فإن لهم صلاةً أخرى هي أحب إليهم من أهليهم وأموالهم، فاستعدوا حتى تغيروا عليهم فيها، فأنزل الله -تبارك وتعالى- على نبيه وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا [النساء:102] وأعلم ما ائتمروا به[56]، يعني أعلم نبيه ﷺ بذلك، وذكر صلاة الخوف، فهذا كله صريح في سبب النزول، وهذه الواقعة كان المشركون بينه وبين القبلة، يعني قوله: وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ [النساء:102] هو كما نقل من أن ذكر ذلك القيد من باب خطاب النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وهو خطابٌ متوجهٌ للأمة، فلا يختص بوجوده -عليه الصلاة والسلام-، وصلاة الخوف مشروعة بعده.

"فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ [النساء:102] يقسِّم الإمام المسلمين على طائفتين، فيصلي بالأولى نصف الصلاة، وتقف الأخرى تحرس، ثم يصلي بالثانية بقية الصلاة، وتقف الأولى تحرس، واختُلف هل تتم كل طائفةٍ صلاتها -وهو مذهب الجمهور- أم لا؟ وعلى القول بالإتمام اختُلف هل يتمونها في أثرِ صلاتهم مع الإمام، أو بعد ذلك؟"

في بعض الأحاديث يدل على أنهم يتمون معه -صلى الله عليه وآله وسلم- كما في الحديث السابق، وفي بعضها ليس فيه ما يدل على الإتمام، ومن هذه الصفات الواردة ما جاء في حديث ابن عمر -ا- قال: "صلى رسول الله ﷺ صلاة الخوف بإحدى الطائفتين ركعة، والطائفة الأخرى مواجهة العدو، ثم انصرفوا وقاموا في مقام أصحابهم مقبلين على العدو، وجاء أولئك، ثم صلى بهم النبي ﷺ ركعة، ثم سلَّم النبي ﷺ، ثم قضى هؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة"[57]، هذا مُخرَّج في الصحيحين من حديث ابن عمر.

فقوله: "قضى هؤلاء" صريح في أنهم لم يجتزئوا بركعةٍ واحدة، فالقول بأن صلاة الخوف القصر في الكمية، بحيث يصلي ركعة واحدة هذا ليس على إطلاقه.

وكذلك جاء عن صالح بن خوات بن جُبير عمن صلى مع النبي ﷺ يوم ذات الرقاع صلاة الخوف، أن طائفةً صفت معه وطائفة وجاه للعدو، فصلى بالتي معه ركعة، ثم ثبت قائمًا، وأتموا لأنفسهم"[58]، ونلحظ في هذه الصفة أنهم أتموا، يعني بقي قائمًا حتى أتمت هذه الطائفة التي صلت معه ركعة، أتموا الصلاة لأنفسهم، ثم انصرفوا، وهذه الأحاديث يُستنبط منها في بعض المسائل في أحكام الإمامة والائتمام، يعني فيمن صلى المغرب خلف من يصلي العشاء أربعًا، ماذا يفعل؟ هل يجلس في الثالثة، ثم يتشهد ويسلم وينصرف؟ هذا له شاهد هنا، ينصرفون، ثم يدرك الإمام في الركعة الأخيرة، يعني يدخل مع الإمام في صلاة العشاء في آخر ركعة، وتكون أول ركعة بالنسبة للمأموم، وله أن ينتظر حتى يجلس الإمام، يصلي ركعة الإمام يقوم للرابعة، وهذا يجلس حتى يجلس الإمام فيتشهد معه، ثم يسلم، هذا جاء أيضًا في بعض صفة صلاة الخوف، لا إشكال في هذا، فهنا في هذه الرواية: "صالح بن خوات بن جُبير عمن صلى مع رسول الله ﷺ يوم ذات الرقاع صلاة الخوف: أن طائفةً صفت معه، وطائفة وجاه للعدو، فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائمًا وأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا، فصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالسًا، وأتموا لأنفسهم، ثم سلَّم بهم، فهذا صريح في الإتمام، وأنه لا يُجتزئ بركعة.

وكذلك جاء عن جابر قال: شهدت مع النبي ﷺ صلاة الخوف فصفنا خلفه صفين، والعدو خلفه بيننا وبين القبلة، فكبَّر ﷺ وكبَّرنا جميعًا، ثم ركع وركعنا، ثم رفع رأسه من الركوع، ورفعنا جميعًا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه، وقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلمّا قضى ﷺ السجود والصف الذي يليه انحدر المؤخر بالسجود، وقاموا، ثم تقدم الصف المؤخر، وتأخر الصف المُقدَّم، ثم ركع وركعنا جميعًا" لاحظ لا زالوا يصلون معه، لكن يتقدم هؤلاء، ويتأخر؛ ليدرك هؤلاء فضيلة السجود على الأرض "ثم رفع رأسه من الركوع، ورفعنا جميعًا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه، وقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلما قضى ﷺ السجود، والصف الذي يليه انحدر المؤخر بالسجود وقاموا، ثم تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المُقدم، ثم ركع وركعنا جميعًا، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعًا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخرًا في الركعة الأولى، وقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلما قضى ﷺ وقام الصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود وسجد، ثم سلَّم النبي ﷺ وسلمنا جميعًا"[59]، لا يتمون لأنفسهم بهذه الصفة، فهذه من صفاتها الثابتة، فكل ذلك بحسب حالهم، والله تعالى أعلم.

"وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ [النساء:102] اختلفوا في المأمور بأخذ الأسلحة، فقيل: الطائفة المصلية، وقيل: الحارسة، والأول أرجح؛ لأنه قد قال بعد ذلك في الطائفة الأخرى: وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ [النساء:102] ويدل ذلك على أنهم إن قوتلوا وهم في الصلاة، جاز لهم أن يقاتلوا من قاتلهم، وإلّا لم يكن لأخذ الأسلحة معنًى إذا لم يدفعوا بها من قاتلهم".

هنا ذكر القولين، أن التي تحمل الأسلحة هل هي المصلية أو الحارسة؟ وذكر ابن عطية أن لفظ الآية يتضمن الكل، إلا أن سلاح المصلين ما خف[60]، يعني يكون أخف من سلاح الآخرين، الذين يحرسون، وعلى كل حال فبعض الأحاديث التي وردت تدل على أن الذين يصلون معه أنهم يحملون أسلحتهم، فالذين يصلون يحملون أسلحتهم من أجل ألا يباغتهم العدو، وإنما رخَّص لهم لوضع الأسلحة إذا كان بهم أذى من مطر أو مرض.

"فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ [النساء:102] الضمير في قوله: فَإِذَا سَجَدُوا [النساء:102] للمصلين، والمعنى: إذا سجدوا معك في الركعة الأولى، وقيل: إذا سجدوا في ركعة القضاء".

فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ [النساء:102] يقول: الضمير في قوله: فَإِذَا سَجَدُوا [النساء:102] للمصلين، والمعنى إذا سجدوا معك في الركعة الأولى، وقيل: إذا سجدوا في ركعة القضاء" لكن هذه الأحاديث تدل على أنهم الذين يصلون معه ﷺ، فإذا سجد الصف الأول المُقدَّم يكون الذين يحرسون من ورائهم، هذا ظاهر من هذه الأحاديث، فإذا تقدَّم الصف المؤخر وصلوا معه الركعة الأخرى، وسجدوا، فالمؤخر يكون من ورائهم يحرسهم، سواء أتم هؤلاء لأنفسهم وهؤلاء لأنفسهم، يعني كل صف صلى معه ركعة واحدة، ثم أتم لنفسه، أو صلوا معه جميعًا، لكن هؤلاء يسجدون، وهؤلاء يثبتون قيامًا، فالذين يحرسون يكونون من ورائهم.

"والضمير في قوله: فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ [النساء:102] يحتمل أن يكون للذين سجدوا، أي: إذا سجدوا فليقوموا وليرجعوا وراءكم، وعلى هذا إن كان السجود الركعة الأولى [وفي النسخة الخطية: إن كان السجود هنا في الركعة الأولى]".

هذا أوضح، إذا كان السجود في الركعة الأولى، أو هنا في الركعة الأولى فيقتضي ذلك.

"إن كان السجود هنا في الركعة الأولى فيقتضي ذلك أنهم يقومون للحرابةِ [وفي النسخة الخطية: أنهم يقومون للحراسة]".

يقومون للحراسة.

"أنهم يقومون للحراسة بعد انقضاء الركعة الأولى، ثم يحتمل بعد ذلك أن يقضوا بقية صلاتهم أو لا يقضونها".

فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ [النساء:102] فإذا سجد الصف الأول الصف الثاني يحرس لا يسجد، فإذا صلى هؤلاء هذه الركعة تأخروا، وتقدم الصف المؤخر، فيكون الصف المُقدَّم للحراسة، في الخلف.

"وإن كان السجود ركعة القضاء، فيقتضي ذلك أنهم لا يقومون للحراسة إلّا بعد القضاء".

هذا يُقال فيه بحسب ما جاء في النصوص.

"وإن كان السجود ركعة القضاء، فيقتضي ذلك أنهم لا يقومون للحراسة إلّا بعد القضاء، وهو مذهب مالكٍ والشافعي[61]، ويحتمل أن يكون الضمير في قوله: فَلْيَكُونُوا [النساء:102] للطائفة الأخرى أن يقفوا [وفي النسخة الخطية: أن يقفون] وراء المصلّين يحرسونهم [وفي النسخة الخطية: يحرسونهم في حال سجودهم]".

فهذا واضح في النصوص أن الذين يحرسون هم الصف المؤخر الذي لا يسجد مع الإمام في الركعة الأولى، وهكذا إذا حصل مبادلة بين الصفين فالمؤخر يثبت قائمًا، لا يسجد، يكون في موضع الحراسة فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ [النساء:102] بهذا السياق، وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ [النساء:102]، إِذَا سَجَدُوا [النساء:102] هؤلاء الذين صلوا معه هذه الركعة، فَلْيَكُونُوا [النساء:102] يعني الآخرين، مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ [النساء:102] ويكون الفئة الأولى من ورائهم للحراسة، والله أعلم.

"وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى [النساء:102] يعني الطائفة الحارسة.

وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:102] الآية، إخبارٌ عما جرى في غزوة ذات الرقاع، من عزم الكفار على الإيقاع بالمسلمين إذا اشتغلوا بصلاتهم، فنزل جبريل على النبي ﷺ وأخبره بذلك، وشُرعت صلاة الخوف حذرًا من الكفار، وفي قوله: مَيْلَةً وَاحِدَةً [النساء:102] مبالغةٌ، أي: مُستأصِلةً، لا يحتاج معها إلى ثانية".

يعني يتحاملون عليكم، ويغيرون عليكم إغارة واحدة مستأصلة.

  1. تفسير ابن كثير ت سلامة (2/391).
  2. تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (9/119-10296).
  3. تفسير ابن أبي حاتم - محققا (3/1049) وتفسير ابن كثير ت سلامة (2/391).
  4. تفسير ابن كثير ت سلامة (2/391).
  5. مدارج السالكين لابن القيم (1/40).
  6. تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (9/121-10308).
  7. أخرجه البخاري في كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله ﷺ؟ برقم: (1) ومسلم في كتاب الإمارة، قوله ﷺ: ((إنما الأعمال بالنية)) برقم (1907).
  8. تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (9/114-10282) والصحيح المسند من أسباب النزول (ص:77) لكن اسمه: ضمرة بن العيص، أو العيص بن ضمرة بن زنباع، أو ضمرة بن جندب.
  9. تفسير ابن أبي حاتم - محققا (3/1050-5888) وتفسير ابن كثير ت سلامة (2/392).
  10. البحر المديد في تفسير القرآن المجيد (1/552) وتفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (9/128-10317).
  11. انظر: الشرح الكبير في حاشية الدسوقي (1/358)، والمجموع (4/337)، وكشاف القناع (1/324) والمغنى (2/197)، وبداية المجتهد (1/241)، ونيل الأوطار (3/239)، والحاوي للماوردي (2/363 - 365).
  12. انظر: البدائع (1/91)، وفتح القدير (1/395)، وبداية المجتهد (1/241)، والمنتقى للباجي (1/260)، والمحلى (4/264)، ومعالم السنن (1/48)، ونيل الأوطار (3/239).
  13. تفسير ابن كثير ت سلامة (2/393).
  14. تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (9/139).
  15. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (1/248).
  16. أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة المسافرين وقصرها برقم: (686).
  17. أخرجه أبو داود في باب تفريع أبواب الركوع والسجود، باب الرخصة في ذلك (1/241-916) والبيهقي في السنن الكبرى (2/491-3868) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ص:2-916).
  18. البحر المديد في تفسير القرآن المجيد (1/552) وتفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (9/128-10317).
  19. تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (9/128-10317).
  20. السنن الكبرى للبيهقي (3/197-5402) وشرح معاني الآثار (1/426-2483) ومصنف ابن أبي شيبة (2/203-8151).
  21. أخرجه مسلم في كتاب التفسير، باب في قوله تعالى: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} [النور:33] برقم: (3029).
  22. تفسير ابن كثير ت سلامة (2/394).
  23. تفسير ابن كثير ت سلامة (2/394).
  24. تفسير ابن كثير ت سلامة (2/394).
  25. أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة المسافرين وقصرها برقم: (686).
  26. أخرجه أحمد ط الرسالة (10/331-6194) وقال محققو المسند: "صحيح لغيره".
  27. أخرجه البخاري في أبواب تقصير الصلاة، باب ما جاء في التقصير وكم يقيم حتى يقصر برقم: (1081) ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة المسافرين وقصرها برقم: (694).
  28. أخرجه أحمد ط الرسالة (31/26-18727) وقال محققو المسند: " إسناده صحيح على شرط الشيخين".
  29. أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة المسافرين وقصرها برقم: (687).
  30. أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة المسافرين وقصرها برقم: (687).
  31. الشرح الكبير على متن المقنع (2/137).
  32. تفسير ابن كثير ت سلامة (2/398).
  33. تفسير ابن كثير ت سلامة (2/398).
  34. كما نقله عنه ابن كثير في تفسيره، ت سلامة (2/398) ولكن الذي يظهر من كلامه في المحلى خلاف ذلك.
  35. تفسير ابن كثير ت سلامة (2/398).
  36. المجموع شرح المهذب (4/336).
  37. البيان والتحصيل (1/256).
  38. المبسوط للسرخسي (1/239).
  39. أخرجه البخاري في كتاب مناقب الأنصار، باب التاريخ، من أين أرخوا التاريخ برقم: (3935) ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب صلاة المسافرين وقصرها برقم: (685).
  40. انظر: الشرح الكبير في حاشية الدسوقي (1/358)، والمجموع (4/337)، وكشاف القناع (1/324) والمغنى (2/197)، وبداية المجتهد (1/241)، ونيل الأوطار (3/239)، والحاوي للماوردي (2/363-365).
  41. انظر: البدائع (1/91)، وفتح القدير (1/395)، وبداية المجتهد (1/241)، والمنتقى للباجي (1/260)، والمحلى (4/264)، ومعالم السنن (1/48)، ونيل الأوطار (3/239).
  42. نيل الأوطار (3/245).
  43. انظر: البيان والتحصيل (1/429) والرسالة للقيرواني (ص:45).
  44. انظر: بحر المذهب للروياني (2/317) والتهذيب في فقه الإمام الشافعي (2/289).
  45. نيل الأوطار (3/245).
  46. مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية - رشيد رضا (2/78).
  47. صحيح البخاري في أبواب تقصير الصلاة، باب في كم يقصر الصلاة (2/43).
  48. تغليق التعليق (2/415).
  49. مسند الشافعي - ترتيب سنجر (1/328-350).
  50. مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية - رشيد رضا (2/64).
  51. بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (1/93).
  52. بداية المجتهد ونهاية المقتصد (1/179) وشرح التلقين (1/932).
  53. المغني لابن قدامة (2/193) نص على سفر المعصية دون المباح.
  54. البناية شرح الهداية (3/165).
  55. أخرجه أحمد ط الرسالة (27/120-16580) وقال محققو المسند: "إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين".
  56. تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (9/156-10373).
  57. أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب غزوة ذات الرقاع برقم: (4133) ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الخوف برقم: (839).
  58. أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب غزوة ذات الرقاع برقم: (4129) ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الخوف برقم: (842).
  59. أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الخوف برقم: (840).
  60. تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (2/105).
  61. انظر: الإشراف على نكت مسائل الخلاف (1/338) والمعونة على مذهب عالم المدينة (ص:316) وبحر المذهب للروياني (2/423).

مواد ذات صلة