الجمعة 19 / رمضان / 1445 - 29 / مارس 2024
(010) من قوله تعالى (قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه..) الآية 146 – إلى نهاية السورة
تاريخ النشر: ٢٣ / جمادى الأولى / ١٤٣٩
التحميل: 583
مرات الإستماع: 490

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين، أما بعد:

فاللهم اغفر لنا، ولشيخنا، والحاضرين، والمستمعين، ولجميع المسلمين، قال المصنف -رحمه الله تعالى- في قوله تعالى:

قُلْ لَا أَجِدُ [الأنعام:145] الآية تقتضي حصر المحرمات فيما ذكر، وقد جاء في السنة تحريم أشياء لم تذكر هنا كلحوم الحمر الأهلية[1]، فذهب قوم إلى أن السنة نسخت هذا الحصر، وذهب آخرون إلى أن الآية وردت على سبب فلا تقتضي الحصر، وذهب آخرون إلى أن ما عدا ما ذكر إنما نهى عنه على وجه الكراهة، لا على وجه التحريم.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فقوله -تبارك وتعالى-: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ [الأنعام:145] الآية فهذا حصر للمحرمات بهذه المذكورات وهذه أقوى صيغ الحصر كما هو معلوم، يقول: "وقد جاء في السنة تحريم أشياء لم تذكر هنا كلحوم الحمر" كما في عام خيبر أن النبي ﷺ نهى عن لحوم الحمر الأهلية، إن الله ورسوله ينهاكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس، فأكفئت القدور التي كانت تطهى بها.

يقول: "ذهب قوم إلى أن السنة نسخت هذا الحصر" وهذا فيه نظر، -والله تعالى أعلم-، فالسلف يطلقون النسخ على ما يعرض للنص من تقييد أو تخصيص أو بيان للإجمال أو نحو ذلك يسمونه نسخا، وليس المقصود الرفع، فالسنة جاءت بزيادات على هذا.

يقول: "وذهب آخرون إلى أن الآية وردت على سبب فلا تقتضي الحصر" ومعنى ذلك أن المشركين لما حرموا أشياء من قبل أنفسهم جاء هذا في سياق الرد عليهم، ولكن لو قصد بذلك سبب النزول باعتبار أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، بعموم اللفظ والمعنى فالواقع أن اللفظ لا عموم له لا من جهة النص -اللفظ- ولا من جهة المعنى في ظاهره هكذا، أقصد من جهة المعنى تكون الآية ليس فيها لفظ لكن دلت القواعد على العموم أو نحو ذلك كالعلة في القياس فإنها قد تعمم معلولها كما هو معلوم، وقد تخصصه، وكذلك مفهوم المخالفة ونحو هذا، وهذا لا يوجد هنا في هذا الموضع مما يدل على العموم المعنوي فضلاً عن العموم اللفظي، وهنا الحصر بأقوى صيغه النفي والاستثناء قُلْ لَا أَجِدُ ... إِلَّا [الأنعام:145].

يقول: "وذهب آخرون إلى أن ما عدا ما ذكر إنما نهي عنه على وجه الكراهة لا على وجه التحريم" يعني ليبقي الحصر على حاله، وهذا لا حاجة إليه، والذي يظهر -والله أعلم- كما جاء عن الشافعي -رحمه الله-[2] أن ذلك جاء من باب الرد لدعاوى المشركين في تحريم ما أحل الله ، فكأنه يقول: لا حرام إلا ما أحللتم، ولا حلال إلا ما حرمتم في مقام الرد وإلا فلا عموم لا في اللفظ ولا في المعنى.

وذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: "قوله قيل لا أجد شيئا مما حرمتم حرامًا سوى هذه"[3]، هذا في خصوص ما حرموه، وهذا فيه نظر؛ لأنهم ما كانوا يحرمون الميتة ولا الدم المسفوح.

وكذلك ما أهل لغير الله وقيل معناه لا أجد من الحيوانات شيئا حراما سوى هذه، فعلى هذا يكون ما ورد من التحريمات بعد هذا في سورة المائدة، وفي الأحاديث الواردة رافعا لمفهوم هذه الآية، يعني لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ [الأنعام:145] يعني كأنه يقول: الحرام أو المحرمات محصورة في هذا، يعني ما عداها فهو حلال، فرفع هذا المفهوم بما ورد من تحريم أشياء أخرى.

قال: ومن الناس من يسمي ذلك نسخا، والأكثرون من المتأخرين لا يسمونه نسخا؛ لأن المتأخرين يطلقون النسخ على الرفع، والسلف يطلقونه على الرفع وغيره، قال: لأنه من باب رفع مباح الأصل، الذي هو رفع البراءة الأصلية، رفع البراءة الأصلية لا يكون نسخا وإنما هو إنشاء حكم جديد، لكن الذين سموه نسخا نظروا إلى أنه هنا جاء الحصر في هذه المحرمات فما الذي يرفع هذا الحصر؟ قالوا: الأدلة الأخرى كسرت هذا الحصر، فهي رافعة من هذا الباب لا أنه من باب رفع البراءة الأصلية، هذا لو لم يأت بصيغة الحصر، لو قال: حرمت عليكم كذا وكذا وكذا، ثم قال: وحرمت عليكم كذا بعد ذلك فهذا يكون من قبيل رفع البراءة الأصلية لكن حينما يحصر المحرمات لا يوجد محرم إلا هذا ثم يحرم أشياء أخرى فهذا لا يخلو من إشكال حمل هؤلاء العلماء على البحث عن جواب، وجواب الشافعي ما ذكرته لكم أن هذا كان على سبيل  المقابلة والمبالغة في الرد عليهم.

 والنسخ لا يثبت بالاحتمال، وبعضهم يقول: بأن هذه الآية مكية فالسورة مكية كان في ذلك الوقت لم يحرم إلا هذه الأشياء، ثم بعد ذلك حرم أشياء في المدينة في سورة المائدة، وفي السنة كذلك، وذلك من باب الزيادة على ما ذكر وليس بنسخ، والذين يقولون: بأنه نسخ لا يقصدون أنه رفع شيء من هذه المذكورات وإنما الحصر الوارد في الآية، -والله أعلم-، فالنسخ إنما يكون إما بنقل يدل عليه، أو التعارض الذي لا يمكن الجمع فيه بين الدليلين مع معرفة المتقدم والمتأخر، وهنا يعرف المتقدم والمتأخر حيث المائدة متأخرة قطعًا، لكن ليس هذا من قبيل التعارض من كل وجه، -والله أعلم-.

أَوْ فِسْقًا [الأنعام:145] معطوف على المنصوبات قبله، وهو ما أهلّ به لغير الله سماه فسقًا لتوغله في الفسق، وقد تقدم الكلام على هذه المحرمات في البقرة.

يقول قوله: "أَوْ فِسْقًا معطوف على المنصوبات قبله" يعني قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً [الأنعام:145] هذه واحدة، أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فهذه ثلاث، الرابع هو مَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ [المائدة:3] فهذه أربع في هذه الآية، فالفسق يقول: "معطوف على المنصوبات قبله"  وهو ما أهل به لغير الله هذا الفسق يكون جملة فإنه رجس هذه جملة تكون اعتراضية بين المتعاطفين، يكون تقدير الكلام هكذا في الآية: إلا أن يكون لحم خنزير فإنه رجس، أو إلا أن يكون فسقا أهل لغير الله به، يعني المحرمات الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير أو الفسق الذي أهل به لغير الله هذه الأربع، فَإِنَّهُ رِجْسٌ [الأنعام:145] هذه جملة اعتراضية تعود على الخنزير لحم الخنزير فإنه رجس.

يقول: "سماه فسقا لتوغله في الفسق" لكونه خروجًا عن طاعة الله إلى معصيته والكفر به، هذا الذي يذبح لغير الله -تبارك وتعالى- من ذبح لغير الله فقد أشرك، وذلك من أعظم أعمال الشرك فالذبح عبادة قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ [الأنعام:162-163].

كُلَّ ذِي ظُفُرٍ [الأنعام:146] هو ما له إصبع من دابة وطائر، قاله الزمخشري وقال ابن عطية: يراد به الإبل والأوز والنعام[4]، ونحوه من الحيوان الذي هو غير منفرج الأصابع، أو له ظفر وقال الماوردي مثله[5]، وحكى النقاش عن ثعلب: أن كل ما لا يصيد فهو ذو ظفر، وما يصيد فهو ذو مخلب[6]، وهذا غير مطرد؛ لأن الأسد ذو ظفر.

قوله: كُلَّ ذِي ظُفُرٍ مما حرم على بني إسرائيل كل ذي ظفر، وما له إصبع من دابة وطائر، يقول: "قال ابن عطية: يراد به الإبل والإوز والنعام" وكذلك البط يعني ليس له أصابع منفرجة، وبنحو هذا قال أبو جعفر ابن جرير -رحمه الله-[7].

إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا [الأنعام:146] يعني ما في الظهور والجنوب من الشحم، أَوِ الْحَوايا هي المباعر، وقيل: المصارين والحشوة ونحوهما.

المباعر هي التي يجتمع فيها البعر وهي آخر الأمعاء، وقيل: المصارين والحشوة المقصود بالحشوة أحشاء البطن.

مما يتحوّى في البطن.

يتحوى: يعني يجتمع ويستدير؛ فالأمعاء مستديرة، والمباعر ونحو ذلك، أَوِ الْحَوايا جمع حوية وهي كل ما استدار في البطن، وما يكون عليها من الشحوم، يكون عليها غشاء رقيق من الشحم كما هو معروف.

وواحد حوايا حوية على وزن فعيلة، فوزن حوايا على هذا فعائل كصحيفة وصحائف، وقيل: واحدها حاوية على وزن فاعلة، فحوايا على هذا فواعل: كضاربة وضوارب، وهو معطوف على ما في قوله: إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا، فهو من المستثنى من التحريم.

وقيل: عطف على الظهور، فالمعنى إلا ما حملت الظهور، أو حملت الحوايا.

وقيل: عطف على الشحوم، فهو من المحرم.

قوله -تبارك وتعالى- هنا: وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا [الأنعام:146] المحرمات هذه لكن ليس كل الشحوم؛ لأنه استثنى من هذه الشحوم، قال: إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا فهذا حلال يعني الشحم الذي يكون على ظهر الدابة إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا.

ثم قال: أَوِ الْحَوايا هل الحوايا داخلة في المحرم؟ يعني وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا [الأنعام:146] يعني والحوايا فيكون الاستثناء يعود إلى قوله: إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا يكون مستثنى من عموم الشحوم، وكذلك أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ [الأنعام:146] فيكون ذلك كما سبق في الحوايا فهذا يحتمل، والذي يظهر -والله أعلم- أن العطف بـ"أو" يعود إلى ما قبله من المستثنيات، يعني حرمت عليهم الشحوم إلا ما ذكر مما حملت الظهور أو كان في أجواف هذه البهائم مما يغشي الأمعاء والكلى ونحو ذلك أو ما اختلط بعظم فيكون ذلك من المستثنى يكون حلالا مختلط بعظم وهذا واضح وكثير ومنه الإلية فهي مختلطة بعظم العصعص فتكون مما أبيح لهم.

وقوله هنا: "الْحَوايا جمع حوية" إلى آخره قيل واحدها حاوية يقول: "وهو معطوف على ما" في قوله: إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا يقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: "تحقيق أن الشحوم المحرمة عليهم من البقر والغنم  مقصورة على الثروب وشحم الكليتين، والثروب: جمع ثرب وهو الغشاء من الشحم الرقيق الذي يغطي الجوف، فيكون على الكرش والمصارين، هذا وشحم الكلى هو الحرام عليهم، أما غيره فيدخل في الاستثناءات الآتية"[8]، هذا قول الشنقيطي -رحمه الله-[9]، يعني يرى أن قوله: أَوِ الْحَوايا أنها مما يحرم عليهم، ولو قيل: بأن ذلك جميعا مما يستثنى، وأنه حلال فهذا ظاهر الآية، -والله تعالى أعلم- مع أنها تحتمل غير ذلك فيكون ذلك من قبيل العطف على ما أبيح، -والله أعلم-.

هنا يقول: "وهو معطوف على ما" في قوله: إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا يعني الحوايا يكون مما أبيح لهم، فهو من المستثنى من التحريم، وهذا الذي ذهب إليه ابن جرير[10]، وعليه أصحاب المعاني معاني القرآن، وجماعة من الأئمة من أهل اللغة كالكسائي، والفراء، وثعلب[11] أن هذه المتعاطفات على المباح أو الحوايا يعني يرجع إلا ما حملت إلى قوله: مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا.

"وقيل: عطف على الظهور" فالمعنى إلا ما حملت الظهور أو حملت الحوايا وهذا يرجع إلى المعنى السابق يعني أن هذه مما استثني من التحريم.

"وقيل: عطف على الشحوم" فهو من المحرم ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما، استثنى من الشحوم ما حملت الظهور ثم ذكر باقي المحرمات، أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ [الأنعام:146]، -والله أعلم-.

أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ يريد ما في جميع الجسد.

يعني مما يكون مع الأضلاع، أو مما يكون في العضد، أو الفخذ، أو نحو هذا، وكما ذكرت أيضًا الألية وقد نقل الواحدي الإجماع على أنه مما أحل لهم[12]، أو ما اختلط بعظم يعني الألية داخلة فيه، لكن ما الذي حمل هؤلاء العلماء الذين قالوا بأن قوله: أَوِ الْحَوَايَا يعود إلى ما حرم عليهم أنه عائد إلى الشحوم وليس مما استثني؟ يعني كأن هؤلاء نظروا إلى أنه على المعنى الآخر أنها متعاطفات على المستثنى أنه لا يبقى شيء ما الذي يحرم عليهم إذًا من الشحوم، فهي إما أن تكون مختلطة بعظم، أو مما حملت الظهور، أو مما في الأجواف مما ليس بمختلط بعظم ولا مما حملت الظهور كالثروب ونحو ذلك، فالكل صار حلالا بهذا الاعتبار، فكأن هذا هو الذي حملهم على القول بأن الاستثناء هنا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا [الأنعام:146]، ثم ذكر باقي المحرمات، أو الحوايا فهي محرمة.

وَإِنَّا لَصادِقُونَأي: فيما أخبرنا به من التحريم، وفي ذلك تعريض بكذب من حرم ما لم يحرم الله.

وَإِنَّا لَصادِقُونَ يعني "فيما أخبرنا به من التحريم" وهذا المعنى قال به أبو جعفر ابن جرير -رحمه الله-[13]، وحمله بعضهم كابن كثير على معنى وإنا لعادلون[14]، يعني فيما حكمنا عليهم به، وما جزيناهم به من هذا التحريم، فتفسيره بالصدق في الأخبار؛ لأنه في الغالب أن الصدق يقال: للخبر، وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً [الأنعام:115] صدقًا في الأخبار وعدلا في الأحكام؛ فمن فسره بالصدق بالخبر وما قاله مما حرم عليهم كابن جرير -رحمه الله- يحملون هذا على اعتبار أن هؤلاء زعموا أنه لم يحرم عليهم شيء في التوراة، ولكن إسرائيل الذي هو يعقوب حرم ذلك على نفسه فاتبعوه، وأنه لم يحرم عليهم شيء بعد ذلك.

ويذكر أن في التوراة: "حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وكل دابة ليست مشقوقة الحافر"، هذا كل ما ورد من قوله هنا: كُلَّ ذِي ظُفُرٍ [الأنعام:146] وكل حوت ليس فيه سفاسف يعني بياض.

يقول: "وفي ذلك تعريض بكذب من حرم ما لم يحرم الله" هذا بناء على أنه من باب الصدق في الخبر وَإِنَّا لَصَادِقُونَ وهذا هو الظاهر المتبادر، ولا شك أنه حكم عادل؛ لأن الله لا يظلم الناس شيئا، لكن في قوله -تبارك وتعالى- في الآية: ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ [الأنعام:146] قرينة عند من يقول بأن الصدق هنا العدل، يعني أنه كان جزاء وفاقا ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ أي: لعادلون فهذه قرينة كأنها عند ابن كثير، ومن وافقه بحمله على الصدق بغير الظاهر المتبادر الصدق في الأخبار فجعل ذلك من قبيل العدل في الأحكام، لكن إذا عرف ما سبق من دعواهم وكذبهم أن الله لم يحرم عليهم شيئا في التوراة فيكون هذا من قبيل الجواب والرد عليهم، -والله أعلم-.

فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ [الأنعام:147] أي: إن كذبوك فيما أخبرت به من التحريم فقل لهم: رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ إذ لا يعاجلكم بالعقوبة على شدة جرمكم، وهذا كما تقول عند رؤية معصية: ما أحلم الله! تريد لإمهاله عن مثل ذلك، ثم أعقب وصفه بالرحمة الواسعة بقوله: وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ أي: لا تغتروا بسعة رحمته، فإنه لا يرد بأسه عن مثلكم إما في الدنيا أو في الآخرة.

قوله -تبارك وتعالى-: فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ المخاطب بهذا فإن كذبوك السياق في اليهود ولهذا حمله ابن جرير -رحمه الله- على اليهود أن الخطاب لليهود فإن كذبوك أي اليهود[15].

وقال بعضهم: الخطاب للمشركين؛ لأن الأصل كان في ذكر ما حرمه المشركون قبل ذلك ما حرموا على أنفسهم من البحيرة والسائبة والوصيلة وما إلى ذلك، والتفريق بين ما يحل لذكورهم دون إناثهم وغير ذلك من المختلقات فرد الله: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً [الأنعام:145] إلى آخره فهذا رد على المشركين؛ فحمله بعضهم حمل هذا على أن ذلك أيضًا الخطاب للمشركين، وإنما جاء ذكر اليهود عرضًا، ولكن ابن كثير -رحمه الله- حمله على هذا وهذا جمع بينهما الخطاب للجميع لليهود الذين جاء ذكرهم وللمشركين الذين كان السياق أصلاً في الرد عليهم[16].

فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ [الأنعام:147] بعضهم يقول: بأن هذا من باب فتح باب الرجاء لهم والترغيب بالتوبة والرحمة واتباع النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- هكذا قال ابن كثير -رحمه الله-[17]، وهو يتضمن الحث لهم على اتباع النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وطاعته والإيمان به والمسارعة إلى الرحمة بسلوك أسبابها، فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ يعني فاطلبوها بتحقيق أسبابها، والمؤلف هنا ذهب إلى أن ذلك باعتبار الإمهال فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ يعني لم يعاجلكم بالعقوبة وهذا أيضًا معنى صحيح، فهو لم يعاجلكم بالعقوبة، وإذا كان كذلك أيضًا أنه ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ فبادروا إلى سلوك أسبابها، وطلب موجباتها، يقول: وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ [الأنعام:147] فجمع لهم بين الترغيب والترهيب، ويكون ذكر الرحمة قبل باعتبار أن رحمته سبقت غضبه، -والله أعلم-.

سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا [الأنعام:148] الآية: معناها أنهم يقولون: إن شركهم وتحريمهم لما حرموا كان بمشيئة الله ولو شاء الله أن لا يفعلوا ذلك ما فعلوه، فاحتجوا على صحة ذلك بإرادة الله له، وتلك نزغة جبرية.

هي نزعة جبرية، ويصح أن يقال: نزغة جبرية، لكن الأكثر في الاستعمال في مثل هذا أن يقال: نزعة جبرية.

ولا حجة لهم في ذلك؛ لأنهم مكلفون مأمورون ألا يشركوا بالله، ولا يحللوا ما حرم الله ولا يحرموا ما حلل الله، والإرادة خلاف التكليف، ويحتمل عندي أن يكون قولهم: لَوْ شاءَ اللَّهُ قولاَ يقولونه في الآخرة على وجه التمني أن ذلك لم يكن، كقولك إذا ندمت على شيء: لو شاء الله ما كان هذا. أي: تتمنى أن ذلك لم يكن، ويؤيد هذا أنه حكى قولهم بأداة الاستقبال، وهي السين، فذلك دليل على أنهم يقولونه في المستقبل وهي الآخرة.

هذا الذي أخبر الله عن المشركين أنهم سيقولونه جاء موضحًا بقوله -تبارك وتعالى-: وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ [النحل:35]، وهكذا في قوله: وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ [الزخرف:20] فهذا وقع وقالوه في الدنيا، فلا حاجة لحمل ذلك على أنه في الآخرة أنهم سيقولونه في الآخرة، الله هنا أخبر في هذه السورة المكية أنهم سيقولون ذلك ثم أخبر في موضع آخر أنهم قالوه.

وقد ذكر الشنقيطي -رحمه الله- في مقدمته لأضواء البيان -وهي مقدمة حافلة- أعني ما يتصل بتفسير القرآن بالقرآن منه كأنه تطبيق لهذه المقدمة، وما تضمنته من ضروب تفسير القرآن بالقرآن، ومما ذكر هناك من أنواع تفسير القرآن بالقرآن أن يخبر عن المشركين أو عن أحد أنه سيفعل كذا، أو سيقول كذا ثم يخبر في موضع آخر أنه قاله فعلاً، فهذا منه؛ فكان ذلك في الدنيا، لا أنهم يقولونه على سبيل التحسر في الآخرة والندم.

قوله تعالى: قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ توقيف لهم وتعجيز، قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ [الأنعام:149] لما أبطل حجتهم أثبت حجة الله ليظهر الحق ويبطل الباطل.

قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ يعني البرهان كما هو معلوم ومضى في مواضع، يقول ابن كثير: "أي: له الحكمة التامة والحجة البالغة في هداية من هدى وإضلال من ضل"[18]، يعني لما احتجوا بالقدر رد عليهم بهذا: قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ في الهدى والضلال، وقال الضحاك: "لا حجة لأحد عصى الله، ولكن لله الحجة البالغة على عباده"[19]، والبالغة هي التي تبلغ مراده في ثبوتها على من احتج بها عليه من خلقه، وقطع عذره إذا انتهت إليه، ليس لكم أن تحتجوا بقدره وإنما الحجة التي تبلغ مراده ويتحقق بها مقصوده لا شك أنها لله -تبارك وتعالى-، وهم محجوجون بإرسال الرسل وإنزال الكتب، والله -تبارك وتعالى- أعطاهم إرادة ومشيئة، وإن كانت لا تخرج عن مشيئته وإرادته؛ ولكن الله يقول: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ۝ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ۝ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ۝ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى ۝ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ۝ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل:5-10] ولم يطلع هؤلاء على الغيب وعلى ما كتب عليهم من الأعمال والهدى والضلال حتى يحتجوا بذلك، فالقدر لا يحتج به على المعايب بحال من الأحوال.

 هَلُمَّ [الأنعام:150] قيل: هي بمعنى هات فهي متعدية.

يعني مثل: هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ [الأنعام:150] أي: أحضروهم.

وقيل: بمعنى أقبل فهي غير متعدية، وهي عند بعض العرب فعل يتصل به ضمير الاثنين والجماعة والمؤنث، وعند بعضهم: اسم فعل فيخاطب بها الواحد والاثنان والجماعة والمؤنث على حد سواء، ومقصود الآية تعجيزهم عن إقامة الشهداء.

قوله تعالى: فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ أي إن كذبوا في شهادتهم وزوروا فلا تشهد بمثل شهادتهم.

قوله تعالى: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أمر الله نبيه -صلّى الله تعالى عليه وآله وسلّم- أنه يدعو جميع الخلق إلى سماع تلاوة ما حرم عليهم، وذكر في هذه الآيات المحرمات التي أجمعت عليها جميع الشرائع، ولم تنسخ قط في ملة، وقال ابن عباس -ا-: هي الكلمات، أو الوصايا العشر التي أنزل الله على موسى.

يعني بعضهم يقول: هذه هي الوصايا العشر في التوراة يقولون: "أولها أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية، لا يكن لك إله غيري"، ومنها: "أكرم أباك وأمك ليطول عمرك في الأرض التي يعطيك الرب إلهك، لا تقتل، لا تزني، لا تسرق، لا تشهد على قريبك شهادة زور، لا تشته بنت قريبك، لا تشته امرأة قريبك، ولا عبده، ولا أمته، ولا ثوره، ولا حماره، ولا شيئا من مال قريبك"، وهذا كلام مترجم.

قوله تعالى: أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا قيل: أن هنا حرف عبارة وتفسير فلا موضع لها من الإعراب، ولا ناهية جزمت الفعل.

هنا "أن حرف عبارة وتفسير"؛ لأنه تقدمها معنى القول دون حروفه "قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ [الأنعام:151] فالتلاوة بمعنى القول فأن تكون تفسيرية بهذا الاعتبار تفسير لهذا المتلو ما هو.

وقيل: أن مصدرية في موضع رفع، تقديره: الأمر ألا تشركوا، فلا على هذا نافية.

أن مصدرية تكون ناصبة للفعل بعدها في موضع رفع تقديره: الأمر ألا تشركوا قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا [الأنعام:151] فلا على هذا نافية.

وقيل: أن في موضع نصب بدلا من قوله: مَا حَرَّمَ، ولا يصح ذلك إلا إن كانت لا زائدة وإن لم تكن زائدة فسد المعنى؛ لأن الذي حرم على ذلك يكون ترك الإشراك.

هنا قوله: "أن في موضع نصب بدلا من قوله: مَا حَرَّمَ" أو تكون بدلا من العائد المحذوف في حرم والتقدير ما حرمه أتل ما حرمه الضمير العائد المحذوف ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا يقول: "ولا يصح ذلك إلا إن كانت لا زائدة وإن لم تكن زائدة فسد المعنى لأن الذي حرم على ذلك يكون ترك الإشراك" أو الذي حرم على ذلك يكون ترك الإشراك، وترك الإشراك مطلوب وليس بمحرم، وعلى هذا المعنى أن لا ليست زائدة إعرابا مثل ما يقول بعض الناس: أعتذر لعدم حضوري، أعتذر عن الحضور، اعتذر فلان عن الحضور هو ما اعتذر عن الحضور هو لم يحضر كيف يعتذر عن الحضور؟ هو مطالب بالحضور فكيف يعتذر عنه، وإنما اعتذر عن عدم حضوره، نحن دائما نقول: اعتذر فلان عن الحضور، اعتذر عن الحضور، وهو اعتذر عن عدم الحضور.

فهنا مع الفارق قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا فترك الإشراك مطلوب فهل هو مما حرم؟ حرم عليهم ألا يشركوا هو أمرهم ألا يشركوا، ومن هنا اختلفوا في التقدير والإعراب، والقول بأن لا هذه زائدة يعني يكون إذا قيل: إنها زائدة أتلو ما حرم ربكم عليكم أن تشركوا حرم عليكم الإشراك.

وبعضهم يقول: أن الناصبة هذه وما في حيزها منصوبة على الإغراء بعليكم أتلو ما حرم ربكم، ويكون الكلام هكذا عليكم ألا تشركوا؛ لكن هذا خلاف الظاهر المتبادر، لكن كما ذكرت نريد جوابا عن هذا الإشكال، فتكون لا نافية، وليست زائدة عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا ففصله عما قبله، ويكون الكلام الأول قد تم عند قوله: أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ثم ابتدأ فقال: عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا أي الزموا ترك الشرك، وهذا لا يخلو من بعد.

يقول: والأحسن عندي أن تكون أن مصدرية في موضع نصب على البدل.

والأحسن عندي أن تكون أن مصدرية في موضع نصب على البدل، ولا نافية، ولا يلزم ما ذكر من فساد المعنى؛ لأن قوله: مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ: معناه ما وصاكم به ربكم، بدليل قوله في آخر الآية: ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ [الأنعام:151] فضمن التحريم معنى الوصية، والوصية في المعنى أعمّ من التحريم؛ لأن الوصية تكون بتحريم وبتحليل، وبوجوب وندب، ولا ينكر أن يريد بالتحريم الوصية؛ لأن العرب قد تذكر اللفظ الخاص وتريد به العموم، كما تذكر اللفظ العام وتريد به الخصوص، فإذا تقرر هذا، فتقدير الكلام: قل تعالوا أتل ما وصاكم به ربكم، ثم أبدل منه على وجه التفسير له والبيان، فقال: أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [الأنعام:151]، أي: وصاكم ألا تشركوا به شيئًا، ووصاكم بالإحسان بالوالدين، ووصاكم أن لا تقتلوا أولادكم، فجمعت الوصية ترك الإشراك وفعل الإحسان بالوالدين، وما بعد ذلك، ويؤيد هذا التأويل الذي تأولنا: أن الآيات اشتملت على أوامر: كالإحسان بالوالدين، وقول العدل، والوفاء في الوزن، وعلى نواهي: كالإشراك وقتل النفس، وأكل مال اليتيم، فلا بد أن يكون اللفظ المقدم في أولها لفظًا يجمع الأوامر والنواهي؛ لأنها أجملت فيه، ثم فسرت بعد ذلك، ويصلح لذلك لفظ الوصية؛ لأنه جامع للأمر والنهي، فلذلك جعلنا التحريم بمعنى الوصية، ويدل على ذلك ذكر لفظ الوصية بعد ذلك، وإن لم يتأول على ما ذكرناه: لزم في الآية إشكال، وهو عطف الأوامر على النواهي، وعطف النواهي على الأوامر، فإن الأوامر طلب فعلها، والنواهي طلب تركها، وواو العطف تقتضي الجمع بين المعطوف والمعطوف عليه، ولا يصح ذلك إلا على الوجه الذي تأولناه من عموم الوصية للفعل والترك.

حاصل ما ذكر في الجواب عن هذا الإشكال هو أن لا إما أن تكون زائدة، وهؤلاء نظروا إلى لفظ التحريم أتلو ما حرم ربكم عليكم أن تشركوا حرم عليكم الإشراك؛ فتكون أن مصدرية مؤولة بما بعدها بمصدر أن تشركوا حرم عليكم الإشراك بالله.

وأما قطع الكلام على قوله: رَبُّكُمْ ثم يقول: عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا فهذا بعيد، أو أن يقال: بأن لفظ التحريم هنا أوسع مما فهموا، يعني أصحاب القول الأول، وأنه مضمن معنى الوصية، والعرب تضمن الفعل معنى الفعل كما هو معلوم، وهذا كثير فيكون بهذا الاعتبار التحريم بمعنى الوصية، والوصية تنتظم الأوامر والنواهي، فتقول: أوصيك بطاعة الله، وتقواه، وترك ما يسخطه ونحو ذلك، فتجمع بين المأمورات والمنهيات، وهذا ينحل به الإشكال من جهة دخول لا هذه أَلَّا تُشْرِكُوا لأننا لو بقينا مع الظاهر بتفسير التحريم بظاهره من المنع فيكون كأنه المحرم هو عدم الإشراك، أو دعوى الزيادة، والقاعدة أن: "الكلام إذا دار بين الزيادة والاستقلال فالاستقلال أولى" لاسيما على قول جمع من أهل العلم: لا زائد في القرآن، يقصدون لا تطلق لفظ الزيادة، والذين يطلقونها يقصدون زائدة إعرابًا، فإذا كان الكلام هنا يمكن أن يحمل على وجه صحيح من غير دعوى الزيادة فهو الأولى بناء على هذه القاعدة، وذلك بتضمين التحريم معنى الوصية، والوصية تجمع الأوامر والنواهي، وصاكم ألا تشركوا ولا إشكال، وهذا المعنى ذكره الحافظ ابن كثير -رحمه الله-، وفسرها بهذا أنه مضمن معنى الوصية[20]، والله  يقول: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:83] فأخذ عليهم الميثاق بهذا.

وهكذا في سورة الإسراء حيث عطف مأمورات على منهيات والعكس وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا [الإسراء:23]، قضى هنا فسر بمعنى أوجب وألزم وحكم إلى آخره، ومما فسره به -والله أعلم- وهو أحسن ما فسره به أنه بمعنى وصى؛ لوجود هذه المتعاطفات من الأوامر والنواهي، فكيف يقال: قضى بمعنى أوجب مثلاً، وإن كان من معاني القضاء الإلزام والإيجاب، فيكون قوله: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء:23]، وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ [الأنعام:151]، وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ [الأنعام:152]، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ [الأنعام:151]، وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا [الإسراء:32] إلى آخره، فكل ما سبق منهيات.

وكذلك مأمورات وَأَوْفُوا الْكَيْلَ [الأنعام:152]، وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا [الإسراء:37]، وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [الإسراء:36]، والله أيضًا يقول: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ [لقمان:14].

وتحتمل الآية عندي تأويلاً آخر، [وفي نسخة: وتحتمل أيضًا عندي تأويلاً آخر]، وهو: أن يكون لفظ التحريم على ظاهره، ويعم فعل المحرمات، وترك الواجبات؛ لأن ترك الواجبات حرام.

بهذا الاعتبار لأن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده، أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ [الأنعام:151] فترك الواجب يكون محرمًا مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ لكن مجيء هذا بعده أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا لا يخلو من إشكال ويبقى الإشكال السابق، أَلَّا تُشْرِكُوا فترك الإشراك مأمور به، فإذا قلنا: إن ضده هو المحرم الذي هو فعل الإشراك فهذا خلاف الظاهر المتبادر، ولا تحمل الآية على مثل هذه المحامل البعيدة، -والله أعلم-.

قوله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ الإملاق الفاقة.

الإملاق أصله إتلاف المال حتى يفتقر، وبعضهم يقول: إنه مشتق إملاق من الملقاة، والملقاة هي الصخور أو الحجارة العظام الملساء السود، يعني كأنه لم يبق له إلا الملقاة، يعني: لم يبق له شيء، ما بقي له إلا الحجارة، أملق الرجل ذهب ماله، ولم يبق له شيء.

ومن هنا للتعليل تقديره: من أجل إملاق.

وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ يعني من أجل إملاق، وجاء في الصحيحين من حديث ابن مسعود ، أنه سأل النبي ﷺ أي الذنب أعظم قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك، ثم تلا رسول الله ﷺ: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ [الفرقان:68]، وكذلك: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك[21].

وإنما نهى عن قتل الأولاد لأجل الفاقة؛ لأن العرب كانوا يفعلون ذلك، فخرج مخرج الغالب، فلا يفهم منه إباحة قتلهم بغير ذلك الوجه.

يعني أن مفهوم المخالفة هنا غير معتبر وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ لو قال قائل: نقتلهم من غير هذه العلة لغير هذه العلة خشية العار مثلاً قتل البنات ونحو هذا، فيقال: هذا لا مفهوم له لأنه جاء وفاقا لواقع معين، وهذا مما يستثنى من مفهوم المخالفة، أن مفهوم المخالفة معتبر إلا في مواضع؛ منها قول صاحب المراقي:

أو جرى على الذي غلب أو امتنان أو وفاق الواقع[22]

هذا وفاق الواقع فلا مفهوم له؛ كقوله تعالى: وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا[النور:33]، فلا يجوز أن تمكن من البغاء ولو كانت ترغب فيه، ولو لم ترد التحصن، لكنه جاء على وفاق واقع معين من عبد الله بن أبي كان له جاريتان أسلمتا فكان يكرههن على البغاء ويضربهن[23]، فنزلت الآية وفاقًا لهذا الواقع.

وكذلك في قوله تعالى: لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:28]. فلو قال: إنه يتخذ الكفار أولياء مع المؤمنين فلا عبرة بذلك؛ لأن هذا جاء على وفاق واقع معين فنزلت الآية تنهى عنه، فلا مفهوم له، خرج مخرج الغالب هذا غير مخرج، يقول: هو نزل على وفاق واقع معين فلا يفهم إلى آخره.

وما ورد من أنهم كانوا يقتلونهن خشية عار، يقتلون البنات فهذا لا يخالف ما ذكره الله ، فكانوا يقتلونهم خشية الفقر خشية أن تفتقر فتضطر إلى بيع عرضها، وهناك شواهد من كلامهم في هذا مما يدل على هذا المعنى كقول أحدهم عنده بنت يقال لها: الجرباء، خطبت فقال:

إني وإن سيق إليّ المهر ألف وعبدان وذود عشر
  أحبّ أصهاري إليّ القبر[24]

وقول الآخر عنده بنت يقال لها: مودة:

مودة تهوى عمر شيخ يسره لها الموت قبل الليل لو أنها تدري[25]

وقال آخر:

تهوى حياتي وأهوى موتها شفقا والموت أكرم نزالٍ على الحرم[26]

وذكر اعتلاله لقتلها:

أخشى عليها فظاظة عم أو جفاء أخ وكنت أخشى عليها من أذى الكلم[27]
أخشى عليها الدهر يومًا أن يُلم بها فيهتك الستر عن لحم على وضم[28]

يعني يصيبها الفقر والفاقة فيهتك الستر عن لحم على وضم؛ يعني: يهتك عرضها لفقرها، تضطر لبيع عرضها، هذا كانوا يفعلونه لفرط غيرتهم، وهذا لا شك أنه مذموم، كما أن ما يقابل ذلك من ذهاب الغيرة وتضييع الأعراض أيضا مذموم.

ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ قيل ما ظهر: الزنا، وما بطن: اتخاذ الأخدان، والصحيح أن ذلك عموم في جميع الفواحش.

نعم "عموم في جميع الفواحش" وبعضهم يقول: ذلك يعني ما ظهر ما يتعلق بالجوارح، وما بطن ما يرجع إلى القلب كالإشراك بالله وسائر المدنسات مما يتصل بالقلوب، والأقرب أن ذلك يعم هذا جميعا -والله أعلم-.

فالفواحش هي ما عظم وتناهى في القبح؛ ولا شك أن الشرك بالله هو أعظم هذه الفواحش، فما ظهر منها ما بدا وكان في العلن؛ فيدخل فيه الزنا علانية، البغايا، وذوات الأعلام، ويدخل فيه تلبية المشركين إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك، ويدخل فيه عبادة الأصنام، والأوثان، وغير ذلك مما كانوا يفعلونه من أكل الميتات، وغيرها.

وَمَا بَطَنَ [الأنعام:151] يدخل فيه الإشراك في القلوب وسائر المدنسات والزنا سرًا مع الخليلات ونحو ذلك، فيدخل فيما يتصل بالجوارح والقلوب؛ لأن "ما" تفيد العموم، وكأن ما ذكره بعض السلف من المعاني في هذا الموضع أنه من قبيل التفسير بالمثال؛ كقول بعضهم مثلا بأن ما ظهر من الفواحش هو الزنا بالبغايا والمعلنات ذوات الأعلام تضع علما على بيتها ويعرف أن هذا مكان بغي -أعزكم الله-، وما كان سرا مع خليلته ورفيقته دون أن يطلع الناس على ذلك، فهذا كأنه من قبيل التفسير بالمثال وإلا فيدخل فيه هذا العموم، هذا وغيره، -والله أعلم-.

وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ فسره قول رسول الله ﷺ: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: زنى بعد إحصان، أو كفر بعد إيمان، أو قتل نفس بغير نفس[29].

وذكر الشنقيطي -رحمه الله- نصوصًا في قتل غير هؤلاء يعني المذكورين في هذا الحديث الثلاثة، يعني مثلاً: صح عن النبي ﷺ بأن الفاعل والمفعول به في الفاحشة اللواط -أعزكم الله- أنه يقتل الفاعل والمفعول به[30]، هذا صح عن النبي ﷺ، وكذلك صح عنه: حد الساحر ضربة بالسيف[31]، إلى غير ذلك.

فبعض أهل العلم الذين قالوا: بأن هؤلاء يقتلون أيضًا أدخلوهم في قوله إلا بالحق لا تقتلوا النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق وذلك فيما حكم الله ورسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- من قال: لا يقتل أحد سوى هؤلاء لم يدخلها في قوله: إِلَّا بِالْحَقِّ لهذا الحديث، قال: وهذا الحديث نص صريح باعتبار أنه جاء بصيغة الحصر الأقوى فلا يخرج عن ذلك شيء، ولكن جاءت الزيادة على هذا في السنة فهو داخل في قوله: إِلَّا بِالْحَقِّ،  فيكون الشارع في وقت من الأوقات بينهم لهم أنه لا يحل القتل إلا من كان بهذه الصفة، ثم زاد عليها أشياء بعد ذلك، -والله أعلم-.

وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ النهي عن القرب يعم وجوه التصرف، وفيه سدّ الذريعة؛ لأنه إذا نهى عن أن يقرب المال، فالنهي عن أكله أولى وأحرى. والتي هي أحسن منفعة اليتيم وتثمير ماله.

قوله تعالى: حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ هو البلوغ مع الرشد، وليس المقصود هنا السن وحده، وإنما المقصود معرفته بمصالحه.

حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ قال: "البلوغ مع الرشد" يعني حسن التصرف في المال؛ ولهذا قال الله : وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ [النساء:6] فهذا هو البلوغ، فإن آنستم منهم رشدا فذكر أيضا الوصف الآخر فلا بد مجموع الأمرين حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ يعني يتناهى في الثبات إلى حد الرجال، أو يبلغ منتهى شبابه وقوته، وأصل المادة يدل على قوة في الشيء، وفسره بعض أهل العلم كالإمام مالك والشعبي بالاحتلام[32]، لكن هذا وحده لا يكفي لا بد من البلوغ وحسن التصرف.

قوله تعالى: لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَها لما أمر بالقسط في الكيل والوزن، وقد علم أن القسط الذي لا زيادة فيه ولا نقصان مما يجري فيه الحرج ولا يتحقق الوصول إليه، أمر بما في الوسع من ذلك، وعفا عما سواه.

قوله تعالى: وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى أي ولو كان المقول له أو عليه في شهادة أو غيرها من أهل قرابة القائل، فلا ينبغي أن يزيد ولا ينقص بل يعدل.

قوله تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا [الأنعام:153] الإشارة بهذا إلى ما تقدم من الوصايا أو إلى جميع الشريعة، وأنّ بفتح الهمزة والتشديد عطف على ما تقدم، أو مفعول من أجله: أي: فاتبعوه؛ لأن هذا صراطي مستقيما.

وبنحو هذا المعنى فَاتَّبِعُوهُ لأن هذا صراطي مستقيما مفعولا من أجله فاتبعوه؛ لأن هذا صراطي مستقيما وبنحو هذا قال الخليل وسيبويه[33]، ويحتمل: واتل أن هذا صراطي، ويحتمل وصاكم به، وبأن هذا صراطي.

وقرئ بالكسر على الاستئناف، وبالفتح والتخفيف على العطف، وهي على هذا مخففة من الثقيلة.

بالكسر هي قراءة حمزة والكسائي (وَإِنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيمًا) على الاستئناف تكون جملة جديدة؛ ولا حاجة إلى التقديرات السابقة، والتقدير الذي ذكر في هذه الآيات صراطي، وقراءة الجمهور بفتح الهمزة.

قوله تعالى: وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ الطرق المختلفة في الدين من اليهودية والنصرانية وغيرها من الأديان الباطلة، ويدخل فيه أيضا البدع والأهواء المضلة، وفي الحديث: أن النبي ﷺ خط خطا، ثم قال: هذا سبيل الله، ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله، ثم قال: هذه كلها سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه[34].

هذا الحديث في آخره ثم قرأ: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام:153]، هذا مهم؛ لأنه شاهد في الآية، إضافة إلى ما تضمنه من المعنى، وهذا الحديث أخرجه النسائي في السنن الكبرى وفي التفسير، وكذلك الإمام أحمد -رحمه الله-، وصححه الحاكم، وأقره الذهبي، وكذلك له طرق -هذا الحديث- بعضها حسنه الألباني، وبعضها صححه، حديث ابن مسعود .

قوله تعالى: فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ أي: تفرقكم عن سبيل الله، والفعل مستقبل حذفت منه تاء المضارعة؛ ولذلك شدده البزي.

يعني فَتَفَرَّقَ بِكُمْ يعني تتفرق بكم، ولهذا شدده البزي، فالبزي يشدد التاء في أوائل الأفعال المضارعة في الوصل، وذلك في أحد وثلاثين موضعًا من القرآن يسمونها تاءات البزي، فتّفرق فيكون مشددًا؛ لأنه من تاءين فتّفرق.

ثُمَّ آتَيْنا معطوف على وصاكم به، فإن قيل: فإن إيتاء موسى الكتاب متقدم على هذه الوصية، فكيف عطفه عليها بثم؟

فالجواب: أن هذه الوصية قديمة لكل أمة على لسان نبيها، فصح الترتيب.

وقيل: إنها هنا لترتيب الأخبار والقول، لا لترتيب الزمان.

وبعضهم يقول: بأن ثم هنا بمعنى الواو، يعني كأنه يقول: وآتينا موسى الكتاب تماما على الذين أحسن.

وبعضهم يقول: التقدير ثم قد آتينا موسى الكتاب قبل إنزالنا.

وبعضهم يقول: المعنى قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا [الأنعام:151] إلى آخره، ثم أتل إيتاء موسى الكتاب.

وبعضهم يقول غير هذا.

قوله تعالى: تَمامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ فيه ثلاثة تأويلات:

أحدها: أن المعنى تماما للنعمة على الذي أحسن من قوم موسى، ففاعل أحسن ضمير يعود على الذي، و الَّذِي أَحْسَنَ يراد به جنس المحسنين.

والآخر: أن المعنى تماما أي تفضلا، أو جزاء على ما أحسن موسى من طاعة ربه وتبليغ رسالته، فالفاعل على هذا ضمير موسى و"الذي" صفة لعمل موسى.

والثالث: تمامًا أي إكمالا على ما أحسن الله به إلى عباده، فالعامل على هذا ضمير الله تعالى.

ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ [الأنعام:154] التأويلات التي ذكرها الأول: "أن المعنى تماما للنعمة على الذي أحسن من قوم موسى" لاحظ تماما على الذي أحسن يعني: كأنه على الذين أحسنوا، فالذي اسم موصول يدل على العموم من صيغ العموم، الأسماء الموصولة مِنْ قَوْمِ مُوسَى [الأعراف:159] يعني أنزله الله آتى موسى الكتاب تماما على من أحسن من قومه، ففعل أحسن ضمير يعود على الذي يعني من أتباعه، والذي أحسن يراد به جنس المحسنين؛ فأحسن على هذا أحسن فعل ماضي لاحظ انتبهوا تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ يعني منهم، فعل ماض، وهذا عند البصريين، والمعنى: تماما على من أحسن قبوله والقيام به كائنا من كان، يؤيد هذا المعنى قراءة غير متواترة لابن مسعود تمامًا على الذين أحسنوا، فأحسن هنا فعل ماضي، والذي أحسن هم من أحسن من بني إسرائيل، فيعود ذلك إليهم تماما عليهم تماما للنعمة عليهم على هؤلاء الذين سبق منهم الإحسان على الذين أحسنوا، والقراءة غير المتواترة وإذا صح سندها فإنها تفسر القراءة المتواترة.

القول الآخر: "أن المعنى تماما أي تفضلا أو جزاء على ما أحسن موسى من طاعة ربه وتبليغ رسالته" فالفاعل على هذا ضمير موسى والذي صفة لعمل موسى تماما على الذي أحسن، وأحسن هنا تكون فعل ماضي؛ يعني تماما على موسى لإحسانه، وهذا اختيار الحافظ ابن كثير -رحمه الله-[35] هذا المعنى الثاني رجحه ابن كثير؛ تماما على الذي أحسن وهو موسى لما سبق منه من الإحسان.

والثالث: "تمامًا أي إكمالا على ما أحسن الله به إلى عباده" يعني تماما على الذي أحسن أي الله إكمالا لإحسانه على عباده، فالعامل على هذا ضمير الله، هذا الاحتمال هو أضعفها "تماما على الذي أحسن" وكأن الأقرب -والله أعلم- هو أن ذلك يرجع إلى موسى إتماما للنعمة عليه على الذي أحسن، ثم يليه أن ذلك يرجع إلى بني إسرائيل فينظر في صحة إسناد تلك الرواية عن ابن مسعود، فإذا صحت من جهة الإسناد فيفسر بها -والله تعالى أعلم-.

ومن الأوجه التي ذكرت في هذا أن يكون يعني تماما مفعولا لأجله، أي لأجل تماما على الذي أحسن أي لأجل تمام نعمتنا، أو أن يكون مصدرا في موضع الحال إما من الكتاب أي تاما بين موسى الكتاب تماما، أي حال كونه تاما أو من "نا" آتينا أي متممين حال كوننا متممين، أو أن يكون مفعولاً مطلقًا نائبًا عن المصدر، يعني آتيناه إيتاء تمام لا نقصان تماما على الذي أحسن، أو لأنه اسم المصدر على تقدير آتيناه أي أتممناه تماما، وهكذا على الذي أحسن كما سبق أنه فعل ماضي صلة للموصول فيرجع ذلك إلى موسى، أو إلى كل من أحسن، أو إلى الله -تبارك وتعالى-.

قوله تعالى: أَنْ تَقُولُوا في موضع مفعول من أجله تقديره: كراهة أن تقولوا.

كما يقول ابن جرير[36] بنفس المعنى، لئلا تقولوا، أن تقولوا، كراهة أن تقولوا، لئلا تقولوا، يعني يرد على المشركين وأنزلنا عليكم هذا الكتاب لأجل ألا تقولوا، إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا [الأنعام:156] اليهود والنصارى.

قوله تعالى: عَلى طائِفَتَيْنِ أهل التوراة والإنجيل، وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ أي: لم ندرس مثل دراستهم ولم نعرف ما درسوا من الكتب فلا حجة علينا، وأن هنا مخففة من الثقيلة.

يكون المعنى كما يقول ابن كثير: "أي وما كنا نفهم ما يقولون لأنهم ليسوا بلساننا، ونحن في غفلة وشغل مع ذلك عما هم فيه"[37]، كنا عن دراستهم لغافلين لا علم لنا بذلك ولا بصر.

قوله: فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ إقامة حجة عليهم.

فقد جاءكم بينة يعني فيه بيان الحلال والحرام، كما يقول ابن كثير[38] بينة، والبينة تقال: للحجة الظاهرة، فهو يشمل هذا وهذا، -والله أعلم-.

قوله تعالى: صَدَفَ أي: أعرض.

الصدوف هو الإعراض وجاء هذا المعنى عن ابن عباس ومجاهد وقتادة[39]، واختاره أبو جعفر ابن جرير[40] صدف يعني أعرض، فتكون صدف هنا لازمة، صدف في نفسه، يعني أعرض عن الحق.

وحمله بعضهم كما جاء عن السدي: "بأنه صرف الناس وصدهم عن ذلك"[41]، فتكون متعدية صدف، وهذا الذي اختاره ابن كثير[42]، والشنقيطي[43] للجمع بين التكذيب والصدوف، وكما قال الله : الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [النحل:88]، وقال: فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى ۝ وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى [القيامة:31-32]، وقال: وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ [الأنعام:26].

والأحسن من هذا والأقرب -والله أعلم- وهو الذي تدل عليه هذه الآيات أن يكون صدف هنا محمولة على معنى كونها لازمة، يعني أعرض ولكن كذب وتولى هذا معنى أعرض وصدف عنها بمعنى أعرض، وكذلك أيضًا صد الناس عن ذلك، الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الحج:25] فجمعوا بين التكذيب وصد الناس، وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ فجمعوا بين الابتعاد والإعراض بالنأي والنهي عن اتباعه، فتكون صدف هنا دالة على المعنيين، والقرآن يعبر به بالألفاظ القليلة الدالة على المعاني الكثيرة، وهذا مثل: لفظة صد تماما، فإنها على الأقرب والأرجح تحمل على المعنيين في كثير من المواضع في كتاب الله في صد الإنسان في نفسه تأتي لازمة، وكذلك في صد غيره عن الحق، اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا [المجادلة:16] صدوا في أنفسهم، وكذلك صدوا غيرهم، صدوا عن سبيل الله، عن اتباع الحق، صدوا عن الجهاد، صدوا عن أيضا صدوا كما قال بعض المفسرين هناك صدوا رسول الله ﷺ وأصحابه عن إقامة حكم الله فيهم بهذه الأيمان الكاذبة، يحلف بأنه ما قال إذا توجهت إليه الدعوى.

قوله تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ الآية: تقدّمت نظيرتها في البقرة، قوله: بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ أشراط الساعة، كطلوع الشمس من مغربها، فحينئذ لا يقبل إيمان كافر ولا توبة عاص.

وبعضهم يقول: المقصود الآيات التي اقترحوها يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [الأنعام:158]، والأقرب -والله أعلم- أنها الأشراط أشراط الساعة، وفي حديث أبي هريرة في الصحيحين: لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت فرآها الناس آمنوا أجمعون، فذلك حين لا ينفع نفسًا إيمانها[44].

وكذلك في حديث أبي ذر عند مسلم في سجود الشمس، وفيه: فتصبح طالعة من مغربها فقال رسول الله ﷺ: هل تدرون متى ذاكم؟ ذاك حين لا ينفع نفسًا إيمانها[45]، فهذا تفسير صريح للآية ذكرت معه في الحديث فلا عدول عنه.

وهذا المعنى هو الذي اختاره أبو جعفر ابن جرير -رحمه الله-[46] فليس المقصود الآيات التي اقترحوها، فإن الآيات التي يقترحونها إذا جاءت ينفعهم الإيمان. 

فقوله: لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا [الأنعام:158] يعني أن إيمان الكافر لا ينفعه حينئذ.

وقوله أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْرًا يعني أن من كان مؤمنا ولم يكسب حسنات قبل ظهور تلك الآيات، ثم تاب إذا ظهرت: لم ينفعه لأن باب التوبة يغلق حينئذ.

وأما المؤمن الذي يعمل الصالحات فإن أعماله بعد ذلك تنفعه وقال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: "أي لا يقبل منها كسب عمل صالح إذا لم يكن عاملا به قبل ذلك"[47]، يعني أراد أن يتوب فالتوبة لا تنفع ويغلق بابها.

وقال ابن جرير: "أو عملت في تصديقها بالله خيرا من عمل صالح يصدق قيله ويحققه"[48]، يعني يصدق قوله دعوى الإيمان.

قوله تعالى: قُلِ انْتَظِرُوا وعيد.

يعني: انتظروا إحدى المذكورات قبله قبل يوم القيامة من مجيء الملائكة لقبض الأرواح، أو أن يأتي الله في القيامة لفصل القضاء.

قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ هم اليهود والنصارى، وقيل: أهل الأهواء والبدع.

اليهود والنصارى؛ بهذا قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، والسدي[49]، وابن جرير[50] وابن كثير[51] عمما ذلك، يعني قالا: هو في أهل الأديان اليهود والنصارى وغيرهم ممن فرقوا دينهم وكانوا شيعا، وكذلك أيضا من فعله من هذه الأمة الذين فرقوا دينهم فهذا أمر مذموم فلا يكون هذا الذم متوجها لأهل الكتاب، ويغتفر ذلك في حق هذه الأمة، بل يكون أشد؛ لأنه كما قيل: على قدر المقام يكون الملام، فهذه الشريعة جاء فيها من البيان والإيضاح والتحذير والنهي عن الافتراق ما لم يكن في غيرها، ولذلك فإن التفرق والاختلاف هو من أعظم المنكرات، ومن أشنعها، وآثاره لا تخفى مشاهدة حال الأمة قديمًا وحديثًا، وأولى الناس بمراعاة ذلك ومعرفته والتوبة منه هم المنتسبون إلى العلم، أو الدعوة إلى الله، أو الجهاد في سبيله، ونحو ذلك، وترك كل ما يؤدي إلى المشاحنات والتفرق والانقسام، وما أشبه ذلك، يكفي أن ينتسبوا إلى الإسلام، وأن يكونوا أمة واحدة، وأن يدعوا إلى الله -تبارك وتعالى- على بصيرة من غير اعتبار آخر، ولا يجوز لأحد أن يفرق الأمة لأي سبب كان، بل يجتمعون على الحق والدين الذي جاء به الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-، وينتسبون إلى الأسماء الشرعية، هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا [الحج:78]، وما عدا ذلك فلا يجوز.

وفي الحديث أن رسول الله ﷺ قال: افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قيل: يا رسول الله ومن تلك الواحدة؟ قال: من كان على ما أنا وأصحابي عليه[52]، وقرئ: (فارقوا) أي: تركوا.

هذه القراءة (فارقوا) لحمزة والكسائي، والجمهور على قراءتنا، يعني فارقوا دينهم تركوه، والأخرى فرقوه يعني جعلوه متفرقًا، وبين القراءتين ملازمة، يعني المعنى يختلف، فكأن هذا التفرق والتفريق يؤدي إلى الترك للدين، وهذا يدل على خطورة التفرق (الذين فارقوا دينهم وكانوا شيعا) يعني لم يقل: فارقوا دينهم بالكفر فقط، لا، وَكانُوا شِيَعًا وكذلك فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا [الأنعام:159].

قوله تعالى: وَكانُوا شِيَعًا جمع شيعة أي: متفرّقين كل فرقة تتشيع لمذهبها.

التشيع بمعنى الاجتماع والتآزر مشايعة، فهي كأنها يقوي بعضهم بعضًا، ويلتئم معه، ويجتمع إليه، ونحو ذلك، فهذا لا يجوز وَكانُوا شِيَعًا، وإنما يتشايع أهل الإيمان متحدين، ويكونون يدا على من سواهم، ويحب لأخيه ما يحب لنفسه، فهو لا يؤمن إلا بهذا حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه[53]، ويكون قلبه سليما لإخوانه المسلمين ويعلم الجاهل وينصح المقصر ويبلغ عن الله -تبارك وتعالى- ما يحسن ويعمل، ويكف الأذى، ويصبر على ما أصابه، كما قال الله : وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ۝ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [المؤمنون:52-53].

وهكذا في قوله: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ... [الشورى:13] إلى أن قال: أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ [الشورى:13] فجعل هذا هو لا إله إلا الله على كثرة ما ورد من النصوص الكتاب والسنة في النهي عن التفرق والأمر بالجماعة بطرق مختلفة كثيرة، وقد ذكرت هذا في دروس ومجالس طويلة، ومع ذلك تجد هذه الأمة بهذا الافتراق الشديد، -والله المستعان-.

قوله تعالى: لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ أي: أنت بريء منهم.

قوله تعالى: عَشْرُ أَمْثالِها فضل عظيم على العموم في الحسنات، وفي العاملين، وهو أقل التضعيف للحسنات فقد تنتهي إلى سبعمائة وأزيد.

هذا العشر هو تفسير لما جاء من الإجمال في قوله: خَيْرٌ مِنْهَا [النمل:89] ذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله- عن ابن عباس -ا-، أن النبي ﷺ قال فيما يروي عن ربه -تبارك وتعالى-: إن ربكم رحيم من همَّ بحسنة فلم يعملها كتب له حسنة، فإن عملها كتب له عشرًا إلى سبعمائة[54].

وفي النفقة قال: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ [البقرة:261] وذكرت الكلام على الأمثال في القرآن أن بعضهم يقول: يعني أن المضاعفة إلى سبعمائة فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ [البقرة:261] إلى السبعمائة بحسب ما يقوم في قلب العبد كما قال ابن كثير في موضع آخر: ما يقوم في قلبه من الإخلاص وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [المؤمنون:60] ، إلى آخره.

ونفع العطية والصدقة والزمان الذي قدمت فيه، وإذا كانت لقريب فهي صلة، إلى آخره، يعني المتعلقات الزمانية والمكانية والحالية، فهنا إلى سبعمائة قال: فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً [البقرة:245]، ومن همَّ بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له واحدة، أو يمحوها الله ولا يهلك على الله إلا هالك[55]، وهو مخرج في الصحيحين.

وكذلك من حديث أبي ذر قال: قال رسول الله ﷺ: يقول الله : من عمل حسنة فله عشر أمثالها، وأزيد، ومن عمل سيئة فجزاؤها مثلها، أو أغفر، ومن عمل قراب الأرض خطيئة ثم لقيني لا يشرك بي شيئًا جعلت له مثلها مغفرة، ومن اقترب إليّ شبرًا اقتربت إليه ذراعًا[56] الحديث، وهو مخرج في صحيح مسلم.

يقول ابن كثير: "واعلم أن تارك السيئة الذي لا يعملها على ثلاثة أقسام..."[57]، -وذكر الأقسام الثلاثة- يعني الذي يترك ذلك هذه فائدة يعني هو إما أن يترك ذلك خوفًا من الله فهذا تكتب له حسنة، أو يترك ذلك خوفا من الناس يعني بعدما عزم عليها لم تتأت له أو رأى الناس فخاف ورجع فهذه تكتب عليه سيئة، العازم المصمم، أو تركها؛ لأنه زهد فيها ورغب عنها لا خوفًا من الله ولم يقم مانع يحول بينه وبين ارتكابها فهذه لا له ولا عليه، صرف النظر تكاسل مثلاً أو نحو هذا.

وفي حديث أبي ذر: من صام ثلاثة أيام من كل شهر فقد صام الدهر كله، وفي زيادة: فأنزل الله تصديق ذلك في كتابه: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا [الأنعام:160][58] اليوم بعشرة أيام، والحديث أخرجه ابن ماجه، وغيره بهذا اللفظ، وصححه الشيخ الألباني في صحيح ابن ماجه.

قوله تعالى: دِينًا قِيَمًا بدل من موضع إلى صراط مستقيم، لأن أصله هداني صراطا بدليل اهْدِنَا الصِّرَاطَ [الفاتحة:6] والقيم فيعل من القيام وهو أبلغ من قائم، وقرئ قيما بكسر القاف وتخفيف الياء وفتحها وهو على هذا مصدر وصف به.

هنا هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا [الأنعام:161] فهو بدل من الصراط المستقيم، القيم يقول: "فيعل من القيام" وبعضهم يقول: من قام لكن باعتبار الإرجاع إلى المصدر وهو أحسن، يقال: من قيام وهو أبلغ من قائم يعني يفيد قوة الاتصاف بمصدره، فهذا الوزن يدل على قوة ما يصاغ منه، قيمًا أبلغ من قائم، يقول: "وقرئ قيما بكسر القاف وتخفيف الياء وفتحها " قراءة الكسر هذه هي التي نقرأ بها، قراءة حفص، وكذلك قرأ بها ابن عامر.

وهنا أيضا قال: "وفتحها" يعني فتح الياء وهو على هذا مصدر وصف به يعني على سبيل المبالغة، كقولهم مثلا: رجل عدل، دين قيم يعني قائم أو مستقيم، دين قائم ثابت كما يقول ابن كثير -رحمه الله-[59]، ومعتدل دين قائم وابن جرير يقول: "مستقيم"[60]، ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ، وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:5] دين الاستقامة الدين المستقيم.

قوله تعالى: مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ [الأنعام:161] بدلا من دينا أو عطف بيان.

الملة هي الدين كما سبق في الغريب، يقولون: ومشتقة من أمللت، يعني أمليت يقولون: لأنها تبنى على مسموع ومتلو، فإذا أريد الدين باعتبار الدعوة إليه قيل: الملة، وإذا أريد باعتبار الطاعة والانقياد له قيل: دين، دان يدين.

قوله تعالى: وَنُسُكِي [الأنعام:162] أي: عبادتي، وقيل: ذبحي للبهائم.

هذا اختيار ابن جرير[61]، وابن كثير[62]، من المعاصرين والسعدي[63]، وقول الجمهور "وَنُسُكِي أي: عبادتي، وقيل: ذبحي للبهائم" هو يطلق على العبادة، ويطلق على الذبح تقربا إلى الله ، ويطلق أيضا على الحج، فله إطلاقات أخص إطلاقاته الذبح، ثم بعد ذلك يأتي الحج، ومن أعمال الحج الذبح، ثم يأتي إطلاق أوسع وهو العبادة، ومنها الحج، ومنها الذبح فهي إطلاقات صحيحة، فأصل المادة نسك يدل على عبادة وتقرب إلى الله؛ لهذا يقال للعابد: ناسك.

وقيل: حجي، والأول أعم وأرجح، قوله تعالى: وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي [الأنعام:162] أي: أعمالي في حين حياتي وعند موتي.

"في حين حياتي وعند موتي" كلها لله ، وبعضهم حمل على ما يكون في الممات ومماتي يعني ما أوصي به بعد موتي، وهذا وإن اختاره القرطبي -رحمه الله-[64] إلا أن ما ذكر ابن جزي كأنه أقرب -والله أعلم- من هذا.

وبعضهم يقول: المعنى أن الذي يحييني ويميتني هو الله، فهو الذي يدبر أمري حيا وميتا وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي تدبير أمور حياتي ومماتي كل ذلك لله، وهذا الذي رجحه الواحدي[65]، والسعدي[66]، وابن جرير فسره بنفس الحياة والموت[67]، لكن تفسير ابن جزي هنا أعمالي في حين حياتي وعند موتي باعتبار أن الحياة ظرف والإنسان لا عمل له بعد الموت ففسره بعند الموت.

قوله تعالى: لِلَّهِ أي: خالصًا لوجهه، وطلب رضاه، ثم أكد ذلك بقوله: لَا شَرِيكَ لَهُ [الأنعام:163] أي: لا أريد بأعمالي غير الله، فيكون نفيًا للشرك الأصغر وهو الرياء، ويحتمل أن يريد لا أعبد غير الله فيكون نفيًا للشرك الأكبر.

قوله تعالى: وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ [الأنعام:163] الإشارة إلى الإخلاص الذي تقتضيه الآية قبل ذلك.

قوله تعالى: وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ لأنه ﷺ سابق أمته.

يعني الأولية نسبية، وإلا سبقه الأنبياء والأمم الذين اتبعوهم وآمنوا بهم.

قوله تعالى: قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا تقرير وتوبيخ للكفار، وسببها أنهم دعوه إلى عبادة آلهتهم.

قوله تعالى: وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ برهان على التوحيد ونفي الربوبية عن غير الله.

قوله تعالى: وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها ردّ على الكفار لأنهم قالوا له: أعبد آلهتنا ونحن نتكفل لك بكل تباعة تتوقعها في دنياك وأخراك، فنزلت هذه الآية[68]، أي ليس كما قلتم، وإنما كسب كل نفس عليها خاصة.

يعني نتكفل بكل تباعة يعني تبعة ذلك، وما يلحقك من جرائه، ولا يصح أنها نزلت في هذا، وكذلك في قوله: "وسببها أنهم دعوه إلى عبادة آلهتهم قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا" فلا يصح في هذا شيء.

وهكذا هنا "اعبد آلهتنا ونحن نتكفل لك بكل تباعة" إلى آخره علقه ابن الجوزي في "زاد المسير"[69] عن مقاتل وهو ضعيف لإرساله وتعليقه.

قوله تعالى: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164] ألا يحمل أحد ذنوب أحد، وأصل الوزر الثقل، ثم استعمل في الذنوب.

وبعضهم يقول: هو الحمل الثقيل من الإثم كما قال الله : وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى [فاطر:18]، وهكذا في قوله: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ [العنكبوت:12].

قوله تعالى: خَلائِفَ جمع خليفة، أي: يخلف بعضكم بعضا في السكنى في الأرض.

يخلف بعضكم بعضا في السكنى في الأرض جاء عن ابن زيد: "جعلكم تعمرونها جيلا بعد جيل وقرنا بعد قرن وخلفا بعد سلف"[70]، وهذا الذي اختاره ابن كثير -رحمه الله-[71]، والخلافة هي النيابة عن الغير، وأصل خلف مجيء شيء بعد شيء يقوم مقامه، هذا جعلهم خلائف وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة:30] يعني يخلف بعضهم بعضا ولا يصح أن يقال: خليفة عن الله فالله أجل وأعظم من هذا ولا يصح أن يقال: الإنسان خليفة الله في أرضه كما يستعمل أحيانا مثل هذه العبارة هذا لا يصح وإنما يخلف بعضهم بعضا جيلا بعد جيل وقرنا بعد قرن لاحظ يقول أو خلائف عن الله في أرضه وهذا غير صحيح.

أو خلائف عن الله في أرضه، والخطاب على هذا لجميع الناس، وقيل: لأمة محمد ﷺ لأنهم خلفوا الأمم المتقدمة.

قوله تعالى: وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ عموم في المال والجاه والقوة والعلوم، وغير ذلك مما وقع فيه التفضيل بين العباد.

صحيح، وهذا الذي اختاره ابن كثير[72] العموم كما قال الله : نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ [الزخرف:32] الآية، وهكذا في قوله: انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ [الإسراء:21] يعني في الدنيا وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً [الإسراء:21].

قوله تعالى: لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ [الأنعام:165] ليختبر شكركم على ما أعطاكم، وأعمالكم فيما مكنكم فيه.

كما قال ابن كثير: "ليختبر الغني في غناه، ويسأله عن شكره، والفقير في فقره ويسأله عن صبره، لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ"[73]، بهذا التفاضل جعل هذا غنيا والآخر فقيرا وهذا صحيحا وهذا عليلا وهذا عالما وهذا جاهلا وهكذا ليبلوهم في هذا ماذا عمل بهذا المال وماذا أعطى لهؤلاء المحتاجين، وماذا كان حال هذا الفقير فيبتلي الغني بالفقير والفقير بالغني، ويبتلي الغني بالمال ويبتلي الفقير بالفقر، وهكذا يبتلي الصحيح بالعافية، ويبتلي العليل بالمرض، ونحو ذلك، -والله أعلم-.

قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ جمع بين التخويف والترجية، وسرعة عقابه تعالى إما في الدنيا بمن عجل أخذه، أو في الآخرة لأن، كل آت قريب، ونسأل الله أن يغفر لنا ويرحمنا بفضله ورحمته.

في زيادة تمت سورة الأنعام بعون الله وفضله، فله الحمد وبتمامها تم الكلام على الربع الأول من القرآن العظيم، وصلى الله على سيدنا محمد الأمين المبلغ الهادي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا.

  1. أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية، برقم (4173)، وبرقم (4215)، ومسلم، كتاب النكاح، باب نكاح المتعة، وبيان أنه أبيح، ثم نسخ، ثم أبيح، ثم نسخ، واستقر تحريمه إلى يوم القيامة، برقم (1407).
  2. انظر: تفسير البغوي (3/ 199).
  3. تفسير ابن كثير (3/ 352).
  4. تفسير ابن عطية (2/ 357).
  5. تفسير الماوردي (النكت والعيون) (2/ 183).
  6. تفسير ابن عطية (2/ 357).
  7. تفسير الطبري (9/ 638).
  8. تفسير ابن عطية (2/ 357).
  9. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (1/ 371).
  10. تفسير الطبري (9/ 644).
  11. تفسير القرطبي (7/ 125).
  12. التفسير الوسيط للواحدي (2/ 333).
  13. تفسير الطبري (9/ 647)، وتفسير ابن كثير (3/ 356).
  14. تفسير ابن كثير (3/ 356).
  15. تفسير الطبري (9/ 648).
  16. تفسير ابن كثير (2/ 176).
  17. تفسير ابن كثير (6/ 9).
  18. تفسير ابن كثير (4/ 298).
  19. تفسير ابن كثير (3/ 358).
  20. انظر: تفسير ابن كثير (3/ 360).
  21. أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قوله تعالى: {فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:22]، برقم (4477)، ومسلم كتاب الإيمان، باب كون الشرك أقبح الذنوب وبيان أعظمها بعده برقم (86).
  22. نشر البنود على مراقي السعود (1/ 99).
  23. انظر: تفسير البغوي (6/ 44)، وتفسير ابن كثير (6/ 55).
  24. انظر: تفسير القرطبي (10/ 118)، وديوان المعاني (2/ 251)، وزهر الآداب وثمر الألباب (2/ 529).
  25. لسان العرب (3/ 455).
  26. شرح ديوان الحماسة (ص:206).
  27. شرح حماسة أبي تمام للفارسي (2/ 183).
  28. شرح ديوان الحماسة (ص:206).
  29. أخرجه أبو داود، كتاب الديات، باب الإمام يأمر بالعفو في الدم، برقم (4502)، والترمذي، أبواب الفتن عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، برقم (2158)، والنسائي، كتاب تحريم الدم، ذكر ما يحل به دم المسلم، برقم (4019)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (7641).
  30. أخرجه أبو داود، كتاب الحدود، باب فيمن عمل عمل قوم لوط، برقم (4462)، والترمذي، أبواب الحدود عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في حد اللوطي، برقم (1456)، وابن ماجه، أبواب الحدود، باب من عمل عمل قوم لوط، برقم (2561)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (6589).
  31. أخرجه الترمذي، أبواب الحدود عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في حد الساحر، برقم (1460)، والحاكم في المستدرك، برقم (8073)، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد وإن كان الشيخان تركا حديث إسماعيل بن مسلم فإنه غريب صحيح وله شاهد صحيح على شرطهما جميعا في ضد هذا"، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع، برقم (2699).
  32. تفسير ابن كثير (3/ 364).
  33. تفسير القرطبي (7/ 142).
  34. أخرجه أحمد في المسند، برقم (4142)، وقال محققوه: "إسناده حسن من أجل عاصم بن أبي النجود، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين"، وحسنه الألباني في تحقيق مشكاة المصابيح، برقم (166).
  35. تفسير ابن كثير (1/ 207).
  36. تفسير الطبري (10/ 5-6).
  37. تفسير ابن كثير (3/ 370).
  38. تفسير ابن كثير (3/ 370).
  39. تفسير ابن كثير (3/ 370).
  40. تفسير الطبري (10/ 10).
  41. تفسير ابن كثير (3/ 370).
  42. تفسير الطبري (10/ 10).
  43. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (1/ 548).
  44. أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب طلوع الشمس من مغربها، برقم (6506)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان، برقم (157).
  45. أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان، برقم (159).
  46. تفسير الطبري (5/ 200).
  47. تفسير ابن كثير (3/ 376).
  48. تفسير الطبري (10/ 28).
  49. تفسير ابن كثير (3/ 376).
  50. تفسير الطبري (10/ 36).
  51. تفسير ابن كثير (3/ 376).
  52. أخرجه الترمذي، بلفظ: ((ما أنا عليه وأصحابي))، أبواب الإيمان عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في افتراق هذه الأمة، برقم (2641)، وحسنه الألباني في صلاة العيدين في المصلى هي السنة (ص:46)، وفي كلامه على حديث برقم (204) من السلسلة الصحيحة.
  53. أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، برقم (13)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه من الخير، برقم (45).
  54. أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب من هم بحسنة أو بسيئة، برقم (6491)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب إذا هم العبد بحسنة كتبت، وإذا هم بسيئة لم تكتب، برقم (128).
  55. أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب إذا هم العبد بحسنة كتبت، وإذا هم بسيئة لم تكتب، برقم (131).
  56. أخرجه مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الذكر والدعاء والتقرب إلى الله تعالى، برقم (2687).
  57. تفسير ابن كثير (3/ 378).
  58. أخرجه الترمذي، أبواب الصوم عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في صوم ثلاثة أيام من كل شهر، برقم (761)، والنسائي، كتاب الصيام، ذكر الاختلاف على أبي عثمان في حديث أبي هريرة في صيام ثلاثة أيام من كل شهر، برقم (2409)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (6324).
  59. تفسير ابن كثير (6/ 316).
  60. تفسير الطبري (10/ 45).
  61. تفسير الطبري (10/ 47).
  62. تفسير ابن كثير (3/ 382).
  63. تفسير السعدي (ص: 282).
  64. تفسير القرطبي (7/ 152).
  65. التفسير الوسيط للواحدي (2/ 344).
  66. تفسير السعدي (ص: 282).
  67. تفسير الطبري (10/ 46).
  68. تفسير الماوردي (2/ 196).
  69. زاد المسير في علم التفسير (2/ 98).
  70. تفسير ابن كثير (3/ 384).
  71. المصدر السابق.
  72. تفسير ابن كثير (3/ 384).
  73. تفسير ابن كثير (3/ 385).

مواد ذات صلة