الأحد 06 / جمادى الآخرة / 1446 - 08 / ديسمبر 2024
[6] من قوله تعالى: {وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ} الآية 41 إلى قوله تعالى: {هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} الآية 58
تاريخ النشر: ٠٥ / ربيع الآخر / ١٤٢٨
التحميل: 3289
مرات الإستماع: 3075

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المفسر -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى:

وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ ۝ وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ ۝ وَمِنهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ ۝ إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [سورة يونس:41-44].

يقول تعالى لنبيه ﷺ: وإن كذبك هؤلاء المشركون فتبرأ منهم ومن عملهم فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ كقوله تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ۝ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ [سورة الكافرون:1، 2] إلى آخرها، وقال إبراهيم الخليل وأتباعُه لقومهم المشركين: إِنَّا بُرَآء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ [سورة الممتحنة:4] الآية.

وقوله: وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أي: يسمعون كلامك الحسن، والقرآن العظيم، والأحاديث الصحيحة الفصيحة النافعة في القلوب والأديان والأبدان، وفي هذا كفاية عظيمة، ولكن ليس ذلك إليك ولا إليهم، فإنك لا تقدر على إسماع الأصم -وهو الأطرش، فكذلك لا تقدر على هداية هؤلاء إلا أن يشاء الله.

وَمِنهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أي: ينظرون إليك وإلى ما أعطاك الله من التؤدة والسمت الحسن والخلق العظيم، والدلالة الواضحة على نبوتك لأولى البصائر والنهى، وهؤلاء ينظرون كما ينظر غيرهم، ولا يحصل لهم من الهداية شيء كما يحصل لغيرهم، بل المؤمنون ينظرون إليك بعين الوقار، وهؤلاء الكفار ينظرون إليك بعين الاحتقار، وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا [سورة الفرقان:41] الآية، ثم أخبر تعالى أنه لا يظلم أحداً شيئاً وإن كان قد هدى به من هدى، وبصّر به من العمى وفتح به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً وأضل به عن الإيمان آخرين، فهو الحاكم المتصرف في ملكه بما يشاء، الذي لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون لعلمه وحكمته وعدله، ولهذا قال تعالى: إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ، وفي الحديث عن أبي ذر عن النبي ﷺ فيما يرويه عن ربه : يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا إلى أن قال في آخره: يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه[1]. رواه مسلم بطوله.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

قوله -تبارك وتعالى: وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ جاء بفعل الاستماع بصيغة الجمع يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ، وفي الموضع الآخر في النظر قال: وَمِنهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ بالإفراد، فالفعل يستمعون روعي فيه معنى مَن، فإن مَّن اسم موصول، وهو من صيغ العموم، فهو وإن كان في ظاهره الإفراد إلا أنه بمعنى الجمع، وأتى الفعل ينظر بالإفراد في قوله: وَمِنهُم مَّن يَنظُرُ، روعي فيه أيضاً لفظ مَن، وهذا كثير في القرآن، تارة يراعى المعنى، وتارة يراعى اللفظ، مثل هاتين الآيتين، وأتى بالجمع في يستمعون، والإفراد في ينظر، باعتبار أن السمع أشمل، وأن الذين يستمعون أكثر من الذين يشاهدون؛ لأن الذين يشاهدون قد يحيطون به ومَن وراءهم لا يرى، أما السمع فإن الإنسان يسمع ما لا يبصر، والله أعلم.

وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ [سورة يونس:45].

يقول تعالى مذكراً للناس قيام الساعة وحشرهم من أجداثهم إلى عَرَصات القيامة: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ الآية، كقوله: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ [سورة الأحقاف:35]، وكقوله: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا [سورة النازعات:46].

وقال تعالى: يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا ۝ يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا ۝ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا [سورة طـه:102-104]، وقال تعالى: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ [سورة الروم:55] الآيتين، وهذا كله دليل على استقصار الحياة الدنيا في الدار الآخرة، كقوله: قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ ۝ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ ۝ قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [سورة المؤمنون:112- 114].

وقوله: يَتَعَارَفُونَ أي: يعرف الأبناء الآباء، والقرابات بعضهم لبعض كما كانوا في الدنيا ولكن كل مشغول بنفسه، فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ [سورة المؤمنون:101] الآية، وقال تعالى: وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا [سورة المعارج:10] الآيات.

وقوله: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ [سورة يونس:45]، كقوله تعالى: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ [سورة المرسلات:15] لأنهم خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [سورة الزمر:15] ولا خسارة أعظم من خسارة من فُرق بينه وبين أحبته يوم الحسرة والندامة.

قوله: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يحتمل أن يكون ذلك في البرزخ، ويحتمل أن يكون في الدنيا، وبقاء الناس في البرزخ حتى يخرجوا من قبورهم يكون ذلك البقاء كأنه مدة يسيرة -والله تعالى أعلم.

ومما يدل على هذا قصة الرجل الذي قبضه الله –جل وعلا- ومعه حماره وطعامه كما قص الله : أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا [سورة البقرة:259]، فالله أماته مائة عام ثم بعثه، قال: كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ هو لا يقصد أنه لبث في الدنيا، وإنما بعد موته، وأصحاب الكهف بقوا ثلاثمائة وتسع سنوات فلما استيقظوا سأل بعضهم بعضاً كَمْ لَبِثْتُمْ، فقالوا: لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ.

فالبقاء في البرزخ إذا قام الإنسان منه يتراءى له أنه مدة يسيرة جداً، وقد يكون بقي في هذا البرزخ آلاف السنين، وهكذا مدة الحياة التي قضاها الإنسان تكون بالنسبة إليه قصيرة حينما يقوم من قبره؛ كأنها حلم مر به ثم انقضى، فالإنسان ما يذكره من أيامه ومتعه ولذاته، كأنه شيء يسير مر عليه ثم انتهى، فمن السلف من قال: إن هذه الآية كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ في البرزخ.

والمشهور أن المراد بها الحياة الدنيا -والله أعلم، وإن كان لا يمتنع أن يكون المراد بها البرزخ، فليست بمصرِّحة أن المراد الحياة الدنيا، لكن كأن الذي تدل عليه دلالة أظهر وأقرب أن المقصود البقاء في الحياة الدنيا، فقال: كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ، وكما في الآيات التي أوردها المصنف -رحمه الله: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا، يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ.

وهذا لا يعارض الآيات الأخرى كقوله: يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا، وكذلك إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا ولا منافاة في هذا فبعضهم يذكر أنه لبث مدة ساعة، وبعضهم يزيد وبعضهم ينقص، فهذه أقوالهم، فقوله: يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ يحتمل أن يكون هذا من تلك الساعة من النهار في الدنيا، أي: كأن مكثهم في الدنيا هذا المكث القصير كأنه ساعة تعارفوا فيها ثم انقضت، وهذا الذي اختاره كبير المفسرين ابن جرير الطبري -رحمه الله.

والذي عليه عامة المفسرين أن المراد بذلك في الآخرة يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ، منهم من يفهم أنهم إذا قاموا من قبورهم يحصل بينهم التعارف، وحاولوا أن يجمعوا بين هذه الآية على هذا المعنى وبين آيات أخرى كقوله: وَلَا يَتَسَاءلُونَ [سورة المؤمنون:101] أي: لا يسأل بعضهم بعضاً، والآيات التي تدل على أن كل إنسان مشغول بنفسه، وكقوله: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ [سورة عبس:34] إلى آخره، فقالوا: إن القيامة يوم طويل، فحينما يقومون من قبورهم يحصل بينهم هذا التعارف، ثم بعد ذلك يشتغل كل أحد بنفسه. 

وعامة أهل العلم يقولون: إن قوله: يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ يعني أن بعضهم يعرف بعضاً، يعرف أقاربه ولكنه في شغل، يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ ۝ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ ۝وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ [سورة المعارج:11-13]، فربما يأتي الوالد إلى ولده ويطلب منه حسنة، فتنقطع بينهم العلائق والوشائج والروابط التي كانت في الدنيا، كما قال الله : فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ، والذين كان بينهم المؤاخاة والمحبة والمودة في الحياة الدنيا على غير طاعة الله ، تكون حالهم كما أخبر الله -تبارك وتعالى: الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [سورة الزخرف:67]، فهؤلاء يعرفون بعضاً، لكن تتحول مؤاخاتهم إلى عداوة، والمشهور أن هذا التعارف المقصود به أنه يراه كما قال الله : يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ [سورة المعارج:11] هو يراه ويعرفه ولكنه ينشغل عنهم بنفسه ونجاته -والله تعالى أعلم.

وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ ۝ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاء رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ [سورة يونس:46، 47].

يقول تعالى مخاطباً لرسوله ﷺ: وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أي: ننتقم منهم في حياتك لتقر عينك منهم، أو نتوفينك فإلينا مرجعهم، أي مصيرهم ومنقلبهم، والله شهيد على أفعالهم بعدك.

وقوله: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاء رَسُولُهُمْ قال مجاهد: يعني يوم القيامة قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ الآية، كقوله تعالى: وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا [سورة الزمر:69] الآية، فكل أمة تعرض على الله بحضرة رسولها، وكتابُ أعمالها من خير وشر موضوعٌ شاهد عليهم، وحفظتهم من الملائكة شهود أيضاً، أمّة بعد أمة، وهذه الأمة الشريفة وإن كانت آخر الأمم في الخلق إلا أنها أول الأمم يوم القيامة يفصل بينهم، ويقضى لهم، كما جاء في الصحيحين عن رسول الله ﷺ أنه قال: نحن الآخرون السابقون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق[2] فأمته إنما حازت قصب السبق بشرف رسولها صلوات الله وسلامه عليه دائماً إلى يوم الدين.

قوله: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاء رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم يحتمل أن يكون هذا في الدنيا، يدعوهم إلى الإيمان، ثم بعد ذلك يقضي الله بينه وبين قومه، ويحتمل أن يكون ذلك في الآخرة، وهذا هو الأقرب الذي دل عليه ظاهر القرآن، كما في قوله -تبارك وتعالى: وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء [سورة الزمر:69]، فالأنبياء يأتون وكل نبي يأتي إلى قومه يوم القيامة، ثم يشهد الشهداء، ويحكم الله بين هؤلاء، وهذا هو الأقرب -والله تعالى أعلم.

ويحتمل المعنى الآخر في قول عيسى -عليه الصلاة والسلام: وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ [سورة المائدة:117]، فهذا في الدنيا، والله يسأله يوم القيامة: أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ [سورة المائدة:116]، وكذلك يقول الله -تبارك وتعالى: فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ۝ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ [سورة الأعراف:6، 7] فكل هذا يوم القيامة، فيسأل الرسل عن أقوامهم، يُسألون عن البلاغ، ويُسأل هؤلاء الأقوام عن الإجابة مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ [سورة القصص:65]، ويوم يناديهم بهذا النداء ويسألهم هذا السؤال فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنبَاء [سورة القصص:66]، والله تعالى أعلم.

وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ۝ قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ۝ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ۝ أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُم بِهِ آلآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ۝ ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ [سورة يونس:48-52].

يقول تعالى مخبراً عن كفر هؤلاء المشركين في استعجالهم العذاب وسؤالهم عن وقته قبل التعيين، مما لا فائدة لهم فيه، كقوله: يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ [سورة الشورى:18] أي: كائنة لا محالة وواقعة وإن لم يعلموا وقتها عيناً، ولهذا أرشد تعالى رسوله ﷺ إلى جوابهم فقال: قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا [سورة يونس:49] الآية، لا أقول إلا ما علَّمني ولا أقدر على شيء مما استأثر به إلا أن يطلعني الله عليه، فأنا عبده ورسوله إليكم، وقد أخبرتكم بمجيء الساعة وأنها كائنة، ولم يطلعني على وقتها، ولكن لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ أي: لكل قرن مدة من العمر مقدرة، فإذا انقضى أجلهم فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ [سورة يونس:49] كقوله: وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا [سورة المنافقون:11] الآية.

ثم أخبر أن عذاب الله سيأتيهم بغتة فقال: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا [سورة يونس:50] أي: ليلاً أو نهاراً ماذا يستعجل منه المجرمون أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُم بِهِ آلآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ [سورة يونس:51] يعني: أنهم إذا جاءهم العذاب قالوا: رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا [سورة السجدة:12] الآية، وقال تعالى: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ ۝ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ [سورة غافر:84، 85].

ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ الْخُلْدِ [سورة يونس:52] أي: يوم القيامة يقال لهم هذا تبكيتاً وتقريعاً، كقوله: يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا ۝ هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ ۝ أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ ۝ اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [سورة الطور :13- 16].

وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ ۝ وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ [سورة يونس:53، 54].

يقول تعالى: وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ أي: المعاد والقيامة من الأجداث بعد صيرورة الأجسام تراباً قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ أي: ليست صيرورتكم تراباً بمعجز الله عن إعادتكم كما بدأكم من العدم فـ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [سورة يــس:82]، وهذه الآية ليس لها نظير في القرآن إلا آيتان أخريان، يأمر الله تعالى رسوله أن يقسم به على من أنكر المعاد في سورة سبأ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَة قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ [سورة سبأ:3].

وفي التغابن زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [سورة التغابن:7]، ثم أخبر تعالى أنه إذا قامت القيامة يود الكافر لو افتدى من عذاب الله بملء الأرض ذهباً، وَأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ أي: بالحق، وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ.

قوله: وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ هذا على سبيل الاستهزاء والسخرية والتهكم بالنبي ﷺ، ويحتمل أن يكون المراد القرآن، ويحتمل أن يكون المراد البعث والآخرة، وقول من قال: إنه العذاب، يدخل في هذا، أَحَقٌّ هُوَ أحق قيام الساعة، وهذا هو الأقرب -والله أعلم- أن السؤال عن هذا وليس عن القرآن؛ لأن الله  ذكر قبله ما يتعلق بالبعث والساعة، وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ، وبعد ذلك جاءت هذه الآية: وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ، وكذلك ما بعده من قوله: وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ.

وقوله: وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ، كل هذا في البعث والآخرة، وقوله -تبارك وتعالى: وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ، يحتمل أن يكون الذين أسروا الندامة هم عموم المكذبين بالبعث، أسروا الندامة من أجل أن لا يشمت بهم أهل الإيمان، فلا زال عندهم شيء من الجلد، وفي نفوسهم شيء من الأنفة، أسروا الندامة، رأوا الحقائق وشاهدوا وعاينوا تلك الغيوب التي أخبرهم عنها القرآن، رأوها عالماً مشهوداً، فعرفوا ما كانوا فيه من الباطل والمكابرة فأسروا الندامة، ويحتمل أن يكون المراد كما ذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله- هنا وَأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَابَ هنا ما ذَكَرَ مَن الذين أسروا الندامة.

وقال كثير من المفسرين ومنهم ابن جرير -رحمه الله: وَأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ يعني أسرها الرؤساء عن الأتباع، فهم الذين أضلوهم وأغووهم وقالوا لهم: هذا كذب، ولا يمكن أن يكون، فلما رأى الأتباع الحقائق أسقط في أيديهم، فأسرّ هؤلاء الرؤساء الندامة كأنهم تخوفوا من الأتباع أن يعنفوهم، وهذا يحصل كما في قوله تعالى: رَبَّنَا هَؤُلاء أَضَلُّونَا [سورة الأعراف:38]، ووَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُواْ مِنَّا [سورة البقرة:167]، وهَؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا وهكذا.

وَقُضِيَ بَيْنَهُم يحتمل أن يكون المعنى وقضي بين هؤلاء الناس، ويحتمل أن يكن المراد وقضي بين الرؤساء والأتباع كما قال الله حينما يدخلون النار: وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ [سورة غافر:47]، فيحصل بينهم جدل ومحاجة، أولئك الرؤساء يقولون: إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ [سورة غافر:48].

أَلا إِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَلاَ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ۝ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [سورة يونس:55، 56] يخبر تعالى أنه مالك السموات والأرض وأن وعده حق كائن لا محالة، وأنه يحيي ويميت وإليه مرجعهم، وأنه القادر على ذلك، العليم بما تفرق من الأجسام وتمزق في سائر أقطار الأرض والبحار والقفار.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۝ قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ [سورة يونس:57، 58].

يقول تعالى ممتناً على خلقه بما أنزله من القرآن العظيم على رسوله الكريم: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ أي: زاجر عن الفواحش، وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ أي: من الشبه والشكوك، وهو إزالة ما فيها من رجس ودنس، وَهُدًى وَرَحْمَةٌ أي: يحصل به الهداية والرحمة من الله تعالى، وإنما ذلك للمؤمنين به والمصدقين الموقنين بما فيه، كقوله تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا [سورة الإسراء:82]، وقوله: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء [سورة فصلت:44] الآية.

وقوله تعالى: قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ أي: بهذا الذي جاءهم من الله من الهدى ودين الحق فليفرحوا فإنه أولى ما يفرحون به، هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ أي: من حطام الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية الذاهبة لا محالة.

قوله: قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فضله: بعضهم فسره بالإسلام، وأن الرحمة هي القرآن، يعني قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ أي ما أنزل عليهم من هذا القرآن، وما أعلمهم الله على يد نبيه ﷺ، فمن السلف من فسر الفضل بهذا، والرحمة بالقرآن، ومنهم من عكس، فقال: بِفَضْلِ اللّهِ يعني بالقرآن، والرحمة يعني الإسلام، وابن القيم -رحمه الله- جمع بين هذه المعاني قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ بفضله وبرحمته بما أنزل من القرآن وهدى إلى الإسلام، فالقرآن يهدي للتي هي أقوم، وهو كتاب الله الذي يبين فيه عن الإسلام، فمن اتبعه فهذا هو الإسلام، ولا منافاة بين المعنيين.

قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ، هذا هو الفرح المطلوب الذي يحبه الله ، هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ أي: من حطام الدنيا وزهرتها الفانية، يعني يفرحون بالإسلام ويفرحون بالقرآن وبتعلمه والاشتغال به، هذا الذي يُفرح به، وليس العقارات والأموال والتجارات والمكاسب الدنيوية الحقيرة، وإنما هذا الذي ينبغي أن يُشتغل به، وأن تعقد عليه الخناصر.

فائدة من كتاب أضواء البيان للإمام الشنقيطي رحمه الله:

قوله تعالى: قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ ۝ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ [سورة المؤمنون:112، 113] قال الشنقيطي -رحمه الله:

"في هذه الآية سؤال معروف وهو أنهم لما سئلوا يوم القيامة عن قدر مدة لبثهم في الأرض في الدنيا، أجابوا بأنهم لبثوا يوماً أو بعض يوم مع أنه قد دلت آيات أخر على أنهم أجابوا بغير هذا الجواب، كقوله تعالى: يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا [سورة طـه:103]، والعشر أكثر من يوم أو بعضه.

وكقوله تعالى: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ [سورة الروم:55]، والساعة أقل من يوم أو بعضه، وقوله: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا [سورة النازعات:46]، وقوله: كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ، وقوله تعالى: لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ [سورة الأحقاف:35]. 

وقد بيّنا الجواب عن هذا السؤال في كتابنا (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب) في الكلام على هذه الآية بما حاصله: أن بعضهم يقول: لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ويقول بعض آخر منهم: لبثنا ساعة، ويقول بعض آخر منهم: لبثنا عشراً، والدليل على هذا الجواب من القرآن أنه -تعالى- بيّن أن أقواهم إدراكاً وأرجحهم عقلاً وأمثلهم طريقة هو من يقول: إنهم ما لبثوا إلا يوماً واحداً، وذلك في قوله تعالى: يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا ۝ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا [سورة طـه:103، 104] فالآية صريحة في اختلاف أقوالهم، وعلى ذلك فلا إشكال، والعلم عند الله".

  1. رواه الإمام مسلم برقم (2577)، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم.
  2. رواه البخاري برقم (836)، كتاب الجمعة، باب فرض الجمعة، ومسلم برقم (855)، كتاب الجمعة، باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة، من حديث أبي هريرة -، بدون زياة: المقضي لهم قبل الخلائق»، فهي عند مسلم برقم (856)، كتاب الجمعة، باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة، ولفظ الحديث قال النبي ﷺ: أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا الله ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة، المقضي لهم قبل الخلائق».

مواد ذات صلة