الأحد 20 / جمادى الآخرة / 1446 - 22 / ديسمبر 2024
(013) قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ...} الآية، وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ...} الآية
تاريخ النشر: ١٦ / شوّال / ١٤٣٧
التحميل: 1120
مرات الإستماع: 1377

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فسبق الكلام عن دعاء الراسخين في العلم الذين أثنى الله -تبارك وتعالى- عليهم بإيمانهم بالمُتشابه وقولهم: كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا [آل عمران:7]، وذكر من جملة قولهم أنهم يقولون: رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران:8].

وكان من جملة دعاءهم أيضًا: رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ [آل عمران:9]، "ربنا" أي: يا ربنا، حُذف منه ياء النداء لكثرة الاستعمال تخفيفًا "يا ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه" ستجمع الناس في يوم لا شك فيه وهو يوم القيامة، إنك يا ربنا لا تُخلف الميعاد، ما وعدت به عبادك، فهذا أمر متحقق الوقوع لا محالة، فيقولون: نحن نُقر بذلك ونعترف ونُذعن بوقوعه ونُصدقه وهذا فيه من بلاغة الاختصار كما هو ظاهر.

رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ، يعني: يوم الحساب، ودخول إنّ هنا للتوكيد "إنّك" والدعاء باسم الرب كما ذكرنا في الليلة الماضية بأن ذلك يتكرر كثيرًا في القرآن وفي دعاء الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-؛ لأن من معاني الرب العطاء والمنع، تحقيق السؤل وما إلى ذلك، رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ فـ"إنّ" هنا تفيد التوكيد فهم موقنون بذلك لا يتطرق شك إلى نفوسهم فهي بمنزلة إعادة الجملة مرتين، كأنهم يقولون: أنت جامع الناس ليوم لا ريب فيه رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ، فاعتقدوا ذلك وأعلنوا هذا الاعتقاد وفي ضمن ذلك سؤال العفو والمغفرة والرحمة من الله -تبارك وتعالى-.

وقوله: رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ الناس هنا يشمل جميع الخلق كما هو معلوم، يجمع الله الأولين والآخرين، الجن والإنس، ولفظ الناس اختلف أهل العلم هل يدخل فيه الجن؟ لكن لا شك أن الجن يُحشرون بأدلة أخرى صريحة، إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ فلو فُرض أن ذلك يصدق على البشر؛ فالجن على سبيل التبع.

وتنكير اليوم هنا: جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ، هذا يدل على التهويل والتعظيم فذلك يوم شديد الأهوال عظيم يفر المرء فيه من أقرب الناس إليه، يفر من أولاده وزوجته، يفر من عشيرته وقومه؛ لشدة الهول، فالكل يطلب النجاة لنفسه.

لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ والريب هو الشك، لكنه شك خاص، هو شك مُقلق، الشك المُقلق يُقال له: ريب، الذي يكون فيه شيء من القلق والريبة، تقول: أنا أشك هل طلع النهار هل طلع الصبح، لكن لا تقول: أنا مرتاب هل طلع الصبح أو لا، في هذه الأمور المحسوسة المعلومة التي يمكن أن تُدرك بالحواس، لكن يمكن أن تقول: أنا مرتاب في أمر فلان، أنا مرتاب في تصرف زيد، أنا مرتاب في مدخله ومخرجه، فعله يبعث على الريبة، فهذا شك مُقلق، شك مع قلق.

إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، فهنا لم يقل: إنك لا تُخلف الميعاد، فأظهر الاسم الكريم في مقام يصح فيه الإضمار، والعرب تختصر الكلام بالإضمار، فالضمائر اختصار، فإذا أظهر في موضع يصح فيه الإضمار فذلك لنكتة يعني لفائدة، إِنَّ اللَّهَ، فهذا فيه ما فيه من تربية المهابة والتفخيم والتعظيم إِنَّ اللَّهَ ما قال: إنك لا تُخلف الميعاد، إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ لا يُخلف، وعده لا يتخلف، لابد أن يتحقق: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً [النساء:122]، وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا [النساء:87]، هذا استفهام مُضمن معنى النفي، يعني: لا أحد أصدق من الله حديثًا، ولا أحد أصدق من الله قيلاً، إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ [آل عمران:9].

وهنا رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ على سبيل المخاطبة، ثم قال: إِنَّ اللَّهَ على سبيل الغيبة، هذا الذي يسمونه الالتفات، هذا فيه تنشيط للسامع، وهو من بلاغة الكلام بتغيير ضروبه وتصريفه بهذا التصريف، وفيه أيضًا: إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ فيه لا شك من جزالة اللفظ ومراعاة ما هو أوقع في السمع، فهذا أبلغ مما لو قيل إنك بكاف الخطاب إنك لا تُخلف الميعاد إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ فهذا أبلغ.

كذلك أيضًا لاحظ إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، لا رَيْبَ فِيهِ، "وإِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، هذا يدل على كمال اليقين عند هؤلاء الراسخين في العلم.

كذلك أيضًا في قوله: إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، "إنّ" هذه تدل على التوكيد وهي أيضًا تُشعر بمعنى التعليل جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ، إما أن ذلك يكون من قبيل التعليل: إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ يعني: بجمعهم، أو يكون ذلك: إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ يرجع إلى الريب المُنتفي، جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ انتفى الريب؛ لأن الله لا يُخلف الميعاد، لأن وعده متحقق إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ [آل عمران:9].

وكذلك أيضًا الميعاد جاء بهذه الزنة على وزن مِفعال وذلك يُشعر بالتكرر والدوام، ميعاد أبلغ من الوعد والموعد.

ثم قال الله -تبارك وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُوْلَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ [آل عمران:10].

لما ذكر الذين يتبعون المُتشابه وموقف الراسخين في العلم من المُتشابه بعد ذلك؛ ذكر وعيد الكافرين الذين لم يُحققوا الإيمان فقال: لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [آل عمران:10]، لن تنفعهم الأموال، لن تُغني عنهم، لن تدفع عنهم عذاب الله -تبارك وتعالى- وبأسه وأخذه، وذكر الأموال والأولاد؛ لأنها أكثر ما يتعزز الناس به، أكثر ما يتعززون وأقرب ما يليه المال والولد فهو طوع البنان، ويعتقد أنه يستطيع أن يدفع عن نفسه ويتقوى بالولد، فقال هنا:  لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُوْلَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ [آل عمران:10]، لن تُغني عنهم لا في الدنيا ولا في الآخرة وَأُوْلَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ توقد بهم، هم حُطام النار، وحطب النار، فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [البقرة:24]، فهي توقد بهم النار، في الدنيا توقد بالوقود من الأمور والأشياء المعروفة التي توقد بها النار.

وكذلك توقد بالحطب، وما إلى ذلك، نار جهنم توقد بالناس وبالحجارة قيل: حجارة الكبريت؛ لأنها أشد إحراقًا، وقيل: الأصنام التي كانوا يعبدونها من دون الله -تبارك وتعالى-، فنار جهنم وقودها هذا، يعني ليس لها وقود من زيوت، أو غاز أو نحو ذلك إنما الناس هم الوقود، نسأل الله العافية.

فتأمل قوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [آل عمران:10]، لما كان التعزز والترفع والتعاظم والتعالي يكون بتحصيل أسباب القوة والمنعة وأعظم ذلك ما يكون بالمال والولد نفى ذلك عنهم، لن تُغني عنهم، هذه التي يتعززون بها ويتفاخرون: لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَدًا [مريم:77]، قال: لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ، لن تدفع عنهم، ولاحظ هنا أنه عبّر بأقوى صيغة من صيغ النفي: لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ، ولذلك حمله أهل العلم على أن ذلك في الدنيا والآخرة، لن تُغني عنهم هذه الأموال فتدفع عنهم بأس الله -تبارك وتعالى- ونقمته إذا أراد أن يوقعها بهم في الدنيا، مهما كان عندهم من الأموال والثروات والإمكانات.

ويدخل في هذه الأموال ما عندهم من العتاد والسلاح فهو من جُملة الأموال، وإذا كان الأولاد وهم أقرب الناس إليهم لا يغنون عنهم شيئًا فغيرهم من الأجناد والخدم والأتباع لا يُغنون عنهم شيئًا من باب أولى، أقرب ما للإنسان أولاده، وكانوا يتعززون بالأولاد، ويتفاخرون بهم، فأخبر أنها لن تُغني عنهم، وبهذا يطمئن المؤمن إلى وعد الله -تبارك وتعالى- ويثق بالحق الذي يسير عليه والصراط المستقيم الذي يسلكه، فهؤلاء الكفار مهما تعاظمت ثرواتهم واقتصادهم وأسلحتهم وقواتهم وجيوشهم فهي لن تُغني عنهم من الله شيئا، "لن" في القرآن آيات ينبغي أن تكون حاضرة في ذهن كل مؤمن كقوله تعالى: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا [آل عمران:120]، فهذا وعد من الله -تبارك وتعالى- لا يمكن أن يتخلف.

وكذلك في سائر الآيات التي يذكر الله -تبارك وتعالى- فيها ما يكون عاقبة نفقات الكفار في الصدّ عن سبيل الله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ هذا في الدنيا، وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [الأنفال:36]، فهذا وعد من الله -تبارك وتعالى، فالمؤمن حينما يرى الكفار يتعاظمون، ويرى هذه الكثرة الكاثرة من وقود النار، ويرى ما لديهم من الإمكانات المادية؛ فإن ذلك لا يهوله ولا يكسره ولا يجعله يشك في الحق الذي هو عليه، فهذا كله يضمحل ويزول ويتلاشى، فهنا الله -تبارك وتعالى- يقول: لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ، وقدم الأموال على الأولاد يمكن أن يكون ذلك باعتبار أن التعزز إنما يحصل بالمال، فالأولاد مع الفقر والشظف والحاجة قد لا يُغنون عنه شيئًا، لكن إذا وجد المال والولد كان ذلك هو مصدر القوة والفخر والغرور والتعاظم، لكن إذا كان الأولاد من غير أموال كانوا عبئًا عليه يُثقل كاهله ويُرهقه، وهنا قال: لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وأيضًا أن المال يُدفع ابتداء في الفداء، فهنا قدمه -والله تعالى أعلم- وهذا عام في الدنيا والآخرة.

وكذلك أيضًا: لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، شَيْئًا هنا نكرة في سياق النفي أقوى صيغة من صيغ النفي شَيْئًا فهذه النكرة في سياق النفي تُفيد العموم، يعني: لا قليلاً ولا كثيرًا، لن تُغني عنهم 10%، ولن تُغني عنهم 1%، بخلاف ما قد يتوهمون، كما قال الله -تبارك وتعالى- عن اليهود الذين ظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله؛ لشدة الوثوق بأنفسهم وبالحصون، قدم الضمير المتعلق بهم: وَظَنُّوا أَنَّهُمْ، ما قال: ظنوا أن حصونهم تمنعهم، لا، قال: وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ، النتيجة بالتعقيب المُباشر بالفاء: فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا [الحشر:2]، من حيث لما يتوقعوا ولم يخطر لهم على بال، وتحولت هذه الحصون إلى عبأ ثقيل يُخربونها بأيديهم: وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ [الحشر:2]، هذه الحصون التي كانوا يعتزون بها ويفتخرون ويعتقدون أنها تمنعهم من الله فضلاً عن الخلق صاروا يُخربونها بأيديهم، هل هناك عِبرة أكبر من هذا؟! ولهذا قال: فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ [الحشر:2].

إذا جاء بأس الله وجاء أمره فتكون هذه القُدر والإمكانات تكون عبئًا على أصحابها، يقومون هم بتخريبها بأيديهم، لكن هذا يحتاج إلى أمة واثقة بربها، معتصمة به، متوكلة عليه، تعمل بطاعته وتركن إلى جنابه، وليست أمة مُضيعة لحدود الله مُفرطة، مختلفة فيما بينها، مُتناحرة متنازعة، مثل: هؤلاء لا يُنصرون لا يستحقون النصر، لكن إذا وجد الإيمان والتقوى فهنا: لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا، وشَيْئًا أيضًا نكرة في سياق النفي، لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا [آل عمران:120]، لا يضر لا قليلاً ولا كثيرًا، هذه ضمانات من الله -تبارك وتعالى.

فهذه الآية تدل على هذا المعنى دلالة ظاهرة: لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [آل عمران:10]، وهذا لا شك أنه حسرة كما قال الله في الآية الأخرى: ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ [الأنفال:36]، يعني: في الدنيا تكون عليهم حسرة، فإذا رأى هذه الأموال والأولاد لا شيء فإنه يُسقط بيده عند ذلك؛ لأن الإنسان يفزع إلى المال والولد إذا حانت الشدة فإذا رأى ذلك قد ولى وتلاشى كان ذلك أعظم حسرة في قلبه، ويكون ذلك أعظم في عذابه، هذا في الدنيا، وفي الآخرة كذلك مع النار وَأُوْلَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ [آل عمران:10]، وهذا مُنتهى وغاية العذاب، وَأُوْلَئِكَ هُمْ أشار إليهم بالبعيد وَأُوْلَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ، فهؤلاء الذين ألهتهم الأموال والأولاد عن الله -تبارك وتعالى- وطاعته وعبادته، وظنوا أن ذلك يُغنيهم عن ربهم -تبارك وتعالى- ذهب ذلك وزال جميعًا وصاروا إلى عذاب الله .

وهنا التوكيد بهذه الصيغة: وَأُوْلَئِكَ هُمْ، فجاء بضمير الفصل بين طرفي الكلام هُمْ وَقُودُ النَّارِ لتقوية النسبة هُمْ وَقُودُ النَّارِ، كأنه لا وقود لها إلا هم، ويكفي هذا -والعياذ بالله- في بيان شدة وفظاعة ما يلقونه من العذاب والمصير البائس، وكذلك لو نظرنا في المؤكدات في الآية: لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ [آل عمران:10] ما قال: لن تغني عنهم أموالهم وأولادهم من الله شيئًا، فحينما أعاد النفي قال: أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ فدل أن كل واحد منهم منفي على سبيل الاستقلال، كما أنهما منتفيان على سبيل الاجتماع، لن يُغني عنهم شيء من ذلك مجتمعًا ولا منفردًا، الأولاد لا يغنون، والأموال كذلك لا تُغني.

وكذلك أيضًا: مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [آل عمران:10]، أي: من عذابه -تبارك وتعالى-.

أسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، ويجعلنا وإياكم هداة مهتدين، والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

مواد ذات صلة