الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فلما ذكر الله -تبارك وتعالى- مريم -رحمها الله- وما حباها الله به من الاصطفاء والاجتباء: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:42]، لما ذكر هذا الاصطفاء والتطهير والاجتباء قال الله -تبارك وتعالى- بعد ذلك: يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران:43]، فذكر لها جملة من الأمور التي تتفق مع هذا الاجتباء والاصطفاء للتأهل للرُتب العالية، ولتكون على حال مرضية هي حال المُجتبين الأصفياء.
فقال الله لها: يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي والقنوت هو الدوام على الطاعة في عامة استعمالاته، اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران:43]، هذا القنوت الذي هو الدوام على الطاعة يتضمن معانٍ من الخضوع والخشوع ونحو ذلك، ثم أمرها أيضًا بالسجود والركوع مع الراكعين شكرًا لله -تبارك وتعالى- على ما أولاها من هذه النِعم، الملائكة حينما تُخاطبها، وتُخاطبها بـــ: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:42]، يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ القنوت كما قال شيخ الإسلام -رحمه الله-[1] في استعمالاته يدور على معنى وهو دوام الطاعة، فهذا أمر من الله ، والأصل أن الأمر للوجوب، فعبادة الله وطاعته والاستقامة على صراطه المستقيم ليست طفرة، ليست أمرًا عارضًا في حالة لربما تنتاب المرء من إقبال، أو مصيبة حلت به أو غير ذلك فيستقيم أيامًا أو شهورًا، ثم بعد ذلك يُدير ظهره ويرجع إلى حاله التي كان عليها، لا، وإنما الدوام، ولهذا في كل ركعة نقول: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]، ومن المعاني الداخلة تحته على كثرتها وأنواع الهدايات ثبتنا على الصراط، فلا يسلك الإنسان الصراط مدة من الزمن تطول أو تقصر ثم بعد ذلك يتراجع قبل الممات، اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي، دوام الطاعة، وهذا لا شك أنه من مقاصد الشارع في تكليف المكلفين بهذه الشريعة الدوام والاستمرار، ولهذا قال الله : لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، وقد قرر العلماء كالشاطبي -رحمه الله- في "الموافقات"[2] في الكلام على مقاصد الشريعة بأنّ تحمل المُكلف من العمل أكثر مما يُطيق، أو ما يشق عليه مشقة زائدة مما يؤذن بالانقطاع أن هذا على خلاف مقصود الشارع؛ لأن مقصود الشارع الدوام والاستمرار، وأحب العمل إلى الله أدومه وإن قل.
قد يسمع الإنسان محاضرة عن قيام الليل ثم يبدأ يُصلي إحدى عشرة ركعة في ساعتين أو نحو ذلك، ثم ما يلبث أن ينقطع حتى يترك الوتر، فهذا لا يستقيم، قد يفعل ذلك بعضهم إبان زواجه في أوله مع امرأته ونحو ذلك، وما هو إلا أسبوع، أو عشرة أيام، أو نحو هذا ثم ينقطع، فهذا لا يصح بحال من الأحوال.
يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي ومن المعاني الداخلة في القنوت الخشوع والخضوع لله ، الإنسان القانت، فهذا من المطالب الشرعية في حق أهل الإيمان من الرجال والنساء، أن يكون الإنسان على حال من الخشوع والخضوع لله والإخبات، هذه معانٍ كبار فتكون من أعمال القلوب وتظهر آثارها على الجوارح ولابد، لابد أن تظهر آثار هذه على جوارحه، يظهر ذلك على وجهه وعلى حاله كما لا يخفى.
يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ ولاحظ هنا اقْنُتِي لِرَبِّكِ إضافة الربوبية هنا "لربك" هذه الربوبية ربوبية خاصة، الربوبية بأهل الاصطفاء والاجتباء، ربوبية أهل الإيمان، فيصلهم من ألطاف الله ما لا يُقادر قدره، اقْنُتِي لِرَبِّكِ، ثم ذكر الربوبية هنا في هذا الموضع له معنى، وذلك أن هذا القنوت ودوام الطاعة حينما يكون للمالك المعبود الرب المُربي بالنعم الظاهرة والباطنة وهو بمعنى السيد والمالك والمُدبر لأمور خلقه المُربي لهم، فإن هذا لا يُستغرب، كيف لا يُقنت له وهو الرب، هو سيدنا ومالكنا ، فإذا قال: اقنت لربك، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99]، اعبد ربك، فهذا تبريره معه مقترن به فهو ربك، فمن الطبيعي أن الإنسان يعبد ربه ويقنت لربه فما طالبته بشيء فيه غرابة، وإنما هذا هو الأمر الذي ينبغي أن يكون اقْنُتِي لِرَبِّكِ.
وهنا: اقْنُتِي لِرَبِّكِ تقديم ما حقه التأخير، فقدم اقْنُتِي لِرَبِّكِ ليدل على التجريد والإخلاص لله ، فالقنوت لله وحده، فالعبادة قد تكون كثيرة ولكنها قد لا تكون خالصة لله ، يدخلها ما يدخلها من المقاصد الفاسدة فتكون عبئًا على صاحبها، وتكون قوتًا وزادًا له إلى النار، أول من تُسعر بهم النار يوم القيامة الثلاثة جميعًا من المُرائيين، اشتركوا في هذه الصفة وافترقت أعمالهم، قارئ ومُنفق ومُجاهد، أشرف الأعمال وكان ذلك غير مُغنٍ عنهم لما كان الإخلاص مفقودًا.
اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران:43]، فهنا أنه قدم السجود على الركوع، الركوع قبل السجود، وذلك يمكن أن يكون من باب تقديم الأشرف وهو السجود، فإن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فالسجود أعظم وأشرف من الركوع، وكذلك أيضًا يمكن أن يكون ذلك باعتبار أن الواو لا تقتضي الترتيب، اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ، ويحتمل أن يكون المقصود بالسجود الصلاة يُعبر عنها بجزئها الذي هو الرُكن.
ويحتمل أن يكون المقصود بالركوع الخضوع لله ، هذه احتمالات والظاهر المُتبادر -والله تعالى أعلم- أن السجود على ظاهره وضع الجبهة على الأرض، هذا هو السجود الشرعي، فلا يُعدل عنه إلا لدليل، لاسيما أنه ذُكر معه الركوع، فدل على أن المقصود السجود والركوع الحقيقين، -والله أعلم.
وكذلك أيضًا هذه الآية: يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران:43]، في الآية التي قبلها يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:42]، يَا مَرْيَمُ مرة أخرى، فهذا كله يدل على شدة العناية بها ولُطف الله بها، وكذلك ما يُذكر بعده، يعني: هناك تنبيه على الاصطفاء والاجتباء وهنا لما يُذكر بعده من الأمر.
وكذلك أيضًا لما ذكر الله -تبارك وتعالى: وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ، هنا: وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ، هل هذا يدل على صلاة الجماعة أنها مُطالبة مأمورة بصلاة الجماعة كما فهم بعض أهل العلم من قوله تعالى: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43]؟ ليس كذلك، وإنما المقصود الدخول في جملتهم أن يكون من جُملة هؤلاء بالتحلي بأوصافهم والعمل بمثل هذه الطاعات والعبادات الجليلة، ولهذا فإن قوله -تبارك وتعالى: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43]، لا يدل دلالة صريحة على وجوب صلاة الجماعة؛ لأن هذه الآية: وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ لمريم وهي امرأة غير مُطالبة بصلاة الجماعة، لكن يدل على صلاة الجماعة على وجوبها أدلة أخرى: "لما هم النبي ﷺ أن يُحرق على أقوام بيوتهم"[3]، وغير ذلك من الأدلة الواضحة الصريحة التي تدل على وجوب صلاة الجماعة على الرجال، مع أن بعض أهل العلم قال في قوله تعالى: وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ، أن المقصود في الجماعة؛ لأنها كانت في موضع يُصلى فيه وهو المسجد فتُصلي معهم، لكن هذا قد لا يخلو -والله أعلم- من بُعد، وما ذُكر قبله أولى، -والله تعالى أعلم.
وهكذا أيضًا في قوله -تبارك وتعالى: وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران:43]، هذا داخل في جملة العبادة، اقْنُتِي لِرَبِّكِ دوام الطاعة، ومن ذلك الركوع والسجود لكن لشرفهما أفردا، -والله تعالى أعلم، فإن ذكر الخاص بعد العام يدل على شرفه، وهكذا إفراد الخاص ثم ذكر العام، مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ [البقرة:98]، فهم من جملة الملائكة -عليهما السلام- لكن لشرفهما ومنزلتهما وعلو رُتبتهما أفردهما، حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238]، وهي من جُملة الصلوات، لكن لأهميتها وعظيم خطرها نص عليها، ثم إن الركوع والسجود هو من أجلى صور الخضوع، والقنوت من معانيه الخضوع لله -تبارك وتعالى، وكذلك حينما نقول: بأن المراد السجود والركوع الحقيقي وقد تُرك الترتيب يدل على أنه يمكن أن يُترك الترتيب لحاجة أو مصلحة، يعني: في ذكر المذكورات، فقد تذكر الأشرف حينما تعد جملة من العبادات تبدأ بالأشرف أو الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام، كما قال الله -عز وجل: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ فبدأ بالنبي ﷺ، كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ [النساء:163]، إلى آخر ما قال الله -تبارك وتعالى، فقد يُبدأ بالأشرف.
ويؤخذ من هذه الآية الكريمة في هذه التوجيهات، وما أمرها الله به أن النِعم تُقابل بالشكر، فإذا أنعم الله علينا بالاصطفاء والاجتباء لأن نكون من خير أمة أُخرجت للناس فينبغي أن يكون ذلك سائقًا ودافعًا للطاعة والتشمير في العبادة والجد والاجتهاد في مرضاة الله -تبارك وتعالى، لا أن يُعرض الإنسان أو يتشبه بمن لا خلاق لهم من أهل الضلال أو أهل الغضب، وهو في كل ركعة يقول: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7]، وهو يتبع آثارهم ويقتفي أعمالهم ويتشبه بهم، هذا لا يكون.
وكذلك أيضًا ذكر السجود هنا والركوع خاصة في هذا الموضع، موضع الشكر فإن ذلك أيضًا أدل عليه، وبنو إسرائيل لما أمرهم الله بدخول القرية التي كتب الله لهم: ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ [المائدة:21]، وهذه القرية كما أمرهم الله فيها بقول وفعل، دخول باب القرية سُجدًا وهو المقصود بذلك الركوع، يعني: يدخلون خضوعًا لله راكعين، وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ [البقرة:58]، فأمرهم بفعل وهو الدخول سجدا، وبقول وهو أن يقولوا حُط عنا خطايانا، أو أن مسألتنا حِطة، يعني: أن تحط عنا خطايانا، فأمروا أن يدخلوا هذه القرية أو الأرض المقدسة، أو بيت المقدس وهم في حال الركوع خضوعًا لله على نعمة الفتح، والنبي ﷺ لما فتح مكة كان ﷺ دخلها وهو مُطأطأ رأسه حتى إن لحيته ﷺ تكاد أن تُصيب رحله، لم يدخل متعاليًا متعاظمًا وإنما دخل متواضعًا لله وصلى ثمان ركعات، قال بعضهم: هي صلاة الفتح، والأقرب أنها سُنة الضحى، فكل ذلك خضوع لله -تبارك وتعالى- حال النعمة، فينبغي للعبد أن يُكثر من ذكر الله وشكره وطاعته على نعمه الظاهرة والباطنة: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34].
كذلك أيضًا في قوله -تبارك وتعالى: وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ولم يقل: مع الراكعات، ربما باعتبار تغليب الرجال كما هي عادة القرآن فإنه يُغلب الرجال باعتبار أنهم الأشرف والنساء تبع لهم، أو باعتبار أن الذي أُمرت به لربما كما قال بعض أهل العلم أن تُصلي مع الجماعة، فقد كانت في المسجد، فالرجال هم الذين يصلون الجماعة وخوطبوا بها.
وكذلك ذكر بعض أهل العلم غير هذا من التوجيهات: وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ما قال مع الراكعات، والنساء غير مأمورات بصلاة الجماعة، فإن صلينها فلا إشكال، لكن غير مُخاطبات بهذا كالرجال حيث وجبت عليهم.
وكذلك أيضًا ذكر القنوت والركوع والسجود كل ذلك يبعث على التواضع لله ، فإذا كان الإنسان في حال نعمة فإنه لا يُعجب بنفسه ولا يترفع على الناس ولا يتعاظم أنه قد وصل إلى مراتب عالية وهم ليسوا بشيء، وإنما يزيده ذلك كسرة، وخضعان لمن أولاه النعمة، هذا هو الطريق المهيع والمسلك الواضح الذي ينبغي أن يكون عليه العبد، كلما ازداد من هذه النِعم والألطاف ازداد خضوعًا لله -تبارك وتعالى، وأما غير الموفق والجاهل الذي لم يعرف ربه، ولم يعرف نعمه، ولم يعرف نفسه غابت عنه هذه الثلاث، فإنه كلما ازداد نعمة ازداد أشرًا، وبطرًا وتيهًا وكبرًا وتعاظمًا على الخلق، واحتقارًا لهم.
وكذلك أيضًا هنا في قوله -تبارك وتعالى: وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- ملحظًا فيها إذا قيل: بأن المراد بذلك صلاة الجماعة، قال: "هذا باعتبار هذه المرأة المعينة يعني مريم -رحمها الله- أنها كانت مجردة منذورة لله عاكفة في المسجد فخوطبت بهذا، وليس ذلك بخطاب لعموم النساء"[4]، لكن على المعنى السابق تدل في جملتهم فتكون في جملة المصلين ممن يتحقق بهذا الوصف ويتمثل هذه العبادة، -والله تعالى أعلم.
فالمقصود أن هذه هي المؤهلات، وهذا هو أيضًا عنوان الشُكر لله، إذا أراد الإنسان أن يشكر الله فإنه يشكر بالقول والفعل، بالإنفاق في سبيل الله، ويشكر بأنواع العبادات، ولكن هنا أمرها الله بجملة من الأمور: دوام الطاعة، والركوع والسجود، يعني الصلاة، وهذا يدل على منزلة الصلاة، وأنها من أعظم الأعمال وأجلها، وأنها من أجلى صور الشكر، ومن أجلى صور الخضوع لله في الوقت نفسه، هذا ظاهر من أمرها بذلك باعتبار أمرها، هنا مقام تكريم وتفضيل وهذا خلاف ما يدعيه هؤلاء من أهل الانحراف والضلال من الصوفية الذين يقولون: بسقوط التكاليف إذا وصل الإنسان إلى المراتب العالية.
فهذا التكريم وهذا الرفع لمنزلتها ودرجتها ويقول لها: وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ، فمن الذي يسقط عنه التكليف، كلما ازداد العبد مرتبة في العبودية كان وظائفها أكبر وأعظم وأعمق في حقه، -والله تعالى أعلم، وبهذا نقول: بأن المرأة المسلمة إذا أرادت الرفعة الحقيقية فعليها بهذه الأعمال والأوصاف، هذا الذي يحصل به المنازل العالية، وهذا الذي يُبنى ويُشيد به المستقبل الحقيقي وليس الأوهام، وفي الإحصاءات العالمية، وقد قرأت كثيرًا من هذا ودراسات في بلاد الغرب والشرق وغير ذلك، الذين يقولون بأن المرأة عندهم كالرجل تمامًا، وفي آخر ما خرجوا به أن المرأة والرجل شيء واحد، فهؤلاء في الوقت نفسه في التقارير الصادرة عنهم والدراسات أنه قلّ أن تصل امرأة إلى مناصب ومراتب عالية من الوظائف كما هو مُشاهد، فكم من الرجال رؤساء دول وكم من النساء، كم من الرجال وزراء وكم من النساء، مع أن عدد الرجال يُكافأ النساء تقريبًا، فلماذا لا يكون النصف في العالم الحر كما يقولون: العالم المتقدم، يقولون: وهكذا في كل الأعمال الإدارات الرجال هم الذين يسيطرون، والمرأة في الأعمال الأخرى المُساندة، السكرتارية ونحو ذلك، هذا في بلادهم، طيب، أعطوا المرأة كل شيء فلماذا هي عندهم مهضومة؟ هم يدركون أن المرأة لها وظائف حقيقية، وبدأوا الآن يطالبون بإعادتها إلى وظيفتها الحقيقية، وأنها ليست ...، هذا مع ارتفاع الصوت في التظلم من أذى الرجال، وتسلط الرجال، وتحرش الرجال بهن على مختلف المستويات، تقوم امرأة في البرلمان عندهم وتعلنها صريحة تحرش الرجال من زملائها في البرلمان بها، امرأة تعمل في الشرطة هناك وتعلنها بأن زملائها في الشرطة ورؤسائها يتحرشون بها، امرأة تعمل بالجيش وهن كُثر قد رفعن الصوت متظلمات من تحرش قادتهن وزملائهن بهن، بل بفجورهم بهن، وهكذا.
نسأل الله أن يُصلح أحوالنا وأحوال المسلمين، وأن يُعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحُسن عبادته، -والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد، وآله، وصحبه.
- مجموع الفتاوى (22/ 374)، (22/ 548).
- الموافقات (3/ 504).
- أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب وجوب صلاة الجماعة، برقم (644)، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة، وبيان التشديد في التخلف عنها، برقم (651).
- المستدرك على مجموع الفتاوى (3/ 84).