السبت 21 / جمادى الأولى / 1446 - 23 / نوفمبر 2024
(075) قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ...} الآية 64
تاريخ النشر: ٠٤ / صفر / ١٤٣٨
التحميل: 575
مرات الإستماع: 1091

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

لما بيّن الله حقيقة عيسى ، ودعا المعاندين المُكابرين إلى المُباهلة، وبيّن أن ما قصه هو الحق في شأن المسيح ، أمر نبيه ﷺ بعد ذلك بقوله: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُون [آل عمران:64].

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ، قل لهم يا أيها النبي مُبلغًا عن الله -تبارك وتعالى-: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ، وذلك يصدق كما هو معلوم على اليهود والنصارى، تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء إلى كلمة عدل، وحق يلتزم بها الجميع، وهي التوحيد، عبادة الله وحده لا شريك له من غير اتخاذ لأحد سواه ربًّا يُعبد، أو يُطاع، أو يُشرع من دون الله -جل جلاله، وتقدست أسماؤه-.

وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ، فلا طاعة لأحد من المخلوقين في معصية الله -تبارك وتعالى-، فَإِن تَوَلَّوْاْ، عن هذه الدعوة التي تدعوهم إليها، فقولوا معاشر المؤمنين: اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُون، منقادون لله بالتوحيد، والعبادة، والإذعان، والإخلاص لله رب العالمين.

يؤخذ من هذه الآية الكريمة قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ: أن النبي ﷺ إنما هو مُبلغ عن الله -تبارك وتعالى-، هذه وظيفته، وهو عبد مأمور لربه، وخالقه، قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء، وهذا اللون من الخطابات قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ، لم يقل لهم: يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء، قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ، فهذا فيه مزيد اهتمام بهذا المضمون الذي طُلب إيصاله إليهم، هذه الكلمة تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء، لاحظ هنا لفظة "تعالوا" هذه تُشعر بأن من قيل ذلك فيه، أو له كأنه بعيد يُستدعى، فهم بُعداء عن الحق، والإيمان الصحيح، والتوحيد.

تَعَالَوْاْ، والأصل أن يقولها من كان أعلى لمن هو أدنى؛ ليرتفع إليه، ليصعد "تعال" فكأنهم في وهدة الكفر، والضلالة، والشرك، فيكون السمو بالإيمان، والارتفاع بالتوحيد، والاعتقاد الصحيح؛ لأن النفس ترتكس بالمخالفة أيًّا كانت، فكيف إذا كانت في أهم المهمات، وأصل الأصول الذي هو التوحيد؟ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ۝ وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، التدسية، والدس، فالإنسان يهبط حينما يكون مُتبعًا لهوى النفس والشيطان، مُعرضًا عن الله ، وعن وحيه.

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ، الكلمة تُطلق، ويُراد بها تارة اللفظة المُفردة، تقول: زيد، كلمة، وقد تُطلق الكلمة مُرادًا بها الجملة، وقد تُطلق مُرادًا بها ما هو أوسع من ذلك كالخطبة، وهنا هذه الكلمة: تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ، هي جُمل، تقول فلان ألقى كلمة يعني خُطبة، ونحو ذلك، كما قال ابن مالك -رحمه الله-: وكِلمة بها كلام قد يؤم، يعني: يُقصد.

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ، حينما يُقال لهم مثل هذا، وهم في غاية الإعراض، هذا فيه إعذار بعد هذا البيان السابق، وفيه مزيد من إقامة الحجة عليهم بطريق النصف، إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء، كلمة عدل، يعني: أهل العلم، والحق، والإيمان هم النبي ﷺ، وأتباعه، ولكن في المُجادلة، والمناظرة، ونحو ذلك من ألوان المخاطبات التي قد يُظهر فيها المُحق شيئًا من التغاضي على سبيل استدعاء المخالف للقبول.

كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، المؤمنون هم كذلك، كأنه يقول لهم: نحن لا نريد منكم أن تتخذوننا أربابًا من دون الله ، وأن يكون الخضوع لذواتنا، إنما المقصود هو الخضوع لله رب العالمين، وتحقيق التوحيد، والإيمان الصحيح؛ لأن هؤلاء هم ينظرون إلى هذا لربما من زوايا أخرى فالبيئة التي يعيشون فيها قد اتخذ بعضهم بعضًا أربابًا من دون الله، كما قال الله : اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ [التوبة:31]، فقد يتوهم المخاطب أن ذلك يُراد منه: أن يتخذ أحدًا من المخلوقين ربًّا، وكذلك أيضًا قد ينظرون إلى هذه بحسابات أخرى، وهي أن اعترافهم بهذا الحق الذي جاء به الرسول ﷺ يقتضي مذلة، ومهانة، وأن ما كانوا عليه في السابق ضلالة، وأن ما كانوا يدعون إليه، وما كانوا يزاولونه من الأعمال، ويُنفقون فيه، ويبذلون الأنفاس، والأموال أنه باطل فيكون ضمن ذلك الاعتراف بالخيبة، وأنهم لم يكونوا على شيء، وأن أعمالهم ذهبت سُدى، وأن هذا الذي جاء من أمة لا عهد لها بكتاب أنه صار المُعلم، والموجه الذي يأتمرون بأمره، وينقادون لخطابه ﷺ، فقد يحملهم بعض ذلك على شيء من الأنفة كما قال المعلمي -رحمه الله-[1] في بيان مداخل الهوى الدقيقة على النفوس مما يحملها على رد الحق أنه قد يحسد، هذا الذي جاء الحق على يده، وقد يستشعر أن القبول قبول الحق الذي جاء به يقتضي ضمنًا الاعتراف بأنه كان على باطل، وأن قومه على باطل، وأن ماضيه، والأعمال التي عملها، وقام بها كل ذلك على باطل، فيحمله ذلك على التمسك بباطله، فيأبى الحق، فجاءت هذه الدعوة اللطيفة تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ، بعيدًا عن ذواتنا، وبعيدًا عن ذواتكم، فهذه الحسابات التي يجعلها المُبطل أحيانًا عقبات أمام لزوم الحق، واتباعه تحمله غالبًا على المُكابرة، مهما ظهر له من الدلائل، والبراهين الدالة على الحق.

كذلك أيضًا في قوله: إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ، فهنا يؤخذ منها العدل في المجادلة، والمناظرة، والمخاصمة، هذا من جهة، تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء، يعني: عدل، والأمر الآخر: أنه في المناظرة، والمجادلة، والمخاطبة للمُخالف أنه ينبغي تحري أقرب الطُرق لقبوله من غير استفزاز، يعني كما قال بعض أهل العلم: لا يُصك صدك الجندل، ويُنشق الخردل، ثم يُقال له: اقبل، تضع أصبعك في عينه تحشر هذا الإنسان في زاوية ضيقة، وتقول: اقبل وأنت راغم، اجعل له طريقًا في القبول، لا تُعن الشيطان عليه، فيلجأ إلى المُكابرة، ورد الحق.

فأحيانًا الأسلوب، أو الطريقة -هذا مع المسلمين، ومع غيرهم-، أحيانًا تحمل الإنسان على التشبث بباطله، وهذه للأسف تكون أحيانًا سببًا لمزيد من الإعراض، والعتو، والكفر، أو البدعة، والضلالة، فلربما يوغل في انحرافه، ويبحث عن حُجج يحتج بها على هذا الباطل الناشئ الذي كان حادثًا طارئًا، ثم ما يلبث حتى يصير عقيدة راسخة ربما بسبب هذا الاستفزاز.

هذا ذكره جماعة من أهل العلم في الكلام على المناظرة، أن هذه الطُرق التي فيها نوع من الصلف تجعل المُقابل يتترس، ويبحث عن خطوط دفاعية، يُدافع فيها عن باطله، وقبل ذلك قد تكون المخالفة في أمر يمكن أن يحتوي، ويُبين الحق بأقرب طريق، دون أن نُشعره بكسر نفسه، وإرغامه على ما نقول بطريقة استفزازية، ينبغي أن يكون الإنسان لديه شيء من الحكمة في تقديم الحق للناس، وفي مخاطبتهم، ومُجادلتهم، ومناظرتهم، فكم من مُجادلات، ومخاطبات زادت الأمر سوءًا، والمشكلة تعقيدًا، والمُبطل ضلالاً، والله المستعان.

كذلك أيضًا في قوله: أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ، هذه قضايا كلها تتعلق بالتوحيد، أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ، يعني التوحيد، توحيد العبادة، لا نتوجه بشيء من العبادة لأحد سواه، لا لملك، ولا لنبي، ولا لراهب، أو حبر من الأحياء، أو الأموات.

أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وهذا كله تأكيد لهذه الحقيقة، إذ أن كلمة "لا إله" هذا نفي لكل معبود سوى الله، "إلا الله" إثبات التوحيد، عبادة الرب وحده -جل جلاله، وتقدست أسماؤه-.

وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ، وهذا أيضًا من التوحيد، وقد وقعوا في شيء من ذلك كما ذكرت في قوله تعالى: اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ [التوبة:31]، وقد جاء تفسير ذلك بأنهم كانوا يُحلون لهم الحرام، أعني: الأحبار، والرُهبان، فيحلونه، ويُحرمون عليهم الحلال فيُحرمونه، فصاروا بذلك أربابًا من دون الله ، وقد وقع النصارى في هذا كله، صرف العبادة لغير الله، والشرك، واتخاذ الأحبار، والرهبان أربابًا من دون الله.

وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ، ولاحظ بَعْضُنَا بَعْضًا، البعضية تُنافي الإلهية، فالإله ليس من جنس البشر، وليس بعضًا منهم، أما هؤلاء البشر فهم يستوون في هذه الحقيقة، حقيقة البشرية، ومن ثَم فإنه لا يصلح المخلوق أن يكون إلهًا.

كذلك في قوله -تبارك وتعالى-: أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ، يؤخذ من هذه الآية بُطلان ما يذكره بعض الأصوليين من الاستحسان على بعض التفسيرات، بعضهم يقول: إن الاستحسان أصول الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، هذه الأربعة معروفة، وهناك أشياء أخرى مختلف فيها، مثل: قول الصحابي، وسد الذرائع، والمصلحة، وكذلك الاستحسان، الاستحسان فُسر بعدة تفسيرات، لكن من فسره بأنه ما ينقدح في ذهن الفقيه، ويعجز عن التعبير عنه، وليس عنده دليل، فيستحسن شيئًا، ويقول هذا مُستحب، أو هذا مكروه، أو هذا جائز، أو هذا حرام بهذا الطريق، فهذا لا أساس له، وكذلك ما يدعيه بعض الصوفية من الإلهام كما قال صاحب المراقي:

ويُنبذ الإلهام بالعراء أعني به إلهام الأولياءِ[2]

يدعون الولاية، وليسوا بأولياء، يقول بالإلهام، فيأخذون هذه الأشياء على أنها مُسلمات، وكذلك من يدعي في أئمته العِصمة، أنهم معصومون فيما يُبلغون عن الله -تبارك وتعالى-، فهذا كله باطل وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ، وليس بمعصوم سوى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فيما يُبلغ عن ربه، أما ما عدا النبي ﷺ فكل يؤخذ من قوله، ويُرد، والعبرة بالدليل الذي تقوم به الحجة الرسالية، وما عدا ذلك فلا عبرة به من استحسان، أو إلهامٍ، أو دعاوى عِصمة، أو غير ذلك.

وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا، "ولا يتخذ" يفتعل، كأنها فيها تكلف، لماذا؟ قالوا باعتبار أن الفِطرة تأبى ذلك، فالفِطرة أن يكون الإنسان عبدًا لله ، وليس عبدًا للمخلوق، فهذا الذي يكون عبدًا لمخلوق كأنه يفعل شيئًا يتكلفه.

وهكذا أيضًا يؤخذ من هذه الآية الكريمة: أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ، فهذه قضايا مُتلازمة، عبادة الله وحده، وأن يكون التشريع من قِبله من الله، فقرن الله بين هذه الجُمل التي ترجع جميعًا إلى التوحيد، فالمُشرع هو المعبود، وكذلك أيضًا هذه الجُمل يؤكد بعضها بعضا، تؤكد حقيقة التوحيد الذي جاء به جميع الرسل -عليهم الصلاة والسلام-، أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ، فكل ذلك تأكيد لهذه الحقيقة الكبرى التي جاء بها جميع الرسل -عليهم الصلاة والسلام- بتوحيد الوجِهة إلى الله، ونبذ عبادة ما سواه، هي حقيقة لا إله إلا الله.

ولاحظ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ، ما قال من دونه، فهذا مقام يحسُن فيه الإظهار في موقع الإضمار للتعظيم، وتربية المهابة.

فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُون، فجاء هنا بضمير الجمع في البداية قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ، الخطاب للنبي ﷺ، فكأن الأمة التي جعلها الله وسطًا، تشهد على الناس يوم القيامة، تقول لهم: اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُون، وهذا يدعو المؤمن إلى الاعتزاز بإيمانه، ودينه، ولا يذل أمام أهل الضلال، والكفر، والانحراف، ويشعر أنه صغير أمامهم، ويستحي من مبادئه، ومن عقيدته، ومن توحيده، وما حباه الله به من هذا الدين الصحيح، فهؤلاء في الضلالة، فيرفع رأسه مُعتزًا بهذا الاعتقاد الصحيح، فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُون.

وكذلك هذا الإشهاد فيه إقامة الحجة على هؤلاء المنحرفين؛ لئلا يفهموا أن ترك المُحاجة، والاسترسال فيها أن ذلك لضعف، أو عجز، وكما ذكرت في الليلة قبل الماضية بأن المُجادلة إذا كان ذلك مع من لا يطلب الحق، أو يُريد إقرار الباطل، فإن ذلك لا يحسُن، ولا يجمُل المُجادلة مع من كان بهذه الصفة، فهنا يقطع عليهم المجادلة، فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُون.

وكذلك أيضًا يؤخذ من هذه الآية: اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُون، كأن ذلك على سبيل المُبالغة جاء بلفظ الشهادة؛ إعلامًا لهم بأنه على الإسلام.

هذا، وأسأل الله أن ينفعني، وإياكم بما سمعنا، ويجعلنا وإياكم هداة مهتدين.

والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

  1. آثار الشيخ العلامة عبد الرحمن بن يحيى المُعَلّمِيّ اليَماني (19/12).
  2. انظر: الأصل الجامع لإيضاح الدرر، (3/64).

مواد ذات صلة