السبت 21 / جمادى الأولى / 1446 - 23 / نوفمبر 2024
(113) قوله تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ...} الآية 104
تاريخ النشر: ٢٩ / ربيع الأوّل / ١٤٣٨
التحميل: 450
مرات الإستماع: 1129

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

لما ذكّر الله -تبارك وتعالى- عباده المؤمنين نعمته باجتماع الكلمة، بعد أن كانوا متفرقين، وبإنقاذهم بالإيمان وهدايتهم إلى هذا الدين بعد أن كانوا على شفا حفرة من النار، قال الله -تبارك وتعالى- بعد ذلك: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون [آل عمران:104] كأنه يقول: كما عرفتم النعيم والكمال بعد الشقاء والعناء والضلال، وذقتم مرارة التفرق الذي كان بينكم والتناحر والشر، وما كنتم فيه من الضلالة والبُعد عن الإيمان والهدى، حيث كنتم على شفا حفرة من النار، ثم ذقتم بعدها طعم الإيمان وحلاوته، فينبغي أن تسعوا بكل جد إلى انتشال غيركم من سوء ما هو فيه إلى حُسنى ما أنتم فيه، من ذاق وعرف وجرب، فليس كمن لم يذق، فأنتم أولى الناس بعد أن جربتم وعرفتم بإيصال هذا النور والهدى، وإكسير السعادة في الدنيا والآخرة: أن توصلوه إلى الناس الذين لا زالوا يتمرغون في الوحل والضلالة والعمى والجهالة، وما بينهم وبين دخول النار إلا أن يموتوا، فأنقذوهم، كما أنقذكم الله -تبارك وتعالى-، من تلك الحفرة، فهذا وجه في الارتباط بين هذه الآية والآية التي قبلها، فالله -تبارك وتعالى-يأمر عباده المؤمنين بقوله: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يعني: جماعة وطائفة، يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وهو المعروف والبر والصلاح والإصلاح والنفع، ويأمرون بالمعروف، وهو كل ما عُرف من طاعة الله -تبارك وتعالى-، وطاعة رسوله ﷺ، وعرفه أهل العقول والفِطر الصحيحة فهو معروف، فالمعروف ما عُرف بالوحي والنقل، وكذلك ما عرفته العقول السليمة، والفِطر الصحيحة، التي لم تتدنس، ولم تتلوث، فذلك معروف قد عُرف حُسنه، وكذلك المنكر فهو ما عُرف قُبحه من جهة الوحي: الكتاب والسنة، وأيضًا ما عُرف قُبحه لدى العقول والألباب الصحيحة والفِطر السليمة، فهذا هو المنكر، وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون يعني: الذين حصلوا المطلوب، ونجوا من المرهوب، فهذا هو الفلاح.

فقوله: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ هذه الصيغة صيغة أمر؛ لأن اللام هذه لام الأمر، والأمر له صيغتان صريحتان: الصيغة الأولى المعروفة المشهورة: افعل، الصيغة الثانية: الفعل المضارع الذي دخلت عليه لام الأمر: لتفعل، تقول: صلِّ، هذا فعل أمر صريح، والثاني: لتصلِّ، وما عدا ذلك فليس بصريح، لكن يُفهم من السياق، ونحوه من القرائن، مثل صيغة الخبر التي تتضمن معنى الأمر، مثل: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ [البقرة:233] فهذه صيغة خبرية وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ لكنها مضمنة معنى الأمر، فهو خبر مُضمن معنى الأمر، يعني: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ يعني عليهن الإرضاع، ليُرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يُتم الرضاعة، وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ فهذا يدل على وجوب الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر على مستوى الأمة، وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يبقى أن (من) هذه هل هي بيانية أو تبعيضية؟ بيانية يعني يكون المعنى: ولتكون كل الأمة داعية إلى الخير، ناهية عن المنكر، آمره بالمعروف، وإذا قلنا إنها للتبعيض: يعني: ليوجد منكم فئة وطائفة تقوم بهذه الفريضة، فيسقط الإثم والتبعة عن الباقين، ولو أردنا أن نُقرب ذلك بمثال واضح أو أوضح: حينما يقول الإنسان لأولاده: أريد منكم أولادًا بررة، هل يقصد البعض أو يقصد أن يكون هؤلاء الأولاد بررة جميعًا؟ هو يقصد الجميع، فعلى هذا (من) في هذا المثال: "أريد منكم أولادًا بررة" بيانية، وكقول المعلم لتلامذته: أريد منكم تلاميذ نُجباء، يعني: أريد أن تكونوا كذلك للجميع، فهذه (من) بيانية، وإذا كانت تبعيضية تقول: أريد منكم طائفة، أريد منكم مجموعة، أريد منكم أفرادًا يقومون بكذا وكذا، يعني: أريد بضعًا منكم، وليس الكل، فلما يأتي الإنسان إلى جامعة من الناس ويقول: أريد منكم من يشهد لي، فهو يريد البعض ولا يريد الكل، والمقام يوضح هذا؛ لأن الشهادة تقوم باثنين، لكن إذا قال لهم: أريد منكم أهل صدق وإيمان وتقوى ويقين، فهل يقصد أن البعض يكونون كذلك والبعض الآخر لا؟ إنما يقصد الجميع، أريد منكم أهل صبر واحتساب وورع يعني الجميع، فهنا وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ هل المقصود وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يعني: لتكونوا أمة آمرة بالمعروف، ناهية عن المنكر، فيكون ذلك فرضًا على جميع الأمة، أو أن المقصود وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ أن يوجد فيكم فئة، فـتكون (من) تبعيضية، يعني طائفة تقوم بهذا العمل؟ الآية تحتمل هذا وهذا.

فتكون على القول بأنها تبعيضية الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر فرض كفاية، وإذا قلنا: بأن (من) بيانية، فيكون ذلك فرضًا على عموم الأمة، بأن تكون آمرة بالمعروف، ناهية عن المنكر، وداعية إلى الخير، ويدل على ذلك في الدعوة: قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف:108] فكل أتباع النبي ﷺ دعاة من بعده، كل يدعو بحسبه، هذا يدل على أنها للجميع في الدعوة، وهكذا أيضًا فيما يتعلق بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فقول النبي ﷺ: من رأى منكم منكرًا فليُغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه[1] فقال: من رأى منكم فـ(من) هذه تفيد العموم، فليغيره وأيضًا الأحاديث الواردة في الباب كقوله: لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر[2] ونحو ذلك، وكذلك ما ورد في لعن بني إسرائيل في قوله: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُون ۝ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ [المائدة:78-79] لا ينهى بعضهم بعضًا، والدلائل على أنها للجميع متضافرة -والله تعالى أعلم-، وفي آية ستأتي بعد هذه بيسير، وهي قوله: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ أضاف الخيرية إلى الأمة، بماذا؟ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ [آل عمران:110] فدل ذلك على أن قوله: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ أن (من) بيانية، وليست تبعيضية، فكل الأمة تنهض بهذا كل بحسبه، أول ذلك الرجل في بيته، يقول النبي ﷺ: كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته[3]، فهذا يدعوهم إلى الخير، ويأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، وليس معنى ذلك أن كل أحد يتصدر لما لا يُحسنه، فكما جاء عن بعض السلف: أن من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بغير علم فإنه يُفسد أكثر مما يُصلح، لكن هناك أمور لا تخفى على أحد، كالأمر بالصلاة، والنهي عن الفواحش والموبقات، والنهي عن المحرمات الظاهرة المعروفة، فهذه يأمر بها، وينهى عنها كل أحد، ولكن الأمور التي لا يُحسنها لا يدخل فيها، ومن ناحية الممارسة العملية لا شك أن الناس كثيرًا منهم يقوم بهذا، لكن البعض يقوم به بعكس مقصود الشارع، يعني: أحيانًا ينهى عن المعروف دون أن يشعر، وهو يعتقد أنه محتسب، وقد يأمر بمنكر وهو لا يشعر، فمثلًا: يوم الجمعة السنة أن تستقبل الخطيب وهو يخطب، كما جاء عن ابن مسعود : "كان رسول الله -ﷺ إذا استوى على المنبر استقبلناه بوجوهنا"[4]، إذا فعلت هذا أحيانًا ترى بعض كبار السن الجهلة ينظر إليك نظرًا يكاد أن يُزيلك من مقامك، نظر إنكار، وطول الخطبة وهو مشغول عنها ينظر إليك، ويُشير إليك برأسه وبيده، يريدك أن تنظر وتستقبل القبلة، هذا جاهل، فأحيانًا لا تجد بُدًا حتى يسمع الخطبة تستقبل القبلة، وقد تترك استقبال الخطيب بالكلية، حتى لا تشغل هؤلاء، فهذا مثال، ومثال آخر: تقرأ أحيانًا بهذا الجهاز لسبب أو لآخر، كأن يكون المصحف المُبرمج هو المصحف الذي تحفظ منه، غير المصاحف الموجودة في المسجد، من حيث ترتيب الصفحات والآيات، ونحو ذلك، وكما هو معلوم أن المصاحف في طبعاتها تختلف، والمرسوم في الذهن بناء على المرسوم في الورق إذا حصل التطابق كان ذلك أدعى إلى الضبط والحفظ، فإذا قرأت في هذا يأتيك جاهل ويُنكر عليك، ويقول لك: هذا ما يصح، وكيف تتركون المصاحف وتقرؤون في هذا الجهاز؟ هذا ما يحل؟ وينشغل عن قراءته، ونحو ذلك بهذا الإنكار غير الموفق، وآخر يراك تقرأ سرًّا دون أن تشغل غيرك، فيأتيك ويقول: ارفع صوتك بالقراءة، القرآن ليس قصة، يعني كيف ليس بقصة؟! النبي ﷺ جاء في حديث صححه بعض أهل العلم، كالألباني -رحمه الله-: الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة[5]، فهناك نهي عن رفع الصوت إذا كان ذلك يؤذي الآخرين، ويقول لك: أنت تقرأ قصة! تجد مثل هذه الأشياء يوم الجمعة، وكل هذا الإنكار والاحتساب وجه إليّ في صلاة الجمعة، فهذا يحصل، يعني: نحن نُمارس الاحتساب، أو الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر عمليًّا، لكن أحيانًا إذا دخل الإنسان فيما لا يحُسن صار يأمر بالمنكر، أو ينهى عن المعروف، وهذا كثير، والله المستعان، والحديث في هذا يطول، ولعلكم رأيتم وشاهدتم ولقيتم أشياء من هذا القبيل.

إذًا الأقرب هنا في قوله: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ أن (من) هذه بيانية، يعني كل الأمة تكون داعية إلى الخير، آمرة بالمعروف، ناهية عن المنكر، لكن كل بحسبه، فالعالم ليس كغيره، فكل يتوجه إليه بقدر ما أعطاه الله ، ولا يستوي الناس في هذا، ولا يُطالبون بمطالبة متحدة، العالم فيهم والجاهل، هذا ليس بصحيح، لكن الأشياء الظاهرة والأشياء التي لا تخفى ينبغي على الإنسان أن يدعو إلى الخير، عنده عامل غير مسلم يدعوه إلى الإسلام، ويُبين له، ويُعطيه كُتيب، أو مطوية، والدعوة إلى الإسلام هي أعظم الدعوة إلى الخير، وكذلك الدعوة إلى شرائع الدين، فيدعو الناس إلى لزوم طاعة الله، وطاعة رسوله ﷺ، والصلوات والمحافظة عليها، والتبكير لها، وهكذا أيضًا يدعو إلى الصلاة والفلاح.

وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ فهذه الدعوة إلى الخير هي التي يحصل بها نشر الفضيلة والخير، ونشر الدين، وإظهار شرائعه، وإظهار الحق على الباطل، فيكون الحق معلومًا لا يندثر؛ لأن العلم إذا كان سرًّا، كما كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم: انظر ما كان من حديث رسول الله ﷺ فاكتبه، فإني خفت دروس العلم، وذهاب العلماء، ولا تقبل إلا حديث النبي ﷺ، ولتفشوا العلم، ولتجلسوا حتى يعلم من لا يعلم، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرًّا[6]، فيموت العلم إذا كان سرًّا، بمعنى أنه لا يُنقل إلى الآخرين، ولا يُعلم الناس هذا العلم وهذا الخير؛ ولذلك فإن تعليم العلم هو من الدعوة إلى الخير؛ لأن الناس إذا عرفوا الحق عملوا به، وإذا عرفوا الباطل اجتنبوه، فلا سبيل إلى ذلك إلا بهذا التعليم، وأن يُعرف الناس بحقائق الدين، فكثير من الناس قد يقعون في الانحراف والضلالة والمنكر بحسب البيئات بسبب جهلهم، حدثت في بعض المناسبات عن بعض النماذج في قضايا كبار، ففي بعض البيئات البعيدة عنا يُحدثني بعض من سأل عن أركان الإسلام، فكان جواب البعض: محمد وموسى والصلاة، هذه أركان الإسلام، طيب أركان الإيمان؟ يُعدد بعض الأنبياء ويذكر ربما الإيمان بالقرآن، أو نحو ذلك، ما يعرف أركان الإيمان، وكم صلاة في اليوم والليلة؟ بعضهم يقول: صلاتين، وبعضهم يقول: ثلاث، هذا يُحدثني به من سأل هذه الأسئلة لهؤلاء الناس، ثم اجتمعوا على قبر يتقربون إليه، وجاءوا بأنواع القرابين، فجاء من وجه إليهم خطابًا، وحدثهم بطريقة يقبلونها، يقول: فقاموا جميعًا، لم يبق إلا السادن في تلك الناحية، فهؤلاء جهلة في بيئة جهل مُطبق، لا يعرفون شيء من الإسلام، يعبدون هذا القبر جهلًا منهم، وكذلك أيضًا لعلي ذكرت لكم أن أحد هؤلاء الذين ذهبوا لدعوتهم، يقول: أتينا رجلًا ودعانا إلى الطعام، وقدم لنا الخمر، يقول: فاستعظمنا هذا، وقلنا: هذا لا يحل، فقال: اطمئنوا، هذا حصلته من عرق الجبين، ولم يكن بطريق محرم، يقول: فبينا له أن الخمر حرام، وأنها من الكبائر، يقول: فتعجب غاية العجب، وأخذها من المائدة، وذهب يُريقها، فهذا لا يعلم؛ ولذلك تشاهدون عندنا هنا كثيرًا من هؤلاء الإخوان الأعاجم العمال أثناء الصلاة تسمع الأغنية وعنده أن هذا لا بأس به، ولا غضاضة، وأحيانًا بعض هؤلاء قد تجد ظاهره الاستقامة، ونحو ذلك، وتنظر إليه لا يتحرك فيه شعرة، وهو أشغل نفسه وأشغل المصلين بهذه المعازف التي تصدر من جهازه، ولعلي ذكرت لكم أني لقيت أحد المفتين في بعض البلاد، فتحدث معه، وإذا بجهازه يُتصل عليه، وإذا هي امرأة تُغني بمعازف، هذا المفتي، ونظرت إليه، وما عنده غضاضة، وجالس مُدة ينظر إليه يتأكد من الرقم، والأصوات المنكرة من جهازه، فقلت له: هذا ما يحل، غيّر هذا، فكأن هذا الكلام يسمعه لأول مرة، فإذا تُرك الناس ما عُلِّموا، أو ما أُمروا بالمعروف، ولا نُهوا عن المنكر، فينتشر السفور، وتنتشر المنكرات والموبقات لدى أقوام وأجيال لا يعلمون أصلًا أنها من المنكر؛ لأنه لا يوجد من يأمر ولا ينهى، وقد يُجيبك أو يفجأك هذا الموجه إليه الخطاب يقول: أول مرة أسمع هذا الكلام، وتجد بعض هؤلاء يسألون العرافين والكهنة، ويذهبون إلى السحرة، وقد لا يعلمون أن هذا من أعظم المنكرات والموبقات، بل وجد من لا يعرف أن الزنا حرام، ويستفتي ويسأل في بعض النواحي: أنه وجد امرأة قد خرجت لحاجتها، وأنها قد بلغت بها الرغبة مبلغها، يقول: فقضى وطرها، فهل يؤجر على ذلك؟! يقول هذا بعد ما سمع الموعظة والكلمة من قِبل أحد طلبة العلم، يُحدثني بذلك من وجّه إليه السؤال.

ووجد من لا يعرفون الصوم أصلًا، وهم ينتسبون إلى الإسلام؛ ولما حُدثوا عنه قال بعضهم متعجبًا: تريد منا أن نكون ككذا، وذكر دويبة تخرج في الليل تأكل، وتختفي في النهار، تريد منا أن نكون كذا، يعني كهذه الدويبة سماها، فلا بد من وجود من يدعو إلى الخير، ويُعلم الناس، وبهذا يبقى الدين، وبهذا نُقل إلينا الإسلام.

أتوقف عند هذا، وأسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، ويجعلنا وإياكم هداة مهتدين.

اللهم ارحم موتانا، واشفِ مرضانا، وعافِ مبتلانا، واجعل آخرتنا خيرًا من دنيانا، والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان، وأن الإيمان يزيد وينقص، وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان برقم (49).
  2. أخرجه الترمذي في أبواب الفتن، باب ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر برقم (2169) وأبو داود في كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي برقم (4336) وحسنه الألباني.
  3. أخرجه البخاري في كتاب الجمعة باب الجمعة في القرى والمدن برقم (893) ومسلم في كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل، وعقوبة الجائر، والحث على الرفق بالرعية، والنهي عن إدخال المشقة عليهم برقم (1829).
  4. أخرجه الترمذي في أبواب الجمعة، باب ما جاء في استقبال الإمام إذا خطب برقم (509) وصححه الألباني.
  5. أخرجه أبو داود في التطوع، باب في رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل برقم (1335) وصححه الألباني.
  6. أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب كيف يقبض العلم (1/31).

مواد ذات صلة