الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
لما بين الله -تبارك وتعالى- شرف هذه الأمة وخيريتها، وذلك أنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، قال: وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُون [آل عمران:110]، وذلك إشارة إلى أن أكثرهم لم يؤمن، ثم إن فسقهم، وهو خروجهم عن الإيمان، وعن طاعة الله وذلك تمردهم على الله -جل جلاله، وتقدست أسماؤه- فكان المتوقع من هؤلاء أن يوصلوا الأذى إلى المسلمين؛ لأنهم يُعادون، ويكفرون بما جاء به نبينا ﷺ فقال الله -تبارك وتعالى- بعدها: لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُون [آل عمران:111]، فقوله: لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى، يرجع إلى أهل الكتاب، وذلك في قوله قبله: وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُون [آل عمران:110].
لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى، لن يضركم هؤلاء الفاسقون من أهل الكتاب إلا أذى، والأذى دون الضرر، يعني: بما يُسمعونكم من القول القبيح، والذم، والعيب، والتكذيب، والتشكيك، والتلبيس، وما إلى ذلك من باطلهم، وشركهم، وضلالهم.
وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُون، يعني: ينهزمون؛ فإن تولية الدُبر تعني الهزيمة، وذلك أن المُنهزم يُدير ظهره لخصمه فيكون قد ولاه دُبره، ثُمَّ لاَ يُنصَرُون، يعني: لا يُنصرون عليكم بحال من الأحوال.
فيؤخذ من هذه الآية الكريمة من الهدايات، والمعاني: لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى، جاء بأقوى صيغة من صيغ النفي في اللغة العربية "لن" ما بعد هذا شيء، "لن" هذا يقوله الذي خلق ويعلم أحوال الخلق، ويعلم نفوسهم وما تُكن صدورهم، ويعلم قواهم، ويعلم ما عندهم من الإمكانات لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى، "لن" فجاء بهذه الصيغة التي في غاية القوة في النفي، لَن يَضُرُّوكُمْ، وهذا التركيب من لن النافية مع الفعل بعدها يدل على العموم.
والعموم يشمل: عموم الأشخاص، وعموم الأزمان، وعموم الأمكنة، وعموم الأحوال، لَن يَضُرُّوكُمْ، يعني: لا في أول هذه الأمة، ولا في آخرها، عموم الأمة، وكذلك في أي زمان، وفي أي مكان، وفي أي حال، ولو كانوا يُمثلون كثرة كاثرة فهذا حكم ثابت لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى.
هؤلاء الذين يمتنعون من الإيمان، ويبقون على كفرهم، ويُصرون على باطلهم من أهل الكتاب لا تعبؤوا بهم، لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى، ولاحظ الاستثناء هنا -الضرر- من قبيل الاستثناء المنقطع، وليس باستثناء متصل، ومعلوم كما ذكرنا في عدد من المناسبات أن الاستثناء المنقطع لا يكون المُستثنى فيه من جنس المُستثنى منه، بمعنى أن الأذى ليس من الضرر، وإنما هو دونه، يعني: أقل مرتبة من الضرر، وليس باستثناء متصل، يعني: لن يضروكم إلا نوعًا من الضرر، وهو الأذى، ليس هذا هو المراد، لن يضروكم مطلقًا اطمئنوا تمام الاطمئنان لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى، الاستثناء المنقطع يكون بمعنى لكن، لكن أذى.
ما الفرق بين الأذى والضرر؟ يوضح لك ذلك ما جاء في النصوص الأخرى، الله -تبارك وتعالى- قال: إنكم لن تبلغوا ضُري، فتضروني[1]، يعني: أن الخلق جميعًا أضعف من أن يصلوا إلى هذا الحال، أو المستوى، فيصلون إلى إلحاق الضرر بالله فهو أعظم وأجل، وهم أضعف من أن يوصلوا إليه الضرر، إنكم لن تبلغوا ضُري، فتضروني، إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئًا [آل عمران:177]، فلا أحد يستطيع من الخلق، ولو اجتمع الخلق من أولهم إلى آخرهم أن يوصلوا الضرر إلى الله لن تبلغوا ضري، فتضروني، أنتم دون ذلك بكثير، لكن لاحظ في الأذى يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر[2]، فأثبت الأذى، ابن آدم يؤذي ربه، لكن نفى الضرر، فدل ذلك على أن الضرر غير الأذى.
فهنا الله -تبارك وتعالى- قال: لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى، فيكون الاستثناء منقطع، فالأذى ليس من الضرر، قال: لكن أذى، يعني يوصلون إليكم الأذى بالقول، يُسمعونكم ما تكرهون، وما إلى ذلك مما تتأذون به، لكن لن يصل إلى مرتبة الضرر، فهذا تطمين للأمة، وتثبيت بأقوى صيغة، بحيث تثبت على دينها، ولا يستفزها هؤلاء الأعداء، فتتخلى عن إيمانها، ومقومات وجودها، خوفًا من غوائلهم وضرهم وشرهم وكيدهم.
لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى، هذه ينبغي أن تكون في منظومة التفكير الاستراتيجي كما يُقال بالنسبة للأمة، يعني: هناك قضايا ينبغي أن تكون ماثلة أمام ناظرهم، مثل هذا، ومثل جُملة من القضايا التي ذكرها الله على سبيل الحتم، والقطع فتُجعل أُسس، وأصول تبني عليها الأمة نظرها، وتفكيرها في المآلات والعواقب والمستقبل، وما إلى ذلك.
النبي ﷺ أخبر أنه لن يُسلط عليهم عدو من سوى أنفسهم من غيرهم فيستأصلهم ويجتاح بيضتهم، هذه قضية ثابتة، وأن هذه الأمة لن يكون هلاكها بسنة عامة، فقر عام، فتطمئن لهذا، هذه قضايا لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها[3]، الإنسان لا يقلق على الرزق ولا الأجل؛ لأن هذا محسوم انتهى، وقدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، ويُبعث الملك إلى الإنسان، وهو في بطن أمة إذا بلغ أربعة أشهر بأربع كلمات: الرزق، والأجل، والعمل، وشقي، أو سعيد.
وهكذا بجملة من القضايا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم [الإسراء:31]، إذًا كثرة السكان بالنسبة للمسلمين لا تؤثر عجزًا اقتصاديًا، ونحو ذلك، لماذا؟ لأن رزق هؤلاء يأتي معهم، فقدمهم على رزق الآباء، ولم يترك الآباء، قال: وَإِيَّاكُم فكل إنسان رزقه على الله، كل دابة وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ، بأقوى صيغة من صيغ النفي، النفي والاستثناء، هذه أقوى الصيغ التي جاءت بها كلمة التوحيد، إِلاَّ عَلَى اللّهِ، وجاء بهذه الصيغة على الله رزقها، لن يكون ذلك لغيره، فيطمئن الناس كل الاطمئنان، أن ما كُتب لهم، وهم في بطون أمهاتهم سيصل، ولو اجتمع أهل الأرض على الحيلولة دون وصول درهم واحد، أو عُشر درهم منه ما استطاعوا، فهذه عقيدة ينبغي أن تكون ثابتة وراسخة.
لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى، هل هذا وحده؟ الجواب: لا، وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُون، افترض أنهم اجترؤوا، وأعدوا العدة، وجيشوا الجيوش، وجاءوا للمواجهة، لاحظ وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُون، هذا حينما تكون الأمة متمسكة بدينها معتصمة بكتاب ربها -تبارك وتعالى- محققة لشروط النصر والتمكين؛ ولهذا جاء هنا بهذه الصيغة "إن" وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ، التي تدل على أن هذا الشيء لا يكاد يقع وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ، فرق بين إذا جاء زيد؛ فأكرمه، وبين أن يُقال: إن جاء زيد؛ فأكرمه، فمجيئه فيه بُعد، فهؤلاء لا يجترئون.
والنبي ﷺ قال: نُصرت بالرعب مسيرة شهر[4]، يعني: العدو الذي بينه، وبين النبي ﷺ مسيرة شهر، هو ليس يعيش في خوف فقط، لا، بل يعيش في رُعب، والرُعب من أعلى مراتب الخوف، يملأ القلب، وإذا امتلئ القلب من الخوف فلا يمكن أن تثبت القدم على أرض المعركة، وعلى ضعف الأمة الآن، فإنهم يعيشون في رعب.
أحد المقاطع التي يتداولها الناس الآن في فلسطين، سيارة تدهس مجموعة من الجنود، اجتمعوا في مكان، ومجموعة أخرى بعيدة عنهم، فالذين سلموا من هذا فروا كالفئران، وتركوا بعض ما في أيديهم، لا يلوون على شيء، ولا يلتفتون إلى أصحابهم، وهي سيارة ليس بجيش، ولا بسلاح، إنما هي سيارة فقط، والمجموعة الأخرى البعيدة، ولووا الأدبار، لم يبق منهم أحد في مكانه، هؤلاء يستطيعون مواجهة أهل الإيمان؟ أبدًا لا يستطيعون، وهم أجبن، وأضعف من هذا، ولذلك في الحروب الحديثة يحاولون أن تكون الحروب من غير مواجهات، تكون الحروب عن بُعد من غير أي مواجهة، كل الحرب من أولها إلى آخرها تكون من غير مواجهة، هكذا يهدفون، وهكذا يريدون، ويؤملون، وذلك لماذا؟ لجُبنهم وضعفهم.
كيف لإنسان الكفر يملأ قلبه، والبُعد عن الله، والإعراض عنه، والشياطين تستحوذ عليه، وهو مع ذلك يُعاقر أنواع المنكرات، والشرور، والآثام، والخمور، والفجور، والفواحش هذا كيف ينُصر؟! هذا لا يُنصر، هذا ينهزم بمجرد التكبير، إذا سمع الله أكبر فُجع، لكن إذا كان في غزوة أحد -كما سيأتي- في مخالفة واحدة من بعض، وليس كل الرُماة حصل ما حصل من الهزيمة القاسية، وحصل ما حصل للرسول الله ﷺ والقتل لسبعين من أصحابه، فكان درسًا موجعًا بسبب مخالفة واحدة فكيف بأمة تُمزقها الاختلافات والأهواء والمعاصي، وغير ذلك.
وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُون، هذا وعد من الله -تبارك وتعالى- يعني: أن هؤلاء ليسوا ممن يواجه، بل هم جبناء ضُعفاء، بمجرد القتال يولون الأدبار، فهذا كأنه يؤكد ما قبله لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى، هم أجبن من أن يُلحقوا بكم ضررًا، وأضعف، والعرب تذكر الشجاعة والخور والجُبن بأوصاف في شعرها، وفي نثرها، يقول قائلهم:
ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا | ولكن على أقدامنا تقطر الدم[5] |
يعني: لسنا على الأعقاب، فالأعقاب مؤخر الرجل، فالمُنهزم إذا أُصيب، وضُرب وهو مُنهزم يُصاب ظهره، فالدم يسيل على عقبيه، على مؤخر القدمين؛ لأنه فار مُنهزم، وأما الشجاع فإنه يُصاب في وجهه، يستقبل العدو، فينزل الدم على مُقدم القدمين، ولكن على أقدمنا تقطر الدم، فهذا حال الشجاع، وحال الجبان، وهذا يدل على قوة هذه الأمة، وثابتها في ميدان القتال، وأنها لا تُقاس بغيرها، والأعداء يعرفون هذا جيدًا، ولكنهم يجعلون لأنفسهم هالة، ويجعلون لهذه الأمة حرب نفسية وإعلامية، ولكن مثل هذه اللقطات التي تكشف كثيرًا من المخُبأ والخافي على الناس مما يروجه إعلامهم، تُبين ما هم فيه من العجز والضعف، والخور والجُبن.
ثم لاحظ أنه هنا ذكر وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ، ما قال: يولوكم الظهور فهذا يُذكر في الهزيمة، والمُنهزم والجبان الذي لا يثبت أمام عدوه، وهو أقبح في الوصف، ما قال: يولوكم ظهورهم، لا، يولوكم الأدبار ممعنين في الهرب، والانهزام، ثُمَّ لاَ يُنصَرُون، هنا قد يقول قائل: يولوكم الأدبار لكن يكون لهم كرة، والحرب كر وفر، وقد يستعيدون قواهم، ويستردون أنفاسهم، ثم بعد ذلك يُنظمون صفوفهم، ويعودون إليكم، فينتصرون، لا، يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ، قد يُقال هذا ليس بنهاية المطاف، يُقال: لا، هو نهاية المطاف، يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُون.
ولاحظ أنه جاء بـ"ثم" التي تدل على التراخي، يعني: أنهم لا ينصرون بحال من الأحوال، ثُمَّ لاَ يُنصَرُون، إذا اعتبرنا أن "ثم" هذه للتراخي الزمني يعني أن ذلك لن يكون، ولو بعد مدة، لن يستطيع هؤلاء الانتصار حينما يفرون من مواجهتكم، لكنهم يستعيدون قواهم بعد ذلك، ويرجعون، وينتصرون، لا، ثُمَّ لاَ يُنصَرُون، وكذلك لا يحصل لهم هذا النصر من غيرهم، فالمدد بينهم وبين الله منقطع، والعلاقة والصلة والتأييد كل ذلك منقطع فهم أعداء الله، والله عدو للكافرين، فمثل هؤلاء ليس لهم إلا الخذلان، ولكن قد يبتلي الله الأمة، ويُلقنها دروسًا بسبب معصيتها، وانحرافها عن صراطها المستقيم.
كذلك أيضًا في قوله: ثُمَّ لاَ يُنصَرُون، يعني: ما قال، ولا ينصرون، ثُمَّ لاَ يُنصَرُون، يعني: في المستقبل لن يكون لهؤلاء نصر بحال من الأحوال، ولو واتتهم الإمكانات، ولو قُدمت إليهم أنواع المساعدات، فإن هؤلاء لن يتحقق لهم النصر، وقد تكون "ثم" هذه للتراخي في الأخبار يعني ليست للمُهلة في الزمان إنما أخبر عن شيئين أنهم إن قاتلون المسلمين ولوهم الأدبار، وكذلك لا يُنصرون، لا يتحقق لهم النصر، وذلك يكون توثيقًا لما في نفوس أهل الإيمان، وتقوية من أن النصر حليف المؤمنين، وأن الهزيمة والخذلان حليف الكافرين، فالنصر منتفٍ عنهم مطلقًا.
كذلك فإن قوله -تبارك وتعالى-: ثُمَّ لاَ يُنصَرُون، هذا يقطع جميع الاحتمالات التي قد يتوهمها ضعفاء الإيمان، أو من قصُر نظره أنهم في هذه الحال لو قال: "ولا يُنصرون"، "وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار، ولا يُنصرون"، يعني: في هذه الحال في هذه الوقعة في هذه المواجهة، لكن قد يُنصرون في وقعة أخرى، في مواجهة أخرى، يُقال: لا، ثُمَّ لاَ يُنصَرُون، وتركيب النفي مع الفعل بعده، الفعل للمضارع لا ينُصرون يدل على العموم، أنهم لا يُنصرون بحال من الأحوال، وبُني الفعل للمجهول لاَ يُنصَرُون، فهم لا يُنصرون من قِبل الله أيضًا، ولا يُنصرون من قِبل الخلق، فتحصل لهم الغلبة عليكم، هذا متى؟ هذا إذا كانت الأمة محققة لأمر الله -تبارك وتعالى-.
وانظر إلى الآية التي قبلها كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ [سورة آل عمران:110]، فإذا كانت الأمة كذلك تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، مع ما قبله وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ [سورة آل عمران:103]، كل هذا السياق هنا لا يستطيع أحد أن يقهركم، وإذا كان هذا بالنسبة لأهل الكتاب الذين هم أهل كتاب يكون حالهم عند مواجهة أهل الإيمان كما ذكر الله فغيرهم ممن يتمرغ بالشرك والجهالة من المشركين بطوائفهم من أهل الأوثان من باب أولى، إذا كان أهل الكتاب هذا مصيرهم فكيف بمن لا كتاب له أصلاً، ولا عهد له بالكتب، ولا بالإيمان بالله، واليوم الآخر؟
أهل الكتاب يؤمنون بالله لكن إيمانًا خالطه الإشراك، ويؤمنون باليوم الآخر، أما المشركون فإنهم لا يؤمنون بشيء من ذلك، فهم أضعف من أهل الكتاب، وذلك أدعى لهزيمتهم، وتوليتهم الأدبار، إذًا هذا لا يختص بأهل الكتاب يعني أن غير أهل الكتاب من باب أولى، لكن متى أيها الأحبة؟! إذا حققت الأمة شروط النصر، إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ [محمد:7]، إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ [آل عمران:160]، فالأمة عندها مقومات للنصر والتمكين والغلبة، فمن ذلك الإيمان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا اعتنت به وأقامته وأظهرته، وكذلك العناية بحدود الله وحفظها، وترك المعاصي والشرور والآثام، وإظهار ذلك، وعدم المجاهرة بشيء منه، وكذلك أيضًا حينما تأخذ الأمة بأسباب القوة المادية لكن بالقدر الذي تستطيع؛ لأن الله قال: وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ [الأنفال:60]، ولا يُكلفهم ما لا يُطيقون، والله تعالى أعلم .
وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.
- أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة، باب تحريم الظلم، برقم (2577).
- أخرجه البخاري، كتاب التفسير، باب {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ}، برقم (4826)، ومسلم، كتاب الألفاظ من الآداب، وغيرها، باب النهي عن سب الدهر، برقم (2246).
- أخرجه ابن الأثير. انظر: جامع الأصول في أحاديث الرسول، (20/117)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب، والترهيب، برقم، (1702).
- أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم -: ((جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا))، برقم (438).
- انظر: العقد الفريد، (1/92).