الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
لما بين الله -تبارك وتعالى- أن الكفار لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئًا، وأنهم أصحاب النار مخلدون فيها، قد يقول قائل: فما حال النفقات التي أنفقوها، إذا كانت الأموال لن تدفع عنهم، ولا يستطيعون الافتداء بها، ولن يستطيع الأولاد أن يدفعوا عنهم عذاب الله وعقوبته.
فالأموال التي أنفقوها في هذه الحياة الدنيا ما مصيرها، وما حالها؟! وهل تنفعهم؟! وهل تقربهم؟! وهل تُغني عنهم، وهل تخُفف عنهم من عذاب الله من شيء، قال: مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هِـذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلَـكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُون [آل عمران:117]، فهذا وجه الارتباط بين هذه الآية الكريمة وما قبلها، ما قد ينشأ من سؤال حينما يُسمع قول الله -تبارك وتعالى- في الآية السابقة من أن الأموال والأولاد لا غناء فيها عن هؤلاء الكفار بحال من الأحوال.
فكذلك نفقاتهم أيًّا كانت هذه النفقات، سواء كانت مما يبتغون به وجه الله؛ لأنه قد تخلف شرط من شروط قبول العمل، وهو الإيمان الصحيح، التوحيد، الاعتقاد الصحيح، التوحيد الخالص.
فالله يقول: مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هِـذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، هذا من جملة الأمثال المضروبة في القرآن الكريم، وقد تحدثت عنه وعنها بشيء من التفصيل قبل سنوات في بعض شهور رمضان، مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هِـذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، مثل ما يُنفق الكفار في وجوه البر والخير التي قد يتقربون بها إلى الله -تبارك وتعالى- مع شركهم، وقد يُنفقون ذلك في سبيل الصد عن سبيل الله فذلك الذي يؤملونه ويُرجونه من جراء هذه النفقات، كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ، والريح تُطلق غالبًا في كتاب الله -تبارك وتعالى- على ما كان من قبيل العذاب، كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ، والصِر يُقال: للصوت، كما يُقال: الصرير، والصرصر، والريح الصرصر هي التي فيها صوت، وكذلك أيضًا يقال للبرد الشديد.
كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ، فهذه الريح شديدة قوية لشدتها، يُسمع لها صوت، وصرير، وهي أيضًا شديدة البرد، فإن ذلك يكون أعظم وقعًا، حيث اجتمع فيها شدة الهبوب، مع شدة البرد فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ، أصابت زرع قوم ظلموا أنفسهم بسبب شركهم وذنوبهم وجرائرهم؛ فأهلكته، فلم تُبقي منه شيئًا، فهؤلاء الكفار كذلك حالهم، فهم لا يجدون ثوابًا لهذه الأعمال التي عملوها، من النفقات التي يُرجون ذخرها، وأجرها عند الله فتكون ممحوقة، والله -تبارك وتعالى- شبه أعمالهم بالرماد كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ [إبراهيم:18]، اشتدت به الريح، والرماد معلوم أنه دقيق في ذراته، فكيف إذا كان ذلك في مهب ريح، في يوم عاصف، فإنها لا تُبقي منه شيئًا، كما هو معلوم.
وشبهها أيضًا في رجائهم لعائدتها، وثوابها بذلك السراب الذي يتبعه الظمآن، ثم لا يجد مُبتغاه، فهكذا هؤلاء يعيشون في آمال، ويُرجون أمورًا لا يحصلونها، وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ، فذلك من كمال عدله، ولكنهم ظلموا أنفسهم، وَلَـكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُون، ظلموها بشركهم وبغيهم وعتوهم على الله -تبارك وتعالى- وجناياتهم وجرائرهم.
يؤخذ من هذه الآية الكريمة من الفوائد والهدايات مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هِـذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، ضرب الأمثال، وفائدة ضرب الأمثال أنها تُقرب المعنى المعقول بصورة محسوسة، فيتجلى ذلك إلى الأذهان، ويقُرب المعنى ويتضح فلا يبقى فيه التباس، وهذا كثير في القرآن، وقد عد الحافظ ابن القيم -رحمه الله- في كتابه "إعلام الموقعين عن رب العالمين" ما يقرُب من ستة وأربعين مثلًا[1]، وشرحها شرحًا بديعًا في ذلك الكتاب، في كلامه على القياس، وأفردها بعضهم في جزء أضافه إلى ابن القيم، والواقع أنه مُستل من هذا الكتاب، فضرب الأمثال يُقرب المعاني، ولذلك فإن من الأساليب التعليمية والتربوية أن يُضرب المثل للمتعلمين وللسامعين؛ من أجل أن يُقرب لهم المراد، فيحصل تصوره وفهمه، وذلك أدعى أيضًا إلى ثبوته، واستحضاره بصفة مستمرة، فهذا تشبيه لما أنفقه هؤلاء الكفار في عدم جدواه، وقلة غنائه بالحرث الذي عصفت به هذه الريح ذات الصِر.
وتقدير الكلام هكذا: مثل ما يُنفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته، كمثل حرث قوم، تشبيه بالحرث الذي هلك أعمالهم، كالحرث هي بمنزلة الحرث، فجاءت عليه هذه الريح فأهلكته، ولكنه هنا مثله كمثل ريح فيها صِر، مثله بالريح وذلك أن الريح بمنزلة العذاب، والكلام في سياق الوعيد والتهديد، فقدم ذلك؛ لأنه الأهم كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ، فالريح بمنزلة العذاب، وإلا فسياق الكلام -والله تعالى أعلم- مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل حرث قوم، فالنفقات بمنزلة الحرث، ولكنه قال: كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ، فما الذي أهلك هذا الحرث، هذا الزرع، هي الريح، فقدم ذكرها، وجعل التشبيه بها في هذا المثل، وذلك -والله أعلم- ببيان سبب هذا الهلاك، وهو هذه الريح المُسلطة على هذا الحرث، والسياق في مقام الوعيد والتهديد، ونحو ذلك.
كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ، الريح معلوم أنها شديدة الهبوب، فإذا قال: فيها صِر، إذا فُسر ذلك بالصوت؛ فهذا فيه مُبالغة في بيان شدة انطلاقها وسرعتها، وإذا فُسر ذلك بالبرد؛ فهذا فيه زيادة معنى؛ لأن الريح قد تكون شديدة، لكنها ليست باردة، ويمكن أن تكون موصوفة بالوصفين شديدة الهبوب، وكذلك أيضًا هي شديدة البرد، والله تعالى أعلم.
وهنا قال: كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ، الـ"في" تدل على الظرفية يعني أن البرد، أو الصوت هو في داخلها، فإذا هبت على شيء أهلكتها لشدتها، وبرودتها، ومعلوم أن أثر ذلك يكون في الزرع -كما هو معلوم- حيث ينعقد، ويسود، فيكون كالصريم، كأنه محروق، معلوم عند الناس، وعند أهل الزروع، وعند أهل البوادي، فيما يتصل بنبات الربيع، ونحو ذلك، أنه إذا جاء البرد الشديد، والزرع لم يخرج بعد، فإنه ينعقد في داخل الأرض، ولا يكون له نماء يُذكر، وإن كان ذلك بعد خروج مسمار النبات من التُربة، فإن ذلك يكون سببًا لانكماشه، وسواده، فلا يكون له أيضًا نماء يُذكر، بل تُهلكه إذا كانت شديدة البرد، وإذا كانت شديدة الهبوب أيضًا من غير برد، فمن المعلوم أنها تدفن النبات، هذا يعرفه أهل البادية، لكن هنا الكلام في حرث في مزرعة فإن زروعها التي تعبوا في سقيها، وغرس أشجارها، ونحو ذلك يحصل لها الهلاك بسبب هذه الريح العاصفة الشديدة، شديدة البرد.
وكذلك أيضًا فإن قوله -تبارك وتعالى-: كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ، هذا فيها إثبات صدور الأعمال عن العباد، أن لهم مشيئة، وإرادة خلافًا لما يقوله الجبرية ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ.
ويؤخذ منه أيضًا أن ما يجنيه الإنسان من المعاصي والذنوب والجرائم والجرائر إنما يظلم بذلك نفسه، ولهذا قال الله لما ذكر الأشهر الحُرم: فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ [التوبة:36]، فالإنسان حينما يستكثر من المعاصي، فالواقع أنه يستكثر على نفسه، وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا [فصلت:46]، فهو يحمل الأوزار على ظهره، ويُرهق نفسه بهذه الأوزار، ولا يتحمل ذلك أحد عنه سواه.
وقوله -تبارك وتعالى-: وَلَـكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُون، وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ، فيه إثبات كمال عدل الله لأنه كما ذكرنا في بعض المناسبات أن النفي الذي يكون في أوصاف الله -تبارك وتعالى- يقتضي ثبوت كمال ضده، فإذا قال وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ، في هذا إثبات كمال عدل الله لأن النفي المحض لا يتضمن مدحًا، وقلنا بأن النفي الذي يكون في أوصاف الله، وفي أوصاف الملائكة، وفي أوصاف القرآن لَا رَيْبَ فِيهِ [البقرة:2]، وكذلك في أوصاف النبي ﷺ قلنا: أوصاف الله، وأوصاف الملائكة، وأوصاف النبي ﷺ.
وكذلك أيضًا في أربعة أشياء: أوصاف الرب، وأوصاف الملائكة، وأوصاف الرسل، وأوصاف القرآن، والكتب، يقتضي ثبوت كمال ضده، وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ، فهذا فيه إثبات كمال عدله وَلَـكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُون، فنفس الإنسان أمانة عنده، يلحقها ظلمه وإجرامه وغشمه، كما يلحقها أيضًا، وينفعها بره وإحسانه وتقواه وطاعته لله فينبغي أن يحفظ هذه الأمانة، فلا يُعرض نفسه للهلاك في الدنيا ولا في الآخرة.
وكذلك أيضًا هنا يظهر خطر الشرك بالله والمعاصي وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلَـكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُون، فالمعاصي سبب للمصائب والهلاك، وذهاب الأعمال، وقد ذكرنا من قبل في بعض المناسبات مسألة، وهي هل المعاصي تُحبط الحسنات؟ وأن أعدل الأقوال في ذلك أن المعصية والسيئة تُحبط ما يُقابلها من الحسنة، والله المستعان، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-[2] والحديث معروف: لأعلمن أقوامًا من أمتي يأتون بأعمال صالحة كجبال تهامة البيضاء، فيجعلها الله هباء منثور[3] وذكر علة ذلك ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها[4]، فهؤلاء قلت تقواهم لله فصاروا لا يُبالون بما يأتون من المعاصي والذنوب في الخلوات، فكان ذلك يُذهب الحسنات.
الذي يُذهب جميع الحسنات فهو الشرك وحده وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُون [الأنعام:88]، لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65].
وفي قوله -تبارك وتعالى-: وَلَـكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُون، لاحظ هنا ما قال ولكن ظلموا أنفسهم، أو يظلمون أنفسهم، فقدم الأنفس، وهو المفعول وَلَـكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُون، ومعلوم أن تقديم ما حقه التأخير يكون لمعنى وفائدة، ونكتة بلاغية كما لا يخفى، فهنا يمكن أن يكون ذلك مفيدًا للحصر؛ لأن تقديم ما حقه التأخير قد يدل على الحصر، وَلَـكِنْ أَنفُسَهُمْ، يعني: هم لم يظلموا أحدًا، وإنما وقع الظلم عليهم هم فقط، إذا عصى الإنسان ربه، فهو في الواقع يظلم نفسه، وذلك يعود عليه وحده، ولا يتضرر منه غيره، هذا بخلاف ما إذا كانت المعاصي ظاهرة، فإنها قد تنزل العقوبة عامة، ولذلك فرق بين المعاصي التي يمارسها الأشخاص في بيوتهم سرًّا بعيدًا عن أنظار الناس وبين المعاصي التي تظهر وتُعلن، فهذه يجب الأخذ على أيدي أصحابها، وإلا عمّ الله الناس بعقاب.
وفي قوله -تبارك وتعالى- في هذه الآية الكريمة: مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هِـذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلَـكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُون [آل عمران:117]، فيها مُعتبر وعِظة، وكان السلف يتعظون بذلك ويعتبرون ويخافون، فهذا رجل من أهل الطائف -كما ذكر يونس المكي -رحمه الله-: زرع زرعًا، فلما بلغ هذا الزرع، ونمى، واشتد أصابته آفة، فاحترق، يقول يونس: فدخلنا عليه نواسيه فبكى، فقال: والله ما عليه أبكي، ما أبكي على هذا الزرع، ولكني سمعت الله -تبارك وتعالى- يقول: كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ [آل عمران:117]، فأخاف أن أكون من أهل هذه الصفة، فهذا الذي أبكاني، فالإنسان يخاف.
فإذا حصل للناس من نقص الأموال أو الأنفس أو الثمرات، أو نحو هذا، فينبغي أن يُراجعوا أنفسهم وأن يتوبوا إلى الله -تبارك وتعالى- وأن يُكثروا من الاستغفار دون أن يكون ذلك يجري عليهم، ولا يُحسنون معه إلا التشكي والتسخط، والصحيح أن الإنسان يتوب إلى ربه -تبارك وتعالى- ويستغفر فيرفع الله عنه ما نزل به، فإنه ما نزل بلاء إلا بذنب، وما رُفع إلا بتوبة.
كذلك أيضًا الحذر من الكفر، فهو الذي أوقع هؤلاء الموصوفين بحبط الأعمال وذهابها، ومن ثَم فإن جميع أعمال الكافر مهما كانت لا تنفعه، ولا تُقربه شيئًا عند الله -تبارك وتعالى- فهي بهذه المثابة تذهب وتزول، أبو طالب من الذي قدم للإسلام؟ نحن أبناء المسلمين من منا قدم للإسلام كما قدم أبو طالب عم النبي ﷺ؟ حماه ودافع عنه -كما هو معلوم- ولكنه لم يؤمن، فكان خالدًا في النار، ولا يجوز لأحد أن يقول أو -رحمه الله- مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى [التوبة:113]، ومما ورد في أسباب النزول الصحيحة، أن ذلك نزل بسبب استغفار النبي ﷺ لعمه أبي طالب.
وكذلك أيضًا يؤخذ من هذه الآية: الأمثال، إثبات القياس، فإن القياس عبارة عن إلحاق فرع بأصل في حكم لعلة جامعة بينهما، فهذه الأمثال هي من قبيل الأقيسة، يعني: بمعنى أن الاعتبار يحصل بها حينما ينظر الإنسان ما وقع لغيره، فيرجع إلى نفسه فيعتبر ويتعظ، فلا يفعل فعله، فيسلم، ولهذا قالوا: العاقل من وعظ بغيره، والشقي من وعظ بنفسه، ولهذا قالوا: إن العبرة مأخوذة من العبور، وذلك أن الإنسان حينما يعتبر فهو ينظر في حال غيره ممن وقع له المكروه، فيرجع إلى نفسه، ويقول: لو كنت مكانه لحل بي ما حل به، فيتعظ ويترك فعله من أجل أن يسلم، وهكذا، فالعاقل ينظر ويعتبر وينتفع بالأمثال المضروبة، ولا يفعل مثل هذه الأفعال، فينزل به سخط الله وعذابه، فكل مثال ضربه الله في القرآن فهو دليل على القياس، والله تعالى أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.
- انظر: إعلام الموقعين، (1/143).
- انظر: الفتاوى الكبرى، (5/277).
- أخرجه ابن كثير في جامع المسانيد، والسُّنَن الهادي لأقوم سَنَن، برقم، (1313)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (5026).
- أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الزهد، برقم، (4245)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، برقم (3423).