الأحد 22 / جمادى الأولى / 1446 - 24 / نوفمبر 2024
(131) قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ...} الآية 118
تاريخ النشر: ٢٤ / ربيع الآخر / ١٤٣٨
التحميل: 423
مرات الإستماع: 938

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فلما ذكر الله -تبارك وتعالى- في هذا السياق الطويل من سورة آل عمران حال أهل الكتاب وما هم عليه من الكفر والعداوة لأهل الإيمان، وما كان منهم من الجنايات، وما نزل به من العقوبات بضرب الذلة والمسكنة، ورجوعهم بغضب من الله -تبارك وتعالى- بسبب كفرهم وعتوهم، إلى غير ذلك مما قص الله -جل جلاله وتقدست أسماؤه-، إلى أن بين حال أعمالهم -أعمال الكفار-، وما هي عليه من البطلان والذهاب والاضمحلال.

قال الله -تبارك وتعالى- بعد ذلك مخاطبًا أهل الإيمان: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُون [آل عمران:118].

هؤلاء الذين ذكر الله صفتهم وبين حالهم لا ينبغي لأهل الإيمان أن يتخذونهم بطانة يُفضون إليهم بأمور المسلمين وأسرارهم وخفاياهم، وما إلى ذلك، فخاطب أهل الإيمان: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ، لا تتخذوا الكفار: لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ، والبطانة تدل على القُرب هذا اللفظ يدل على القُرب، ولذلك فإن بطانة الثوب تكون مما يلي الجسد، لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ، فهو نهي عن تقريبهم واطلاعهم على دخائل المسلمين وأحوالهم وأمورهم وشؤونهم الخاصة، فهؤلاء كما قال الله -تبارك وتعالى-: لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً، فهم لا يفترون عن إفساد حالكم وبث الفساد فيكم.

وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ، فهم يتمنون ويسعون بكل سبيل مستطاع إلى إلحاق الأذى والضرر والعنت بكم؛ لعداوتهم، ولهذا قال الله -تبارك وتعالى- وهو عالم ما في الصدور: قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ، ظهرت البغضاء بفلتات الألسُن وما تنطوي عليه القلوب فهو أعظم وأكثر مما بدا على ألسُن هؤلاء، وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ، يعني: من العداوة لأهل الإيمان أكبر وأعظم مما قد ظهر.

قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُون، بينا لكم الحُجج والبراهين الدالة على الحق وما فيه نفعكم وصلاحكم، إن كنتم تعقلون عن الله مواعظه وأمره ونهيه.

يؤخذ من هذه الآية الكريمة من الهدايات والفوائد: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ، تصدير الخطاب هنا بالنداء: يَا أَيُّهَا، توجيه ذلك إلى أهل الإيمان يدل على أهميته، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ توجيه ذلك إلى المؤمنين يدل على أن ذلك من مقتضيات الإيمان، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ فهذا فيه إغراء بالامتثال، يُغريهم إيمانكم ينبغي أن يمنعكم من ذلك، إن كنتم مؤمنين حقًّا فلا تتخذوا هؤلاء بطانة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن ذكر الإيمان معه يدل على أن من مقتضيات الإيمان عدم اتخاذ هؤلاء بطانة، ولا شك أن الموالاة والمعاداة مُنبثقة ومرتبطة بكلمة التوحيد "لا إله إلا الله"، فكلمة "لا إله" هي نفي لكل ما يُعبد من دون الله وما يرتبط بذلك من العابدين لغير الله .

"إلا الله" إثبات للعبادة والتوحيد أعني عبادة الله وحده لا شريك له، وهي أيضًا تقتضي تقريب هؤلاء العابدين لله -تبارك وتعالى- على غيرهم وموالاة هؤلاء.

وكذلك أيضًا أن الإخلال بذلك يكون نقصًا في الإيمان: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ، ثم أيضًا هذا يدل على لطف الله -تبارك وتعالى- بهذه الأمة وعنايته بها حيث يُرشدهم إلى ما فيه نفعهم ويُحذرهم مما يكون فيه عنتهم وفساد حالهم ويُبين لهم ما يضرهم ويُبين لهم حقيقة هؤلاء الأعداء، فهذا فيه تحذير من موالاة الكفار من اليهود والنصارى، وسائر طوائف أهل الكفر.

وكذلك أيضًا لا يُقلد هؤلاء في بلاد المسلمين المناصب القيادية أو يكون لهم ولاية على المسلمين أو نحو ذلك، هذه الآيات واضحة وصريحة في هذا المعنى، وللأسف يوجد بعض المسلمين في بعض البلاد قد يُرشحون نصرانيًّا يُرشحون كافرًا في الانتخابات بحجة أنه حاذق، وأنه يُحسن الإدارة، وأنه رجل في زعمهم ناجح، وما إلى ذلك، فيصوتون له، ويقولون: لا شأن لنا بدينه وعقيدته، لنا نجاحه وإدارته وله اعتقاده، هذا الكلام غير صحيح؛ لأن الله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ، فإذا كان مثل هؤلاء يُسارعون في تقديم مثل هذا لحذقه بزعمهم على المسلمين، فإن هذا لا شك أنه من اتخاذهم بطانة، وحالهم كما وصف الله -تبارك وتعالى-، هم ما نفعوا أنفسهم حتى ينفعوا المسلمين، هم بقوا في الكفر لشدة بُغضهم وعداوتهم للإسلام وأهله، وهم يعرفون النبي ﷺ وحقية ما جاء به كما يعرفون أبناءهم كما قال الله -تبارك وتعالى-، فما نهضت بهم هذه المعرفة للدخول في الإسلام بل حملهم شدة العداوة على الكفر، ويعلمون أنهم يصيرون إلى النار كما قال الله -تبارك وتعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَوَلَّوْا قَوْمًا [الممتحنة:13]، هذا في سياق ذكر اليهود أو أهل الكتاب، لاَ تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُور [الممتحنة:13]، هؤلاء الكفار هؤلاء المذكورين يئسوا من الآخرة على القولين المعروفين في التفسير، لاَ تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فالغضب إذا ذُكر فذلك من أوصاف اليهود، فذكر يأسهم من الآخرة: قَدْ يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُور [الممتحنة:13]، يأسهم هنا الموصوف يئسوا يئسًا كيأس الكفار الذين عاينوا حقائق الآخرة فيئسوا من رحمة الله وثوابه بعد ما عاينوا كما يئس الكفار من أصحاب القبور، يعني كما يئس الكفار المقبورون من ثواب الله في الآخرة؛ لأنهم عاينوا الحقائق، لم يعد لهم أمل في الثواب والنجاة.

والمعنى الثاني: كما يئس الكفار الأحياء من أصحاب القبور أن يرجعوا إليهم؛ لأنهم لا يؤمنون بالبعث، المقصود أنه يئس تام سواء كان على هذا المعنى، أو كان على هذا المعنى.

فقوله -تبارك وتعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً، فلا يجوز للمسلم أن يُطلع هؤلاء الكفار على أسرار المسلمين، وعلى خفايا وخبايا ودخائل أمورهم بحال من الأحوال، وذلك أيضًا يدل على أن تجنب البطانة السيئة أنه من مقتضيات الإيمان؛ لأن الله خاطب المؤمنين بذلك، فهو نهي عن تقريب هؤلاء، وقد جاء أن عمر قيل له: "إن هاهنا رجلاً من النصارى لا أحد أحسن خطًا منه"، -يعني: هو يجيد الخط، يجيد الكتابة-، "أفلا يكتب عنك؟! "، يعني: لو اتخذته كاتبًا، فقال: "إذن أتخذ بطانة من دون المؤمنين"[1]، لأن هذا الكاتب سيطلع على ما يصدر عن الخليفة من أمور وقرارات ونحو ذلك، وهذا سيُفشي هذه الأمور وسيفعل ما بوسعه من أجل الإساءة والإفساد: لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً، لا يقصرون في إفسادكم، ومن هنا فإن المؤمن الصادق العاقل لا يمكن أن يثق بهؤلاء بحال من الأحوال، وقد حذر الله -تبارك وتعالى- منهم وبيّن حالهم وشدة حرصهم على أذى المسلمين، وعلى إفسادهم وبث الشر والفساد فيهم.

وقوله -تبارك وتعالى-: وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ، فهؤلاء يحبون إلحاق الضرر بالمسلمين، والعداوة ظاهرة من فلتات الألسُن وفحوى الكلام، وفي القلوب أكثر من ذلك، فهذا لا يكون بحال من الأحوال محل الثقة، إنسان عدو يريد السوء بك والشر بكل مستطاع كيف يمكن أن تُقربه وأن تتخذه بطانة؟!

وقوله -تبارك وتعالى-: وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ، هذا يُبين حال الأعداء أنهم يتمنون للأمة الشر والضرر في دينهم ودنياهم، فهم يتمنون لهم التخلف والتأخر، والانتكاسات الاقتصادية والعسكرية والسياسية والاجتماعية والدينية وما إلى ذلك، هم لا يريدون بهم خيرًا بحال من الأحوال، ويتمنون أن تبقى الأمة في حال من الجهل والتخبط، يتمنون للأمة أن تبقى في حال من الفوضى العارمة التي تُبدد فيها ثرواتهم وطاقاتهم، وتذهب معها حضارتهم ومدينتهم وما إلى ذلك، يسعون إلى ذلك بكل سبيل مُستطاع، ولا يُرجى من هؤلاء نفع بحال من الأحوال، ولاحظ هذه الجُمل لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء، لم يعطف هذه الجُمل على بعضها بكل جملة مستقلة جُملة مستأنفة، وذلك كأن هذه الجُمل أبلغ بهذه الطريقة للتحذير منهم، وعدم اتخاذ بطانة منهم.

وقوله -تبارك وتعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً الآية، فهذا يقطع كل وهم وظن قد يتوهمه بعض المسلمين من كون بعض هؤلاء يُظهر للمسلمين الود والكلام الجميل والكلام الحسن، وينخدعون به أو قد ينخدعون أن هؤلاء ليسوا على هذه الحال التي قد يتوهمها البعض، فقول الله حق، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فهؤلاء يجهدون في نثر الشوك بطريقكم، وما يحصل به التعثر، فهم أعداء، والعداوة كامنة في قلوبهم، لا يُزيلها مُصانعة، ولا يُذهبها مُلاطفة، ولا يُذهبها مال وإن كان قد يُخفف من غلوائهم، ويدفع بعض شرهم، يعني المُصانعة كما قال الله -تبارك وتعالى-: إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً [آل عمران:28]، باعتبار الكلام الذي يكون بالمصانعة واللين؛ لئلا تُستثار العداوات الكامنة، وإلا فالعداوة كامنة في النفوس متحققة فيها؛ ولهذا قال الله -تبارك وتعالى-: إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ [الممتحنة:2]، هم أعداء والعداوة كامنة في قلوبهم لكن إن تمكنوا منكم فهنا تظهر العداوة على السطح، تظهر وتنكشف بالقتل بالأيدي، وكذلك بالألسُن بإسماعكم ما تكرهون، يُسمعونكم أسوء القول، وهذا ينبغي أن يكون من أهل الإيمان على بال.

وفي هذه الآية تنبيه لهذه الأوصاف التي هي من أوصاف هؤلاء التي قد لا تظهر لكثير من المسلمين، ولكن الله -تبارك وتعالى- هو الذي خلق وهو أعلم بمن خلق فيُخبر عن دخائل النفوس وخباياها وخفاياها.

وكذلك أيضًا فإن قوله -تبارك وتعالى-: قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ، فهنا قَدْ بَدَتِ يعني: قد ظهرت، مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ولم يقل: قد بدت البغضاء من ألسنتهم، بأي اعتبار؟

يمكن أن يُقال -والله أعلم- بأن ذلك باعتبار أن هؤلاء لربما ملئوا الأفواه بالكلمة التي يتفوهون بها، يعني: يقولون كلامًا يملأ الأفواه، ولا يستطيعون ضبط أنفسهم كما قال الله -تبارك وتعالى- مصورًا حالاً أخرى في غير هذا الموضع: وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ [آل عمران:119]، يعني: هو لا يستطيع أن يُعبر عن شدة غيظه وحنقه على المؤمنين إلا أن يُفرغ ذلك بأصابعه فيعض هذه الأصابع، يتمنى لو أنه تمكن لفرغ ذلك فيكم، وهذا أمر مُشاهد قديمًا وحديثًا، ولا شك أن إجرام هؤلاء وفعل هؤلاء مع المسلمين إذا تمكنوا أنهم لا يتركون شيئًا مما يستطيعون من القتل وانتهاك الأعراض وغير ذلك إلا فعلوه.

وقوله -تبارك وتعالى-: لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ، قد يحاول الإنسان أن يواري العداوة وألا يُظهر كمائن النفوس؛ ولكنها تظهر على فلتات الألسُن، واليوم في هذه الوسائل وسائل الإعلام والاتصال والتواصل أصبحت هذه الأشياء تُنقل ويتداولها الناس في مقاطع صباح مساء، ويرون عبارات هؤلاء وكلمات هؤلاء في محافلهم وغير ذلك، يتكلمون بكلام في غاية القُبح تجاه المسلمين.

وكذلك أيضًا فإن قوله -تبارك وتعالى-: قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُون، هذا يدل على أن إعمال الفكر والاستدلال واستعمال العقل في تأمل الآيات هو السبيل إلى تحصيل المراد، وفرق بين أن يُجعل العقل حاكمًا على النقل، وبين أن يُفهم النقل بما أعطى الله للإنسان من العقل، فالعقل لا بد منه في فهم النصوص، بل حتى في تدبير أمور المعيشة، والإنسان الذي يضعف عقله يضعف فهمه، والذي لا عقل له يرتفع عنه التكليف كما هو معلوم، لكن النصوص الكثيرة الواردة: إِن كُنتُمْ تَعْقِلُون، {لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة:164]، ونحو ذلك هذه في الفهم عن الله -تبارك وتعالى- في فهم النصوص ونحو هذا، وليس أن يُقدس العقل وأن يُعطى أكبر من حجمه وقدره فيكون هو المتبوع، ويكون النقل من الكتاب والسنة تابعًا له، وذلك على سبيل الاستئناس والاعتضاد، هذا كله باطل، وقد تبنى هذه المذاهب الفاسدة طوائف من المتكلمين كما هو معلوم، وأدت بهم إلى نتائج كما قد عُلم، وذكرنا هذا في مناسبات شتى من التفرق والاختلاف والحيرة أيضًا، وأدى ببعضهم إلى ترك ذلك كله واللجوء إلى الحس، وأدى بقوم أيضًا ما يقع من الخطأ في المحسوسات إلى ترك العقل والنقل والحِس فصاروا في حال لا عقل ولا نقل ولا حِس.

وكذلك أيضًا فإن قوله: قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُون، يدل على أنه بقدر ما يكون عند الإنسان من العقل يحصل له من الفهم عن الله .

وكذلك أيضًا فإن قوله -تبارك وتعالى-: قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُون، هنا لم يُذكر الجواب، تعقلون ماذا؟!

حُذف لدلالة المذكور عليه، يعني: إن كنتم من أهل العقل أو تعقلون ما بُين لكم من الآيات، إن كنتم تعقلون ما ينفعكم، ما فيه رشدكم وصلاحكم، ونحو ذلك، هذا، والله تعالى أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (5/259)، برقم (25872)، وانظر: تفسير ابن كثير ت سلامة (2/107).

مواد ذات صلة