الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
ما زال الحديث متصلاً بالكلام على قوله -تبارك وتعالى-: وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِين [آل عمران:145]، تحدثنا عن صدر هذه الآية.
وقوله -تبارك وتعالى-: وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا، فإذا كان الأجل محتومًا، وأن التأخر عن محاب الله -تبارك وتعالى-، ومراضيه طلبًا للدنيا، ومتاعها فإن ذلك لن يُغير من هذه الحقيقة شيئًا، فالأجل هو الأجل لا يرده خوف وتراجع وتحوط، ونحو ذلك، فهؤلاء الذي تلكؤوا في جهاد عدوهم، أو حصل لهم وهن في عزائمهم، حينما أُشيع أن رسول الله ﷺ قد قُتل في وقعة أُحد، هؤلاء ليسوا على صواب في ذلك، فإن أجل الإنسان إذا جاء فهو محتوم، ولكن من كان يريد ما عند الله -تبارك وتعالى- فإن الله يُعطيه، وذلك أعني تلك الإرادة بفعل مراضيه، بالعمل بطاعته، بدوام الصلة بالله -جل جلاله وتقدست أسماؤه-، فإن صلة العبد إنما هي بربه، ولا تكون عبادته من أجل مخلوق، ترتهن هذه العبادة ببقائه، فإذا رحل من هذه الدنيا؛ انقطع ذاك عن طاعته وعبادته، كل هذا لا يكون من شأن أهل الإيمان.
وقوله -تبارك وتعالى- هنا: وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا، يدل على أهمية المقاصد والنيات والإرادات، فجعل الأمر موكولاً هنا إلى الإرادة وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا، والنبي ﷺ يقول: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى[1]، فالجملة الأولى في قوله: إنما الأعمال بالنيات هذا في أحكام الأعمال، وقوله: وإنما لكل امرئ ما نوى، هذا في أحكام العاملين، وما يكون لهم من جراء هذه المقاصد والنيات، فالعمل بالنية يُعتبر، وكذلك النية تُميزه عن العادة، وكذلك تُميز أنواع العبادات عن بعضها، وهكذا في العاملين فإنما يكون له ما نواه.
وهنا قال: وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا من كانت الدنيا همه وغايته التي من أجلها يسعى فإن الله يُعطيه من هذه الدنيا، ولكن لن يأتيه منها إلا ما قُدر له، يعني: حتى مع هذا الحرص وهذه الإرادة والقعود عن محاب الله ، والاشتغال بغير ذلك من مساخطه، فإن ذلك لن يُغير من الأمر شيئًا بالنسبة للعطاء، صار قصده وطلبه الدنيا، فالله يُعطيه من هذه الدنيا لكن لن يأتيه إلا ما قُدر له، وهذا الآخر الذي أراد ثواب الآخرة.
قال: نُؤْتِهِ مِنْهَا، يعني: من ثوابها وجزائها، وكذلك يأتيه أيضًا مما قُدر له من هذه الحياة الدنيا، والنبي ﷺ يقول: لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، وأجلها[2]، لكن هذا الذي يحيى من أجل الدنيا يعيش من أجلها، هي همه الذي من أجله يقوم ويقعد، مع أنه لا يُحصل إلا ما قُدر له منها، يعيش حياة بهيمية ليس له غاية إلا الأكل والشُرب والنكاح واللذات الجسدية، فهذه مطالبه، وبذلك يستوي مع الحيوان، يستوي مع الحشرات، يستوي مع الهوام، أما ذاك الذي يُريد ثواب الآخرة فهذا الذي له روح تسموا إلى المعالي، وتطلب المطالب العالية من رضا الله -تبارك وتعالى- وجنته، هذا يعيش، وهذا يعيش، هذا يعيش ما قُدر له، وهذا يعيش ما قُدر له، وهذا ينال ما قُدر له من الدنيا، وهذا ينال ما قُدر له من الدنيا والآخرة، ولكن شتان بين الحالين.
فمهما كانت مطالب الإنسان، ومهما كان سعيه من أجلها، فهذه أقدار محتومة محسومة، لكن الذي يُفرق بين الناس هي إراداتهم، وما يتبعها من الأعمال، فبهذا يصير الناس إلى سعداء وأشقياء.
هذا الإنسان الذي يطلب الدنيا، ويُعطى ما يُعطى من الدنيا ما قُدر له قد يُعطى الكثير، ولكنه لا يكون سعيدًا لا في الدنيا ولا في الآخرة؛ لأن الشقاء محتم على هؤلاء، فماذا حصل من هذا الطلب والسعي والكد والاجتهاد والبذل وتعلق القلب بهذا الحطام الفاني ونسيان الآخرة!
فهذا يموت في أجله، وذاك يموت في أجله، فهذا الذي بذل في سبيل الله وأعطى وأنفق وجاهد، وما إلى ذلك يموت بأجله، والآخر ذاك الذي يجبُن كما وصف الله -تبارك وتعالى- أهل النفاق يموتون بآجالهم لم يبقَ منهم أحد، ما يُخلدوا، وما طالت أعمارهم.
هؤلاء الذين قال الله عنهم: وَلاَ يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً [الأحزاب:18]، هؤلاء الذين كانوا يُخذلون الناس يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ [الأحزاب:13]، كل ذلك من أجل أن ينسل من أرض المعركة، هؤلاء لم تطل أعمارهم، وكل ذلك السعي كان باطلاً، وكانت تلك المطالب أوهامًا توهموها، ولكنهم لم يُحصلوا من ذلك إلا الخيبة، فهذا حال المؤمن، وهذا حال المنافق أو الكافر.
وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا، ولاحظ هنا أنه قدم ثواب الدنيا إما باعتبار أنها قبل الآخرة، أو لربما لأن مطالب أكثر الخلق تتعلق بها؛ لأنهم يطلبون القريب، يطلبون العاجلة، ولكن ينسون الآخرة إلا من رحم الله -تبارك وتعالى-، وانظر إلى سعي الناس الحثيث من أجل الدنيا وحطامها القليل الذي قد ينالونه، وقد لا ينالونه، ولكن انظر إلى حضور المساجد والصلوات والجُمع والجماعات.
انظر إلى حالنا في صلاة الفجر، وقلة المصلين، والبيوت ملأى بالشباب والرجال، وهم في سُبات، وإذا جاء وقت الدراسة أو العمل رأيت الجد والتمشير عن ساعده لدى الصغير والكبير، الكُل يوقظ، والكل ينهض من أجل أن يُدرك، وتكتظ، وتمتلأ الطُرقات بالناس وتزدحم، ولكن هذا الزحام لا يوجد إطلاقًا في صلاة الفجر، هذا كله يرجع إلى هذه الإرادة.
كذلك أيضًا فإن قوله -تبارك وتعالى-: وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا، هنا لم يُقيد ذلك لكنه في آية الإسراء قيده بقيدين قال: مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء، هذا القيد الأول، "ما نشاء" لا يُعطى كل ما يريد، والقيد الآخر: لِمَن نُّرِيدُ [الإسراء:18]، يعني: ما كل من طلب يُعطى، لمن أراد الله إعطاءه، فهذا قيد في المُعطى، وقيد في العطاء.
مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء [الإسراء:18]، ولذلك تجد الكثيرين ليس له هم إلا هذه الدنيا، ومع ذلك يعيش في فقر يتشحط به إلى أن يموت، وهاهم الكفار مع أنهم ليس لهم غاية إلا الدنيا، ومع ذلك تجد فيهم الفقراء الذين لا يجدون ما يُقيم صُلبهم، فهذا لا شك أنه أمر مُقيد.
كذلك آية هود التي أطلق الله ذلك فيها مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُون أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُون [هود:15-16]، ليس لهم في الآخرة إلا النار.
ومحمل هذه الآية -آية هود- على أن من كانت الدنيا هي غايته ليس له مطلوب سواها، ليس لمن كان له مطلب للدنيا هذا لا يسلم منه أحد، لكن هذا تمحضت إرادته للدنيا حتى إن قام بشيء من العبادات، فهو يقوم به من أجل الدنيا، يعني: يصوم ليصح، ويصل الرحم ليُنسأ له في أثره، ويُخرج الزكاة لينمو المال، ويُجاهد ليغنم، وهكذا فهو يفعل هذه الأشياء من أجل مطالب دنيوية.
وهذه للأسف يكثُر تعزيزها في مثل هذه الأيام عبر كتب تُنشر، ورسائل في وسائل التواصل، دعوة إلى تحويل العبادات إلى أغراض دنيوية، وكثير من هذه أكاذيب لا حقيقة لها، ويضحكون بها على الناس، ولا أدري من يُصدر هذا، ولا أدري من يُصدقه، يقول: بأن المسلمين لا يوجد عندهم آلام في الرقبة من أجل أنهم يركعون بطريقة، أو نحو ذلك مما يقولون، هذا كذب، وآلام الرقبة موجودة في المسلمين وغير المسلمين، والواقع أكبر شاهد بهذا، والأطباء غصت المستشفيات بآلام الرقبة.
ويكذبون عليهم، ويقولون إذا وضع وجهه على الأرض فإنه يُفرغ الشُحنات كذب، ولا يوجد شُحنات، والسجود ما شُرع لهذا، وإنما سُبحان ربي الأعلى لتعظيم الله لا لتفريغ الشُحنات، وتفريغ الشُحنات ممكن بدون أن يسجد لله يضع جبهته على الأرض، وهو لا يريد ما عند الله، ولا يُصلي، ولا يعرف الصلاة، وتتفرغ هذه الشحنات ما المانع؟
وغاز الأوزون هذا الذي يقولون لصلاة الفجر، صلاة الفجر ما شُرعت لغاز الأوزون من أجل أن نستنشقه، يخرج في فناء بيته، بل يفتح النافذة، ويدخل عليه غاز الأوزون، وهو في فراشه، لكن هذه أكاذيب تُلفق، وتجد من يقبل، ويظنون أن هذا من عظمة الإسلام، ومن جماله وجلاله الذي ينبغي أن يسوق له، وهذا الكلام كله غير صحيح، والعبادات ما شُرعت من أجل هذا.
ويتحدثون عن مفصل في الركوع كيف يكون ذلك سببًا، وأن عالمًا من اليابان قال: أنتم معاشر المسلمين لا يصيبكم هذا النوع من الآلام والأمراض في الصُلب؛ لأنكم تركعون، وهذا كذب، ولا يوجد في عالم في اليابان، ولا في غير اليابان يقول مثل هذا الكلام، ولا ينفق هذا إلا على ضعفاء العقول، وهؤلاء الناس يستخفون بنا، وينشرون مثل هذه الرسائل يضحكون بها على الناس.
وقل مثل هذا في بلورات الماء إذا قيل ذُكر اسم الله، أو قرأت الآيات تغير شكل البلورات، لا يوجد بلورات، ولا تتغير بما يُقال من الكلام، وهذا كله كذب يخجل، ويندى منه الجبين، ويوجد من يروجه، ويوجد من يُصدقه للأسف الشديد.
فأقول: إذا تمحضت مقاصد الإنسان ومطالبه للدنيا، فهو يدخل في الإيمان ظاهرًا؛ كما المنافق من أجل الدنيا ليحقن دمه ويحرز ماله، فهذا مُنافق مُخلد في النار.
وهكذا إذا أنفق وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ [التوبة:98]، فهو من أجل أمر دنيوي، إلى غير ذلك من أعماله، فإذا كانت أعمال كل الإنسان فهذا ليس له نصيب في الآخرة.
ولهذا جاء في كتاب التوحيد "باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا"، وذكر آية هود هذه، لكن هذا محملها، لا مجرد وجود الإرادة في القلب، فهذا لا يسلم منه أحد، كل الناس له إرادة للدنيا، وتحصيل الحطام الفاني، لكن أن يتحول كل الاهتمام، والأعمال من أجل الدنيا، هذا مرفوض، هذا لا يفعله من يؤمن بالله واليوم الآخر.
ثم إن قوله -تبارك وتعالى-: وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا، هذا مطلب دنيء، والله ذكره، فهذا يدل على أن الإخبار مجرد الإخبار بالشيء أو بوقوعه لا يدل على حِله إذا أخبر الشارع عن وجود هذه الإرادة، أو نحو ذلك، لا يدل على أنها سائغة أو أنها محمودة، ليس للإنسان أن يكون بهذه المثابة، وإنما هو مجرد إخبار، وأما التحليل والتحريم فيؤخذ من دليل آخر.
كذلك هنا أثبت الإرادة للإنسان، وهذا رد على الجبرية الذين يقولون: الإنسان مسلوب الإرادة، وأنه مُجبر على أفعاله، فالإنسان له إرادة، ولكن وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ [التكوير:29]، لا تخرج مشيئته عن مشيئة الله ، ولا تخرج إرادته عن إرادة الله -تبارك وتعالى-.
وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا، لاحظ الدنيا، سُميت دنيا قيل: لدنوها، لانحطاط مرتبتها، أو لأنها قبل الآخرة، الآخرة متأخرة، وكثير من الناس يؤثر كما يزعم نقدًا على نسيئة، قل: هات في هذه الدار، وأما المؤجل في الآخرة فهذا غيب، ولا تتعلق نفسه به ولا تطلبه ولا ترجوه.
ولاحظ التعليق هنا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا، على قاعدة: "الحكم المعلق على وصف يزيد بزيادته، وينقص بنقصانه"، ولم تُقيد هذه بآية هود هذا الجزء وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ، فهذا يدل على أنه إذا كمُلت الإرادة للآخرة؛ فإن ذلك يدل على كمال الجزاء والأجر والثواب عند الله -تبارك وتعالى-؛ لأن من كانت الآخرة هي همه؛ فإن الله يُعطيه ويوليه ويجزيه، ويكون ذلك سببًا لكفايته ما أهمه، ليس له هم إلا الآخرة، بخلاف من كانت الدنيا همه، فلا تسأل عن حسرته وتفرق قلبه.
وكذلك ختم هذه الآية بقوله: وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِين، ولم يذكر جزاءهم هنا، يمكن أن يكون ذلك؛ ليذهب الذهن كل مذهب، أن هذا الجزاء كثير لا يُحصيه إلا الله -تبارك وتعالى-، وإذا قال العظيم: وَسَنَجْزِي، أضاف ذلك إلى نفسه، وصيغة التعظيم الجمع، فإن هذا يكون كثيرًا؛ لأن عطاء الكبير يكون كبيرًا، وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِين فهذا وعد، وهؤلاء هم الذين يريدون الآخرة، فرغب في حالهم.
وكذلك أيضًا فإن قوله -تبارك وتعالى-: وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِين، وكذلك في قوله: وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِين [آل عمران:144] قبلها، هذا مُجمل، وبينته النصوص الأخرى مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا [الأنعام:160].
وكذلك في قوله تعالى: مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء [البقرة:261]، فهذا عطاءه وثوابه، الله -تبارك وتعالى- يزيد بحسب الحال والمقام والنفقة، وما يقوم في قلب العبد من الإخلاص، وإرادة ما عند الله ، والإخبات أثناء الصدقة.
وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [المؤمنون:60]، فهذا يختلف عن آخر أعطى، ولكنه يشعر أنه متفضل، مُحسن مترفع بصدقته هذه، وهكذا الحاجة الماسة إذا وجدت، والقرابة أيضًا، ونحو هذا.
وكذلك أيضًا هنا في قوله -تبارك وتعالى-: وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِين هذا يدل على أن الذي يملك الجزاء هو الله -تبارك وتعالى- فينبغي أن يتوجه إليه بطلب ما عنده؛ لأن الإنسان حينما يُرائي بأعماله الناس، ويطلب ما عندهم لا يجد عندهم شيئًا، ولكنه إذا طلب ما عند الله، وأراد ما عند الله، فإن الله يجزيه على ذلك وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِين، المُرائي ليس بشاكر، والمُسمع ليس بشاكر، وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِين، وهذا أيضًا يدل على أهمية الشكر، وعِظم منزلته، وكذلك الجزاء على الأعمال.
هذا، وأسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، ويجعلنا وإياكم هداة مهتدين، اللهم ارحم موتانا، واشفِ مرضانا، وعافِ مبتلانا، واجعل آخرتنا خيرًا من دنيانا، والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.
- أخرجه البخاري، كتاب بدء الوحي، باب كان بدء الوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ برقم (1).
- أخرجه ابن الأثير. انظر: جامع الأصول في أحاديث الرسول، (20/117)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب، والترهيب، برقم، (1702).