الجمعة 20 / جمادى الأولى / 1446 - 22 / نوفمبر 2024
(178) تتمة قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ...} الآية 159
تاريخ النشر: ١٢ / رجب / ١٤٣٨
التحميل: 601
مرات الإستماع: 1131

الشيخ/ خالد بن عثمان السبت

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ابتدأنا الحديث في قوله -تبارك وتعالى-: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين [آل عمران:159]، فكان الحديث في المجلس السابق عن قوله -تبارك وتعالى- في صدر هذه الآية فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ، وأن هذه الخلة والصفة الحميدة أنها تكون سببًا لجذب النفوس وتحبيب القلوب، وتكون سببًا للالتئام والاجتماع، وما إلى ذلك.

فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ، وذلك لا يكون بمجرد الذكاء أو الخبرات أو المال والثروة أو القوة البدنية، فهذا لا يُكسبه الأنصار المخلصين، الذين يصمدون معه، لا بد مع ذلك من خُلق كريم، لا بد من لين ورحمة، ومشاورة، وما إلى ذلك من الأوصاف.

فهذا أمر دلت عليه هذه الآية، وهذا يدل أيضًا على ما حبا الله نبيه -صلى الله عليه وآله وسلم- من الرفق ولين الجانب، وذلك يدل أيضًا على رباطة جأشه -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه كما جاء في الحديث ليس الشديد بالصُرعة، وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب[1]، فإذا وجدت دواعي الغضب، وملك الإنسان نفسه، فهذا يدل على رباطة الجأش، وقوة القلب والنفس.

كذلك أيضًا تتضمن هذه الآية الحث على حُسن الخُلق واللين، وذلك أن الله امتن على نبيه -صلى الله عليه وآله وسلم- بذلك، فذلك يدعوا أتباعه إلا الاتساء به، والتخلي عن أضداد ذلك من الجفوة والغِلظة والشدة، فذلك يورث الشقاء كما ذكرنا أن يشق الإنسان بنفسه، فإن صاحب الخُلق السيء هو أول من يصطلي بناره، ويشقى من حوله، ويتفرق الناس عنه، فلا يكون له معين ولا صديق، فإن من قاربه يتأذى بأخلاقه السيئة.

كذلك أيضًا الداعية الذي يدعوا إلى الله -تبارك وتعالى- هو بحاجة إلى هذه الصفات، سواء كان ذلك في مخاطبة الناس ودعوتهم، فإنه يتخير الأرفق والأحسن والأكمل من العبارات والأساليب، وانظروا إلى كلام الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-، إبراهيم "يا أبتي"، وهكذا الأنبياء في مخاطبتهم لقومهم "يا قومي".

موسى عبد بنو إسرائيل العجل، وما جفت أرجلهم من البحر، ومع ذلك يقول: يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ [البقرة:54]، "يا قومي" فمثل هذه العبارات مع شدة تلك المواقف، وغِلظ ذلك الكفر الذي جاء به هؤلاء كل ذلك يدل على رباطة جأش هؤلاء الأنبياء، وما أعطاهم الله من الأخلاق الكاملة.

فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ، ولاحظ أيضًا الحصر الذي جاء في التركيب بهذه الجُملة فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ فقدم المجرور فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ، ما قال الله لنت لهم برحمة من الله قال: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ، وهذا يُفيد الحصر الإضافي، يعني: أن ذلك برحمة من الله فقط ليس بمهاراتك، ولا قُدراتك، ولا قوتك، ولا إمكانياتك، ونحو ذلك.

ومن هنا فإن الإنسان ينبغي أن يستدعي رحمة الله وألطافه، فإنه لا يحصل له خير سواء كان ذلك في سلوكه وأخلاقه، أو في عباداته وأعماله، أو في غير ذلك من الأبواب إلا برحمة الله ، وكذلك هو لا يهتدي إلا برحمة الله، ولا يوفق إلى طريق من طُرق الخير إلا برحمة من الله، ولا يدخل الجنة وينجوا من النار إلا برحمة الله ، فإن عمله لا يُبلغه ذلك، إنما الأعمال سبب.

ومن هنا فإن العبد لا يستغني عن رحمة ربه -تبارك وتعالى- طرفة عين، وذلك أن الإنسان لو تُرك مع نفسه ودواعيها، وما جُبلت عليه من الأخلاق غالبًا كما قال الله : كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى [العلق:6]، فهذا شيء مركوز في الإنسان، إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ۝ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ۝ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ۝ إِلاَّ الْمُصَلِّين [المعارج:19-22]، إلى آخر ما ذكر الله من الأوصاف، فهذه طبيعة الإنسان من حيث هو حتى تُهذب هذه النفس بالأخلاق الحميدة، وتروض على محاب الله -تبارك وتعالى-، فيكون ذلك تقويمًا لها، وذلك لا يحصل إلا برحمة الله .

وقوله -تبارك وتعالى- أيضًا: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ، يدل على أن ما جُبل عليه هؤلاء الناس لربما يتسبب عن لون من الاستفزاز، فيصدر عنهم ما يستوجب اللين والرفق بهم، وذلك أنهم قد يتصرفون تصرفات من ألوان المخالفات فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ فألان الله رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- لهم من أجل أن يسوسهم، ولهذا صح عنه -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: ما بعث الله نبيّا إلا رعى الغنم[2]، ليكون ذلك دُربة ومُقدمة لسياسة الأمة ورعايتها والرفق بها ورد شاردتها، وما إلى ذلك، فهذا كله مما أعدّ الله به رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم-.

وجاء تأكيد هذه الجملة كما ترون فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ، وجه الكلام على قول طوائف من أهل العلم فبرحمة من الله لنت لهم، فجاءت "ما" هذه لتفيد التوكيد، توكيد هذا الكلام مع تقديم المجرور، فأفاد ذلك الحصر، فهذه الرحمة المتحققة الحاصلة للنبي ﷺ من الله كانت هي السبب الوحيد لتحقق هذا اللين، وهذا الخُلق الذي امتن الله به على نبيه -عليه الصلاة والسلام-.

كذلك أيضًا هنا فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ، فإسناد الرحمة إلى الله لبيان المصدر، فإن الرحمة تكون منه، هذا من جهة، وأيضًا هذا فيه ما يُفيد تعظيم هذه الرحمة؛ لأنها أُسندت إلى العظيم الأعظم، هذا يدل أيضًا على أن من الأخلاق والسلوك ما يكون هبة ربانية يهبها الله لمن يشاء.

وقد ذكرت في المجلس السابق أن مثل هذه الأخلاق قد تكون غريزة من الله -تبارك وتعالى- جعلها في هذا الإنسان، وقد تكون مُكتسبة برياضة النفس، لكن لا يتحقق شيء من ذلك إلا برحمة من الله بعبده، فما كل ساعٍ يوفق إلى مطلوبه، فيحتاج العبد دائمًا مع البذل والمجاهدة والسعي أن يدعو ربه -تبارك وتعالى-، ومن مُهم الدعاء أن يسأل العبد ربه حُسن الخُلق.

من منا يدعو ربه أن يرزقه حُسن الخُلق؟

النفس تجيش وتطيش، ودواعي ذلك كثير مما يحتف بالإنسان في بيته، وخارج البيت، وفي طريقه في مسلكه، وفي هذه الحياة هناك استفزازات يومية كثيرة ومتكررة من المارة وغيرهم، ومما يُكتب في وسائل التواصل، ومما يسمعه مباشرة، أو فيما يُتصل عليه، أو يكون فيما يتواصل به مع غيره، فيجد من الاستفزازات ما يحتاج معه إلى رباطة الجأش وكظم الغيظ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ [آل عمران:134]، هذه في صفات المتقين الذين أعدَّ لهم الجنة.

وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِين ۝ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين [آل عمران:133-134]، الإحسان مع كظم الغيظ والعفو عن الناس، وقد تكلمنا عن هذه الآية في مجالس سابقة.

فالله -تبارك وتعالى- يقول: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ التعبير هنا بالفعل الماضي لِنتَ لَهُمْ يدل على أن هذا الوصف قد تحقق، وثبت للنبي ﷺ، وعُرف من خُلقه، وأنه قد غُرز ذلك، فيه فهو ثابت في أخلاقه -عليه الصلاة والسلام-.

وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ، ذكرنا أنه الجافي الجاف سيء الخُلق، صاحب الرعونات الجعظري، الجواظ، القاسي في طباعه، الغليظ في معاملاته وأخلاقه، وفيما يصدر عنه وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ، يعني: قاسي القلب، لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ عبر هنا بالانفضاض، يعني: التفرق، يعني: كأنهم قد اجتمعوا عليه، وعلى دعوته، وعلى دينه، ثم بعد ذلك، وحاشاه ﷺ أن يصدر عنه شيء من الغِلظة والفظاظة، لكن لو حصل ذلك وَلَوْ كُنتَ، والتعليق بالشرط لا يقتضي الوقوع مثل وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُون [الأنعام:88]، لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65]، قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِين [الزخرف:81]، على القول بأن المقصود لأول العابدين لهذا الولد، والقول الآخر فأنا أول العابدين لله، وهما قولان مشهوران للسلف.

فالقاعد: أن التعليق بالشرط لا يقتضي الوقوع وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ، فيكون ذلك للتمثيل، وبيان أثر هذا الخُلق الذي هو الغِلظة، والفظاظة فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ، ينفضون من حول النبي ﷺ متفرقين، وهم مأمورون باتباعه وطاعته، ولا نجاة لهم إلا بذلك، فإنه الطريق إلى مرضاة الله .

قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ [آل عمران:31]، ومع ذلك الله يقول لنبيه ﷺ: وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ، إذًا: هذه عبرة كبيرة للدعاة ولغيرهم من الآباء والمربين والمعلمين، وكل من يرأس مؤسسة، أو غير ذلك وَلَوْ كُنتَ فَظًّا بل كل من يتعامل مع غيره، إذا كان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، وهو رسول الله، وأكرم الخلق على الله، وهو سيد ولد آدم -عليه الصلاة والسلام-، والخلق مأمورون بطاعته، ومحبة الله إنما تكون باتباعه -عليه الصلاة والسلام-، ولا نجاة إلا بذلك، ومع ذلك يقول له: وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ، إذًا غير النبي ﷺ إذا كان فظًا غليظ القلب ما الذي يحدث من باب أولى، فبدل فلان فلان، وبدل زيد عمرو، وبدل الزوج زوج آخر، وهكذا.

فإذا كان الإنسان يتعامل مع الناس أو مع التلاميذ بهذه الغِلظة؛ فإنهم لن يقبلوا منه، إذا كان الداعية يتعامل مع المدعوين بالغلظة؛ فلن يقبل الناس منه، إذا كان يقف على المنبر، ويتحدث مع الناس بغِلظة وجفاء وشدة، ويتكلم معهم بأسلوب مليء بالرعونات، فيُخاطبهم بالكلام الموحش، بطريقة الخطاب المباشر: أنتم تفعلون كذا، أنتم تتصرفون بكذا، ويكون بأمور تثقل على السمع، يُخاطبهم بها هكذا، يُعنفهم، ولا يقول نحن ينبغي أن نجتنب كذا، ونحن ينبغي أن نحذر كذا، لا لا، يقول: أنتم، أنتم تنتهكون حدود الله ، وتقارفون معاصيه، ولا تُراقبون الله في أعمالكم، ثم تنتظرون بعد ذلك إجابة دعائكم، وأنى لكم بذلك، وأنتم، ويُعطيهم من هذا الكلام الغليظ الجافي، هذا لا يليق.

وهناك عبارات يصعُب حتى النقل -أيها الأحبة-! أن تُنقل، يعني مُجرد النقل، الآن نقل بعض العبارات الموحشة هذا أمر صعب، فكيف يقولها الإنسان على المنبر، وهكذا إذا كان الإنسان يُخاطب المدعوين، ولو كانوا فُرادى، يُخاطب فردًا من الأفراد بدعوته بأسلوب غليظ، يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر بأسلوب غليظ، جاف فإن هذا ينفر الناس.

الرفق ما وضع في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه، وعبارات السلف في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر كثيرة جدًا، يقول الإمام أحمد -رحمه الله-: "من الناس من يُرفق به فيقبل"[3] لاسيما إذا كان الخطاب مع الأبوين ومن هو أكبر منه كمُعلمه أو رئيسه في العمل أو مع الأمير أو مع الملك، أو كل ذي سُلطة ينبغي أن يكون الخطاب لائقًا ورفيقًا، ومن الناس من يلتبس عليه هذا يعتقد أنه بذلك لا يخشى في الله لومة لائم، وهذا الكلام غير صحيح.

الله يرسل موسى، وهارون -عليهما السلام- إلى أعتى أهل الأرض، يدعي الإلهية والربوبية، ويقول لهما: فَقُولاَ لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا [طه:44]، فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ، فَقُولاَ لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه:44]، إذًا هذا سبب لاستمالة القلوب، وقبول الناس.

هكذا الرجل إذا كان في بيته يتعامل مع امرأته بهذه القسوة والغِلظة والشدة، فإذا دخل بيته يشتم ويسب ويؤذي ويجرح، ويتعامل مع أولاده بهذه الطريقة فهذه توجب النُفرة، وقد سمعت من كثيرين وكثيرات يعتقدون أن أباهم أو أن أمهم التي تُعاملهم بهذه المعاملة أنها تكرههم تُبغضهم.

هذه بنت تقول: أبي يكرهني، أو الابن يقول: أبي يكرهني، يُبغضني، والبنت تقول مثل هذا عن أمها، وتحاول، ولا أذكر أني نجحت وأفلحت مرة واحدة في ثني هؤلاء الأولاد، وفي إقناعهم في تغير مع أني أبذل كل ما أستطيع في هذا، وأن هؤلاء يريدون بكم الخير، وأن الداعي المحبة قد يُخطأ الأسلوب، قد يُدعوه الحرص على مزيد من التعنيف، وفي كل الحالات التي رأيتها لم أستطع تغيير تلك القناعات ما استطعت، مع أني بذلت كل المُستطاع، ولكن للأسف هؤلاء يُصرون على أن هؤلاء، ما الذي أوقعهم في مثل هذه الظنون؟

هي المعاملة السيئة القاسية، فصاروا يعتقدون أن الجالب لذلك هو البُغض والكراهية، فكان مؤداه النُفرة، لا يقبل منه، ولا يستمع إليه، ويكره مجيئه، يترقب هذا المجيء بشيء من الاستثقال، ويفرح إذا خرج، ويفرح إذا سافر، بل هناك عبارات تُقال عند مقدمه، تقولها بعض الزوجات، أو تقولها بعض البنات، أو نحو ذلك لا أستطيع أن أحكيها.

جاء كذا، جاء من سفر، قد يُسافر أشهرًا، فإذا جاء؛ تجد التعبير عن مجيئه بمثل هذه العبارات القاسية القوية العنيفة التي لا أستطيع أن أحكيها، جاء كذا، يُمثلون هذا الزوج أو الأب، أو نحو ذلك بعبارة ثقيلة، ما الذي أوقعهم في هذا؟ إنها المعاملة.

أحيانًا الإنسان قد يفعل ذلك ثقة أن هؤلاء لن يشكوا طرفة عين، أن ذلك من باب الحرص، ولكن يبقى أن الشدة والغِلظة لن تورث مطلوبًا ولا محبوبًا، وإنما ستورث كراهية ونُفرة وبُغضًا في القلوب.

على كل حال، أتوقف عند هذا انتهى الوقت، وإن شاء الله تعالى نُكمل في الليلة الآتية.

 وأسأل الله أن ينفعنا وإياكم بالقرآن العظيم، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، اللهم ارحم موتانا، واشفِ مرضانا، وعافِ مبتلانا، واجعل آخرتنا خيرًا من دنيانا، والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب الحذر من الغضب، برقم (6114)، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل من يملك نفسه عند الغضب وبأي شيء يذهب الغضب، برقم (2609).
  2. أخرجه البخاري، كتاب الإجارة، باب رعي الغنم على قراريط، برقم (2262).
  3. راجع: الآداب الشرعية والمنح المرعية، لابن مفلح، (1/191).

مواد ذات صلة