الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فيقول الله -تبارك وتعالى- في هذا السياق الذي يذكر فيه وقعة أُحد في هذه السورة الزهراء سورة آل عمران: إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُون [آل عمران:160]، إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ إن يُمدكم الله -تبارك وتعالى- بنصره ويؤيدكم بقوته فإنه لا يستطيع أحد كائنًا من كان أن يغلب.
وَإِن يَخْذُلْكُمْ، فيتخلى عنكم فلا أحد يستطيع أن ينصركم من بعد تخلي الله عن نصركم، وعلى الله وحده دون سواه فليتوكل المؤمنون؛ فليعتمدوا على الله، ويثقوا به، ويركنوا إليه، ويفوضوا أمورهم إليه.
يؤخذ من هذه الآية الكريمة من الهدايات والفوائد أن قوله -تبارك وتعالى-: إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ، إذا كان ذلك كما حكم الله -تبارك وتعالى- وأخبر فذلك يعني أن طلب النصر من غير الله خذلان، إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وعليه فلا معنى لطلب النصر أو أن نؤمل النصر من غير الله -تبارك وتعالى-، فالمنصور من نصره الله، والمخذول من خذله الله، إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وإذا كان كذلك فهذا النصر من الله -تبارك وتعالى- له متطلبات له شروط: إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ [محمد:7]، فهذا شرط وجزاء، إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ، ويكون نصر الله -تبارك وتعالى- بطاعته والإيمان به ونصر رسوله ﷺ ودينه وكتابه وترك العمل بمساخطه مع حفظ حدوده فهذا هو نصر الله -تبارك وتعالى-: إِن تَنصُرُوا اللَّهَ النتيجة يَنصُرْكُمْ.
فهنا إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ، وهنا أنه جاء بهذه الصيغة فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ ولم يقل: لا تُغلبوا، إن ينصركم الله لا تُغلبوا، وإنما قال: فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ، فهذه الصيغة فَلاَ غَالِبَ نص في العموم "فلا" هذه لا نافية، وغالب هنا اسم فاعل نكرة، فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ فذلك يُفيد العموم، فلا غالب ولو كانت قوى الأعداء ضخمة وكبيرة ولو كانت كذلك فلا غالب، ولو اجتمع من في الأرض من بأقطارها على قتالكم؟
ولو اجتمع من بأقطارها؛ لأن الله قال: فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ، لا يستطيع أحد أن يغلبكم هذا إذا نصركم الله -تبارك وتعالى-، لا يستطيع أحد مهما أوتي من القوة والعدد والعُدد فإنه لا يُحقق شيئًا في هذا السبيل، لن يستطيع أن ينتصر على أهل الإيمان إذا كان الله معهم، إذا كان الله ناصرهم ومؤيدهم فلا غالب لكم، ولذلك انظروا في زمن أصحاب النبي ﷺ ارتد العرب بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام- ولم يبق إلا أهل المدينة وأهل مكة، وأهل هذه الناحية من بني عبد القيس، فارتد سائر قبائل العرب فنهض أصحاب النبي ﷺ على قلتهم وتفرقت جيوشهم في أنحاء جزيرة العرب يُعيدون هؤلاء إلى الحق والجادة والإيمان حتى أخضعوهم، وقضوا على رؤوس الفتنة كمُسيلمة ونحوه، ثم ماذا كان بعد ذلك؟
بعد ذلك مُباشرة الجيوش تتوجه من نواحي جزيرة العرب من اليمامة وغيرها وهم حُدثاء عهد بفقد النبي ﷺ وكما وصفوا في ذلك الحين كالغنم الذليلة في الليلة الشاتية المطيرة، الكل يتربص بهم والكل يطمع بهم، حتى القبائل التي ارتدت كانت تتربص وهم من هم بغزو المدينة والقضاء على من بقي من المسلمين، ما الذي حدث بعد هذا بعد إخضاع هؤلاء من المرتدين؟ انطلقت هذه الجيوش من هناك إلى قُبيلة صغيرة لا حول له ولا طول ولا قوة؟ لا أبدًا، انطلقوا إلى أعتى وأقوى قوتين في وجه الأرض في ذلك الزمان القوى العُظمى أكبر قوة في المعسكر الغربي الروم يملكهم القيصر وهم أمة كبيرة جدًا لا يُحصيهم إلا الله، وعندهم من القوة والإمكانات والخزائن، وكذلك أيضًا القوة الأخرى في المُعسكر الشرقي وهم الفُرس، أولئك كانوا أعظم القوى ويملكون مساحات شاسعة من الأرض، توجه إليهم أصحاب النبي ﷺ بإمكانات قليلة ضعيفة بأعداد قليلة، والعجيب فيما يحضرني في ساعتي هذه أن جموع أولئك ما كانت تقل عن مائة ألف هم يتحدثون بالمائة والمئتين وأكثر جموع الروم وجموع الفُرس، بل أعجب من هذا في بعض الوقائع لأول مرة في التاريخ اجتمع الفرس والروم في صف واحد وخندق واحد، وجيش واحد يُقاتلون المسلمين وهزموا هل سمعتم بمثل هذا؟!، يجتمع الفرس والروم أمام قوم كان الفُرس يسمونهم ذُباب الصحراء يسمون العرب ذُباب الصحراء حتى إنه لما جاء وافدهم -وافد المسلمين- كان يسألونهم ما الذي جاء بكم، يعني: الجوع، العُري، نعطي كل واحد كسوة وطعام وارجعوا إلى بلادكم، لا نريد قتلكم ذُباب الصحراء، تصور في مدة وجيزة قليلة، النبي ﷺ حينما هاجر إلى المدينة بقي ثلاثة عشر سنة فقط فلما توفي توجهت الجيوش إلى فارس والروم بعد حروب الردة مباشرة، كانت النتائج انتصارات باهرة، خالد بن الوليد في نحو أربعين معركة في مدة وجيزة أقل من سنتين لم ينهزم في معركة واحدة لقن الفُرس دروسًا قاسية، ولذلك الفُرس يُبغضون خالد بن الوليد ، ويُبغضون من أرسلوه أعني أبا بكر وعمر الذين خربوا ملك فارس فكان آخر العهد به، وأخذوا كنوزه، وأخذوا بناته سبايا، جاءوا باثنتين من البنات سبايا، كل هذا، حتى أنهم ما كانوا يعرفون بعض الأشياء التي يجدونها، الكافور كانوا يظنونه الملح، ويضعونه في الطعام، ورجل من المسلمين يقبض على رجل من قادة الفُرس فيرى شارته ويرى لباسه ويرى هيئته فيعرف أنه من ذوي الشأن فيهم فيقول له هذا الرجل: أطلقني واطلب ما شئت، العرب ما كانوا يعرفون الثروات الطائلة والأرقام الكبيرة ونحو ذلك فلما اجتهد في الطلب ماذا قال؟ قال: أُطلقك بألف، عمل ألف، هذا آخر الاجتهاد آخر رقم يستطيع أن يذكره ألف، فأعطاه ألفًا وأطلقه هذا الرجل فرحًا بذلك أنه قد أخذ منه فداء عظيمًا.
فهؤلاء هم الذين هزموا فارس والروم، وانتهت مملكة فارس إلى النهاية، وملكوا ما وراءها من البلاد إلى حدود الصين.
وأما الروم ففر هرقل وانطلق من معقل ملكه بلاد الشام إلى القسطنطينية، فأقول: هذا بماذا استطاعوا أن يُحققوا مثل هذه الانتصارات وأن يتحولوا إلى قوة لا تقف أمامها قوة الفُرس والروم ويُقاتلونهم في وقت واحد، تقول: استعدادات، تقول: أسلحة هائلة، لا لا، ارتد أكثر العرب وذهبوا يقاتلونهم وانطلقوا منهم إلى فارس والروم، ما أخذوا فارس وحدها أو الروم وحدها، لا، فارس والروم مع بعض، هذا معنى إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ، لا غالب لا فارس ولا الروم ولا غير فارس والروم، أعتى القوى لا تستطيع أن تقهركم مهما كان عندهم من عابرات القارات والأسلحة النووية والجرثومية والكيماوية والذرية ولا غير ذلك من أنواع الفواتك، لا يستطيعون، لكن متى؟ إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ إذا نصرنا الله، فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ هذا يُفيد العموم، لكن: وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ، هذا استفهام بمعنى النفي، وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يعني: لا أحد، فَمَن ذَا الَّذِي هذا يُفيد أيضًا معنى العموم لمن تأمله، وَإِن يَخْذُلْكُمْ، وما سبب هذا الخذلان؟
الكفر والشرك والمعاصي الجُرأة على الله -تبارك وتعالى- وعلى حدوده فذلك الذي يوجب الخذلان، وَإِن يَخْذُلْكُمْ يعني يكلكم إلى أنفسكم، فهنا لا بد من الخذلان؛ لأنه لا يمكن لمن خذله الله -تبارك وتعالى- أن ينتصر ولو أعانه جميع الخلق، ولو أيده جميع من بأقطاره، ولو دعموه بالسلاح والعتاد والقوة وبالجنود لا يستطيع أن ينتصر، ومن ثم فإن هذا يحمل أهل الإيمان على أن يعتمدوا على الله وأن يلتجئوا إليه وأن يُصلحوا ما بينهم وبين الله -تبارك وتعالى- بطاعته، الأعداء يُدركون هذا جيدًا ويعرفون يقرءون التاريخ، ويقولون: لا يوجد أمة استطاعت أن تنهض وتنتصر في وقت سريع وتفتح الأمصار في وقت قياسي مثل: هذه الأمة، يقولون: لا يُعرف هذا في التاريخ فتحوها وملئوها نورًا وهدى وعلمًا وصلاحًا، وبنوا فيها حضارة وصاروا أساتذة للبشرية لأصحاب الحضارات، العرب ليس عندهم شيء وصاروا يُعلمون فارس والروم، وعلموا أوروبا ولا زالت تتلقى ذلك إلى يومنا هذا.
علموها معنى الحضارة والعلم بفنونه المختلفة، فشيدوا حضارة في الأندلس كما هو معلوم، ووصلوا في فتوحاتهم إلى نصف فرنسا الجنوبي وكادت أن تسقط، ولكن إرادة الله -تبارك وتعالى- حالت دون ذلك، اشتغل الناس بجمع الغنائم الهائلة فكان ذلك سببًا لكسرهم وهزيمتهم وخذلانهم.
وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ، فهذا أيضًا تحذير من موجبات الخذلان، من موجبات الهزيمة، من موجبات تخلي الله عنا، ومن ثَم فإن اللبيب المؤمن الذي يؤمن بهذا القرآن وبهذه الآيات لا يشك في هذه الحقيقة من جهة ومن جهة أخرى فإنه لا يمكن أن يعول على أحد من الخلق في أن ينصره أو أن يؤازره أو أن يقويه ويتخلى عن نصر الله .
أقول: الأعداء يعرفون هذا المعنى للأسف أكثر مما يعرف كثير من المسلمين، ولذلك هم يعملون جاهدين على تفكيك هذه القوة العظيمة، أعني التمسك بالحق والإيمان وبالدين الصحيح والاعتقاد الصحيح فيعملون على إبعاد المسلمين عن ذلك بطُرق وأساليب مختلفة، من تنفع معه الشهوات يُغرقونه بالشهوات عبر وسائل كثيرة، يبذلون الأموال الطائلة، ويبذل أوليائهم من وراء ذلك عبر قنوات فاسدة، وأساليب ووسائل لا تخفى، وأبواب الشبهات وفتح باب الإلحاد وتشكيك بثوابت الدين يبذلون الكثير، ويبذل أيضًا من ورائهم طوائف ممن ينتسب إلى الإسلام.
وكذلك بالعمل على بث الفُرق والتناحر، وكذلك أيضًا يعملون جاهدين على إحياء الفرق، وتقويتها واستنبات فرق جديدة في كل مرة يُخرجون طائفة منحرفة يشغلون بهم أهل الإسلام، وقل مثل ذلك هذا في التاريخ كثير لكنه في وقتنا المعاصر أكثر.
وكذلك يعملون جاهدين على إبعاد المسلمين عن دينهم بإيجاد بدائل عن الحق الذي هم عليه، السُنة والجماعة، منهج السلف الصالح الإسلام الصحيح النقي من البدع والأهواء والضلالات، فيُقدمون بدائل من التصوف، أو غير ذلك مما قد علمتم؛ لأنهم يعلمون أن الأمة إذا تحولت إلى الاشتغال بالخرافة فلن تنتصر، الفرنسيون حينما احتلوا مصر ورموا الأزهر بالمدافع ما الذي حصل، الصوفية يقرءون صحيح البخاري في الأزهر؛ لدفع عدوان الفرنسيين، يقرءون صحيح البخاري في الأزهر، قراءة صحيح البخاري تدفع عدوان الأعداء؟! هذا لا يمكن، فهم يريدون هذا، وكثير من هذه الطوائف كانوا مع ما يُسمى بالاستعمار الاحتلال والتخريب لبلاد المسلمين، ولا أُعمم لكن كثير كانوا كذلك، والله المستعان.
ثم إن قوله -تبارك وتعالى-: فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ، ففي الأولى: إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ، فوجه ذلك إليهم مُباشرة، وهنا لم يقل: فلا ناصر لكم وإن يخذلكم الله فلا ناصر لكم، هناك قال: فلا غالب لكم، وهنا ما قال: وإن يخذلكم فلا ناصر لكم تلطفًا بأهل الإيمان، وإنما قال لهم: فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ، يعني: لا أحد، فانتفى الناصر مطلقًا ذاتًا وصفة.
كذلك أيضًا فإن هذه الآية قد ذُيلت وخُتمت بتوجيه لأهل الإيمان وهو قوله: وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُون قد يقول قائل بأن هؤلاء الأعداء لن يتركونا وسيُجلبوا علينا بخيلهم ورجلهم ولا قِبل لنا بهم، لا في عددهم ولا في عدتهم قال: وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُون فقدم الجار والمجرور لإفادة الحصر، وَعَلَى اللّهِ، أي: وحده دون من سواه، فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُون.
ومن هنا أخذ بعض أهل العلم أن التوكل لا يصح أن يكون على غير الله مطلقًا ولو كان المتوكل عليه مما يقدر على ذلك، يعني: بعض أهل العلم قالوا: التوكل عبادة تختص بالله وصرفها لغيره شرك مطلقًا، بمعنى أنك حينما تطلب من أحد شيئًا يستطيعه ثم تقول: أنا متوكل عليك في هذا الموضوع، وفي هذه المعاملة بعض أهل العلم يقول: هذا لا يجوز التوكل لا يكون إلا على الله حتى لو كان المخلوق يقدر عليه؟ حتى لو كان المخلوق يقدر عليه، لماذا؟ قالوا: لأنه جاء بصيغة الحصر: وَعَلَى اللّهِ يعني ليس على أحد سواه فَلْيَتَوَكِّلِ فلا تتوكل على غير الله ولو كان في أمر يسير يقدر عليه المخلوق، وهذه المسألة ليست محل اتفاق، وقد تحدثت عن هذا في الكلام على الأعمال القلبية، والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ سماحة المفتي الأسبق له فتوى في هذا، وأنه لا يقول أنا متوكل عليك، لكن ممكن أن يقول: هذه وكالة، وكلت فلانًا أن يقوم بهذا العمل وكلتك عني للنهوض بهذا المشروع، أو لإنجاز هذا المطلوب، ونحو ذلك لكن لا يقول: أنا متوكل عليك: وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُون.
وكذلك أيضًا: وَعَلَى اللّهِ فهنا أظهر لفظ الجلالة: إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ، ما قال وعليه فليتوكل، وَعَلَى اللّهِ، لتربية المهابة.
وكذلك أيضًا هذه "الفاء" وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ، فهذه كأنها مُفيدة لترتيب ما بعدها على ما قبلها فَلْيَتَوَكِّلِ، فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُون فهنا يحتمل أن يكون المراد أصحاب النبي ﷺ الذي تتحدث عنهم الشطر الثاني من هذه السورة في مُجمله وهو وقعة أُحد: وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُون يعني: من أصحاب النبي ﷺ حيث خاطبهم بمثل هذه الآيات.
أو عموم أهل الإيمان فإن المطلوب من الجميع أن يتوكلوا على الله دون سواه، وكل ذلك فيدخل أصحاب النبي ﷺ في المعنى الثاني أيضًا فهم من جُملة المؤمنين، وهذا يدل على تشريف لهم، وعلى عناية الله بهم، وقد وصفهم بالإيمان وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُون، وهذا يدل على أن التوكل من أعظم دعائم الإيمان وشُعبه، فقد علقه بذلك: وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُون، والحكم المعلق على وصف يزيد بزيادته وينقص بنقصانه ومن ثَم فإنه بقدر ما يكون من الإيمان يكون عند العبد من التوكل، وهكذا بقدر توكله يكون أيضًا ذلك أعظم في إيمانه، فالمؤمن يتوكل على الله وإذا توكل عليه كفاه، فهذا أصل كبير، يعني يُعد ذلك من الأمور الاستراتيجية في النظر والتخطيط والتفكير بحيث يرتبط أهل الإيمان بالله ولا يلتفوا إلى أحد سواه، ولا يخافون البشر وإنما يتوكلون على الله فهو كافيهم، سيكفيهم هو بيده نواصي الخلق وحده، وهو مُدبرهم، ومصرفهم.
هذا، وأسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، ويجعلنا وإياكم هداة مهتدين، والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.