الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فلما قال الله -تبارك وتعالى-: أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ كَمَن بَاء بِسَخْطٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِير [آل عمران:162]، ثم بين أحوالهم ومآلهم: هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللّهِ واللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُون [آل عمران:163]، قال بعد ذلك: لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِين [آل عمران:164]، هذا الامتنان ببعثه -عليه الصلاة والسلام- وجه تعلق ذلك بالآيات التي قبله أن الله -تبارك وتعالى- حينما ذكر من اتبع رضوانه ومن باء بسخطه، وأن هؤلاء درجات عند الله، فذلك لا يتوصل إليه أعني رضوان الله -تبارك وتعالى- إلا ببعث الرسول ﷺ، واتباع الناس لما جاء به، ومن ثَم يحصل بينهم التفاوت، فقد ذكر النبي ﷺ: أن كل الناس يدخل الجنة إلا من أبى، فقالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟! قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى[1]، فوجه الامتنان ببعثه -عليه الصلاة والسلام- من هذه الجهة أنهم ببعثه يعرفون الله يعرفون المعبود معرفة صحيحة بأسمائه وصفاته، فيتوجهون إليه وحده دون من سواه يعرفون التوحيد الذي هو الأصل والأساس في النجاة، ويعرفون تفاصيل الصراط المستقيم الموصل إلى الله -تبارك وتعالى-، فبحسب سير العبد على هذا الصراط الذي رسمه لعباده من أجل سلوكه يكون سيرهم على الصراط المنصوب على متن جهنم، والجزاء من جنس العمل.
فمن هنا يمتن الله على عباده المؤمنين ببعث هذا الرسول الأمين: لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ من جنسهم، أو من العرب خاصة، بعث فيهم رسولاً يعرفون نسبه ونشأته، ويعرفون حاله وأخلاقه وأعماله وصدقه وأمانته، ويفهمون عنه، ويأخذون ويتلقون من غير عناء ولا مشقة؛ فكلامه من جنس كلامهم، ولغته هي لغتهم، فيفقهون قوله، ويفهمون عنه، ويفقهون خطابه.
يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وهي هذا القرآن، والتلاوة هنا المقصود بها في هذا الموضع القراءة، يقرأ عليهم هذه الآيات، وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ يُعلمهم الكتاب هذا هو الفقه في الدين، التعليم الأول التلاوة، فهي أولاً ثم بعد ذلك يحتاج الناس إلى معرفة معانيه وحكمه وأحكامه فذلك تعليم الكتاب، والحكمة هي سنته -عليه الصلاة والسلام- فهي شارحة للقرآن.
وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِين قبل هذا الرسول لفي غي وجهل ظاهر، وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا [آل عمران:103]، كانوا على حال من الشرك والجهل والجاهلية فأنقذهم الله ببعث رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم-.
يؤخذ من هذه الآية الكريمة: لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ هذا تأكيد لهذه المِنة بـ"قد" التي دخلت على الفعل الماضي فهي منّة مُحققة، وهذه اللام لام القسم، فذلك تأكيد آخر، ففيه قسم مُضمر: لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ هذه المِنة خصها بالمؤمنين مع أن المِنة ببعث النبي ﷺ على العالم أجمع على الناس على الثقلين جميعًا حيث جاءهم هذا الهُدى والنور، حيث جاءهم هذا الرسول الأمين الشفيق الذي يُبصرهم بما يحتاجون إليه، ولكن لما كان المنتفع بذلك هم أهل الإيمان الذين قبلوا دعوته واتبعوه وخُصوا بذلك كما قال الله - عن القرآن: ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِين [البقرة:2]، هو هدى للجميع جميع البشر، يُبين لهم الحق من الباطل، والهدى من الضلالة، ولكن لما كان المنتفع به هم أهل التقوى خصهم بذلك: هُدًى لِّلْمُتَّقِين كما ذكرنا في الكلام على آية البقرة.
فهنا المِنة على المؤمنين باعتبار أنهم الذين قبلوا دعوته، وأما غير هؤلاء فهم في حال كفرهم وضلالهم في شقاء في الدنيا وفي البرزخ وفي المحشر وفي النار: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون [البقرة:38].
وفي الآية الأخرى: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى [طه:123-126]، فهذا حال من أعرض عن آيات الله وعن الهدى الذي جاء به الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-، وإذا تقرر هذا المعنى: لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ، هذه مِنّة تستوجب المُقابلة بالشكر لله فيحتاج العباد إلى شكر الله بالقلب باستحضار هذه المِنّة والنعمة، وشكر هذه النعمة أيضًا باللسان باللهج بذلك، وشكر هذه النعمة بالجوارح بالعمل بطاعة الله وطاعة رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- هذا شكرها، فالنِعم تحتاج إلى شُكر، ومن وفق لاتباع النبي ﷺ والإيمان به وطاعته، فمن شُكر هذه النِعمة أن يزداد، وأن يقتدي به في كل ما هو مأمور بالاقتداء به فيه في قضايا التشريع فهو القدوة والأسوة الكاملة، ومن ثَم فإن ما يخرج عن هذه الصورة والحالة من الشكر هو الإعراض عن سنته وسيرته وهديه والاقتداء به، والبحث هنا وهناك عن قدوات غيره.
وهذا للأسف تراه في بعض أبناء المسلمين، إذا رأيته فلا ترى حالاً تدل على الاقتداء البتة، وإنما ترى هيئة وصورة وسمتًا لربما يقتدي بأعداء الله من الشرق أو الغرب فهذا خروج عن هذا الأصل، وهو ترك الشكر لهذه النعمة العظيمة وعدم استشعاره لها، لا يوجد أحد أكمل من رسول الله ﷺ هديًا وشخصية، فكل ما كان على خلاف ذلك فهو قصور ونقص كل بحسبه، تريد الهدي الكامل، تريد الشخصية التي تكون كاملة من كل وجه في الظاهر والعمل والامتثال، وما إلى ذلك؛ فهذا رسول الله ﷺ هو الأكمل والأعظم، وليس بصور هي أقرب إلى عبث الشيطان والمُثلة بخلق الله ، بحلق بعض الشعر وترك شُعيرات أو بعض الشعر أو هيئات وأشكال مُنكرة تراها لدى بعض أبناء المسلمين يقلدون بها شياطين الإنس والجن، فأين هذا من هديه الكامل -عليه الصلاة والسلام-؟!، وهذا شيء عجيب.
بعض الناس قد يستنكف من مظاهر الفِطرة والهدي النبوي الظاهر كإطلاق اللحية وتقصير الثياب، وهذا من الدين بلا شك، وإن كان هذا ليس هو كل الدين ولا يُقاس الناس بهذا، ولكنه من الدين، لكن الشيء العجيب حينما يُطلق الإنسان لحيته اقتداء بموسيقار، أو فنان غربي، أو ممن لا خلاق له من هؤلاء الذين لا يعرفون الله أصلاً ولا يعبدونه، لكن هؤلاء أطلقوا لحاهم فيُطلق لحيته اقتداء بهم ويترك هدي النبي ﷺ، فيكون إطلاق اللحية في هذه الحال عنده كمال وعظمة؛ لأنه يقتدي بهذا الممسوخ، وهكذا لربما ظهرت آخر ما رأيت موضة تقصير البنطال إلى فوق الكعب هذه أزياء الكلاسيكية للرجل الكلاسيكي الأنيق، أزياء لا أدري الربيع أو الصيف يصورونها وينشرونها فينتشر هذا عند جموع من أبناء المسلمين، ويكون تقصير هذا البنطال يدل على ذوق راق؛ لأنه جاء به هؤلاء من أعداء الله، لكن حينما يكون هديًا للنبي ﷺ يُعير لربما الإنسان فيه، أو يستحي أن يخرج أمام الناس، لاحظ الفرق.
فالمعايير لدى بعضنا مختلفة تمامًا فما يحسُن وما يجمُل لربما كان ما يأتي من قِبل هؤلاء الذين لا يعرفون الله، الله -تبارك وتعالى- معرفته هي أعظم الأمور، وأعظم المعارف، وأعظم ما ينبغي أن يشتغل به الإنسان، وهؤلاء لا يعرفونه، وعبادته هي المقصود الأعظم من إيجاد الخلق من الثقلين، ومع ذلك لا يعبدونه ولا يعرفونه فكيف يُقال مثل هذا؟! وكيف يحسُن ما يصدر عنهم ويكون ما يصُدر عنه ﷺ مما يكون في الصورة مُتماثلاً يكون ما يصُدر عنه قبيحًا في نظر هؤلاء؟! هذا من انتكاس المفاهيم والفِطر في وقت واحد، والله المُستعان.
ثم في هذه المِنة: لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ حينما يبحث الناس عن قدوات غيره إما كما سبق يقتدون بهم في هديهم الظاهر، أو فيما يتعلق بأفكارهم، ولربما معتقداتهم، أو بأخلاقهم، أو نحو ذلك، فيكون ذلك أشنع وأعظم وأشد وأقبح حينما يكون ممن درس الشريعة وعرفها، ثم بعد ذلك يرسل تغريدات ينقل فيها عبارات لهؤلاء من الفلاسفة المعاصرين من الغربيين، ينقل كلامهم على أنهم هم قدوات، وأن كلامهم هدي يُنشر بين الناس ويُذاع، مع أن كل ما يقولون من الصواب إذا أصابوا ممكن أن نجد ذلك في بعض آية، لكن هؤلاء لا يفقهون، بعض آية وهات كل ما عند هؤلاء من فلاسفتهم في هذا العصر وفي غيرهم من العصور، هات كل ما عندهم من مفاهيم يُقدمونها لربما في دورات طويلة أو في كُتب، الكذا السبعة، والكذا الثمانية، والكذا العشرة، وتُترجم وتُتناقل، نحن نقول: الحكمة ضالة المؤمن، لكن للعلم بأن ما فيها من صواب يوجد ببعض آية، وهاتوا هذه التي يقولون عنها بأنها حِكم صدرت عن عقول مُجربة وراجحة أعطيكم بعض آية تُلخص ذلك الكلام الطويل العريض.
فعندنا هذه الكنوز من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، ثم يُعرض الإنسان عنها، وأعجب من هذا أنك تسمع أن بعض أبناء المسلمين، بعض الفتيات أصبحوا يتشبهون بأمم شرقية وثنية يأكلون -أعزكم الله- الكلاب والحمير والحشرات والدواب والحيات، وكل شيء، أُمم وثنية يتشبهون بهم، الذي كنت أسمعه في الغرب أن أكثر عمليات التجميل هي لإقامة الأنف من قِبل أُمم شرقية لا عتب عليها؛ لأنها وثنية فيُعجبون بالغرب ويُقلدونهم ويُحاكونهم ويريدون أن يكون مثلهم فيصبغون شعورهم لكن يبقى الآناف مُغايرة، فيُجرون عمليات التجميل حتى يكون أنفه كآنافهم، لكن العجيب أننا أصبحنا نسمع أنه وجد من أبناء المسلمين من يُحاكي بعض الشرقين من الوثنين حتى في الخِلقة، فيُجرون عمليات تشين، يُغيرون فيها خلق الله ؛ ليُشبهوا أولئك الشرقيين حتى في هيئتهم وملامح وجوههم وآنافهم، هل سمعتم بهذا؟!
أشياء عجيبة، والله يمتن ببعث هذا النبي عليه الصلاة والسلام- فكيف يحصل مثل هذا؟! وهذا ليس بالجديد قديمًا لما ظهرت الفرق المعتزلة على سبيل المثال وما تفرع عنهم من طوائف أهل الكلام اشتغلوا بالفلسفة اليونانية والمنطق، وصار ذلك ديدنهم وشُغلهم شُغلوا به عن القرآن وعن السنة فلم يكن لهم معرفة بذلك ولا فقه ولا بصر، فكانوا يقولون ويُصرحون في كتبهم ومصنفاتهم: إن هذه العلوم علوم النقل هي للجمهور، الجمهور هم العامة، لكن العلوم العقلية والعلوم الفلسفية هذه عندهم للخواص، لأصحاب العقول، لأهل التميز والذكاء، ثم ما الذي حصل بعد ذلك؟
صاروا يقدمونها على الكتاب والسنة، ويقولون: كل ما خالف العقل فهو إما منسوخ أو مؤول، ويقولون: العمدة والعبرة والاعتماد على المقاييس العقلية، والنقل تابع لها وعاضد، فيقولون: يُقبل النقل يعني الكتاب والسنة على سبيل الاعتضاد لا على سبيل الاعتماد، فتركوا هذا الوحي وهذا الهدى، فإذا قرأت في كلامهم في العقائد كأنما تقرأ في كتاب من كُتب المنطق البحت الذي ألفه أولئك من اليونان ونحوهم، طيب فأين هذا الهدى الذي امتن الله به وبعث النبي ﷺ ما قيمته إذا كان تابعًا للعقل؟
إذن العقل أصبح هاديًا ورسولاً ومتبوعًا ومقدمًا على الوحي، ويقولون: علوم النقل هذه لا تُفيد إلا الظن فلا تصلح للاعتماد في أبواب الاعتقاد، حتى القرآن يقولون: دلالته ظنية، وإن كان من جهة الثبوت قطعيًّا، وأما السنة فيقولون هي في الغالب آحاد والآحاد ظني، طبعًا هذا الكلام غير صحيح لكن هكذا يقولون، إذن لا يصح علوم النقل يعني الكتاب والسنة علوم الوحي لا تصح أن تُعتمد في الاعتقاد هذا قاله هؤلاء من أهل الكلام حتى جاء بعدهم من قال حتى هذه العقول تتفاوت وتختلف ولا أدل على ذلك أنكم انقسمتم إلى طوائف فرق كثيرة يُكفر بعضها بعضًا، وأنتم تدعون أنكم أصحاب عقول، فهذا بُرهان من واقعكم وحالكم أن العقل لا يصح أن يكون معتمدًا، فجاءت طوائف يقولون بأن المُعتمد هو الحِس فقط، ما يُدرك بالحواس الخمس، وما عداه لا عبرة به، لا عقل ولا نقل.
وجاء بعدهم من يقول حتى الحِس يُخطأ فيرى الشيء من بعيد على غير صورته الحقيقية، ويرى النجم صغيرًا، ويرى الإنسان لربما على هيئة الشجرة، أو الفرس على هيئة الشجرة، ويرى العصى في الماء منكسرة، ويرى، ويرى، يرى السراب في وقت النهار أو في ارتفاع الضحى يراه كالماء؛ ولكنه لا حقيقة له، وقالوا: حتى الحِس يُخطأ، فجاءت طوائف السفسطائية واللا أدرية الذين لا يؤمنون لا بعقل ولا بنقل ولا بحس ولا بشيء هذه سفسطة، -نسأل الله العافية-، أين هذا من قوله: لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ كيف يُترك هديه ويُشتغل بقول فلاسفة ضُلال لا يعرفون الله ، أو يُقتدى بأمم كافرة وثنية، وأحسن الأحوال أن يكون هؤلاء من أهل الغضب أو الضلال يعني يترددون بين الغضب والضلال، في كل ركعة نستعيذ من حالهم ومن طريقهم ومسلكهم: اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيم صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّين [الفاتحة:5-7]، ومع ذلك يُقلد المغضوب عليهم والضالين، يُقلدهم في أفكارهم وفي عاداتهم وفي أحوالهم من غير فقه ولا وعي، الشيء الذي يصدر عنهم جميل، والذي يكون من هذا الدين يسخر به وينتقده وينتقصه ويرى أنه مصدر التخلف، طيب وأولئك؟
أولئك أصحاب العقول المنحرفة والأديان المحرفة كيف يكون ما يصدر عنهم كمال ويغتبط به هذا الذي اتبعهم، ويكون هدي النبي ﷺ بخلاف ذلك؟! والناس في هذا في غاية التفاوت كما لا يخفى، والله المستعان.
فلنا في رسول الله أسوة حسنة، فينبغي أن نتبعه ظاهرًا وباطنًا، نقتدي به في أحواله كلها فهو أكمل الهدي لن نجد هديًا أكمل منه إطلاقًا، فلا حاجة؛ لأن يعبث الإنسان بظاهره أو أن يبعث بباطنه وفكره وقلبه وعقله يبحث هنا وهناك في زُبالات أذهان وأفهام هؤلاء الكفرة المنحرفين.
نسأل الله -تبارك وتعالى- أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، وأن يرزقنا وإياكم شكر نِعمه، وأن يسلك بنا صراطه المستقيم، وأن يحشرنا تحت لواء نبيه -صلى الله عليه وآله وسلم-، وأن يجعلنا وإياكم من أتباعه وأهل الاقتداء به، إنه سميع مجيب، والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.
- أخرجه البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، برقم (7280).