الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
لما ذكر الله -تبارك وتعالى- من شنائع اليهود، حيث قالوا: إن الله فقير ونحن أغنياء، وكذلك ذكر قتلهم الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-، وتوعدهم بالعذاب.
قال الله -تبارك وتعالى- بعد ذلك مُبينًا لسوء حالهم ومقالهم، وما هم عليه من العتو والتمرد والكذب الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِين فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَاؤُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِير [آل عمران:183-184].
الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا الذين هم اليهود، الذين سبق قولهم: إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء، هؤلاء اليهود الذين قالوا هذه المقالة: إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ يقولون: بأن الله -تبارك وتعالى- أوصانا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان، وهذا بمعنى الصدقة التي يأتي بها، ثم توضع، ثم تنزل نار من السماء فتُحرقها، وأن ذلك كان علامة على قبولها، أن الله قد قبلها، فكذبهم الله -تبارك وتعالى- بأنه قد جاءهم رسل قبل النبي ﷺ بالحُجج الواضحات والبراهين الساطعات، يعني: آيات الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-، ومنها خوارق العادات التي يُقال لها: المعجزات، جاءوا بها، وجاءوا بالذي قلتم، هذا الذي طلبتم واقترحتم، قُربان تأكله النار، ومع ذلك لم يكن يُقابل ذلك بالتكذيب فحسب، بل بالقتل فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِين لم قتلتم هؤلاء الأنبياء الذين جاءوا بما طلبتم إن كنتم صادقين في هذه الدعوى أنكم لا تؤمنون حتى يأتيكم بقربان تأكله النار، هؤلاء جاءوا بقرابين، وكان نتيجة ذلك القتل.
ثم قال الله -تبارك وتعالى-: فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ إن كذبك هؤلاء اليهود فلست بأول من يُكذب، وهكذا إن كذبك غيرهم فذلك أمر ذاع وكثُر في الأمم، حيث كذبوا رُسلهم -عليهم الصلاة والسلام-، ولم يكن ذلك مُبررًا بكون هؤلاء الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- لم يأتوا بما يدل على صدقهم، بل جاءوا بالبينات والزُبر والكتاب المنير، جاءوا بالبينات: الآيات الدالة على صدقهم، مما يقطع العُذر، وكذلك أيضًا الزُبر، جاءوا بالكُتب التي أوحى الله بها إليهم، والكتاب المنير البين، الواضح الذي يُنير الطريق للسالكين.
يؤخذ من هاتين الآيتين الكريمتين حال هؤلاء اليهود، وأنهم غاية في الشر والتمرد على الله -تبارك وتعالى-، والعتو على رسله -عليهم الصلاة والسلام- على خيار الخلق، بل كما ذكرنا في الليلة الماضية على أنبيائهم، ومعلوم ما وقع منهم في حق موسى كبير أنبياء بني إسرائيل -عليه الصلاة والسلام- فقد لقي منهم عنتًا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً [البقرة:55]، فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُون [المائدة:24]، مردة.
ولما دخلوا بيت المقدس بعد التيه، تلك المدة الطويلة، والمشهور أن الذي دخل بهم الأرض المقدسة هو يُوشع على خلاف بين أهل العلم، ومع ذلك لما حصل لهم الفتح، وأمروا بدخولها سُجدا، أمروا بفعل وقول، وأن يقولوا: حِطة يعني حُط عنا خطايانا، فماذا فعلوا؟
دخلوا يزحفون على أستاههم، ويقولون: حبة في شعرة، كما جاء في بعض الروايات، استهزاء، فتح مدينة الجبارين الذين قالوا: لا طاقة لنا بهم ولا بقتالهم، اذهب أنت وربك، فلما فُتحت، حتى قال بعض المفسرين كالشيخ عبد الرحمن بن سعدي -رحمه الله-، وغيره إن قوله: فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ [المائدة:26]، على احتمال في موضع الوقف يتغير معه المعنى كما هو معلوم، فإذا كانت محرمة عليهم أربعين سنة في هذه المدة يتيهون في الأرض، فقال هؤلاء العلماء: "بأن الأربعين هذه يحصل بها نشأ جديد[1]، وجيل جديد، فيذهب ذلك الجيل البائس، ويخرج جيل جديد يستحق دخول هذه المدينة، والنصر بعد فضل الله ورحمته، أما هؤلاء لا يستحقون".
وأما من قال إن الوقف على قوله تعالى: فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ [المائدة:26]، وسيأتي إن شاء الله تعالى في موضعه قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ، قالوا: هذا الجيل لم يدخل منهم أحد، كلهم هلك، وأنهم يتيهون أربعين سنة، أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ [المائدة:26]، والأول أشهر وأرجح، والله أعلم، حتى قيل إن موسى قُبض في التيه، وهارون قُبض في التيه، بصرف النظر عن هذا، وبعض المفسرين يقول: بأن موسى وهارون لم يكونا معهم في التيه، لكن هي مسافة على كل حال قصيرة، ومع ذلك قضى الله أن يتيهوا فيها.
الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا، وهذا أيضًا يدل على كذبهم وجُرأتهم على الله، إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أوصانا، بعضهم يقول في التوراة، وهم كذبة، أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ فهذا من افترائهم وكذبهم، ثم هذا الكذب موجه لمن؟
موجه للرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- يكذبون عليه، وهم يعلمون صدقه وأنه يوحى إليه، ومع ذلك هم بهذه الجُرأة إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا، فالكذب إذا كان موجهًا في خطاب النبي ﷺ فهذا لا شك أنه أعظم، وإذا كان الكذب على الله، فهذا أعظم الكذب قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُون [يونس:69]، فليس ذلك كالكذب على الناس أن تقول: فلان قال، ولم يقل، وإنما هو كذب على الله في خطاب موجه للنبي ﷺ فجمعوا بين أقبح الكذب.
وقوله -تبارك وتعالى-: حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ يعني: مما يدل على صدقه، كان المُقرب إذا قرب القُربان، فأكلته النار، فذلك دليل على صدقه عندهم كما يقول أبو جعفر ابن جرير -رحمه الله-: "بأنه إذا ادعى دعوى، وقرب قربانًا فأكلته النار فهو صادق"[2].
كذلك أيضًا هذا الرد على هؤلاء اليهود قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِين، الرد على هؤلاء المعاندين المُكابرين فيما يكون من الباب الذي طلبوه أو ولجوا منه، أو الشرط الذي اشترطوه، ما قال لهم: هذا غير صحيح، ولم يعهد إليكم بذلك، وإنما قال: قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ.
فالرد على المُبطل بجنس دعواه بإدحاضها، وبيان ما فيها هذا أبلغ وأقوى، يدعي دعوى ويُكابر ويُطالب ويقول: أنا لا أقبل إلا بكذا، يُقال: قد جاءك فلان بكذا ولم تقبل، إذًا أنت لا تطلب الحق، فهذا المُعاند والمُجادل أحيانًا لا يريد الحق أصلاً، هو يريد رد الحق أو إبطال الحق، فيحتج بحُجج باطلة، تارة يختلقها من عند نفسه، يعني كذب، هي مبنية في الأساس على كذب، وتارة يلوي، يُحرف النصوص، ويُبدل؛ ليكون ذلك دليلاً على دعواه.
فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِين في دعواكم أنكم لا تؤمنون، حتى يأتيكم بذلك البُرهان، فدل ذلك على أنهم غير صادقين، ولا يطلبون الحق، ومثل هؤلاء لا يحتاجون إلى تطويل في الرد عليهم؛ لأن ذلك لا يُجدي أصلاً، وإنما يكفي أن يُبين أن هذا مُبطل، وأنه لا يريد الحق، والمُجادلة والمُناظرة تارة يُقصد بها هداية المُجادل المُبطل صاحب الباطل، وتارة يُراد هداية أتباع هذا المُبطل، الخطاب لهم، فهذا كله يُراعى فيه الأساليب اللائقة التي من شأنها أن تجذب نفوس هؤلاء.
وتارة لا يُقصد لا هداية هذا، ولا من معه، يُراد كسره، يعني بيان أن هذا الإنسان مُبطل، وأنه مفتري، فمثل هذا يمكن أن يؤتى بالحُجج القوية الدامغة التي يُكسر بها، ويكون الكلام فيه شدة لا إشكال؛ لأنه لا يُنتظر منه القبول والاستجابة، فيُفرق بين هذا وهذا وهذا.
فالمقصود هو أن يُعرى أمام الناس، أن هذا جاهل، وأن هذا لا يطلب حقًا، وليس بصاحب حق أصلاً؛ لئلا يغتروا به، فيختلف الأسلوب في هذه المناقشات والمناظرات والمُجادلات بين حال وحال، ولا يصح أن تكون المناظرات والمجادلات على حال سواء، وهذا يُحتاج إليه فيما يُكتب من الردود، ويُحتاج إليه فيما يحصل من الخطاب الموجه لأهل الأهواء والبدع، أو لأهل الأديان الأخرى، وقد يكون ذلك بمناظرات عبر قنوات أو بوسائل التواصل هذه، يُسجل مقاطع، أو غير ذلك، ينبغي أن يُراعى المقصود والهدف من هذا الخطاب أو الجدال أو المُناظرة، ونحن ننسى هذا كثيرًا، ويكون الخطاب على حد سواء، ومن غير نظر إلى الأهداف يعني تارة يكون في غاية القسوة، وعبارات لا حاجة إليها، ولا يمكن أن يقبل هؤلاء الحق مع هذه العبارات القاسية، نصكه صك الجندل، ونُنشقه الخردل، ثم بعد ذلك نطلب منه أن يستجيب، لن يستجيب.
تُناظر يهودي، فتقول له: يا إخوان القردة والخنازير، يا عبدة العِجل، يا قتلة الأنبياء، لن يقبل هذا الكلام، إذا كنت تريد هدايته، لكن إذا كنت تريد كسره وبيان أنه مُبطل، فلا إشكال.
وقوله -تبارك وتعالى-: فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ لاحظ هذا فيه تسلية للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، واضحة، ووجه ذلك معلوم، لا يخفى، وهو أن الإنسان يتسلى بما وقع لغيره، لست أول من يُكذب، وتكذيب الصادق أصعب ما يكون، يعني الكاذب لو قيل له: أنت كذاب غضب، فكيف إذا وجه هذا إلى الصادق، بل أصدق الصادقين، ويُقال له: كذاب، تصور: كذاب، وساحر، ومجنون، وشاعر، لو أن أحدًا وجه إليك شيئًا من هذا! يبقى الإنسان في حال من الاستياء، لا يستطيع معها أن يقر له قرار، ولا يأكل، ولا ينام، ولا يشرب، يُقال له: كاذب، ومجنون، وساحر، أسوء الأوصاف تُقال في حق الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-.
فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ، وهذا فيه تسلية لأتباعه، والدعاة إلى الله من بعده، والعلماء هم ورثة الأنبياء، فما يوجه إليهم من قالة السوء ومن الطعون الفاسدة من قِبل أهل النفاق والضلال على اختلاف أصنافهم ومشاربهم وأهوائهم ودواعيهم؛ فإن ذلك لا يضره.
وكما ذكرنا في بعض المناسبات في قول ابن جرير في قوله -تبارك وتعالى-: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ [النور:26]، ابن جرير يرى أن ذلك في الخبيثات من المقالات للخبيثين من الناس[3]، يعني: بمعنى أنها إذا قيلت فيهم فهم أهلها.
وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ [النور:26] فإذا صدرت عنهم هذه الكلمات السيئة، فهم أحق بها، ولا تضر من قيلت فيه من أهل الصلاح والخير والفضائل، بل يكون رفعة لهم.
وهذا أمر مُشاهد عبر التاريخ، ما ضر السماء والسحاب نبح الكلاب، فهذا لا أثر له، هل ضر هؤلاء الرُسل قول هؤلاء المجرمين بأنهم سحرة، وأنهم كذبة، وأنهم مجانيين، وأنه اعتراهم بعض آلهة هؤلاء الكفار بسوء؟
أبدًا، لم يحصل هذا، ما ضرهم، وهل ضر أتباعهم؟
انظر إلى الأئمة الأعلام عبر العصور، هم مصابيح الدُجى، والأمة تنتفع بعلومهم وكلامهم، وتترضى عليهم، ولكن أولئك أصحاب المقالات السيئة ذهبوا، وبقي عليهم وزرها، الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ [النور:26] إذا صدرت منهم ضرتهم، وإذا قيلت فيهم فهم أهلها، ولا يضر ذلك أهل الإيمان وأهل الصلاح وأهل الفضل وأهل الخير، فهذه تعزية فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ لا تبتئس، فالمقالات التي تُقال في المُصلحين، والأخيار إنما تضر قائلها، لا تضر هؤلاء شيئا، لا تضر إلا من قالها، وصدرت عنه، ولهذا قال الله في أعظم إفك وجِه إلى بشر، قُذف عرض النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- عرض عائشة، عِرض أبي بكر، هؤلاء الثلاثة، ثم ماذا؟
برأها الله ، وقال: لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ [النور:11]، وهل فيه أعظم من هذا! اتهام عرض النبي ﷺ، ويبقى هذه المدة الطويلة لا ينزل عليه شيء، ومع ذلك الله يقول: لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم، فما يوجه إلى أهل العلم والصلاح والخير، خيار الأمة من قِبل حفنة من الأوباش الذين لا خلاق لهم، هذا لا يضرهم، بل يضر قائله، ونقول: لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ [النور:11].
فهذا فيه تسلية فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَاؤُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِير، هذا أعظم، يعني: كون هؤلاء يأتون بكل هذا، ويوجهون بالتكذيب، يعني قد يواجه التكذيب للصادق، وليس معه مثل هذه البراهين والكتب والزُبر، فيشق عليه ويعظُم، فكيف مع هذه الدلائل والبينات والحُجج الباهرات، ومع ذلك يُكذب، فإذا كان هؤلاء كذبوا وأوذوا فغيرهم من باب أولى، ما سلم هؤلاء، فكيف تُطلب السلامة.
كذلك أيضًا فإن قوله -تبارك وتعالى-: فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ يعني: هذا تعليل لجواب الشرط فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ، يعني: فتسلى لا تبتئس، حتى إن بعض أهل العلم أخذ من تنكير لفظ الرُسل فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ أن هذا يدل على التكثير، وأنهم رُسل عظام كبار، وحصل لهم مثل هذا التكذيب، وعند ذلك يوطن الإنسان نفسه على احتمال الأذى.
ونسأل الله أن يُعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحُسن عبادته، اللهم ارحم موتانا، واشفِ مرضانا، وعافِ مبتلانا، واجعل آخرتنا خيرًا من دنيانا، ربنا غفر لنا ولوالدينا ولإخواننا المسلمين.
والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.
- انظر: تفسير السعدي، (228).
- انظر: تفسير الطبري، (10/203).
- انظر: تفسير الطبري، (19/141).