الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
في الآيات التي سبقت من هذه السورة الكريمة (سورة آل عمران) قص لنا القرآن من خبر عيسى ، وما جاء به من الآيات البينات والدلائل الواضحات على صدقه، وأن الله -تبارك وتعالى- قد أرسله إلى بني إسرائيل، وما جاء به من التخفيف عنهم بحط الآصار والأغلال والتكاليف الثقال، التي كانت مفروضة عليهم، وكل ذلك لم يُجد شيئًا مع من أعمى الله بصيرته، وأصر على كفره وضلاله، فقال الله -تبارك وتعالى-: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُون [آل عمران:52].
فقوله: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ أحس بمعنى أنه قد علم ذلك منهم علمًا بمنزلة المحسوس، فلا شك أن العلم المُدرك بالحواس في غاية القوة، فعيسى علم منهم الكفر علمًا يقوم مقام المُشاهدة، فهو بمنزلتها، أو بمنزلة ما يُحس بالحواس، وقد استيقن ذلك، ولم يكن في الأمر غبش ولا خفاء، فهذا يُعبر به عما كان بهذه المثابة من العلم المُتيقن، الذي يقطع به صاحبه، فيكون بمنزلة المحسوس.
فلما أحس عيسى منهم الكفر قال: مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ يعني: من ينصرني في طريقي إلى الله، وفي سلوكي إليه، وفي توجهي إليه، ودعائي إليه.
فعُدي هذا اللفظ (أنصاري) بـ(إلى) ولم يُعد بـ(مع) فلم يقل: من أنصاري مع الله، فبعض أهل العلم من النحويين من أهل الكوفة من مذهبهم أنهم يقولون: بتعاقب حروف الجر وتناوبها، فيقولون: بأن (إلى) في قوله: مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ بمعنى (مع) أي من أنصاري مع الله، فيكون بهذا المعنى قد استراحوا.
وأما على مذهب فقهاء النُحاة، وهم أهل البصرة، فإنهم يقولون: بأن هذا اللفظ قد ضُمن معنى لفظ آخر، يصح أن يُعدى بـ(إلى) فيكون ذلك أوفى في المعنى.
فعندما قال الحواريون: نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ والحواريون جمع حواري، ويُقال هذا اللفظ لما كان خالصًا، لا شوب فيه، فالخُبز الحواري: هو النقي من كل شوب، والثوب الحواري: هو ناصع البياض، فالخُلص من أتباع الأنبياء وأصحابهم هم الحواريون، وقد قال النبي ﷺ: لكل نبي حواري وحواريَ يُقرأ بالفتح والكسر وإن حواريَ الزُبير[1]، يعني: ابن العوام ، فالحواريون هم أنصار الرسل، وخاصتهم، وهم أقرب الناس إليهم، الذين تشربوا الإيمان، وارتاضت نفوسهم به، وهم أثبت الناس في الشدائد، وذكر أهل العلم في سبب تسميتهم بذلك غير ما ذكرت، لكن هذا هو الأقرب، وهو المشهور عند المفسرين.
قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ نحن أنصار الله بنصر دينه، ونصر رسوله .
آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُون يعني: أنه أذعنت قلوبهم، وانقادت، وأقروا بألسنتهم، وتحققوا بالإيمان والتصديق والانقياد وَاشْهَدْ أشهدوا عيسى توكيدًا لذلك، بِأَنَّا مُسْلِمُون أي: مستسلمون منقادون لله -تبارك وتعالى-، وهذا يمكن أن يكون تفسيرًا لإيمانهم، فيكون بهذا الاعتبار الإسلام بإزاء الإيمان، ويمكن أن يكون ذلك من باب الزيادة، فهم آمنوا بالله، وأسلموا بجوارحهم، وانقادت لربها، ومليكها، وخالقها .
فدل قوله: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ على صلف هؤلاء وبجاحتهم، حيث إن كفرهم لم يتواروا به، ولم يخفوه، بل أظهروه إظهارًا جليًّا، بحيث إنه صار له بمنزلة المشاهد، فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ فلم يقل: علم منهم الكفر؛ وذلك لوضوح وظهور هذا الكفر، فهو في غاية الجلاء بمنزلة المحسوس.
كما يُؤخذ من هذه الآية: بأن الآيات مهما عظمت، فإنها لا تنفع من أراد الله فتنته، وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ [المائدة:41] فهؤلاء بقوا في حالة من الارتكاس بالكفر، فلم يُرد الله -تبارك وتعالى- أن يُطهر قلوبهم، فبقوا على حالهم وضلالهم وكفرهم.
فعيسى جاء بهذه الآيات الباهرات، وتكلم في المهد وهو صبي، وأي آية بعد هذا؟! ثم بعد ذلك يخلق لهم من الطين كهيئة الطير، فينفخ فيها فتكون طيرًا بإذن الله، ويُحيي الموتى بإذن الله، ويُبرئ الأكمه والأبرص، وجميع الأدواء التي أعيت الأطباء، فبمجرد ما يمسح على الواحد منهم يبرئ، كأن لم يكن به بأس، وهذا يدل على عِظم قُدرة الله -تبارك وتعالى-، وأن الأمور بيده، وهذا نبي من أنبيائهم ومن أنفسهم، ومن بني إسرائيل، وليس من غيرهم، فقد استنكفوا أن يأتي محمد رسول الله ﷺ بالرسالة، وهو من العرب، بعد أن كان الكتاب في بني إسرائيل، فهذا عيسى منهم، ومن جملة أنبيائهم، ومع ذلك حصل منهم التكذيب، مع أن آيته مُبكرة جدًا، حيث تكلم في المهد، ومع ذلك يُصرون على أن ينبزوه بأنه ابن زنا، -قبحهم الله، وشرفه ورفعه- فهؤلاء لا حيلة معهم، يتكلم في المهد، ومع ذلك يقولون عنه مثل هذه التهمة، ابن الزنا، وهو المتكلم في المهد! أولاد الناس الذين من أصلابهم لا يتكلم أحد منهم في المهد، وإنما تكلم في المهد ثلاثة، وما جاء في الروايات في الزيادة على ذلك قد لا يصح منه شيء، فيكون ذلك على سبيل خرق العادة، فهو آية معجزة، ومع ذلك يتهمونه بالزنا، فهذا يدل على أن من كان مرتكسًا في ضلالته، فإن البينات والبراهين لا تُجدي معه، وهذا كثير، وانظر إلى أصحاب الضلالات من أهل المذاهب الباطلة، كالرافضة على سبيل المثال، فهم يعتقدون أن أهل السنة يكرهون أهل البيت، ويُبغضونهم، ويُعادونهم، وهذا الكلام ليس بجديد، فهو منذ أكثر من ألف سنة، مهما فعل أهل السنة يسمون أولادهم بالحسن والحسين وعلي وجعفر والعباس، ويسمون البنات بفاطمة وزينب، ومع ذلك يزعم الرافضة أن أهل السنة: يُبغضون أهل البيت، ويُحاربونهم، مع أن أهل السنة يثنون على أهل البيت، ويترحمون عليهم، ويعتقدون أن محبتهم من الإيمان، ويُذكر في عقائد أهل السنة التي تُدرس في المدارس، ويُذكر في إذاعاتهم، وفي قنواتهم، ويُذكر في مجالسهم، ويُذكره عجائزهم وكبارهم وصغارهم، ويترضون عليهم، ويسمون المساجد بهذه الأسماء، مسجد زين العابدين علي بن الحسين، ومسجد علي بن أبي طالب، ومسجد الحسن بن علي، ومسجد الحسين بن علي -رضي الله عنهم وأرضاهم-، ومسجد فاطمة -رضي الله عنها-، ويخطبون ويتحدثون ويُحاضرون، وهو أمر مُقرر، يراه الجميع، ومع ذلك عندهم أن أهل السنة يُبغضون أهل البيت، ويُعادونهم، مع هذا كله الذي يراه العالم، إلا أنهم يُبغضون أهل البيت عند هؤلاء، فمن كان مُرتكسًا في ضلالته فإنه لا يُجدي معه شيء، ولو أتيته بكل آية، فإن ذلك لا ينفعه، ولا يُغير من حاله قليلاً ولا كثيرًا، كما قال الله تعالى: وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ [الأنعام:111] هل في أكثر من هذا؟! تنزل الملائكة، وتكلمهم الموتى: أن هذا رسول، وهذا حق وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ فمن كان بغوايته متمسكًا فإنها لا تنفع معه الآيات والنُذر، كما هو معلوم.
فهؤلاء رأوا هذه الآيات، ومع ذلك كذبوا، وقالوا أقبح ما يمكن أن يُقال في حق عيسى ، ولم يكتفوا بهذه التهم، وإنما عملوا على قتله، وجدوا واجتهدوا، وسعوا في ذلك حتى رفعه الله إليه، ويدل على ذلك أيضًا: أنه استشعر منهم المكر والكيد والتدبير لأذيته وقتله؛ ولهذا قال: مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ سأل هؤلاء من أنصاري إلى الله؟ فكان في مقام يحتاج فيه إلى النصرة، وطلبها؛ وذلك من أجل إظهار دعوته، كما كان النبي ﷺ يسأل في مجامع العرب من يحميه ويأويه، حتى يُبلغ دعوة ربه، فدل ذلك على أن الدعوة والداعية وأئمة الدعوة، وهم الرسل -عليهم الصلاة والسلام- بحاجة إلى الأعوان الذين يُبلغون هذه الدعوة، ويحملونها، فإن من طبيعة هذه الدعوة أنها تحتاج إلى حملة يقومون بما يجب، ويجتهدون ويجدون في تبليغها للعالمين، فهذا من سنة الله في هذا الخلق.
والنبي ﷺ خرج من مكة شريدًا طريدًا، ليس معه إلا رجل واحد من أنصاره، وهو أبو بكر ، كما قال الله تعالى: ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ [التوبة:40] لكن الله هيأ له الأنصار في المدينة، فنصروه، وآزروه، وحملوا دعوته، ودافعوا عنها، فلا بد من الجد والاجتهاد في تبليغ أمر الله ، ونحن نعلم ونتيقن أن دين الله قد جاوز القنطرة، كما قال الله : الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا [المائدة:3] فهذا الدين قد تجاوز المرحلة التي قد يطمع فيها الأعداء بإطفاء نوره، يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ [التوبة:32] فمن الذي يستطيع أن يُطفأه؟ ولذلك فإن الله لا يزال يغرس لهذا الدين غرسًا يستعملهم في طاعته، وهكذا يأتي في كل جيل رجال وهم في أصلاب آبائهم، يحملون هذا الدين، ويُبلغونه للعالمين، لكن الخشية ليست على دين الله هذا نوره الذي لا يستطيع البشر أن يُطفؤه، وهو الدين الخاتم الذي لا دين بعده، فلا يمكن لأحد أن يُطفأه، ولكن الخشية علينا، فنحن حينما نتخلى عنه، ونتنازل عن هدى الله -تبارك وتعالى- فنخسر الدنيا والآخرة.
ففي مثل هذه المقامات التي يموج فيها الناس، ويحصل فيها الاشتباه والاختلاط، يحتاج الداعية إلى المُخلصين من أهل الإيمان، الذين يذبون عن دين الله ، ويحمونه، ويثبتون في أوقات الشدائد، فلا يرجعون، ولا ينتكسون، ولا يتلونون، ولا يكون منهم شيء من النفاق الذي يحصل للضعفاء والمتشككين في دينهم وإيمانهم، مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ فهؤلاء الذين يثبتون.
وفي غزوة حُنين حينما انهزم الناس، ولم يبق مع النبي ﷺ إلا نحو عشرة كان المنادي يُنادي، وهو العباس بن عبد المطلب : يا أصحاب السمرة! يا أصحاب سورة البقرة، هؤلاء الذين بايعوا تحت الشجرة، لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح:18] شجرة الحُديبية، فهؤلاء عطفوا عليه عطفة البقر على ولدها، فرجعوا إلى النبي ﷺ، وثبتوا، وجالدوا العدو، فتطاول النبي ﷺ، وهو على بغلته البيضاء (دُلدُل) وقال: هذا حين حمي الوطيس[2]، فتحقق النصر، مع أن هؤلاء الأعداء قد كمنوا لهم في مضايق من وادي حُنين، وصاروا يرمونهم بالنِبال، كأنها مطر تُعزعزه الريح، وكان لا يكاد يُخطأ لهم رمية، ومع ذلك استقبلوهم بوجوههم، وانتصروا عليهم انتصارًا ساحقًا، وهكذا في حرب اليمامة مع المرتدين من أتباع مسيلمة، تضعضع الناس، وانهزموا، فخالد بن الوليد استبعد الأعراب الذين كانوا في مقدم الصفوف، وجاء بأصحاب النبي ﷺ من أهل بدر، ووضعهم في مُقدم الجيش، فتحقق النصر، وقُتل مُسيلمة، وقُتل من أتباعه خلق كثير، ونصر الله دينه نصرًا مؤزرًا، فهؤلاء هم الصفوة وهم الخلاصة، فليست العبرة بالكثرة والغُثاء الذين يكونون في أوقات النصر والتمكين والغلبة والقوة والعافية، وإنما الذين يثبتون في أوقات الشدة والغُربة، واليوم أعداء الله من الشرق والغرب قد صوبوا أهل الإيمان ورموهم عن قوس واحدة، بألوان الحروب، كما هو معلوم، فاللائق بأهل الإيمان أن يثبتوا، وأن لا يكون ذلك سببًا لتشككهم في مبادئهم وإيمانهم ودينهم وعقيدتهم، فهذه سنة الله في هذا الخلق.
وأيضًا في قول عيسى : مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ يدل على الأخذ بالأسباب، فالله قادر على نصر أوليائه، ولكن هذا من باب فعل السبب.
وهذه النصرة لا يظهر أن المراد بها النصرة بالسيف بالقتال؛ لأن عيسى لم يكن ممن قاتل الأعداء، وإنما النصرة هنا نصرة الدعوة إلى الله -تبارك وتعالى-، والثبات والحجة والبرهان، ونحو ذلك.
وقوله: إِلَى اللّهِ يُشعر بالغاية؛ لأن (إلى) تُستعمل للغاية، فيُؤخذ منه: الإخلاص، بخلاف ما لو قال: من أنصاري في الله، وكذلك أيضًا فهذا النصر يوصل إلى الله -تبارك وتعالى-، مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ أي: من أنصاري سائرين، أو واصلين معي بنصرهم إلى الله -تبارك وتعالى-، فالسير إلى الله هو غاية الدعاة، وغاية أهل الإيمان، فهم يطلبون ما عنده، ويرجون ثوابه، ويخافون عقابه، فالداعية لا يجمع الناس حول نفسه، ولا يقصد بذلك أن يكون له العلو في الأرض، ولا يقصد شهرة ولا جاهًا، ولا مالاً، ولا غير ذلك، إنما يُريد أن يوجه الناس إلى وجهة واحدة، وهي أن يعبدوا الله وحده دون سواه، مَنْ أَنصَارِي أنصاري حال التجائي إلى الله في دعائي إلى الله، وأنصاري إلى أن أُبين أمر الله، ونحو ذلك من التقديرات، التي ذكرها أهل العلم.
فقال الحواريون عندها: نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ هذه المُبادرة وقت الشدة تدل على رسوخ هؤلاء في الإيمان، وأن هؤلاء قد انتدبوا لحمل هذا الدين، والذود عنه، مهما كان الثمن، الذي سيُبذل في سبيل ذلك، ويأخذ من قولهم: نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ الصراحة التي أعلنوا بها، وأيضًا أنهم لم يقولوا: نحن أنصارك؛ لأنه قال لهم: مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ فالغاية هي الله، فقالوا: نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ فعبروا عن ذلك، فهذا يدل أيضًا على الإخلاص، وما ينبغي من التوجه إلى الله -تبارك وتعالى-، وأن يكون هو الغاية.
وقوله: نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُون يؤخذ منه أيضًا: إشهاد الإنسان على نفسه بالإيمان، ونحو ذلك، فهذا لا إشكال فيه إذا دعت الحاجة إليه؛ وذلك فيه ما فيه من تقوية المتبوع.
وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُون فجاءوا بلفظ الشهادة، و(أنّ) التي تدل على التوكيد.
وأيضًا في قوله: وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُون دليل على أن الإسلام هو دين جميع الرسل -عليهم الصلاة والسلام-؛ ولهذا قال الله : مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا [آل عمران:67] فالذي جاء به المسيح ، والذي كان عليه أتباعه الحقيقيون هو الإسلام، أما تلك الأديان المحرفة المُبدلة، فليست من دين الله في شيء.
وأيضًا قوله: وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُون هذا فيه أن قول الإنسان: أنا مؤمن، أو نحو ذلك، لا إشكال فيه، فليس فيه تزكية، وأن من منع ذلك فإن هذه الأدلة مثل هذا الموضع وغيره ترد عليه، فإذا قال الإنسان: أنا مؤمن، أنا مسلم، ونحو ذلك، فلا إشكال في ذلك، ولا يحتاج أن يستثني في ذلك فيقول: إن شاء الله، ولا يكون ذلك من قبيل تزكية النفس.
والله تعالى أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.
- أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب غزوة الخندق وهي الأحزاب برقم (4113) ومسلم في كتاب فضائل الصحابة -رضي الله عنهم-، باب من فضائل طلحة، والزبير -رضي الله عنهما- برقم (2415).
- أخرجه مسلم في كتاب الجهاد والسير باب في غزوة حنين رقم (1775).