بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
نبدأ بالكلام على هذه الآيات التي خاطب الله -تبارك وتعالى- بها بني إسرائيل، فقال الله -تبارك وتعالى: وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ [سورة البقرة:58] واذكروا نعمتنا عليكم حين قلنا: ادخلوا هذه القرية، قال جماعة من المفسرين: المقصود بها بيت المقدس، وقيل غير ذلك، فكلوا من طيباتها في أي مكان منها رَغَدًا أكلاً هنيئًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا يعني: ادخلوا دخولاً تكونون خاضعين فيه لله -تبارك وتعالى- بالفعل، وذلك أنهم يدخلون بهذه الهيئة الركوع، تواضعًا لله .
وقولوا أيضًا قولاً يتفق مع مثل هذا المقام وَقُولُوا حِطَّةٌ يعني: حُط عنا خطايانا، حُط عنا أوزارنا وذنوبنا نَغْفِرْ لَكُمْ هذه الخطايا والذنوب بالتجاوز عنها وبسترها فلا يفتضح صاحبها.
وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ بأعمالهم خيرًا وأجرًا وثوابًا، يعني إضافة إلى مغفرة الذنوب الثواب والأجر للمحسنين منكم.
تأمل هذه الآية في سورة البقرة وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا في سورة الأعراف وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ [سورة الأعراف:161] هنا في البقرة وَإِذْ قُلْنَا فهناك قيل أبهم القائل والآمر وهنا أضاف ذلك إلى نفسه، أبهم لأنه معلوم أن ذلك إنما يكون من قبل الله وبوحيه إلى نبيه وهو موسى .
في سورة البقرة: وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ ادخلوا، في سورة الأعراف وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ [سورة الأعراف:161] لاحظ هنا في سورة الأعراف أمر لهم بسكنى هذه القرية، الإقامة فيها، فماذا قال لهم بعد ذلك في البقرة فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا؟ في سورة الأعراف وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ [سورة الأعراف:161] ما قال: رغدًا.
هنا في سورة البقرة أمر لهم بالدخول، وفي سورة الأعراف بالسكنى والإقامة، ففي سورة الأعراف لما أمرهم بسكناها لم يقرن ذلك بهذا الوصف فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وذلك أن الساكن المقيم مطمئن يتقلب حيث شاء، وقد تعرف على ما فيها، ويتخير من ألوان المطعوم واللذائذ، أما في سورة البقرة ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا فبين أنهم يأكلون رغدًا، فيتهنون لا يخافون الخروج، هو أمر لهم بمجرد الدخول ادْخُلُوا فالداخل قد يساوره شيء من مشاعر القلق أنه لا يستمر ولا يبقى في هذا الموضع، فاحتاج إلى شيء من التطمين قال لهم: فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا.
الإنسان حينما يذهب إلى مكان إلى منتجع يقال: ادخل في هذا المكان، يبقى عنده شيء من المشاعر مشاعر القلق هل سيستمر؟ هل سيطول مكثه؟ هل سيقال له: ارحل؟ فإذا قيل: هذه الأشياء الموجودات كل منها رغدًا، هو أمر بالدخول طيب والأكل! لكن حينما يقال له: اسكن هنا، فهذا يقتضي أنه يأكل من هذا الذي يراه ويشاهده ويجده وهو ساكن النفس مطمئن القلب يتهنا بذلك، ولا يخاف الخروج، فهذا فرق بين الآيتين آية البقرة وآية الأعراف.
ولاحظوا هنا أنه لما أمرهم بدخول هذه القرية قال: وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ أمرهم بقول وفعل، القول: حط عنا خطايانا، والفعل: الخضوع بالركوع لله فإن الركوع والسجود هيئة تدل على التعظيم، ولهذا كما يقول شيخ الإسلام -رحمه الله: لو أن أحدًا فعله من غير علم بأن الله أمر به فإنه ينتفع بذلك، ومثَّل على هذا بالسحرة الذين جاؤوا لإبطال آية موسى فلما رأوا هذه الآية التي لا قِبل لهم بردها ولا تكذيبها ولا معارضتها مباشرة فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ [سورة الشعراء:46] ما كانوا يعرفون السجود، وأنه عبادة لله ولكنهم لم يتمالكوا فسجدوا، فهذا السجود كما يقول شيخ الإسلام نفعهم مع عدم علمهم بأن الله أمر به[1].
هذا السجود عبادة، ولذلك لا يصلح إلا لله ، وهذه الآية يؤخذ منها أن المنحني الراكع يقال عنه: ساجد، وإن لم يصل إلى الأرض، كما تدل عليه ظاهر هذه الآية، وذكره أهل العلم كشيخ الإسلام وغيره، فهم أمروا بالخضوع فيدخل الواحد منهم على هيئة الراكع خضعانًا لله وإعلانًا للتواضع، وهكذا ينبغي لمن نصره الله -تبارك وتعالى- وفتح له البلاد، أن يدخلها على وجه الخضوع والتواضع شكرًا لله ولهذا فإن الذين يستحقون النصر هم أولئك الذي يتواضعون لله ويخضعون له وينقادون لأمره، ويستشعرون فضله عليهم، وأن النصر منه وحده، هذه قضية نحن أحوج ما نكون إليها في مثل هذه الأوقات، الجندي المسلم لا يغتر بالكثرة، الأمة المسلمة لا تغتر بالعدد، لا يغتر بكثرة العُدد.
والله -تبارك وتعالى- يقول: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ [سورة التوبة:25] معهم النبي ﷺ وهم الصحابة خيار الأمة وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ لاحظ الجواب فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا [سورة التوبة:25] "شيئًا" نكرة في سياق النفي، يعني ولا شيء، النبي ﷺ يقول: نصرت بالرعب مسيرة شهر[2].
فهنا قوله: فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا يفهم منه أن هذه الكثرة لم تؤثر حتى في العدو، قالوا: "لن نغلب اليوم من قلة" فاجترأ عليهم هذا العدو وصاروا في موضع انهالت عليهم فيه النبال، كما يصفها المؤرخون وأصحاب السير، كأنه مطر تزعزعه الريح، رأيتم المطر الشديد الذي تزعزعه الريح كيف ينصف ويصوف بقوة، هذه النبال وكانوا قومًا من الرماة المهرة، فكمنوا لهم في بعض المضايق في حنين، فلما دخلوا هذا الكمين أعني أصحاب رسول الله ﷺ انهالوا، فانهزم الجميع ولم يبق مع النبي ﷺ إلا نحو عشرة، وكان ﷺ على بغلة لا تحسن الكر والفر، ومع ذلك كان -عليه الصلاة والسلام- لشجاعته وثباته كان يعلن نفسه أمام الجميع ويقول: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب[3].
وأمر العباس بن عبد المطلب عمه أن ينادي: يا أصحاب السمرة، يا أصحاب سورة البقرة[4] أصحاب سورة البقرة الذين يحفظونها ويفهمون معانيها، ويعقلون ما فيها من الفقه والأحكام، ما نادى مسلمة الفتح، حدثاء العهد بالإسلام أو بالجاهلية، وإنما: يا أصحاب السمرة أصحاب السمرة هم الذين بايعوه ﷺ يوم الحديبية تحت شجرة إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا [سورة الفتح:18] هؤلاء هم الذين دعوا، وكان العباس جهوري الصوت، فصار ينادي: يا أصحاب السمرة، يا أصحاب سورة البقرة فعطفوا عليه عطفة البقر على ولدها، رجعوا والسهام تنهال كأنها مطر تزعزعه الريح، فاجتمعت الصفوة، ثم بعد ذلك تحقق النصر الساحق، وحصلت تلك الغنائم الكثيرة جدًا؛ لأن قائم المشركين قائد هوازن والأحلاف الذين كانوا معهم وهو مالك بن عوف النصري كان قد عزم على قومه أن يخرجوا بالنساء والذرية والأموال، فلما جاءه دريد بن الصِّمة وكان شيخًا كبيرًا قد كُف بصره، فقال: ما لي أسمع بكاء الصغير ورغاء البعير؟
الشاهد فقالوا: إن مالك بن عوف قد عزم على قومه أن يخرجوا بنسائهم وأولادهم بذرياتهم وأموالهم، وذلك من أجل ألا يفروا، يعني وراءه نساءه وأطفاله أين يفر؟ فنبر دريد بن الصمة وكان رجلاً شاعرًا مجربًا في الحرب لكنه كان قد ضعف وشاخ وكف بصره فكانوا ينتفعون برأيه في الحرب، فنبر يعني أصدر صوتًا بشفته وقال: روعي غنم أو روعي شاه ورب الكعبة إن الرجل إذا انهزم لا يرده شيء.
يعني: كان يرى أن هذا خطأ استراتيجي أن يخرج النساء والأطفال فيكونون غنيمة قريبة سهلة في أرض المعركة، لا يحتاج أن يتعنى لها المنتصر، وهذا الذي حصل، فلما انهزموا ما كان الواحد يلوي على شيء، فكان على مد البصر النساء والأطفال سبي، والإبل والغنم والبقر، أخرجوا كل ما تحت أيديهم وجاؤوا به إلى وادي حنين، حتى إن النبي ﷺ لما قسم أعطى معاوية بن أبي سفيان مائة من الإبل، وأعطى أبا سفيان مائة من الإبل، وأعطى عيينة بن حصن مائة من الإبل، وأعطى صفوان بن أمية مائة من الإبل، أعطى رجالاً حتى غضب العباس بن مرداس السُلمي كما هو معروف في التاريخ وقال: أتجعل نهبي ونهب العبيد، العبيد هو فرسه، يقول: أنا كنت أطارد القوم، فما أعطاه النبي ﷺ مثلهم، أعطاه أقل منهم، يقول: أنا الذي نهبت هذا.
أتجعل نهبي ونهب العبيد | بين عيينة والأقرع |
وما كنت دون امرئ منهما | وما تضع اليوم لا يرفع[5] |
يقول: هذا اليوم القضية ليست قضية جمال وغنم القضية العطاء هذا سيخلده التاريخ، أعطيت فلان أكثر مني، فأعطاه النبي ﷺ كمَّل له مائة من الإبل.
فمن الذين بقوا، ومن الذين تحقق على يديهم هذا النصر؟ فكان النبي ﷺ يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، لربما أعطى الرجل الواحد ما بين جبلين من الغنم، فرغَّب ذلك أقوامًا من كبراء المشركين في الإسلام، حتى إن مالك بن عوف نفسه راسل النبي ﷺ وجاء مسلمًا، أسلم، تسلل من الحصن حصن الطائف، وجاء مسلمًا وقال قصيدة موجودة في سيرة ابن هشام وغيره.
المقصود أن أهل الإيمان لا سيما أهل القتال والحرب هم أولى الناس بالخضوع والتواضع لله الأمة في هذه الأوقات تعيش حروبًا هي أحوج ما تكون إلى الخضوع لربها وخالقها هؤلاء الذين يقاتلون في على الحدود مع هؤلاء من أتباع الصفويين، الذين يقاتلونهم من هؤلاء الرجال ونسأل الله أن ينصرهم، وأن يثبت أقدامهم، وأن يكبت عدوهم، وأن يرينا فيهم عجائب قدرته إنه سميع مجيب، وهم بحاجة في مثل هذه الأيام إلى هذا الدعاء.
أقول أيها الأحبة: هؤلاء وغيرهم هم أحوج ما يكونون إلى الإخبات والخضوع، يحملون أرواحهم على أكفهم، لا يدري الإنسان متى تكون نفسه، متى تخرج، متى يفارق هذه الحياة، النصر له متطلبات يجب ملاحظتها ومراعاتها، وهكذا كل من يقاتل في سبيل الله فإنه بحاجة إلى أن يتذكر هذه المعاني وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا بعيدًا عن رؤية النفس، أو العدد، أو العُدة، فليس النصر بهذا يعني العدد الكثير في يوم حنين فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا [سورة التوبة:25] يكفي هذا النفي التام الكامل، لم تغن عنكم شيئًا نكرة في سياق النفي يعني ولا شيء.
وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ [سورة التوبة:25] المنهزم كما هو معروف تضيق عليه الأرض، يظن أنه يُطارَد في كل مكان، وقد ذكرنا بعض شواهد ذلك في بعض المناسبات، يشعر أن كل شيء يلاحقه، وأن كل شجرة يراها أو ظل كأنه فرس يطارده، كما قال بعض الشعراء:
وضاقت الأرض حتى ظن هاربهم | إذا رأى غير شيء ظنه رجلاً |
أما ما يفعله بعض المجاهدين، وبعض من ينبغي أن يراجع نفسه في هذه الجزئية الإخبات والخضوع لله تصوير كل حركة يصور نفسه وهو يرمي، ويصور نفسه وهو يهتف بالعدو ويكبر ويصور نفسه وهو يقاتل، ويصور نفسه وهو يهاجم، ويصور نفسه وهو يستعد، ويصور نفسه في كل أحواله ثم يرسل في مقاطع وينشرها، هذا التصوير يكون فتنة للإنسان بحيث تتحول نيته يصعب عليه أن يضبط إخلاصه لله .
فالإخبات لا يكون بذلك، هذا التصوير فتنة، سواءً كان في ميدان المعركة، ولست أعني بالتصوير الذي يحصل به توثيق مثلاً المعركة بكاملها أو الأشياء التي حصلت من الانتصارات والغنائم ونحو هذا، لا، لا، أنا أتحدث عن أشياء تفسد النيات، يصور نفسه وهو يهاجم، وهو يقاتل وهو يحمل السلاح، هذا يصعب عليه أن يضبط نيته.
والذين في ميدان الدعوة إلى الله -تبارك وتعالى- هم كذلك بحاجة إلى هذا الخضوع لله في ميدان العبادة بأنواعها يطوف، يسعى، واقف بعرفة يدعو رافع يديه، لا داعي لهذه الآلات والكاميرات، يصور نفسه في كل موقف، يصور نفسه محرم، يصور نفسه وهو رافع يديه يدعو، يتحرى الكاميرة ليصلي أمامها، أو يكون إمامًا فيضع كاميرة أمامه ويصور نفسه وهو يصلي بالناس التراويح والتهجد أو نحو ذلك، فهنا يصعب ضبط النية والإخلاص.
حتى بالنسبة للمصلين يعني هؤلاء حينما آتي بكاميرة وأضعها أمام الإمام والمصلين في الصف، هؤلاء حينما يقفون في الصف ماذا يستشعرون؟ أماكن كبيرة مثل المسجد الحرام، المسجد النبوي، الأمة يتطلعون إلى رؤية كل شيء فيه هذا جيد، وهو من الفتوح لا شك بإذن الله أن ذلك دعوة للإسلام أبلغ من ألف خطبة، حينما يرون الناس هذا المشهد الذي لا تشبع منه، الناس يطوفون بالكعبة، لكن مسجد من المساجد التي لربما يصلي خلفه صف أو ثلاثة أو خمسة أو عشرة أضع الكاميرة أمامي لماذا؟
فهنا نحتاج إلى شيء من الإخبات والخضوع والتواضع لله تقول: ينتفع الناس، ينتفعون يكفي أن يروا المسجد الحرام ما شاء الله أمام الكعبة والجموع بين طائف ومصل يكفي هذا المشهد، في مسجد رسول الله ﷺ ونحو هذا.
فالداعية بحاجة إلى الخضوع، المصلي بحاجة إلى الخضوع، المجاهد بحاجة إلى الخضوع، الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بحاجة إلى الخضوع، ولهذا ذكر بعض أهل العلم: بأن الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر قد يكون ذلك لحظ نفسه ربما، أو يريد أن يقال عنه، أو نحو هذا، يقول: فيسلط عليه من يظلمه عقوبة له.
فهذا أيها الأحبة يحتاج إلى ملاحظة كثيرة، الاستغفار والخضوع والإخبات والتواضع، ولذلك انظروا إلى النبي ﷺ حينما دخل مكة، دخلها ﷺ وهو نصر كبير؛ دخلها في غاية التواضع، دخلها وهو خاضع لربه -تبارك وتعالى- حتى جاء أن عنثوته ﷺ أو أن عثنونه ﷺ قد التصق ليمس مورك الرحل، يعني قد نزَّل رأسه، والعثنون: هو ما استرسل من اللحية، قد مس مورك الرحل[6].
يعني قد طأطأ رأسه ﷺ وهو داخل مكة فاتحًا، في غاية التواضع، واغتسل ﷺ وصلى ثمان ركعات، هذا وهو رسول الله -عليه الصلاة والسلام- فهكذا ينبغي لمن فتح الله عليه أن يعترف بذنوبه وتقصيره ويستغفر منها، ويشكر الله على هذه النعمة وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ [سورة البقرة:58].
أما الذين إذا دخلوا أفسدوا وقتلوا، سفكوا الدماء، واعتدوا على الأعراض، ونحو ذلك فهؤلاء أبعد ما يكونون عن هذه الأوصاف، والله المستعان.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
- انظر: مجموع الفتاوى (21/ 283).
- أخرجه البخاري، كتاب التيمم، رقم: (335).
- أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب قول الله تعالى: وَیَوۡمَ حُنَیۡنٍ إِذۡ أَعۡجَبَتۡكُمۡ كَثۡرَتُكُمۡ فَلَمۡ تُغۡنِ عَنكُمۡ شَیۡـࣰٔا... رقم: (4315)، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب في غزوة حنين، رقم: (1776).
- مسند الحميدي (1/ 421)، رقم: (464)، مسند (4/ 128)، رقم: (1301).
- صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي إيمانه، رقم: (1060).
- انظر: صحيح مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي ﷺ رقم: (1218).