بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
ما زال الحديث متصلاً بقوله -تبارك وتعالى- فيما أخبر به عن هؤلاء اليهود وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [سورة البقرة:102].
فذكرنا في الليلة الماضية معنى هذه الآية الكريمة، والعلاقة بينها وبين ما قبلها، وهو أنّ من ترك ما ينفعه، ابتلي بالاشتغال بما يضره، فهؤلاء تركوا اتباع الكتاب المنزل، والنبي المرسل، فابتلوا بالاشتغال بالسحر، واتباع السحرة.
ومن جملة الفوائد: ما يُؤخذ من قوله -تبارك وتعالى: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا فنلاحظ هنا: أنه قدّم نفي الكفر عن سليمان ثم أثبت كفر الشياطين، يعني لم يقل: ولكن الشياطين كفروا، ولم يكفر سليمان وذلك بتقديم الأهم؛ لأن هؤلاء قد نسبوا السحر إليه، وأنه إنما سُخر له ما سُخر بسبب السحر، فقال الله: وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ فنفى التهمة عنه، فهذا من باب تقديم الأهم.
ويُؤخذ من قوله -تبارك وتعالى- هنا: وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ الشياطين هي التي تعلم الناس السحر؛ وذلك أنه إنما يتحصل بالتقرب إليهم بألوان التقربات، من دعائهم من دون الله وطاعتهم، والذبح لهم، وتقديم القرابين، وفعل أنواع المنكرات والمدنسات.
وقد ذكرت أمثلة لذلك، فيرتكبون القبائح، ويعملون ما يعملون من الرقى التي فيها ألفاظ الشرك، وتلويث المصاحف، وتدنيس أسماء الرب -تبارك وتعالى- وما إلى ذلك من الأعمال القبيحة، ولا يمكن لهؤلاء الشياطين أن يقدموا لهذا الساحر هذه الخدمات إلا بهذه الجنايات، التي يذهب معها دينه وإيمانه، وهذا من جملة استمتاع الإنس بالجن، والجن بالإنس، كما قال الله تعالى: رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ [سورة الأنعام:128].
فمن استمتاع الجن بالإنس ما يحصل لهم من القرابين، والاستعاذة بهم، حيث كانوا يقولون: أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه، وما يحصل لهم من أنواع التقربات والشركيات والنذور والذبائح، وكذلك استمتاع الإنس بتحصيل بعض مطالبهم، فيحصل مقصود الساحر، وربما جاءوا له بالمال، وربما سرقوه، وهكذا يفعلون أشياء قد ينتفع بها هذا الساحر انتفاعًا قريبًا، ولكنه يخسر خسارة محققة.
وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ كأنه تفسير لكفرهم، وهذا يدل على أن تعليم الناس السحر لا يجوز، وأنه كفر، كما أن تعلم السحر كفر لا يجوز، كما سيأتي في قوله -تبارك وتعالى: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فتعلم السحر وتعليمه كفر، فكما أن الملائكة -عليهم السلام- لا تعاون إلا الأخيار من الناس المشبهين بهم في الفضائل والطاعة والقربة إلى الله والنزاهة والطهر، فتعينهم الملائكة، وتثبتهم أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ [سورة الأنفال:12].
فالملائكة تنزل على أهل الإيمان، وتنزل عليهم بالسكينة، ويحصل أيضًا منهم المعونة في أرض المعركة، والنبي ﷺ أخبر عن مجالس الذكر، وذكر من فضلها في القوم الذين يجتمعون في بيوت الله فقال: إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة[1] فالسكينة تنزل على أهل الإيمان، كما قال الله تعالى: ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا [سورة التوبة:26] وهم الملائكة -عليهم السلام.
فإذا كانت الملائكة تتنزل بالسكينة والطمأنينة، ويحصل على أيديهم بأمر الله من المعونة لأهل الإيمان، فكذلك أيضًا الشياطين فهم لا يعاونون إلا من شاكلهم في الكفر والضلال والفساد والنجاسة الحسية والمعنوية، وبهذا يظهر البون الشاسع والفرق الواسع بين السحرة والأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- وأتباع الأنبياء من أولياء الله -تبارك وتعالى.
ويُؤخذ من هذه الآية: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ [سورة البقرة:102] أنّ الله -تبارك وتعالى- قد ييسر أسباب الفتنة والمعصية امتحانًا لعباده، والله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ [سورة المائدة:94] فهذه الصيود بالنسبة للمحرمين، وكذلك في أرض الحرم لما كان يحرم على هؤلاء صيدها ابتلاهم الله بها، بحيث: تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ [سورة المائدة:94] يعني: تصل إليه اليد، فلا يحتاج إلى رمي بالسهام، ونحو ذلك لبعده، وإنما يأخذه باليد، وكذلك يناله بالرمح، وكما أتى النبي ﷺ في طريقه إلى مكة على ظبي حاقف، والظبي الحاقف هو الذي قد مال عنقه على جانبه، كما يفعل الظبي إذا نام، فقال النبي ﷺ: لا يريبه أحد[2] فكانوا على كثرتهم يمرون به، ولم يتعرض له أحد، والنفوس -كما هي العادة- تستفز إذا رأت الصيود، وهذا ظبي حاقف نائم بجوارهم يمرون وينظرون إليه، فهذا من الابتلاء تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ.
وهكذا -أيها الأحبة- فقد تقرب أسباب الفتنة والشر: من الصور المحرمة، والمشاهد الإباحية والسيئة، التي تكون قريبة المأخذ والمنال، تتعرض للإنسان حينما يتابع أو يشاهد مقطعًا لتلاوة كلام الله أو لمحاضرة، أو موعظة، أو نحو ذلك لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ [سورة المائدة:94] حيث لا يراه أحد، ولا يطلع عليه أحد، فهي فتنة واختبارًا، فهي نكتة سوداء، إن شاء جعل ذلك في قلبه.
وقل مثل ذلك فيما ابتلى الله به بني إسرائيل؛ وذلك في القرية الذين كانوا يعدون في السبت، فكانت الحيتان في يوم السبت تأتيهم شرعًا على الشاطئ وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ [سورة الأعراف:163] فكان ذلك ابتلاءً واختبارًا، فلم يصبروا، وحملهم القرم، وهو شدة التوقان للحم، إلى أن اعتدوا، ووضعوا الشباك في يوم الجمعة، وأخذوها في يوم الأحد.
فقد تيسر أسباب المعصية، وتكون قريبة المأخذ والمنال لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ [سورة المائدة:94] مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ [سورة ق:33] فالمسألة ليست سهلة، وما عند الله لا ينال بالأماني، فتختبر قلوب العباد، ويختبر إيمانهم ويقينهم بهذا، ومثله، وأشباهه لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ [سورة المائدة:94] فهذا هو المحك الذي يتبين فيه رسوخ الإيمان وصدقه، والخوف من الله -تبارك وتعالى- أما في الظاهر وأمام الناس فقد يتماسك الإنسان، ويكون على حالة مرضية، ولكنه إذا خلا بمحارم الله انتهكها.
ويُؤخذ من هذه الآية أيضًا: أنه يجب على الإنسان أن ينصح، وأن يبذل النصيحة، وأن ينهى عن المنكر، ولو كان مواقعًا له وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ [سورة البقرة:102] وعليه أن ينصح أيضًا ولو كان هذا النصح يوجب ترك الناس له، فقد يقول لهؤلاء الناس: بأنهم يجدون بغيتهم من العلم والنفع والفائدة عند العالم الفلاني، فالناس يتوجهون إليه، ويتعلمون منه، ومثل هذا يسلم من التبعة، ويستريح ويشتغل بذنوبه، فليست القضية والعبرة بكثرة الجماهير، وكثرة الناس والمتابعين، وإنما هو النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، أن ينصح لهم، أيًّا كان موقعه.
الطبيب قد يقول للمريض أو المرضى: بأن المستشفى الفلاني أو الطبيب الفلاني أحذق منه في علاج هذه العلل، فيذهب الناس إليه، ويتركون هذا وقد يخسر، ولكن عليه أن ينصح، وكذا البائع والتاجر ينصح للناس، ويقول لهم: البضاعة الفلانية أجود من هذه التي عندي، فيذهب الناس ويشترونها، فهذا يبيع سلعة، أو طعامًا، أو دواءً، أو طيبًا، أو عسلاً، يُرشد إلى غيره، إن كان يعلم أن هناك ما هو أجود من هذا، فهذا من مقتضى النصح.
وأما أصحاب المنكرات، فلا شك أن صاحب المنكر يجب عليه أن ينكر؛ ولهذا قالوا: على أصحاب الكؤوس، يعني المجتمعين على شرب الخمر أن ينهى بعضهم بعضًا عن المنكر، وهم يشربون مع بعض، فهذا لا يعفيهم، فإن الامتثال واجب، كما أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب، فإذا ضيع الامتثال ضيع واجبًا، فإن ذلك لا يسوغ له أن يضيع الواجب الآخر الذي هو الأمر والنهي، فإن هذا من الواجبات، فلا يجمع بين ترك واجبين.
ويُؤخذ من قوله تعالى: حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فتنة هذا مصدر، وقد جاء مفردًا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ مع أن قائل ذلك اثنان، يعني لم يقل: نحن فتنتان، أو فاتنان، وإنما قالوا: فِتْنَةٌ وذلك أن المصدر يصدق على الواحد والاثنين والجمع، فحملها عليهما من باب المبالغة، كأنها نفس الفتنة إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فلم يقولوا: إنما نحن سبب فتنة، أو نعلم اختبارًا وفتنة، وإنما قالوا: إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ بالمصدر كأنهم صاروا نفس الفتنة.
ويُؤخذ من القصر بـ(إنما) إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ يعني أنه ليس لهما شأن في هذا التعاطي، وتعليم السحر سوى الفتنة، من أجل أن ينصرف الناس عن هذا، يقول: ليس هناك شيء آخر إنما هي فتنة، يعني ما حاجتك لهذا؟ انصرف وابتعد عنه.
وكذلك أيضًا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فالذي يتعلم السحر ويتعاطاه يكفر، فهو من العلوم الفاسدة الضارة، فالعلم منه ما هو نافع، وهو نوعان: علم الدين، وهذا هو الأكمل والأشرف على تفاوت فيه أيضًا، فالعلم بما يتعلق بالله وأسمائه وصفاته أشرف من غيره، كذلك العلم المتعلق بكلامه (التفسير) أشرف من غيره، فالعلوم الشرعية تتفاوت، وهناك علوم نافعة مباحة، كالحساب، والزراعة، والنجارة، والصيدلة، والطب، والعلوم، وما يسمى بالعلوم، ونحو ذلك، فهذه علوم نافعة مباحة، وهناك علوم لا تنفع ولا تضر، يعني لا يستكثر منها الإنسان.
وقد ذكر بعض أهل العلم أمثلة على ذلك في الشعر، ونحوه، وهناك علوم ضارة: كالفلسفة والسحر، وما يسمى بالطلسمات، وما يسمى بعلم السيمياء، ونحو ذلك، فهذه علوم ضارة، وكذا: علم الكلام الذي حذر منه السلف الصالح، على تفاوت في الضرر، فمن أضرها علم السحر، عن طريق الشياطين، ولا يتم للساحر -السحر الحقيقي- مطلوبه إلا بهذا، وإلا فيوجد نوع هو من قبيل خفة الحركة، أو معرفة خواص المواد، وليس بسحر حقيقي، مبناه على الحيل، ومعرفة خواص المواد، ونحو ذلك.
ولهذا قالوا: من طلب المال بالكيمياء أفلس، الكيمياء قديمًا وليست حديثًا، فقديمًا كانوا يحاولون أن يغيروا بالكيمياء خواص المواد، كتحويل الأحجار والمعادن الخسيسة إلى معادن نفسية، يعني يحولون الحديد إلى ذهب، فيبحثون عن ذلك الإكسير الذي يحصل به هذا التحول، وهذا لا يمكن، لكن قد يلبسون على الناس، ويموهون عليهم بمعرفة خواص المواد، فهذا ليس بسحر حقيقي، ولكن السحر الحقيقي الذي يكون عن طريق الشياطين، فهذا هو الكفر، والثاني محرم ولا يجوز.
وقد يكون هذا السحر الحقيقي هو من قبيل سحر التخييل، فتسحر أعين الناس، فيُرى الرمح يدخل من بطنه، ويخرج من ظهره، ويُرى يشق بطنه، وتخرج أمعاؤه، هذا يفعله بعض شيوخ الضلالة من المنتسبين إلى الولاية بزعمهم، وتجد لهم من الأتباع من يصدقهم، وتغرز السكاكين في رأسه، ويمتلئ رأسه بالسكاكين، ولا يتأثر، وربما يضرب بالحديد والسيوف وبالسلاح الناري ونحو ذلك، ولا يتأثر، والواقع أن هؤلاء يموهون على الناس، وتارة تتلبس بهم الشياطين فلا يصل إليه من ذلك شيء.
ويدخل في هذا هؤلاء الذين يسمون بالسرك، والرجل الذي يسمى بالبهلواني، ونحو ذلك، فيأكل النار، ويقضم الجمر، ويأكل الزجاج، ويمشي على المسامير، وينام عليها، وتطأه السيارة ولا يتأثر، ونحو ذلك، فهذا هو من قبيل تعاطي هذه الأمور والشعوذة، ولا يجوز النظر إليهم، ولا الوقوف عندهم، ولا يستضاف هؤلاء، ولو كان ظاهرهم الصلاح، فإن السحرة كثيرًا ما يكون لهم لحى، وليست العبرة باللحية، ولا بالهيئة، وإنما العبرة بما عليه الإنسان.
فهذا الذي يقول: إن عنده قدرات، ويستضافون هنا وهناك، ويأكل أمام الناس الجمر، فهذا لو رأيته لقرأت عليه وهو يفعل هذا، ولا يستطيع أن يفعل منه شيء، ولو أنه ضرب وأنت تقرأ عليه لمات، يعني لو ضرب بالسلاح وأنت تقرأ لمات وهلك، ولو كان يفعل هذه الأشياء يُخرج الناس من جوفه، أو نحو ذلك، وقرأت لتعطل كل شيء، وهذا أمر مشاهد ومجرب، وبعض هؤلاء يجتمع عليه فئام من الناس يضربونه بالحديد، ولا يصل إليه من ذلك شيء، ويأتي من يقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، فيطير كما تطير الورقة اليابسة في الريح هو ومن معه، وقبل ذلك يضربونه أشد ما يستطيعون من الضرب، ولا يصل إليه شيء، فهو ساحر.
فهؤلاء قد يستعرضون للناس أمام السواح، وفي أماكن تجمع السواح في بلاد تظهر فيها أنواع المنكرات والشرور والكفر، ونحو ذلك، ويقصدها كثير من الجهلة والمتنزهين هناك.
وأسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، ويجعلنا وإياكم هداة مهتدين.
اللهم ارحم موتانا، واشف مرضانا، وعاف مبتلانا، واجعل آخرتنا خيرًا من دنيانا.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
- أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر برقم: (2699).
- أخرجه النسائي برقم: (2818) وابن حبان برقم: (5111) ومالك في الموطأ رواية أبي مصعب الزهري برقم: (1139) وصححه الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (7/ 379).