بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
يقول الله -تبارك وتعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [سورة البقرة:177]
يقول الله -تبارك وتعالى: لَيْسَ الْبِرَّ ليس الخير عند الله -تبارك وتعالى- هو في التوجه قبل المشرق أو المغرب كما يشغب اليهود على أهل الإيمان في أمر القبلة، فهذا التوجه ما لم يكن عن أمر الله -تبارك وتعالى- فلا اعتبار به، وإنما البر والخير الحقيقي هو في هذه الأمور التي ذكرها الله -تبارك وتعالى- من حقائق الإيمان مما يتصل بالقلب، أو ما يتصل بالجوارح، وما يتعلق بالسلوك، وذلك في قوله -تبارك وتعالى: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ولكن البر الحقيقي، البر الكامل كما سيأتي أن المعنى يحتمل: ولكن البر بر من آمن بالله واليوم الآخر، يعني فيه مقدر، ولكن البر بر من آمن، أو أن ذلك على سبيل المبالغة، أنه قصد بالبر البار، فكأنه صار نفس البر يعني من عمل البر من باب المبالغة في المدح والتزكية صار كأنه البر نفسه.
وَلَكِنَّ الْبِرَّ يعني: البار مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ فهو الذي يجمع هذه الأمور، من إيمانه بربه -تبارك وتعالى- أن يقر ويذعن وينقاد، ويصدق التصديق الانقيادي بإلهية الله ووحدانيته وربوبيته، وأسمائه وصفاته وكمالاته.
وهكذا يؤمن بيوم البعث والنشور، والجزاء، وأن الناس يرجعون إلى الله -تبارك وتعالى- بعد موتهم، فيجازيهم على أعمالهم كلها، وكذلك الإيمان بالملائكة هؤلاء الكرام الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، يؤمن بهم إيمانا مجملاً، ويؤمن بمن بلغه منهم إيمانًا مفصلاً.
وكذلك الإيمان بالكتب المنزلة أن الله أنزل كتبًا على أنبيائه ورسله -عليهم الصلاة والسلام- فيؤمن إيمانًا مجملاً بالكتب، ويؤمن إيمانًا لازمًا مفصلاً بكل كتاب بلغه أن الله أنزله على رسول من رسله -عليهم الصلاة والسلام.
وهكذا الإيمان بجميع النبيين من غير تفريق، أن الله -تبارك وتعالى- أوحى إليهم، واختصهم بالنبوة، وأرسل بعضهم من غير تفريق بين هؤلاء الأنبياء والرسل -عليهم الصلاة والسلام- فلا يؤمنوا ببعض ويكفروا ببعض.
وهكذا أن يؤتي المال الذي هو شقيق الروح، أن يخرجه وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ أن يخرج هذا المال ما وجب منه، وهو الزكاة والنفقات الواجبة، وكذلك ما كان على سبيل التطوع، مع شدة حبه له فيعطي القرابات، يصل الرحم، فيكون ذلك أعظم، فيكون صلة وصدقة في الوقت نفسه.
وكذلك هؤلاء اليتامى الذين فقدوا آباءهم قبل سن البلوغ، فهم بحاجة إلى رعاية والتفاتة وحنو وإحسان، وهكذا المساكين الذين أرهقهم الفقر والحاجة والمسغبة.
وهكذا ذاك الذي انقطع في سفره، فذهبته نفقته، بسبب أو لآخر؛ فإن مثل هذا لا بد من اعتبار حاله والنظر فيما عرض له فيعطى ما يصلح لمثله مما يوصله إلى أهله، ولو كان في بلده غنيًّا لا يستطيع أن يصل إلى ماله؛ فإنه يعطى، ولا يكون ذلك على سبيل القرض.
قال: وَالسَّائِلِينَ هؤلاء الذين يتعرضون للناس بالمسألة سواء كان هؤلاء من الفقراء حقيقة، أو أنهم يدعون أمر لا حقيقة له، فإن هذا السؤال لم يفرق الله -تبارك وتعالى- هنا بين أحوال هؤلاء السائلين، ولم يقيد ذلك بالصادقين منهم، وقال: وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ [سورة الضحى:10].
وعلى كل حال، الغالب أن الإنسان لا يسأل إلا للحاجة، سواء كانت هذه الحاجة شديدة، أو كانت دون ذلك، فيعطى، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، يؤجر الإنسان، ويصله ما أراد وقصد، ولا يضيع عند الله -تبارك وتعالى- شيء.
وهكذا إنفاق المال في الرقاب بإعتاق المماليك، وكذلك أيضًا فك الأسارى، وكذلك إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، فذكر الزكاة هنا يرجح أن الإنفاق المذكور قبل ذلك وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ أنه غير الزكاة، فذكر الزكاة، وذكر الصلاة، وكذلك الوفاء بالعهود وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وهو العقد والوعد المؤكد، يقال له: عهد وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ويدخل فيه سائر العهود كما سيأتي.
وهكذا أهل الصبر في الأحوال كلها: وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ حال الشدة والفقر، وقلة ذات اليد والحاجة، وكذلك وَالضَّرَّاءِ في حال الضر والمرض، فيصبر ويشكو ضره إلى الله -تبارك وتعالى- ولا يتسخط.
وكذلك وَحِينَ الْبَأْسِ الصبر في القتال عند ملاقاة الأعداء، لاحظ أصحاب هذه الأوصاف قال: أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ.
يؤخذ من هذه الآية الكريمة: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ... [سورة البقرة:177]، قال القرطبي -رحمه الله: بأن هذه الآية العظيمة من أمهات الأحكام؛ لأنها تضمنت ست عشرة قاعدة، في العقيدة، والأحكام والأخلاق، إلى آخر ما ذكر الله -تبارك وتعالى[1].
وتأمل قوله -تبارك وتعالى: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ كما أشرت آنفًا في الكلام على المعنى العام للآية وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ فعلى القول بالحذف والتقدير، يكون كأنه حذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ على هذا الاحتمال، وعلى الاحتمال الآخر يكون ذلك من باب المبالغة في مدح البار القائم بهذه الأعمال سماه برًا، أطلق على هذا البار اسم البر، كأنه صار عين البر وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ البار من فعل وحقق هذه المذكورات بعده.
كذلك تأمل هذا الترتيب في هذه الآية: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ فقدم الإيمان بالله -تبارك وتعالى؛ لأنه الأصل العظيم الكبير، أصل الأصول الذي يبنى عليه جميع ما يجب الإيمان به، ويبنى عليه القبول، ويبنى عليه النجاة والسعادة في الدنيا والآخرة، فهو أول الواجبات، أول واجب على المكلف الإيمان بالله -تبارك وتعالى- أن يوحد ربه وخالقه وتقدست أسماؤه، فبدأ به، وهكذا في دعوة الناس نجد ذلك مبثوثًا في كتاب الله -تبارك وتعالى: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [سورة الأعراف:59]، هذه دعوة الرسل -عليهم الصلاة والسلام- البدء بالدعوة إلى الإيمان الصحيح، التوحيد الخالص لله -تبارك وتعالى.
ثم ذكر بعده الإيمان باليوم الآخر، ثم ذكر ما بين ذلك من الإيمان بالملائكة، والكتب والرسل، هذه الثلاث صارت بعد ذلك، بعض أهل العلم يقولون: الإيمان له مبدأ ومنتهى وواسطة، فالمبدأ هو الإيمان بالله، هو الأصل، وهو المقدم على غيره، وهو أول واجب، والمنتهى الإيمان باليوم الآخر الذي يصير الناس إليه في القيامة، وما بين ذلك الملائكة، ملائكة الرحمن يرسلهم الله -تبارك وتعالى: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ [سورة الحج:75]، فيأتون هؤلاء الملائكة بالوحي والرسالات إلى الرسول البشري، فذكر الملائكة، وذكر الكتب، وذكر الرسل -عليهم الصلاة والسلام- فبدأ بالملائكة؛ لأنهم هم الذين يأتون بالوحي، ثم الكتب؛ لأنها هي المضامين التي تنزل على الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- الملائكة تنزل الكتب الرسالات، ثم الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- الذين يبلغون عن الله -تبارك وتعالى- فذكر هذه الأمور بهذا الترتيب، وأهل العلم يتكلمون على هذه القضايا بكلام متفرق يدور حول هذا أو يقاربه، وسيأتي المزيد من الفوائد التي تستخرج من هذا الترتيب.
فقوله -تبارك وتعالى: وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ [سورة البقرة:177]، فالملك يأتي بالوحي، ثم يبلغ إلى الرسول البشري، فصار مبلغ من الملائكة رسول من الملائكة، معه رسالة إلى رسول من البشر قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ [سورة النحل:102].
فهذا بهذا الترتيب، بهذا التدريج، كذلك أيضًا هذا الترتيب على هذه الطريقة روعي فيه الناحية الوجودية في الخارج: ملَك، ثم الرسالة التي يحملها، ثم الرسول البشري.
الإيمان قدم على أعمال الجوارح كإيتاء المال والصلاة والزكاة؛ وذلك أن أعمال القلوب مقدمة على أعمال الجوارح، وهي الأصل، فالإيمان بالله -تبارك وتعالى- هو من جملة أعمال القلوب، وهكذا الإيمان بالله وملائكته ورسله وكتبه كل ذلك يتعلق بالقلوب.
وتأمل قوله -تبارك وتعالى: وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ [سورة البقرة:177]، لاحظ قوله -تبارك وتعالى: وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ يعني: مع محبة المال، فهذا أعظم، فالعمل الواحد العمل المعين كالصدقة مثلا تتفاوت في أجرها عند الله -تبارك وتعالى- وعائدتها باعتبارات مختلفة، فمن ذلك: ما يقوم بقلب العبد وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [سورة المؤمنون:60]، يعني: مشفق، مخبت، يخشى ألا يقبل منه بخلاف ذلك الذي يتصدق، أو يحسن، وكأنه مدل على ربه -تبارك وتعالى- بهذا العمل.
كذلك تعظم هذه الصدقة بحسب متعلقها الحاجة الشديدة، كما في قوله -تبارك وتعالى: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ [سورة البلد:11- 16]، فهذه سماها عقبة، تجتاز بمثل هذه الأعمال، فالصدقة تعظم ويعظم أجرها إذا كانت الحاجة ماسة شديدة، مثل هذه الأيام في البرد شدة إلى قوم يتنازعهم الخوف والفقر والتشريد والضر بأنواعه والبؤس بصوره وأشكاله في مخيمات في بلاد الشام، وما جاورها، فهذا لا شك أنه من أعظم الحاجة، ومن أشدها، والصدقة فيه من أعظم الصدقة.
يتيما تطعم اليتيم القريب، أو المسكين الذي قد التصقت يداه بالتراب لشدة حاجته، إذا اشتدت الحاجة.
وكذلك تعظم إذا كان هذا المحتاج قريبًا يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ يعني: من ذوي القرابات، وكذلك تعظم هذه الصدقة حينما يكون الإنسان ينفق كما قال النبي ﷺ: أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر، وتأمل الغنى[2].
بخلاف ذلك الإنسان الذي قد طرح الدنيا وراء ظهره، وهو في لحظة الاحتضار، ثم يقول: أتصدق أتصدق الآن هذا لا يضيع عند الله، ولكنه ليس كالذي ينفق وهو صحيح شحيح، الإنسان الذي ولت الدنيا عنه، وولى عنها حينما يتصدق لا يكون كذاك الذي في حال صحته وعافيته، فالناس يتفاوتون في هذا؛ ولهذا ينبغي للإنسان أن يتعجل أن ينفق، ولا يترك ذلك بعد موته في وصية إذا فارق الدنيا، قال: أخرجوا ثلث مالي، أو ربع مالي، أو غير ذلك، فهذا الذي يخرجه في هذه الحال على حبه يدل هذا على قوة إيمانه ويقينه بأن ذلك يخلفه الله -تبارك وتعالى- فهذا أفضل الأحوال.
وكذلك حينما ينفق الإنسان وهو مع قلة ذات اليد، يعني: أن ينفق وهو مقل، فهذه النفقة التي يخرجها هي بالنسبة إليه عزيزة جدا، فهذا ليس كالذي قد تكاثرت نعم الله بين يديه، إنسان ليس عنده إلا رغيف يأكله فأعطاه وتصدق به ليس كذاك الذي بيته ملئ بألوان المطعومات لا يدري ماذا يأكل وماذا يدع؟ فحينما يخرج مثل هذه الصدقة ليس كذاك الذي لا يجد إلا هذا الرغيف، ومن هنا الله -تبارك وتعالى- أرشد إلى الإنفاق مما نحب لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [سورة آل عمران:92]، ولا يتخير الإنسان في نفقته الأشياء التي لا يقبلها، لو أنها دفعت إليه وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ [سورة البقرة:267]، يعني: لو أنه دفع إليك لا تأخذ لك إلا على إغماض حياء من المعطي، ثم بعد ذلك لربما صرفته هنا أو هناك، سواء كان ذلك من طعام لا تقبله أن يدفعه إليك، أو كان ذلك من لباس، أو كان ذلك من أثاث، أو غير ذلك.
نعم الإنسان لا يهدر هذه النعم فتلقى في المزابل، فيعطيها من ينتفع بها، لكن أن يكون صدقته وعمله وبذله هو من هذه الأشياء فقط، فهذا هو المذموم، حينما ينظر الإنسان في الثياب، تنظر المرأة تقلب في اللباس، فإذا رأت شيئًا تستحسنه، قالت هذا خسارة حسافة، ثم ضمته إليها حسافة على الصدقة.
وإذا رأى طعامًا نظر إلى الطعام، نظر إلى ما ذبل وعافته نفسه فأخرجه، وإذا نظر إلى شيء استحسنه، وأنه جيد قال: لا هذا حسافة خلوه هنا وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ [سورة محمد: 38].
ولهذا قال النبي ﷺ: كل امرئ في ظل صدقته، حتى يفصل بين الناس[3] ولما جاء إلى المسجد ووجد عذقًا فيه شيص، والشيص هو ثمر النخل الذي لم يؤبر يكون ضعيفا، دقيقا لا يصلح إلا لأكل الحيوانات فلما رآه، قال: إن صاحبه ليأكله شيصا يوم القيامة[4].
فهذه التي نقدمها نحن نقدمها لأنفسنا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ [سورة البقرة:272]، فحينما يوقن الإنسان بمثل هذا؛ فإنه يخرج الشيء والمال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه
- تفسير القرطبي (2/ 241).
- أخرجه البخاري، كتاب الزكاة، باب فضل صدقة الشحيح الصحيح، رقم: (1419)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب بيان أن أفضل الصدقة صدقة الصحيح الشحيح، رقم: (1032).
- أخرجه أحمد، رقم: (17333)، وابن خزيمة، رقم: (2431).
- لم أقف عليه بهذا، وأخرج نحوه أبو داود في كتاب الزكاة، باب ما لا يجوز من الثمرة في الصدقة، برقم (1608)، عن عوف بن مالك، قال: دخل علينا رسول الله ﷺ المسجد وبيده عصا، وقد علق رجل قِنًّا حشفًا، فطعن بالعصا في ذلك القِنو، وقال: لو شاء رب هذه الصدقة تصدق بأطيب منها)، وقال: إن رب هذه الصدقة يأكل الحشف يوم القيامة، والنسائي، كتاب الزكاة، باب - قوله : وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ [سورة البقرة:267]، برقم (2493)، وابن ماجه، أبواب الزكاة، باب النهي أن يخرج في الصدقة شر ماله، برقم (1822)، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود، برقم (1426).