الأحد 15 / جمادى الأولى / 1446 - 17 / نوفمبر 2024
(222) قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى ..} الآية:264
تاريخ النشر: ٠٧ / شعبان / ١٤٣٧
التحميل: 1213
مرات الإستماع: 1319

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

يقول الله -تبارك وتعالى- في هذه السورة الكريمة (سورة البقرة) فيما ساقه الله -تبارك وتعالى- من الآيات المتعلقة بالإنفاق: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [سورة البقرة:264].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا يا من انقادت قلوبهم، وأذعنت وشهدت ألسنتهم، وانقادت جوارحهم، لا تُذهبوا ثواب الصدقات التي تتصدقون بها بالمنّ والأذى، كحال ذاك الذي يُخرج ماله رئاء الناس، من أجل الثناء عليه، وهو لا يؤمن بالله، ولا باليوم الآخر، فهذا حاله كَمَثَلِ صَفْوَانٍ الحجر الأملس، الذي عليه تراب فَأَصَابَهُ وَابِلٌ مطر غزير، فأزاح عنه هذا التراب فَتَرَكَهُ صَلْدًا في غاية الملاسة، حيث لا يصلح عليه نبات بحال من الأحوال، فكذلك هؤلاء الذين يُرآءون تضمحل أعمالهم عند الله -تبارك وتعالى، ولا يجدون شيئًا من الثواب على ما أنفقوه، فالذي يمُنّ ويؤذي بنفقته يكون حاله كحال هؤلاء الذين ذهبت أجورهم بسبب مرآءتهم لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا أي: لا يجدون شيئًا من الثواب على ما أنفقوه، وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ لا يوفق الكفار لإصابة الحق في نفقاتهم، ولا يوفقهم للهدى والإيمان، ما داموا مصرين على كفرهم.

ففي قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى فخاطب الله -تبارك وتعالى- المؤمنين باسم الإيمان؛ وذلك أنهم المتأهلون للقبول عن الله -تبارك وتعالى، فهذا من جهة، ومن جهة أخرى أن ذلك يُشعر بأن المقاصد السيئة، والمنّ والأذى خلاف مقتضى الإيمان.

كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فهذا الذي يُنفق ماله رئاء الناس بهذه الصفة، وشُبه به الذي يمُنّ ويؤذي، فهذا فيه إشارة إلى أن الرياء والمنّ والأذى على الإنفاق من صفات الكفار الذين لا يؤمنون بالله، ولا باليوم الآخر، أما المؤمن فهو يحتسب نفقته عند الله ، ويُرجي ثوابها، فلا يحتاج إلى أن يُرائي بذلك، أو أن يُسمع، أو أن يؤذي من أعطاه؛ لأنه يستشعر أن الله -تبارك وتعالى- هو صاحب المنّ والفضل، وأن الله هو الذي هداه ووفقه، وقبل ذلك رزقه هذا المال، وهو الذي يُثيبه على هذا الإنفاق.

وفي قوله: لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى فيه أيضًا رحمة الرب -تبارك وتعالى- بعباده بأهل الإيمان، يُرشدهم ويُبين لهم ما يُبطل الأعمال لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى وهذا يدل أيضًا على أن الحسنات قد تبطل بالسيئات، وقد تكلمنا على هذا المعنى في مناسبات سابقة، وهذه المسألة فيها كلام معروف لأهل العلم، لكن حاصل ما يُقال فيها -والله تعالى أعلم: هو أن السيئة التي تُبطل جميع الحسنات هي الشرك والكفر بالله -تبارك وتعالى، فلا يوجد ما يُبطل جميع الحسنات إلا الشرك وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [سورة الأنعام:88] بعد ذلك هناك سيئات تتصل بالعمل نفسه فتُبطله، مثل الرياء، والسمعة أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه[1].

وهنا قال: لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ وكذلك المنّ والأذى فهذا يكون بعد العمل غالبًا، وإلا فقد يكون ذلك أثناء النفقة، يعني: يعطيه ويؤذيه في نفس الوقت، فذلك يكون مُبطلاً، سواء كان أثناء العمل، أو كان بعده، والمقاصد السيئة تكون قبله، وفي أثنائه، وقد توجد بعده، كالذي يُسمع بالعمل بعد أن يعمله، فيتحدث ويقول: عملت كذا، وعملت كذا؛ ليُثني الناس عليه، ومن أجل أن يُحصل المحمدة والجاه في نفوسهم، فهذا كله يُبطل العمل.

بقي بعد ذلك السيئات الأخرى التي لا تتصل بالعمل نفسه هل تُبطل الحسنات؟ الذي ذهب إليه جماعة المحققين منهم شيخ الإسلام ابن تيمية، ومن المعاصرين الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحم الله الجميع- أنها تُبطل ما قابلها من الحسنات[2]، يعني: ما يعدلها من حسنة، عمل سيئة يبطل من حسناته بقدرها، كما أن الحسنات تُذهب السيئات، وأتبع السيئة الحسنة تمحوها[3]، وهكذا قال الله : وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [سورة هود:114] فهذا كله مما قد يُبطل الحسنات.

فهنا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى فهذا نهي عن الإبطال، وهم لا يقصدون الإبطال بحال من الأحوال، فهو نهي عن سببه، وهو المنّ والأذى بالصدقة، فهذا بهذا السياق يوجب النُفرة من هذا المُحبط لهذه الأعمال، ولو أنه قال مثلاً: لا تمنوا ولا تؤذوا بصدقاتكم، فإن هذا ليس كقوله: لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى فإن ما ذكره الله -تبارك وتعالى- في هذه الآية أبلغ وأوقع في النفوس، حيث ذكر الإبطال، وهو إذهاب الأجر والعمل والحسنات، والنفوس تطمح، وهي تتطلع إلى الثناء والمحمدة والشهوة الخفية، وكما ذكرنا في بعض المناسبات من كلام بعض أهل العلم: من أن هذا الإنسان الذي أقام نفسه على طاعة الله ، وحبسها عن معصيته، وأخرج المال، هو لا يجد عائدة في الدنيا على المال، فتتسرب النفس إلى مسارب خفية، حُبست عن الشهوات الظاهرة الحسية، من تحصيل المكاسب والأرباح، أو نحو ذلك، فتتسرب إلى هذه المسارب الخفية، فتطلب المحمدة، وتلتذ بذلك أعظم من التذاذها بالشهوات الحسية، فهذا مدخل خفي تتسرب النفوس من خلاله إلى مطلوبات أعظم من الشهوات المادية؛ ولهذا كان الردع أبلغ في مثل هذا المقام.

فالإنسان يريد أن يُظهر بذله وعطاءه، فيكون هؤلاء من المُعطَين مطية يركبها ليتوصل بها إلى مقاصده ومطالبه الدنية، فيكون بذلك مُرائيًا، لا سيما حينما يستشعر الإنسان أنه لم يُمدح ويُثنى عليه بهذا العطاء، ولم يُبرز عطاءه وبذله ونفقته، فتصدر عنه تصرفات تدور حول رعونات النفس، فيهبط ويذهب عمله، وتذهب نفقته، فلا يخرج بالأجر، ولم يبق له المال -والله المستعان، وهذا كثير في النفوس، فجاء النهي بهذه الطريقة: لا تُبْطِلُوا ولم يقل: لا تمنوا.

وفي قول الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى بيان أن مقتضى الإيمان يتنافى مع هذا الصنيع؛ لأنه كما قال في آية أخرى: وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ [سورة البقرة:272] هذا المؤمن الصادق الذي يؤمن بالله واليوم الآخر، وأن هذه النفقة لها عائدة وأنها مخلوفة، وأن الله علم بها، ويجزيه عليها، إذًا لا حاجة إلى انتظار الشكر والتقدير من الآخرين، وانتظار الشهادات.

وكما يكون هذا بالنسبة للأفراد يكون أيضًا بالنسبة للمؤسسات الخيرية، والمؤسسات المانحة، فقد لا يكون الأذى لفرد من الأفراد، أعطاه إنسان صدقة ثم آذاه ومنّ عليه، وإنما قد يكون هذا بالنظر إلى الأعمال المؤسسية، فهذه المؤسسة قد تمنح مالاً لمؤسسة أخرى ترعى الفقراء مثلاً، أو تقوم على الأيتام، أو تقوم على برامج تربوية، أو تعليمية، أو غير ذلك، فيحصل لهم أذى قد لا يكون من المُنفق، المُنفق قد لا يشعر بهذا، يعني: من وضع هذه المؤسسة، أو المبرة، أو أنفق المال، لكن الذين يقومون عليها قد يجتهدون، لكنهم لا يصلون إلى صواب وحق في هذا الاجتهاد، فيصدر عنهم من التصرفات ما هو من قبيل المنّ، أو الأذى، تحت أي ذريعة من الذرائع.

يقال مثلاً: نريد أن نصوركم، أو يأتون بالمنفقين إليهم لينظروا، فيُترك المكان مزارًا، من جاء يقال له: تفضل هذا عملنا، وهذا جهدنا، وهذا إنفاقنا، وهذا بذلنا، وهكذا حينما يُطالبون بمطالبات مجحفة، وتُطبق عليهم ربما نظريات تصلح للشركات، ولا تصلح للعمل الخيري، فحينما ننقل أنظمة الشركات للعمل الخيري، فإن هذا قد لا يتفق معه بشكل وصورة صحيحة، خذ مثالاً: نريد رؤية، ورسالة، وأهداف، رؤية ورسالة وأهداف على ماذا؟!

برنامج للدعوة إلى الله -تبارك وتعالى، أو دعوة غير المسلمين إلى الإسلام، أو الدعوة إلى الله -تبارك وتعالى- في المجتمع، في القرى، والأرياف، وفي المناطق النائية، ما هي الرؤية والرسالة؟ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [سورة يوسف:108] فهذه الرؤية والرسالة، لكن يوردون كلامًا طويلاً، وخُطط تُدرس، وربما تُكلف عشرات الألوف، وهي مجرد حبر على ورق، لا قيمة لها، رؤية ورسالة على ماذا؟! برنامج دعوة إلى الله، قياس الأثر؟ قياس الأثر على ماذا؟!

الدعوة لا يُقاس الأثر فيها، يعني: يمكن يكون قياس الأثر في قضايا تتعلق بتزويج مثلاً الشباب، فننظر بعد سنة كم زوجنا؟ وهل قلت نسبة العنوسة في المجتمع؟ أو قضايا توعية في دورات تدريبية مثلاً للمقبلين على الزواج، فنقيس الأثر، فنقول: قلت نِسب الطلاق بين هؤلاء، ممكن هذا، أو في أشياء تعليمية، ودورات تدريبية للخطباء مثلاً، نقول: تحسن الأداء، أو دورات للأئمة والمؤذنين، ودورات في التجويد، ودورات في الحفظ المُكثف، ثم نقول النتائج بعد ذلك حفظ عندنا كذا، هذا يمكن أن يُقاس فيه الأثر، أو أشياء صحية تطعيمات، وأشياء وقائية، فنقول: قلت نسبة الأمراض في هذا الجانب، فهذا لا إشكال في قياس الأثر فيه، لكن الدعوة إلى الله لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ [سورة البقرة:272] أجرك حصل، وانتهى، وليس عليك هداهم.

عرضت علي الأمم، فرأيت النبي ومعه الرهيط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي ليس معه أحد[4]، أين قياس الأثر هنا؟!

والأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- هم أحرص الناس على هداية أقوامهم، وأفصح الناس، وأعلم الناس بدين الله، وأعظم الناس إخلاصًا، جمعوا الصفات الأربع التي هي مقومات الداعية، والأسباب للهداية، يبقى فوق ذلك التوفيق إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [سورة القصص:56] النبي ﷺ بذل جهدًا مع أبي طالب، عمه، الذي نصر النبي ﷺ نصرًا لم ينصره به أكثر المسلمين، ومع ذلك إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ [سورة القصص:56]

فهنا لا يتأتى قياس الأثر في الدعوة، فما كل شيء نريد أن نطبق عليه هذه النظريات، ونمتحن هؤلاء الدعاة، ونقول: أين الأثر؟

الأثر أننا أقمنا الحجة، وبلغنا الرسالة، وبقي الدعوة والعلم ظاهرًا مبذولاً، من شاء أتى إليه، ولا تبقى الأرض قفرًا لا يوجد فيها مصباح، المصابيح موجودة، مصابيح الهداية ومصابيح الدجى من العلماء والدعاة إلى الله -تبارك وتعالى- من الوارثين للأنبياء -عليهم الصلاة والسلام، الذين ورثوا العلم، فهنا لا يمكن قياس الأثر، يمكن قياس الأثر في برامج تعليمية، تقول: لماذا تعلم هؤلاء؟ وماذا حصلوا؟ وتُجري لهم اختبارات ممكن، لكن في الدعوة إلى الله -تبارك وتعالى- لا يحتاج إلى قياس أثر ولا رؤية ولا رسالة ولا أهداف، فالهدف واضح، هداية الناس، والطريقة: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ [سورة يوسف:108] ما يحتاج كتابة خطة طويلة من قِبل مؤسسة متخصصة، وتأخذ عليها مائة وعشرين ألف ريال، من أجل بناء خطة استراتيجية، والعمل كله دعوة، تقديم الدعوة للناس، ودلالة الناس على رب العالمين فقط، فحينما يُشغل الناس بمثل هذا، فهو من الأذى.

حينما يسمعون الكلام المؤذي الجارح مرة بعد مرة، وخطابات متتابعة، وتأنيب وتعنيف، فهذا من الأذى الذي يُبطل الصدقة، وكذلك حينما يُطالبون بأمور، فيُقال لهم مثلاً: قدموا للمؤسسة درعًا، أنتم عملكم لله كيف نقدم؟! كيف تطلبون منا هذا؟! قدموا خطابًا تشكرون فيه هذه المؤسسة، كيف هذا؟! أو في مناسبة، أو في احتفال نريد واحدًا منكم يُمثل هذه الجهة المدعومة، التي تتلقى الدعم أن يقوم ويُجرى معه لقاء في هذا المُلتقى أو هذا الاحتفال، لقاء على ماذا؟! هذا منّ! فهذا لا يصح، فيكون عمل الإنسان لله، ويكون عمله في سبيل الله.

فهذه أخطاء تقع وهي داخلة في المنّ والأذى، اقتنعت ببرنامج هؤلاء وأعطيتهم هذا المال يعملون به، خلاص انتهى، يمكن أن تُتابع إلى حد ما أنه صُرف في هذا الاتجاه، والباقي على الله، وأجرك على الله، هكذا ينبغي أن يكون الحال، ودعوة الرسل -عليهم الصلاة والسلام- والبذل الذي يُبذل، والإنفاق، والآيات التي وردت فيه من أول القرآن إلى آخره، كلها في هذا الاتجاه، ومن نظر إلى هدي النبي ﷺ، والأحاديث الواردة، وسياسته في هذا الباب يجدها كلها هكذا.

فأنت تتعامل مع الله، ولا يُطالب هؤلاء الناس بقياس أثر، ولا بدراسة جدوى، هو تبليغ الدين للناس، وهذا مطلب شرعي لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [سورة الأنعام:19] فهذا هدف كبير، ولا يحتاج الإنسان معه إلى أمور أخرى، وهذه النظريات يمكن أن تُطبق على أعمال مادية بحتة، لكن الناس يولعون بأمور قد يظنون أنه تضبط العمل، وأنها تحول هذا العمل إلى عمل نوعي متميز، ونحو ذلك، لكن هذا ليس في كل شيء، هذا ربما يكون في بعض البرامج والأعمال، وليس في كل الأعمال، فنفرق بين هذا وهذا، ولا نُطبق الشيء على علاته، وفي كل باب، ثم بعد ذلك نجعل الآخرين بحال من العناء والمعاناة معنا.

والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

  1. أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق، باب من أشرك في عمله غير الله برقم (2985).
  2. منهاج السنة النبوية (5/ 296) وتفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص:113).
  3. أخرجه الترمذي في أبواب البر والصلة، باب ما جاء في معاشرة الناس برقم: (1987) وحسنه الألباني.
  4. أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب برقم: (220).

مواد ذات صلة