الخميس 18 / رمضان / 1445 - 28 / مارس 2024
[11] قوله تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ..} (3)
تاريخ النشر: ٠٦ / رجب / ١٤٣٦
التحميل: 2757
مرات الإستماع: 2254

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

نواصل الحديث في الكلام على ما يُستخرج من الهدايات في أواخر هذه السورة الكريمة (سورة الفاتحة).

فقوله -تبارك وتعالى-: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [سورة الفاتحة:7] يبعث المؤمن على الاحتراز والحذر من الوقوع فيما وقع فيه هؤلاء، حتى صاروا أهل غضب، وأهل ضلال، فإن غير المُتحقق بسلوك الصراط المستقيم، والذي ليس عنده من اليقين والثبات ما يكون سببًا بعد هداية الله  وتوفيقه إلى رسوخ قدمه على الصراط، فإنه قد تزل به قدمه، فيصير إلى حال الغضب، حيث يتخلى عن بعض الحق وقد عرفه، أو يكون مُتبعًا للباطل على جهل منه وعمى، فيكون من أهل الضلال، فالمؤمن يحذر من مواقعة الأعمال والأحوال والأوصاف التي تُودي به إلى مثل هذه النهايات.

وهذا أيضًا يبعثه على مُجانبة هؤلاء من أهل الغضب والضلال، ولا يُعقل بحال من الأحوال أن يكون أحد ممن أنعم الله عليهم من جملة المُنعم عليهم، أهل الصراط المستقيم يتخلى عن هذه الحِلية والشارة والوِسام والتقليد الذي شرَّفه الله به الهداية إلى الصراط المستقيم، من خير أمة أخرجت للناس، الذين اصطفاهم الله -تبارك وتعالى- على الناس أجمعين ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا [سورة فاطر:32] وهم هذه الأمة بطوائفها الثلاث فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ [سورة فاطر:32].

هذه الطوائف الثلاث هم أهل الاصطفاء بما فيهم الظالم لنفسه، فكيف يتخلى المؤمن عن هذا التشريف والوصف والكمالات ويرضى لنفسه أن يكون تابعًا لأُمم يترددون بين حال الغضب وحال الضلال؟ فكثير من المسلمين اليوم في أقطار المعمورة يقتفون آثار أهل الغضب أو أهل الضلال من اليهود والنصارى، وهذا أمر لا يُعقل، كيف يكون هؤلاء قدوة وهم بين عارف للحق مُتنكب له، وبين ضال عنه لا يهتدي إليه بحال من الأحوال، والأعمى لا يصح أن يكون قائدًا ودليلاً للمُبصرين.

ومن يكن الغراب له دليلاً يمرّ به على جيف الكلاب[1].

فما ظنكم بقوم جعلوا هؤلاء دليلاً لهم يقتدون بهم، ويتشبهون بهم في أحوالهم وأعمالهم، بل وفي خصائصهم الدينية، والنبي ﷺ قد حذَّر من ذلك، فقال: من تشبه بقوم فهو منهم[2] ونهى عن مُقاربتهم، ومُساكنتهم، كل ذلك حفظًا لتميز أهل الإيمان الذين صبغهم الله بصبغته صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ [سورة البقرة:138] فكل قوم لهم صبغة، والنصارى يُعمدون مواليدهم بماء أصفر، يُقال له: ماء المعمودية، يعتقدون أنه يحصل لهم بذلك التطهير.

وهكذا كل أمة تزاول عقائد ما أنزل الله بها من سلطان، ولكن الله حبى هذه الأمة بالحق والهدى الكامل، فهذه صبغته التي تصبغ البواطن بالإيمان والصدق والإخلاص والتوحيد الصحيح، والاعتقاد السليم بالله وملائكته ورسله وكتبه واليوم الآخر، والقدر، وما إلى ذلك، وأما أولئك فهم يتخبطون في أنواع الخُرافات والدجل والضلالات، ينغمسون فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا [سورة النور:40] فهؤلاء الذين حجب الله عنهم نوره، فصاروا في هذه الظلمات، كيف يُتخذ الواحد منهم أو الجمع، كيف يُتخذ هؤلاء أدلاء وقدوات يُقتدى بهم، ويُتشبه بهم، ونُحاكيهم في بدعهم وأهوائهم وضلالاتهم وأعيادهم وأزياءهم وألبستهم، وما إلى ذلك، فهذا أمر لا يُعقل، ويُخشى على من لم يعرف قدر هذه النعمة، وهي الهداية إلى الصراط المستقيم، أن تُسلب منه، فالمؤمن يخاف.

وأمر آخر -أيها الأحبة- وهو أن اليهود هم أهل الغضب، كما ذكرنا سابقًا، والنصارى أهل الضلال، وهذا علم على هؤلاء بالغلبة، فهو وصف يتوجه إليهم مُباشرة، وإن كان يدخل فيه -كما ذكرنا- من شاكلهم وشابههم ممن عرف الحق وتركه، لكن هؤلاء النصارى بعد مبعث النبي ﷺ وعرفوا الحق، ولم يتبعوه، صاروا جامعين بين الغضب والضلال، فهم أهل غضب، وفي القرون السابقة بعد مبعث النبي ﷺ هم أهل غضب وضلال، فهم عرفوا الحق، وصدق النبي ﷺ ومع ذلك كابروا، وكبيرهم (هِرقل) في خبر أبي سفيان، وهو في الصحيح[3] لما سأله تلك الأسئلة عرف صدقه وأحقية ما جاء به ﷺ ولكنه شح بمُلكه، فمن كان بهذه المثابة فهو من أهل الغضب، وأما النصارى الذي مدحهم الله بقوله: تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ [سورة المائدة:83] هؤلاء الجواب بعده يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ [سورة المائدة:83] هؤلاء هم الذين تبعوا النبي ﷺ وليس أولئك الذين بقوا على كفرهم، فهؤلاء لهم من الضلال الوصف الكامل، ولهم أيضًا من الغضب شعبة يستحقون بها أن يوصفوا به مع اليهود، فهم أهل غضب وضلال.

وأيضًا نُلاحظ في قوله: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ [سورة الفاتحة:7] أنه قدم اليهود، وهم أهل الغضب، فما هو سر هذا التقديم؟ فيمكن أن يُقال: هذا باعتبار القُرب في المكان، فاليهود كانوا في المدينة، وهم: بني قُريظة، والنضير وبني قينقاع، ويمكن أن يكون سبب ذلك الأسبقية، فاليهود قبل النصارى، فجاء ذلك على الترتيب، فذكر غير المغضوب عليهم، أو باعتبار الشدة والثِقل، فإن وصف الغضب أغلظ من وصف الضلال، فإنما من عرف الحق ثم تركه، لا شك أنه أعظم وأشد جرمًا من ذلك التائهة الذي لم يعرف الحق أصلاً، ولم يهتد إليه، فيمكن أن يكون هذا التقديم -والله تعالى أعلم- لهذه العلة، أو لغيرها، والعلم عند الله .

وقوله: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ [سورة الفاتحة:7] بعد قوله: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [سورة الفاتحة:7] هذا عند أهل البلاغة من قبيل الالتفات، وقد ذكرنا التفاتًا قبله، حيث جاء بضمائر الغائب في أول السورة الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ۝ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [سورة الفاتحة:2- 4] ثم كأنه حضر واقترب بين يديه لمُناجاته وسؤاله ودعائه بعد هذا الثناء، فقال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [سورة الفاتحة:5] يعني: كأنه صار بحضرة من يسأله، ويُثني عليه، ويدعوه، فقال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [سورة الفاتحة:5] فتحول من الغائب إلى الخطاب، فهذا يُقال له: التفات، وهو تنويع الأسلوب في الضمائر ونحوها، ويوجد منه أشياء غير هذا أيضًا.

وأيضًا بعده صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [سورة الفاتحة:7] فهذا للمُخاطب، ثم قال: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ [سورة الفاتحة:7] فلم يذكر ضمير الخطاب، وإنما أبهم ذلك، وبنى الفعل للمفعول، (المغضوب) وقلنا: إن هذا تأدب في الخطاب، حيث لم ينسب إليه الغضب، وإنما نسب إليه الإنعام، وذكرنا نظائر هذا في كتاب الله -تبارك وتعالى.

ثم يُلاحظ أيضًا في قوله -تبارك وتعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ آخر الآية الأولى حرف النون، وهذه الفاصلة، وفي الرحيم بالميم، والدين بالنون إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ بالنون اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [سورة الفاتحة:6] بالميم صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ بالميم غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ [سورة الفاتحة:7] بالميم وَلَا الضَّالِّينَ بالنون، فتناسبت هذه الفواصل في هذه السورة على حرفين، الميم والنون، وبعض سور القرآن على حرف واحد قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ۝ اللَّهُ الصَّمَدُ ۝ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ۝ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [سورة الإخلاص:1- 4] وبعض السور على أكثر من ذلك، فهذا التنويع يكون فيه تشنيف الأسماع، بسبب اتفاق ذلك الكلِم في حروفه الأخيرة، فـالرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [سورة الفاتحة:3] قبله ياء قبل الميم مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [سورة الفاتحة:4] هي مُقاربة لها إلا أن الحرف الأخير هو الذي تغير، فوقعها في السِمع مُتقارب، فمثل هذا هو من صروف البلاغة.

وأيضًا نجد في القرآن أشياء تكون مُجملة، ثم يأتي تفصيلها في مواضع أخرى، يعني: مثلاً في قوله -تبارك وتعالى: وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ [سورة النحل:118] فما هذا الذي قصه؟ وما الذي حرمه؟ أجمله وأبهمه، فجاء ذلك مُبينًا في السورة الأخرى المكية، وهي سورة الأنعام، في قوله: وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ [سورة الأنعام:146] فهذا تفصيل لقوله في سورة النحل: وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ [سورة النحل:118].

فالقرآن يُفسر بعضه بعضًا، وكما قال الشاطبي -رحمه الله- بأن السور المكية محمول بعضها على بعض[4] يعني يُفسر بعضها بعضًا، فهذه سورة الأنعام نزلت قبل سورة النحل، فنجد فيها تفسيرًا لأشياء في سورة النحل، والقرآن المدني محمول على المكي أيضًا، فهو يُبين مُجملات فيه، كما قال الله مثلاً في سورة الأنعام، وهي مكية وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [سورة الأنعام:141] فهذا الزكاة على الأرجح، ما هذا الحق؟ وما القدر المُخرج فيه؟ جاء ذلك مُبينًا ومُفصلاً في مواضع أخرى بعد ذلك، فالقرآن المدني يُحمل على القرآن المكي، ويكون ذلك بيانًا له، وتفصيلاً لمُجملاته، ونحو ذلك.

فهذه السورة (سورة الفاتحة) يقول العلماء -رحمهم الله: بأنها اشتملت على مضامين القرآن الكريم، ومقاصده، وموضوعاته، والفرق بين مقصود السورة وموضوع السورة، السورة قد تكون ذات موضوع واحد، وقد تكون ذات موضوعات مُتعددة، يعني حينما ننظر في سورة كسورة الفلق، فإنها تتحدث عن موضوع واحد، وهو الاستعاذة من الشرور كلها، وسورة الناس تتحدث عن موضوع واحد، وهو شر هذا الذي يوسوس في صدور الناس، لكن حينما ننظر مثلاً في سورة القيامة، نجد أنها في صدرها تتحدث عن القيامة، ثم بعد ذلك تحدثت عن قضايا أخرى، كالوحي، كما في قوله: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ۝ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ۝ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ۝ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ [سورة القيامة:16- 19] ثم تحدثت بعد ذلك عن موضوع آخر كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ ۝ وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ [سورة القيامة:20- 21] ثم بعد ذلك ذكر أحوال الناس في ذلك اليوم الآخر، فهي تتحدث عن موضوعات مُتعددة.

فموضوع السورة قد تكون ذات موضوع واحد، وهي القضايا التي تناولتها السورة، فهذا موضوعات السورة.

وأما مقصود السورة فذلك هو الجامع المُشترك إن وجد بين أجزاء السورة كلها، أو يكون ذلك مُتعددًا باعتبار أن السورة لها أكثر من مقصد، فالجامع المُشترك، والغاية والرسالة في النهاية هذا يُقال له: مقصود السورة، فحينما مثلاً نقرأ سورة المُمتحنة، مقصود السورة ما هو؟ تقرير عقيدة الولاء والبراء، وسورة الجمعة: بيان الاجتباء والاصطفاء الذي حصل لهذه الأمة مثلاً، فهو الجامع المشترك بين القضايا المذكورة فيها.

وابن القيم -رحمه الله- تحدث عن سورة العنكبوت وتحدث عن مقصودها الأوحد وهو الابتلاء، لكن جاء هذا في صدرها، وذكر الله فيها قصص الأنبياء، فقال: قصص الأنبياء هذه سير في الابتلاء، وأن هؤلاء خيار الناس، وقد وقع لهم ما وقع من الابتلاء، فهذه نماذج من ابتلاء خيار الخلق، فهذا الفرق بين موضوع السورة، ومقصود السورة.

فسورة الفاتحة هذه جاء فيها إجمال لموضوعات القرآن ومقاصده أيضًا، فذكر فيها أنواع التوحيد لله -تبارك وتعالى- وذكر فيها ما يتصل بالإيمان بالملائكة، والكتب، والرُسل، واليوم الآخر، وتحدث فيها عن أحوال الناس في الدنيا، وعن أحوالهم في الآخرة، إلى غير ذلك من القضايا والموضوعات، والأصول الكِبار موجودة في هذه السورة، وتفاصيل الصراط المستقيم، وبيان الشريعة من أولها إلى آخرها موجود في هذه السورة، من أين يؤخذ تفاصيل الشريعة من أولها إلى آخرها؟

من قوله: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [سورة الفاتحة:6] وما هو الصراط المستقيم؟ هو الذي رسمه الله لعباده من أجل سلوكه، وما الذي رسمه الله لعباده من أجل سلوكه؟ هي الشريعة بكاملها، فهذا صراطه المستقيم، فكل ما في القرآن من بيان الشريعة، وما يشرحها من سنة رسول الله ﷺ هي تفاصيل هذه الجملة "الصراط المستقيم" لاحظتم هذه السورة التي نقرأها في كل ركعة، كيف اشتملت على هذه القضايا جميعًا من مقاصد القرآن وموضوعاته؟!

وفي سورة البقرة تجد التفاصيل لهذه المُجملات في كثير منها، وكذلك آل عمران، وقد ذكر الله -تبارك وتعالى- في هذه السور الفرائض والشرائع العِظام، وذكر فيها أيضًا القرون المُكذبة، وجاء ذلك في الأنعام والأعراف، وغيرها، فالشاهد أن هذه السور هي تفصيل لما أُجمل في سورة الفاتحة، فحُق لسورة بهذه المثابة أن تُقرأ في كل ركعة، وأن يُرددها المسلمون في كل يوم سبعة عشر مرة فرضًا، وحُق للقلوب أن تخضع وتخشع عند قراءتها، لا أن يُتعجب ممن خشع وهو يقرأ سورة الفاتحة، ويأتي ذلك السؤال البائس: لماذا بكى الإمام حينما قرأ سورة الفاتحة؟ وهل يبكي أحد عند قراءة سورة الفاتحة؟ فهذا السؤال لا يرد بحال من الأحوال ممن عرف ما تضمنته هذه السورة من الهدايات والحقائق.

  1.  البيت غير منسوب لقائل في حياة الحيوان الكبرى (2/ 244) والمستطرف في كل فن مستطرف (ص: 43). 
  2.  أخرجه أبو داود في كتاب اللباس، باب في لبس الشهرة برقم: (4031) وقال الألباني: "حسن صحيح". 
  3. أخرجه البخاري في كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله ﷺ ؟ برقم: (7) ومسلم في المغازي الجهاد والسير، باب كتاب النبي ﷺ إلى هرقل برقم: (1773). 
  4. (الموافقات (4/ 275).

مواد ذات صلة