بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ولما امتنّ تعالى عليهم برزقه، وأرشدهم إلى الأكل من طيبه ذكر أنه لم يحرم عليهم من ذلك إلا الميتة، وهي التي تموت حتف أنفها من غير تذكية، وسواء كانت منخنقة أو موقوذة أو متردية أو نطيحة، أو قد عدا عليها السبع.
وقد خصص من ذلك ميتة البحر؛ لقوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ [سورة المائدة:96] على ما سيأتي -إن شاء الله، ولحديث العنبر في الصحيح[1]، وفي المسند والموطأ والسنن قوله في البحر: هو الطهور ماؤه، والحل ميتته[2]، وروى الشافعي وأحمد وابن ماجه والدارقطني حديث ابن عمر -ا- مرفوعًا: أحل لنا ميتتان ودمان، السمك والجراد، والكبد والطحال[3]، وسيأتي تقرير ذلك -إن شاء الله- في سورة المائدة.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقوله -رحمه الله- هنا: "إلا الميتة" وهي التي تموت حتف أنفها من غير تذكية، سواء كانت منخنقة أو موقوذة أو متردية، يعني بأي سبب ماتت سوى التذكية، حتى ولو كان بفعل الإنسان، فإن ذلك لا يحلها إلا بالتذكية، اللهم إلا ما جاء في الصيد، سواء كان عن طريق الجوارح والكلاب المعلمة أو الطيور التي يُصطاد بها، أو كان ذلك عن طريق ما تُصاد به مما يحل أكل ما صيدت به كالسهام والرماح ونحو ذلك، وأما ما عدا هذا فإنه لا يحل.
فلو ضرب الصيد بحجر فإنه لا يحل، وكذلك الصبيان مثلًا حينما يضعون الحجر في المقلاع ويرمون به الطائر فإنه لا يحل؛ لأن هذا من قبيل الموقوذة التي رميت بحجر، وكذلك لو صدمه بالسيارة أو نحو هذا، وسيأتي في آية المائدة -إن شاء الله- وجه الاستثناء في آية: إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ [سورة المائدة:3] يعني هل هو يعود إلى المذكورات حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ [سورة المائدة:3] ...؟ وهل الموقوذة والمتردية والنطيحة إذا أدركت وهي في حال النزع فذكيت هل تحل؟ أو أن ذلك الاستثناء منقطع؟ يأتي -إن شاء الله- تفصيل هذا.
هذه المسألة جاءت استطرادًا، ولو حذفها المختصِر وأبقى على ما يتعلق بتفسير الآيات فقط لكان أولى، أو ذكرها على الأقل عند الكلام على آية المائدة مثلًا، أو عند: قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ [سورة الأنعام:145].
يقول: "لبن الميتة وبيضها المتصل بها نجس عند الشافعي وغيره" لأنه جزء متولد منها، أما بالنسبة للبن فواضح، ويكفي أنه في وعاء نجس؛ لأن الميتة من الأعيان تصير عينًا نجسة، فهذا الوعاء نجس، واللبن شيء قليل من شأنه أن يتغير بهذا الوعاء النجس.
وأما بالنسبة للبيض فقال: "عند الشافعي وغيره" مع أن هذا عند الشافعي، ولكن في مذهب الشافعية يُفرق بالنسبة للبيض بين ما كان قشرته صلبة فإنه لا ينجس؛ لأن النجاسة لا تصل إليه، فصار في حكم المنفصل فيجوز أكله، لذا قال: "لأنه جزء منها".
والمالكية، يقولون: البيض سواء كان قشره بلغ حال الشدة والصلابة أو لم يبلغ فإنه لا يؤكل؛ لأنه جزء منها.
وتعرفون الذي سأل عمر بن الخطاب فقال: "ما تقول في رجل وطأ دجاجة ميتة فخرج منها بيضة، ففقست فرخًا، فهل هذا الفرخ الذي صار دجاجة نجس أم طاهر؟ يحل أكله أو ما يحل أكله؟ فقال: من أين أنت؟ قال: من العراق، قال: فعل الله بأهل العراق كذا كذا، يعني أنه سؤال متكلف.
يعني هو طاهر بنفسه لكنه تنجس بسبب أن هذا الوعاء النجس صار ظرفًا له، وفرق بين قول الإمام مالك وبين المذهب، وقول الشافعي والمذهب، وقول الإمام أحمد والمذهب، وإلا فالأحناف يرون حتى اللبن -لبن الميتة- طاهرا فضلًا عن البيض.
بكسر الهمزة (إنفحة)، ويقال أيضًا بتشديد الحاء (إنفحّة)، وإنفحة الميتة معروفة، فالعجل الصغير قبل أن يأكل العشب وما في معناها وما زال يرضع من أمه فقط، فإن هذا الوعاء الذي هو بمنزلة المعدة أو الكرش قبل أن يصير كذلك يؤخذ فيجبن به، يوضع في اللبن فيساعد على تحويله إلى مادة أخرى وهي الجبن، فإذا أكل العشب هذا الجدي أو العجل الصغير فإن ذلك الوعاء يتحول إلى كرش يصير شيئا آخر، فإذا كان العجل ميتًا مثلًا، وأخذ منه تلك المادة فهي نجسة بطبيعة الحال، لكن إذا وضعت في الحليب وتحولت إلى جبن هل يحل أكله أو لا يحل؟
وتعرفون أن هذه المسألة مسألة مطروقة، والصحابة لما ذهبوا إلى فتوح العراق وفارس نُقل عنهم أنهم أكلوا من تلك الأجبان في تلك البلاد المفتوحة، مع أنهم يصنعون الجبن بهذه الطريقة، فعلل ذلك بعض أهل العلم بأن هذا شيء يسير يوضع في الحليب فلا يحصل به تغير بسبب النجاسة، والكلام في هذه المسألة ليس هذا موضعه، لكن ابن كثير -رحمه الله- تطرق لها هنا.
ما الفرق بين الجُبُن والجُبْن؟
الجُبُن: المأكول، والجُبْن: الخوف، بضم الباء هو المأكول، وبالسكون هو الضعف عن المواجهة، أي: الجبان.
فقال: الحلال ما أحل الله في كتابه، والحرام ما حرم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه[4]،
وكذلك حرم عليهم لحم الخنزير، سواء ذكِّي أو مات حتف أنفه، ويدخل شحمه في حكم لحمه إما تغليبًا...
يعني أن الخنزير لا تطهره الذكاة، وكذلك كل السباع، وما يحرم أكله فإن الذكاة لا تؤثر فيه شيئًا، فسواء ذكي أو مات حتف أنفه فالأمر في ذلك سيان.
الفرق بين الموت حتف أنفه -بهذا القيد- وبين الذكاة، الذكاة تكون بالطريقة الشرعية، ويلحق بها ما في حكمها كالصيد، وكذلك أيضًا ما ندَّ من البهائم التي ليست هي وحشية في أصلها، وكذلك مثلا لو أن الدابة -البعير مثلًا- سقط في بئر ولم يتبين منه إلا دبره -الجزء الأخير منه، والباقي في البئر، كيف يوصل إلي هذا وهو ما مات؟
طالب:.......
لا، ما هو بالشوزن، الآن هو في البئر، وأنت تستطيع الوصول إليه، لكن لا تستطيع نحره؛ لأن رقبته ومقدمه داخل في البئر، وقد ملأ البئر ولا تستطيع أن تصل إليه، فماذا يُصنع به؟ يمكن أن يتوصل إلى إزهاق نفسه من آخره فيكون ذلك مستثنى.
ولو ندّ البعير –هرب، ولم يمكن الوصول إليه إلا عن طريق الرمي يُؤكل، أو ندت شاة فرميت في قلبها أو في كبدها فماتت تُؤكل.
هذه صور ثلاث في المسألة.
الله يقول: أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ [سورة الأنعام:145] فالمحرم هو لحم الخنزير، طيب والشحم؟ بعض أهل العلم يقول: يلحق به قياسًا لعدم الفارق، ولكن هل هذا يحتاج إلى قياس؟ أو أن اللحم في كلام العرب إذا أطلق فإنه يصدق على الأبيض والأحمر، يعني الشحم واللحم، فكل ذلك يقال له: لحم، إذا أطلق دخل فيه هذا وهذا، وهذا هو الأقرب، فهو ليس من باب القياس.
يقول: "إما تغليبًا" تغليبًا بمعنى أنه ذكر اللحم لأنه هو الغالب، أي أكثر في البهيمة، وهو المقصود أصلًا فذكره تغليبًا، لكن الأقرب -والله أعلم- أن اللحم في كلام العرب يطلق على هذا وهذا، وهذه المسألة تجدون فيها كلامًا ومناقشات بين بعض الفقهاء وبين الظاهرية، ولعله يأتي -إن شاء الله- عند الكلام على قوله: أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ [سورة الأنعام:145].
الإهلال أصله: رفع الصوت، ومنه الإهلال بالتلبية، فصار ذلك يقال عند الذبح أو النحر؛ لأنهم يذكرون أسماء آلهتهم عند ذبح هذه البهائم والدواب، يذبحونها لهذه للأصنام، فقيل له: إهلال، فصار ذلك يطلق ولو كان من غير رفع الصوت، يقال: أهل به لغير الله، حتى لو لم يتكلم بشيء لا في سره ولا في نطقه، ولكنه نوى أن تكون هذه لغير الله فإنه يحرم أيضًا أكلها، وإذا ذكر غير اسم الله فإنه يحرم أكلها من باب أولى، فصار عندنا -فيما أهل به لغير الله- ثلاث صور، وكلها داخلة في التحريم من حيث الحقيقة.
معناه أن هذه الذبائح لا يحل أكلها لكن غير الذبائح لو صنعوا طعامًا آخر كالحلوى أو الكيك أو نحو هذا بمناسبة العيد فهل يؤكل هذا أو لا يؤكل؟ أو أقاموا سوقًا بهذه المناسبة هل يجوز الشراء منه أو لا يجوز؟ هي مسألة معروفة، وأظن مر بنا طرف منها في اقتضاء الصراط المستقيم، فبعض أهل العلم يفرق بين الذبائح وبين المطعومات الأخرى، وذكرنا -في ذلك الحين- أنه إذا فهم أن ذلك من مشاركتهم، أو أن فيه نوعا من المشاركة لهم، أو الإقرار على أعيادهم فإن الإنسان قد يمتنع من الأكل والقبول لهديتهم بتلك المناسبة، وما أشبه ذلك.
طالب:......
كيف؟
طالب:......
ليس هذا محل اتفاق، ولاحظ كلام عائشة -ا: "وكلوا من أشجارهم" يعني المقصود لو جاءوا بشيء صُنع من البر أو الذرة أو نحو هذا، وليس المقصود: امسكوا شجرهم وكلوا من الثمر، والمسألة على كل حال ليس هذا موضعها، الأصل في التفسير هنا أن نتكلم فقط على ما يتعلق بالآيات.
قوله: فَمَنِ اضْطُرَّ [سورة البقرة:173] الاضطرار معروف، ومعناه: أن يشرف على الهلكة، وليس مجرد الجوع الذي يستطيع معه الصبر من غير لحوق التلف أو الضرر الشديد الذي يشرف به على الهلكة.
غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ [سورة البقرة:173] في غير بغي ولا عدوان، وهو مجاوزة الحد فلا إثم عليه، مجاوزة الحد في ماذا؟ بعض أهل العلم يفسر: غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ أي: غير متجاوز الحد في أكله هذا، كأن يأكل أكثر من الحاجة، أو أن يأكل تشهيًا، أو أن يأكل من غير ضرورة، أو أن يلجأ إلى الأكل مع وجود بديل أخف منه، كالذي ما وجد شيئا مذكى لكنه وجد -على خلاف بين أهل العلم- طعامًا لإنسان لم يأذن له به، أو وجد صيدًا في الحرم ووجد ميتة أيهما يقدم؟
هذه مسائل فيها خلاف، مسألة الصيد بعض أهل العلم يقول: لا يُقْدم على الصيد؛ لأن الله أباح الميتة مطلقًا للمضطر، والصيد حُرم على الإنسان إذا كان محرمًا، أو كان في الحرم –وإن لم يكن محرمًا، فقالوا: هذا ألصق به وأعلق وأخص، فلا يقرب الصيد، هذا قول لبعض أهل العلم، وبعضهم قال: يُقْدم على الصيد.
لكن لو وجد طعامًا لإنسان لم يأذن به هل يُقْدم عليه أو يُقدِّم الميتة؟ يُقدِّم طعام هذا الإنسان إلا إذا كان ذلك سيؤدي إلى تهمة له بالسرقة وقطع يده.
المقصود أن الإنسان لا يُقْدم على الميتة إلا في حال الاضطرار، ثم إن الضرورة تقدر بقدرها غَيْرَ بَاغٍ [سورة البقرة:173].
وإذا أبيح له الميتة فهل له أن يأكل حتى الشبع؟ وهل له أن يأكل ذلك تشهيًا يقول: فرصة آكل حتى أشبع؟ الضرورة تقدر بقدرها.
وقد يظهر بغيه وتجاوزه وتعديه ببعض تصرفاته، كما لو أنه جلس يصنع هذه اللحوم بطرق يتفنن فيها، هذا حال إنسان مضطر؟! يقول: ما دام أنه أبيحت الميتة أنا سأصنع كبابا عراقيا، وكبابا إيرانيا، وأفعل من ألوان هذه الأشياء التي أراها في لوحات الشوارع، هذا متجاوز للحد.
كما لو أبيح له التصوير مثلًا لضرورة، ويوم جاء يتصور وهو ليس من عادته أن يلبس الزر، أو العقال، فذهب ولبس عقالا وضبط نفسه، ومشط لحيته، وركب أزاريره، وربما لبس معها ثوب زينة، وجاء في أبهى صورة، فهل هذا يعتبر مضطرًا؟! ما هو مضطر، هذا صار عنده بغي.
"ولا عادٍ" أي: ما لم يكن عاصيًا في سفره كقاطع الطريق، ومن خرج على الإمام، وما شابه ذلك؛ لأن هذه الرخصة صار من شأنها أن تعينه على باطله وظلمه ومعصيته، بناءً على أن العاصي لا يترخص بالرخص، مثل مسألة القصر هل للعاصي في سفره أن يصلي الصلاة قصرًا ويجمع بين الصلاتين أم لا؟ هذه مسألة خلافية.
هذا -كما مثلت- كمن يجد شيئا يسد به الرمق لكنه يقول: لا، أنا أريد أكل لحم، طيب عندك هذه الأشياء من النباتات وتستطيع أن تستغني بها الآن! قال: لا، أنا أريد لحما، فمثل هذا يعتبر باغيا، كذلك إذا أكله تشهيًا، فالباغي قد يكون من صوره: الأكل فوق الحاجة، أو أن يأكله تشهيًا أو نحو ذلك، والعادي على قول بعضهم: هو الذي يأكل ويجد مندوحة عنه، يجد شيئًا آخر.
على كل حال ابن جرير الطبري -رحمه الله- يحمله على جميع هذه المعاني، "غير باغ ولا عاد" سوى الخارج في المعصية فإنه لا يقول به، يقول: رخصة من الرخص، لا يستثنى منها أحد، لكن "غير باغ ولا عادٍ" أن يأكل وهو يجد مندوحة، أو أن يأكل فوق الحاجة، أو أن يأكل في غير حال الاضطرار، أو أن يأكل تشهيًا وتلذذًا بهذا الأكل، أو نحو ذلك من الصور التي تدل على أن هذا الإنسان باغٍ أو عادٍ.
على كل حال وجد مضطر ميتة وطعام الغير، هذا يأكل منه؛ لأنه في حال الاضطرار، وهو أولى من الميتة إلا فيما يلحقه فيه هذه التهمة، وأطال بنا الكلام على هذا، وأنا وهمت حينما قلت: ليس هذا موضعه، إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ [سورة البقرة:173] وهو يتكلم على هذه الآية، فهذا من المواضع الذي يذكر فيها الكلام على هذه الأشياء، لكن يؤخذ من منهج ابن كثير -رحمه الله- أنه يتطرق إلى الأحكام الفقهية، ولو أن المختصر ترك هذا واقتصر على تفسير الآيات ربما يكون أنسب -والله أعلم.
على كل حال هذا الرجل أكل في حال الاضطرار فهذا لا إشكال فيه، لكنه أخذ أيضًا في كمه، وتعرفون الحديث: غير متخذٍ خُبْنةً[6] فإذا كان مضطرا يأكل ما يسد به الرمق لكن ليس له أن يحمل معه من هذا الطعام ويتزود.
ولذلك مسألة الميتة تكلم العلماء فيها، هل يحمل معه شيئا منها أو لا؟ وهل يتخير؟ يقول: ما دام أن الميتة مباحة الآن أنا أحب لحمة الكتف أو الظهر؟!
الثمر المعلق: كان يؤتى بالعذق ويوضع في مكان في سقيفة أو نحو ذلك فيأكل منه أهل الحائط أو أهل البيت أو نحو هذا، فإذا جاء إنسان وأخذ منه غير ما بذل للناس صدقة كالذي كان يؤتى مثلًا به لفقراء المسلمين لأهل الصفة فيأكلون منه، حتى جاء النبي ﷺ مرةً فرأى عذق شيص، فقال: (إن رب هذه الصدقة يأكل الحشف يوم القيامة[8]، فهذا يوضع صدقة يؤكل منه بلا إشكال، لكن الكلام فيما ليس ذلك، في الذي ما بُذل من أجل الناس.
يعني فيما أكل من اضطرار ما فيه إشكال.
هذا هو الراجح، وهذه المسألة تذكر في التروك، هذا الإنسان ما قتل نفسه بيده ولكنه ترك شيئًا من شأنه أن يفضي به إلى الهلكة، فإنه يكون بذلك متسببًا، وهل يدخل فيه بعض الصور مثل لو ترك العلاج حتى مات؟ الجواب: لا، هذا يختلف عن هذا؛ لأن حصول الشفاء بتعاطي هذا العلاج مظنون أصلًا، بينما الأكل الأمر فيه يختلف، فيجب عليه أن يأكل، وسبق الكلام في مراقي السعود في مسائل الترك هل يُعد من الأفعال؟
فكفنا بالنهي مطلوب النبي | والترك فعل في صحيح المذهبِ |
له فروع ذكرت في المنهجِ | وسردها من بعد ذي البيت يجي |
من شربٍ أو خيط ذكاةٍ فضل ما | وعَمَدٍ رسم شهادة وما |
عطَّل ناظر وذو الرهن كذا | مفرط في العلْف فادرِ المأخذا |
وكالتي ردت بعيب وعَدِم | وليُّها وشِبْهِها مما عُلم |
يعني لو أن شخصًا في شدة العطش، وشخصًا آخر عنده ماء ورفض أن يعطيه من فضل ماءٍ عنده، فهل يعتبر هذا قتلا له؟ تسببًا بالقتل؟ يضمن أو لا؟ ولو جُرح واحتاج إلى خيط يخيط به الجراح فأبى أن يعطيه فمات؟ ولو أن البهيمة تعافس الموت فقال: أعطني هذه السكين التي معك لأذكيها قبل أن تموت حتف أنفها حتى نستفيد منها فأبى فماتت فهل يضمن؟ وهكذا لو قال له: أعطني الخشبة التي عندك الزائدة أريد أن أرفد بها البيت الذي سيطيح، فأبى، فسقط السقف هل يضمن أو لا؟ فهنا لو تخلى عن الأكل في حال الاضطرار ومات، فما الحكم؟
طالب:......
بنك البلاد أنا لم أطّلع على برامجهم مفصلة، وعدد من الإخوة وعدني أن يأتي بها وما رأيتها، والذي وصلني كلام مجمل أنهم يلتزمون بالمعاملات الإسلامية، وأن عندهم لجنة وسموها، وهذه اللجنة لا يمرر شيء إلا عن طريقها، وهي لجنة لا تعرف بالتساهل، فبهذا الشكل المجمل لم أرَ شيئًا محظورًا، ولا أستطيع أن أحكم، مع أني أتخوف من كثير من المعاملات التي يسمونها إسلامية وهي لفة وحيلة على الربا، ولا أدري هل هؤلاء سيفعلون هذا أو لا؟ وبالتالي لا نستطيع أن نقول للناس: لا تساهموا، أو هذا حرام، ونحن ما رأينا شيئا، والأصل في المعاملات الحل.
فلو أن إنسانًا اشترى فإذا بدا تبادل الأسهم ووجدت للبنك أشياء من مبانٍ أو أي أمور أخرى غير السيولة، فعند ذلك يجوز بيع الأسهم.
والعجيب من تهافت الناس عليه، أنا أول الأمر كنت أظنه أنه يشتري له بخمسة ملايين، بعشرة ملايين، فتبين أنه أربعة أسهم وخمسة أسهم ما تساوى تشغيلة السيارة للبنك، ويشغلون الناس، حتى إنني أصبحت لا أرد على الجوال، والناس في هذه الأيام ما لهم سؤال إلا عن هذا البنك، في البداية كنت أحسبه شيئا يستحق، وهو فتات الفتات، أربعة أسهم أو خمسة لا تساوي الذهاب إلى البنك أو رفعة السماعة، وماذا يجنون من ورائه؟ لو افترضنا أن السهم يربح فيه ألفا بدل خمسين ريال، ماذا يفيدك هذا المبلغ الذي ما يسدد الفواتير، سبحان الله! شيء عجيب حرص الناس على هذه الدنيا.
شيء غيره؟
طالب:......
يأكل المحتاج ولا يأكل غير المحتاج.
طالب:......
كيف؟
طالب:......
استعمل في غير الأكل قصدك الخنزير؟
طالب:......
تكلم الفقهاء على بعض المسائل في الخنزير مثل شعر الخنزير هل يخرز به أو لا؟ أجاز بعض أهل العلم أن يُخرز به.
على كل حال النجاسة تنتقل بالرطوبة، فإذا قلنا: الخنزير كله نجس، فالنجاسة لا تنتقل بالجفاف، تنتقل بالرطوبة، فإذا قلنا مثلًا: يخرز به فعرقت الرجلُ أو ابتلّ النعلُ أو الرجلُ، تصل النجاسة بهذا الاعتبار على القول بهذا؛ لأن كله نجس.
لكن هذه المسألة هل شعر الخنزير نجس أو لا؟ هي على كل حال باعتبار أن الشعر له حكم المنفصل.
طالب:......
هذه مسألة ثانية وهي استخدام شحم الخنزير أو أجزاء منه في أمور لا تؤكل كالعلاج، مما يسمى الاستعمال الخارجي، فهل يجوز استعمال هذه الأعيان النجسة في الأمور الخارجية أو لا؟ هذه المسألة محل بحث ونظر.
ابن عمر لما ذكرت له الخمر وأنه يعالج بها، قال: "لا أضعه على قرحة في دبر حماري" فمثل هذه الأشياء التي حرمها الله إذا وضعت في مركبات أدوية كالمراهم ونحوها، أو أدوات التجميل أو غيرها هل يحل استعمالها أو لا؟.
فإذا قال الله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ [سورة المائدة:3] فهنا لا بد من مقدر؛ لأن الأعيان لا يتعلق بها الحكم، فما هو المقدر؟ حرم عليكم أكل الميتة أو الانتفاع بالميتة؟ وتعرفون حديث ميمونة والحديث الآخر أيضًا -الذي فيه كلام- وهو قوله: لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب[9] مع قوله ﷺ: هلا انتفعتم بجلدها[10] إنما حرم أكلها أيضًا، وأشباه ذلك.
فالمقصود أن من أهل العلم من يقول: طالما أنها حرمت فيحرم جميع أنواع الانتفاع بها إلا ما دل الدليل على استثنائه كالجلود مثلًا، والفقهاء تكلموا على مسألة طلاء السفن بشحوم الميتة.
طالب:......
في الأشياء الخارجية ذكرت لكم كلام ابن عمر، وليس ذلك محل اتفاق في الأشياء الخارجية، وبالتالي فإن هذه الخمرة لو استعملت في أشياء مثل الطيب أو في تركيبات كثير من الأمور هي مسكرة، منها ما هو من نوع السموم فتقتل، ومنها ما يسكر دون أن يقتل، وهذه الأشياء التي تسمى الكحول هي أنواع عند أهل الاختصاص وليست نوعًا واحدًا، بل منها ما إذا تعاطاه الإنسان مات، ومنها ما ليس كذلك، الأطباء يعرفون هذا، ويفرقون بين هذه الأمور.
فالمقصود لو قلنا: إنه يحرم استعمال الخمر حتى في غير الشرب؛ لأن الله قال: فَاجْتَنِبُوهُ [سورة المائدة:90] هل اجتنبوا شربه وتعاطيه على وجه الإسكار؟ يعني الشرب وما يقوم مقامه كالشم وغيره، هل هذا هو المقصود أو المقصود اجتنبوه مطلقًا؟ فإذا قلنا: اجتنبوه مطلقًا فمعناها أن الأطياب التي فيها الكحول لا يجوز استعمالها.
غير مسألة النجاسة فالأقرب أنه ليس بنجس عينًا، لكن الأطياب التي فيها هذا الكحول ما يجوز استعمالها على هذا الاعتبار، وأيضًا كل ما ركب من البنزين مسكر فهل نقول للناس: تعبئة البنزين حرام، ونستبدله بالطاقة الشمسية أو بطريقة أخرى؟! وأنا ما أقول: إن البنزين حرام، أنا بهذا أصور المسألة، وما يلحق الناس فيها من حرج لو قاله قائل، فالأصباغ والغراء وكثير من الأشياء يدخل في تركيبتها الكحول.
طالب:.......
ليس ذلك بالضرورة في الأشياء الخارجية، هل يدل عليها الحديث ضرورة؟ إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم[11] هذا المنحى ممكن أن يحمل عليه مثل ما جاء عن ابن عمر، لكن هذا هل هو محل اتفاق؟ الجواب: لا، والناس يسألون كثيرًا عن الحشيشة، يقولون: زيت الحشيش يباع أظنه بأكثر من مائتي ريال عند العطارين، يقولون: إنه ينمي الشعر ويكثفه، وينبت الشعر، هذا دائمًا الناس يسألون عنه، مع أنه صدر بيان من وزارة التجارة يقولون فيه: إنه أجريت تحاليل على هذا المنتج فوجدوا أنه ليس بزيت حشيشة أصلًا، ثم لو فرض أن إنسانًا جاء بزيت الحشيش فإنه لا علاقة إطلاقًا بينه وبين تنمية الشعر وتغذيته وتطويله وتنعيمه وتكثيفه، ما في أي علاقة بين الأمرين، والعجيب أنك تقول للناس هذا ليس زيت حشيش وحتى زيت الحشيش ما له علاقة بالموضوع، فيقال: ما يخالف، هل يجوز أو ما يجوز؟ خلاص المرأة متبرمجة أنها تضع زيت حشيش لأجل أن يصير شعرها مضبوطا.
طالب:......
من أهل العلم من قال: يتزود من الميتة لا ليأكل منها في غير حال الاضطرار، وإنما لو اضطر وهو يعلم أنه ليس مقبلًا على بلد أو قرية أو ناحية يجد فيها الطعام، فهو من باب الاحتياط، فهذا في الميتة له وجه، أما في مسألة الخُبْنة -طعام الغير- فالأمر في ذلك محتمل لكنه أشد؛ لأن الميتة هذه إنما يحرم عليه أكلها لا حملها، أما طعام الغير فهو قد استولى عليه وأخذه، وأضاع حق صاحبه، فهل يأكل بقدر ما يسد الرمق أم يحمل معه ليأكله إذا احتاج إليه؟ طيب وإذا ما اضطررت له تكبه أو تتصدق به بنية؟! نقول: يأخذ بقدر ما يحتاج، والله أعلم.
- يريد بحديث العنبر ما أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب عزوة سيف البحر [ج4- ص1586 – 4104] عن جابر قال: "غزونا جيش الخبط وأمر أبو عبيدة فجعنا جوعًا شديدًا، فألقى لنا البحر حوتًا ميتًا لم نر مثله، يقال له: العنبر، فأكلنا منه نصف شهر، فأخذ أبو عبيدة عظمًا من عظامه فمر الراكب تحته، فأخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرًا يقول: قال أبو عبيدة: "كلوا" فلما قدمنا المدينة ذكرنا ذلك للنبي ﷺ فقال: كلوا رزقًا أخرجه الله، أطعمونا إن كان معكم، فأتاه بعضهم بعضو فأكله"، وهو أيضًا في كتاب الذبائح والصيد، باب قول الله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ [سورة المائدة:96] [ج5- ص2093- 5174]، وفي مسلم في كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، باب إباحة ميتات البحر [ج3- ص1535- 17].
- أخرجه أبو داود في الطهارة، باب الوضوء بماء البحر (ج 1/ص31- 83) والترمذي في أبواب الطهارة، باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور (ج1/ص100- 69) والنسائي في السنن الكبرى (ج1/ص75- 58) وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب الوضوء بماء البحر (ج 1/ص136- 386) وأحمد في المسند (ج2/ص361- 8720) وصححه شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند، وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم: (7048).
- أخرجه ابن ماجه في كتاب الأطعمة، باب الكبد والطحال (ج 2/ص1102- 3314) وأحمد في المسند (ج2/ص97- 5723) والبيهقي في السنن الكبرى (ج1/ص254) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (ج3/ص111).
- أخرجه الترمذي في كتاب اللباس، باب ما جاء في لبس الفراء (ج4/ص220- 1726) وابن ماجه في كتاب الأطعمة، باب أكل الجبن والسمن (ج2/ص1117- 3367) والبيهقي في السنن الكبرى (ج10/ص 12) والطبراني في المعجم الكبير (ج6/ص 250- 6124) وحسنه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم: (3195).
- أخرجه ابن ماجه في كتاب التجارات، باب من مر على ماشية قوم أو حائط هل يصيب منه؟ [ج2- ص770 – 2298]، والطبراني في المعجم الأوسط [ج8- ص241- 8519] وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه [ج2-ص31 – 1861].
- أخرجه أبو داود في كتاب اللقطة، التعريف باللقطة [ج1- ص534 – 1710]، وفي كتاب الحدود، باب ما لا قطع فيه [ج2- ص542 – 4390]، والترمذي في كتاب البيوع، باب ما جاء في الرخصة في أكل الثمرة للمار بها [ج3 - ص584 – 1289]، والنسائي في كتاب قطع السارق الثمر يسرق بعد أن يؤويه الجرين [ج8- ص85 – 4958]، وأحمد في المسند [ج2- ص224- 7094]، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود [ج1- ص321 – 1504].
- أخرجه الترمذي في كتاب البيوع، باب ما جاء في الرخصة في أكل الثمرة للمار بها [ج3 - ص584 – 1289]، والنسائي في السنن الكبرى في كتاب قطع السارق الثمر يسرق بعد أن يؤويه الجرين [ج4 - ص344 – 7446]، وحسنه مشكاة المصابيح [ج2- ص188 – 3036].
- أخرجه أبو داود في كتاب الزكاة، باب ما لا يجوز من الثمرة في الصدقة [ج1- ص505 – 1608] وابن ماجه في كتاب الزكاة، باب النهي أن يخرج في الصدقة شر ماله [ج1- ص583 – 1821]، وأحمد في المسند [ج6- ص23 – 24022] وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند: "إسناده حسن"، وابن خزيمة في كتاب الزكاة، باب كراهية الصدقة بالحشف من الثمار وإن كانت الصدقة تطوعًا إذ الصدقة بخير الثمار وأوساطها أفضل من الصدقة بشرارها [ج4- ص109 – 2467] وقال الأعظمي: "إسناده حسن لغيره صالح بن أبي عريب ضعيف لكن للحديث شواهد"، وابن حبان في كتاب التاريخ، باب إخباره ﷺ عما يكون في أمته من الفتن والحوادث [ج15- ص177 – 6774[ وقال شعيب الأرنؤوط: "إسناده حسن"، الحاكم في المستدرك [ج2 - ص313 – 3126] (تعليق الذهبي قي التلخيص: صحيح)، والطبراني في المعجم الكبير [ج18- ص55 – 99] والبيهقي في السنن الكبرى في كتاب الزكاة، باب ما يحرم على صاحب المال من أن يعطي الصدقة من شر ماله[ج4- ص 136- 7318] وحسنه الألباني في صحيح أبي داود [ج1 - ص302 – 1419].
- أخرجه أبو داود في كتاب اللباس، باب من روى أن لا ينتفع بإهاب الميتة [ج2- ص465 – 4128]، والترمذي في كتاب اللباس، باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت [ج4- ص222 – 1729]، والنسائي في كتاب الفرع والعتيرة،ما يدبغ به جلود الميتة[ج7 - ص175- 4249] وابن ماجه في كتاب اللباس، باب من قال: لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب [ج2- ص1194 – 3613] وأحمد في المسند [ج4 - ص310 – 18802] وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند: "إسناده ضعيف فيه علتان أولاهما: الانقطاع وثانيتهما: الاضطراب"، وابن حبان في كتاب الطهارة، باب جلود الميتة [ج4- ص94- 1278]، والطبراني في المعجم الأوسط [ج1- ص251 – 822]، والصغير [ج2- ص214 – 1050]، وابن أبي شيبة في كتاب العقيقة، من كان لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب[ج5 - ص206 – 25276] والبيهقي في السنن الكبرى [ج1 - ص 14 – 42] وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه [ج2- ص285 – 2910].
- أخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب الصدقة على موالي أزواج النبي ﷺ [ج2 - ص543 – 1421]، وفي كتاب الذبائح والصيد، باب جلود الميتة [ج5 - ص2103- 5211]، ومسلم في كتاب الحيض، باب طهارة جلود الميتة بالدباغ [ج1- ص276 - 100 ].
- أخرجه البخاري في كتاب الأشربة، باب شراب الحلوى والعسل من كلام ابن مسعود، [ج5 - ص2129].