الخميس 24 / جمادى الآخرة / 1446 - 26 / ديسمبر 2024
[2] من قوله تعالى: {قَالُواْ يَآ أَبَانَا} الآية 11 إلى قوله تعالى: {وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} الآية 18.
تاريخ النشر: ٠٣ / جمادى الأولى / ١٤٢٨
التحميل: 2969
مرات الإستماع: 2459

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المفسر -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى:

قَالُواْ يَآ أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ ۝ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [سورة يوسف:11- 12].

لما تواطؤوا على أخذه وطرحه في البئر -كما أشار به عليهم أخوهم الكبير روبيل- جاءوا أباهم يعقوب فقالوا: ما بالك لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ وهذه توطئة ودعوى وهم يريدون خلاف ذلك لما له في قلوبهم من الحسد لحب أبيه له أَرْسِلْهُ مَعَنَا أي ابعثه معنا غداً نرتع ونلعب، وقرأ بعضهم بالياء يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ قال ابن عباس -ا: يسعى وينشط، وكذا قال قتادة والضحاك والسدي وغيرهم، وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ يقولون: ونحن نحفظه ونحوطه من أجلك.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد.

قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في قوله: يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ: "يسعى وينشط"، روي هذا عن ابن عباس -ا، قيل هذا من مأخوذٌ من رتْع البعير -رتعت الدواب يعني إذا أكلت كيف شاءت؛ ولهذا يعبر به عن الاتساع في الخصب، الدواب ترتع بمعني أنها تأكل من النبات كيف شاءت، وهذه العبارة التي ذكرها هنا قال: يسعى وينشط، أو على قراءة نرتع ونلعب أي نسعى وننشط، يعني نلهو ونلعب وما أشبه ذلك، هذا قال به كثيرٌ من المفسرين، وهو اختيار ابن جرير -رحمه الله.

وبعضهم نظر إليه من جهةٍ ثانية نرتع ونلعب قال: أي نتحارس ويحفظ بعضنا بعضاً، وهذا قالوا: إنه كقولك رعاك الله، فإنه يعبر بذلك عن الحفظ والحراسة يعني حفظك الله وحرسك ورعاك، فهذه اللفظة أصلها من رتعت الدابة، فيعبر بذلك عن الحفظ والحراسة والرعاية وما أشبه ذلك، فهذا وإن قال به بعض أئمة اللغة إلا أنه لا يخلو من بُعد في تفسير الآية -والله تعالى أعلم، فالمقصود أن مثل هذه يعبر بها عن معنى الاتساع في اللهو واللعب والأكل وما أشبه ذلك، وهذا اللعب فسره بعض أهل العلم بالمسابقات في الرمي، كما سيأتي في قوله -تبارك وتعالى: إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ [سورة يوسف:17]، فعلى كل حال المقصود به اللعب المباح.

وكما هو معلوم أنه ليس كل لعبٍ باطل بإطلاق.

قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ ۝ قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ [سورة يوسف:13، 14].

يقول تعالى مخبراً عن نبيه يعقوب أنه قال لبنيه في جواب ما سألوا من إرسال يوسف معهم إلى الرعي في الصحراء إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ أي: يشق عليّ مفارقته مدة ذهابكم به إلى أن يرجع، وذلك لفرط محبته له لما يتوسم فيه من الخير العظيم وشمائل النبوة والكمال في الخَلْق والخُلُق -صلوات الله وسلامه عليه، وقوله: وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ يقول: وأخشى أن تشتغلوا عنه برميكم ورعيكم فيأتيه ذئب فيأكله وأنتم لا تشعرون، فأخذوا من فمه هذه الكلمة وجعلوها عذرهم فيما فعلوه، وقالوا مجيبين له عنها في الساعة الراهنة لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ يقولون: لئن عدا عليه الذئب فأكله من بيننا ونحن جماعة إنا إذاً لهالكون عاجزون.

يعني كيف يتمكن الذئب من الوصول إليه ونحن بهذا العدد من الرجال؟، فهذا عجزٌ وضعف وخسران، وقوله: إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ معروف أن الحزن هو الاغتمام من أمرٍ فائت، وأما الخوف فهو الاغتمام من أمرٍ مستقبل، هذا هو الفرق بينهما كما هو مشهور، وقد يعبر بأحدهما عن الآخر، وهو قليلٌ في الاستعمال، ومنه هذا الموضع، عبر بالحزن عن الخوف إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ يعني أنه يتخوف عليه من أمرٍ يحصل في المستقبل، كأكل الذئب له.

فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ [سورة يوسف:15].

يقول تعالى: فلما ذهب به إخوته من عند أبيه بعد مراجعتهم له في ذلك وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ هذا فيه تعظيم لما فعلوه أنهم اتفقوا كلهم على إلقائه في أسفل ذلك الجب، وقد أخذوه من عند أبيه -فيما يظهرونه له- إكراماً له وبسطاً وشرحاً لصدره وإدخالاً للسرور عليه، فيقال: إن يعقوب لما بعثه معهم ضمه إليه وقبله ودعا له.

قوله: فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ هذا شرط فأين جوابه؟ بعض أهل العلم يقول: الجواب مقدر، وتفاوتت عباراتهم في هذا المقدر، فمن ذلك قول من قال بأنه فعلوا ما فعلوا فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ فعلوا ما فعلوا، يعني ألقوه في الجب، وبعضهم يقول غير ذلك في التقدير.

ومن أهل العلم من قال بأن الجواب مذكور، وهذا الجواب هو قوله: وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ، وقالوا إن الواو هنا صلة، ويقصدون بـ صلة أنها زائدة، وهذا يقع في كلام العرب، بمعنى أنهم لما ذهبوا به وهم مجمعون على أن يجعلوه في غيابة الجب أوحى الله إليه في هذه الأثناء بهذا الوحي لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا، وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ.

فذكر السدي وغيره أنه لم يكن بين إكرامهم له وبين إظهار الأذى له إلا أن غابوا عن عين أبيه وتواروا عنه، ثم شرعوا يؤذونه بالقول من شتم ونحوه، والفعل من ضرب ونحوه، ثم جاءوا به إلى ذلك الجب الذي اتفقوا على رميه فيه، فربطوه بحبل ودلوه فيه فكان إذا لجأ إلى واحد منهم لطمه وشتمه، وإذا تشبث بحافات البئر ضربوا على يديه، ثم قطعوا به الحبل من نصف المسافة، فسقط في الماء فغمره، فصعد إلى صخرة تكون في وسطه يقال لها الراغوفة فقام فوقها.

هذا لا يعتمد عليه؛ لأنه من الإسرائيليات.

وقوله: وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ يقول تعالى ذاكراً لطفه ورحمته وعائدته وإنزاله اليسر في حال العسر: إنه أوحى إلى يوسف في ذلك الحال الضيق تطييباً لقلبه وتثبيتاً له، إنك لا تحزن مما أنت فيه، فإن لك من ذلك فرجاً ومخرجاً حسناً، وسينصرك الله عليهم ويعليك ويرفع درجتك، وستخبرهم بما فعلوا معك من هذا الصنيع، وقوله: وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ وقال ابن عباس -ا: ستنبئهم بصنيعهم هذا في حقك وهم لا يعرفونك ولا يستشعرون بك.

هذا هو المشهور، وهو المتبادر من السياق، أن الله أخبره بما سيجري في العاقبة في المستقبل، بمعنى أن هذا الإلقاء في البئر، أو أن هذه المؤامرة لن تودي به إلى التلف، وإنما سيكون له من ذلك فرجٌ ومخرج لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ فهذا وعدٌ من الله له بما سيكون في المآل بينه وبين إخوته، وهذا هو الذي حصل وهو ما ذكره الله بعد ذلك في آخر هذه القصة لما قال لهم يوسف ﷺ: هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ [سورة يوسف:89]، فقالوا له: أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا [سورة يوسف:90]

فالشاهد أنه أخبرهم بهذا، ثم قالوا له: تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا [سورة يوسف:91)، ثم قال لهم: لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ [سورة يوسف:92]، فالشاهد أنه أخبرهم بهذا كما وعده الله -تبارك وتعالى، والمقصود بقوله: وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ يعني حينما قال لهم ذلك ودخلوا عليه، حينما كان هو العزيز في مصر ما كانوا يعرفون أنه يوسف، فلما سألهم وقال لهم هذا الكلام عرفوا بعد ذلك وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ نبأهم بهذا وهم لم يشعروا أنه يوسف.

ومن أهل العلم من يقول: إن قوله: وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ يعود إلى الوحي، يعني وأوحينا إليه وهم لا يشعرون، يعني بإيحائنا في هذه الأثناء، ما علموا أن الله أوحى إليه، لكن هذا فيه بعد، والأقرب هو الأول كما يدل عليه ظاهر القرآن.

وَجَآءُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ ۝ قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ۝ وَجَآءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ [سورة يوسف:16-18].

يقول تعالى مخبراً عن الذي اعتمده إخوة يوسف بعد ما ألقوه في غيابة الجب أنهم رجعوا إلى أبيهم في ظلمة الليل يبكون، ويظهرون الأسف والجزع على يوسف، ويتغممون لأبيهم، وقالوا معتذرين عما وقع فيما زعموا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ أي: نترامى.

نستبق بمعني نترامى، يعني نَنْتضِل، يعني نرمي بالسهام، وبالنبال، وهذا يدل عليه قراءة ابن مسعود وهي ليست من القراءات المتواترة بطبيعة الحال "نَنْتضِل"، وكما سبق أن القراءة الأحادية تفسر القراءة المتواترة، "ننتضل"، والانتضال هو الرمي بالسهام، كما أن الرهان يقال للمسابقة في الخيل، والسباق يشمل ذلك جميعاً كما قال بعض أئمة اللغة كالأزهري، ويحتمل أن يكون ذهبنا نستبق: يعني نعدو على الأقدام، لكن الأول أولى؛ لدلالة القراءة التي أشرت إليها والله تعالى أعلم نَسْتَبِقُ يعني ننتضل، وهو بمعنى قوله هنا: أي نترامى.

وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا أي: ثيابنا وأمتعتنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وهو الذي كان قد جزع منه وحذر عليه، وقوله: وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ تلطفٌ عظيم في تقرير ما يحاولونه، يقولون: ونحن نعلم أنك لا تصدقنا -والحالة هذه- لو كنا عندك صادقين، فكيف وأنت تتهمنا في ذلك؟؛ لأنك خشيت أن يأكله الذئب فأكله الذئب، فأنت معذور في تكذيبك لنا لغرابة ما وقع، وعجيب ما اتفق لنا في أمرنا هذا.

يعني أنه حذرهم وقال: إني أخاف أن يأكله الذئب، فقالوا له: نحن عصبة وكيف يأكله الذئب من بيننا؟ ثم يأتون إليه ويقولون له: أكله الذئب، فهذا أمرٌ كيف يصدق وكيف يقبل وهم قد ذكروا له ما يدل على بُعده ونفيه؟ ثم يحتجون به، لكنهم تلقوا هذه الحجة منه، عندما قال لهم: أخاف أن يأكله الذئب، وكأن ذلك من الشيء الذي لهم به عهد، يعني ربما كانوا يحدثونه عن ذئبٍ إذا خرجوا يعرض لهم أو نحو ذلك، فقال: أخاف أن يأكله الذئب، وتكون "ال" عهدية، الذئب المعهود، وربما يكون المكان الذي يذهبون إليه أصلاً كثير الذئاب، لكن لو كان كذلك لقال: أخاف أن يأكله ذئبٌ، لكن حينما يقول: أخاف أن يأكله الذئب، فهو ذئب معهود، كأنهم حدثوه عنه، والذئب معروف، حتى إنه قيل له ذلك لأنه يأتي من كل وجه، يأتي وهو كثير الحركة والانتقال، وخفيف في هذا جداً، فيأتي من هنا ويأتي من هنا، ويذهب من هنا ويرجع من هنا، فتارةً يأتي من الجنب وتارة من الناحية الأخرى، وتارةً من الخلف، وتارة.. لا يفْتُر، إذا دفعته من جهة لا تشعر إلا بمجيئه من جهة أخرى، فقيل له ذلك، والله أعلم.

وَجَآءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ أي: مكذوب مفترى، وهذا من الأفعال التي يؤكدون بها ما تمالؤوا عليه من المكيدة.

قال بعض أهل العلم في قوله: "كَذِب": إن "فَعِل" هنا بمعنى مفعول، "دمٍ كذب" أي دمٍ مكذوب، ولكن لو أخذنا ظاهر اللفظ بِدَمٍ كَذِبٍ هنا وصف اسم العين باسم المعنى، فالدم عين والكذب معنى، فهنا وصف اسم العين الذي هو الدم باسم معنى، بأنه كذب، يعني من الممكن أن يقال: بدمٍ طري مثلاً، ولهذا جاء في قراءة غير متواترة "كَدِب" بالدال، ومعنى "كدب" يعني طري، دم جديد رطب، بدمٍ كدب، فهنا يكون وصْفُه على هذه القراءة وصفَ اسم العين باسم عينٍ، لكن "كذب" هذا اسم معنى، فإذا حصل ذلك في كلام العرب فإنه يكون من المبالغة في تأكيد الشيء، وشدة ارتباطه بهذه الصفة، يعني كأن هذا الدم هو عين الكذب.

وهو أنهم عمدوا إلى سخلة -فيما ذكره مجاهد والسدي وغير واحد- فذبحوها ولطخوا ثوب يوسف بدمها موهمين أن هذا قميصه الذي أكله فيه الذئب، وقد أصابه من دمه، ولكنهم نسوا أن يخرقوه؛ فلهذا لم يَرُج هذا الصنيع على نبي الله يعقوب، بل قال لهم معرضاً عن كلامهم إلى ما وقع في نفسه من لبسهم عليه بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ أي: فسأصبر صبراً جميلاً على هذا الأمر الذي اتفقتم عليه، حتى يفرجه الله بعونه ولطفه، وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ أي: على ما تذكرون من الكذب والمحال.

 قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا سولت بمعنى سهلت وزينت، وأصل ذلك يقال: التسويل هو تقرير معنىً في النفس، يطمع صاحبه بإتمامه، فَصَبْرٌ جَمِيلٌ يحتمل أن يكون المبتدأ محذوفاً، أي فشأني صبرٌ جميل، أو صبري صبرٌ جميل، أو الذي أنا عليه صبرٌ جميل، ويحتمل أن يكون الخبر هو المحذوف، أي صبرٌ جميل صبري، والصبر الجميل هو الذي لا جزع معه ولا شكاية، والهجر الجميل هو الهجر الذي لا يكون معه أذى، والله أعلم.

مواد ذات صلة