الأحد 20 / جمادى الآخرة / 1446 - 22 / ديسمبر 2024
[80] تتمة قوله تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب} الآية 186
تاريخ النشر: ٢٧ / محرّم / ١٤٢٦
التحميل: 4771
مرات الإستماع: 4476

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

قال المفسر -رحمه الله تعالى- قوله تعالى:

 وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ [سورة البقرة:187].

أباح تعالى الأكل والشرب مع ما تقدم من إباحة الجماع في أي الليل شاء الصائم إلى أن يتبين ضياء الصبح من سواد الليل، وعبر عن ذلك بالخيط الأبيض من الخيط الأسود، ورفع اللبس بقوله: مِنَ الْفَجْرِ، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أبو عبد الله البخاري عن سهل بن سعد قال: أنزلت وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِولم ينزل من الفجر، وكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود، فلا يزال يأكل حتى يتبين له رؤيتهما فأنزل الله بعد مِنَ الْفَجْرِ، فعلموا أنما يعني الليل والنهار[1].

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد الله، والصلاة والسلام على رسول الله. أما بعد:

فقوله -تبارك وتعالى: وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَأي: يتميز لكم بياض الصبح من سواد الليل، وذلك بظهور الفجر الصادق الذي ينتشر في السماء، وينبلج ولا يزال يزداد حتى تطلع الشمس.

ويستنبط من رواية البخاري عن سهل بن سعد فوائد كثيرة، أهمها فائدتان:

الأولى: أن ذلك وقع لجماعة حيث ربطوا خيطاً أبيض وخيطاً أسود.

والثانية: أن قوله: مِنَ الْفَجْرِلم تنزل مع الآية ابتداءً، وإنما نزلت متأخرة، وهذان الأمران أبلغ جواب في الرد على من قال: إن النبي ﷺ قصد بقوله: إن وسادك لعريض القفا[2]، والوساد هو المخدة، وهذا الكلام كناية عن الوصف بالغباوة إذا فهم هذا الفهم، وفعل هذا الفعل، ومثله في الحديث: إنك لعريض القفا [3]وهو مؤخرة الرأس، وعرضه عنوان الغباوة في المرء، قصد عدي بن حاتم ، لما جعل تحت وسادته خيطين أسود وأبيض، فكان يأكل ويشرب وينظر إليهما، فقال له النبي ﷺ ذلك؛ لأن هذا أولاً: لم يقع لعدي ، وإنما وقع لجماعة كما ورد في هذه الرواية من الحديث.

ثانياً: أن قوله: مِنَ الْفَجْرِلم تنزل إلا متأخرة فلم يدركوا أن المراد من الخيط الأبيض والخيط الأسود هو الفجر الصادق والفجر الكاذب، فحملوا الخطاب على ظاهره، فلما تبين لهم من لفظة مِنَ الْفَجْرِأحجموا عن صنيعهم هذا.

إضافة إلى أن الصحابة من أكمل الناس عقلاً، وعدي بن حاتم كان سيداً عظيماً من سادات قومه، وأخلاق النبي ﷺ تأبى أن يقول ذلك لرجل من أدنى أصحابه فضلاً عن أن يقولهلرجل من سادات العرب وكبرائهم، وإذا كان الرجل لا يقول ذلك لصاحبه تخلقاً وتأدباً فما بالك بالبني ﷺ الذي هو أكمل الناس خلقاً عليه -الصلاة والسلام، فهذا بعض ما يجاب به عن ذلك الكلام الذي يقرأ كثيراً في شروح الحديث، وفي الكلام أحياناً على مسألة الصيام.

وروى البخاري عن الشعبي عن عدي قال: أخذ عدي عقالاً أبيض وعقالاً أسود حتى كان بعض الليل نظر فلم يستبينا، فلما أصبح قال: يا رسول الله ﷺ جعلت تحت وسادتي، قال: إن وسادك إذاً لعريض إن كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادتك[4].

هذا جواب أصرح من الرواية الأخرى في الجواب على من زعم أن المقصود في الحديث عدي بن حاتم؛ لأنه قال: إن وسادك لعريض إن كان، باعتبار أن الوسادة تضمن بياض الصبح وسواد الليل.

ويؤخذ من الآية أن الصائم يعذر ولا يؤمر بالقضاء إذا أكل وشرب جاهلاً وقد طلع الفجر، وهذا واضح من دلالة الحديث، وهذا له صور كثيرة جداً في قضايا مختلفة، مثل حديث معاوية بن أبي الحكم السلمي لما تكلم في الصلاة، فلم يأمره النبي ﷺ بالقضاء، وحديث المسيء صلاته ما أمره النبي ﷺ إلا بقضاء الصلاة التي في الوقت، حيث علمه أن صلاته هذه لا تصح ولا تجزئ، وقصة حمنة عندما كانت تستحاض فتترك الصلاة والصيام سبع سنين ما أمرها النبي ﷺ بالقضاء، إلى غير ذلك من أمور كثيرة جداً، وأدلة يؤخذ منها هذا الحكم.

وجاء في بعض الألفاظ إنك لعريض القفا، ففسره بعضهم بالبلادة وهو ضعيف، بل يرجع إلى هذا؛ لأنه إذا كان وساده عريضاً فقفاه أيضاً عريض، والله أعلم.

ويفسره رواية البخاري أيضاً عن عدي بن حاتم قال: قلت: يا رسول الله ﷺ ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود أهما الخيطان؟ قال: إنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين، ثم قال: لا، بل هو سواد الليل وبياض النهار[5].

وفي إباحته تعالى جواز الأكل إلى طلوع الفجر دليل على استحباب السحور؛ لأنه من باب الرخصة والأخذ بها محبوب، ولهذا وردت السنة الثابتة عن رسول الله ﷺ بالحث على السحور، ففي الصحيحين عن أنس قال: قال رسول الله ﷺ: تسحروا فإن في السحور بركة[6].

وفي صحيح مسلم عن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله ﷺ: إن فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر[7].

وروى الإمام أحمد عن أبي سعيد قال: قال رسول الله ﷺ: السحور أكله بركة فلا تدعوه، ولو أن أحدكم تجرع جرعة ماء فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين[8].

وقد ورد في الترغيب في السحور أحاديث كثيرة حتى ولو بجرعة من ماء تشبها بالآكلين.

الحافظ ابن كثير -رحمه الله- استخرج من إباحته تعالى جواز الأكل إلى طلوع الفجر الدليل على استحباب السحور، فمن أين مستخرج الاستحباب؟

يطرق الأصوليون مسألة موجب الأمر بعد الحظر إلى ما يرجع الحكم فيه؟ فيقولون: يرجع الحكم إلى ما كان يفيده قبل الحظر، فالأكل والشرب كان مباحاً ابتداء ليلة الصيام بعد العشاء أو بعد النوم، لينزل بعده الحكم بالتحريم في الحالين، ثم جاء الأمر في الآية: وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ [سورة البقرة:187]، والأمر يأتي للإباحة، ويأتي للاستحباب، ويأتي للوجوب، والأصل أنه للوجوب إلا لصارف، وعندنا قرينة صرفت الأمر من الوجوب في الآية، إلى ما كان عليه قبل ذلك من الإباحة، فصار الأكل والشرب في ليلة الصيام وبعد النوم مباحاً، وفي المقابل وجدت نصوص أخرى تدل على طلب الشارع ومحبته للأكل والشرب في وقت السحر، فصار مقوياً للأمر من مجرد الإباحة إلى الاستحباب. 

وعليه فقوله سبحانه: وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ يؤخذ منه استحباب الأكل والشرب في وقت السحور، إذ إن في وقت السحر عندنا قدراً زائداً من الأدلة يمكن أن نفهم على ضوئها هذا الأمر بالأكل والشرب فيها، كحديث: إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين، وحديث: فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور، ومثله: تسحروا فإن في السحور بركة إلى غير ذلك من الأدلة..

فمن مجموع هذه الأمور أخذ استحباب أكلة السحور من قوله سبحانه: وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [سورة البقرة:187]، والله أعلم.

ويستحب تأخيره إلى وقت انفجار الفجر كما جاء في الصحيحين عن أنس بن مالك عن زيد بن ثابت قال: تسحرنا مع رسول الله ﷺ ثم قمنا إلى الصلاة، قال أنس: قلت لزيد كم كان بين الأذان والسحور، قال: قدر خمسين آية[9].

المستحب في السحور تأخيره إلى وقت طلوع الفجر كما جاء عن أبي ذر  أن النبي ﷺ قال: لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور[10]، وهنا تحديد للمقدار بين الأذان والسحور قال: قدر خمسين آية، فإذا كان المؤذن يؤذن الأذان الثاني عند طلوع الفجر، والأول قبل ذلك، فالوقت بينهما يسير وقد جاء في المقنع أنه قدر ما ينزل هذا ويصعد هذا، والمقصود تقليل مدة الوقت، فيأكلون في ذلك الوقت الذي هو آخر أجزاء الليل، أو من آخر أجزاء الليل، وعلى هذا تحمل مثل هذه الروايات.

وأما النصوص الأخرى الواردة عن بعض الصحابة كأبي بكر، وجماعة من كبار الصحابة، بما يشعر ظاهره أنهم كانوا يأكلون بعد طلوع الفجر وقت الإسفار أو قريباً منه، فمثل هذه النصوص مشكلة في ظاهرها ومحملها ومعناها، إلا أنّ لأهل العلم محاملَ وتأويلاتٍ في ذلك، والأفضل التعامل معها وفق ما قرره الإمام الشاطبي -رحمه الله- في كتابه "الموافقات" حيث جعل قاعدة في التعامل مع النصوص، ومحورها إلى خمسة أقسام:

القسم الأول: النصوص الجادة حيث تتوارد النصوص وتتضافر على معنى من المعاني، فهذا يعمل به، ولا إشكال فيه.

النوع الثاني: أن تتضافر النصوص وتتوارد في معنى، ويوجد في النادر ما ظاهره يخالف ذلك، فيعمل به على الجادة، والأصل الذي تضافرت فيه النصوص.

القسم الثالث: ما وردت فيه النصوص متضافرة تقرر معنى، ووجد قليل يخالف ذلك، فهذا إن ظهر له محمل حمل عليه، وإن لم يظهر له محمل فإنه يعمل بالأصل الذي تتابعت النصوص على تقريره.

القسم الرابع: أن يوجد أدلة كثيرة تدل على معنى، ويوجد أدلة أخرى كثيرة تخالفها، فمثل هذه يجمع بين هذه الروايات، وينظر أنه كان يفعل هذا أحياناً، أو كان ذلك على وجه كذا، أو نحو ذلك.

القسم الخامس: ما وردت فيه الأدلة في كذا وكذا، فمثل هذا لا تطرح الأدلة الأخرى وينظر فيها، فمسألة  الأكل والشرب بعد الإسفار، أو عند الإسفار أو نحو هذا، نرجع فيها إلى الأصل المحكم الثابت وهو قوله سبحانه: وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [سورة البقرة:187]، ولا نتتبع أشياء أخرى تخالف هذا الأصل.

ومثل هذه القضية ما جاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص في قصة الرجل الذي قال فيه النبي ﷺ: يطلع عليكم رجل من أهل الجنة،... فلما قام النبي ﷺ تبعه عبد الله بن عمرو إلى بيته فقال له: "إني لاحيت أبي، فآليت أن لا أدخل عليه ثلاثاً،.. " ثم أخبره بعد مضي الثلاث أنه لم تكن بينه وبين أبيه أي ملاحاة، أنما أراد أن ينظر في صنيعه وعبادته..."القصة. 

فالشاهد هل يصح أن نجوّز الكذب للمصلحة، حيث لا ضرر، ونقررها قاعدة للناس ونستدل بهذا الدليل؟ الجواب لا؛ لأننا سنترك الأدلة الكثيرة المخالفة والمتضافرة في الكتاب والسنة على تحريم الكذب، ووسْمه بأنه ثلث النفاق، وأما صنيع عبد الله بن عمرو فهو لاعتبارات معينة، فهم ذلك وتأول، ولسنا متعبدين بما أقدم عليه، فهذه القواعد التي أرساها الإمام الشاطبي عظيمة لو تحاكمنا إليها عند ورود مثل هذه الإشكالات.

وقد روي عن طائفة كثيرة من السلف أنهم تسامحوا في السحور عند مقاربة الفجر، روي مثل هذا عن أبي بكر -، وعمر، وعلي، وابن مسعود، وحذيفة، وأبي هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وزيد بن ثابت أجمعين، وعن طائفة كثيرة من التابعين منهم محمد بن علي بن الحسين، وأبو مجلز، وإبراهيم النخعي، وأبو الضحى، وأبو وائل وغيره من أصحاب ابن مسعود، وعطاء، والحسن، والحكم بن عتيبة، ومجاهد، وعروة بن الزبير، وأبو الشعثاء جابر بن زيد، وإليه ذهب الأعمش، ومعمر بن راشد، وقد حررنا أسانيد ذلك في كتاب الصيام المفرد، ولله الحمد.

ابن جرير الطبري أورد في تفسيره روايات عن جمع من الصحابة والتابعين في جواز السحور عند مقاربة الفجر، بل ووقْت رؤيتهم له وبعد طلوعه، إلا أن ابن كثير حملها على تسامحهم في السحور في هذا الوقت، لكن مثل هذا لا يُترك فيه المحكمات، ويُلجأإلى مثل هذه المشكلات، ولا يفهم إنسان هذا الفهم فيصدق عليه قول الشاعر:

ألقاك فهمك في مهاون فليتك ثم ليتك ما فهمت

وقد ورد في الصحيحين من حديث القاسم عن عائشة أن رسول الله ﷺ قال: لا يمنعكم أذان بلال عن سحوركم فإنه ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر[11] لفظ البخاري.

وروى الإمام أحمد عن قيس بن طلق عن أبيه أن رسول الله ﷺ قال: (ليس الفجر المستطيل في الأفق، ولكن المعترض الأحمر[12].

يشير في الحديث إلى الفرق بين الفجرين الصادق والكاذب، وكلام الفقهاء أن الفجر الكاذب كذنب سرحان أي: كذنب الذئب حيث يكون ضوؤه إلى أعلى ويكون مستطيلاً، وأما الفجر الصادق فيكون معترضاً ومنبلجاً ويزيد إضاءةً، أما ذاك فيختفي.

ورواه أبو داود والترمذي ولفظهما كلوا واشربوا ولا يَهِيدَنَّكم الساطع المُصعَد، فكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر[13].

وروى ابن جرير عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله ﷺ: لا يغرنكم أذان بلال، ولا هذا البياض -لعمود الصبح- حتى يستطير[14].

ورواه مسلم في صحيحه مثله سواء.

مسألة:

ومن جعْلِه تعالى الفجر غاية لإباحة الجماع والطعام والشراب لمن أراد الصيام، يُستدل على أنه من أصبح جنباً فليغتسل، وليتم صومه، ولا حرج عليه، وهذا مذهب الأئمة الأربعة، وجمهور العلماء سلفاً وخلفاً.

هذا النوع من الاستنباط يعرف عند الأصوليين بدلالة الإشارة، والراجح أن دلالة الإشارة من أنواع المنطوق، لكنه المنطوق غير الصريح؛ لأن المنطوق ينقسم إلى قسمين:

  • منطوق صريح.
  • منطوق غير صحيح.

فهي من المنطوق غير الصريح ويعرفه الأصوليون بأنه: إشارة اللفظ لما لم يكن القصد له قد علما.

ودلالة الإشارة تارة تكون بنص واحد، وتارة تكون بالجمع بين الدليلين، فمثل الأول ما جاء في قوله سبحانه: وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ إذ المعنى أنه يجوز للرجل أن يجامع إلى آخر جزء من الليل حتى بعد طلوع الفجر، وهذا يدل على جواز أن يصبح الإنسان جنباً، لكن الآية ما سيقت لتقرير هذا المعنى، ولذلك سميت دلالة الإشارة.

وتارة بدليلين مثل قوله سبحانه: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا [سورة الأحقاف:15] مع قوله سبحانه: وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ [سورة لقمان:14]، فالعامان أربعة وعشرون شهراً، فإذا وضعتَ أربعة وعشرين من ثلاثين يبقى ستة شهور هي مدة الحمل؛ لأنه إذا ثبت كون مدة الرضاع حولين من ثلاثين شهراً، بقي ستة أشهر فتكون هي مدة الحمل ضرورة أخذاً من مجموع الدليل، فهذه أيضاً دلالة إشارة، مع أنه ما سيق أحد الدليلين لتقرير أقل مدة الحمل، ودلالة الإشارة عند الأصوليين غير دلالة الإشارة عند المفسرين، وعند الصوفية، والله أعلم.

وهذا مذهب الأئمة الأربعة وجمهور العلماء سلفاً وخلفاً لما رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة وأم سلمة -ا- أنهما قالتا: كان رسول الله ﷺ يصبح جنباً من جماع غير احتلام ثم يغتسل ويصوم[15].

وفي حديث أم سلمة عندهما ثم لا يفطر ولا يقضي.

وفي صحيح مسلم عن عائشة -ا- أن رجلاً قال: يا رسول الله تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم؟ فقال رسول الله ﷺ: وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم فقال: لست مثلنا يا رسول الله ﷺ فقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال: والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله، وأعلمكم بما أتقي[16].

وهذا التأخر من النبي ﷺ لا يمكن أن يكون وقع على وجه التساهل والتفريط؛ لأنه مشرِّع وأتقى الأمة لله.

والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

  1. رواه البخاري في كتاب الصوم –باب قول الله تعالى: وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ 
  2. رواه البخاري في كتاب التفسير –باب تفسير سورة البقرة، برقم (4239) (4/1640).
  3. رواه البخاري في كتاب التفسير –باب تفسير سورة البقرة برقم (4240) (4/1640).
  4. سبق تخريجه برقم  (2).
  5. سبق تخريجه.
  6. رواه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة –باب وقت الفجر برقم (1823) (2/678)، ومسلم في كتاب الصيام –باب فضل السحور وتأكيد استحبابه واستحباب تأخيره وتعجيل الفطر، برقم (1095) (2/770).
  7. رواه مسلم في كتاب الصيام –باب فضل السحور وتأكيد استحبابه واستحباب تأخيره وتعجيل الفطر برقم (1096) (2/770).
  8. رواه الإمام أحمد في مسنده برقم (11101) (3/12)، وقال شعيب الأرنؤوط: صحيح وهذا إسناد ضعيف لجهالة أبي رفاعة.
  9. رواه البخاري في كتاب الصوم –باب قدر كم بين السحور وصلاة الفجر برقم (1821) (2/678)، ورواه مسلم في كتاب الصيام –باب فضل السحور وتأكيد استحبابه واستحباب تأخيره وتعجيل الفطر برقم (1097) (2/771)
  10. رواه أحمد في مسنده برقم (213580) (5/147)، وضعف إسناده شعيب الأرنؤوط.
  11. أخرجه البخاري في كتاب الأذان - باب الأذان قبل الفجر (596) (ج 1 / ص 224) ومسلم في كتابالصيام - باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر وأن له الأكل وغيره حتى يطلع الفجر وبيان صفة الفجر الذي تتعلق به الأحكام من الدخول في الصوم ودخول وقت صلاة الصبح وغير ذلك (1093) (ج 2 / ص 768).
  12. رواه الإمام أحمد في مسنده برقم (16334) (4/23)، وحسنه شعيب الأرنؤوط.
  13. رواه الترمذي برقم (705) (3/85)، وأبو داود برقم (2348) (1/717)، وحسنه الألباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير برقم (8635).
  14. رواه مسلم في كتاب الصيام –باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر وأن له الأكل برقم (1094) (2/769).
  15. رواه البخاري في كتاب الصوم –باب اغتسال الصائم برقم (1830) (2/681)، ورواه مسلم في كتاب الصيام –باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب برقم (1109) (2/779).
  16. رواه مسلم في كتاب الصيام –باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب برقم (1110) (2/781).

مواد ذات صلة