بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
يقول المفسر -رحمه الله تعالى:
وقوله تعالى: ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ [سورة البقرة: 187] يقتضي الإفطار عند غروب الشمس حكماً شرعياً، كما جاء في الصحيحين عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله ﷺ: إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا فقد أفطر الصائم[1]، وعن سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله ﷺ: لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر أخرجاه[2].
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة عن النبي ﷺ يقول الله : إن أحب عبادي إليَّ أعجلهم فطراً ورواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب[3].
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد.
قوله -تبارك وتعالى: ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ [سورة البقرة: 187] لما كانت "إلى" تدل على الغاية وأنها في بعض صورها يكون المغيا خارجاً عما قبله، كما في هذا المثال فإن الليل بهذا الاعتبار ليس محلاً للصوم، فلا يقول قائل: إنه لا يتحقق صيام النهار إلا بصيام جزء من الليل، فإن هذا يذكرونه من باب ما لا يتم الواجب إلا به، لكن لا شك أن الجميع يوافق على أن وقت الصوم هو النهار إلى آخر جزء منه، أي: إلى غروب الشمس فقط، وهذا الذي دلت عليه هذه الغاية وهذا الاستنباط الذي أشار إليه الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- والحديث الذي ذكره كقوله ﷺ: إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا فقد أفطر الصائم[4]، يحتمل أنه يكون معنى أفطر الصائم أي: قد حل فطره، ويحتمل أن يكون معناه قد أفطر حقيقة أو حكماً، ومعنى أفطر حكماً أي أنه صار في حكم المفطرين شاء أم أبى، والكلام في مسألة الصيام في الليل –الوصال- معروف.
ولهذا ورد في الأحاديث الصحيحة النهي عن الوصال: وهو أن يصل يوماً بيوم ولا يأكل بينهما شيئا، روى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: لا تواصلوا، قالوا: يا رسول الله إنك تواصل، قال: فإني لست مثلكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني[5].
قوله: يطعمني ربي ويسقيني: على الأرجح من أقوال أهل العلم وهو الذي يقتضيه الحال أنه ليس معنى ذلك الطعام والشراب الحقيقي، وإلا لم يكن صائماً بهذا الاعتبار، وإنما المقصود ما يحصل له من الكفاية عن الطعام والشراب بلذة المناجاة والقرب من الله ، وما أشبه ذلك من المعاني، وهذا هو الذي ذكره المحققون، وهو أمر ليس بمستغرب، فالنبي ﷺ قال: لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب فإن الله يطعمهم ويسقيهم[6]، ولذلك تجد المريض ربما يبقى اليوم واليومين لا يطعم ومع ذلك لا يجد أثر الجوع، كما أنه يحصل للإنسان من الإعانة في وقت الصوم ما لا يحصل له في غيره إذا كان صحيح القصد والنية.
أما ترون أن الإنسان إن كان صائماً ينتصف عليه النهار، بل يذهب معظمه، وهو لا يجد أثر الجوع في كثير من الأحيان؟ وإذا كان مفطراً فلا يكاد ينتصف عليه النهار إلا وهو في غاية الجوع حتى إن أطرافه ربما ترتعش؟ وإذا كان صائماً لا يلتفت إلى شيء من هذا، فالإنسان يعان على الصيام، وأحوال الناس في هذا في غاية التفاوت، والمقصود أن الإنسان ربما يحصل له شيء من هذه المعاني، ولا شك أن ذلك دون رسول الله ﷺ بمراحل، لكن المقصود الدلالة على أصل المعنى وتقريبه.
حكم الوصال:
الذي تدل عليه ظواهر النصوص بمجموعها أن النبي ﷺ لم يعزم عليهم في النهي عن الوصال وإنما نهاهم عنه رفقاًَ بهم وشفقة عليهم، وقد كان بعض الصحابة يواصل، بل نقل عن عبد الله بن الزبير أنه كان يواصل خمسة عشر يوماً، والحافظ ابن حجر -رحمه الله- يقول كلاماً معناه: أطول من حفظنا عنه في الوصال ما جاء عن ابن الزبير أنه كان يواصل عشرة أيام متواصلة، وكان يواصل هذا الوصال في الوقت الذي كان محاصراً في المسجد الحرام، وكان يخرج على الكتيبة بمفرده، فيفلها حتى ربما بلغ بهم الحَجُون ولا يقف أحد في وجهه مع أنه كان يواصل هذا الوصال العظيم، حتى إنه سئل مرة كيف تطيق هذا؟ فذكر أنه يشرب الوَدَك، ومعلوم أن الوَدَك إذا شربه الإنسان فإنه لا يهضم بسهولة؛ لكثافته وكثرة ما فيه من الدهون.
يعني أن النبي ﷺ كان يتقرب إلى الله بهذا، فهو بالنسبة إليه، من مراتب الكمال، وأما الأمة فهي غير مطالبة بذلك، وإنما تجشمه من تجشمه من الصحابة لفرط رغبتهم في مزيد من التقرب والعبادة، لكن لا يقال: إن الأمة مطالبة بهذا وتندب إليه، كما أنه لا يقال: إنه حرام.
الأصل أن نهي النبي ﷺ بقوله: لا تُواصِلوا للتحريم، ولكن الصحابة لم يفهموا هذا من مقتضى الحال، وإنما فهموا أنه نهاهم عنه شفقة عليهم، وإلا لم يواصلوا معه ﷺ ولم يقرهم هو على هذا؛ لأنه لا يقر –عليه الصلاة والسلام- على باطل، والصحابة لا يمكن أن يتقربوا إلى الله بمعصية رسوله ﷺ فالأصل أن النهي للتحريم ما لم يوجد له صارف.
الاعتكاف معروف، وأصله بمعنى الملازمة وطول المكث، كما قال تعالى عن إبراهيم –: إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ [سورة الأنبياء: 52]، تقول: فلان عاكف على كذا، بمعنى أنه يطيل المكث معه أو عنده، ولذلك كان الاعتكاف هو ملازمة المسجد على سبيل القربة على وجه مخصوص، أو بشرطه، أو نحو ذلك من العبارات التي تقرب معناه.
والأرجح أن الاعتكاف لا يحد بيوم وليلة، إذ لا دليل على ذلك، وغاية ما يستدلون به كما هو معروف سؤال عمر للنبي ﷺ أنه نذر أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام، وقالوا: الليلة إذا ذكرت عند العرب فمعها اليوم، فنقول: ما الحكم فيما إذا كان قد سأل النبي ﷺ عن الاعتكاف ثماني عشرة ساعة؟
فأظن أن الوسط في هذه المسألة هو بين قول هؤلاء وقول الحنفية الذين قالوا: يصح أن يكون الاعتكاف ولو بوقت يسير، ولذلك فإنهم إذا أرادوا دخول المسجد للصلاة، قالوا: انووا الاعتكاف، والصواب أن هذا لا يعتبر اعتكافا، ولا يقال لهذا الإنسان: إنه معتكف، وإنما الاعتكاف هو المكث الطويل، والأحسن لمن أراد أن يعتكف ألا يقل اعتكافه عن يوم وليلة.
ومسألة هل يدخل المعتكف المسجد من قبل غروب الشمس أو قبيل الغروب أو مع الغروب أو يدخل بعد طلوع الفجر أو مع الفجر على الحديث الوارد أنه دخل معتكفه بعد أن صلى الفجر -عليه الصلاة والسلام[9] كل هذا ليس محله هنا.
يقول ابن عباس: فحرم الله عليه أن ينكح النساء ليلاً أو نهاراً حتى يقضي اعتكافه، هذا في الرجل يعتكف في المسجد في رمضان أو في غيره؛ فالاعتكاف لا يختص برمضان، وإن كان النبي ﷺ اعتكف في رمضان، فالمقصود أن الله حرم على المعتكف أن ينكح النساء ليلاً أو نهاراً؛ لأن الوطء من مفسدات الاعتكاف.
قال الضحّاك: كان الرجل إذا اعتكف فخرج من المسجد جامع إن شاء، وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [سورة البقرة: 187]، هذه الرواية لها حكم المرسل وبالتالي لا يعتمد عليها بأنه كان جائزاً في أول الأمر أن المعتكف يخرج لحاجته فيمكن أن يواقع في هذا الخروج.
قال الله تعالى: وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ: أي لا تقربوهن ما دمتم عاكفين في المسجد، ولا في غيره. يقصد إن اعتكفتم في المسجد فلا تباشروهن في المساجد ولا في غير المسجد، فالوطء في المسجد لا يجوز بكل حال سواء كان الشخص معتكفاً أو غير معتكف، فالمساجد ما بينت لهذا، وكذلك لا يجوز للمعتكف أن يجامع أهله ولو في خارج المسجد ما دام معتكفاً..
قوله: وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ: أصله من مس البشرة، فهل المنهي عنه هو المس مطلقاً أو على سبيل الاستمتاع، أو المقصود به معنىً أخص من ذلك وهو الجماع؟
أما مجرد اللمس فهذا ليس له وجه إطلاقاً في قوله: وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِد، وأما القول بأن المراد به النهي عن جميع أنواع الاستمتاع فهذا هو الظاهر والله تعالى أعلم، وأما الجماع فهو داخل قطعاً، وبعض أهل العلم يحرم الجماع ويبيح ألوان الاستمتاع الأخرى، إلا أن المعتكف في الأصل معرض عن هذا كله ومشتغل بالإقبال على الله فهو ليس بصدد قضاء وطره ولذاته إذ حال المعتكف على النقيض من هذا.
والعلماء رحمهم الله في مسألة الاعتكاف تكلموا عن أمور أخرى كالقراءة في الفقه –مثلاً- هل يشتغل به المرء وهو معتكف أم لا؟ فكيف يقال له: اذهب لمباشرة أهلك دون الجماع! فهناك فرق بين الاعتكاف وبين الصوم، فالصائم له أن يباشر وهو صائم، لكن الاعتكاف انقطاع إلى الله فهو بمنأى عن هذا، والله أعلم.
ومما يدل على أن اللمس المطلق ليس داخلاً في المنهي عنه للمعتكف أن النبي ﷺ كان في معتكفه يخرج رأسه لعائشة -ا- فترجله[10]، وبالتالي فمثل هذا لا إشكال فيه.
لا يقربها وهو معتكف، يعني لا بجماع، ولا بما دونه من وجوه الالتذاذ والاستمتاع، وهذا المعنى نقل عليه الحافظ ابن عبد البر الإجماع، وإن كان قد وجد من يقول بجواز التقبيل ونحو ذلك إلا أنه قول ضعيف.
وهذا الذي حكاه عن هؤلاء هو الأمر المتفق عليه عند العلماء أن المعتكف يحرم عليه النساء ما دام معتكفاً في مسجده، ولو ذهب إلى منزله لحاجة لا بد له منها فلا يحل له أن يتلبث فيه إلا بمقدار ما يفرغ من حاجته تلك من قضاء الغائط أو الأكل.
وليس له أن يقبل امرأته ولا أن يضمها إليه ولا يشتغل بشيء سوى اعتكافه، ولا يعود المريض لكن يسأل عنه وهو مارٌّ في طريقه، وللاعتكاف أحكام مفصلة في بابه، وقد ذكرنا قطعة صالحة من ذلك في آخر كتاب الصيام، ولله الحمد والمنة.
جاء عن بعض السلف كعائشة -ا- فيما يتعلق بالمريض أنها كانت إذا دخلت سألت دون أن تقف، فالمقصود أنه لا يتلبث في شيء من هذه الأمور دون حاجته الأصلية ويكون ذلك بقدر الإمكان، بمعنى أنه إذا كان يستطيع أن يأكل في محل قريب من معتكفه فلا يذهب إلى بيته البعيد، وإذا كان لا يجد أو لا يصلح لمثله أن يأكل في الشارع أو في الساحة، أو نحو ذلك، أو لا يلائمه هذا وإنما يحتاج إلى نوع خاص من الطعام فيذهب، وكذلك إذا كان يجد مكاناً قريباً يغتسل فيه أو نحو ذلك فلا يذهب إلى المكان البعيد، أما أنه يذهب ليأكل ثم يشتري في الطريق أغراضا ليست ضرورية كعطر أو أشياء من هذا القبيل مما يتوسع فيها الناس ويتساهلون كأن يذهب ليشحن الجوال، أو يعِد صاحبه في مكان في الساحة أو نحوها فيخرج إليه فمثل هذا ليس خروجاً للحاجة الأساسية، وهذه الأمور تضييع لمعنى الاعتكاف المشروع.
ومن تضييع معنى الاعتكاف أنك تجد عشرين أو ثلاثين شخصاً يعتكفون معا بحيث يجدون من الأنس والانبساط والضحك والقيل والقال في المسجد الحرام أو في المسجد النبوي ما لا يجدونه في بيوتهم، فمثل هذا اعتكاف صوري وليس حقيقيا؛ إذ لم يشرع الاعتكاف من أجل هذا إطلاقاً، وإذا كان الذي يصلي ليس له من صلاته إلا نصفها، إلا ربعها..الخ فإن قضية الاعتكاف مثل ذلك.
فالاعتكاف لا يؤدي إلى الثمرة المرجوة إلا بأن يجمع المعتكف بين حبس النفس عن الطعام والشراب في الصوم وبين حبسها عما ألفت عليه من الخلطة –لا سيما عند من يشترط الصوم للاعتكاف- بحيث يكون منقطعاً، فإذا حصل له هذا وهذا حصل له المعنى الذي من أجله شرع الاعتكاف، لذلك من أراد أن يعتكف فليعتكف لوحده، وإن كان ولا بد من رفيق فليكن مع شخص واحد من الجادين بحيث يكون مقبلاً على مصحفه وذكر ربه ودعائه لا يشغله رفيقه بالكلام والقيل والقال.
كذلك لا سيما أن النبي ﷺ اعتكف في رمضان فناسب ذكره بعده، والأمر الآخر: أن كثيراً من أهل العلم يقولون: إن الاعتكاف من شرطه الصوم فلا يصح من غير صوم، وهذه المسألة ليست محل اتفاق، لكن على كل حال هذا وجه ذكر الاعتكاف بعد الصوم، وليس الحديث الآن عن الاعتكاف.
هذا مثلُ ما سبق أنه ذكر قوله: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ [سورة البقرة:186] بين آيات الصوم، فاستنبط منها العلماء معنى وهو أن للصائم دعوة مستجابة، فالدعاء في حال الصوم له مزية وبالتالي ذكرت آية الدعاء بين آيات الصيام.
قوله: ثم اعتكف أزواجه من بعده، هذا يدل على أنالاعتكاف مشروع للمرأة كالرجل مع أن النبي ﷺ في حياته لما رأى تلك الحصر التي أعدتها زوجاته في المسجد للاعتكاف قال: آلبر تردن[12] وأمر بهتكها وإزالتها ورفعها؛ والسبب أنه وإن كانت النساء شقائق الرجال ولكن الاعتكاف ليس أفضل للمرأة من أن تبقى في بيتها، وهذا الكلام لا يعجب النساء إطلاقاً ولكنه هو الحق الذي لا مرية فيه، قال تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [سورة الأحزاب:33]، والأحاديث واضحة في أن مكان المرأة بيتها بل في أبعد مكان في بيتها، وصلاتها فيه أفضل من صلاتها في مسجد حيها، وصلاتها في مسجد حيها أفضل من صلاتها في المسجد الجامع، وصلاتها في المسجد الجامع خير من صلاتها في مسجد رسول الله ﷺ وخلفه، فالأحاديث الواردة في هذا معروفة، فكيف الحال إذا كان خروجها لتكون بائعة في الصيدلية أو المستلزمات النسائية، تتجول في السوق أو غير ذلك؟
ولقد أصبحت قضية خروج المرأة مشكلة بل حتى قضية اعتكاف المرأة صارت مشكلة إذ ربما وصل العدد في بعض المساجد –غير المسجد الحرام والمسجد النبوي- إلى ثمانين معتكفة بل وأكثر من ذلك، وإذا تسامعت النساء بهذا ستأتي أعداد أضعاف هذا العدد، وقضية خروج المرأة منه ما هو إسلامي أو خروج تحت راية الشيطان بحيث تكون أجيرة عند الآخرين، وهكذا تستغل المرأة بأنها شقيقة الرجل، وأنها نصف المجتمع ولا يطير المجتمع إلا بجناحين اثنين، ولا بد أن تعطى فرصة وغير ذلك من الدعوات التي تصدقها المرأة، فأعداء الإسلام يريدون أن يخرجوا المرأة من حصنها الحصين في غاية التبرج عبر الوسائل المختلفة من قيادة السيارة إلى المشاركة السياسية إلى التمثيليات، فلا يكفي أن تقف المرأة عند ما يناسبها من الأعمال بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية، والله المستعان.
وفي الصحيح أن صفية بنت حيي كانت تزور النبي ﷺ وهو معتكف في المسجد فتحدثت عنده ساعة، ثم قامت لترجع إلى منزلها وكان ذلك ليلاً، فقام النبي ﷺ ليمشي معها، حتى تبلغ دارها، وكان منزلها في دار أسامة بن زيد في جانب المدينة، فلما كانا ببعض الطريق لقيه رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي ﷺ أسرعا، وفي رواية: تواريا، أي حياءً من النبي ﷺ لكون أهله معه، فقال لهما النبي ﷺ: على رسلكما، إنها صفية بنت حيي أي لا تسرعا، واعلما أنها صفية بنت حيي، أي زوجتي، فقالا: سبحان الله يا رسول الله، فقال ﷺ: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا أو قال: شراً[13].
قال الشافعي -رحمه الله: أراد أن يُعلم أمته التبري من التهمة في محلها؛ لئلا يقعا في محذور، وهما كانا أتقى لله من أن يظنا بالنبي ﷺ شيئاً، والله أعلم.
أي أن النبي ﷺ بهذا الجواب يشرِّع لأمته ويؤدبهم بهذا الأدب، وهو أن لا يجعل الإنسان نفسه في موضع ريبة، فإن كان في مقام ربما يرتاب فيه أحد بيّن له الحال، ليدفع عن نفسه التهمة؛ لأن الإنسان قد لا يلام إذا حكم بالظاهر، ومما يدل على ذلك أنه لما بركت ناقة النبي ﷺ في قصة الحديبية، قال بعض الصحابة: خَلأت القصواء، فأعلمهم أن ذلك ليس لها بخُلُق، وأن الذي حبسها إنما هو حابس الفيل، فلم ينكر عليهم قولهم ذلك ولم يقل لهم: استعجلتم بحكمكم هذا أو كيف تحكمون بالظاهر، وإنما بيّن لهم معنى آخر، فالمقصود أن الإنسان يدفع عن نفسه التهمة، ولا يجعل نفسه في موضع ريبة ثم ينتظر من الآخرين أن يحسنوا الظن به.
ثم المراد بالمباشرة إنما هو الجماع ودواعيه من تقبيل ومعانقة ونحو ذلك، فأما معاطاة الشيء ونحوه فلا بأس به، فقد ثبت في الصحيحين عن عائشة -ا- أنها قالت: كان رسول الله ﷺ يدني إليَّ رأسه فأرجله وأنا حائض، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان، قالت عائشة -ا: ولقد كان المريض يكون في البيت، فلا أسأل عنه إلا وأنا مارة[14].
وقول تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ [سورة البقرة: 187] أي هذا الذي بيّناه وفرضناه وحددناه من الصيام وأحكامه، وما أبحنا فيه وما حرمنا، وذكرنا غاياته ورخصه وعزائمه حدود الله."
الحد: أصله من المنع، وقيل له ذلك؛ لأنه يمنع غيره من الدخول فيه، نقول: هذا الحد، أو الزم هذا الحد، أو الزم حدك، أو نحو ذلك، وربما قيل للحدود التي تقام على أصحاب بعض الذنوب -الحدود الشرعية- حدود؛ لأنها تمنع مَن واقَعَ شيئاً من هذه الذنوب أن يعود إليها، فهي تردعه وتمنع الآخرين أيضاً من الدخول في شيء من ذلك، والله أعلم.
قوله: تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ [سورة البقرة: 187]، أي هي تلك التي شرعها في أحكام الصوم والاعتكاف، وأنه لا يباشر أهله من هو معتكف في المسجد، فهذه حدود الله ، فلا يقول الإنسان: أنا معتكف تطوعاً فأريد أن أتوسع في هذا الاعتكاف، فيرتكب شيئاً أو أشياء مما يخل بالاعتكاف أو يبطله، ومثل هذا الشعور يوجد أحياناً عند الإنسان فيكون مسيئاً باعتكافه هذا، متعدياً فيه حدود الله ولو بغير المباشرة، كأن يذهب ليتعشى في شقته مثلاً فينبسط في الحديث ويطيل المكث فهذا الأمر لا يسوغ، بل ربما بطل اعتكافه بسبب ذلك المكث الطويل، أو بسبب الخروج المتكرر من غير ضرورة بأن يخرج مرة لحاجة إنسان، ومرة ليتعشى ومرة يخرج ليأتى بالجوال، ومرة يخرج ليشتري أشياء كمالية ليست ضرورية يريد أن يدخلها معه، فالله المستعان.
مسألة الاشتراط في الاعتكاف:
مسألة الاشتراط في الاعتكاف مسألة ينبغي التحرز والاحتياط فيها، أما أن يقول: أشترط أن أخرج للحاجة الفلانية، ثم يخرج –مثلاً- من الحرم إلى جدة من أجل معاملة تجارية حان وقتها وهو معتكف فيذهب يتم معاملته ثم يرجع إلى معتكفه، فأي اعتكاف هذا وأي اشتراط؟!!
وتجد معتكفاً آخر يشترط الزيارات للمرضى، أو زيارات لطلاب العلم ليلقي عليهم درسا أو نحو ذلك وهذا كثير، فهذا لا ينبغي وعلى الإنسان أن يحتاط لهذا الأمر؛ فقد لا يجد دليلاً يسعفه في مثل هذه القضايا.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: يعني هذه الحدود الأربعة، ويقرأ: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ [سورة البقرة: 187]حتى بلغ: ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ [سورة البقرة: 187]، قال: وكان أبي وغيره من مشيختنا يقولون هذا ويتلونه علينا.
كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ [سورة البقرة: 187]: أي كما بيّن الصيام وأحكامه وشرائعه وتفاصيله، كذلك يبيّن سائر الأحكام على لسان عبده ورسوله محمد ﷺ.
لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [سورة البقرة: 187]: أي يعرفون كيف يهتدون وكيف يطيعون، كما قال تعالى: هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ9 سورة الحديد.
لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [سورة البقرة: 187]بالنسبة لـ"لعل" تحتمل المعنيين من التعليل أو معنى الترجي، وأما التقوى هنا أي يتقون ما حرم الله عليهم، فهذه حدود الله فلا يواقعوا شيئاً من ذلك، أو بمعنى أنهم إن كانوا مراعين لحدود الله فإن ذلك يكون سبباً لتحقيق التقوى، وبين المعنيين ملازمة لا تخفى، والله أعلم.
قوله: وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ [سورة البقرة: 188]، لا تأكلوها، ليس الأكل مراداً في ذاته هنا وإنما كلُّ أخذ واستلاب لأموال الناس بأي طريق كان ولأي غرض كان –للأكل أو لغيره- فهو من أكل أموال الناس بالباطل، فكل طريق لا يحل فيه أخذ المال فهو داخل في هذا.
بعض الناس يسول لنفسه أخذ المال من شركات التأمين ويقول: دعني آخذ هذه الأموال وسأذهب بها إلى أهل الخير في الجمعيات الخيرية أو نحو ذلك بدلاً من أن أتركه لهؤلاء الذين أخذوه من غير حله، وهكذا يتأول لنفسه، وما علم أن هذا التصرف من أكل أموال الناس بالباطل الوارد في الآية.
قال: وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم، ومسألة التعبير بأموالكم هنا، يعني لا يأكل بعضكم مال بعض؛ حيث إن النفوس المجتمعة على شيء واحد تنزل منزلة النفس الواحدة؛ إذ يقول الله : وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ [سورة النساء: 29]، أي لا يقتل بعضكم بعضاًَ، ويقول –جل وعلا: فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ [سورة البقرة: 54]، أي فليقتل بعضكم بعضاً، ويقول -تبارك وتعالى: ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ [سورة البقرة: 85]، أي يقتل بعضكم بعضاً.
وقوله سبحانه: وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُمأي لا يأكل بعضكم مال أخيه، وذكر الأكل لأنه أغلب وجوه الانتفاع، والعرب تعبر به عن سائر ألوان الانتفاع، كما قال الله : إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا [سورة النساء: 10]، فلو لم يأكل مال اليتيم وإنما بنى به بيتاًً، أو اشترى به سيارة أو أثاثاً فالحكم واحد لكن عبر بالأكل؛ لأنه غالب وجوه الانتفاع، ولذلك يقال: فلان أكل مال فلان، بمعنى أخذه بغير حق.
وقوله تعالى: وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ [سورة البقرة: 188]: أصل الإدلاء يدل على التوصل إلى الشيء، والدلو المعروف سمي بذلك؛ لأنه وسيلة وواسطة يتوصل به إلى الماء، ولذلك تقول: فلان يدلي إلى فلان بالقرابة الفلانية، فما يتوصل به فهو الإدلاء، ومنه قيل: للدلو دلوٌ.
فقوله: وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِيعني تريدون التوصل إلى استلابها وأخذها بالترافع إلى الحاكم أو القاضي، أي أنه –مثلاً- يأخذ مال أخيه ثم يترافع إلى القاضي، ويكون ألحن بحجته من الآخر، أو يكون المظلوم ليس عنده إثباتات مكتوبة تثبت أن له عند خصمه شيئاً، فيقول الآخر: ليس له شيء عندي وإنما يدعي عليَّ ذلك دون دليل، وربما جاء بالحديث الصحيح أن النبي –عليه الصلاة والسلام- قال: لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم [15] وهكذا يحتال بهذا الكلام على أنه ليس في ذمته شيء لأخيه، ويبقى ذاك لا يستطيع أن يفعل شيئاً، والله المستعان.
قوله تعالى: وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِتحتمل وجهين:
الأول: أن يكون قوله: {وَتُدْلُواْ معطوفاً على قوله: وَلاَ تَأْكُلُواْأي: لا تأكلوا ولا تدلوا، أي أنَّ تأكلوا وتدلوا مجزومان بـ"لا" الناهية، وقد جاء هذا في قراءة لكنها شاذة وليست من القراءات المتواترة، وعلى هذا يكون النهي عن الأمرين، أي: لا تأكلها خلسة أو سرقة أو نحو ذلك، ولا تترافع إلى القاضي لتتوصل إلى أخذ ماله بغير حق بحيث تقول مثلاً: ليس عنده شيء يثبت، والمال تحت يدي، وهو مدعي بهذا الاعتبار، والبينة على المدعي، وما عنده بينة إطلاقاً...الخ، فيؤدي ذلك إلى أن يحكم القاضي لك بالمال.
ويحتمل أن يكون قوله: تَأْكُلُواْمجزوماً بـ"لا" الناهية، وقوله: وَتُدْلُواْمنصوباً بـ"أن" مضمرة كقول الشاعر:
لا تنهَ عن خلق وتأتيَ مثله | عارٌ عليك إذا فعلت عظيم |
وبهذا الاعتبار يكون قد نهاه عن قضية واحدة صوَّرها وهي أن يستلب مال أخيه، ويتوصل لذلك بواسطة ترافع فيجحد ما عليه من حق، فيحكم الحاكم أو القاضي بأن المال له، فهو أخذ مال أخيه بغير حق بأن قال له -مثلاً: أعرني مالاً، فأعاره إياه، أو قال: بعني إياه بالأقساط، فلما باعه إياه ولم يكتب بينهم ثقة بذلك مثلاً، قال له: ليس لك عندي شيء، وإنما هذا مالي ورثته عن آبائي، فاشتكاه عند القاضي، فقال: هذا مالي، فإذا كان عنده بينِّه فليأت بها.
المقصود أن النهي يكون عن شيء واحد هو أكل أموال الناس بالباطل والتوصل إلى ذلك بطريق الترافع إلى الحاكم من أجل أن يحكم له بهذا المال، وهذا هو الفرق بين المعنيين.
وإن كان المعنى الثاني هو المتبادر، وهو أن النهي عن أمر واحد بصورته التي ذكرت، وهو الذي يميل إليه بعض المحققين كابن جرير الطبري -رحمه الله، فإن هذا لا يعني أن التحريم منحصر فيها، ولكنه ذكرها لخطرها، وعموم ضررها، وكثرة وقوعها، فخصها بذلك محذراً؛ لأن هذا يقع ويتكرر كثيراًً بحيث يبقى الإنسان يتحسر ويتجرع الألم إذ ليس في يده إثبات، فتضيع عليه أموال طائلة، وذاك يضحك منه، ويسخر منه، ويتهكم به، والله المستعان.
هذه الآية تدل على تحريم أموال الناس وأخذها من كل طريق محرم ولو طابت نفس المعطِي، وذلك مثل الربا، فلو قال له: أقرضني المائة بمائة وعشرين وأنا راضٍ بل وشاكر لك فهذا لا يجوز بل هو من أكل أموال الناس بالباطل، ومثل ذلك في التحريم ما يسمى بالتأمين، ومثال ذلك أيضاً: مهر البغي، فالمعطِي تطيب نفسه بإعطاء هذا المال، لكن لا يحل لهذه المرأة أن تفجر ولا أن تأخذ مالاً مقابل بضعها وشرفها وعفافها، وكذلك ثمن الكلب والسنور محرم وسائر العقود المحرَّمة ولو طابت نفس المعطِي؛ لأن النبي ﷺ نهى عن ذلك، وهكذا كل طريق محرم لأخذ المال هو من أكل أموال الناس بالباطل ولو طابت نفس المعطِي أو الدافع، فكله داخل في عموم قوله تعالى: وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ [سورة البقرة: 188]، والله تعالى أعلم.
قوله تعالى: لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا [سورة البقرة: 188]، الفريق: يعني الجزء أو القطعة من الشيء، و(فريقاً) من المال: يعني جزءاً من المال، أو بعضاً من المال.
وبعض أهل العلم يدعي في هذا معنىً آخر، ومن ذلك القول بالتقديم والتأخير في الآية أي: لتأكلوا أموال فريقٍ من الناس، والقاعدة في هذا هي أن الأصل إذا دار الكلام بين الترتيب والتقديم والتأخير، فالأصل فيه الترتيب، أي: لا يلجأ إلى دعوى التقديم والتأخير من غير ضرورة، فإن كان يمكن حمل الآية على معنىً يصح من غير تكلف، فإنه لا يلجأ إلى دعوى التقديم والتأخير، الله أعلم.
وقد ورد في الصحيحين عن أم سلمة أن رسول الله ﷺ قال: ألا إنما أنا بشر وإنما يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضيَ له[16].
هذا الحديث ساقه أيضاً باعتبار المعنى السابق الذي هو الترافع إلى القاضي من أجل التوصل إلى أموال الناس، فهو ولو حكم له القاضي، فإنما يحكم له بقطعة من نار، وإذا كان لا يحق له هذا المال فإن حكم القاضي وفتوى المفتي لا تغير حقيقة الحكم، ولهذا قال النبي ﷺ: وبينهما مشبَّهات[17]، وقال: استفت قلبك[18] وقال: الإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس[19]، فالإنسان لا يتكئ على فتوى ويقول: بهذا تبرأ ذمتي، فالإنسان إذا كان متبعاً للهوى أو مجارياً لأهواء النفس فإنه سيبحث عن الأسهل، وسيقول: أفتاني عالم، فالحقيقة أنه لا يكفي هذا، بل لا بد من التحري فيمن يسأل فلا يكون الإنسان حينما يتخير المفتي متجارياً مع داعية الهوى، أو يسأل هذا وهذا وهذا؛ ليبحث عمن يرخص له، فإن الذمة لا تبرأ، وكذلك رشوة القاضي تعتبر صورة من الصور التي تدخل ضمن قوله تعالى: وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ [سورة البقرة: 188] وذلك أنه يترافع إلى القاضي ويعطيه مالاً من أجل أن يحكم له ويتوصل إلى مبتغاه ومصلحته.
يعني أن شهادة الزور أو التدليس في القضية بحيث يصدر الحكم على خلاف ما يجب أن يكون كل ذلك لا يغير من الحكم شيئاً لا سيما المسائل التي تتعلق بالطلاق مثلاً، بحيث يأتي الرجل ولا يوضح القضية كما ينبغي حتى يحكم القاضي له بإرجاع المرأة إليه وفي حقيقة الأمر أن الصورة الواقعة لا تحل فيها هذه المرأة له، فهو حتى وإن حكم له القاضي فإن ذلك لا يغني عنه عند الله شيئاً.
لذلك تجد بعض الأغبياء يظن أن حكم القاضي له بإرجاع امرأته يجعلها له حلالاً، وليس الأمر كذلك، فالرجل يكتم أشياء ويخفي أشياء ويدلس أشياء عندما يصف للقاضي الواقعة التي حصلت، وبناء على ما يسمع القاضي يصدر الحكم، والحقيقة أنه لا يحل له هذا الحكم.
ومن الصور المنتشرة أن مثل هذا الشخص قد يأتي بشهود وهؤلاء الشهود الزور في ظنهم أنهم يريدون الخير والإحسان إليه، ولا يرضون بتشتت الأولاد –مثلاً- لأنه له عشرة من الولد وليس من مصلحتهم أن يتفرق الأبوان، ويجدون المرأة تبكي وهي والأولاد في حال يرثى لها، فأشفق هؤلاء الشهود على المرأة وأولادها فيشهدون شهادة زور لترجع هذه المرأة إلى صغارها، وهكذا يلمون شمل هذه الأسرة بالحرام، والله المستعان.
ولهذا قال تعالى: وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [سورة البقرة: 188] أي تعلمون بطلان ما تعملونه وتروجونه في كلامكم.
قال قتادة: اعلم يا ابن آدم أن قضاء القاضي لا يحل لك حراماًَ، ولا يُحق لك باطلاً، وإنما يقضي القاضي بنحو ما يرى ويشهد به الشهود، والقاضي بشر يخطئ ويصيب، واعلموا أن من قضي له بباطل أن خصومته لم تنقضِ، حتى يجمع الله بينهما يوم القيامة فيقضي على المبطل للمحق بأجود مما قضى به للمبطل على المحق في الدنيا.
- أخرجه البخاري في كتاب الصوم - باب متى يحل فطر الصائم (1853) (ج 2 / ص 691) ومسلم في كتاب الصيام - باب بيان وقت انقضاء الصوم وخروج النهار (1100) (ج 2 / ص 772).
- أخرجه البخاري في كتاب الصوم - باب تعجيل الإفطار (1856) (ج 2 / ص 692) ومسلم في كتاب الصيام - باب فضل السحور وتأكيد استحبابه واستحباب تأخيره وتعجيل الفطر (1098) (ج 2 / ص 771).
- أخرجه الترمذي في كتاب الصوم - باب ما جاء في تعجيل الإفطار (700) (ج 3 / ص 83) وأحمد (ج 2 / ص 237) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع برقم (4041).
- سبق تخريجه.
- أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة - باب ما يكره من التعمق والتنازع في العلم والغلو في الدين والبدع (6869) (ج 6 / ص 2661) ومسلم في كتاب الصيام - باب النهي عن الوصال في الصوم (1103) (ج 2 / ص 774). وأحمد (ج 2 / ص 281).
- أخرجه الترمذي في كتاب الطب - باب ما جاء: لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب (2040) (ج 4 / ص 384) وابن ماجه في كتاب الطب- باب لا تكرهوا المريض على الطعام (3444) (ج 2 / ص 1140) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7439).
- سبق تخريجه في الحاشية رقم (5).
- أخرجه البخاري عن أبي سعيد الخدري في كتاب الصوم - باب الوصال ومن قال ليس في الليل صيام (1862) (ج 2 / ص 693) واللفظ للبخاري، ومسلم عن عائشة في كتاب الصيام - باب النهي عن الوصال في الصوم (1105) (ج 2 / ص 776) ولفظه: نهاهم النبي ﷺ عن الوصال رحمة لهم فقالوا إنك تواصل قال: (إني لست كهيئتكم إني يطعمني ربي ويسقيني).
- أخرجه البخاري في كتاب الاعتكاف – باب الاعتكاف في شوال (1936) (ج 2 / ص 718) ومسلم في كتاب الاعتكاف - باب متى يدخل من أراد الاعتكاف في معتكفه (1172) (ج 2 / ص 830).
- أخرجه البخاري في كتاب الاعتكاف - باب الحائض ترجل المعتكف(1924) (ج 2 / ص 714) ومسلم في كتاب الحيض - باب جواز غسل رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها والاتكاء في حجرها وقراءة القرآن فيه (297) (ج 1 / ص 244).
- أخرجه البخاري في كتاب الاعتكاف - باب الاعتكاف في العشر الأواخر والاعتكاف في المساجد كلها (1922) (ج 2 / ص 713) ومسلم في كتاب الاعتكاف - باب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان (1172) (ج 2 / ص 830).
- أخرجه البخاري في كتاب الاعتكاف - باب الأخبية في المسجد (1929) (ج 2 / ص 715) ومسلم في كتاب الاعتكاف - باب متى يدخل من أراد الاعتكاف في معتكفه (1172) (ج 2 / ص 830) واللفظ لمسلم.
- أخرجه البخاري في كتاب الخمس - باب ما جاء في بيوت أزواج النبي ﷺ وما نسب من البيوت إليهن (2934) (ج 3 / ص 1130) ومسلم في كتاب السلام - باب بيان أنه يستحب لمن رئي خاليا بامرأة وكانت زوجته أو محرما له أن يقول هذه فلانة ليدفع ظن السوء به (2175) (ج 4 / ص 1712).
- أخرجه مسلم في كتاب الحيض - باب جواز غسل رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها والاتكاء في حجرها وقراءة القرآن فيه (297) (ج 1 / ص 244).
- أخرجه البخاري في كتاب التفسير- باب تفسير سورة آل عمران (4277) (ج 4 / ص 1656) ومسلم في كتاب الأقضية – باب اليمين على المدعى عليه (1711) (ج 3 / ص 1336) واللفظ لمسلم.
- أخرجه البخاري في كتاب الأحكام - باب القضاء في كثير المال وقليله (6762) (ج 6 / ص 2627) ومسلم في كتاب الأقضية - باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة (1713) (ج 3 / ص 1337) إلا أنه قال: (أبلغ) بدلاً من قوله: (ألحن).
- أخرجه البخاري في كتاب الإيمان - باب فضل من استبرأ لدينه (52) (ج 1 / ص 28) ومسلم في كتاب المساقاة - باب أخذ الحلال وترك الشبهات (1599) (ج 3 / ص 1219) ولفظ: (مشبهات) عند البخاري، وعند مسلم: (مشتبهات).
- أخرجه أحمد (ج 4 / ص 228) والدارمي (ج 2 / ص 320) وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (1734).
- أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب - باب تفسير البر والإثم (2553) (ج 4 / ص 1980).
- هنا تمام حديث: (ألا إنما أنا بشر وإنما يأتيني الخصم..)الذي سبق تخريجه في الحاشية (16).