الجمعة 19 / رمضان / 1445 - 29 / مارس 2024
[11] من قوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ} الآية 34 إلى قوله تعالى: {كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً} الآية 36
تاريخ النشر: ١٩ / محرّم / ١٤٢٩
التحميل: 2288
مرات الإستماع: 2082

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المصنف -رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى:

وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً ۝ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [سورة الإسراء:34، 35].

يقول تعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ: أي لا تتصرفوا في مال اليتيم إلا بالغبطة، وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ [سورة النساء:6] وقد جاء في صحيح مسلم أن رسول الله ﷺ قال لأبي ذر: يا أبا ذر إني أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تَأَمَّرَنَّ على اثنين، ولا تَوَلَّيَنَّ مال اليتيم[1].

وقوله: وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ: أي الذي تعاهدون عليه الناس والعقود التي تعاملونهم بها، فإن العهد والعقد كل منهما يسأل صاحبه عنه إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً: أي عنه.

وقوله: وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ: أي من غير تطفيف، ولا تبخسوا الناس أشياءهم، وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ قُرئ بضم القاف وكسرها، كالقرطاس، وهو الميزان.

وقوله: الْمُسْتَقِيمِ: أي: الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف ولا اضطراب ذَلِكَ خَيْرٌ: أي لكم في معاشكم ومعادكم؛ ولهذا قال: وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً: أي مآلا ومنقلباً في آخرتكم، قال سعيد عن قتادة: ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً: أي خير ثواباً وأحسن عاقبة.

وابن عباس -ا- كان يقول: يا معشر الموالي إنكم وليتم أمرين بهما هلك الناس قبلكم، هذا المكيال، وهذا الميزان.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فقوله -تبارك وتعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ قال: أي لا تتصرفوا في مال اليتيم إلا بالغبطة، يعني بما فيه مصلحة اليتيم، فيتجر به في التجارات المأمونة غالباً، كما جاء عن جماعة من الصحابة -: ”اتجروا في أموال اليتامى؛ لا تُذهبها الزكاة“[2] .

فأن يثمَّر مال اليتيم داخلٌ في قوله: إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، والمراد: الخصلة أو الفعلة التي هي أحسن، كالاتجار به، وتنميته وتثميره بالطرق المأمونة، وأيضاً ما ذكره الله : وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ [سورة النساء:6]، فإذا كان ولي اليتيم بحاجة وإعواز فله أن يأكل من مال اليتيم بالمعروف، من غير توسع وفعْل ما لا يحسن ولا يجمل، مما ينبئ عن استغلال لمال هذا اليتيم كما كان يفعله أهل الجاهلية، كما قال الله -تبارك وتعالى: وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا [سورة النساء: من الآية:6]، وذلك أنهم كانوا يبادرون إلى أخذها وأكلها قبل أن يصل هذا الصغير إلى سنٍّ يعرف فيها حقه، والسبل التي يمكن أن يحفظه بها.

وقوله: حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ الأشُد قيل: جمعٌ لا واحد له من لفظه، وقيل: مفرد، وقيل: جمع واختلفوا في مفرده، فقيل: جمع شِدَّة، وقيل: جمع شِد، وقيل: جمع شَد، وأيضاً اختلفوا في تحديد الأشُد، فحدده بعضهم بالبلوغ، وذكر بعضهم سناً معينة، وهي الخامسة عشرة، وبعضهم حدده بالثامنة عشرة، وبعضهم حدده بالثلاث والثلاثين، وبعضهم حدده بالأربعين، وبعضهم حدده بالخمسين، وهذا تباينٌ كبير.

والسبب أن كل واحد من هؤلاء نظر إلى معنىً صحيح مما يطلق عليه هذا اللفظ، فمن قال مثلاً بالبلوغ قال: إن الإنسان ينتقل من الطفولة إلى مرحلة الرجولة إذا بلغ، فهذا هو بلوغ الأشد، ومن نظر إلى أنه إذا بلغ الثامنة عشرة قالوا: إن مثل هذا يكون قد حصل له بعد البلوغ من النضج ما لا يكون له عند البلوغ، ومن قال: إنه إذا وصل إلى الأربعين، نظر إلى قوله تعالى: حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ [سورة الأحقاف: من الآية:15]، ومن نظر إلى الخمسين أخذ ذلك من بيت لعلي :

أخو خمسين مجتمع الأشد ......

فالشاهد أن بلوغ الأشد يحصل باكتمال القوة، ويحسن هذا المعنى في هذا الموضع مع حسن التصرف في المال، بمعنى أنه إذا بلغ إلى حد يصير فيها رشيداً فإنه يدفع إليه ماله، فهذه الآية مفسرة بالآية الأخرى، وهي قوله -تبارك وتعالى: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [سورة النساء:6] يعني اختبروهم، حتى إذا بلغوا النكاح وهذا سن البلوغ، ثم قيده فقال: فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ، فلا بد من أمرين، الأمر الأول: البلوغ، والثاني: حسن التصرف في المال، كما سبق في موضعه من سورة النساء، وبلوغ الأشد يتفاوت، فالذي بلغ الأربعين لا شك أنه ليس كابن العشرين، مع أن ابن العشرين يقال: إنه قد بلغ الأشد، إذا كان يحسن التصرف في المال.

وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً ۝ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ:

قوله: وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ قال: أي الذي تعاهدون عليه الناس، والعقود التي تعاملونهم بها، يدخل في عموم قوله: وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ: العهد مع الله، وذلك بالوعد، ومعاهدة الله ، والنذر، والإيمان عهد مع الله، والتوبة عهد مع الله، وهكذا، ويدخل في ذلك العهود مع النبي ﷺ كالبيعة، ويدخل فيه العهود مع الناس بجميع أنواعها.

ثم قال: وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ يقول: قرئ بضم القاف وكسرها، قِسطاس، كالقرطاس، وكلا القراءتين متواترة، قراءة الضم قرأ بها ابن كثير، وأبو عمرو، ونافع، وابن عامر، وعاصم في رواية، والرواية الأخرى عن عاصم، قِسطاس بالكسر، تلك على كل حال رواية شعبة، وهذه رواية حفص عن عاصم، والقسطاس فُسر بالميزان وفسر بالعدل، ولا نحتاج إلى الترجيح هنا فبين القولين ملازمة، وذلك أن الميزان هو آلة العدل، إنما يتحقق العدل بمثل هذه الأمور، بالموازين، فإذا قلت بأنه الميزان فلا إشكال، وإذا قلت بأنه العدل فلا إشكال، فالميزان آلة العدل.

ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً: أي مآلاً ومنقلباً في آخرتكم، وليس في الآخرة فقط، بل حتى في الدنيا، ففي الدنيا إذا كان الإنسان يزن بالقسطاس المستقيم –بالعدل- فإن ذلك خير له وأحسن عاقبة؛ لأن الذي يطفف حباتٍ من الميزان أو المكيال، يحصل له من الدناءة والحقارة في نفسه وعند الآخرين ماتذهب به مروءته وشرفه، وتنزع الثقة به من قلوب الناس، ولا يُقبلون على التعامل معه، لأنهم إذا عرفوا أن أحداً في بيعه وشرائه يتعامل معهم بالأمانة فإنهم يقبلون عليه، فالعاقبة بالنسبة لهذا تكون خيراً، ويحصل له من الكسب الطيب المباح الشيء الكثير.

والذي لا يجاوز نظرُه أنفَه غاية ما يريد ابتزاز هذا أو ذاك بحباتٍ يطفف فيها المكاييل، الناس يعرضون عنه ولا يتعاملون معه، ومعلوم عند أهل التجارات أو الحذق فيها أو النظر البعيد أنه لو لم يربح في تعامله هذا إلا أنه يكفيه أن يجعل الذين يتعاملون معه في أول مرة يقبلون عليه دائماً، فهذا هو النظر الصحيح في البيع والتجارة، لا أن يربح عليهم مرة واحدة ثم بعد ذلك لا يعودون إليه، فالمكاييل والموازين يتعلق بها عصب الحياة اليومية للناس، مما يمس المعايش التي بها قوام حياتهم، في ضروريات وليس في أمور كمالية، فإذا حصل فيها الإخلال وقع بسبب ذلك فساد كبير، ولعلكم تسمعون عن ثورات الخبز، لا تقوم ثوراتهم وتضطرب أحوالهم ومعايشهم إذا ارتفعت أسعار الحلوى، وإنما إذا ارتفعت أسعار الأقوات الأساسية، عند ذلك يكون الضر قد لامس نفوسهم وحياتهم من قرب، وينتج عن ذلك نزع البركات، والفساد والإفساد.

وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً [سورة الإسراء:36].

قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس -ا- يقول: لا تقل. وقال العوفي: لا ترمِ أحداً بما ليس لك به علم.

وقال محمد بن الحنفية: يعني شهادة الزور. وقال قتادة: لا تقل: رأيتُ ولم ترَ، وسمعتُ ولم تسمعْ، وعلمتُ ولم تعلم؛ فإن الله تعالى سائلك عن ذلك كله. ومضمون ما ذكروه أن الله تعالى نهى عن القول بلا علم بل بالظن الذي هو التوهم والخيال، كما قال تعالى: اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [سورة الحجرات:12] وفي الحديث إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث[3].

وفي سنن أبي داود: بئس مطية الرجل زعموا[4] وفي الحديث الآخر: إن أفرى الفِرى أن يُرِي الرجل عينيه ما لم تريا[5]. وفي الصحيح من تحلم حلماً كُلف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين وليس بفاعل[6].

وقوله: كُلُّ أُولئِكَ: أي هذه الصفات من السمع والبصر والفؤاد كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً: أي سيُسأل العبد عنها يوم القيامة، وتسأل عنه عما عمل فيها، ويصح استعمال أولئك مكان تلك.

وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ الأقوال التي ذكرها هنا، لا تقل، لا ترم أحداً بما ليس لك به علم، شهادة الزور، لا تقل: رأيت، ولم تر، إلى آخره، كل هذا من قبيل التفسير بالمثال، فكله داخل في الآية، وَلاَ تَقْفُ: يعني لا تتبع، وأصل ذلك يرجع إلى القفو وهو الاتباع، وأصله أن يتبع قفاه، يعني يكون مقتفياً له، يمشي على أثره، ولهذا فسرها بعضهم بمعنىً خاص ملاحظاً لهذا الجانب في هذه اللفظة، حمل ذلك على ما يكون في القفا، مما يقال من النميمة والغيبة، وقذف الأعراض وما أشبه ذلك، والقفو مشعر بما يكون في القفا، وهذه الأمور تقع أيضاً في القفا من وراء الإنسان، في غيبته وغير ذلك، إلا أن العرب تستعمل ذلك في ما هو أوسع من هذا، فلان يقتفي أثر فلان، يعني يتبعه.

وعلى كلٍّ فـلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ أي لا تتبع ما ليس لك به علم، فهذا يشمل كل الصور التي ذكرها السلف، وغير ذلك مما يكون من اتباع للظنون الكاذبة والشائعات، بئس مطية الرجل زعموا، فيكون الإنسان ناقلاً لأمور لم يحققها ولم يتثبت منها، فمجرد ما يسمع الشيء أو يقرؤه في مكان فهو يسارع في نقله، وهكذا يدخل فيه كل ما لم يتثبت ويتوثق منه الإنسان في الديانة مما يتعلق بالعبادات، فيدخل فيه اتباع الأهواء والبدع، والأمور المضلة.

والمقصود أن الإنسان يتوثق في كل ما يأتي وما يذر، لا يفعل شيئاً إلا عنده فيه من الله برهان، ولا يتكلم بشيء إلا ويعلم أنه حق، وأن التكلم فيه، فيه مصلحة ونفع، وأنه خير من السكوت، وإلا فـ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت[7] وما كل ما يُعلم يقال، وما كل ما يسمعه الإنسان يحدث به، كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع[8]، إلى غير ذلك من المعاني الكثيرة الداخلة تحت قوله: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ، والعموم ظاهر فيها من هذا التركيب، فـ ”تقف“ فعل مضارع مسبوق بـ”لا“ الناهية، ومثل هذا يدل على العموم، ومن ”ما“ أيضًا، مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ، وهذا العموم يتوجه إلى أربعة أشياء الأفراد والأزمان والأمكنة والأحوال.

ثم قال: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ رتبها بهذا الترتيب السمع والبصر، فالسمع أهم من البصر، كما هو معلوم؛ لأن الإنسان قد يتعطل بصره ويكون له من البصيرة ما يغنيه عن البصر، ويكون ذلك ربما أوفر في عقله وحفظه وحدة ذهنه، وأيضًا الإنسان حينما يبصر لا يبصر إلا الأمور المتشخصة، ولا يبصر إلا ما أمامه، وأما السمع فهو يسمع فيه غير المتشخصات كأصوات الرياح ويسمع الأشياء البعيدة التي لا تبصرها عينه، ويسمع من كل ناحية، ثم ذكر البصر بعده، ثم ذكر الفؤاد؛ لأنه هو المصبُّ، فالسمع والبصر سبيلان وطريقان يصبان في القلب، ميزابان يلقيان في القلب ما يتحصل بهما، فما يراه الإنسان من المناظر يقع في القلب، وما يقرؤه يقع في القلب، وما يسمعه الإنسان يصب في قلبه، فيتأثر سلبًا أو إيجابًا، فلا يكون قلب الإنسان محلًا يلقى فيه كل بلاء وشر، وإنما يصون الإنسان سمعه وبصره.

والفؤاد هو القلب، وقيل له: الفؤاد، قيل: لكثرة تفؤده أي: توقده بالمعاني والخواطر والأفكار، ولا يتوقف، بخلاف السمع والبصر، والمعنى الذي ذكره الحافظ ابن كثير هنا كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا جمع بين المعنيين اللذين ذكرهما المفسرون في هذه الآية، فالعبارة دقيقة قال: كُلُّ أُولئِكَ: أي هذه الصفات من السمع والبصر والفؤاد كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا: أي سيسأل العبد عنها يوم القيامة وتسأل عنه، وعما عمل فيها.

وقوله: عَنْهُ يحتمل أن يكون المعنى كَانَ عَنْهُ: أي أنك تُسأل عنها، أي عن السمع والبصر والفؤاد، لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه.. [9]إلى آخره، والمعنى الثاني: أنها هي التي تُسأل عن الإنسان ماذا عمل بها، كيف استغلها، كما قال الله : الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ [سورة يس:65] فهي تنطق وتتكلم، وكل واحد من هذين المعنيين يدل عليه أدلة؛ ولذلك يمكن أن يقال هنا: إن القرآن يعبر به بالألفاظ القليلة الدالة على المعاني الكثيرة، وهذه الآية تحمل على هذين المعنيين، كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا: أي أنها تُسأل عن الإنسان، والإنسان أيضًا يُسأل عنها.

  1. صحيح مسلم (3/ 1457) كتاب الإمارة، باب كراهة الإمارة بغير ضرورة برقم (1826).
  2. موطأ مالك: (1/251) باب زكاة أموال اليتامى والتجارة لهم فيها: برقم: (588) عن عمر بن الخطاب "اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة".
  3. صحيح البخاري: (5/2253) باب يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا} برقم: (5719)، وصحيح مسلم: (4/1985) باب تحريم الظن والتجسس والتنافس والتناجش ونحوها: برقم: (2563).
  4. سنن أبي داود: (4/294) باب قول الرجل زعموا: برقم: (4972).
  5. مسند أحمد بن حنبل: (2/96) برقم: (5711).
  6. صحيح البخاري: (6/2581) باب من كذب في حلمه: برقم: (6635).
  7. صحيح البخاري: (5/2376) باب حفظ اللسان: برقم: (6110) ومسلم: (1/69) باب الحث على إكرام الجار والضيف ولزوم الصمت إلا عن الخير وكون ذلك كله من الإيمان: برقم: (48).
  8. صحيح مسلم: (1/10) باب النهي عن الحديث بكل ما سمع: برقم: (5)
  9. سنن الترمذي: (4/612) باب ما جاء في شأن الحساب والقصاص: برقم: (2417).

مواد ذات صلة