الخميس 24 / جمادى الآخرة / 1446 - 26 / ديسمبر 2024
ماذا أضاع من ضيع الصلاة
تاريخ النشر: ٢٨ / ربيع الآخر / ١٤٣٥
التحميل: 23620
مرات الإستماع: 17442

من الذي يسره أن يلقى الله - تبارك، وتعالى - على الإسلام؟

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده، ورسوله، صلى الله، وسلم، وبارك عليه، وعلى آله، وصحبه أجمعين، أما بعد:

فسلام الله عليكم، ورحمته، وبركاته.

أيها الإخوة، والأخوات، حديثنا في هذا المجلس عن الصلاة، ولكن طَرْق هذا الموضوع لن يكون على الطريقة المعهودة، وهي ما يذكر عادة من أمر الشارع بها، وما جاء في الحث عليها، ووعيد من تركها، وما يتصل بحكم تاركها.

فقد جرت العادة أن يطرق موضوع الصلاة من هذه الجهة، وهو أمر لابد منه، ولكني في هذه الليلة سأتحدث عن جانب آخر لم نعتد على طرقه، وطرحه، فلعل ذلك يكون سبباً ليقظة قلوبنا.

وكل ذلك من مشكاة الوحي، ومما صح عن رسول الله ﷺ هذه الصلاة، وما يحتف بها من طهارة، ومشي إليها، وانتظار لها، مما يسبقها، أو ما يكون فيها، أو ما يعقبها، ويكون من لواحقها، وتوابعها، من ذكر، وصلاة نافلة، ونحو ذلك.

هذا كله بتوابعه، وسوابقه، ولواحقه، حينما ننظر إلى النصوص الواردة في هذا فإننا نجد أبواباً يكون من ضيع الصلاة قد ضيعها.

وسأضرب لذلك على سبيل التقريب، وليس على سبيل الحصر، أضرب لذلك بأن أتطرق إلى ستة، وعشرين باباً من أبواب الفضل، والخير، والبر، يكون من ضيع الصلاة قد ضيعها، فتكون صفقته خاسرة، إنه لا يرجع بشيء من ذلك على الإطلاق.

أرجو أن يكون هذا الحديث نافعاً لقائله، ولسامعه، وأسأل الله - تبارك، وتعالى - أن يهدي قلوبنا، وأن يسدد ألسنتنا، وأن يتقبل منا، ومنكم، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم.

الباب الأول: من الذي يسره أن يلقى الله - تبارك، وتعالى - على الإسلام؟

لا شك أن كل أحد من هذه الأمة - أمة الإجابة - يسعى لذلك، ويطلبه، ولكن جاء في صحيح مسلم عن ابن مسعود أنه قال: من سرّه أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات... أين؟ في بيته؟ قال: .

ليس في المكتب، وليس في حجرته، وإنما حيث ينادى بهنّ، "فإن الله شرع لنبيكم ﷺ سنن الهُدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر، فيحسن الطهور، ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتُنا، وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يُهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف"[1].

من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات، ومن الذي لا يسره ذلك أيها الأحبة؟!.

  1.  أخرجه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب صلاة الجماعة من سنن الهدى (1/453)، رقم: (654).
إسباغ الوضوء شطر الإيمان

الباب الثاني: ما جاء عن رسول الله ﷺ في شطر الإيمان، حيث أخبر أن إسباغ الوضوء شطر الإيمان[1] أي نصف الإيمان.

وبصرف النظر عما قاله الشرّاح في توجيه ذلك، وبيان محامله إلا أنه يكفي عندنا هذا الظاهر أن النبي ﷺ أخبر أن الطهور، أو أن إسباغ الوضوء شطر الإيمان.

فهذا الذي لا يصلي لا شك أنه لا يتطهر، ولا يسبغ الوضوء، فالذي يكون عفيف الجبهة لا يتصور منه أنه يحافظ على الوضوء، أو أن يسبغ الوضوء.

فهذا الشطر هو الإيمان، هناك: من سره أن يلقى الله غدًا مسلماً، وهنا: يكون قد ضيع، وفرط، وفوّت شطر الإيمان.

  1.  أخرجه مسلم، كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء، (1/203)، رقم: (223).
الصلاة أول ما يجري فيه الحساب

الباب الثالث: أنها أول ما يجري فيه الحساب، فينظر في هذه الصلاة، كما قال النبي ﷺ: أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله[1] فهي أول منظور فيه.

فهذا الذي لا يصلي، بل كان مضيّعاً لها، فكيف يكون النظر في سائر أعماله؟ كيف يكون حاله عند الحساب، والناس يأتون فينظر في صلاتهم أول ما ينظر؟.

فإذا طولب بالصلاة، فإذا به قد ضيعها، وتركها، فكيف يكون حسابه؟ هل يتصور هذا الإنسان مثل هذه المواقف بين يدي الله - تبارك، وتعالى - عند الحساب حينما يكون الناس في حال كما أخبر الله - تبارك، وتعالى - ووصف قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ ۝ أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ [النازعات: 8 - 9] في غاية الخوف، ثم يُبدأ الحساب معه بهذا، فلا يكون له حظ منها؟.

  1. أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (2/ 240)، رقم: (1859)، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، رقم: (1358).
من حافظ على الصلوات لم يكن من الغافلين

الباب الرابع: باب الغفلة، والمؤمن لا يسوغ أن يكون بحال من الأحوال من الغافلين، والنبي ﷺ يقول: من حافظ على هؤلاء الصلوات المكتوبات لم يكتب من الغافلين[1].

فإذا انجلت سحب الغفلة عن قلب العبد فإن حاله تكون على وجه من اليقظة، ويكون له قلب وقّاد، قلب حي، يتبصر، ويتفكر، ويعتبر، ويكون مقبلا على ما ينفعه.

أما إذا غلبت عليه غفلته فإن ذلك يعني شقوته، أن هذا الإنسان يقبل على ما يضره، ويشتغل بما يكون فيه هلاكه، وعطبه. 

  1. أخرجه الحاكم في المستدرك (1/452)، رقم: (1160)، وابن خزيمة (2/180)، رقم: (1142)، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، رقم: (657).
الصلوات هي أفضل العمل

الباب الخامس: وهو أن هذه الصلوات هي أفضل العمل، وهذا لا يقال من جهة الاجتهاد، والنظر، وإنما قال به المعصوم ﷺ: ما عمل ابن آدم شيئاً أفضل من الصلاة[1].

"ما عمل ابن آدم شيئاً" هذا نكرة في سياق النفي، وهي للعموم، الذي لا يصلي يكون قد ضيع أفضل العمل.

جاء رجلاً إلى النبي ﷺ فسأله عن أفضل الإعمال، فقال النبي ﷺ: الصلاة. فقال الرجل: ثم مه؟ فقال النبي ﷺ: الصلاة. فقال الرجل: ثم مه؟ فقال النبي ﷺ: الصلاة، ثلاث مرات[2].

يقول له: "ثم الصلاة". في الثانية، وفي الثالثة "ثم الصلاة".

يعني: أن الصلاة هي الأفضل، والأفضل، والأفضل، ثم بعد ذلك تأتي الأعمال الأخرى.

معنى ذلك أنه لا يقاربها شيء بعد الإيمان بالله - تبارك، وتعالى - .

فهذا الذي لا يصلي ضيّع ماذا؟ خسر ماذا؟ خسر أفضل الأعمال، أجلّ الأعمال، ترك، وضيّع أجلّ الأعمال، وأفضل الأعمال.

وقد سئل النبي ﷺ أيضاً عن أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها[3].

إذن، إذا كانت الصلاة هي أفضل الأعمال، هي أهم المهمات بعد التوحيد، فكيف يشتغل الإنسان عنها بغيرها مما يزعم أنه من مهماته سواء كان ذلك اشتغالا بتجارة، أو في صنعة، أو في وظيفة، وعمل، أو في زوجة، وأولاد، أو في غير ذلك مما يتعاطاه الناس، ويعافسونه؟! لا يوجد أفضل من هذا.

إذن دع ما بيدك، وأقبل عليها، لن تشتغل بشيء أفضل من هذا، وانظروا أيضاً في أفضل الأعمال مما يحتف بهذه الصلاة.

يقول النبي ﷺ: من قال دبر صلاة الغداة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد يحيي، ويميت بيده الخير، وهو على كل شيء قدير مائة مرة، كان يومئذ من أفضل أهل الأرض عملاً إلا من قال مثلما قال، أو زاد على ما قال[4].

هذا الذي لا يصلي سيجلس بعد الصبح، بعد صلاة الغداة، وهو لا يصلي، وسيقول: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له... يقولها مائة مرة؟

إن المضيع لهذه الصلاة هو مضيع لكل توابعها، ومتعلقاتها فخسائره فادحة متتابعة، هو من خسارة إلى خسارة، ومن غبن إلى غبن، ومن تعثر إلى تعثر، ومن حفرة إلى حفرة.

يقول النبي ﷺ:  ألا أحدثكم إن أخذتم أدركتم من سبقكم، ولم يدرككم أحد بعدكم، وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه إلا من عمل مثله؟ تسبحون، وتحمدون، وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثاً، وثلاثين[5].

لاحظ، تدرك من سبقك، لم يدركك أحد من بعدك، وكنتَ أفضل، وأخير من أنت بين أظهرهم - يعني من معاصريك - حينما تقول هذه الكلمات.

الذي لا يصلي هو سيسبح، ويحمد الله بعد الصلوات؟ أبداً.

إذا كان مضيعاً لها سيضيع أذكارها، وسيضيع طهارتها، وسيضيع سننها، وهذا أمر لا يخفى.

  1. أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 63)، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، رقم: (1448)
  2.  أخرجه ابن حبان (5/8)، رقم: (1722)، وضعفه الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (3/257).
  3. أخرجه البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل الصلاة لوقتها (1/112)، رقم: (527)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال (1/90)، رقم: (85).
  4.  أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (8/280)، رقم: (8075).
  5.  أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب الذكر بعد الصلاة (1/168)، رقم: (843).
الصلاة أفضل من نفائس الأموال

الباب السادس: وهو أن هذه الصلاة أفضل من نفائس الأموال أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ [التكاثر: 1] التكاثر في الأموال، التكاثر في الأولاد، التكاثر في عرض الدنيا، وأطماعها، التكاثر في الجاه، التكاثر في أمور كثيرة من هذا الحطام الزائل، الفاني.

فهنا إذا كان النبي ﷺ قال في ركعتي الفجر: ركعتا الفجر خير من الدنيا، وما فيها[1].

والمقصود بها الراتبة التي تكون قبل الفجر، خير من الدنيا، وما فيها، إذا كانت بهذه المثابة، إذا كانت خيراً من الدنيا، وما فيها، فكيف تكون إذاً الفريضة؟

والله يقول: وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه[2].

فالفرائض أعظم، وأجلّ، وأفضل من النوافل، وصلاة الفجر الفريضة أفضل من راتبتها، قطعاً.

وإذا كانت الراتبة أفضل من الدنيا، وما فيها، فالفريضة أعظم من ذلك، هذا شيء لا يقادر.

فهذا الذي ينام عنها حتى تطلع الشمس يكون قد ضيّع وقتها، وطوائف من أهل العلم - كما تعلمون - يقولون: إنه لا يقضي من ضيعها عمداً، وتفريطاً من غير عذر.

وهكذا من لا يصلي أصلاً يوقِّت الساعة، ثم يقوم إلى مدرسته، أو عمله بوجه مظلم، وبقلب مظلم، لم يفتتح يومه بهذه الصلاة.

  1. أخرجه مسلم، باب استحباب ركعتي سنة الفجر، والحث عليهما وتخفيفهما، والمحافظة عليهما، وبيان ما يستحب أن يقرأ فيهما (1/501)، رقم: (725).
  2. أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب التواضع (8/105)، رقم: (6502).
إن الله زادكم صلاة إلى صلاتكم

الباب السابع: في قوله ﷺ: إن الله زادكم صلاة إلى صلاتكم، هي خير لكم من حمر النعم، ألا وهي الركعتان قبل صلاة الفجر[1].

"خير لكم من حمر النعم" العرب إنما يذكرون ذلك لبيان قيمة الشيء؛ لأن أنفس الأموال عند العرب هي الإبل الموصوفة بهذه الصفة، فهذه الراتبة التي تكون قبل الفجر أفضل من ذلك، يعني: أفضل مما يتنافس الناس فيه، ويتطلعون إليه، ويرجونه، ويتمنونه من الأموال، من جمع الحطام، ما هي أشرف أموال الناس اليوم؟ لك أن تقول: إن هاتين الركعتين قبل الفجر أفضل من ذلك كله، هذ الذي تفوته كل يوم، كم هي خسائره؟ لو أن أحداً من الناس في كل يوم يخسر ألف ريال، كل يوم، فكان ذلك سبباً لتتابع الإحباط، وتعاقب الحسرات، وإعادة الحسابات، والنظر في عمله، وما يقدم عليه، والبحث عن سبل يتلافى فيها هذه الخسائر المتتابعة، فكيف بتضييع هذا كله؟ فخسارته لا تقدر.

فإن النبي ﷺ يقول: الذي تفوته صلاة العصر كأنما وُتر أهله، وماله[2].

يعني: كأنما سُلب منه أهله، وماله، كأنه فقد هؤلاء جميعاً، ومن فقد أهله، وماله ماذا أبقى؟ هذه صلاة العصر، وفي لفظ: من فاتته صلاة فكأنما وُتر أهله، وماله[3] صلاة، أيّ صلاة، وليست خاصة بالعصر، ومثل هذا قد لا يقال فيه: إن المطلق يحمل على المقيد، فذاك يبين ما لصلاة العصر من مكانة، ولا شك أنها أعظم الصلوات، ولكن الحديث الآخر يبين أن ذلك في جميع الصلوات. 

  1.  أخرجه البيهقي في السنن الصغير (1/ 275)، رقم: (753).
  2.  أخرجه البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب إثم من فاتته العصر رقم: (552)، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب التغليظ في تفويت صلاة العصر، رقم: (626).
  3.  أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (4/330)، رقم: (2586).
من صلى الصبح كان في جوار الله يومه

الباب الثامن: أنه من خسارته أن لا يكون في ذمة الله - تبارك، وتعالى - فإن النبي ﷺ يقول: من صلى الصبح كان في جوار الله يومه[1].

في جوار الله، لو قال لك عظيم من أهل الأرض: أنت في جواري، فإن الإنسان يشعر بالأمان، والطمأنينة، وتتلاشى عنه المخاوف، ويطأ على الأرض بكل ثقة، ويخالط الناس، ويغشى جموعهم، ولا يبالي؛ لأنه في جوار فلان.

الله - تبارك، وتعالى - يجعل هذا في جواره، هذا الذي صلى الصبح، ويقول النبي ﷺ:  من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه، ثم يكبه على وجهه في نار جهنم[2].

حينما يصلي الإنسان الصبح، ويستشعر هذا المعنى أنه في ذمة الله، وأنه من مد يده عليه، أو مد لسانه، أو قال عنه قالة سوء، أو ظلمه فهو معتدٍ على من هو بجوار الله - تبارك، وتعالى - وعلى من هو في ذمته.

هذا الذي لا يصلي في ذمة من؟ هل تصورنا الضياع، والتضييع الذي يعيشه هذا الإنسان، عفيف الجبهة، هذا الإنسان الذي لا يصلي، الذي لا يسجد لله - تبارك، وتعالى - ؟ ما هذه الحياة؟ وما قيمتها؟ كيف يعيش هذا؟ وكيف يتقلب؟ وأنا أعجب كيف يستطيع أن ينجز عملاً، أو أن ينجح في دراسة، أو أن يقابل الناس، ألا يخاف؟ ألا ينظر إلى وجهه في المرآة؟ ألا يخشى أن يمسخ؟ أن يسودّ وجهه؟ ولكن الغفلة غالبة، تكون حجاباً على قلب صاحبها فلا يبصر، ومن ثَمّ لا يقبل على ما ينفعه. من صلى الفجر فهو في ذمة الله، وحسابه على الله[3] كل هذه الأحاديث تؤكد هذا المعنى، فيفتتح المؤمن يومه بهذه الصلاة، فيكون في جوار ربه - تبارك، وتعالى - فيحفظه، ويكلؤه، ويرعاه، وويل لمن اجترأ عليه، وتعدى، وظلم.

  1. أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (12/312)، رقم: (13211)
  2.  أخرجه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة (1/454)، رقم: (657).
  3.  أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (8/ 318)، رقم: (8188).
الملَك يغدو برايته مع أول من يغدو إلى المسجد

الباب التاسع: مما يضيعه تارك الصلاة، وهو ما جاء عن مَيْثم قال: بلغني أن الملَك يغدو برايته مع أول من يغدو إلى المسجد، فلا يزال بها معه حتى يرجع، فيدخل بها منزله، وإن الشيطان يغدو برايته في السوق مع أول من يغدو، فلا يزال بها معه حتى يرجع، فيدخلها منزله[1].

هنا تأتي المنافسة، والاستشراف إلى هذه المهمات، وليس التوافه من الأمور، أول من يأتي منذ أن يخرج من بيته تحت راية ملك حتى يرجع، فيدخل هذه الراية معه في بيته.

هذا يدفع النفوس إلى المسارعة، والمسابقة، والمبادرة، فلا ينتظر الإنسان إلى الإقامة، ثم تقام الصلاة، وتفوته تكبيرة الإحرام، والركعة الأولى، والثانية، والثالثة، ثم يكون بعد ذلك مغتبطاً أنه أدرك الركوع الأخير، أو أدرك التشهد.

  1. الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم (5/183)، رقم: (2715).
يصبح على كل سُلامى من أحدكم صدقة

الباب العاشر: وهو ما قاله ﷺ: يصبح على كل سُلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى[1].

هذا الذي لا يصلي الفريضة سيصلي الضحى؟ إذاً هذه المطالبة بشكر هذه النعم في هذه الأبعاض، والسُّلامى، والمفاصل - ستون، وثلاثمائة مفصل - كيف يؤدي صدقتها في كل يوم؟ كيف يؤدي شكرها، وهو مضيع للصلاة؟ هذا لا يصلي الضحى، ولا يصلي الفريضة، فهو يأتي، وعليه تبعات كثيرة، ومطالبات مع الأيام، والليالي تجتمع عليه فيطول حسابه. 

  1. أخرجه مسلم، باب استحباب صلاة الضحى، وأن أقلها ركعتان، وأكملها ثمان ركعات، وأوسطها أربع ركعات، أو ست، والحث على المحافظة عليها (1/498)، رقم: (720).
إذا صلى أحدكم، ثم جلس في مصلاه لم تزل الملائكة تصلي عليه

الباب الحادي عشر: وهو ما يفقده من صلاة الله - تبارك، وتعالى - وملائكته، فإن النبي ﷺ قال: إذا صلى أحدكم، ثم جلس في مصلاه لم تزل الملائكة تصلي عليه: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، فإن قام من مصلاه فجلس في المسجد ينتظر الصلاة، لم يزل في صلاة حتى يصلي[1].

صلاة الله على العبد أن يذكره في الملأ الأعلى، وصلاة الملائكة تكون بالدعاء، بالاستغفار له، يستغفرون له.

لو قيل لأحد من الناس: إن العظيم الفلاني من أهل الأرض ذكرك في مجلسه، وأثنى عليك، وأطراك، ما شعوره؟ وكيف يكون نظره؟ وكيف يكون فكره؟ كيف يكون انشراحه، وسعادته، وغبطته أن فلاناً من المخلوقين قد ذكره في مجلسه بين جلسائه، أو كبراء هؤلاء المجالسين له؟.

أثنى عليك؟ أين عرفك؟ ممن سمع عنك؟ ولربما كثير من الناس يشعر بلذة، وانشراح، وسرور لا يقادر قدره، بل قد لا يستطيع أن ينام تلك الليلة مما يجد في نفسه من بواعث، ودواعي الفرح، فيكون مستبشراً.

الله - تبارك، وتعالى - وملائكته كما قال ﷺ: إن الله، وملائكته يصلون على الصف الأول، قالوا: يا رسول الله، وعلى الثاني؟ قال: وعلى الثاني[2].

هذا الذي لا يصلي سيأتي في الصف الأول؟ هو إن جاء في الصف الأول، ولم يصلِّ فإنه يكون قد قطعه، فهذا يخسر صلاة الله، وصلاة الملائكة.

لو قيل لمثل هذا: إن من يقول كذا، أو يفعل كذا فإن فلاناً من الناس - ممن يعظمهم الناس - سيكون مقدراً له، وسيكون حامداً له، لربما رأيته في حال من الملازمة لهذا العمل، ملاحظة المخلوقين، والغفلة عن الخالق - سبحانه، وتعالى -.

  1.  أخرجه مالك في الموطأ (1/161)، رقم: (54).
  2. أخرجه أحمد (36/597)، رقم: (22263).
الدعاء بعد ترديد الأذان

الباب الثاني عشر: وهو باب الدعاء، جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله، إن المؤذنين يفضلوننا، فقال رسول الله ﷺ: قل كما يقولون، فإذا انتهيت فسل تعطه[1].

هذا الذي لا يصلي سيردد خلف المؤذن، ثم يقال له: سل تعطه؟ هو أبعد ما يكون عن هذا.

  1. أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا سمع المؤذن (1/144)، رقم: (524).
الاغتسال يوم الجمعة

الباب الثالث عشر: وهو ما يتصل بالطهارة من اغتسل يوم الجمعة كان في طهارة إلى الجمعة الأخرى[1] هذا الذي لا يصلي الجمعة ما حاله؟

  1.  أخرجه ابن خزيمة (3/129)، رقم: (1760)، وابن حبان (4/24)، رقم: (1222).
الصلاة سبب لتكفير الخطايا

الباب الرابع عشر: تكفير الخطايا من وجوه متنوعة، متعددة، انظروا كيف يضيِّع ذلك جميعاً هذا الذي لا يصلي، ويأتي، وقد اجتمعت عليه الأوزار.

وانظر إلى حال المصلين كيف تُحطّ أوزارهم بأعمال متنوعة من الصلاة، وما يتصل بها مما يكون قبلها، أو بعدها.

يقول النبي ﷺ: من قال حين يسمع المؤذن: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده، ورسوله، رضيت بالله ربًّا، وبالإسلام ديناً، وبمحمد ﷺ رسولاً غفر الله له ذنبه[1].

هذا الذي لا يصلي سيردد خلف الأذان، يقول: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، ثم يقول رضيت بالله ربًّا؟ 

هو ينزعج إذا سمع الأذان، وقد رأينا من يبحثون عن أرض بعيدة عن المسجد، إذا أراد أن يشتري أرضاً يبحث عن مكان بعيد عن المسجد، من العيوب عند هؤلاء أن تكون قريبة من المسجد، هو لا يريد أن يسمع الأذان.

وقد رأيت، أو سمعت من يستهزئ بالأذان على كبر سن، حينما بدأ المؤذن بدأ يقول عبارات لا يصح بحال من الأحوال أن تنقل، يقول ذلك ساخراً مستهزئاً، فهذا سيردد خلف الأذان؟.

يقول النبي ﷺ: ما منكم رجل يُقرِّب وضوءه فيمضمض، ويستنشق، فيستنثر إلا خرت خطايا وجهه من فيه، وخياشيمه، ثم إذا غسل وجهه كما أمره الله إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء، ثم يغسل يديه إلى المرفقين إلا خرت خطايا يديه من أنامله مع الماء، ثم يمسح رأسه إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء، ثم يغسل رجليه إلى الكعبين إلا خرت خطايا رجليه من أنامله مع الماء، فإن هو قام، وصلى، فحمد الله تعالى، وأثنى عليه، ومجّده بالذي هو له أهل، وفرغ قلبه لله تعالى إلا انصرف من خطيئته كهيئته، يوم ولدته أمه[2].

انظر، هذه الطهارة لكل عضو تغسل الخطايا، ثم إذا قام فصلى ركعتين بهذه الصفة، يرجع من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه.

الذي لا يصلي كم فاته؟ ما حال ذنوبه، وهو لا يتوضأ أصلاً؟ فلا يوجد ما يغسلها، فلا تخرج خطايا العين، والأذن، وخطايا الوجه، واليد، والرجل، والرأس.

يقول النبي ﷺ: من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره[3].

ويقول: من توضأ هكذا غفر له ما تقدم من ذنبه، وكانت صلاته، ومشيه إلى المسجد نافلة[4].

ليس عليه خطايا، فهناك أوزار تُحطّ حينما يردد خلف الأذان، هناك أوزار تحط حينما يتوضأ، هو لم يخرج إلى الآن إلى المسجد.

يقول النبي ﷺ: إن المسلم يصلي، وخطاياه مرفوعة على رأسه، كلما سجد تحاطت، فيفرغ حينما يفرغ من صلاته، وقد تحاتت خطاياه[5] على رأسه.

ويقول ﷺ: تحترقون تحترقون، فإذا صليتم الفجر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليتم الظهر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليتم العصر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليتم المغرب غسلتها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليتم العشاء غسلتها، ثم تنامون فلا يكتب عليكم حتى تستيقظوا[6].

غسيل خمس مرات بهذه الصلاة، غسل بالطهارة، وغسل بهذه الصلاة، فهذه الذنوب تحرقنا أيها الأحبة، هي نيران كما قال النبي ﷺ وكل ذلك مما صح عنه - عليه الصلاة، والسلام -.

يُبعث منادٍ عند حضرة كل صلاة، فيقول: يا بني آدم، قوموا فأطفئوا ما أوقدتم على أنفسكم، فيقومون، فيتطهرون، ويصلون الظهر، فيغفر لهم ما بينهما، فإذا حضرت العصر فمثل ذلك، فإذا حضرت المغرب فمثل ذلك، فإذا حضرت العتمة فمثل ذلك، فينامون، فمدلج في خير، ومدلج في شر[7].

وهكذا في قوله ﷺ: من توضأ وضوئي هذا، ثم قام يصلي صلاة الظهر غفر له ما كان بينها، وبين الصبح، ثم صلى العصر، غفر له ما كان بينها، وبين الظهر، ثم صلى المغرب غفر له ما كان بينها، وبين العصر، ثم صلى العشاء غفر له ما بينها، وبين المغرب، ثم لعله يبيت يتمرغ ليلته، ثم إن قام، فتوضأ، فصلى الصبح غفر له ما بينها، وبين صلاة العشاء، وهن الحسنات يذهبن السيئات[8].

تغسل خطاياه بهذه الطريقة، الذي لا يصلي أين تذهب خطاياه؟ ما حالها؟ وما حاله معها؟ لا تسأل عمن تجمعت عليه، وأحاطت به الخطايا، فالله يقول لنبيه ﷺ: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ۝ ، وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ ۝ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ ۝ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ [الشرح: 1 - 4].

هذه الأمور الثلاثة متلازمة، شرح الصدر لا يحصل إلا مع حط الوزر، ولا تحصل رفعة الذكر إلا مع حط الأوزار، فلا انشراح، ولا رفعة مع الأوزار.

فهذا الذي لا يصلي تجتمع عليه الأوزار، فهو أضيق الناس صدراً، يشعر بضيق، لربما يبكي، يغلق عليه باب الغرفة كما نسمع من بعضهم أحياناً، ويبكي ليلاً طويلا من حسرات يجدها في نفسه، ومن كان مقصراً أيها الأحبة في ذكر الله وطاعته، وهذه الصلاة فإنه يجد من الألم، والتنغيص، والتكدير، والحسرة، والحزن، والوحشة بقدر ما ضيع؛ لأن النبي ﷺ كان يقول: أرحنا بها[9].

وقال: وجعلت قرة عيني في الصلاة[10].

قرة العين، من "القَرّ" وهو البرد، فدموع الفرح باردة، هذا يشعر بسرور، ولذة، وانشراح، فتكون قرة عين له، أما دموع الألم، والحزن فهي ساخنة، ولهذا قد يدعى على البعيد، ويقال: أسخن الله عينه.

قرة العين، فهذا الذي لا يصلي أين هو من هذا الانشراح، وقرة العين؟ حسرات، ونكد، تجد عملا دؤوباً، متواصلاً هنا، وهناك، نُزهًا، مطاعم، كل ليلة اجتماعات، استراحات، مخيمات لطرد الهم، والهم يلاحقه، والغم، والحزن يغشى قلبه.

ولا يمكن أن يتأتى للإنسان الانشراح، والطمأنينة، وهو لا يعرف الله، ولا يصلي له، كم ضيع من كان بهذه المثابة؟!.

يقول ﷺ: الصلوات الخمس كفارات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر، والجمعة إلى الجمعة، وزيادة ثلاثة أيام[11] لأن الحسنة بعشر أمثالها.

الجمعة تكفر عشرة أيام، أسبوعًا، وثلاثة أيام، فتتتابع عليه هذه المكفرات للذنوب، فيلقى الله نظيفاً نقيًّا من الخطايا، ويمشي على الأرض، وليس عليه خطيئة، فتحلق نفسه عالياً، وترتبط بالله فيرق، ويصلح عمله، وتزكو نفسه، فيزكو لسانه، وتزكو جوارحه، فيكون في حال من الطيب، والصلاح بحسب ما أقام من هذه المطالب الشرعية.

وقد قال النبي ﷺ: أرأيتَ لو أن رجلا كان له معتَمل، بين منزله، ومعتمله خمسة أنهار، فإذا انطلق إلى معتمله عمل ما شاء الله، فأصابه الوسخ، أو العرق، فكلما مر بنهر اغتسل، ما كان ذلك منقيًا من درنه، فكذلك الصلوات، كلما عمل خطيئة، أو ما شاء الله، ثم صلى صلاة استغفر، غفر له ما كان قبلها[12] خمسة أنهار، خمس فرائض هي خمسة تغسل درنه، فيبقى نظيفاً.

هذه الذنوب لا تطهر، ولا تنظف بالماء، بل لا تنظفها، وتنقيها مياه البحار، لما قالت عائشة للنبي ﷺ حسبك من صفية كذا، وكذا - تعني قصيرة - فقال: لقد قلتِ كلمة لو مُزجت بماء البحر لمزجته[13] كلمة! أنها قصيرة، لو مزجت بماء البحر لمزجته.

طيب، ماء البحر هل سيكفر، ويطهر خطايا هذا الإنسان الذي لا يصلي؟ الجواب: لا.

يقول النبي ﷺ: أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، هل يَبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: فكذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا[14].

ويقول: خمس صلوات افترضهن الله، من أحسن وضوءهن، وصلاهن لوقتهن، وأتم ركوعهن، وسجودهن، وخشوعهن كان له على الله عهد أن يغفر له[15].

عهد أن يغفر له، والله - تبارك، وتعالى - هو الذي قال: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ۝ وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [هود: 114 - 115].

هذه تحتاج إلى صبر، تحتاج إلى تثبيت للنفس على هذه الصلوات.

ويقول ﷺ: إن المسلم إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى الصلوات الخمس تحاتت خطاياه كما تحاتّ هذا الورق، وقال:  وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود: 114][16].

ويقول ﷺ: ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة، فيحسن، وضوءها، وخشوعها، وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يُؤتِ كبيرة، وذلك الدهر كله[17].

فالصلاة إلى الصلاة تكفر ما بينهما ما لم تُؤتَ كبيرة.

ويقول ﷺ: ما من مسلم يتوضأ، فيسبغ الوضوء، ثم يقوم في صلاته، فيعلم ما يقول إلا انفتل كيوم ولدته أمه من الخطايا، ليس عليه ذنب[18].

فهنا جاء ذلك مقيداً بهذا القيد: يسبغ الوضوء، ثم يقوم يصلي، فيعلم ما يقول.

ويقول: من توضأ كما أُمر، وصلى كما أُمر، غفر له ما قدم من عمل[19].

ويقول: من توضأ، فأسبغ الوضوء، ثم مشى إلى صلاة مكتوبة، فصلاها مع الإمام، غفر له ذنبه[20].

ويقول: من توضأ فأحسن وضوءه، ثم صلى ركعتين لا يسهو فيهما، غفر له ما تقدم من ذنبه[21].

ويقول ﷺ: ما من رجل يذنب ذنباً، ثم يقوم فيتطهر، ثم يصلي، ثم يستغفر الله إلا غفر الله له، ثم قرأ هذه الآية:  وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ [آل عمران: 135][22].

ويقول: من توضأ مثل وضوئي هذا، ثم أتى المسجد فركع ركعتين، ثم جلس غفر له ما تقدم من ذنبه[23].

ويقول: إسباغ الوضوء في المكاره، وإعمال الأقدام إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، يغسل الخطايا غسلاً[24].

الذي لا يصلي ما حاله؟ تلك الخطايا التي قد تجمعت عليه من كل ناحية.

ويقول: إذا قال الإمام:  غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ [الفاتحة: 7] فقولوا: آمين، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه[25].

وقال: إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه[26].

إذاً، منذ أن يردد مع المؤذن، ويتوضأ، وحينما يمشي إلى الصلاة، وحينما يصلي ركعتين، وحينما يصلي مع الإمام، وحينما يوافق تأمينه تأمين الملائكة، وحينما يوافق قوله "ربنا لك الحمد" كل هذا تُكفَّر به الخطايا، وتغفر به الذنوب.

فما ظنكم بمن كان بهذه المثابة أيها الأحبة؟ يلقى الله وقد تخفف من الأوزار، وحُطت عنه الخطايا، والآثام، أما الذي لا يصلي - نسأل الله العافية - فهو في غابة من الذنوب، والخطايا، والآثام. 

  1. أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه، ثم يصلي على النبي ﷺ ثم يسأل له الوسيلة (1/290)، رقم: (386).
  2. أخرجه مسلم، باب إسلام عمرو بن عبسة (1/569)، رقم: (832).
  3.  أخرجه مسلم، كتاب الطهارة، باب خروج الخطايا مع ماء الوضوء (1/216)، رقم: (245).
  4.  أخرجه مسلم، كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء والصلاة عقبه (1/207)، رقم: (229).
  5. أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (6/250)، رقم: (6125)، والبيهقي في شعب الإيمان (4/503)، رقم: (2875).
  6. أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (2/358)، رقم: (2224).
  7. أخرجه أبو نعيم في الحلية (4/189)،والطبراني في المعجم الكبير (10/141)، رقم: (10252).
  8. أخرجه أحمد (1/537)، رقم: (513).
  9.  أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، باب في صلاة العتمة (4/296)، رقم: (4985).
  10.  أخرجه النسائي، كتاب عشرة النساء، باب حب النساء (7/61)، رقم: (3940).
  11.  أخرجه أبو نعيم في الحلية (9/250)، وعبد الرزاق في المصنف، رقم: (5588).
  12. المعجم الكبير للطبراني (6/37)، وتعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر المروزي (1/152).
  13. أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، باب في الغيبة (4/269)، رقم: (4875).
  14. أخرجه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا، وترفع به الدرجات (1/462)، رقم: (667).
  15.  أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (9/126)، رقم: (9315)، والبيهقي في السنن الكبرى (3/511)، رقم (6500).
  16. )أخرجه أحمد (39/111)، رقم: (23707).
  17.  أخرجه مسلم، كتاب الطهارة،  باب فضل الوضوء والصلاة عقبه (1/206)، رقم: (228).
  18. أخرجه أحمد (39/111)، رقم (23707).
  19. أخرجه النسائي، كتاب الطهارة، ثواب من توضأ كما أمر (1/90)، رقم: (144)، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة، والسنة فيها، باب ما جاء في أن الصلاة كفارة (1/447)، رقم: (1396).
  20.  أخرجه ابن خزيمة في صحيحه، باب فضل المشي إلى الجماعة متوضيًا وما يرجى فيه من المغفرة (2/373)، رقم: (1489)، والبيهقي في شعب الإيمان (4/248)، رقم: (2471).
  21.  أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب كراهية الوسوسة وحديث النفس في الصلاة (1/238)، رقم: (905).
  22.  أخرجه الترمذي، باب ما جاء في الصلاة عند التوبة (2/257)، رقم: (406).
  23.  أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، (8/92)، رقم: (6433).
  24.  أخرجه الحاكم في المستدرك (1/223)، رقم: (456)، والبيهقي في شعب الإيمان (4/258)، رقم: (2484).
  25.  أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب جهر المأموم بالتأمين (1/156)، رقم: (782).
  26. أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب التسميع، والتحميد، والتأمين (1/306)، رقم: (409).
الصلاة سبب لرفع الدرجات، وحط السيئات

الباب الخامس عشر: وهو ما يتصل برفع الدرجات، وتحصيل الحسنات، بالإضافة إلى حط السيئات.

فالنبي ﷺ يقول: ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط[1].

ويقول: أتاني ربي في أحسن صورة، فقال: أتدري فيمَ يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: نعم، في الكفارات، والدرجات، ونقل الأقدام للجماعات، وإسباغ الوضوء في السَّبرات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، ومن حافظ عليهن عاش بخير، ومات بخير، وكان من ذنوبه كيوم، ولدته أمه[2].

وقال: من راح إلى مسجد الجماعة، فخطوة تمحو سيئة، وخطوة تكتب له حسنة[3] انتبهوا: ذاهباً، وراجعاً، حتى الرجوع يكتب.

ويقول: ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة، وحط عنه بها خطيئة[4].

ويقول: من قال إذا أصبح: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير عشر مرات، كتب له بهن عشر حسنات، ومحي بهن عنه عشر سيئات، ورفع له بهن عشر درجات، وكن له عدل عتاقة أربع رقاب، وكن له حَرساً من الشيطان حتى يمسي، ومن قالهن إذا صلى المغرب دبر صلاته فمثل ذلك حتى يصبح[5].

الذي لا يصلي سيقول هذا بعد المغرب، وبعد الصبح؟ 

  1.  أخرجه ابن ماجه، كتاب المساجد والجماعات، باب المشي إلى الصلاة (1/255)، رقم: (776)، وأحمد (13/393)، رقم: (8021).
  2.  أخرجه أحمد، رقم: (23210)، وقال محققو المسند: إسناده ضعيف لاضطرابه.
  3.  أخرجه أحمد، رقم: (6599)
  4. أخرجه الترمذي، باب ما جاء في كثرة الركوع والسجود (2/231)، رقم: (388 )، والنسائي، باب ثواب من سجد لله سجدة (2/228)، رقم: (1139).
  5. أخرجه ابن حبان (5/369)، رقم: (2023).
الصلاة سبب لمضاعة الأجور

الباب السادس عشر: مضاعفة الأجور.

النبي ﷺ يقول: إن هذه الصلاة عرضت على من كان قبلكم فضيعوها، ومن حافظ عليها كان له أجره مرتين[1].

هذا أحد الذين يؤتون أجرهم مرتين، الذي يحافظ على هذه الصلاة.

ويقول: إذا تطهر الرجل، ثم أتى المسجد يرعى الصلاة، كتب له كاتباه - أو كاتبه - بكل خطوة يخطوها إلى المسجد عشر حسنات، والقاعد يرعى الصلاة كالقانت، ويكتب من المصلين من حين يخرج من بيته حتى يرجع إليه[2].

الرجوع أيضاً، ويقول: إذا توضأ أحدكم في بيته، ثم أتى المسجد كان في صلاة حتى يرجع[3].

ويقول: من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله[4].

ويقول: من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة[5]

ويقول: من مشى إلى مكتوبة في الجماعة فهي كحجة، ومن مشى إلى صلاة تطوع فهي كعمرة تامة[6].

ويقول: من خرج من بيته متطهراً إلى صلاة مكتوبة، فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا يُنصِبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر، وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين[7].

ويقول: من اغتسل يوم الجمعة، وغسّل، وبكّر، وابتكر، ودنا، واستمع، وأنصت، كان له بكل خطوة يخطوها أجر سنة صيامها، وقيامها[8].

وهذا الذي لا يصلي إذا قيل له: مساهمة تربح فيها 10% فقط، فإنه لا يتمالك، ولا ينتظر، كيف مثل هذه الأجور؟.

يقول الرسول ﷺ: صلاة الرجل في الجماعة تُضعَّف على صلاته في بيته، وفي سوقه خمسة، وعشرين ضعفًا، وذلك أنه إذا توضأ، فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد، لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخطُ خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه، ما دام في مصلاه: اللهم صل عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة[9]

ويقول: صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته وحده خمساً، وعشرين درجة، وإن صلاها بأرض فلاة فأتم وضوءها، وركوعها، وسجودها بلغت صلاته خمسين درجة[10]. الصلاة في فلاة.

ويقول: صلاة رجلين يؤم أحدهما صاحبه أزكى عند الله من صلاة أربعة تترى، وصلاة أربعة يؤمهم أحدهم أزكى عند الله من صلاة ثمانية تترى، وصلاة ثمانية يؤمهم أحدهم أزكى عند الله من صلاة مائة تترى[11]

  1.  أخرجه النسائي، كتاب المواقيت، تأخير المغرب (1/259)، رقم: (521).
  2.  أخرجه أحمد، رقم: (17440).
  3. أخرجه ابن خزيمة (1/226)، رقم: (439 )، والحاكم في المستدرك (1/324)، رقم: (744).
  4. أخرجه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة (1/454)، رقم: (656).
  5. أخرجه الترمذي، أبواب الصوم، باب ما جاء في قيام شهر رمضان (3/160)، رقم: (806)، والنسائي، كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب قيام شهر رمضان (3/202)، رقم: (1605).
  6. المعجم الكبير للطبراني (8/127)، رقم: (7578)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته، رقم: (6556).
  7.  أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب ما جاء في فضل المشي إلى الصلاة (1/153)، رقم: (558)، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (3/83)، رقم: (567).
  8.  أخرجه الترمذي، باب ما جاء في فضل الغسل يوم الجمعة (2/368)، رقم: (496).
  9. أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب فضل صلاة الجماعة (1/131)، رقم: (647).
  10. مسند أبي يعلى الموصلي (2/291)، رقم: (1011)، وابن أبي شيبة (2/226)، رقم: (8390).
  11.  أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (3/86)، رقم: (4965).
الصلاة سبب للنور التام يوم القيامة

الباب السابع عشر: النور يوم القيامة.

النبي ﷺ يقول: بشر المشّائين في الظُّلَم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة[1].

الذي لا يصلي كيف يكون له النور؟ والنبي ﷺ أخبر أن الصلاة نور، وهذا النور مطلق، هو نور في القلب، ونور في الوجه، ونور في القبر، وهو نور أيضاً في يوم القيامة، وعلى الصراط. 

  1.  أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب ما جاء في المشي إلى الصلاة في الظلام (1/154)، رقم: (561)،
الصلاة سبب لورود الحوض

الباب الثامن عشر:

ما صح عن رسول الله ﷺ أنه قال: يا أبا فاطمة إن أردت أن تلقاني فأكثر السجود[1].

فمن يرجو أن يحشر مع النبي ﷺ وأن يرد حوضه فعليه أن يلزم هذه الصلاة، وإن أراد أن يكون في مرتبة عالية في الجنة فعليه أن يكثر من السجود.

والذي سأل النبيَّ ﷺ أن يكون رفيقاً له في الجنة، لم يأمره النبي ﷺ ببذل الأموال، أو المُهج، وإنما قال: أعني على نفسك بكثرة السجود[2].

ولا يخفى أن من خان "حي على الفلاح" خان "حي على الكفاح". 

  1.  أخرجه أحمد، رقم: (15526)، وقال محققو المسند: حديث حسن لغيره.
  2.  الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم (4/352)، رقم: (2387)، وحلية الأولياء وطبقات الأصفياء (2/18).
ترديد الأذان

الباب التاسع عشر:

وهو شفاعة النبي ﷺ فإنه قال: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول، ثم صلوا عليّ، فإنه من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة، لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة[1].

والذي لا يصلي هل سيردد خلف الأذان، ويسأل للنبي ﷺ الوسيلة؟.

  1.  أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه، ثم يصلي على النبي ﷺ ثم يسأل له الوسيلة (1/288)، رقم: (384).
الذي لا يصلي، ولا يتوضأ، كيف يعرفه النبي ﷺ؟

الباب العشرون:

وهو ما يتصل بالعلامة التي يأتي بها أتباع النبي ﷺ ويردون عليه حوضه، ويعرفهم، ويميزهم من بين سائر الناس.

كما قال ﷺ لما سئل: كيف تعرف من لم يأتِ بعدُ من أمتك؟ فقال: أرأيتَ لو أن رجلاً له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دُهْم بُهْم، ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فإنهم يأتون غرًّا محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض[1].

يأتون غرًّا محجلين، يقول: أعرفهم بالغرة، والتحجيل من أثر الوضوء.

ويقول النبي ﷺ: تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء[2] يعني يوم القيامة.

ويقول: إن أمتي يدعون يوم القيامة غرًّا محجلين من آثار الوضوء[3].

الذي لا يصلي، ولا يتوضأ، كيف يعرفه النبي ﷺ؟ كيف يكون قدومه يوم القيامة؟ كيف سيرد على النبي ﷺ حوضه؟ ما حليته؟.

إذا كانت الحلية تبلغ من المؤمن إلى حيث يبلغ الوضوء، فهل هذا يكون له حلية؟ هو لا يتوضأ أصلاً!. 

  1. أخرجه مسلم، كتاب الطهارة، باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء (1/218)، رقم: (249).
  2.  أخرجه مسلم، كتاب الطهارة، باب تبلغ الحلية حيث يبلغ الوضوء (1/219)، رقم: (250).
  3.  أخرجه البخاري، كتاب الوضوء، باب فضل الوضوء، والغر المحجلون من آثار الوضوء (1/39)، رقم: (136)، ومسلم، كتاب الطهارة، باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء (1/216)، رقم: (246).
من السبعة الذين يظلهم الله في ظله رجل قلبه معلق في المساجد

الباب الحادي، والعشرون: ما جاء في قوله ﷺ: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله... وذكر من هؤلاء: ورجل قلبه معلق في المساجد[1].

الذي لا يصلي أبعد ما يكون عن هذا الوصف.

  1.  أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد (1/133)، رقم: (660)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة (2/715)، رقم: (1031).
من صلى لله أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتب له براءتان

الباب الثاني، والعشرون: ما جاء في قوله ﷺ: من صلى لله أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتب له براءتان، براءة من النار، وبراءة من النفاق[1].

في الحديث الآخر: من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر، وأربع بعدها حرّمه الله على النار[2].

لن يلج النارَ أحدٌ صلى قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها[3]. الفجر، والعصر، لن يلج النار، وهناك: "حرّمه الله على النار".

الذي لا يعرف هذا، وليس من مهماته، كيف يحصِّل مثل هذا العهد، والوعد؟ 

  1.  أخرجه الترمذي، أبواب الصلاة عن رسول الله ﷺ باب في فضل التكبيرة الأولى (2/7)، رقم: (241).
  2. أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب الأربع قبل الظهر وبعدها (2/23)، رقم: (1269)، والترمذي، أبواب الصلاة عن رسول الله ﷺ (2/292)، رقم: (428)
  3.  أخرجه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاتي الصبح والعصر، والمحافظة عليهما (1/440)، رقم: (634).
من قال مثل هذا يقيناً دخل الجنة

الباب الثالث، والعشرون:

ما صح عن رسول الله ﷺ أنه حينما أذن بلال للصلاة، فلما سكت قال رسول الله ﷺ: من قال مثل هذا يقيناً دخل الجنة[1].

وقال: ما منكم من يتوضأ فيسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبد الله، ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء[2].

الثمانية، الذي لا يصلي سيتوضأ، وسيقول مثل هذا الكلام؟

ويقول النبي ﷺ: من حافظ على الصلوات الخمس، ركوعهن، وسجودهن، ومواقيتهن، وعلم أنهن حق من عند الله دخل الجنة، أو قال: وجبت له الجنة[3].

وقال: من صلى البَردين دخل الجنة[4].

وقال: ما منكم من أحد يتوضأ، فيحسن الوضوء، ثم يقوم فيركع ركعتين، يقبل عليهما بقلبه، ووجهه، إلا قد أوجب[5].

وجبت له الجنة هنا، وهنالك يحرم على النار، ذنوبه تكفّر، درجاته ترفع، شفاعة النبي ﷺ النور يوم القيامة، الغرة، والتحجيل، إلى غير ذلك من هذه الأبواب يفقدها من ترك الصلاة.

  1.  أخرجه النسائي، كتاب الأذان (2/24)، رقم: (674)
  2.  أخرجه مسلم، كتاب الطهارة، باب الذكر المستحب عقب الوضوء (1/209)، رقم: (234).
  3. أخرجه أحمد، رقم: (18345).
  4.  أخرجه البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل صلاة الفجر (1/119)، رقم: (574)، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاتي الصبح والعصر، والمحافظة عليهما (1/440)، رقم: (635).
  5.  أخرجه أبو داود، كتاب الطهارة، باب ما يقول الرجل إذا توضأ (1/43)، رقم: (169)، والنسائي، كتاب الطهارة، باب ثواب من أحسن الوضوء ثم صلى ركعتين (1/95)، رقم: (151).
ثلاثة كلهم ضامن على الله

الباب الرابع، والعشرون:

ما جاء عن النبي ﷺ أنه قال: ثلاثة كلهم ضامن على الله إن عاش رُزق، وكُفي، وإن مات أدخله الله الجنة... وذكر من هؤلاء: ورجل راح إلى المسجد، فهو ضامن على الله[1].

ما قال: من خرج إلى مكتبه، أو خرج إلى سوقه، أو خرج إلى متنزه، وإنما قال: من خرج إلى المسجد فهو ضامنٌ على الله.

  1. أخرجه أبو داود، كتاب الجهاد، باب فضل الغزو في البحر (3/7)، رقم: (2494).
من حافظ على السنن الرواتب بنى الله له بيتا في الجنة

الباب الخامس، والعشرون:

ما صح عنه ﷺ أنه قال: ما من عبد مسلم يصلي لله تعالى في كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير فريضة إلا بنى الله تعالى له بيتاً في الجنة[1].

الذي لا يصلي الفريضة لن يصلي الراتبة، لو قيل لأحد من الناس: من عمل كذا فإنه يمنح قطعة أرض، أو يمنح شقة، أو غير ذلك.

لرأيت كيف يكون الحرص، وتنقطع أعناق الكثيرين من أجل تحصيل هذا المطلوب التافه؛ لأنه من حطام الدنيا، والدنيا بكاملها لا تساوي عند الله جناح بعوضة.

  1. أخرجه مسلم، باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن، وبيان عددهن (1/503)، رقم: (728).
من غدا إلى المسجد، أو راح أعد الله له في الجنة نزلا

الباب السادس، والعشرون:

ما صح عنه ﷺ أنه قال: من غدا إلى المسجد، أو راح أعد الله له في الجنة نزلا كلما غدا، أو راح[1].

النُّزل ما يعد، ويهيأ للضيف، تصور! نزل في الجنة.

هذا النزل في الجنة هل يمكن أن يعدله ما في الدنيا من أولها إلى آخرها؟

لو جمعت موائد الأولين، والآخرين إلى يوم القيامة في هذه الدنيا بأنواع المطعومات، هل يمكن أن تعادل هذا النزل في الجنة؟.

وهذا النزل لابد أن يلقاه، وأن يجده، وأن يحصله يوم القيامة، لابد أن يحصله في الجنة، فهذا الذي لا يغدو إلى المسجد، ولا يروح، لا يذهب لا في أول النهار، ولا في آخر النهار، أو يصلي في بيته، هذا النزل في الجنة كم يكون مضيَّعًا؟

هذا النزل في الجنة لو جمعنا أموال الأثرياء، والتجار، وأصحاب العقار، والأملاك، والزروع، والحروث، والدواب، هل يمكن أن تعدل ذلك؟ كلما غدا، أو راح نزل في الجنة، لا يمكن!

هل يمكن أن تضيع الصلاة من أجل صفقة؟ من أجل بيع، وشراء؟ من أجل حطام زائل؟ أو من أجل نومة ينامها بعدما يأتي من العمل، أو ينامها عن صلاة الفجر، ويتكاسل؟.

لو كان الإنسان يستشعر حقيقةً هذه الوعود، ويؤمن بها، وقوي يقينه لما فرط بحال من الأحوال، ولكنها الغفلة الغالبة.

هذه أبواب تنبئ عن غيرها، وكما قلت: ليس ذلك للحصر، وإلا فإن مضيع الصلاة لا يمكن أن يقادر تضييعه، وتفريطه، وما فاته من الخير، والبر، والمعروف، والدرجات، والفضائل، لكنها الغفلة أيها الأحبة.

فأرجو أن يكون هذا الحديث بهذا العرض محركاً للقلوب، فإن تنويع طرائق التعليم لا شك أنه مؤذن لالتفات القلوب، ويقظتها، وإقبالها على الذي لربما لا عهد لها بسماعه متكرراً، وإن كانت هذ الأحاديث معلومة.

لكن حينما تحرك القلوب بمثل هذه المعاني مجموعة تحت منظومة في فضائل، وألوان البر، والخير، والجزاء عن الله - تبارك، وتعالى - فإن ذلك قد يكون نافعًا لكثير من النفوس، فينظر العبد في خسائره، وأرباحه، وما جنى، وما حصّل، وما يسير إليه.

ولنا عبر في هذه الجنائز التي نودعها، ونشيعها في كل يوم، وليلة، أتأمل في هذه النعوش، بطانية خَلِقَة يوضع فيها، ثم يكون في ملحودة جوانبها غبر، بعد الثراء، والقصر المشيد، وألوان الملاذّ، والفرش الوثيرة.

آخر ذلك على نعش دونه بطانية خَلِقَة لو قيل له: التحف بها، لنفر من ذلك غاية النفور.

ثم بعد ذلك يوضع على التراب، ليس دونه فراش، فمثل هذا حري بمن كان مصيره - وهذا مصير الجميع  أيها الأحبة - أن يعمّر هذه الآخرة، وأن يشتغل، ويقبل، أن يشتغل بالأعمال التي تدخل معه في قبره فتبرد مضاجعه، وتنور قبره، وتوسعه.

أما الأموال، والأولاد، والرياش، وحطام الحياة الدنيا فهو لا يوسع قبراً، ولا ينوره، ولا يجد منه تبريدًا، ولا نفعاً إلا ما قدمه لآخرته، وما عدا ذلك فحساب ينتظره.

هذا، وأسأل الله - تبارك، وتعالى - أن يعيننا، وإياكم على ذكره، وشكره، وحسن عبادته، اللهم ارحم موتانا، واشفِ مرضانا، وعافِ مبتلانا، واجعل آخرتنا خيراً من دنيانا.

اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وذهاب أحزاننا، وجلاء همومنا.

اللهم ذكرنا منه ما نسّينا، وعلمنا منه ما جهلنا، وارزقنا تلاوته آناء الليل، وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنّا.

اللهم لا تجعل لنا في ساعتنا هذه مريضاً إلا شفيته، ولا ضالا إلا هديته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مديناً إلا قضيت دينه، ولا مهموماً إلا فرجت همه.

أسأل الله - تبارك، وتعالى - أن يتقبل منّا، ومنكم، وأن يغفر لنا، ولكم، ولوالدينا، ولإخواننا المسلمين.

ونسأل الله   أن يحشرنا، وإياكم تحت لواء نبيه ﷺ وأن يعيذنا، وإياكم من الفتن ما ظهر منها، وما بطن، وأن نلقاه - تبارك، وتعالى - وهو راضٍ عنا. 

  1.  أخرجه مسلم، باب المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا، وترفع به الدرجات (1/463)، رقم: (669).

مواد ذات صلة