الأربعاء 23 / جمادى الآخرة / 1446 - 25 / ديسمبر 2024
المجلس الثاني
تاريخ النشر: ١٨ / جمادى الأولى / ١٤٢٩
التحميل: 9777
مرات الإستماع: 5065

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.

قال الشيخ: خالد بن عثمان السبت، حفظه الله -تبارك وتعالى: قاعدة: تنوع القراءات بمنزلة تعدد الآيات.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فالقرآن كما هو معلوم: يعبر به بالألفاظ القليلة الدالة على المعاني الكثيرة، ومن الحِكَم التي يذكرها العلماء في الكلام على تعليل نزول القرآن على سبعة أحرف، يذكرون: الإعجاز، وذلك: أن هذه القراءات التي تتنوع في الآية الواحدة، الله -تبارك وتعالى- يتحداهم أن يأتوا بمثله، ثم يصرف هذا الكلام بهذا التصريف، وهم يعجزون عن محاكاته ومجاراته.

ومن جهة أخرى: فإن تنوع هذه القراءات إذا كانت كل قراءة تحمل معنى، فإنه يكثر معها المعاني، وتتنوع، ويكون ذلك زيادة في الدلالة على الأحكام؛ ولهذا يقال: بأن تعدد القراءات، أو تنوع القراءات بمنزلة تعدد الآيات، وهذا إذا كان لكل قراءة معنى، فالله يقول: ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدِ [البروج:15]، بالكسر، وفي القراءة الأخرى المتواترة: ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ [البروج:15]، بالضم، فعلى القراءة الأولى:ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدِ [البروج:15]، بالكسر، تكون المجيد صفة لماذا؟ للعرش، فصفة هذا العرش أنه مجيد، وعلى القراءة الثانية:  ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ [البروج: 15]، بالضم، تكون صفة لله ، فتنوع القراءات بمنزلة تعدد الآيات، فكأن هذه آية تذكر صفة الله أنه مجيد، وتلك آية تذكر صفة العرش أنه مجيد، فبهذا تظهر كثرة المعاني.

وكذلك في قوله تعالى:بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ [الصافات:12]، بفتح التاء، في القراءة الأخرى المتواترة:  بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ  [الصافات:12]، بضمها، فبفتح التاء:  بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ  [الصافات:12]، أي: النبي ﷺ، وفي القراءة الأخرى بضمها:  بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ  [الصافات:12]، أي: الله -تبارك وتعالى، وهي: قراءة متواترة، وعلى هذا: تكون هذه القراءة فيها إثبات هذه الصفة لله ، وهي: ثابتة بالسنة، في أحاديث، كقوله ﷺ: عجب ربنا من قنوط عباده[1]، إلى غير ذلك من الأحاديث، لكن ما الذي يدل على هذه الصفة من القرآن؟ هذه الآية على هذه القراءة الثانية بالضم:  بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ [الصافات:12].

قال: قاعدة: القراءتان إذا اختلف معناهما، ولم يظهر تعارضهما، وعادتا إلى ذات واحدة، كان ذلك من الزيادة في الحكم لهذه الذات.

القراءتان إذا اختلف معناهما، فأحيانا تكون القراءات بمعنى واحد، لكن إذا اختلف معناهما، ولم يظهر تعارضهما، هذا التعارض ليس المقصود به: التناقض، فالقرآن ليس فيه تناقض، وإنما المقصود: أن كل قراءة تنزل على حال، يعني: مثلاً: في آية الوضوء، في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة:6]، فهذه منصوبات،  فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ مفعول به منصوب، وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ [المائدة:6] مجرور بحرف الجر الباء، وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ [المائدة:6]، بالكسر، معطوف على الرؤوس، فجاء مجرورًا، على خلاف في توجيه هذا الجر هنا، هل هو: للمقاربة والمجاورة، أو باعتبار معنى آخر، فمن أهل العلم من يقول: إن قراءة الجر:  وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ [المائدة:6]، بالكسر معطوف على الرؤوس، وأن المقصود هو: مسح الرجل، كيف يكون مسح الرجل؟ قالوا: الرجل لها حالان، إما أن تكون مستورة، مغطاة، فتمسح إذا كان عليها الجورب أو الخف، فدلت عليها قراءة الجر، دلت على هذه الحال، وإما أن تكون مكشوفة، فحكمها الغسل، فتدل عليها القراءة الأخرى المتواترة:  وَأَرْجُلَكُمْ [المائدة:6]، بالفتح، فهنا هل يمكن أن نقول: بالجمع بين القراءتين، كما هو مقتضى هذه القاعدة: بأن الرجل تكون ممسوحة مغسولة في وقت واحد؟

الجواب: لا؛ لأننا قلنا: ولم يظهر تعارضهما، إلا قول ابن جرير -رحمه الله، فابن جرير يقول: بأن القراءتين كليهما في حال الرجل، حيث تمسح وتغسل في آن واحد[2]، وكثير من أهل العلم لربما لم يفهموا مراد ابن جرير -رحمه الله- في كلامه في التفسير على هذه الآية، وظنوا أن ابن جرير قال: بأنه يجوز مسح الرجل في الوضوء، والواقع: أن ابن جرير -رحمه الله- يعد قوله في هذا الباب من أشد الأقوال، يعني: أشد من قول القائلين بالغسل، وهذا عجيب، يعني: أشد من قول الجمهور، مع أن عامة أهل العلم حينما يذكرون مسألة المسح، يقولون: لم يقل به إلا ابن جرير من أهل السنة, وابن جرير ما يقصد هذا، واقرؤوا كلامه، وتأملوا فيه، فستجدون ما ذكرت، فابن جرير يرى: أن الرجل لما كانت محلاً للأوضار والأعلاق، وفيها ما فيها مما ينبو لربما عنه الماء، يرى: أنها مع الغسل تمرر اليد عليها؛ ليكون ذلك أبلغ في غسلها، بخلاف الأعضاء الأخرى، فممكن أن تضعها تحت الماء، وتغسلها بدون إمرار اليد، فيرى: الجمع بين الغسل والمسح؛ ليكون ذلك أبلغ في إيصال الماء، وكثير من أهل العلم فهموا أن ابن جرير يقول: يجوز مسح الرجل في الوضوء، وقوله كما ترون بهذا التشديد، مقارنة بقول الجمهور.

فالشاهد: هذا المراد بقولنا: ولم يظهر تعارضهما، وعادت إلى ذات واحدة، بخلاف: ما إذا عادة كل قراءة إلى ذات أخرى، كقوله:  بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ [الصافات:12]، بالضم، وبَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ [الصافات:12]، فهذه في النبي ﷺ، وهذه في الله، وقوله:  ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدِ [البروج:15]، بالكسر، وذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ [البروج:15]، بالضم، فهل هذه تعود إلى ذات واحدة أو إلى ذاتيين؟ إلى ذاتين، لكن هنا في هذه القاعدة: تعود كل قراءة إلى ذات واحدة، فيكون هذا من باب الزيادة في الحكم لهذه الذات، ولا أقصد بالحكم هنا: لزوم الحكم الشرعي الفقهي، وإنما أقصد: المعنى، سواء كان صفة، أو كان حكمًا فقهيًا، أو غير ذلك.

مثال ذلك: وهذا حكم فقهي، في قوله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ [البقرة:222]، في القراءة الأخرى المتواترة: حَتَّى يَطَّهَرْنَ، وأصلها: يتطهرن، فهذه فيها معنى: الطلب، فهل القراءتان تعودان إلى ذات واحدة، وهي: المرأة الحائض، فقوله:  وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ، ما معنى: يَطْهُرْن؟

دلت هذه القراءة على انقطاع الدم، لا بد من انقطاع الدم، وقوله: حَتَّى يَطَّهَرْنَ، هذا يكون بفعلها، بشيء تتطلبه، ما هو؟ الغسل.

فالقراءتان إذا اختلف معناهما، ولم يظهر تعارضهما، وعادت إلى ذات واحدة، كان ذلك من الزيادة في الحكم لهذه الذات، فعرفنا من القراءتين: أنه لا بد من أمرين حتى يحل وطؤها، الأول: انقطاع الدم، والثاني: الاغتسال؛ ولهذا تعرفون كلام أهل العلم فيما ورد من أنه يتصدق بدينار أو بدينارين[3]، فبعض أهل العلم يقول: إذا حصل الوطء قبل انقطاع الدم، فيتصدق بدينارين، والرواية الثانية: التي ورد فيها أنه يتصدق بدينار، وفي رواية: بنصف دينار، قالوا: هذا يحمل على أنه إذا حصل الوطء بعد انقطاع الدم وقبل الغسل، فهذا لا يجوز، لكنه أخف من الوطء حال الحيض، فالشاهد: أنه حمل على هذا وهذا.

مثال آخر في قصة ذي القرنين:فَأَتْبَعَ سَبَبًا ۝ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ [الكهف:85-86]، في القراءة الأخرى المتواترة: وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَامِيَةٍ، ما معنى: حَمِئَةٍ؟ يعني: منتنة متغيرة سوداء، مثل: الغَرَب، وهو: ما يسميه العامة غَرَب، إذا تغير لون قاع الأرض التي يكون فيها الماء من طول المكث، فيكون له رائحة، وهو: مسود، يعني: طينة متغيرة اللون والرائحة.

فقوله:  وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ، وفي القراءة الأخرى: فِي عَيْنٍ حَامِيَةٍ، فالقراءتين اختلف معناهما، ولم يظهر تعارضهما، وعادت إلى ذات واحدة، وهي: العين، فكان ذلك من باب الزيادة في الحكم لهذه الذات، فالحكم لا يقصد به فقط الحكم الشرعي، فهذا من باب زيادة الصفة، فهذه العين من صفتها أنها حارة، ومن صفتها أنها منتنة متغيرة اللون، يعني: في طينتها، والرائحة.

قال: المقصد الثاني: طريقة التفسير.

قاعدة: ألفاظ الشارع محمولة على المعاني الشرعية، فإن لم تكن فالعرفية، فإن لم تكن فاللغوية.

تكون بهذا الترتيب، وهذا لا بد منه، فألفاظ الشارع تحمل على المعاني الشرعية، لماذا تحمل على المعاني الشرعية؟ تحمل على المعاني الشرعية؛ لأن كلام الشارع في الشرعيات، والأصل: أن كل متكلم يحمل كلامه على عرفه، فحينما تقرأ للنحاة، ويذكرون بعض المصطلحات المشتركة بينهم وبين غيرهم من أهل البلاغة أو غيرهم, فإنه يجب أن تحمل مصطلحات هؤلاء الناس على عرف النحاة.

فالكلام عند النحاة غير الكلام عند اللغويين، وغير الكلام عند الفقهاء، فالكلام عن النحاة هو: اللفظ المفيد فائدة أن يحسن السكوت عليها، فهذا الكلام عند النحاة، لكن عند الفقهاء: كل ما يتلفظ به الإنسان يقال له: كلام، فلو قال كلاما غير مفيد، ولا يحسن السكوت عليه، فلو تكلم في الصلاة، فقال: إن جاء زيد، فهذا ليس كلامًا عند النحاة؛ لأنه لم يفد فائدة يحسن السكوت عليها، يقول ابن مالك:

كلامنا لفظ مفيد كاستقم واسم وفعل ثمّ حرف الكلم

أي: كفائدة استقم, يعني: استقم أنت، لكن الفقهاء يقولون: لو قال: إن جاء زيدٌ، قالوا: هذا كلام يبطل الصلاة؛ فلهذا يقولون: الكلام في الصلاة يبطلها إذا كان عمدًا، وهو: يعلم، فحينما تقرأ للفقهاء غير لما تقرأ لغيرهم، وهكذا غير ذلك.

فلما تقرأ تعريف السنة عند المحدثين، وهي: كل ما ثبت عن النبي ﷺ من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خلقيه، ولما يكون الكلام عند الفقهاء في السنة، فالكلام عند الفقهاء في السنة، هي: ما يثاب فاعله، ولا يعاقب تاركه، وعند الأصوليين: ما أمر الشارع به أمرًا غير جازم، فما تجيء تُخَطِّئ، وتقول: لا، هذا غلط، وكذا، فكل متكلم يحمل كلامه على عرفه، يعني: على اصطلاحه.

فألفاظ الشارع تحمل على عرف الشارع، ما هو عرف الشارع؟ الشرعيات، فكلام الشارع يحمل على المعنى الشرعي، وأحيانًا هذه اللفظة: ما لها معنى شرعي عند الشارع حتى نفسرها به، فنلجأ إلى الخطوة الثانية، فنحملها على المعنى العرفي، أي: عرف؟ هل في عرفنا نحن؟ لا، في عرف المخاطبين الذي نزل عليهم القرآن؛ ولهذا سيأتي في قاعدة أخرى: أنه لا يجوز حمل ألفاظ القرآن على اصطلاح حادث، يعني: على عرف حادث، فإن لم يوجد معنى عرفي للمخاطبين، فعندئذ على ماذا نحملها؟ على المعنى اللغوي، يقول صاحب نظم مراقي السعود:

واللفظ محمول على الشرعي إن لم يكن فمطلق العرفي
فاللغوي على الجلِي ولم يجب بحث عن المجاز في الذي انتُخب

فهذه مراتب ثلاث في حمل الألفاظ، وهذا ضروري جدًا لطالب العلم؛ لأن لو الإنسان بدأ كما يفعل بعض أهل البدع يفسر القرآن باللغة فقط، ويقول: هذا أفضل، وكما ينادي بعض الناس اليوم، ويقول لك: نحن عرب، فلماذا نلزم بفهم الصحابة، وفهم السلف الصالح؟ نحن عرب نفسر بمقتضى اللغة العربية، فهذا سيشطح في الفهم، وسيأتي بأشياء عجيبة غريبة.


نعطيكم بعض الأمثلة على دوران اللفظ بين المعنى الشرعي والمعنى اللغوي، يسمونه: الحقيقة الشرعية والحقيقة اللغوية، فالحقائق ثلاث:

  • حقيقة شرعية.
  • وحقيقة عرفية.
  • وحقيقة لغوية.

وعرفنا الترتيب، فما يدور فيها اللفظ بين الحقيقة، يعني: يتردد يحتمل بين الحقيقة الشرعية والحقيقة اللغوية، من الأمثلة:  وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران:97]، الحج ما معناه؟ هل له معنى في الشرع؟ نعم، هو: قصد بيت الله الحرام في وقت مخصوص؛ لأداء النسك، وليس مقصودنا التدقيق في التعريفات، وإنما المقصود: بيان المراد بأقرب طريق، فهذا الحج له معنى شرعي، وليس له معنى عرفي محدد، لكن فيه معنى لغوي، ما معنى الحج في اللغة؟

هو: مطلق القصد، فهنا هل نحمل اللفظ الشرعي على المعنى اللغوي أو على المعنى الشرعي؟ على المعنى الشرعي؛ لأن كلام الشارع في الشرعيات، فلا يجوز أن نفسره بالمعنى اللغوي، فنقول في قوله: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً   [آل عمران:97]، هو: قصد بيت الله الحرام في وقت مخصوص؛ لأداء النسك.

وفي قوله تعالى:  وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا  [الرعد:15]، فقوله: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ، معنى السجود في الشرع هو: وضع الجبهة على الأرض، وله معنى أيضًا لغوي، وهو: الخضوع، فهنا في قوله تعالى: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، هل نحمله على المعنى اللغوي، أو على المعنى الشرعي؟

نقول: على المعنى الشرعي، وسجود كل شيء بحسبه، ولا نفسره بمجرد الخضوع، وبعض المفسرين فسروه: بالخضوع، وقالوا: المؤمن يخضع طوعًا، والكافر يخضع قدرًا وقهرًا؛ لأنه حتى في دمائه التي تجري في عروقه، وفي كل ما يجري في جسمه، كل ذلك محكوم بقدر الله ، لا يخرج عنه قليلاً ولا كثيرًا، فبعض العلماء قالوا: المقصود: الخضوع.

والأقرب: أن يفسر ذلك بالسجود، وسجود كل شيء بحسبه، والله يمكن أن يجعل للجمادات إدراكات، الله قال للسماوات والأرض:  ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ  [فصلت:11]، والنبي ﷺ يقول: إني لأعرف حجرًا كان يسلم عليّ بمكة قبل أن أبعث[4]، وقال الله في قصة داود يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ [سبأ:10]، فهي: تردد معه حينما يقرأ الزبور.

وهكذا في قوله:  يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ  [الجمعة:1]،  سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [الحديد:1]، فحينما يضيف ذلك إلى أهل السماوات والأرض يحمل هذا على الجميع.

وكذا حنين الجذع وهو: جماد[5]، والنبي ﷺ كما في صحيح مسلم قال لشجرتين كما في حديث جابر انقادا[6]، فانقادتا، وجاءت كل شجرة تمشي، فهذه الأشياء يجعل الله لها إدراكات تليق بها، فنحمله على المعنى الشرعي.

وفي قوله تعالى- مثلاً:  وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ [التوبة:84]، والصلاة لها معنى شرعي، وهي: الأقوال والأفعال المخصوصة، المفتتحة بالتكبير، المختتمة بالتسبيح، بنية، فهذه الصلاة في الشرع، وفي اللغة: الدعاء، فحينما يقول الله :  أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ [الإسراء:78]، ما المراد به؟ هل هو: الدعاء أو المقصود به: الصلاة المعروفة؟ المقصود: الصلاة المعروفة، وحينما يقول الله :  خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [التوبة:103]، ما المراد به؟ هل يصلي عليهم صلاة فريضة أو صلاة جنازة؟

لا، المقصود به: الدعاء، طيب نحن قلنا: اللفظ محمول على الشرعي، فلما حملناه على غير المعنى الشرعي؟ لوجود الدليل، ما هو الدليل؟ اللهم صل على آل أبي أوفى[7]، لما جاءوا بصدقتهم، فقال: اللهم صل على آل أبي أوفى، فكان الناس إذا جاءوا بصدقتهم النبي ﷺ يدعوا لهم، ولم يرد عنه ﷺ أنه كان يصلي الصلاة المعروفة على أحد جاء بصدقته، فدل هذا على أن المراد بالصلاة هنا: المعنى اللغوي، وليس المعنى الشرعي، فهذا إذا دل الدليل على ذلك؛ لأنه خلاف الأصل، فيقول الله -تبارك وتعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [التوبة:103]، فنحن لا نأخذ الآية بمجردها واحتمالاتها من ناحية الدلالة، لكن ننظر إلى هدي النبي ﷺ، وإلى فهمه لهذه النصوص، فماذا كان يصنع امتثالاً وتحقيقًا لهذا؟ فكان إذا جاء أحد بصدقته، قال: اللهم صل على آل فلان، ففهمنا منه المراد من قوله تعالى:وَصَلِّ عَلَيْهِمْ، لكن في قوله تعالى: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ [التوبة:84]، ما المقصود به؟

صلاة الجنازة، ويدخل فيه أيضًا: الدعاء، لكنه يفهم من قوله: وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ ؛ لأنه لماذا يقوم على قبره؟ للدعاء له، فنقول: قوله تعالى: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا، التي هي: صلاة الجنازة، وقوله:  وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ؛ من أجل الدعاء والاستغفار، فهذا غير هذا، والله أعلم.

نعطيكم مثالا على دوران اللفظ بين الحقيقة العرفية، والحقيقة اللغوية، الله يقول: إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا [آل عمران:55]، فقوله: إِنِّي مُتَوَفِّيكَ، الوفاة في اللغة ما معناها؟ معناها: الاستيفاء، يعني: مستوفيك، أي: أن يأخذه بروحه وجسده، وهذا قال به بعض أهل العلم في تفسير هذه الآية: من الاستيفاء، فقوله:  إِنِّي مُتَوَفِّيكَ، يعني: مستوفيك روحًا وجسدًا، والمعنى العرفي للوفاة هو: مفارقة الروح للجسد، إما مفارقة كلية، تنتفي معها الحياة، أو مفارقة جزئية، يرتفع معها الإدراك، الذي هو: النوم، والله يقول:  اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [الزمر:42].

فهنا حينما يقول الله لعيسى :  إِنِّي مُتَوَفِّيكَ، فعندنا معنى عرفي، وعندنا معنى لغوي، وعلى الترتيب الذي ذكرناه بماذا نفسرها؟ كيف نرجح بين القولين في التفسير، وهما موجودان؟ فالعلماء لهم كلام كثير بين هذه الآية، بعضهم يدعي فيها: أن فيها تقديم وتأخير، وعندنا القاعدة الأخرى: الأصل في الكلام الترتيب، فنقول: نحمله على المعنى العرفي، فنقول: نحمل الوفاة على مفارقة الروح للجسد، بمعنى: أن الله رفعه في حالة النوم، وإلا فهو: لم يمت .

مثال على دوران اللفظ بين المعنى الشرعي والمعنى اللغوي، مع وجود قرينة تدل على إرادة المعنى اللغوي، هو: المثال الذي ذكرته في قوله:  وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ  [التوبة:103]، فعندنا هذا مثال على حمله على المعنى اللغوي؛ لوجود قرينة مع أن اللفظ له معنى شرعي، فقوله:  وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ [التوبة:84]، فهذه نحملها على المعنى الشرعي، لكن قوله: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [التوبة:103]، هذه نحملها على المعنى اللغوي؟ لماذا؟ لوجود قرينة، أو دليل، وهو: أن النبي ﷺ كان يقول: اللهم صل على آل فلان، فهذا شرط: إذا وجدت القرينة، وإلا فهو خلاف الأصل.

وهنا ثلاثة تنبيهات يحتاج طالب العلم إلى معرفتها في هذا الباب:

الأول: أن على المفسر أن ينظر أو يعرف حدود الألفاظ الشرعية، وأن يقف عند ذلك الحد، بحيث لا يدخل فيه غير موضوعة، ولا يخرج منه شيئًا من موضوعه، مما يدخل فيه، وهذه ذكرها ابن القيم -رحمه الله، وأكد عليها، وكثير من الشطط في الأحكام، والإفراط والتفريط، يكون بسبب ذلك.

ففي الألفاظ الشرعية مثلاً: الربا، إذا وسعناه وأدخلنا فيه أشياء ليس من موضوعه، فأدخلنا بعض المعاملات التجارية المباحة، أدخلناها في الربا، وحرمناها على الناس، وإذا ضيقناه، وقلنا مثلاً: لا ربا إلا في النسيئة[8]، أخرجنا أشياء من المعاملات الربوية، وجعلناها معاملات مباحة، وتجارة مباحة.

وكذا: لفظة الخمر، إذا ضيقناها جدًا، وقلنا: هو عصير العنب المسكر مثلاً، أخرجنا أنواع النبيذ من الأشياء الأخرى من الفواكه، وقلنا: هذه ليست من الخمر، وهذا غلط، وإذا وسعنا الخمر، فيمكن أن ندخل به أشياء مباحة، ونحرمها على الناس، ونقول: يشملها لفظ الخمر، فلا بد من ضبط حدود الألفاظ الشرعية، فلا نوسعها، ولا نضيقها.

وكلمة النكاح مثلاً: هذا مصطلح شرعي، حقيقة شرعية، فيمكن أن نضيقها، فنخرج بعض أنواع الزواج الصحيح، بغض النظر عن بعض الأشياء والملاحظات، واعتراضنا عليه من جهة أخرى، يعني مثلاً: زواج المسيار، لو جاء واحد وقال: لا، هذا ليس زواجا؟ هذا زنا، نقول له: استغفر الله، لا يجوز يا أخي! هذا عقد صحيح مستوف لجميع الشروط، لكن هل هذا الذي ننصح به الناس؟ نقول: لا، لكن قد تقتضيه أحيانًا مصلحة المرأة، وليس البحث الآن في هذا، لكنه نكاح صحيح.

وكذا: الزواج بنية الطلاق، هل هذا يعتبر زنا، ونأتي بهذا الإنسان، ونقول: إن كان محصن يرجم، وإلا يجلد؟ الجواب: ما هو بزنا، هذا عقد صحيح مستوف للشروط، لكن ننهى الناس عنه؛ لما يحصل بسبب ذلك من المفاسد الكثيرة والأضرار، كما لا يخفى، لكنه ليس بزنا، ولا نقول لمن فعله بأنه زاني، وتنطبق عليه النصوص والوعيد الوارد في الزنا.

وإذا وسعنا حقيقة النكاح سندخل فيه أشياء ليست منه، فمثلاً: لو وسعنا لفظة النكاح قد ندخل فيه أشياء، مما يسميه بعضهم: بالزواج العرفي، فالزواج العرفي طبعًا يطلق على أكثر من شيء، لكن أقصد بهذا: أن يتفق الرجل والمرأة، إذا أعجبته في الجامعة، أو في أي مكان في بعض البلاد، ويتفق هو وإياها، ويقول سأتزوجها، ويذهب واحد يعقد له عليها، أو كذا، والنبي ﷺ يقول:أيما امرأة نكحت نفسها بغير أذن وليها، فنكاحها باطل! فنكاحها باطل! فنكاحها باطل![9]، فنقول: هذا زنا، وهذا لا يجوز، ولا تحل له، فالذين يوسعون هذه الحقيقة الشرعية: النكاح، يدخلون فيها أشياء ليست منها، فلا بد من ضبط هذه الحقائق الشرعية، فلا نوسعها أكثر مما تحتمل، ولا نضيقها فنخرج منها أشياء تدخل تحتها.

الملحظ الثاني: ينبغي أن نحمل ألفاظ الشارع على ما كان متعارف في عصر نزول الوحي، كما سيأتي في قاعدة توضح هذا إن شاء الله، فإذا قيل: القرية، فالقرية في اصطلاحنا اليوم، في عرفنا اليوم، تطلق على: مجمع البنيان الصغير، والمدينة: مجمع البنيان الكبير، أما في وقت نزول الوحي، فالقرية تطلق على: هذا وهذا.

وكذا قوله تعالى: وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ [يوسف:19]، ما معنى السيارة في عصرنا؟ هي: المركوب المعروف، لكن في عرف المخاطبين، هم: المجموعة من الناس، أو الركب الذين يسبقون القافلة، فهم: مجموعة من الركب، يقال لهم: سيارة،  وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ ، فهؤلاء تقدموا هؤلاء القوم الذين خلفهم؛ من أجل أن يردوا على الماء، فهم: مجموعة من المسافرين، يقال لهم: سيارة، وهكذا، وسيأتي ما يوضح هذا إن شاء الله.

الملحظ الثالث، وهو: أنه ينبغي مراعاة السياق ومقتضى الحال، والنظر في قرائن الكلام عند تفسير ألفاظ الشارع، وضم النظير إلى نظيره، يعني: ما نأتي إلى اللفظة بمجردها ونفسرها بعيدًا عن السياق الذي وردت فيه، ففي قوله تعالى- مثلاً:  ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ  [الدخان:49]، فهل هذه جاءت في سياق التكريم، ويقال له: ما شاء الله أنت عزيز وكريم؟ لا، هذه في مقام الإهانة، والتحقير له، والتبكيت، مع أن لفظة العزيز في أصل معناها تعني: صاحب العزة، والكريم هو: صاحب الجود، والبذل، والعطاء، وليس هذا هو المراد هنا.

وانظر إلى آية النساء، فيما يحرم من النساء، قال تعالى: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ  [النساء:24]، ما المراد بالمحصنات؟ يعني: ذوات الأزواج،  إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ  [النساء:24]، فإذا أخذنا سبايا من الكفار، فإنه ينقطع حبل الزوجية، وعند ذلك على كلام لأهل العلم في مسألة الاستبراء، تستبرأ بحيضة، ثم بعد ذلك ولو كانت ذات زوج يطأها من صارت له، ثم قال:  وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ [النساء:25]، ما المراد بالمحصنات هنا؟ الحرائر،فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ [النساء:25]، ثم قال: فَإِذَا أُحْصِنَّ [النساء:25]، ما معنى أُحْصِنّ؟ يعني: تزوجن،  فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ [النساء:25]، يعني: الحرائر، فانظر! كيف لفظة واحدة يتغير معناها بسبب السياق؟! فلا بد من مراعاة السياق، ومقتضى الحال، وضم النظير إلى نظيره، وكذا: النظر في القرائن.

قال: قاعدة: قول الصحابي مقدم على غيره في التفسير، وإن كان ظاهر السياق لا يدل عليه.

نحن عندنا قاعدة، وهي: أن التفسير إذا ثبت عن النبي ﷺ فإنه لا يلتفت إلى قول أحد سواه، وهنا أيضًا: إذا ثبت التفسير عن الصحابي، وعارضه قول أحد ممن جاء بعدهم، فإننا لا نرد أقوال الصحابة لقول أحد بعد النبي ﷺ، ولو كان ظاهر السياق لا يساعد على قول الصحابي.

نعطيكم مثالاً: الله يقول: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ [الأحقاف:10]، هذه الآية مكية، قال: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، يعني: القرآن، وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فمسروق بن الأجدع يقول: الشاهد هو موسى، عَلَى مِثْلِهِ يعني: شهد على مثله، يعني: التوراة أنها من عند الله[10]، لكن ثبت عن سعد بن أبي وقاص، وعن عبد الله بن سلام، وأيضًا عن عوف بن مالك: أن هذه الآية نزلت في عبد الله بن سلام[11]، وعبد الله بن سلام ، أسلم بعد الهجرة في المدينة، وهذه الآية نازلة في مكة، فانظر! هل السياق يساعد على قول التابعي، وهو: مسروق، أو على قول هؤلاء الصحابة؟ على قول التابعين، فهل نأخذ بقول التابعي ونترك قول هؤلاء الصحابة الذين هم أعلم الناس في القرآن، وعبد الله بن سلام يقول: فيّ نزلت هذه الآية[12].

فنقول: نأخذ بأقوال الصحابة، وإن كان السياق لا يساعد عليه؛ لأنهم أعلم بمعاني القرآن.

وأما من ناحية التخريج، من الناحية الصناعية في هذا العلم، فيمكن أن نقول: من القرآن ما ينزل قبل وقوع حكمه، ولا أقصد بالحكم الحكم الفقهي، وإنما مقتضاه، أو ما يتعلق به، فقد ينزل بعض القرآن قبل وقوع حكمه، وسيأتي ما يوضح هذا إن شاء الله، يعني في قوله تعالى:  سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ  [القمر:45]، عمر يقول: كنت أقول: أي جمع؟ وأي دبر؟ هذا في مكة، أي تولية الدبر؟ ما فيه جموع، ولا فيه جيوش، يقول: حتى رأيت النبي ﷺ يثب في الدرع في يوم بدر، وهو يقول: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ  [القمر:45][13]، فنزلت الآية في مكة، ووقعت في يوم بدر.

وهناك بعض الأمثلة التي قد لا نسلم بها، كما في قوله تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2]، السورة مكية، فبعضهم يقول: هذه الآية مدنية؛ لأنها تتحدث عن صلاة العيد، والنحر للأضاحي، وهذا ما كان إلا في المدينة، نقول: لا، أصلاً ليس هذا معنى الآية، وإنما قوله: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ، كما في قوله: قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:162]، فهذا هو المعنى، لكن لو سلمنا أن المقصود به: صلاة العيد، وذبح الأضاحي، فنقول: هذا مما نزل قبل تشريع الحكم، ولا مانع من هذا، إلى غير ذلك من الأمثلة.

وقوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ۝ وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى:14-15]، بعضهم يقول: هذه الآية في سورة مكية، لكنها نازلة في المدينة، لماذا؟

قالوا: لأنها تتحدث عن صلاة عيد الفطر، فقوله: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى، أي: زكاة الفطر،  وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ ، هذا التكبير قبل العيد،  فَصَلَّى، يعني: صلاة العيد، فنقول: ليس هذا هو المراد، بل: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى، أي: زكى نفسه، وطهرها بالإيمان والعمل الصالح،  وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى، لكن لو قلنا: بأن هذه في صلاة العيد، وفي زكاة الفطر، فنقول: هذا مما نزل قبل تشريع الحكم، ولا مانع من هذا، فانظر! هذا من الناحية الصناعية كيف نخرج هذه الأشياء؟!

قال: قاعدة: إذا اختلف السلف في تفسير الآية على قولين لم يجز لمن بعدهم إحداث قول ثالث يخرج عن قولهم.

بهذا الضابط وبهذا القيد: لم يجز لمن بعدهم إحداث قول ثالث يخرج عن قولهم، يعني: يعود بالتخطئة على القولين؛ لأن هذا أشبه ما يكون بخرق الإجماع، يعني: الصحابة مثلاً، أو السلف، اختلفوا على قولين، وجاء واحد بقول ثالث يخطئ القولين، فنقول: لا يمكن لهؤلاء أن يجمعوا، وتجمع الأمة على معنى، أو معنيين، أي: اختلفوا على قولين، افترقت الأمة على هذه المعاني، وما عرفوا هذا المعنى الذي جئت به، فاجتمعوا على الخطأ في قوليهم، هذا لا يمكن؛ لأنه لا تجتمع هذه الأمة على ضلالة[14]، لكن يمكن أن يأتي إنسان بقول يجمع فيه بين الأقوال، بقول يفصّل فيه، لا يكون خارجًا عن أقوالهم، مثل: لو قال أحد مثلاً: اختلفوا: هل البسملة من الفاتحة أو ليست من الفاتحة؟ هل البسملة في أوائل السور، هي: من السورة أو ليست فيها؟ يمكن لقائل أن يقول: بأن ذلك بحسب القراءة، فمن قرأ بقراءةٍ البسملة آية فيها من السورة، أو من الفاتحة، فهي: منها، ولا يتركها إذا قرأ، ومن قرأ بقراءة لا تكون منها، فإنه له إسقاطها، والسنة والمستحب أن يقرأها، كما قال في المراقي:

وبعضهم إلى القراءة نظر وذلك للوفاق رأي معتبر.

فيجمع بين هذه الأقوال، فهذا لا إشكال فيه، إذا كان القول الثالث بهذه الطريقة.

وأما أن يأتي بقول ثالث، ويقول: كل هؤلاء أخطئوا، وما فهموا، وهذا القول الجديد هو: القول الصحيح، فهذا مردود؛ لأن فيه نسبة جميع الأمة إلى الخطأ، وللأسف يقع في هذا بعض من يتكلم على التفسير العلمي اليوم، ويأتون بأشياء تنقض أقوال السلف، وتعود عليها بالإبطال، ويقول لك: يا أخي! نحن غير ملزمين بأقوال السلف، أنت لماذا تقول لي: انظر أقوال السلف، وارجع إلى أقوال السلف، وبشرط: ألا يخالف أقوال السلف؟! هم فسروا بحسب معطياتهم في زمانهم وعصرهم، ونحن نفسر بحسب المعطيات التي عندنا في عصرنا، ونفهم ما لم يفهموه، وقد يكونون مخطئين، وهم يؤجرون، الله يأجرهم، فنقول له: لا، هذا لا يمكن أبدًا، هذا مستحيل، كيف تجمع الأمة على خطأ، أمة من قرون ما فهموا الآية وفهموها خطأ، وتأتي أنت وتقول: هذا هو المعنى الصحيح، وكل الأقوال السابقة خطأ، وإن اختلفوا فيها على عشرة أقوال، كلها غلط، فهذا لا يمكن، ولا يقول هذا من يعرف السلف، وقدر السلف، ومسائل تتعلق بمبادئ العلوم، فيما يتعلق بالإجماع، وخرق الإجماع، وما أشبه ذلك.

ففي قوله تعالى مثلاً:  وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ ۝ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا [الحجر:14-15]، في القراءة الأخرى:  لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِرَتْ أَبْصَارُنَا، بالتخفيف، فالسلف اختلفوا على قولين:  وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ ، يعني: أن المشركين ظلوا يعرجون إلى السماء.

والمعنى الثاني: ظلوا فيه، يعني: الملائكة، والناس يرونهم يصعدون،  لَقَالُوا، يعني: المشركين، إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا، هذا على سبيل المكابرة، فالله يذكر مكابرة هؤلاء أنهم لا يمكن أن يؤمنوا:  وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ [يونس:97]، فأصحاب الإعجاز بعضهم يقول: لا، ليس على سبيل المكابرة، هم لما يرتفعون من الغلاف، ويفارقون الغلاف الجوي، يصيرون إلى ظلمة، فإذا صاروا إلى ظلمة، سيستغربون، ويقولون: أين ذهبت أبصارنا؟ لماذا لا نبصر؟ والله يذكر هذا السياق، ويدل على أنه في المكابرة، وكلام السلف في هذا، وهؤلاء يقولون: لا؛ لأنهم يصيرون لا يرون شيئا؛ لأن الظلمة تامة، فهذا من الإعجاز، فنقول: هذا ممنوع، وليس منه، وهذا القول الذي ذكرتموه غلط؛ لأنه يعود إلى أقوال السلف بالإبطال.

وفي قوله تعالى:  وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ  [الذاريات:47]، كلام أهل العلم واحد، بأن هذا خبر عن خلق السماوات والأرض: أن الله وسعها، وأصحاب الإعجاز بعضهم يقول: هذا وعد في المستقبل: أن الكون لا زال يتوسع، وتولد مجرات جديدة، فنقول: هذا الكلام: كونها تولد مجرات جديدة، أو ما تولد مجرات جديدة، قضية لا شأن لنا بها، لكن تفسر الآية بهذا لا، بل هذا خبر عن الماضي، أن الله خلقها فوسع خلقها، كل أقوال أهل العلم سلفًا وخلفًا يقولون بهذا، فكيف تأتي بقول يخرق أقوالهم، ويعود إليها بالإبطال، وكلهم أخطأوا، وجئت أنت بالمعنى الصحيح، لا يمكن تُجَهِّل الأمة، أعلم الناس بالقرآن أصحاب النبي ﷺ، ثم التابعون، وتأتي وتقول كل هؤلاء ما فهموا، فهذا لا يمكن، فهذه أمثلة.

قال: قاعدة: في تفسير القرآن بمقتضى اللغة يراعى المعنى الأغلب والأشهر والأفصح دون الشاذ أو القليل.

هذه القاعدة يرددها كبير المفسرين أبو جعفر ابن جرير -رحمه الله- كثيرًا في تفسيره، وهو: من أنفع التفاسير في تنمية الملكة، وتدريب طالب العلم على صحة النظر في التفسير؛ لما يذكر من القواعد، ويطبق عليها الأمثلة في مواضع كثيرة جدًا في الكتاب، وهذه من أكثر القواعد التي يرجح بها بعض الأقوال على بعض، فيجب أن يراعى المعنى الأغلب، يعني: المتبادر إلى الذهن، والمعنى المشهور، والأكثر تداولاً، دون المعنى المغمور، فإن هذا خلاف الأصل؛ ولهذا تجده في كثير من الأحيان يقول: "ولا نستجيز غير هذا القول؛ لأنه لا يجوز تفسير القرآن إلا بالأشهر المعروف من لغات العرب، دون النادر أو القليل أو الشاذ"[15]، فكثيرًا ما يردد مثل هذا الكلام -رحمه الله.

وأما الأمثلة، ففي قوله تعالى: لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا [النبأ:24]، البَرْد معروف، هو: ما يبرد الجسم، أي: برودة، برودة الهواء وغيره، وبعضهم يقولون:  لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا يعني: نومًا، لا ينامون في النار[16]، من أين هذا المعنى جاء؟ قالوا: هذا موجود في اللغة، ويوجد له شاهد، أو شواهد: أن البرد يقال للنوم، وذلك أن الإنسان إذا كان يعاني من شدة العطش، فماذا يفعل؟

ينام، فيُبَرِّد عليه ذلك حر العطش، فالصائم مثلاً ماذا يفعل إذا أشتد عليه العطش؟ ينام، فيطفئ ذلك شدة العطش، فقوله: لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا، قالوا: المقصود: النوم، لا ينامون، هل هذا هو المعنى المشهور المتبادر، وإن كان هذا له وجه في اللغة، لكن هل هذا هو المعنى المشهور؟

الجواب: لا، المعنى المشهور: البرد: ما يبرد الجسم، فهم في حميم، فلا يجدون فيها ما يبرد أجسامهم، وإنما يجدون لا يحرقها، فنحمل الآية على هذا المعنى المشهور المتبادر إلى الأذهان عند الإطلاق.

وفي قوله تعالى: لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً [آل عمران:28]، فالكلام الذي يقوله السلف في قوله:  إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً يعني: بالمصانعة بالقول، وبالكلام الجميل، وبالملاطفة لهم؛ من أجل دفع صائلتهم وشرهم عن المسلمين، يعني: بالمداراة لهم، وقتادة -رحمه الله- يقول: إلا أن يكون بينك وبينه قرابة فتصله لذلك[17]، هذا وإن صح في اللغة إلا أنه خلاف المعنى المتبادر إلى الأذهان، إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً يعني: تتقيه بشيء من المصانعة والملاينة بالقول.

قال: قاعدة: تحمل نصوص الكتاب على معهود الأميين في الخطاب.

هذه قاعدة عظيمة ومهمة: تحمل نصوص الكتاب على معهود الأميين في الخطاب، والمقصود بالأميين: أولئك الذين خوطبوا بالقرآن من أصحاب النبي ﷺ، فما هو معهودهم في الخطاب؟ كيف يفهمون من هذا اللفظ، أو من هذا التركيب، أو من هذا الخطاب؟ فتحمل على معهودهم، وبهذا نعرف ما وقع من أخطاء وانحرافات في تفسير كلام الله -تبارك وتعالى- لدى طوائف ممن ينتسب إلى هذه الأمة، فمن ذلك: أولئك الذين أضافوا إلى القرآن كل علم للمتقدمين والمتأخرين، وتمحّلوا في حمل ألفاظ القرآن على معانٍ لا يدل عليها، باعتبار: أنه متضمن لجميع العلوم.

وهكذا أيضًا: ينبني على هذه القاعدة: أنه يجب الاقتصار في فهم القرآن على كل ما يضاف علمه إلى العرب خاصة، فبهذا يوصل إلى علم ما أودع فيه من الأحكام الشرعية، كما يقول الشاطبي[18]-رحمه الله، فهناك أشياء لا تمت للعرب بصلة، مثل: حساب الجُمَّل، كما سيأتي إن شاء الله.

فحساب الجُمَّل: كل حرف يعطى قيمة عددية، من الألف إلى الياء، فيأتي بعض الناس إلى الحروف المقطعة في أوائل السور، ويستخرجون منها عمر الأمة، وبعض الوقائع، فيقول: الأمة تعيش إلى كذا، تبقى إلى كذا، قيام الساعة سيكون في وقت كذا، بناءً على هذا النوع من الحساب، الذي يقال له: حساب الجُمَّل، يعني: حساب الجُمَّل هذا هكذا: أ = 1، ب تعني: رقم 2، وهكذا، ففيها: آحاد، وعشرات، ومئات؛ ولهذا تجدون في بعض المنظومات، يقول بعض العلماء نظمتها وأنا ابن كذا، يذكر حرفين، يقصد به هذا، يشير إلى هذا الحساب، وهذا من علوم اليهود، وليس من العلوم التي يعرفها العرب، ولا تنسب إليهم بحال، فلا يجوز أن يفسر به القرآن، هذا هو المقصود، فإذا جاءنا نفسر الحروف المقطعة، لا نفسرها بحساب حروف الجُمَّل.

وهكذا مما ينبني على هذا: أنه لا بد في فهم الشريعة من مراعاة معهود الأميين في الخطاب، فإن كان للعرب، وهم الأميون، في لسانهم عرف مستمر، فلا يصح العدول عنه في فهم الشريعة، وإن لم يكن لهم عرف في ذلك، فلا يصح أن يُجرى في فهمها على ما لا تعرفه العرب، وهذا جارٍ في المعاني والألفاظ والأساليب، وبهذا رد على الفلاسفة، يعني: لو تقرؤون في كلام الفلاسفة الذين فسروا القرآن، فالتفسير الإشاري منه نوع فلسفي، مبني على ثقافة فلسفية، مثل: تفسيرات إخوان الصفاء، والحلاج، وابن سبعين، والتلمساني، وابن الفارض، وأمثال هؤلاء، فهؤلاء يذكرون معان فلسفية، يعني: لو ذكرناها لكم يمكن لا تفهمون شيئًا من الكلام، ولو قرأت على الصحابة لا يفهمون شيئًا، ففسروه بعلم أجنبي، وهو: الفلسفة اليونانية، فهل يصح هذا؟ وهل يجوز؟

أبدًا؛ ولذلك جاؤوا بأشياء من الكفريات العظيمة، التي قالوا: إن القرآن قصدها وعناها بهذه الآيات، فهذا غير صحيح.

وكذلك: في مقام الإفهام هذه الشريعة أمية سهلة واضحة، فلا يصح أن نعقد هذه الشريعة، كما فعل المتكلمون حينما درسوا المنطق اليوناني والفلسفة، فجاؤوا بالمصطلحات والأمور الصعبة التي فيها غموض وإغلاق كثير من جهة الألفاظ والمعاني، وكما قيل: إذا أردت أن تقتل الفيلسوف ماذا تصنع به؟ يقولون: ضعه بين العوام، يتكلم وهم يتهمونه بالجنون، لا يفهمون شيئًا، فهؤلاء الذين يتكلمون عن الشريعة بطريقة في غاية من الصعوبة والغموض، بحيث لا يفهم كلامهم، هذا خلاف طريقة القرآن، والله يقول: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ  [القمر:17]، فهذه الشريعة أمية.

وهكذا: فيما يتعلق بالأحكام، ما يحتاج نقول في ثبوت الشهور، في رمضان والحج ونحو ذلك: يثبت بالحساب الفلكي، من يعرف الحساب الفلكي؟ هذه الشريعة أمية.

فهذه الشريعة الأمية تصلح للذي يعيش في الصحراء مع غنمه، وتصلح للذي يعيش في المدينة، تصلح في كل زمان ومكان، فلا يطلب فيها ما هو خارج عن هذه القُدَر والإمكانات المتاحة للجميع، نقول: يكفي بالنظر إلى الأهلة، ولا مانع من استخدام المكبر لرؤية الهلال، لا مانع، لكن لا يجب، وأما الحساب الفلكي، وإثبات الشهور بالحساب، فهذا لا يصح بحال من الأحوال.

قال: قاعدة: كل معنى مستنبط من القرآن غير جارٍ على اللسان العربي، فليس من علوم القرآن في شيء.

كل معنى مستنبط من القرآن غير جارٍ على اللسان العربي، فليس من علوم القرآن في شيء، الملاحدة ماذا فعلوا في تفسير القرآن، من الزنادقة، من الباطنية والقرامطة، وأمثال هؤلاء؟ عبثوا بالقرآن، فهذا رجل يقال له: بيان بن سمعان النهدي، رئيس لطائفة من طوائف أهل الضلال، يقال لها: البيانية، يقول في قوله تعالى: هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ [آل عمران:138]، يقول: أنا المقصود بها؛ لأن اسمه بيان، فيقول: أنا المقصود بها، فهل هذا جارٍ على لسان العرب؟! أو ذاك الذي يقول: القرآن فيه كل شيء، فقال له واحد اسمه: كوك، وهو: أعجمي، قال له: أين أنا في القرآن؟ قال:وَتَرَكُوكَ قَائِمًا [الجمعة:11]، وحرفها: وترى كوك قائمًا، فهل هذا هو المراد؟! هل هذا جارٍ على اللسان العربي؟ لا، لكن هؤلاء قالوا: في القرآن كل شيء.

فهؤلاء الملاحدة عبثوا بالقرآن، هذا يقول في قوله:  هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ، يقول: بيان: هذا بيان بن سمعان، وهو: يعني نفسه.

والثاني: هذا القرمطي الباطني الذي هو: عبيد الله الشيعي، الذي ملك المغرب، وهو: من القرامطة، له كالوزيرين من كُتَّامه، واحد لقبه: نصر الله، والثاني لقبه: الفتح، وقال: أنتما من عنى الله بقوله:  إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر:1]، طيب! وما المراد بها قبل ولادتهم، قبل ولادة هذا: نصر الله، والثاني: الفتح؟! فهل هذا هو المراد بقوله: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ؟!

وكذلك الآخر الذي يقال له: أبو منصور، وتنسب إليه طائفة من أهل البدع يقال لها: المنصورية، فيقال له: أبو منصور الكسف، يلقب: بالكسف، يقول: أنا المراد بقوله تعالى: وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ [الطور:44]، يقول: أنا المقصود بهذه الآية، طيب! وما المراد بها قبل ولادتك، فهي: موجودة، ويقرأها الناس؟!

فهؤلاء يتلاعبون بألفاظ القرآن، ومعاني القرآن، ويجترئون هذه الجراءة.

وهكذا بعض الفقهاء الذي شط في فهمه، وأباح تزوج تسع نسوة، أي: أن يجمع الإنسان بين تسع، من قوله تعالى: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ [النساء:3]، بالإجماع أن المراد بقوله:  مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ، أنه على التخيير، لا على سبيل الجمع بين هذه الأرقام، فهو: جمع بين اثنتين وثلاث، فصار الناتج: خمس، وأربع، صار تسع، فهذا فهم أعجمي، ليس هو المراد، فقال بهذا القول الذي لم يقل به أحد من أهل العلم، وخرق به الإجماع.

وهكذا في قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ  [المائدة:3]، وجد من قال: بأن الذي يحرم هو: لحم الخنزير، واللحم هو: الأحمر المعروف، وأما الشحم فهو جائز، فهذه الدهون التي توضع في الحلويات، وفي كثير من المواد، ومن مستحضرات التجميل، والمنظفات، ونحو ذلك، هذه جائزة؛ لأنها من دهون الخنزير، من الشحم، فالشحوم والعصب عظام الخنزير وغير ذلك كلها جائزة؛ لأن الله قال:  وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ ، نقول: هذا بعيد عن الفهم العربي؛ لأن العرب إذا أطلقت اللحم فإنها تقصد به هذا وهذا، الأحمر والأبيض، هذا عند الإطلاق، فهذا فهم: أن اللحم هو ما يتعارف عليه الناس اليوم، وهو الأحمر فقط، وهذا غلط، فهذا غير جارٍ اللسان العربي.

وهكذا أولئك الذين يلون أعناق النصوص من أصحاب البدع، والعقائد الفاسدة، من المعتزلة وغيرهم؛ لتوافق عقائدهم، مثلاً في قوله تعالى:  وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ  [الأعراف:179]، فالقدرية الذين ينفون القدر ماذا يقولون؟ يقولون:  وَلَقَدْ ذَرَأْنَا ، يعني: ألقينا، مثل: تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ [الكهف:45]، أي: تلقيه، وَلَقَدْ ذَرَأْنَا أي: ألقينا في جهنم كثيرًا من الجن والإنس، وتلك من: ذرى، وهذه من: ذرأ، ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ يعني: خلقنا لجهنم، فهؤلاء عندهم مشكلة؛ لأنه كيف يقدر الله عليهم أنهم في النار؟! فيكون ظالمًا لهم، والله  ليس بظالمٍ لهم؛ لأن الله عليم حكيم، فلاحظ! كيف حرفوها، فجعلوها من: ذرى، وهي: من مادة أخرى: ذرأ، يعني: خلق.

وهكذا في قوله:  وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى [طه:121]، الذين يقولون: إن الأنبياء لا يقع منهم معصية، يقول:  فَغَوَى ، من: غوي الفصيل، إذا شرب من اللبن، وأكثر حتى انتفخ بطنه، ويقال له: بشم، بينما هذه من: غوي الفصيل، والآية من غوى، والغواية يعني: المعصية، والخروج عن طاعة الله ، فلاحظ! جعلها من مادة أخرى؛ من أجل أن توافق عقيدة عنده.

وفي قوله: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً [النساء:125]، الذين ينفون المحبة لله يقولون في قوله: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً، والخلة مرتبة عالية من مراتب المحبة، فالذين ينفونها قالوا: هذه ليست من الخُلَّة، بالضم، قالوا: بل هذا من الخَلَّة، بالفتح، وهي: الفقر، اتخذه فقيرًا، لكن ما مزية إبراهيم على غيره من الناس؟ كل الناس فقراء إلى الله، يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ  [فاطر:15]، فحرفوها من أجل عقيدتهم.

وفي قوله تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء:164]، وستأتي قاعدة، وهي: أن التأكيد بالمصدر ينفي احتمال المجاز، فهنا قال:  تَكْلِيمًا، أي: تكليم حقيقي، وهم يقرون بالقاعدة، أعني: المعتزلة، ومع ذلك قالوا: كلمه تكليمًا، أي: جرحه بمخالب الحكمة، على أساس أنهم ينفون صفة الكلام عن الله ، جرحه بمخالب الحكمة، أي: من الكَلْم، وهو: الجرح، فهذا عبث بكتاب الله .

وقالت الباطنية في قوله:  وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ [النمل:16]، قالوا: الإمام ورث النبي، وفي قوله:إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158]، الصفا: النبي، والمروة: علي، وفي قوله:  مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ [الرحمن:19]، علي وفاطمة، وفي قوله:  يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ [الرحمن:22]، يعني: الحسن والحسين، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً [البقرة:67]، قالوا: عائشة -قبحهم الله.

وأما الصيام عند الباطنية فمعناه: كتمان أسرار المذهب، والصلاة: مناجاة الولي، والحج: قصد الولي، وهكذا، فحرفوا هذا جميعًا.

وكذلك أصحاب التصوف، عندهم ما يسمى: بالتفسير الإشاري، ففي قوله: فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا [البقرة:22]، قالوا: هي النفس الأمارة، وقالوا في قوله تعالى أيضًا:  قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ  [التوبة:123]، قالوا: هي النفس تذبح بسكين الطاعة، وفي قوله:  إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً  [البقرة:67]، قالوا: هي النفس، وفي قوله:   قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ  [البقرة:68]، قالوا: هذا الصوفي ليس في شرخ الشباب والطيش، ولا في سن الكهولة والضعف والعجز، بل هو وسط،  عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ  وفي قوله:  قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ [البقرة:69]، قالوا: هي صفرة أصحاب الرياضة النفسية، صفرة عبادة، ما هي صفرة مرض، وفي قوله: قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ ۝ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا [البقرة:70-71]، قالوا: هذا الصوفي، ما هو صخاب في الأسواق، يذهب ويجيء في الأسواق، بل هو جالس في خلوة، يتعبد بعيدًا عن الأسواق، والاشتغال بالدنيا.

وأحيانًا يُقَطِّعُون الآية، ففي قوله:  مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255]، يقولون: من ذل ذي، انظروا إلى هذه العجمة، ذل، يعني: يقولون: أذل، ذي، يعني: النفس، يشفَى، يعني: يبرأ، عوا، يعني: افهموا، لاحظت! كيف تقطيع الآية؟! ففي قوله:  مَنْ ذَا الَّذِي، هو يقول: من ذل، يعني: أذل، ذي، يعني: النفس، وقوله: يَشْفَعُ، قطع العين لحالها، فيقول: يشفى، يعني: يبرأ، وجعل العين بمعنى: عوا، يعني: افهموا، فعل أمر، فيقولون: من أذل ذي، يعني: النفس، يشفى: يبرأ، عوا: افهموا، من وعى.

وماذا يقولون في قوله:  إِلَّا بِإِذْنِهِ ؟! فهذا فيه جرأة على الله ، فهذا من تفسيرات الصوفية الذي يسمونه: التفسير الإشاري، نسأل الله العافية.

وهكذا: الذين يتكلمون على حساب الجمل، وذكرت لكم الكلام على هذا.

وهكذا: الذين يحملون الرسم العثماني ما لا يتحمل، والرسم العثماني ما هو توقيفي، وأقصد بتوقيفي: أن النبي ﷺ لم يأمرهم، ولم يعلمهم هذه الطريقة في كتابة المصاحف، بل هو شيء اصطُلِح عليه، وكُتِبَ هكذا في عهد عثمان ، فليس ذلك من توقيف الشارع، وليس ذلك بأمر الشارع لهم، فجاء من كتب كتابًا كاملاً في أسرار الرسم العثماني، واستنبط معاني غريبة عجيبة بناء على الرسم العثماني، لماذا هنا ذكر حرف زيادة، وهناك نقص حرف؟ وبنى عليها شواهق، مثلاً: في قوله تعالى: سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ [العلق:18]، كيف مكتوبة في المصحف؟ مكتوبة بالعين بدون واو، لماذا لم تذكر الواو: سندعو؟ قال: هذا يدل على سرعة الأخذ، فبمجرد ما يُدْعَى الزبانية يأتون بسرعة ويأخذونه؛ لذلك ما ذكر الواو، فهذا عنده: أنه معنى عظيم أتى به، ويقول: إن الصحابة ما لهم حرف في الرسم العثماني، هذا يقال له: ابن اللبان، له كتاب اسمه: أسرار الرسم العثماني، وهذا الكلام غير صحيح، وأتى بأمثلة كثيرة جدًا، فيقول هنا: هذا فيه سرعة الفعل، وسرعة الإجابة والأخذ، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله، وصحبه.

  1.  ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية، (ص: 13) وقال: (حديث حسن)، وأخرجه ابن ماجه، أبواب السنة، باب فيما أنكرت الجهمية، برقم (181)، بلفظ: ضحك ربنا، انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (6/732)، رقم(2810).
    وصفة العجب ثابتة لله تبارك وتعالى بغير هذا، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ، قال: عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل، كتاب الجهاد والسير، باب الأسارى في السلاسل، برقم (3010)، وفي صحيح مسلم، عن أبي هريرة ، أن النبي ﷺ قال: قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة، كتاب الأشربة، باب إكرام الضيف وفضل إيثاره، برقم (2054).
  2. انظر: تفسير الطبري (10/ 61-62).
  3. أخرجه أبو داود، كتاب الطهارة، باب في إتيان الحائض، برقم (264)، والترمذي، أبواب الطهارة عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في الكفارة في ذلك، برقم (136)، والنسائي، كتاب الطهارة، باب ما يجب على من أتى حليلته في حال حيضتها بعد علمه بنهي الله عن وطئها، برقم (289)، وابن ماجه، أبواب الطهارة وسننها، باب في كفارة من أتى حائضا، برقم (640). وصححه الألباني في صحيح أبي داود، (2/ 15)، برقم (257).
  4. أخرجه مسلم، كتاب الفضائل، باب فضل نسب النبي ﷺ، وتسليم الحجر عليه قبل النبوة، برقم (2277).
  5. أخرجه البخاري، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، برقم (3583).
  6. أخرجه مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر، برقم (3012).
  7. أخرجه البخاري، كتاب الزكاة، باب صلاة الإمام، ودعائه لصاحب الصدقة، برقم (1497)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب الدعاء لمن أتى بصدقته، برقم (1078).
  8. أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب بيع الدينار بالدينار نساء، برقم (2178)، ومسلم، كتاب المساقاة، باب بيع الطعام مثلا بمثل، برقم (1596).
  9. أخرجه أبو داود، أول كتاب النكاح، باب في الولي، برقم (2083)، والترمذي، أبواب النكاح عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء لا نكاح إلا بولي، برقم (1102)، وقال: هذا حديث حسن، وابن ماجه، أبواب النكاح، باب لا نكاح إلا بولي، برقم (1879)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/ 526)، برقم (2709).
  10. أخرجه الطبري في تفسيره، (22/ 102).
  11. أخرجه البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب مناقب عبد الله بن سلام ، برقم (3812).
  12. أخرجه الترمذي، أبواب المناقب عن رسول الله ﷺ، باب مناقب عبد الله بن سلام ، برقم (3803)، وقال: هذا حديث غريب إنما نعرفه من حديث عبد الملك بن عمير، وانظر: ضعيف سنن الترمذي (ص: 511).
  13.  أخرجه الطبري في تفسير (22/ 602).
  14. أخرجه أبو داود، أول كتاب الفتن، ذكر الفتن ودلائلها، برقم (4253)، وابن ماجه، أبواب الفتن، باب السواد الأعظم، برقم (3950)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/367)، برقم (1786).
  15.  انظر: تفسير الطبري (12/ 322).
  16. انظر: المصدر السابق (24/ 163).
  17. أخرجه الطبري في تفسيره، (6/ 316).
  18. انظر: الموافقات (2/ 130-131).

مواد ذات صلة