السبت 21 / جمادى الأولى / 1446 - 23 / نوفمبر 2024
(04) المقدمات في الأسماء الحسنى المجلس الخامس
تاريخ النشر: ١٣ / ذو القعدة / ١٤٢٨
التحميل: 6621
مرات الإستماع: 3230

بسم الله الرحمن الرحيم

أسماء الله الحسنى

(4) المقدمات في الأسماء الحسنى: المجلس الخامس

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فالرابع عشر: وهو ما نذكر فيه بعض القواعد والضوابط المتصلة بأسماء الله وصفاته، ومن هذه القواعد والضوابط ما مضى في ثنايا الشرح والتوضيح للقضايا السابقة، لكن ذكرها مسرودة يسهل حفظها، وفهمها بإذن الله -تبارك وتعالى-.

القاعدة الأولى: أن أهل السنة يثبتون ما أثبته الله لنفسه في كتابه، أو أثبته له رسوله -صلى الله عليه سلم- من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.

من غير تحريف أي: أنهم لا يحرفون معانيها فيحملونها على معانٍ غير مرادة لله -تبارك تعالى-، وذلك تحت دعاوى التنزيه أو غير ذلك مما سموه تأويلاً؛ ليُقبل، فيقولون فمثلاً: الرحيم لا يتضمن صفة الرحمة، ويفسرون صفة الرحمة بإرادة الإحسان، ويقولون مثلاً في صفة الاستواء: إن معنى ذلك الاستيلاء، استولى على العرش، فهذا هو التحريف.

وأما التعطيل فهو تعطيله -تبارك وتعالى- من أسمائه الحسنى أو من صفاته الكاملة، فيقولون: الله -تبارك وتعالى- ليس له أسماء مثلاً، أو يقولون: ليس له أوصاف، أو أنهم يعطلونه من بعض أوصاف الكمال، ويثبتون بعضاً مما يدعون أن العقل أثبته، فيقولون مثلاً كالمعتزلة: الله -تبارك وتعالى- لا يتصف بصفة إطلاقاً، وطوائف من أهل الكلام أثبتوا له بعض الصفات كالأشاعرة أثبتوا سبعاً، ومنهم من أثبت أكثر من ذلك على تفاوت فيما بينهم، وكل أولئك الذين حرفوا قد وقعوا في التعطيل؛ لأنه حينما يحرف الصفة عن معناها الذي دلت عليه فهو عطل أولاً، ثم حرف ثانياً.

من غير تكييف أي: لا نكيف الصفة لا نقول: كيف يد الله؟ وكيف وجه الله؟، كيف ينزل ربنا إلى السماء الدنيا؟ وكيف استوى على العرش؟ فالكيف ممنوع؛ لأنه من أمور الغيب، ولا نحيط بالله -تبارك وتعالى- علمًا، لكننا نثبت المعاني على الوجه اللائق بجلاله وعظمته من غير تكييف، ولا تمثيل، يعني أننا لا نمثل صفات الله -تبارك وتعالى- بصفة المخلوقين، فلا نقول: سمعه كسمعنا، وبصره كبصرنا، واستواؤه كاستواء المخلوق ونحو ذلك، فهذا لا يجوز، ومن سلم من هذا فقد سلم من العلل والآفات التي أوقعت طوائف من أهل الضلال والبدع فيما وقعوا فيه من الانحرافات.

القاعدة الثانية: أن ننفي ما نفاه الله عن نفسه في كتابه، أو نفاه عنه رسول الله ﷺ مع اعتقاد ثبوت كمال ضده لله -جل وعلا-، فالله نفى عن نفسه مثلاً السِّنة والنوم لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌالبقرة:255، فنحن ننفي عنه السِّنة والنوم، ونفى عن نفسه الظلم، فالله لا يظلم الناس شيئاً.

ونفى عن نفسه -تبارك وتعالى- التعب واللغوب وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍق:38، فنفي كل ذلك، وهذا النفي يتضمن ثبوت كمال ضده، المخلوق قد يُنفى عنه بعض النقائص ولكن هذا لا يعني أن نثبت له كمال الضد، فتقول: هذه السارية لا تَجهل، لكن هل هذا فيه إثبات العلم لها؟

الجواب: لا، تقول: هذه السارية لا تنام، هل في هذا إثبات كمال اليقظة لها؟

الجواب: لا، تقول: هذه السارية لا تظلم، هل في هذا إثبات كمال العدل لها؟

الجواب لا، أما الله -تبارك وتعالى- فإنه إذا نُفي عنه النقص فإن ذلك يستلزم أو يتضمن ثبوت كمال ضده.

تقول: فلان لا يظلم الناس، هل هذا لكمال عدله؟

قد لا يظلم؛ لأنه يخاف، أو لأنه عاجز، كما قال الشاعر:

قُبَيِّلةٌ لا يغدرون بذمةٍ *** ولا يظلمون الناس حبةَ خردلِ([1])

هو يهجو قبيلته أنهم ضعفاء لا يستطيعون الظلم عجزاً وضعفاً ولو قدروا فإنهم يظلمون كغيرهم، أما الله -تبارك وتعالى- فحينما يُنفى عنه شيء من هذه النقائص كقوله: لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌالبقرة:255، فإن ذلك فيه نفي السِّنة والنوم وهو يتضمن ثبوت كمال حياته وقيوميته، وحينما تقول: لا يظلم الله الناس شيئاً فإن هذا يتضمن ثبوت كمال عدله مع أنه نفي للظلم عنه، وحينما يقول: وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍق:38، فإن ذلك يتضمن ثبوت كمال قوته واقتداره -- خلق السموات والأرض، وهذه الأفلاك العظيمة وما مسه تعب فهذا لكمال قوته وقدرته.

والمقصود: أن هذه الأمور المنفية عن الله، أو عن كتابه أو عن رسوله ﷺ فإن ذلك يتضمن ثبوت كمال أضدادها، فإذا قال الله -تبارك وتعالى- مثلاً عن القرآن: ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ البقرة:2، فكما أنه صريح في نفي الريب عنه فهو يتضمن أنه متضمن لكمال اليقين، فمن أراد اليقين فعليه بهذا القرآن، ليس فيه ما يوجب الريب، وليس فيه تناقض ولا تعارض، وليس فيه أمور واهنة إذا نظر إليها الإنسان ارتاب، بل فيه البراهين الساطعة والواضحة، والأدلة القوية الدالة على وحدانية الله وكماله وصدق ما جاء به رسله -عليهم الصلاة والسلام-، وما إلى ذلك من الحقائق الكبرى، وهكذا.

القاعدة الثالثة: هي أن ما يطلق على الله في باب الأسماء والصفات توقيفي، وما يطلق في باب الإخبار لا يجب أن يكون توقيفيًّا -كما سبق-، ومعنى التوقيفي هو ما يتلقى من الوحي ولا مجال للاجتهاد، ولا للعقول في إثباته استقلالاً، مع أن العقل قد يدرك إثبات بعض أوصاف الكمال، فالعقل يدرك أن الله -تبارك وتعالى- حي، وأنه عليم وأنه قدير وأن له المشيئة الكاملة، وما إلى ذلك من أوصاف الكمال التي للعقل فيها مدخل، فهذا الكون باتساعه ودقته، وما يحصل فيه من تكوير الليل على النهار والنهار على الليل، كل ذلك على نسق عجيب دقيق، يدل على خالق قدير، عليم، حي، يفعل ما يشاء، ونحو ذلك من الأوصاف التي تدركها العقول، لكن هناك أشياء -كما سيأتي- لا تدركها العقول.

المقصود أن نفهم في هذه القاعدة أن باب الأسماء والصفات مبني على التوقيف، لا نثبت لله لا اسماً ولا وصفاً بالعقل على سبيل الاستقلال، لكن يمكن أن نتحدث عن بعض الصفات، ونقول: هذه ثابتة بالنقل والعقل والفطرة

 

باب الأسماء والصفات مبني على التوقيف، لا نثبت لله لا اسماً ولا وصفاً بالعقل على سبيل الاستقلال، لكن يمكن أن نتحدث عن بعض الصفات، ونقول: هذه ثابتة بالنقل والعقل والفطرة

 

، نتحدث عن العلو مثلاً عن علو الله نقول: هذا ثابت بالنقل: يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْالنحل:50، الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىطه:5، وأنواع الأدلة الموجودة في القرآن والسنة، التي تدل على علو الله على خلقه وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُالبقرة:255.

ونثبت ذلك أيضاً بالعقل، فالعقل له مدخل في هذا، وكذلك الفطرة ما دعا داعٍ فقال: يا الله إلا وجد في نفسه ضرورة لطلب العلو، فالفطر تدرك ذلك، إذن أسماؤه وصفاته توقيفية كما قال السفاريني في منظومته المعروفة:

لكنها في الحقِّ توقيفية *** لنا بذا أدلة وفيّة

القاعدة الرابعة: منهج السلف -أعني أهل السنة والجماعة - وأرضاهم- هو التوقف في الألفاظ المجملة التي لم يرد إثباتها ولا نفيها، فلا يطلقونها ابتداء، ولا يقبلونها ممن أطلقها بإطلاق، يعني لا يقبلونها قبولاً مطلقاً ولا يردونها بإطلاق، وإنما يستفصلون من القائل، هم لا يستعملونها ولا يطلقونها ولا يعبرون بها، وإنما يعبرون بالألفاظ الشرعية الواردة في القرآن والسنة، لكن إذا أطلقها غيرهم كما يفعل طوائف من أهل الكلام، فإن أهل السنة لا يردونها بإطلاق ولا يقبلونها بإطلاق، وإنما يستفصلون من القائل، هذا اللفظ المجمل يحتمل أن يراد به معنى صحيح، ويحتمل أن يراد به معنى باطل، فهم لا يستعملون هذا اللفظ، ولكنهم لا يبادرون في قبوله ولا رده، فيستفصلون ممن أطلقه، فينظرون فإن أريد به باطل ينزه ربنا -تبارك وتعالى- عنه رُد، وإن أريد به حق لا يمتنع على الله قُبل مع بيان ما يدل على المعنى الصواب من الألفاظ الشرعية، والدعوة إلى استعماله مكان هذا اللفظ المجمل الحادث.

مثل: لفظ الجهة تجد الكثير من المتكلمين يقولون: الله ليس في جهة، يقولون: نحن ننفي الجهة عن الله -تبارك وتعالى-، أهل السنة لا يقولون: نحن نثبت الجهة لكن حينما يقول قائل: نحن ننفي الجهة يقولون: ماذا تقصد؟ إن كنت تقصد بالجهة أي العلو فهذا باطل ومردود؛ لأن الله متصف بالعلو، ولكن هذه اللفظة التي استعملها لفظة محدثة تحتمل الحق والباطل، وإن قصدت بالجهة جهة مخلوقة تحصره فالله أجل وأعظم من أن يحيط به شيء من خلقه، أهل السنة والجماعة إذا قبلوها من قائلها ممن أطلقها إذا قصد بها ما فوق العالم، أن الله فوق الخلق بائن منهم، لا يحيط به شيء من المخلوقات فهذا معنى صحيح، ولكن يقولون له: هذا اللفظ لا يستعمل، هذا اللفظ لم يرد، هذا اللفظ يحتمل الحق والباطل، ويرشدونه إلى الألفاظ الشرعية، وأن الله متصف بالعلو والفوقية. 

القاعدة الخامسة: أن الإثبات فيما يتعلق بالصفات يكون على سبيل التفصيل، وأما النفي فيكون على سبيل الإجمال، إثبات مفصل، ونفي مجمل، وهذا هو غاية الكمال والمدح، التفصيل في الإثبات تقول: الله سميع، عليم، حكيم، رحيم، قدير إلى آخر أوصاف الكمال، فهذه كمالات كثيرة جدًّا والمخلوق لا يحصي ثناء على الله؛ لكثرة أوصاف الكمال، منها ما نطلع عليه، ومنها ما لم نطلع عليه.

أما في النفي فإنهم ينفون نفيًا مجملاً لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌالشورى:11، وأما الإثبات وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ الشورى:11، ففيه تفصيل، يذكرونها مفصلة يعددون أوصاف الكمال، لكن في النقص لا يحتاج أن ينفي عنه فيقول: إن الله ليس بظالم، ولا كذا، ولا كذا، ولا أحب أن أعبر بهذا، فمثل هذا لا يكون مدحاً، والعلماء -رحمهم الله- قالوا: لو جاء رجل إلى عظيم من العظماء، إلى ملك من الملوك وأراد أن يمدحه بالنفي على سبيل التفصيل، فقال له: لستَ بزبال، ولا كناس، ولا ظالم، ولا جبار، ولا مريض، ولا دنيء، ولا سيئ، هل يقبل منه مثل هذا؟

هذا غير مقبول، هذا إزراء به، وإساءة إليه، لكن يقول له: ليس في الملوك مثلك، ليس في الناس مثلك، أو نحو ذلك من النفي المجمل، ليس فيك وصف يعاب مثلا من أوصاف الناس، لكن فيه مبالغات في هذا الكلام، لكن أقصد لو أراد أن يمدح فإنه يتكلم بهذه الطريقة، لكن أن يأتي إليه وينفي عنه أوصاف النقائص بهذا التفصيل الذي ذكرته آنفاً فهذا ذم وإن ظن وتوهم لجهله أنه مدح، كالذي جاء إلى الخليفة من الصحراء وقال له:

أنتَ كالكلب في حفاظك للودِّ *** وكالتيسِ في قراع الخطوبِ([2])

يمدح الخليفة بهذا، فهذا ليس بنفي، لكن هو يثبت له أوصاف كمال بحسب ظنه، فهكذا لو جاء جاهل مثل هذا وأراد أن يمدح الملك بأوصاف هي من قبيل السلوب -يعني النفي- يقول: أنت لست بكذا، ولا كذا، ولا كذا، ولا كذا، سيسكته، ويأمر بإخراجه عنه، يقول: لا تمدحني، أنت لا تحسن الكلام، حقك السكوت، فأهل السنة في هذا الباب منهجهم هو الإثبات المفصل والنفي المجمل.

وما ورد في الكتاب والسنة من نفي مفصل فهو قليل: لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌالبقرة:255، ومبناه على قاعدة أن كل نفي في هذا الباب فهو متضمن لثبوت كمال ضده.

القاعدة السادسة: كل اسم ثبت لله فهو متضمن لصفة دون العكس، ومعلوم أن جميع الأسماء مشتقة، ومعنى كون الأسماء مشتقة يعني أنها تتضمن أوصافًا كاملة، فإذا قال: الرحمن، الرحيم فهو يتضمن صفة الرحمة، العزيز يتضمن صفة العزة، المتكبر يتضمن صفة الكبرياء، كل اسم فهو متضمن لصفة كمال.

لكن هل كل صفة يؤخذ منها اسم؟.

الجواب: لا، فالله -تبارك وتعالى- مثلاً من صفاته أنه استوى على العرش، فلا نقول: من أسمائه المستوي، ومن صفاته الإرادة يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَالبقرة:185 هل نأخذ منها اسمًا فنقول: من أسمائه المريد؟

الجواب: لا، يقول الله مثلاً في المشيئة: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُالإنسان:30، فلا يقال: من أسمائه الشائي، وهكذا.

فباب الصفات أوسع من باب الأسماء.

القاعدة السابعة: دلالة الكتاب والسنة على ثبوت الصفة إما تصريحاً -التصريح بها-، أو بتضمن الاسم لها، أو التصريح بفعل أو وصف يدل عليها، مثال التصريح: الرحمة، والعزة، والقوة، والوجه، والأصابع، ونحو ذلك من أوصافه -تبارك وتعالى-، فهذه دلت النصوص على إثباتها صراحة لله، أو تضمن الاسم لها مثل: البصير متضمن لصفة البصر، والسميع متضمن لصفة السمع، وهكذا، أو التصريح بفعل أوصف دال عليها مثل: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىطه:5 استوى هذا فعل، فهذا الفعل يدل على صفة ثابتة لله وهي صفة الاستواء، وإِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ السجدة:22 فهذا يدل على إثبات صفة الانتقام لله -تبارك وتعالى- وهكذا. 

القاعدة الثامنة: أن صفات الله يستعاذ بها ويحلف بها، وقد مضى في الفروقات بين الأسماء والصفات، والبخاري عقد بابًا في الصحيح في كتاب "الأيمان والنذور"، قال: "باب الحلف بعزة الله وصفاته وكلماته"([3])، وقد مضى الكلام على هذا تقول: "أعوذ بعزة الله وقدرته"، وتقول: "أعوذ بوجه الله، وتحلف تقول: وكلام ربي، وتقول: وعزة الله، وقدرة الله، فالصفات يحلف بها لكنها لا تدعى، لا تقول: يا عزة الله،  يا كلام الله، يا رحمة الله، وإنما نقول: يا الله، يا رحيم.

القاعدة التاسعة: أن الكلام في الصفات كالكلام في الذات، فذات الله ثابتة، وصفاته ثابتة، فكما أننا لا نعرف كنه الذات ولا كيفيتها فكذلك لا نعرف كنه الصفات ولا كيفياتها، نحن نعلم معاني الصفات ومعاني الأسماء، لكن الكيفية، الكنه، الحقيقة هذا إلى الله -تبارك وتعالى-، فهو من أمر الغيب،  فمن تلكأ في شيء من صفات الله وتردد في إثباته، أو اشتبه عليه فإنه يُحتج عليه بهذه القاعدة، فالذي ينفي الصفات نقول له: تثبت الذات أو لا تثبت الذات؟

يقول: أثبت الذات، نقول: المخلوق له ذات، فسيقول: ذات الله ليست كذات المخلوق، نقول: فصفات الله ليست كصفات المخلوق، فالقول في الصفات كالقول في الذات.

القاعدة العاشرة: أن القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر، وهذا نحتاج إليه حينما يأتي الإنسان ويؤمن ببعض ويكفر ببعض، يؤمن ببعض الصفات وينكر البعض الآخر، يقول: أنا أثبت الحياة، والإرادة، والمشيئة، والقدرة مثلا، لماذا أثبتّها؟

قال: لأن العقل دل عليها، طيب والرحمة؟ قال: لا، الرحمة إرادة الإحسان، والغضب؟ قال: لا، الغضب هو إرادة الانتقام، لا يثبت هذه الأوصاف، نقول له: إذن إذا كنت تقول بإثبات بعض الصفات فقل فيما نفيته كقولك فيما أثبته، أنت تقول: له مشيئة، نقول: والمخلوق له مشيئة، قال لا: هذه مشيئة تليق بجلاله وعظمته، والإرادة قال: تليق بجلاله وعظمته، والقدرة تليق بجلاله وعظمته، والحياة المخلوق حي؟ قال: لا، حياة تليق بجلاله وعظمته، لا تشبه حياة المخلوق، نقول له: قل فيما نفيته كما قلت فيما أثبته. 

فهذا باب واحد لماذا تفرق؟ فنحن نثبت لله الرضا على ما يليق بجلاله وعظمته، والرحمة على ما يليق بجلاله وعظمته، والغضب على ما يليق بجلاله وعظمته، وغضبه -تبارك وتعالى- ليس كغضب المخلوق، ورحمته ليست كرحمة المخلوق، كما أن إرادته ومشيئته وقدرته ليست كإرادة ومشيئة وقدرة المخلوق.

القاعدة الحادية عشرة: أن ما أضيف إلى الله -تبارك وتعالى- مما هو غير بائن عنه فهو صفة له غير مخلوقة، وكل شيء أضيف إلى الله بائن عنه فهو مخلوق، والأشياء التي تضاف إلى الله نوعان:

النوع الأول: لا قيام له في الخارج على سبيل الاستقلال، ليس له محل يقوم به، فهذا من باب إضافة الصفة، فالكلام يضاف إلى الله، يقال: كلام الله، كلام الله لا يقوم بمخلوق، لا يقوم بمحل منفصل، فهذا يكون من باب إضافة الصفة، وحينما نقول: رحمة الله فهذا من باب إضافة الصفة، لكن حينما نقول: ناقة الله هذا قائم مستقل في الخارج فهذا من باب إضافة المخلوق، أضيف إلى الله، هذه الإضافة إما أن  تكون إضافة تشريف أو إضافة خلق، وحينما تقول: الخلق عبيد الله أضفتهم إلى الله؛ لأنه هو الذي خلقهم وأوجدهم، تقول: هذا خلق الله فأضفته إلى الله؛ لأنه هو الذي أوجده، وحينما تقول: بيت الله معناه مستقل قائم بالخارج أو ما قائم بالخارج؟

مستقل، فهذه إضافة تشريف، إضافة مخلوق وليست بإضافة صفة إلى الله -تبارك وتعالى-، وحينما تقول: عيسى كلمة الله، عيسى ذات موجودة متشخصة في الخارج فهذه الإضافة هي إضافة تشريف أنه وجد بالكلمة "كن"، وحينما يقال: إن جبريل هو روح الله، أو روح القدس، فجبريل ذات قائمة مستقلة في الخارج فهذا من باب إضافة التشريف، فهذه هي القاعدة، لكن إذا قلت: سمع الله، وبصر الله فهذا من باب إضافة الصفات، والحافظ ابن القيم -رحمه الله- نظم هذا في النونية، يقول:

فإضافةُ الأوصاف ثابتةٌ لمن *** قامت به كإرادة الرحمنِ

وإضافة الأعيان ثابتة له *** ملكاً وخلقاً ما هما سيانِ

هذه مخلوقة وتلك صفة ليست بمخلوقة.

فانظر إلى بيت الإله وعلمه *** لمّا أضيفا كيف يفترقانِ

وكلامه كحياته وكعلمه *** في ذي الإضافة إذ هما وصفانِ

لكن ناقته وبيت إلهنا *** فكعبده أيضاً هما ذاتانِ([4])

الآن الحياة والعلم إضافة صفة.

وناقة الله، وبيت الله إضافة مخلوق من باب التشريف.

القاعدة الثانية عشرة: كل اسم من أسماء الله الحسنى له ثلاث دلالات:

الأولى: المطابقة.

والثانية: التضمن.

والثالثة: الالتزام.

فدلالة المطابقة هي دلالة اللفظ على تمام معناه، فإذا قلت مثلاً: السميع هذا اللفظ إذا قصدت به الذات التي سميت بهذا، والصفة التي تضمنها هذا الاسم فإن هذه يقال لها: دلالة المطابقة؛ لأن هذا الاسم دل على الذات وتضمن صفة السمع، إذا قلت: العزيز وقصدت به الدلالة على الذات وقصدت به أيضاً ما تضمنه من الصفة -المعنى وهو العزة-، فهذه دلالة مطابقة.

ودلالة اللفظ على بعض معناه يقال لها: دلالة التضمن تقول مثلا: العزيز، وتقصد به الذات التي سميت بهذا، يعني إذا قصدت به أحد مدلوليه فإن هذه دلالة تضمن، يعني إذا قصدت به بعض ما دل عليه فهي دلالة تضمن.

وأما دلالته على لازم معناه فمعنى ذلك أنه يقتضى أمراً آخر فإذا قلت مثلا: الله -تبارك وتعالى- العزيز هل تكون العزة من غير حياة؟ إذن دل على صفة الحياة، هل تكون العزة من غير قوة؟

أبداً فدل على صفة القوة، هذه تسمى دلالة التزام .

إذا قلت: إن الله هو الرب دل على صفة الربوبية بالتضمن، بدلالة الالتزام: هل يمكن أن يكون ربًّا وهو لا يخلق؟ إذن دل على صفة الخلق، وهل يمكن أن يكون ربًّا وهو عاجز؟ إذن دل على صفة القدرة، وهكذا.

هذه يقال لها دلالة التزام، إذا قلت: الله سميع هل يمكن أن يكون سميعًا وهو فاقد للحياة؟، لا، إذن السميع دل بدلالة الالتزام على وصف آخر لا يقوم ولا يحصل إلا به، أو لابد منه وهو الحياة، لا يمكن أن يكون سميعاً وهو غير حي، مع أن الحياة ما ذكرت في السميع، وليست مما يدل عليه لا مطابقة ولا تضمناً، دعوني أقرب لكم المعنى: الآن حينما نقول: هذه قارورة، إذا أطلقنا القارورة على هذا الكل الذي ترونه بما فيه من هذا الغطاء وهذا الجرم الذي يحوي المائع، فإن هذه يقال لها: قارورة، وإذا أطلقنا القارورة على الغطاء فقط، مثلاً تقول: كسرت القارورة وأنت كسرت الغطاء، إذا أطلقتَ القارورة على هذا وهذا هذه يقال لها: دلالة مطابقة، وإذا أطلقت هذا اللفظ وقصدت بعض المعنى فهذه دلالة تضمن.    

الآن لما أقول: لونت القارورة هذه دلالة تضمن، أنا لم ألون كل القارورة، إنما لونت الغطاء فقط فهذه دلالة تضمن، وحينما نقول: سيارة إطلاق السيارة على الكل المعروف هذه دلالة مطابقة، لما تقول: أصلحت السيارة، وأنت أصلحت عجلة من عجلاتها فهذه تسمى دلالة تضمن، وحينما تقول: سيارة فإن هذا يستلزم ماذا؟، أنه يركب فيها، وأنه يتنقل فيها من محل إلى محل هذه يقال لها: دلالة التزام، حينما نقول: المسجد نقصد به جميع مرافق المسجد، أو نقول: منزل نقصد به جميع المرافق هذه تسمى دلالة مطابقة، حينما أقول: أصلحت المنزل، وأنا أصلحت المطبخ فقط فهذه دلالة تضمن، وحينما نقول: منزل هذا يستلزم ماذا؟ أو نقول: حجرة، غرفة؟، يستلزم أن يكون لها سقف هذه دلالة الالتزام بخلاف ما لو قلت: حائط، فالحائط قيل له: حائط -كان يطلق على البساتين يقال: حائط- لأنه ليس له سقف، لكن لما تقول: غرفة فإن ذلك يقتضي أن لها سقفاً، المقصود هو التقريب، حينما تقول مثلاً: إنسان فهو يطلق على هذا المخلوق الذي نحن منه، وحينما تقول: زيد مريض، والذي مرض هو عينه فقط هذه دلالة تضمن؛ لأن زيدًا يطلق على كل هذا الإنسان المسمى بذلك، وإذا أطلقته على بعض معناه، أو بعض ما دل عليه فإن ذلك يقال له: دلالة تضمن:

فالأسماء لها ثلاث دلالات:

1.    دلالة مطابقة تدل على الذات والصفة.

2.    ودلالة تضمن، وهي دلالتها على أحد الأمرين.

3.    دلالة التزام وهي أن تدل على أمر ثالث غير الذات، وغير الصفة التي تضمنتها، كما قلنا: السميع يدل على إثبات الحياة أيضاً؛ لأنه لا يكون سميعًا إلا من كان حيًّا، هذه المعاني ذكرها الحافظ ابن القيم في النونية يقول:

ودلالةُ الأسماء أنواعٌ ثلاث *** كلها معلومة ببيانِ

دلت مطابقةً كذاك تضمناً *** وكذا التزامًا واضح البرهانِ

أمّا مطابقة الدلالة فهي أنّ *** الاسم يُفهم منه مفهومانِ

ذات الإله وذلك الوصف *** الذي يُشتق منه الاسم بالميزانِ

لكن دلالته على إحداهما بتضمن*** فافهمه فهم بيانِ

وكذا دلالته على الصفة التي *** ما اشتُق منها فالتزامٌ دانِ

وإذا أردت لذا مثالاً بيناً *** فمثال ذلك لفظة الرحمنِ

ذاتُ الإله ورحمةٌ مدلولها *** فهما لهذا اللفظ مدلولان

إحداهما بعض لذا الموضوع *** فهي تضمنٌ ذا واضح التبيانِ

لكنّ وصف الحي لازم ذلك *** المعنى لزوم العلم للرحمن

فلذا دلالته عليه بالتزام ***  بيّنٍ والحق ذو تبيانِ([5])

إذا قلت: الرحمن يستلزم منه أن يكون حيًّا، ويستلزم منه أن يكون عليماً، يعلم حال الناس، حال المرحومين، وهكذا.

القاعدة الثالثة عشرة: أن الصفة إذا كانت منقسمة إلى كمال ونقص لم تدخل بمطلقها في أسمائه، بل يطلق عليه منها كمالها، مثلاً: المريد، الإرادة تارة تكون كمالاً وتارة تكون نقصاً، فالله يريد: كما قلنا في هذا الأشياء يطلق على الله منها الأكمل. 

فتقول: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَالبقرة:185، يريد الله أن يخفف عنكم، لكن قد يريد الإنسان الشر، قد يريد المعصية، قد يريد المنكر وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًاالنساء:27.

فهذه الصفات المنقسمة إلى كمال ونقص لا تدخل بمطلقها في أسمائه -تبارك وتعالى-، وإنما يطلق عليه منها كمالها.

القاعدة الرابعة عشرة: أنه لا يلزم من الإخبار عنه بالفعل مقيداً أن يُشتق له منه اسم مطلق، خذ المثال الذي ذكرناه قبل قليل الإرادة جاء هذا الفعل مضافاً إلى الله بقيد، يعني جاء مقيداً يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ، فلا نطلق ذلك على الله، لا نشتق له منه اسمًا مطلقًا، فباب الإخبار أوسع من باب الصفات، وباب الصفات أوسع من باب الأسماء، فإذا أخبر الله عن نفسه أنه يريد فإن ذلك يثبت لله على الوجه الذي جاء، ولكن من غير أن نشتق له منه اسمًا، فلا نقول: من أسمائه المريد.

القاعدة الخامسة عشرة: وهي أن الاسم إذا أطلق على الله جاز أن يشتق منه المصدر والفعل، فيخبر به عنه فعلاً و مصدراً، خذ مثلاً: السميع، البصير، القدير، هذه أسماء أطلقت على الله، يجوز أن يشتق منها المصدر، فنقول: (سمع الله) سمع مصدر، سمِعَ يسمع سمعاً، أبصر يبصر إبصارًا، فنقول: (سمع الله)، (بصر الله)، و( قدرة الله)، ونخبر عنه أيضاً بالأفعال من ذلك، فنقول: الله يسمع، الله يبصر، الله يقدر، إذن هذه الأسماء إذا أطلقت عليه جاز أن يشتق منها المصدر، فنقول: سمع الله، الاسم هو السميع، فنقول: سمع الله، والفعل الله يسمع هذا إذا كان الفعل متعدياً، فإن كان لازماً لم يخبر عنه به بل يطلق عليه الاسم والمصدر دون الفعل، الحي يتضمن صفة الحياة وذلك لازم أو متعدٍّ؟، لازم فهل يصح أن نعبر بالفعل هنا, ونقول: يَحيى الله؟ لا يجوز أن نقول هذا.

العظمة: من أسمائه العظيم يتضمن صفة العظمة، هل يصح أن نعبر عنه بالفعل ونقول: الله يَعْظم؟

لا، هو له العظمة الكاملة، بل يطلق الاسم والمصدر، ونقول: العظيم، ونقول في المصدر: العظمة، عظمة الله، حياة الله.

القاعدة السادسة عشرة: أن أفعال الرب -تبارك وتعالى- صادرة عن أسمائه وصفاته، وأسماء المخلوقين صادرة عن أفعالهم، ولا أقصد هنا بأسماء المخلوقين ما يسمى به الإنسان كزيد وعمرو ونحو ذلك مما يدعى به، وإنما أقصد ما يضاف إليه من الأسماء بناء على مكتسباته، الله -تبارك وتعالى- أفعاله صادرة عن كمالاته، عن أسمائه وصفاته، ما هي أسماؤه؟، العليم، فأفعاله -تبارك وتعالى- صادرة عن كمالاته، فالله يعلم السر وأخفى، صادر من اسمه العليم المتضمن لصفة العلم. 

اسم الله الرزاق يتضمن صفة الرزق، فحينما نقول: الله -تبارك وتعالى- هو الذي يرزق الخلائق، ونحو ذلك، فهذا المدح والثناء الذي نثني به على الله -تبارك وتعالى-، ونذكره به صادر من هذه الأفعال أنه يرزق، صادر من أسمائه وصفاته، فهي كاملة، فنحن نعرفه -تبارك وتعالى- من خلال أسمائه وصفاته.  

أما المخلوق فإنه يحصل على الأسماء بحسب أفعاله، الآن حينما يكون الإنسان يمارس أشياء مدة طويلة، نقول عنه: خبير، ولكن حينما يولد يخرج من بطن أمه لا يقال له: خبير؛ لأنه جاهل ما تعلم، ويقال عنه: عالم وعليم إذا تعلم ورسخ في العلم.

وهكذا يكون غنيًّا، أو يقال عنه: إنه كريم، هل يقال له: كريم وهو ما أنفق درهمًا؟.

الجواب: لا، لا يمكن أن يستحق هذا الاسم، أو الوصف الذي هو الكرم إلا ببذل.

لولا المشقةُ ساد الناسُ كلُّهُمُ ***...............([6]).

فلابد من بذل وتصبير للنفس على العطاء من محبوباتها وشهواتها ومطلوباتها والتنازل عن كثير من حقوقها، فبهذا يستحق الأوصاف التي تطلق عليه، أو الأسماء التي تضاف إليه فيقال: فلان كريم، فلان حليم، فلان لطيف، فلان كذا بحسب الممارسات التي تصدر عنه، أما الله فإن أفعاله صادرة عن كمال الأسماء والصفات التي هي أصل لكل كمال.

القاعدة السابعة عشرة: الأسماء التي تطلق على الله وعلى العباد، مثل: الحي، والسميع، والبصير، والعليم، والقدير، والملك، ونحو هذا، هذه حقيقة في هذا وفي هذا، حينما تطلق على الله فهي حقيقة، وحينما تطلق على المخلوق فهي حقيقة، حقيقة في الخالق، وحقيقة في المخلوق، واختلاف الحقيقتين فيهما لا يخرجها عن كونها حقيقة في هذا وهذا، فللرب -تبارك وتعالى- منها ما يليق بجلاله، وللعبد منها ما يليق به.

الأسماء التي تطلق على الله وعلى العباد، مثل: الحي، والسميع، والبصير، والعليم، والقدير، والملك، ونحو هذا، هذه حقيقة في هذا وفي هذا، حينما تطلق على الله فهي حقيقة، وحينما تطلق على المخلوق فهي حقيقة، حقيقة في الخالق، وحقيقة في المخلوق، واختلاف الحقيقتين فيهما لا يخرجها عن كونها حقيقة في هذا وهذا، فللرب -تبارك وتعالى- منها ما يليق بجلاله، وللعبد منها ما يليق به.

 

فإذا قلت: المخلوق يوصف أو يسمى بالملك، ويسمى أيضا بالقدير، وبالسميع، وبالبصير فهذا حقيقة، والله يقال له ذلك، فلله من القدرة والملك والسمع والبصر ما يليق بجلاله وعظمته، وللمخلوق ما يليق بضعفه ونقصه وعجزه، فأين سمع الله من سمع المخلوق؟! لا وجه للمقارنة، أين ملك الله من ملك المخلوق؟! أين حياة الله من حياة المخلوق؟!.

الله يقال له: حي والمخلوق يقال له: حي، لكن أين هذا من هذا؟!

فهذا حقيقة وهذا حقيقة لكن شتان بين الحقيقتين، فمثلاً حينما يقال: فاعل مكتسِب كاسب، صانع، موجد، خالق، بارئ، مصور، قادر، مريد، هذه الألفاظ ثلاثة أقسام:

1. قسم لم يطلق إلا على الله، مثل: البارئ، الرحمن، الله، هذا لا يطلق على المخلوق.

2. وقسم لا يطلق إلا على العبد مثل: الكاسب، لا يقال على الله، وكذلك المكتسب.

3. وقسم يطلق على الرب وعلى العبد، مثل: أن يُخبَر عن الله بأنه صانع، ورد هذا في السنة، والمخلوق يقال له: صانع، والله يخبر عنه بأنه فاعل: مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ النساء:147، ويقال: عامل من باب الإخبار يقال: مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا يس:71، ويقال ذلك على المخلوق، ويقال: قادر، والمخلوق يقال له: قادر، فيكون لله ما يليق به وللمخلوق من هذا ما يليق به، وبهذا الاعتبار صح أن يطلق على المخلوق فيقال له: (خالق)، وعلى الله: فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ المؤمنون:14أي: أحسن المصورين المقدرين؛ لأن كلمة خالق تأتي لعدة معانٍ.

الموجِد من العدم هذا لا يقال للمخلوق، لكن المقدر، أو المصور المشكل هذا يقال للمخلوق، ولهذا يُذكر ذلك مقيداً تقول: هذه فكرة خلّاقة، لاحظ مبالغة، بعض الناس ينقبض إذا سمع هذا، تقول: نجتمع لنخلق أفكاراً ونتدارسها، هل هذا حرام؟.

الجواب: لا، فمثل هذا يقال للمخلوق، لكن بمعنى نقدِّر.

القاعدة الثامنة عشرة: أن الاسم والصفة من هذا النوع له ثلاثة اعتبارات:

1. اعتبار من حيث هو مع قطع النظر عن تقييده بالرب -تبارك وتعالى- أو العبد.

2. باعتباره مضافًا لله مختصًّا به.

3. عكسه يعني باعتبار الإضافة إلى المخلوق واختصاصه وتقييده به، هذه الأقسام الثلاثة:

الأول: ما لزم الاسم لذاته وحقيقته، فهذا يكون ثابتًا للرب وللعبد، وللرب منه ما يليق بكماله، وللعبد ما يليق بضعفه.

حينما تقول مثلاً: السمع هكذا ما أضفته إلى الله، ولا أضفته إلى المخلوق السمع، السميع يدل على صفة السمع ما تقصد به الله، حينما تقول:  (السمع – الكلام – البصر) من حيث هو فهذا يدل على حقيقة، يدل على معنى، فالسمع غير البصر، غير الحياة، غير الكلام، غير الإرادة، فدلالته من غير تقييد وإضافة بالله، دلالته على معنى، يعني هو يدل على معنى بمجرده عند الإطلاق وحقيقة، معنى يتميز عن غيره، فالسمع غير البصر، فهذا أمر ثابت ولا إشكال فيه.  

فإذا قلت: سمع الله هنا اختلف الوضع، وإذا قلت: سمع المخلوق فهذا يختلف، بمعنى حينما نطلق نقول: السمع فهذا له وجود في الذهن وهو ما دلت عليه هذه اللفظة من حيث هي، عرفنا أن السمع غير البصر، غير الحياة، غير اليد، هناك وجود خارجي، وهذا لا يحصل إلا بالتقييد، فإذا قلت: سمع الله هنا لا يمكن أن يدل على الحقيقة من حيث هي، لا، وإنما سمع كامل يليق بجلال الله وعظمته، هو سمع غير مخلوق، من باب إضافة الصفة للموصوف، وإذا قلت: سمع زيد فهنا تقيد بأمر في الخارج، فالوجود أنواع: هناك وجود ذهني، يعني من غير إضافة ولا تقييد، تقول: السمع، العلم، فالعلم غير السمع، العلم غير الحياة، إذا قلت: العلم فهذا يدل على حقيقة يفهمها كل أحد، فإذا أضفتها فهنا يكون الوجود الخارجي، قبل قليل: الوجود الذهني فهذا مشترك، الوجود الخارجي عند الإضافة تقول: سمع الله، إذن هذا غير مخلوق، سمع يليق بجلاله وعظمته، علم الله، وتقول: علم زيد، بحسب ما قيد وأضيف إليه، هذا يسمى وجودًا خارجيًّا.      

وهناك وجود ذكري، وهو حينما نذكر هذا باللسان، وهناك وجود يسمونه الوجود الرسمي الذي هو في الكتابة، فالوجود على هذه الأنواع الأربعة: وجود ذهني، وجود خارجي، وجود ذكري، وجود رسمي بالرسم، يعني الكتابة. 

والذي يهمنا هو الوجود الذهني، والوجود الخارجي، فإذا أطلقنا وقلنا: الحياة فهذا معنى مفهوم لكل أحد، وهو مشترك بين كل من يوصف بالحياة، لكن حينما تضيفه فهنا يكون الوجود خارجيًّا، حياة الله، حياة زيد، فهنا يفترق، حياة الله غير حياة المخلوق، فما لزم الصفة لإضافتها إلى العبد وجب نفيه عن الله، إذا قلنا: حياة زيد، تقول: يلزم منه أنه يأكل ويشرب، وينام، لابد أن يرتاح وإلا يموت، فهذا من لازم الصفة لما أضفناها إلى المخلوق، هذا ننفيه عن الله.

وما لزم الصفة من جهة اختصاص الله بها فإنه لا يثبت للمخلوق، فإذا قلت: علم الله فهذا يلزم منه الإحاطة بكل معلوم، وإذا قلت: علم زيد هل نثبت ما لزم من إضافته إلى الله للمخلوق؟!

الجواب: لا، فحينما نضيفه اللوازم التي تكون بالنسبة لله أو بالنسبة للمخلوق لا نثبتها لغير صاحبها، فلا نثبت لازم ما ثبت للمخلوق إلى الله، واللازم الذي ثبت للخالق عند الإضافة لا نثبته للمخلوق.



[1]- البيان والتبيين (3/ 269)، والعمدة في محاسن الشعر وآدابه (1/ 52).

[2]- علم البيان لعبد العزيز عتيق (ص: 78)، والأسلوب لأحمد الشايب (ص: 131).

[3]- صحيح البخاري (8/ 134).

[4]- نونية ابن القيم  (ص:50).

[5]- نونية ابن القيم (ص: 215-216).

[6]- الوساطة بين المتنبي وخصومه ونقد شعره (ص: 287)، وزهر الآداب وثمر الألباب (4/ 1046)، والصبح المنبي عن حيثية المتنبي (2/ 365)، وعجز البيت هو: الجودُ يُفقِرُ والإقدامُ قتّالُ.

مواد ذات صلة