السبت 19 / جمادى الآخرة / 1446 - 21 / ديسمبر 2024
(10) السيد الصمد
تاريخ النشر: ٢٢ / صفر / ١٤٢٩
التحميل: 10017
مرات الإستماع: 7518

بسم الله الرحمن الرحيم

أسماء الله الحسنى

(10) السيد والصمد

 

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق، ووعدك حق، وقولك حق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والساعة حق، والنبيون حق، ومحمد ﷺ حق، اللهم لك أسلمنا، وعليك توكلنا، وبك آمنا، وإليك أنبنا، وبك خاصمنا، وإليك حاكمنا، فاغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، اللهم ارحم موتانا، واشفِ مرضانا، وعافِ مبتلانا، واجعل آخرتنا خيراً من دنيانا، أما بعد:

فحديثنا في هذه الليلة عن اسمين كريمين من أسماء الله -- وهما: "السيد والصمد"، والحديث سيكون عن أربع قضايا:

الأولى: في معنى الاسم الكريم من حيث اللغة، وفيما يتعلق بمعناه عند إضافته إلى الله -تبارك وتعالى-.

والثاني: ورود هذا الاسم في الكتاب أو السنة.

والثالث: في الكلام على ما يدل عليه هذا الاسم.

والرابع: في الكلام على ثمرات الإيمان بهذا الاسم.

ففي مثل هذه الأسماء المتقاربة في المعنى سأتحدث عن القضايا الثلاث أولاً في كل اسم على حدة، ثم بعد ذلك في الكلام على الثمرات سأتحدث عن الجميع بحديث متحد.

اسم الله (السيد):

نبدأ بهذا الاسم الكريم: (السيد)، والسيد في كلام العرب يطلق على معانٍ متعددة:

منها: "الرب"، وقد مضى الحديث عن هذا الاسم، عند الكلام على اسم (الرب)، وقلت: إن من معاني (الرب) السيد، ولهذا نحتاج إلى أن نتحدث عن جملة من معاني الرب كالسيد، وإذا تحدثنا عن السيد فإننا نحتاج إلى الحديث عن الصمد؛ لأن من معاني الصمد السيد الذي قد كمل في سؤدده، بل هو أشهر معانيه، فالسيد يطلق في كلام العرب على الرب، وعلى المالك، يقال له: سيد، فالرجل سيد في بيته، وهو أيضاً سيد بالنسبة للمملوك، للرقيق، يقال: هذا سيد لفلان، وهكذا أيضا يطلق على الشريف، فالسؤدد عند العرب بمعنى الشرف، وهكذا يطلق على الفاضل

 

السيد يطلق في كلام العرب على الرب، وعلى المالك، يقال له: سيد، فالرجل سيد في بيته، وهو أيضاً سيد بالنسبة للمملوك، للرقيق، يقال: هذا سيد لفلان، وهكذا أيضا يطلق على الشريف، فالسؤدد عند العرب بمعنى الشرف، وهكذا يطلق على الفاضل

 

، وعلى الكريم، وعلى السخي، وعلى الحليم، وقد جاء عن عكرمة -رحمه الله-: "السيد الذي لا يغلبه غضبه"([1]).

وهذا من المعاني التي ترتبط بالسيد؛ لأن الإنسان إنما يكمل في سؤدده إذا كان حليمًا كريمًا وما إلى ذلك من الأوصاف.

وهكذا يطلق أيضا على الرئيس، كما قال اللهوَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِيوسف:25، فالرجل سيد بالنسبة لامرأته، فهو سيدها أي: هو رئيسها، وكذا في قوله -تبارك وتعالى-: وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا الأحزاب:67، وهم الرؤساء، وهكذا يطلق أيضا على الملك، وهو يرجع أو يرتبط بما قبله، وقد قال بعضهم: السيد هو الذي فاق غيره بالعقل، والمال، والدفع، والنفع، وهو المعطي ماله في حقوقه، المعين بنفسه، وسيد كل شيء أشرفه وأرفعه، تقول: هذا سيد المال، بمعنى أشرف المال. 

إذا عرفت هذه المعاني وهذه الإطلاقات في كلام العرب بقي أن تعرف معنى هذا الاسم في حق الله -تبارك وتعالى-، حينما يسمى به، يقول الخطابي -رحمه الله-: (السيد الله)([2])، هكذا قال النبي ﷺ، وتفسيره أن السؤدد إنما يكون حقيقة لله، وأما الخلق فكلهم عبيده، السيد الذي له السيادة الكاملة من كل وجه هو الله --، فالملائكة والإنس والجن كل هؤلاء إنما هم خلق من خلق الله -تبارك وتعالى-، فهؤلاء لا يستغنون عن الله طرفة عين، لا يستغنون عنه في مبدئهم، فالله هو الذي أوجدهم وخلقهم، فلو لم يوجدهم لم يوجدوا، كما أنهم أيضاً لا يستغنون عنه طرفة عين في بقائهم بعد إيجادهم، وهكذا أيضاً فيما يتصل بالعوارض العارضة أثناء البقاء، الخلق بحاجة إلى ألطاف الله المتنوعة، فلو تخلى الله عنهم بعد إيجادهم فإنهم سيهلكون ويضمحلون لا محالة، فالله -تبارك وتعالى- هو السيد حقًّا، لا يستحق ذلك على الإطلاق لا ملك عظيم مقرب، ولا أحد من المخلوقين مهما كان قدره، ولهذا قال النبي ﷺ: (السيد الله)، وفي هذا المعنى يقول الحافظ ابن القيم -رحمه الله- في النونية: 

وهو الإلهُ السيد الصمد الذي *** صمدت إليه الخلقُ بالإذعانِ

الكاملُ الأوصافِ من كل الوجوه *** كمالُه ما فيه من نقصانِ([3])

فالسيد إذا أطلق عليه -تبارك وتعالى- فإنه يكون بمعنى المالك، والمولى، والرب وما إلى ذلك من المعاني السابقة، والمخلوق وإن كان يقال له: سيد إلا أن ما يقال بالنسبة لله لا يكون كالذي يقال بالنسبة للمخلوق، وقد ذكر الحافظ ابن القيم -رحمه الله- في (تحفة المودود)([4]) أن قول النبي ﷺ: (أنا سيد ولد آدم)([5])، لا يعارض قوله ﷺ: (السيد الله)، يقول: "إن قوله: (أنا سيد ولد آدم)، هذا إخبار منه عما أعطاه الله من سيادة النوع الإنساني، وفضله وشرفه عليهم، أما وصف الرب تعالى بأنه السيد فذلك وصف لربه على الإطلاق، فإن سيد الخلق هو مالك أمرهم الذي إليه يرجعون، وبأمره يعملون، وعن قوله يصدرون، فإذا كانت الملائكة والإنس والجن خلقًا له --، وملكًا له، وليس لهم غنًى عنه طرفة عين، وكل رغباتهم إليه، وكل حوائجهم إليه كان هو -- السيد على الحقيقة، وقد جاء عن ابن عباس -ا- عن طريق علي بن أبي طلحة -رحمه الله- في تفسير قوله: (الصمد)، قال: "السيد الذي كمل في سؤدده"([6])، وسيأتي -إن شاء الله- ذكر ذلك بتمامه.

يقول ابن القيم -رحمه الله-: "والمقصود أنه لا يجوز لأحد أن يتسمى بأسماء الله المختصة به، وأما الأسماء التي تطلق عليه وعلى غيره، كـ(السميع)، و(البصير)، و(الرءوف)، و(الرحيم)، فيجوز أن يخبر بمعانيها عن المخلوق ولا يجوز أن يتسمى بها المخلوق على سبيل الإطلاق، بحيث يطلق عليه كما يطلق على الرب تعالى"([7])؛ ولذلك من أهل العلم من يقول: إن المخلوق لا يصح أن يسمى، أو يلقب بالسيد على سبيل الإطلاق بدخول (ال)، أما ما جاء عن النبي ﷺ: (أنا سيد ولد آدم)، فهذا بالإضافة والقيد.

وهكذا في قوله ﷺ: (قوموا إلى سيدكم)([8])، يعني سعد بن معاذ - وأرضاه-، ومثل هذا بالإضافة لا بأس به، والإنسان ممكن أن ينسب إليه شيء من ذلك كما سبق أن الرجل يكون سيداً في بيته، وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ يوسف:25، ولكن حينما يكون ذلك على سبيل الإطلاق فذلك لا يصح إلا لله --، فالله هو السيد السيادة المطلقة، لا بأس أن أورد لكم كلاماً لبعض أهل العلم على هذه الجزئية بالذات هل يقال ذلك للمخلوق أو لا؟

الله -تبارك وتعالى- يقول عن يحيى ﷺ: وَسَيِّدًا وَحَصُورًاآل عمران:39، كيف سماه سيداً وهو مخلوق؟ والنبي ﷺ قال: (السيد هو الله) في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد، وأبو داود.

وابن الأنباري -رحمه الله- يقول: "إن قوله تعالى عن يحيى ﷺ بأنه سيد ليس المقصود به المالك، وإنما الرئيس، والإمام في الخير، كما تقول العرب: فلان سيدنا، أي: رئيسنا الذي نعظمه"([9]).

وهكذا ما جاء في الحديث لما قالوا له ﷺ: أنت سيدنا، قال: (السيد الله)، يقول الأزهري: "كره النبي ﷺ أن يُمدح في وجهه"، يعني أن الأزهري يقول: إن ذلك لا لأن هذا يحرم، لكن لتواضعه -عليه الصلاة والسلام-، ولكراهيته للمدح، "وأحبَّ التواضع لله -تبارك وتعالى-، وجعل السيادة للذي ساد الخلق أجمعين، وليس هذا بمخالف لقوله ﷺ لسعد بن معاذ حين قال لقومه الأنصار: (قوموا إلى سيدكم)، أراد أنه أفضلكم، وأكرمكم"([10])، وأما صفة الله -تبارك وتعالى- حينما نصفه بالسيد فمعناه أنه مالك الخلق، والخلق كلهم عبيده، وبهذا الاعتبار لا يصح أن يقال ذلك للمخلوق إذا قصد به هذا المعنى، ولكن هل يقال ويراد به هذا؟

الجواب: لا، بالنسبة للمخلوقين، والنبي ﷺ يقول: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر)، أراد أنه أول شفيع، وأول من تفتح له أبواب الجنة، فقال ذلك على سبيل الإخبار، ولهذا قال: (ولا فخر)، فله ﷺ من المنزلة والمكانة والسؤدد ما لا يخفى، وقالوا في قوله ﷺ لما قال: "قولوا بقولكم" للذين قالوا: أنت سيدنا، قالوا: إنه أراد ادعوني نبيًّا ورسولاً، كما سماني الله، ولا تسموني سيداً كما تسمون رؤساءكم، فإني لست كأحدهم ممن يسودكم في أسباب الدنيا، ونحن نعلم أن النبوة منحة إلهية خلافاً لبعض الفلاسفة كابن سينا الذي قال: إنها مكتسبة بتحصيل الكمالات، وهذا القول كفر، فالنبوة ليست مكتسبة، وإنما هي منحة وموهبة يهبها الله ويصطفي من شاء، لكن هؤلاء الذين يصطفيهم هم خيار خيار قومهم.

والخطابي -رحمه الله- يعلل ذلك بأن هؤلاء الذين نهاهم كانوا حدثاء عهد بالإسلام([11])، وإلا فالنبي ﷺ قال للأنصار -أعني الأوس منهم-: (قوموا إلى سيدكم)، فلما كان أولئك الذين جاءوا إليه وقالوا: أنت سيدنا حدثاء عهد بالإسلام، نهاهم عن ذلك؛ لئلا يتجارى بهم الشيطان فيقعون في شيء من الغلو.

يقول الخطابي: "وكانوا يحسبون أن السيادة بالنبوة كهي بأسباب الدنيا، باعتبار أنهم كانوا يعظمون رؤساءهم، ويسمونهم السادات، فعلمهم الثناء عليه، وأرشدهم إلى الأدب في ذلك، فقال: (قولوا بقولكم)"([12]). 

وابن القيم -رحمه الله- لما ذكر الخلاف في إطلاق السيد يقول: "منعه قوم كمالك -رحمه الله-، -الإمام مالك رأى أن ذلك لا يجوز أن يقال للمخلوقين-، واحتجوا بقول النبي ﷺ لما قيل له: يا سيدنا، أو أنت سيدنا، قال: (إنما السيد الله)، وجوزه آخرون؛ لقوله ﷺ: (قوموا إلى سيدكم)، وهذا أصح من الحديث الأول"([13])، ابن القيم -رحمه الله- يذكر علة لهؤلاء يقول: "احتج المانعون بهذا، قالوا: إنه إذا قيل: فلان سيد كذا فهو أحد ما يضاف إليه، سيد كندة واحد من كندة، سيد تميم هو واحد من تميم، فإذا قيل: إن الله -تبارك وتعالى- هو السيد قالوا: فالله ليس من خلقه، ليس مما يضاف إليه، طبعًا هذا الكلام غلط، قالوا: وإنما ذلك يقال للمخلوق، يقول: فالسيد إذا أطلق عليه تعالى فهو بمعنى المالك، والمولى، والرب لا بالمعنى الذي يطلق على المخلوق، والله تعالى أعلم"([14]).   

ويمكن تلخيص كلام ابن القيم بأن هؤلاء الذين أجازوا إطلاقه على المخلوق قالوا: إن ذلك لا يليق بالله، ولا يصح نسبته إليه، لماذا؟ قالوا: لأن السيد إذا أضيف فهو واحد من هؤلاء الذين أضيف إليهم، تقول: سيد كندة هو واحد من كندة، سيد تميم هو واحد من تميم، والله لا يصح أن يكون من خلقه، قالوا: إذن لا يقال لله، عكس من منعه في المخلوق، هؤلاء قالوا: لا يجوز أن يقال لله.

والأقرب -والله -تبارك وتعالى- أعلم- أنه لا مانع من أن يقال ذلك للمخلوق باعتبار أنه الرئيس صاحب السؤدد، وما شابه ذلك، ولا يقال: إن هذا يحرم، والنبي ﷺ يقول: (إذا نصح العبد سيده، وأحسن عبادة ربه، كان له أجره مرتين)([15]).

وهكذا في الحديث الآخر: (لا يقول أحدهم: أطعِمْ ربك، وضِّئ ربك، وليقل: سيدي ومولاي)([16])، وهكذا قول عمر : "أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا"([17])، يعني: بلالاً .

والحافظ ابن حجر -رحمه الله- لما ذكر حديث: (السيد الله)، قال: "ويمكن الجمع بأن يحمل النهي على غير المالك، والإذن بإطلاقه على المالك، وقد كان بعض أكابر العلماء يأخذ بهذا، ويكره أن يخاطب أحداً بلفظه أو كتابته بالسيد، ويتأكد هذا إذا كان المخاطب غير تقي باعتبار الحديث: (لا تقولواللمنافق سيدًا)"([18])، هذا الكلام على موضوع إطلاق السيد على غير الله -.

ثانياً: في الكلام على ورود هذا الاسم الكريم في الكتاب والسنة:

هذا الاسم لم يرد في القرآن مسمى به الله، وإنما ورد في الحديث، كما جاء من حديث مطرف بن عبد الله بن الشخير قال: "قال أبي: انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله ﷺ فقلنا: أنت سيدنا، فقال: (السيد الله -تبارك وتعالى)، قلنا: وأفضلنا فضلاً وأعظمنا قولاً, فقال: (قولوا بقولكم، أو بعض قولكم، ولا يستجرينّكم الشيطان)([19]).

فإذن نخرج من هذا أن السيادة المضافة إلى المخلوقين هي سيادة نسبية، وأن السيادة المضافة لله سيادة مطلقة.

ثالثاً: ما يدل عليه هذا الاسم الكريم:

هذا الاسم يدل بدلالة المطابقة على مجموع أمرين: إذا أطلقناه، وقصدنا به المسمى وهو الذات -ذات الله، وقصدنا به الصفة التي تضمنها هذا الاسم فإن ذلك يكون بدلالة المطابقة، وإذا قصدنا واحداً منهما بأن أطلقنا هذا الاسم وأردنا الذات فقط، أو أردنا الصفة فقط فهذه هي دلالة التضمن، فيدل بالتضمن على أحدهما، كما أنه يدل أيضاً بدلالة اللزوم على الحياة، والأحادية، والقيومية، وكمال العلم والقدرة والعزة إلى غير ذلك مما لابد منه لتحقيق السيادة، العطاء، الكرم كل هذه الأمور لابد منها حتى يحصل السؤدد، الغِنى فإن الذي لا يكون غنيًّا لا يستطيع أن يعطي ويمنح، هذه الثلاثة الأمور التي تتعلق بهذا الاسم الكريم.

الاسم الآخر وهو (الصمد) وأول ما نذكره معنى هذا الاسم الكريم:

أما من حيث اللغة فإن هذا الاسم يأتي لمعانٍ متعددة، فمن ذلك أنه هو الذي يُصمد إليه في الحوائج، أي: يُقصد، فهذا بمعنى القصد، تقول: صَمد إليه وصَمده، أي: قصده.

علوتُه بحسام ثم قلتُ له *** خذها حذيفُ فأنت السيدُ الصمدُ([20])

يعني: الذي يُصمد إليك، تُقصد.

ومنه ما جاء عن معاذ بن الجموح في قصة قتل أبي جهل يقول: فصمدت له حتى أمكنتني منه غرة، أي: ثبتُّ له وقصدته، وانتظرت غفلته، فهذا بمعنى القصد، الذي يُصمد إليه، أي: يُقصد.

ومن هذه المعاني -وهو الثاني- أنه السيد المطاع الذي لا يقضى دونه أمر، وهذا يرجع على معنى الاسم الأول.

ومن هذه المعاني -وهو الثالث- أنه المُصمَت الذي لا جوف له.

المعنى الرابع: هو الرفيع من كل شيء، ومنه الصمد يقال: للمكان الغليظ المرتفع من الأرض، لكنه لا يبلغ أن يكون جبلاً، ويقال: بناء مُصمَد أي: مرتفع، هذه بعض معانيه في كلام العرب.

ومعناه في حق اللهاللَّهُ الصَّمَدُ الإخلاص:2 ما معنى الصمد؟

أقوال السلف تنوعت فيه تنوعاً كثيراً، وإليك طائفة منها دون ما ذكره بعض المتأخرين مما زاد على ما ذكروا فإنه في الغالب يرجع إلى أقوالهم، والمعاني التي عبروا بها: الصمد هو السيد الذي قد انتهى سؤدده، ولا أحد فوقه كما تقول العرب لأشرافها، وفي هذا قيل:

ألا بكّر الناعي بخيريْ بني أسدْ *** بعمرو بن مسعودٍ وبالسيدِ الصمدْ([21])

ومنه قول الزبرقان:

سيروا جميعًا بنصف الليل واعتمدوا*** ولا رهــينة إلا سـيدٌ صمدُ([22])

وهذا المعنى هو الذي اختاره كبير المفسرين أبو جعفر بن جرير الطبري([23]) -رحمه الله- محتجًّا عليه بأن ذلك هو المعروف في الاشتقاق، وفي كلام العرب، ومن هذه المعاني أيضاً التي فسر بها هذا الاسم الكريم في حق الله أنه المُصمَت الذي لا جوف له، ولا يأكل ولا يشرب كما قيل في أشعار العرب:

شهابُ حروبٍ لا تزال جيادُه *** عوابسَ يَعلكنَ الشَّكيم المصمَّدا([24])

والله يقول عن نفسه ذاكرًا وصفه: وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُالأنعام:14، مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِالذاريات:57 فالله منزه عن ذلك كله.

ومن هذه المعاني أيضاً أنه الذي ليس يخرج منه شيء، وذلك أشبه ما يكون بالتفسير الذي ورد بعد هذه اللفظة في سورة الإخلاص، اللَّهُ الصَّمَدُالإخلاص:2 من هو؟ هو الذي لم يلد ولم يولد.

وهكذا فسر بالدائم الباقي الذي لا يفنى، والله يقول: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِالرحمن:26-27، هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُالحديد:3، وفي الحديث: (اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء)([25]).

وكذا أيضاً هو الذي يُصمد إليه في الحوائج، وهذا قال به طائفة كبيرة من أهل اللغة، ومن غيرهم يفسرون به معنى هذا الاسم في حق الله كالزجاج، والزجاجي أيضاً، والحليمي، وابن الأنباري، وآخرين.

فهو الذي يُقصد في الأمور والنوازل، وذلك عائد إلى معنى القصد، وهو الذي اختاره أيضاً الخطابي([26])، وهو أيضاً كما قال سعيد بن جبير -رحمه الله-: "الكامل في جميع صفاته وأفعاله وأقواله"([27]).

انظروا إلى هذه المعاني التي قالها السلف هذه عباراتهم، ويمكن أن يكون سبب هذا الاختلاف والتفاوت يعود إلى أن معنى هذا اللفظ عام، وواسع، يحتمل أوجهًا كثيرة من المعاني، فالصمد هو الذي تتحقق فيه أوصاف متنوعة، وقد أشار إلى هذا المعنى الحافظ ابن القيم -رحمه الله-، وذكر أن هذا الاسم من الأسماء الدالة على جملة أوصاف عديدة لا تختص بصفة متعينة([28])، فهو متعلق بالصفة من حيث دلالتها على الكثرة والزيادة والسعة، فهي صفة جامعة تدل بمفهومها اللغوي والشرعي على صفات كثيرة، وقال ذاكراً بعض هذه المعاني -معاني الصمد-: "أنه من تصمد نحوه القلوب بالرغبة والرهبة، وذلك لكثرة خصال الخير فيه، ولهذا قال جمهور السلف منهم ابن عباس: "الصمد الذي كمل سؤدده، وأنه الذي لا جوف له"([29]).

وابن القيم -رحمه الله- يقول: "هذا لا يناقض قول ابن عباس "، أي لا يتناقض مع التفسير الذي ذكره ابن القيم، يقول: "فإن هذه اللفظة من الاجتماع، فهو الذي اجتمعت فيه أوصاف الكمال، ولا جوف له، والذي ليس له كفؤ ولا نظير يكون صمداً كاملاً في صمدانيته"([30])، وقد مضى قول ابن القيم -رحمه الله- وهو:  

وهو الإلهُ السيد الصمد الذي *** صمدت إليه الخلقُ بالإذعانِ

الكاملُ الأوصافِ من كل الوجوه *** كمالُه ما فيه من نقصانِ([31])

فالصمد هو الذي كمل من كل وجه فاستحق أن يُصمد إليه، أن يُقصد بكل الحاجات، والرغبات لدفع المضار وجلب المنافع؛ ولهذا فإن من أشمل ما جاء عن السلف فيما وقفت عليه في تفسير هذا الاسم الكريم هو قول ابن عباس -ا-: "هو السيد الذي كمل في سؤدده، والشريف الذي كمل في شرفه، والعظيم الذي كمل في عظمته، والحليم الذي كمل في حلمه، والغني الذي كمل في غناه، والجبار الذي كمل في جبروته، والعالم الذي كمل في علمه، والحكيم الذي كمل في حكمته، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد، وهو الله --، وهذا صفته لا تنبغي إلا له"([32])، وعلى هذا سار المحققون من أهل العلم، كما جاء عن الحافظ أبي القاسم الطبراني -رحمه الله- في كتاب (السنة)، بعد إيراده جملة من هذه الأقوال قال: "وكل هذه صحيحة وهي صفات ربنا، هو الذي يُصمد إليه في الحوائج، وهو الذي انتهى سؤدده، وهو الصمد الذي لا جوف له، ولا يأكل، ولا يشرب، وهو الباقي بعد خلقه"([33])، وهكذا أيضاً حمله على هذا المعنى العام الإمام الكبير إمام اللغة الأزهري -رحمه الله تعالى رحمة واسعة([34]).

وفي هذا يقول الشيخ تقي الدين ابن تيمية -رحمه الله-: إن هذا الاسم الصمد فيه أقوال متعددة للسلف، وقد يظن أنها مختلفة، وليست كذلك، بل كلها صواب، لكنه -رحمه الله- ذكر أن المشهور منها قولان:

الأول: أن الصمد هو الذي لا جوف له.

الثاني: أنه السيد الذي يُصمد إليه في الحوائج([35]).

وهكذا أيضاً ذهب الإمام البغوي، وصرح بأن الأولى أن يحمل لفظ الصمد على كل ما قيل فيه؛ لأنه محتمل لذلك، قال: "فهذا يقتضي ألا يكون في الوجود صمد سوى الله، فهو العظيم القادر على كل شيء"، وصرح بأن هذا الاسم خاص به --، وأنه انفرد بذلك، فله الأسماء الحسنى والصفات العلى، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌالشورى:11.

والمقصود أن حقيقة الصمدانية في حق الله -- ترجع إلى قيامه بذاته، وهو لا يحتاج إلى غيره كما هو حال المخلوقين، لا يقومون إلا بإقامة غيرهم.   

إقامة الله لهم ترجع إلى قيامه بذاته واستغنائه عن غيره، واحتياج كل شيء إليه، فهي صفة ذاتية له -- تارة دون إضافة، نقول: الله الصمد وهذا إذا نظر إلى عين ذاته وصمدانيته، وتارة بإضافة إذا نظر إلى صمود الخلق إليه، وإلى قيامه بحاجاتهم، وتحقيق رغباتهم، فالخلائق جميعًا تصمد لربها وباريها وخالقها --، وبهذا نعلم أن الصمد كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "هو المقصود في الرغائب، المستغاث به عند المصائب، وهو المستغني عن كل أحد، المحتاج إليه كل أحد، وهو الذي لا عيب فيه، وهو الذي لا يوصف بصفته أحد، لا يدانيه أحد، له الكمالات المطلقة من كل وجه، ولا يمكن لأحد أن يستجمع أوصاف الكمال سوى الله --، ولهذا في أول الفاتحة الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الفاتحة:2، فـ(ال) تدل على الاستغراق، استغراق جميع المحامد لله --، وذلك لا يكون إلا لمن كان كاملاً من كل وجه، فإن من كان ناقصاً من بعض الوجوه فإنه لا يستحق الحمد من كل وجه، فالله هو الذي يفتقر إليه كل شيء في الوقت الذي يستغني فيه -- عن كل شيء، الأشياء مفتقرة إليه من جهة ربوبيته، ومن جهة إلهيته، فما لا يكون به لا يكون، وما لا يكون له لا يصلح، ولا ينفع أن يدوم"([36]).

وفي هذا يقول أيضاً الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: "إنه السيد الذي هو وحده الملجأ عند الشدائد، والحاجات، وهو الذي تنزه وتقدس وتعالى عن صفات المخلوقين كأكل الطعام ونحوه"([37])، وهكذا عبر الشيخ عبد الرحمن بن سعدي -رحمه الله-: بأنه الصمد الذي تصمد إليه -أي: تقصده- جميع المخلوقات بالذل والحاجة والافتقار، ويفزع إليه العالم بأسره، وهو الذي كمل علمه، وحكمته وحلمه وقدرته وعظمته، ورحمته، وسائر أوصافه، فالصمد هو كامل الصفات، وهو الذي تقصده المخلوقات في كل الحاجات([38]).

والمقصود من إيراد كلام هؤلاء أنه نماذج على تأكيد هذا المعنى الذي ذكرته، وهو أن هذه المعاني جميعًا التي ذكرها السلف داخلة في معنى هذا الاسم الكريم.

مسألة تتعلق بمعناه: إذا كان هذا هو معناه فهل هذا الاسم من الأسماء المختصة بالله؟ أو أنه يصح أن يقال ذلك للمخلوق وأن يسمى به؟  

ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أن أهل اللغة استعملوه في حق المخلوقين لكنه يقول: إن الله لم يقل: إنه صمد، فالمخلوق قد يكون له شيء من هذه الصفات أو من بعض هذه الصفات مما يصلح لمثله، قد يتوجه إليه الناس في بعض حاجاتهم، وكما مضى في بعض أشعارهم فقد يكون حليماً، قد يكون كريماً، قد يكون حكيماً، لكن استجماع هذه الأوصاف بهذا الاعتبار لا يكون إلا لله، فقد يقال: فلان صمد لكن هل يقال: الصمد هكذا؟ ذاك لا يصح إطلاقه إلا على الله --، فالله قال: اللَّهُ الصَّمَدُ الإخلاص:2، فبين أنه المستحق لأن يكون هو الصمد دون ما سواه، كما يقول شيخ الإسلام -رحمه الله-، فإنه المستوجب لغايته على الكمال، والمخلوق وإن كان صمداً من بعض الوجوه فإن حقيقة الصمدية منتفية عنه، فإنه يقبل التفرقة والتجزئة، وهو أيضاً محتاج إلى غيره، فإن كل ما سوى الله محتاج إليه من كل وجه، فليس أحد يصمد إليه كلُّ شيء ولا يصمد هو إلى شيء إلا الله -تبارك وتعالى-، وليس في المخلوقات إلا ما يقبل أن يتجزأ ويتفرق، وينقسم، وينفصل بعضه عن بعض، والله -- هو الصمد الذي لا يجوز عليه شيء من ذلك، بل حقيقة الصمدية، وكمالها له وحده واجبة لازمة لا يمكن عدم صمديته بوجه من الوجوه، كما لا يمكن تثنية أحديته بوجه من الوجوه، فهو أحد لا يماثله شيء من الأشياء بوجه من الوجوه، كما قال في آخر السورة: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌالإخلاص:4 فاستعملها هنا في النفي، أي ليس له شيء من الأشياء كفواً له في شيء من الأشياء؛ لأنه أحد"([39])

فالله -تبارك وتعالى- هو الأحد الصمد لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌالإخلاص:3-4، والصمد عرفنا أن من معانيه هو الذي لا جوف له، فلا يدخل فيه شيء، فلا يأكل، ولا يشرب --، ومن مخلوقاته الملائكة، وهم صمد لا يأكلون ولا يشربون، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-([40])

فالخالق لهم -- أحق بكل غنًى وكمالٍ جعله لبعض مخلوقاته، فلهذا فسر بعض السلف (الصمد) بأنه الذي لا يأكل ولا يشرب، والصمد المُصمَت الذي لا جوف له، فلا يخرج منه عين من الأعيان، فلا يلد، هذا كلام الشيخ تقي الدين ابن تيمية -رحمه الله تعالى-، وله كلام كثير -رحمه الله- ولغيره أيضاً في هذا المعنى([41]).

وقد ذكر جماعة -ونقله القرطبي عن بعضهم- أن الصمد المطلق وهو الذي يُصمد إليه في جميع الحوائج هو الله، وإن كان ذلك من جهة المعنى قد يوجد لبعض المخلوقين في بعض الجوانب مما يصلح للمخلوق.([42])

ثانياً: ورود هذا الاسم في الكتاب والسنة:

جاء في القرآن في موضع واحد في سورة الإخلاص: اللَّهُ الصَّمَدُ الإخلاص:2.

وأما في السنه فجاء في عدد من الأحاديث منها: حديث أبي هريرة فيما يرويه النبي ﷺ عن ربه -تبارك وتعالى-: (كذبني ابن آدم)، وفيه: (أما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولداً وأنا الأحد الصمد، لم ألد ولم أولد، ولم يكن لي كفواً أحد)([43])، فهذا الحديث مصرح بأن تفسير الصمد هو الذي لم يلد ولم يولد، لكنه لا يدل على الحصر في المعنى، فهذا أحد المعاني الداخلة تحته قطعاً بنص هذا الحديث القدسي المخرج في الصحيح.

ومن ذلك حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: سمع النبي ﷺ رجلاً يدعو يقول: "اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد"، فقال: (والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى)([44])، إلى غير ذلك من الأحاديث.

ثالثاً: ما الذي يدل عليه الاسم الكريم الصمد؟

يدل بدلالة المطابقة على الذات، ويدل على الصفة صفة الصمدية معاً، ويدل على واحد منهما بدلالة التضمن، كما أنه يدل بدلالة اللزوم على جملة من الصفات كالحياة، والقيومية، والأحادية، وهكذا أيضاً كمال العلم، والقدرة، والعزة، والقوة، والحكمة، والعظمة، وكمال العدل، كل ما يلزم لكمال الذات والصفات وتحقق السؤدد فهو داخل تحت هذا النوع من الدلالة، دلالة اللزوم.

الأمر الرابع وهو الأخير: والحديث فيه مشترك بين هذين الاسمين الكريمين، (السيد) و(الصمد) في الكلام على ثمرات الإيمان بهذين الاسمين:

عرفنا هذه المعاني العظيمة الداخلة تحت الصمد، هل استشعرنا هذا ونحن نقرأ هذه السورة ونرددها كثيراً لاسيما في ركعة الوتر اللَّهُ الصَّمَدُ؟ الإخلاص:2 هل استشعرت هذه المعاني؟  

فأول هذه الثمرات: هو أن ندعو الله -تبارك وتعالى- بهذه الأسماء الكريمة كما سبق، وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَاالأعراف:180، والدعاء يتضمن دعاء المسألة، ودعاء العبادة، فدعاء المسألة أن نسأل الله نقول: اللهم إنك أنت الصمد، نسألك بأنك أنت الصمد الذي لم يلد ولم يولد، كما في الدعاء السابق: الرجل الذي سأل ربه -تبارك وتعالى- بهذا الاسم الكريم، وقال النبي ﷺ فيه ما قال.

وجاء عن الإمام أحمد -رحمه الله- فيما ذكر أنه لما جاءه خادم المأمون في قصة فتنة خلق القرآن، وهذا الخادم جاء متأثراً يمسح دموعه بطرف ثوبه، ويقول: يعز عليّ أبا عبد الله أن المأمون قد سل سيفاً لم يسله قبل ذلك، وأنه يقسم بقرابته من رسول الله ﷺ، -ولا يجوز القسم بالقرابة- لئن لم تجبه إلى القول بخلق القرآن ليقتلنك بذلك السيف، فجثا الإمام أحمد على ركبتيه، ورمق بطرفه إلى السماء، وقال: "سيدي غر حلمك هذا الفاجر حتى تجرأ على أوليائك بالضرب والقتل، اللهم فإن يكن القرآن كلامك غير مخلوق فاكفنا مؤنته، قال: فجاءهم الصريخ بموت المأمون في الثلث الأخير من الليل"([45])، هذا دعاء المسألة.

وأما دعاء العبادة فيظهر ذلك بأن يتوجه العبد بكليته إلى ربه وباريه وفاطره، إلى من له السيادة المطلقة، والصمدية الكاملة، أن يتوجه إليه مفتقراً إلى ألطافه وعطائه وجوده وكرمه ودفعه عنه البلايا والآلام والأمراض والأوضار وما إلى ذلك، والنبي ﷺ خير قدوة، لما جاءه وفد بني عامر وقالوا له: أنت سيدنا، فقال: (السيد الله)، إلى آخر الحديث. 

فالعبد يعرف إلى من يتوجه، وأيضاً يتواضع فلا يترفع، ولا يعدو طوره، ولا يرضى أن يضاف إليه شيء لا يصلح لمثله، الكلام السابق عن الدعاء باسمه (السيد)، وكذا الدعاء باسمه (الصمد)، دعاء العبادة ودعاء المسألة، الحديث السابق: (اللهم إني أسألك يا الله بأنك الواحد الأحد، الصمد، الذي لم يلد ولم يولد)، إلى آخره، فتذكر هنا الاسم الكريم، وفي دعائه -تبارك وتعالى- باسم السيد تقول: اللهم يا سيدي، اللهم إنك أنت السيد، ونحو ذلك، وفي دعاء العبادة يظهر ذلك باعتماد القلب على الله الذي يملك نواصي الخلق، فيتوكل عليه، ويأخذ بالأسباب، ويرضى بما قسمه الله، ويعلم أن المقادير والأرزاق والعطاء والمنع، وكل ذلك بيده --، فلا حول ولا قوة إلا به، وقد جاء من حديث البراء بن عازب أن النبي ﷺ قال له: (إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم أسلمت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك)([46])، فهذا تفويض وتسليم كامل يقوله الإنسان في كل ليلة إذا أوى إلى فراشه، إذا امتثل العبد هذه المعاني فما ظنكم؟.  

إذا تذكرها، استحضرها، وتأدب بما أدبه به الشارع فإنه يكون في غاية الإخبات والتوكل، والثقة كما سيأتي.

الثاني من هذه الثمرات: أن يتوجه إليه وحده لا شريك له في طلب الحاجات، إذا كان الله بهذه المثابة والأوصاف العظيمة التي يجمعها هذا الاسم الكريم الصمد فينبغي على العبد أن يتوجه إليه دون ما سواه، لماذا تتوجه إلى غيره؟!، فلا تطلب إلا منه، فهو السيد الصمد الذي لا شيء فوقه، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، فالعبد يعلم أنه لا صمدانية ولا وحدانية إلا لله وحده، فلا يطلب غيره، ولا يفتقر إلى غيره بحال من الأحوال، وقد علّم النبي ﷺ أصحابه هذا الأدب الكامل كما جاء في حديث ابن عباس -ا- قال: كنت خلف النبي ﷺ يوماً فقال: (يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)([47]).

فيعلق قلبه بالصمد، أما الخلق فلا يملكون له ضرًّا، ولا نفعاً، والله لا يخيب من توجه إليه، ورجاه، وجاء في حديث أبي هريرة مرفوعاً إلى النبي ﷺ فيما يرويه عن ربه -تبارك وتعالى-: (أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني، واللهِ للهُ أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة، ومن تقرب إليّ شبرًا تقربت إليه ذراعًا، ومن تقرب إليّ ذراعًا تقربت إليه باعًا، وإذا أقبل إليّ يمشي أقبلت إليه أهرول)([48]).

فأَقبِلْ على الله فهو السيد الصمد، وهو خير مقصود، وهو خير مأمول --، فقد أمرنا بالدعاء وضمن لنا الإجابة: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَغافر:60، وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَالبقرة:186، وقد قال طاووس بن كيسان -رحمه الله- لعطاء: "يا عطاء، لا تنزلن حاجتك بمن أغلق دونك أبوابه، وجعل عليها حجابه، ولكن أنزلها بمن بابه مفتوح لك إلى يوم القيامة، أمرك أن تدعوه وضمن أن يستجيب لك"([49])، فلماذا تتوجه إلى غيره؟

لا تسألنّ بُنيَّ آدم حاجةً *** وسـل الذي أبـوابه لا تُحجـبُ

   فالله يغضب إن تركتَ سؤاله *** وبُنيُّ آدم حين يُسأل يغضبُ([50])

وكان السلف يستحون أن يسألوا غير الله، فقد جاء عن سفيان بن عيينة -رحمه الله- قال: "دخل هشام بن عبد الملك الخليفة الأموي الكعبة فإذا هو بسالم بن عبد الله بن عمر -رحمه الله- فقال له: يا سالم سلني حاجة، فقال له: إني لأستحي من الله أن أسأل في بيت الله غير الله، فلما خرج، خرج في أثره فقال له: الآن قد خرجت فسلني حاجة، فقال سالم: من حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة؟ قال: بل من حوائج الدنيا، فقال له سالم: ما سألت من يملكها، فكيف أسأل من لا يملكها؟!"([51])

نعرض أنفسنا على مثل هذا، لو أن أحداً جاءه أحد من العظماء والكبراء والملوك والسلاطين والأمراء، وقال له: اطلب، لربما يتفرق قلبه في أودية شتى ما الذي عسى أن يطلبه ليحوز أكبر قدر من العطاء والغنيمة؟، انظروا إلى السلف كيف يتوجهون إلى الله بحاجاتهم وفقرهم، سؤال المخلوق للمخلوق سؤال فقير لفقير، والله -تبارك وتعالى- هو الغني إذا سألته أحبك، والمخلوق كلما سألته ضاق بك ذرعاً وأبغضك ومقتك وقلاك واستثقلك، والطلب من الخلق في الأصل كما يقول الحافظ ابن القيم -رحمه الله-: محظور، الأصل فيه المنع، ولا يباح إلا للضرورة، كإباحة الميتة للمضطر، يقف ويسأل الناس، يقف في المسجد ويلقي خطبة يشكو فيها من يرحم على من لا يرحم، مثل هذا لا يليق، وقد نص الإمام أحمد -رحمه الله- على أنه لا يجب حتى للمحتاج المستحق لا يجب عليه أن يطلب الناس، يقول ابن القيم: "وكذلك كان شيخنا -يعني شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يعني يقول: إنه لا يجب على الإنسان أن يسأل حتى لو افتقر، يقول: "وسمعته يقول في بعض السؤال: هو ظلم في حق الربوبية، وظلم في حق الخلق، وفي حق النفس، أما في حق الربوبية فلما فيه من الذل لغير الله من سأل ذل-، وإراقة ماء الوجه لغير خالقه، والتعوض عن سؤاله بسؤال المخلوقين، والتعرض لمقته إذا سأل وعنده ما يكفيه يومه، وأما في حق الناس فبما نازعهم ما في أيديهم بالسؤال، واستخراجه منهم، وأبغض ما إليهم من يسألهم ما في أيديهم، وأحب ما إليهم من لا يسألهم؛ فإن أموالهم هي محبوباتهم، ومن سألك محبوبك فقد تعرض لمقتك وبغضك، وأما ظلم السائل نفسه فلأنه يمتهنها ويذلها، يقيمها في مقامات الذل، ويرضى لها بذل الطلب ممن هو مثله، أو لعل السائل خير منه وأعلى قدراً، فيترك سؤال من لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُالشورى:11، ويسأل هؤلاء المخلوقين ويرضى أن يكون شحاذاً من شحاذ مثله، والله وحده هو الغني الحميد، هكذا عبر -رحمه الله- في (مدارج السالكين)([52]).    

أقول: وقد ربى النبي ﷺ بعض أصحابه على نمط من التربية رفيع، وأخذ البيعة عليهم بمقتضى ذلك، وما كان يطالب الجميع بهذا كما جاء في حديث عوف بن مالك قال: "كنا عند رسول الله ﷺ تسعة أو ثمانية أو سبعة فقال: "ألا تبايعون رسول الله ﷺ؟"، وكنا حديثي عهد ببيعة، فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثم قال: ألا تبايعون رسول الله ﷺ؟، يقول: فبسطنا أيدينا، وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، فعلامَ نبايعك؟ قال: (على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، والصلوات الخمس، وتطيعوا الله، وأسر كلمة خفية -وهي الشاهد- ولا تسألوا الناس شيئاً)([53])، (شيئاً) نكره في سياق النفي ما تسأل شيئاً من الأشياء يقول: "فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحداً أن يناوله إياه"، بمعنى أنه ليس الأمر قاصرًا على المال فقط، ما يطلب من أحد من المخلوقين شيئاً، لا يقول له: ناولني, ساعدني, تقضي لي الحاجة الفلانية، وإنما يكون توجهه وافتقاره في جميع الأحوال إلى الله، مع أن ذلك لا يحرم أن يطلب الإنسان مثل هذه الأمور اليسيرة التي اعتاد الناس عليها كأن يقول: أوصلني معك، أو يقول مثلاً: اكتب لي هذه الورقة، أو أعرني هذا القلم، أو نحو هذا، فإن هذا جائز، ولكن الأكمل ألا يطلب الإنسان من الناس شيئاً، وهذا لا يخاطب به جميع الناس، إنما لمن وصل المراتب العالية في العبودية، أما الذي يفعل الحرام ويترك الواجبات ثم يقول: أنا أريد أن أتنزه عن مثل هذه الدقائق، مثل هذا لا يكون، ولا يقبل منه بحال من الأحوال، ولكن أيضًا ينبغي أن يلاحظ أن من الناس من يحط فقره وحاجته -نسأل الله العافية- بالناس، فيعلق قلبه بهم، فإذا جاء يسجل في كلية، في جامعة، في مكان وعنده ما يكفيه، عنده مؤهل وعنده نسبة مقبولة لا يكتفي بهذا، يذهب ليذل وجهه عند فلان وفلان، وسمع أن فلانًا من نفس القبيلة وهو لا يعرفه ويذهب إليه ويلح عليه، وقد يؤكد له الناس أن مثل هذا أمر يسير وأنه لا يحتاج إلى طلب ولا إلى شفاعة، وأن أمره متحقق بإذن الله ولا يكتفي بهذا، ولربما جاء ولبس بشتاً أو لبس زيه الرسمي من أجل أن يقول للناس: ترى لي وجاهة، وترى كذا، اقبلوا، فما الحاجة لهذا؟!.   

وبعضهم إذا جاء يقدم في الدراسات العليا أو نحو ذلك لربما ما ترك أحدًا إلا أخذ منه ورقة توصية، المطلوب اثنتان إن كان ولابد، فلماذا يذل الإنسان نفسه يذهب لكل أحد ممن درس له، وممن لم يدرس له اكتب لي ورقة!، إلى هذه الدرجة؟!، هذه تحتاج إلى هذه المذلة، إذا جاء يتوظف ويشتغل ما يَبقى أحد الأسرة بكاملها الأب بشيبته والأخ، وكلٌّ يكلم عن طريق الرجال، وعن طريق النساء، يا أخي خذ بيمينك ملأى واعتمد على الله ولا تنظر إلى الناس، ولا تلتفت إليهم، لا يكون للإنسان حاجة عند أحد من المخلوقين، وهناك أشياء يسيرة كأن تقول مثلا: أعرني هذا القلم سأكتب الآن، أو نحو هذا، هذا لا يتنزه منه إلا من بلغ المراتب العالية.

وهناك صورة مؤسفة فيها إذلال، وفيها إثقال، وهو أن يكون الإنسان يستطيع أن يحصِّل حاجته، ولكنه لا يكتفي بهذا، وإنما معتاد ولربما مرتسم في ذهنه أنه لا يمكن أن تقضى لأحد حاجة إلا بألوان الشفاعات، بألف شفاعة وشفاعة، هذا كلام ليس صحيحاً، لك حق ستأخذه، ولا تحتاج إلى مثل هذا كله، وكل يوم يأتي ناس يشفعون فهذا نوع من المذلة، توكل على الله واعتمد عليه، ولا يكون الافتقار بهذه الطريقة للخلق، وضعف التوكل على الله، وبعض الناس يقول: هذا من بذل الأسباب، لكن الأسباب لا تكون إلى هذا المستوى!.

وذكر النبي ﷺ وهو على المنبر كما في حديث ابن عمر -ا- الصدقة والتعفف عن المسألة، وقال: (اليد العليا خير من اليد السفلى)([54])، واليد العليا هي المنفقة، واليد السفلى هي السائلة، ويقول شيخ الإسلام: "استغنِ عمن شئت تكن نظيره -تكن مثله-، واحتج إلى من شئت تكن أسيره، وأحسن إلى من شئت تكن أميره"([55])، هذه يحتاج أن يكتبها الإنسان ويضعها على سريره، وعلى المرآة، وفي سيارته، وفي مكتبه، يتذكرها حتى لا ينساها في يوم من دهره أنه لا يحتاج للمخلوقين، ارفع رأسك، ولا تتوجه إليهم، "استغنِ عمن شئت تكن نظيره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره، وأحسن إلى من شئت تكن أميره"، تكون أنت الأمير السيد فلا يحتاج الإنسان إلى أحد من الفقراء العاجزين المخلوقين مثله.

والنبي ﷺ تكفل بالجنة لمن ترك السؤال، كما في حديث ثوبان ، عن النبي ﷺ: (من يتكفل لي أن لا يسأل الناس شيئاً وأتكفل له بالجنة؟، يقول: فقلت: أنا, فكان لا يسأل أحداً شيئاً)([56]).

ومعلوم أن المسألة التي هي بمعنى طلب الأموال من الناس بنفسه، أو السعي في هذا النبي ﷺ أخبر أنه لا يحل إلا في حالات ثلاث كما في حديث أبي بشر قبيصة بن المخارق قال: تحملتُ حَمالة فأتيت النبي ﷺ أسأله فيها فقال: (قم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها، ثم قال: يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة، رجل تحمل حَمالة فحلت لهالمسألة حتى يصيبها،...)([57]).

"تحمل حمالة" مثل: اقتتلت طائفتان فأصلح بينهما، وتحمل الدماء والشجاج وما إلى ذلك، فيُعطَى ولو كان غنيًّا حتى يصيبها، ثم يمسك، (ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش، أو قال: سداداً من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا -من العقلاء-من قومه: لقد أصابت فلاناً فاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش، أو قال: سداداً من عيش، فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحت يأكل صاحبها سحتاً).

فالمقصود: أن العبد لا يسأل غير الرب الصمد السيد --، وفي الحديث: (من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن أنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل)([58]).

أمامَ بابك كلُّ الخلق قد وقفوا *** وهم ينادون يا فتاحُ يا صمدُ

فأنت وحدك تعطي السائلين ولا *** ترد عن بابك المقصود مَن قصدوا

والخيرُ عندك مبذول لطالبه *** حتى لمن كفروا حتى لمن جحدوا

إن أنت يا رب لم ترحم ضراعتهم *** فليس يرحمهم من بينهم أحدُ

والله يقول: (يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا بن آدم، لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة)([59])، فإذا أذنب العبد توجه إلى الله بالاستغفار، وإذا افتقر توجه إليه بطلب الغنى، وإذا مرض توجه إليه يطلب رفع الضر ودفعه.

وقد جاء في حديث أبي هريرة في القصة المعروفة في غزوة تبوك لما نفذت أزوادهم، وأشار عمر على النبي ﷺ أن يدعو، فالنبي ﷺ دعا بنطع فبسطه، ثم دعا بفضل أزوادهم فجعل الرجل يجيء بكف ذرة، قال: ويجيء الآخر بكف تمر، قال: ويجيء الآخر بكسرة حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير، فدعا النبي ﷺ بالبركة ثم قال: (خذوا في أوعيتكم، فأخذوا حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملئوه)([60])، فهذا هو الصمد --، وهكذا كان النبي ﷺ وأصحابه يصمدون إليه في طلب الحاجات.

وفي حديث أنس في قصة الاستسقاء على المنبر، لما جاء رجل والنبي ﷺ يخطب على المنبر فقال: يا رسول الله، هلك المال، وجاع العيال، فادع الله لنا أن يسقينا، فرفع رسول الله ﷺ يديه وما في السماء قَزَعة، فثار سحاب أمثال الجبال، ثم لم ينزل عن منبره ﷺ حتى رأينا المطر يتحادر عن لحيته, قال: فمُطرنا يومنا ذلك، ومن الغد، ومن بعد الغد، والذي يليه إلى الجمعة الأخرى، فقام ذلك الأعرابي أو رجل غيره، فقال: يا رسول الله، تهدم البناء، وغرق المال، ادعُ الله لنا، فرفع النبي ﷺ يديه، وقال: (اللهم حوالينا ولا علينا)، قال: فما جعل يشير بيديه إلى ناحية من السماء إلا أُفرجت حتى صارت المدينة مثل الجَوبة حتى سال الوادي -وادي قناة- شهراً، ولم يجئ أحد من ناحيةٍ إلا حدّث بجود([61])، الخصب، الربيع، -اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه.

وجاء أيضاً في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -ا-، أن النبي ﷺ تلا قول إبراهيم فيما أخبر الله به عنه: رَبِّ إِنَّهُنَّ أي: الأصنام، أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّيإبراهيم:36، وقول عيسى ﷺ: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَالمائدة:118 الآية، فرفع يديه وقال: (اللهم أمتي أمتي، وبكى, فقال الله: يا جبريل، اذهب إلى محمد -وربك أعلم- فسله ما يبكيه؟ فأتاه جبريل فأخبره رسول الله ﷺ بما قال -وهو أعلم-، فقال الله تعالى: يا جبريل، اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك)([62]).

انظروا إلى كل أحوالنا معاشر المخلوقين وإلى فقرنا وحاجتنا، وإلى كمال غنى الله لو تخلى الله عنا طرفة عين كيف يكون الحال؟!، لو أغنى الناس وأعظم الناس هتك الله فيه عرقاً صغيراً في رأسه كيف تكون حاله؟!، لو أن الله -تبارك وتعالى- منع عنه هذا النفَس هل تدفع عنه أمواله؟، وما وقع للخليفة الرشيد حينما وعظه من وعظه حينما كان يشرب كأساً من ماء فقال: "لو مُنع ذلك منك كم تدفع؟, قال: نصف ملكي، -والواقع أنه يدفع جميع ملكه-، فقال: لو حُبس عنك خروجه؟, قال: أدفع نصف ملكي, هذا هو المخلوق"([63]).   

ملك الرشيد يبلغ إلى المحيط وأبعد من المحيط غرباً، ثم إلى حدود الصين شرقاً، فانظروا إلى أحوالنا جسم الإنسان وما فيه من الأمور العجيبة الدقيقة لو أنه حصل فيها خلل، لو تغيرت نسبة شيء من هذه الإفرازات، أو الغدد تحركت بصورة أكثر من المعتاد، أو أبطأت ما الذي يحصل؟ لا تطاق الحياة، ويكون عند الإنسان ثقافة كاملة بهذه الغدة التي لم يسمع بها قط قبل ذلك، أليس كذلك؟

لو أن الكلية قصرت في وظيفتها ما الذي يحصل؟.  

تزداد نسبة الحموضة في الدم، وإذا زادت نسبة الحموضة ما الذي يحصل؟، هو شيء مشاهد توتر وقلق وضيق، وعصبية، وغضب شديد، وسريع، والذين حوله لا يدرون لماذا يقع له ذلك، ربما يظنون أنه بسبب الجزع تغيرت أخلاقه، هي نسبة الحموضة، أحد الإخوان من أكثر الناس جدًّا واجتهاداً وحرصاً، وقد سافر إلى أحد العلماء من أجل أن يطلب العلم وسكن في مكان وصار مؤذناً لمسجد فأصيب بمرض لا يدري ما هو، فصار ينام الليل والنهار، والناس يطرقون أبوابه بالحجارة الكبيرة ولا يشعر، فذهب إلى مجموعة من المستشفيات والأطباء وقالوا: ليس بك بأس، حتى عرفت علته وهو أنه فيه تقرح في المريء يسير يفرز مادة تسبب له هذا النوم الكثير لا يدري أين هو، شيء يسير انظر ما الذي حصل له!، الملح إذا زاد يؤثر في الدم إذا أصبح الدم لزجاً ما الذي يحصل؟، التجمد، الجلطات، الشلل، أو فقد البصر، أو فقد الذاكرة، انظر إلى هذه الأشياء بينما الرجل في لهوه وأنسه وبين أهله يسقط لا يُدرى ما الذي أصابه.

نحن لا نستغني عن الله وعن ألطافه فنتوجه إليه أن يحفظنا وأن يرعانا.

والأمر الثالث من هذه الثمرات: أنه إذا كان هذا معنى الصمد وأن المخلوق يمكن أن يحصِّل بعض هذه الأوصاف مما يصلح للمخلوق الضعيف فينبغي عليه أن يلتفت إلى نفسه وأن يكملها، ويقضي للناس حوائجهم، يعين المحتاجين، يعين الفقراء لا يتبرم بهم، يقدم لهم ما يستطيع في أمور دينهم ودنياهم ولا يغلق عليه بابه ويكون أنانيًّا ليس له مطلوب إلا أن يحرز المكاسب لنفسه فحسب، فإذا كان العبد مصموداً كما يقال وبابه مقصوداً فإنه يكون بذلك عظيماً، وأما الذي يعيش لنفسه فإنه لا يجاوز هذا المكان الذي يجلس فيه، وهو أنه يحتل لربما ربع متر فقط ويموت ويحيا لا أثر له ولا قيمة، بينما تجد الآخر مثل الشمس، انظروا إلى الشيخ ابن باز -رحمه الله- أمثِّل به؛ لأنه مثال حي عشناه وعرفناه- لما مات كان موته كارثة على الصغير والكبير والغني والفقير والعالم والجاهل ثُلمة لم تُسد، اسألوا الفقراء، اسألوا أصحاب الحاجات، اسألوا طلاب العلم، اسألوا كيف كان، كما جاء عن هشام بن عروة عن أبيه قال: "أدركت سعد بن عبادة ومنادٍ ينادي على أُطَم من أُطَم المدينة: من أحب شحماً ولحماً فليأتِ سعداً، يقول: ثم أدركت ابنه قيساً ينادي مثل ذلك"([64])، فنحن نحاول أن نربي أنفسنا على أن لا نتبرم بحاجات الناس قدر المستطاع وإن كان ضعفنا أحياناً وتربيتنا تؤنبنا وتقعدنا وتجذبنا إلى الهبوط والسفول، وهذا لا شك أنه تقصير لكن الإنسان حينما يسمع هذه المعاني فإنه يرتقي ويرتفع ويرفع نفسه ألا يعيش لنفسه.  

الرابع والأخير من هذه الثمرات: هو طمأنينة النفس إذا علم العبد أن ربه هو السيد الصمد الذي يرجع إليه الأمر كله، فإنه يلجأ إليه، ويعتمد عليه لا يعتمد على أحد سواه فالله هو القادر وحده على تحقيق مطالبه، فتحصل له الطمأنينة

 

طمأنينة النفس إذا علم العبد أن ربه هو السيد الصمد الذي يرجع إليه الأمر كله، فإنه يلجأ إليه، ويعتمد عليه لا يعتمد على أحد سواه فالله هو القادر وحده على تحقيق مطالبه، فتحصل له الطمأنينة

 

، والسكينة والثقة القوية المطلقة بالله، والأمل الواسع به، تحصل له قوة تشرح الصدر، وتبعثه على العمل، ولا ييأس لا يقنط مهما تتابعت عليه الأوجاع والأمراض والعلل والأوصاب والفقر وما إلى ذلك فإنه يطلب من الغني الذي نواصي الخلق بيده، إذا قال له الأطباء: هذا المرض ما له علاج، ليس له علاج، (ما أنزل الله من داء إلا جعل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله)([65])، يعلم أن العلاج عند الله فيلجأ إليه إذا توقف الأطباء، بل حتى حينما يذهب إلى الأطباء يكون معتمدًا على الله، وإنما هو سبب فقط، أين الذين إذا فوجئوا بالتقرير أن هذا المرض نادر في العالم، أو لم يكتشف له دواء أصيبوا بالإحباط والانهيار وبدأوا يشعرون بمشاعر القنوط؟.    

المؤمن الذي يعرف السيد الصمد ثقته كبيرة بالله، وأمله واسع لا يمكن أن ينقطع، لا يمكن أن تظلم الدنيا في عينه، لا يمكن أن تسد الأبواب، فالله على كل شيء قدير، فينشط، وتوجد عنده بواعث العمل ويبذل الأسباب، ويعتصم بالله فربه بر، رحيم، ودود، لطيف يجد فيه الملاذ عند الشدة، يجد فيه الأنس حال الوحشة، والنصير حال القلة، فيعيش متفائلاً، مستبشراً، بانشراح عظيم، مع ما فيه من العلل، والأوجاع والأمراض، وهذا مشاهد يوجد عند بعض الناس، ولازلنا نشاهد أمثلته منه، ولكن هؤلاء قلة، والإنسان قد لا يعرف نفسه إلا في حال الشدة، فالله -تبارك وتعالى- هو الذي يملك أزمّة الأمور، الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِالشعراء:78-80، وهكذا إذا قارف الذنوب توجه إليه، توضأ، صلى ركعتين، استغفر تاب فيتوب الله عليه، قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُالزمر:53، فيركن العبد إلى جناب منيع عظيم لا يعجزه شيء ولا ينقصه شيء ولا يفتقر إلى شيء، فيكون بذلك قويًّا معتصماً بالله --.

هذا، وأسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.  



[1]- أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق (ص: 183)، برقم (545)، وانظر: شرح السنة للبغوي (14/ 136).

[2]- أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، باب في كراهية التمادح، برقم (4806)، والنسائي في السنن الكبرى، برقم (10005)، وأحمد في المسند، برقم (16307)، وقال محققوه: "إسناده صحيح على شرط مسلم"، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (3700).

[3]- نونية ابن القيم (ص: 209).

[4]- انظر: تحفة المودود بأحكام المولود (ص: 126).

[5]- أخرجه مسلم، كتاب الفضائل، باب تفضيل نبينا ﷺ على جميع الخلائق، برقم (2278).

[6]- انظر: العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (1/ 384)، برقم (96)، وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (1/ 156)، برقم (98).

[7]- تحفة المودود بأحكام المولود (ص: 127).

[8]- أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب إذا نزل العدو على حكم رجل، برقم (3034)، وبرقم (6262) في كتاب الاستئذان، باب قول النبي ﷺ: (قوموا إلى سيدكم)، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب جواز قتال من نقض العهد، وجواز إنزال أهل الحصن على حكم حاكم عدل أهل للحكم، برقم (1768).

[9]- انظر: عمدة القاري شرح صحيح البخاري (2/ 55)، ولسان العرب (3/ 230).

[10]- انظر: لسان العرب (3/ 229)، والغريبين في القرآن والحديث (3/ 948).

[11]- معالم السنن (4/ 112).

[12]- المصدر السابق.

[13]- انظر: بدائع الفوائد (3/ 213).

[14]- انظر: المصدر السابق.

[15]- أخرجه البخاري، كتاب العتق، باب كراهية التطاول على الرقيق، وقوله: عبدي أو أمتي، برقم (2550).

[16]- أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، باب لا يقول المملوك ربي وربتي، برقم (4976)، وأحمد في المسند، برقم (8197)، وقال محققوه: "إسناده صحيح على شرط الشيخين"، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (7758).

[17]- أخرجه البخاري، كتاب أصحاب النبي ﷺ، باب مناقب بلال بن رباح مولى أبي بكر -ا-، برقم (3754).

[18]- انظر: فتح الباري لابن حجر (5/ 179).

[19]- أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، باب في كراهية التمادح، برقم (4806)، والنسائي في السنن الكبرى، برقم (10003)، وأحمد في المسند، برقم (16307)، وقال محققوه: "إسناده صحيح على شرط مسلم"، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (3700).

[20]- لسان العرب (3/ 258).

[21]- انظر: لسان العرب (4/ 267)، وتفسير الثعلبي (الكشف والبيان عن تفسير القرآن) (10/ 335).

[22]- تفسير الطبري (24/ 693).

[23]- المصدر السابق (24/ 737).

[24]- الدر المصون في علوم الكتاب المكنون (11/ 152).

[25]- أخرجه مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع، برقم (2713).

[26]- انظر: عون المعبود وحاشية ابن القيم (2/ 273).

[27]- مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (1/ 47).

[28]- انظر: بدائع الفوائد (1/ 160)، وفائدة جليلة في قواعد الأسماء الحسنى (ص: 17).

[29]- انظر: الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة (3/ 1025)، ومختصر الصواعق المرسلة (ص: 163).

[30]- انظر: الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة (3/ 1025-1027).

[31]- نونية ابن القيم (ص: 209).

[32]- انظر: تفسير ابن كثير (8/ 528).

[33]- المصدر السابق (8/ 529).

[34]- تاج العروس (8/ 295-296)، ولسان العرب (3/ 258).

[35]- انظر: مجموع الفتاوى (17/ 214).

[36]- انظر: المصدر السابق (5/ 515).

[37]- أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (1/ 475).

[38]- انظر: تفسير السعدي (ص: 937).

[39]- انظر: مجموع الفتاوى (17/ 238).

[40]- انظر: شرح حديث النزول (ص: 25)، ومجموع الفتاوى (17/ 239).

[41]- انظر: مجموع الفتاوى (17/ 239).

[42]- تفسير القرطبي (20/ 245).

[43]- أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةُ الحَطَبِ، برقم (4974).

[44]- أخرجه الترمذي، أبواب الدعوات عن رسول الله ﷺ، باب جامع الدعوات عن النبي ﷺ، برقم (3475)، وصححه الألباني في تحقيق مشكاة المصابيح، برقم (2290).

[45]- البداية والنهاية (10/ 366).

[46]- أخرجه البخاري، كتاب الوضوء، باب فضل من بات على الوضوء، برقم (247)، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع، برقم (2710).

[47]- أخرجه الترمذي، في أبواب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله ﷺ، برقم (2516)، وأحمد في المسند، برقم (2763)، وقال محققوه: "حديث صحيح"، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (7957).

[48]- أخرجه البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُآل عمران:28، برقم (7405)، ومسلم، كتاب التوبة، باب في الحض على التوبة والفرح بها، برقم (2675)، واللفظ لمسلم.

[49]- صفة الصفوة (1/ 454).

[50]- جلاء الأفهام، لابن القيم (ص:203).

[51]- صفة الصفوة (1/ 352-353)، والبداية والنهاية (9/ 262).

[52]- انظر: مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (2/ 130).

[53]- أخرجه مسلم، كتاب الزكاة، باب كراهة المسألة للناس، برقم (1043).

[54]- أخرجه البخاري، كتاب الزكاة، باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى، برقم (1429)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى، وأن اليد العليا هي المنفقة وأن السفلى هي الآخذة، برقم (1033).

[55]- انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية (1/ 39).

[56]- أخرجه أبو داود، كتاب الزكاة، باب كراهية المسألة، برقم (1643)، وأحمد في المسند، برقم (22374)، وقال محققوه: "إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير صحابيه، فمن رجال مسلم"، وقال الألباني: "إسناده صحيح على شرط الشيخين"، في صحيح أبي داود، برقم (1450).

[57]- أخرجه مسلم، كتاب الزكاة، باب من تحل له المسألة، برقم (1044).

[58]- أخرجه أبو داود، كتاب الزكاة، باب في الاستعفاف، برقم (1645)، وأحمد في المسند، برقم (3869)، وقال محققوه: "إسناده حسن على خطأ فيه"، وصحح إسناده الألباني في صحيح أبي داود، برقم (1452).

[59]- أخرجه الترمذي، أبواب الدعوات عن رسول الله ﷺ، باب في فضل التوبة والاستغفار وما ذكر من رحمة الله بعباده، برقم (3540)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع، برقم (4338).

[60]- أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب من لقي الله بالإيمان وهو غير شاك فيه دخل الجنة وحرم على النار، برقم (45).

[61]- أخرجه البخاري، كتاب الجمعة، باب الاستسقاء في الخطبة يوم الجمعة، برقم (933)، ومسلم، كتاب صلاة الاستسقاء، باب الدعاء في الاستسقاء، برقم (897).

[62]- أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب دعاء النبي ﷺ لأمته، وبكائه شفقة عليهم، برقم (346).

[63]- تجارب الأمم وتعاقب الهمم (4/ 21).

[64]- أخرجه الطبراني في مكارم الأخلاق (ص: 377)، برقم (176)، وابن أبي شيبة في المصنف، برقم (26620).

[65]- أخرجه النسائي في الكبرى، برقم (7513)، وأحمد في المسند، برقم (4236)، وقال محققوه: "صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن"، وبرقم (23156)، وقال محققوه: "إسناده صحيح"، والحاكم في المستدرك، برقم (7424)، والطبراني في الأوسط، برقم (2534)، واللفظ له وللحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (1809).

مواد ذات صلة