الجمعة 20 / جمادى الأولى / 1446 - 22 / نوفمبر 2024
(06) مواصلة الحديث عن الفرق التي كان الانحراف يبدأ فيها يسيرًا ثم يتوسع في الأتباع
تاريخ النشر: ٠٧ / ذو القعدة / ١٤٣٥
التحميل: 10108
مرات الإستماع: 2525

المقطع المرئي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فمرحبًا بكم أيها الأحبة، ونواصل الحديث عن هذه الطوائف التي كان الانحراف يبدأ فيها يسيرًا ثم ما يلبث أن يتوسع ويتشعّب.

فهؤلاء الخوارج مثلاً صاروا بعد ذلك -كما سيأتي إن شاء الله- إلى طوائف وفرق يكفر بعضها بعضًا، فتبنوا عقائد أخرى.

وصاروا يخرجون حتى يخيل لمن يطالع في التاريخ أن هؤلاء قد شغلوا الدنيا، كنت أعجب حينما أقرأ في تاريخ الدولة الأموية، والدولة العباسية على سبيل المثال، كيف فُتحت الأمصار، وكيف كانت الجيوش تغزو الكفار، فحصلت الفتوحات، وهؤلاء يخرجون من كل ناحية.

وسيأتي -إن شاء الله تعالى- تفصيل لهذا وسترون أشياء، فلربما هزموا عشرين جيشًا، ولربما قتلوا ستين قائدًا في معركة واحدة من قواد الدولة العباسية، يقتلون ستين قائدًا في وقعة واحدة، عجائب وغرائب.

حقيقة مذهب هؤلاء كما يقول أيوب السختياني من أئمة التابعين: "أصحاب الأهواء كلهم خوارج، اختلفوا في الاسم، واجتمعوا على السيف"[1].

بمعنى: أن هؤلاء لا يقولون ويقرون ويذعنون بأنهم خوارج، لكن الواقع أنهم كذلك.

الجانب الآخر أيضًا أن هؤلاء الخوارج لم يكونوا على حال واحدة في الاعتقاد، وإنما كانوا يختلفون اختلافات كثيرة جدًّا.

كثير من الخوارج كان لا يتولى عبدالرحمن بن ملجم الذي يعد من زعمائهم، وهو الذي قتل عليًّا -.

يقولون: لأنه قتله غيلة، فبعض الخوارج لا يرون القتل غيلة، ولكن بعضهم يرى ذلك.

وكذلك أيضًا كما سيأتي في الكلام على بعض فرقهم فرقة يقال لها النَّجْدات، نسبة إلى نَجْدة الحنفي.

أنا متأكد أن الكثيرين ممن يستمعون لهذا الكلام لم يسمعوا بكثير من هذه الفرق، ولا بزعمائها، فذهبوا، وذهب من اغتّر بهم، وهلك في سبيل باطلهم.

ولذلك نقول: لا يصح لأحد أن يغرر بنفسه، فهي نفس واحدة.

هؤلاء النَّجْدات من الخوارج كانوا لا يكفرون أصحاب الحدود من موافقيهم[2].

يعني: لا يشترط في الخوارج أنهم يكفّرون صاحب الكبيرة مثلاً، ما كانوا يتفقون على هذا.

الذين خرجوا على عليٍّ ما كانت القضية عندهم أن صاحب الكبيرة كافر، وإنما كانوا يقولون: حكّمت الرجال في دين الله ، فكفروه بهذا الاعتبار.

لم يكن المبدأ أن صاحب الكبيرة كافر، إذًا لا يُشترط في الحكم على هؤلاء أن يقر الواحد منهم أنه يكفر صاحب الكبيرة.

هذا ليس بشرط، ولم يكن الخوارج يتفقون على هذا الأصل، إطلاقًا، ولم يمنع ذلك من تسميتهم بالخوارج، ما كل الخوارج يقولون بهذا الأصل، ويوافقون عليه، وكما ترون الآن هؤلاء النَّجْدات لا يكفرون أصحاب الحدود، أصحاب الحدود أصحاب ماذا؟، أصحاب كبائر، مِن موافقيهم.  

وقد قال قوم من الخوارج: إن التكفير إنما يكون بالذنوب التي ليس فيها وعيد مخصوص، وهذه طائفة أخرى، فأما الذي فيه حد أو وعيد في القرآن فلا يزاد صاحبه على الاسم الذي ورد فيه، كأن يقال: فلان زانٍ، فلان سارق، ونحو ذلك.

النجدات من الخوارج يقولون بأن صاحب الكبيرة من موافقيهم كافر نعمة، وليس بالكفر المخرج من الملة.

إذًا هؤلاء في تكفير صاحب الكبيرة لم يكونوا على وفاق، هذه قضية مهمة، فبعض هؤلاء الخوارج لا يكفرون مطلقًا صاحب الكبيرة.

فلا يشترط أن يكون ممن يكفر صاحب الكبيرة، ونقول: فلان لا يكفر أصحاب الكبائر إذًا هو ليس من الخوارج، لا.

قد يكفِّر على ما هو أقل من الكبائر، يكفر كل من خالفه في الاجتهادات، ويستحل دمه، هذا أعظم من التكفير بالكبائر، هو يكفره؛ لأنه خالف في اجتهاد، فالذي يكفِّر على الكبيرة يكون أكثر احترازًا من هذا الذي يكفر من خالفه في اجتهاده.

وما تقول في فلان؟، وما تقول في فلان؟، مثل هؤلاء الذين قتلوا عبدالله بن خباب، ما قتلوه على أنه صاحب كبيرة، ما تقول في عليٍّ؟، ما تقول في عثمان قبل وبعد؟ إذًا لابد أن نفهم هذا المعنى جيدًا.

قد يكون هؤلاء أصحاب عبادة، كأولئك الذين خرجوا على عليٍّ ووصفهم ابن عباس بما وصفهم، وقد يكون هؤلاء من البطالين، ليسوا بأصحاب عبادة، وإنما جفاة، أجلاف، جفت نفوسهم من العبادة، ولكنهم اتفقوا على هذا الأصل.

يستحلون قتل من خالفهم ويكفرونه، فقد لا يكون هؤلاء بمنزلة من التعبد، فهذه أمور نحتاج أن نتبصرها، وأن نعرفها.

البدعة والضلالة والانحراف يبدأ صغيرًا ثم يتسع:

المرجئة -على سبيل المثال- كيف بدأ الإرجاء؟ وإلى أي شيء بلغ -نسأل الله العافية؟.

يقولون: إن أول من تكلم في الإرجاء: هو الحسن بن محمد ابن الحنفية، كتب رسالة، ذكرها الحافظ ابن حجر -رحمه الله[3]وغيره[4].

ثم بعد ذلك استُغلت، وفُهمت على غير مراده، ودخل عليه بعضهم ولامه أنه أسس الآن انحرافًا جديدًا، وهو الإرجاء، فقال: وددت أني كنت مت ولم أكتبه[5].

الإرجاء المنسوب إلى الحسن كيف كان؟

هي كلمة قيلت في أمر المشتركين في الفتنة التي حدثت بين أهل الشام والعراق.

الخوارج كفروهم، واصل بن عطاء، قال: إحدى الفئتين -يعني: التي ليس معها الحق، ولم يحدد قد يكون هؤلاء، وقد يكون هؤلاء- فاسقة لا تقبل شهادتها.

هذا ماذا قال؟ يقول بأن نرجئ أمرهم إلى الله، كلمة.

نترك ونفوض أمر هؤلاء إلى الله، والله يتولى عباده. فهذا غير ما كان عليه المرجئة، عقائد المرجئة تختلف عن هذا.

لكنها كلمة طار بها الشيطان، فتلقفها بعد ذلك طوائف، وهي عبارة عن رد فعل لموقف الخوارج الذين يكفرون من خالفهم، وكذلك أيضًا يحكمون بخلود هؤلاء في النار من أهل الكبائر.

وكذلك أيضًا المعتزلة الذين يقولون: في منزلة بين المنزلتين، فهو الفاسق الملي، ويحكمون بخلوده في النار.

رد فعل الآن مقابل الوعيدية من الخوارج والمعتزلة، جاء هؤلاء ويقولون، يعني: المرجئة الجهمية الخُلّص -نسأل الله العافية- قالوا: الإيمان هو مجرد المعرفة في القلب، هذا القول انتشر، ولم يبقَ مع غلاة الجهمية، بل تلقفه بعض أهل الكلام، ذكر بعض أهل العلم أنه تلقفه أيضًا الأشعري، ونصره، وكذلك قال به أكثر أصحابه لكنهم قالوا: الإيمان تصديق القلب.

يعني: ما عبروا بالمعرفة، قالوا: تصديق القلب.

المرجئة هؤلاء طوائف: الكرّامية من المرجئة، يقولون: الإيمان قول باللسان فقط، لاحظ أولئك يقولون: المعرفة، وهؤلاء قالوا: التصديق فقط.

فرعون كان مصدقًا وعارفًا، وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ [النمل:14]، وهو رأس الكفر.

وأبو طالب كان يقول:

ولقد علمتُ بأن دين محمدٍ من خير أديانِ البرية دينًا

في قصيدة طويلة جميلة نقلها ابن كثير -رحمه الله- في البداية والنهاية[6]، تنسب لأبي طالب يمدح فيها النبي ﷺ ويذكر عذره في عدم الدخول في الإسلام، وأنه يخشى أن يُعيَّر بذلك فيقال: ترك دين الآباء والأجداد.

الشاهد: أن هؤلاء الكرّامية كانوا يقولون: الإيمان قول باللسان فقط، فمن تكلم به فهو كامل الإيمان، فإن كان مقرًّا بقلبه فهو من أهل الجنة وإن كان مكذبًا بقلبه كان منافقًا من أهل النار.

هذا قول الكرّامية ولم يسبقهم إليه أحد كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو آخر ما أُحدث من الأقوال في الإيمان[7].

لاحظ الآن انتهى الأمر بعد كلمة قيلت: "نرجئ أمرهم إلى الله" إلى أن الإيمان مجرد المعرفة القلبية أو مجرد القول باللسان فقط.

مع أن الإيمان هو: اعتقاد بالجنان، وإقرار باللسان، وعمل بالجوارح، فهؤلاء يقولون: أفجر الناس إيمانه كإيمان جبريل لا فرق بين الفاجر والبَر في الإيمان، هم سواء في الإيمان، لا تضر مع الإيمان معصية ولو كانت كبيرة، ولا ينفع مع الكفر طاعة مهما عظمت، هؤلاء جاءوا بعقيدة في غاية الفساد.

بداية القول بالقدر:

القول بالقدر كيف بدأ؟ القدرية وطوائف القدرية، ومذاهب القدرية كيف كانت البداية؟

ذكر بعضهم أن منشأ ذلك أن الكعبة لما احترقت في عهد ابن الزبير، وهو محصور بمكة من قبل الحجاج. يقولون: فقال أناس: احترقت بقدر الله.

فقال آخرون: لم تحترق بقدر الله[8].

كأن هذا ردة فعل، لربما فهموا أن الذين قالوا: احترقت بقدر الله أنهم يعتذرون أو يريدون أن يخففوا من جرم الحجاج.

أن هذا قدر، قضاء وقدر.

يعني: لا يصح بحال من الأحوال أن تكون ردود الأفعال تَحمل على ركوب الضلالات.

هكذا كانت البداية، لكن البداية الحقيقية بداية الضلال الكبير كان أول ذلك على يد معبد الجهني كما جاء في صحيح مسلم عن يحيى بن يعمر أنه قال: كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني[9].

ومعبد الجهني هذا أخذ مقالته عن رجل نصراني يقال له: سوسن.

يقول الأوزاعي: أول من نطق في القدر رجل من أهل العراق يقال له: سوسن وكان نصرانيًّا فأسلم ثم تنصر، فأخذ عنه معبد الجهني، وأخذ غيلان الدمشقي عن معبد الجهني[10].

 يقول ابن عون المتوفى سنة مائة وواحد وخمسين: أدركت الناس وما يتكلمون إلا في علي وعثمان -يعني من هو الأفضل- حتى نشأ هاهنا حقير يقال له: سَنْسويه، هو يقال له: سوسن، ويقال له: سنسويه[11].

وعلى كل حال القاعدة عند العلماء من أهل اللغة وغيرهم: أعجميٌّ فالعب به، يعني القاعدة عندهم أن الأسماء الأعجمية لا يتقيد العرب بالنطق بحروفها كما ينطق الأعاجم، وإنما يتصرفون بها بما يوافق ألسن العرب ومعهودهم في الكلام.

فيقولون: أعجميٌّ فالعب به، يعني غيِّرْ بالاسم بما يتفق مع اللسان العربي.

فيقول: هذا الرجل كان أول من تكلم في القدر.

بداية ظهور التصوف:

التصوف على سبيل المثال، التصوف في البداية كان رد فعل للترف، والانغماس في اللذات في عهد بني أمية، صارت ردود أفعال عند طائفة فأظهروا الزهد.

فكانت القضية في البداية زهدًا عن حطام الدنيا ومتاعها ولذاتها، فيلبسون لربما الخشن من اللباس، ويأكلون الغليظ من الطعام، مقابل أولئك الذين صارت حياتهم مخملية كما يقال، فهي رد فعل.

لكن الأمر ما وقف عند هذا، التصوف مضى في مراحل وأطوار، بعد أن كان ممارسات فردية تحول إلى فرق، وطرق لها مدارسها، ولها أربطتها، ولها كل ما تحتاج إليه، ولا تنقطع بموت الشيخ الذي يرتبط به هؤلاء من المريدين، وإنما يتوارث ذلك بعده أقوام.

وهكذا بدأت الكرامات التي تضاف إليهم، وبدأ كثير من هؤلاء ونحن لا نعمم الأحكام، لكن كثير من هؤلاء صار طوائف منهم يربطون التصوف بالفلسفة، التصوف الفلسفي، فهذا وصل بهم إلى الزندقة، أمثال الحلاج وابن سبعين، ونحو هؤلاء كابن عربي، فإذا قرأت في كلامهم وما يسمونه بالتفسير الإشاري الذي يقوله هؤلاء هو زندقة، فضلاً عن كون أكثر الكلام أصلاً لا يُفهم؛ لأنه مُزج بالفلسفة، هذا الذي يُسمى بالتصوف الفلسفي، المنهج الفلسفي في التصوف، زندقة.

وصاروا يقولون: إن القرآن له ظاهر وباطن، ويقولون: إن هؤلاء العامة الفقهاء والعلماء، ومن تبعهم يقولون: هؤلاء لهم الظواهر، ولنا البواطن.

وجاءت عقيدة الحلول والاتحاد، ووحدة الوجود، وصار الواحد من هؤلاء يقول: ما في الجُبّة -الثوب الذي يلبسه- إلا الله، تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا.

آخر يرى كلبًا، ويقول لصاحبه: هذا ربي وربك، وآخر يقول:

 العبدُ ربٌّ والربُّ عبدٌ يا ليت شعري مَن المكلَّف

هذه عقيدة أصحاب وحدة الوجود والحلول والاتحاد، ما صارت القضية مجرد زهد.

لا نقول: كل الصوفية هكذا، هم يتفاوتون في بدعهم، وانحرافاتهم، لكن بلغ الأمر بقوم منهم إلى هذا الحد -نسأل الله العافية.

وفشت هذه الطرق الصوفية في أرجاء البلاد الإسلامية، شرقًا وغربًا، وعُمرت الأضرحة، وصار يطاف ببعضها كما يطاف بالكعبة، وصار يستغاث بأصحاب القبور، وتقدم لهم النذور، والذبائح، وما إلى ذلك.

فعُبِد هؤلاء من دون الله، وصار هؤلاء يدّعون أو يُدّعى لبعضهم أنه يعلم الغيب، وأنه يعلم ما في نفسك، وفي كتبهم أشياء في التراجم التي تنسب للسلمي، وابن عربي -وليس ابن العربي المالكي، وإنما ابن عربي، تجد في طبقات السلمي، وفي طبقات الشعراني، تجد من هذا أشياء كثيرة تجد المريد يجلس بين يدي الشيخ، فيذكر له الشيخ ما يدور في نفسه من انتقاد مثلاً على تصرف من التصرفات.

تاريخ طويل، وممارسات عجيبة من الانحرافات والضلالات، فيقولون لمن أنكر شيئًا من ذلك: أنت محجوب. يعني: أنت ترى أن هذا الشيخ يفعل الفاحشة بهذه الدابة مثلاً، والواقع أنه لا يفعل ذلك، وإنما هو يصلي، أو يذكر ربه، ولكن لأنك محجوب ترى الأمور على غير حقيقتها.

ليس كل الصوفية هكذا، لكن هذا موجود في بعض كتب الطبقات هذه، انظر إلى أين وصل الحال والانحراف!.

هكذا تبدأ الانحرافات، ثم بعد ذلك تصير وتتحول إلى شيء آخر.

أسباب انتشار الضلالات:

ما الذي جعل هذه الضلالات المعتزلة، وغير المعتزلة تنتشر حتى كادت أن تطبق المعمورة في بعض المراحل التاريخية؟

هذا له عدة أسباب، من ذلك:

أولا: الاتصال بالخلفاء، والتأثير عليهم، واستعدَوْهم على خصومهم منذ وقتٍ مبكر.

عمرو بن عبيد هذا الذي حدثتكم عنه، وهو من تلامذة الحسن البصري، وهو رأس من رءوس المعتزلة، كان صفيًّا لأبي جعفر المنصور، ويقول فيه أبو جعفر المنصور:

 كلُّكم يمشي رويدا كلكم يطلب صيدا

غيرَ عمرو بن عبيد[12].

أبو هذيل العلاف الذي ذكرت خبره كان أستاذًا للمأمون -شيخ المأمون، ماذا تتوقع؟ المأمون هو الذي أظهر القول بخلق القرآن، وجُلد الإمام أحمد في عهد المعتصم؛ لأن المأمون مات والإمام أحمد في الطريق إليه.

يحيى بن أكثم المعتزلي كان يحكي عن المأمون أنه كان إذا دخل عليه هشام بن عمرو الفوطي -من زعماء المعتزلة- يتحرك له حتى يكاد يقوم.

المأمون يكاد يقوم للفوطي من شدة ولعه به واحترامه وتعظيمه له، خليفة!.

ثُمامة بن أشرس -من زعماء المعتزلة ومن كبارهم- يقولون: هو الذي أغوى المأمون بأن دعاه إلى مذهب المعتزلة.

غير المعتزلة: أهل الكلام من الأشاعرة مثلاً هؤلاء تبناهم بعض كبار الوزراء، من أشهر هؤلاء: نِظام المُلك الذي تولى الوزارة لسلاطين السلاجقة مدة طويلة، تولى الوزارة لألب أرسلان، وملِك شاه مدة ثلاثين سنة من سنة 455 إلى 485هـ.

هذا الوزير نظام المُلك بنى المدارس المعروفة بالمدارس النظامية، أنشئت في عدد من المدن البصرة، أصفهان، بلخ، هراة، مرو، الموصل، بغداد، نيسابور، جعلها مع أوقافها وكل ما تحتاج إليه وقفًا على أصحاب الشافعي أصلاً وفرعًا.

الإمام الشافعي كان على عقيدة السلف، لكنه يقصد كثيرًا من المتأخرين ممن كانوا على عقيدة أهل الكلام، فكان نظام المُلك هذا معظمًا للمتكلمين من الأشاعرة، معظمًا للصوفية وللقشيري، ومعظمًا للجويني، وغير هؤلاء من أعلام المتكلمين.

القشيري صاحب "الرسالة القشيرية" كان من الصوفية، من أعلام الصوفية، فالشاهد أنه بنى لهم هذه المدارس وجعل لها الأوقاف وجعلهم يعلمون فيها فيُخرّج التلاميذ في أنحاء البلاد الإسلامية في عاصمة الخلافة وفي غيرها.  

ثانياً: الموقع الجغرافي.

المذهب الأشعري أين نشأ؟ نشأ في حاضرة الخلافة في بغداد، أبو الحسن الأشعري كان في بغداد، بينما لاحظ مع التقارب الشديد بين الكُلّابية والأشعرية -يختلفون في مسائل معدودة- لكن الكُلّابية لم تشتهر هذا الاشتهار لماذا؟ لأن الموضع كان بعيدًا، وكذلك الماتريدية، ما وراء النهر.

فهنا مذهب الأشاعرة في بغداد، حيث العلماء والفقهاء والمحدّثون، وما إلى ذلك، الأنظار متوجهة إلى العاصمة عاصمة الخلافة.

أبو ذر الهروي كان ممن تأثّر بالمذاهب الكلامية، واستقر بمكة هذا كانت وفاته سنة 434هـ، نقل مذهب الأشعري كما يقول شيخ الإسلام إلى الحرم.

كيف وصل؟ كان الناس على مذهب أهل السنة، على مذهب السلف، أهل الأندلس كانوا على مذهب السلف، أهل بلاد المغرب كانوا على مذهب السلف.

لو تقرءون في رحلة ابن العربي المالكي وولعه الذي ذكره فيها، وإعجابه بالغزالي، كان أبوه من أهل العلم، وكان من الكبراء، فكان العلماء يأتون إلى بيت والد ابن العربي، وابن العربي صغير، فكان يسمع منهم أشياء -من هؤلاء العلماء والفقهاء، فكان مما يُذكر أنهم يُعجبون بأبي الوليد الباجي.

وأبو الوليد الباجي من علماء وفقهاء المالكية في تلك الناحية، ويقولون: لكنه جاء بما لم يعهده الناس فما عرفوا -يعني قدره ومنزلته، جاء بمذهب أهل الكلام، مذهب جديد.

فأبو بكر بن العربي-رحمه الله- يقول: ما زلت أسمع هذا حتى عزمت أن أرِد من حيث ورد؛ لأنه جاء به من المشرق، وأن آخذ من حيث أخذ، وهو صغير، فجاء برحلة الحج مع أبيه وجماعة.  

ولما حج ذهب إلى العراق، ثم إلى بيت المقدس -الشام، الشاهد أنه لقي الغزالي، وأخذ عنه ورجع بالمذهب الأشعري إلى الأندلس، كتابة المشهور: "العواصم من القواصم" هو من أحسن الكتب التي تكلمت على الفتنة، ووقعة الجمل وما وقع بين الصحابة، وينصح عادةً أهل العلم بقراءة هذا الكتاب؛ لأنه لم يطبع منه إلا هذا الجزء فقط، لكن الكتاب كبير وطبع فيما بعد، من ضمن القواصم التي ذكرها اعتقاد أهل السنة، اعتقاد السلف الذين يعتبرهم من المشبهة المجسمة، هذه من القواصم عنده.   

فهذا القدر من الكتاب لا يصلح للقراءة، الشاهد أنه نقل مذهب الأشاعرة والمتكلمين بهذه الطريقة.

أبو ذر الهروي بقي في الحرم الناس يأتون في الحج يسمعون منه، وهو الذي كان يروي البخاري من طرقه المعروفة المشهورة، فيأتي الناس، ويأخذون منه، يسمعون منه البخاري، ويتلقون عنه ذلك بالإجازة، فانتقل المذهب بسبب ذلك.

طبعًا هناك أسباب كثيرة للانتشار، لكن دعوني أذكر هنا بما أننا نتحدث عن أبي ذر الهروي -رحمه الله، ما الذي جعله وهو مشتغل بالحديث يتأثر بمذهب المتكلمين؟

موقف، كان يمشي مع الإمام الدارقطني -صاحب السنن- لاحظوا خطورة مثل هذه الأشياء، هو يتحدث عن هذا لمّا قيل له: من أين لك هذا؟

قال: كنت ماشيًا ببغداد مع الحافظ الدارقطني، فلقينا أبا بكر بن الطيب -يعني الباقلّاني وهو من رءوس المتكلمين- يقول: فالتزمه الشيخ أبو الحسن -يعني: الدارقطني، وقبل وجهه وعينيه، فلما فارقناه قلت له: من هذا الذي صنعت به ما لم أعتقد أنك تصنعه، وأنت إمام وقتك؟.

أبو ذر الهروي يقول لشيخه الدارقطني، يقول: ما توقعت أن تتعامل مع إنسان بهذه الطريقة، وأنت إمام الوقت.

فقال: هذا إمام المسلمين والذابِّ عن الدين، هذا القاضي أبو بكر بن محمد الطيب.

طبعًا الباقلاني كان يرد على النصارى، وكان يرد على الملاحدة، وكان يرد على المعتزلة، لكن يرد بحسب ما يعلمه من دين الرسول ﷺ لم تكن عنده بضاعة في علوم الحديث والسنة، وإنما كان يعرف الكلام والعلوم الكلامية، فيرد على المعتزلة ردودًا قوية، لكن هذه الردود قد يكون فيها نقص، بسبب أنه لم يكن عنده من معرفة السنة على الوجه الصحيح، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله.

لمّا سمع أبو ذر الهروي هذا الكلام يقول: صرت أتكرر إليه مع أبي، يقول: كل بلد دخلته من بلاد خراسان وغيرها لا يشار فيها إلى أحد من أهل السنة إلا من كان على مذهبه وطريقته[13].

ولذلك من الخطورة أن نُثني أحيانًا على شخص منحرف، أو على فئة أمام الملأ بزعم أننا نريد أن نحتويه، أن تبقى هناك جسور، أن نتألفه لعلنا نؤثر عليه، لا، هذا يمكن أن يكون في مصانعةٍ بينك وبينه حينما تكلمه، حينما تنصحه، حينما تتكلم معه.

لكن أن يكون هذا على الملأ؛ فيغتر به فئام من الناس لا يدركون مرامي هذا الكلام، وما القصد الذي قصدته فيعجبون به ويقولون: زكّاه فلان، وأثنى عليه فلان. هذا خطير، هذا خطير.

فمهما كان: الغاية لا تبرر الوسيلة، لا نزكي هذا الإنسان المنحرف، أو هذه الطائفة المنحرفة بحجة أننا نريد أن نحتويها؛ فيعْلق ذلك في قلوب كثيرة.

ثالثاً: دعم الأعداء:

من الأسباب: دعم الأعداء، الأعداء يدعمون منذ القدم، مثلاً: بناء الخوانق والرُّبُط والزوايا للصوفية التي انتشرت انتشارًا عظيمًا بعد عصور وقرون لاسيما في عصر الأيوبيين والمماليك.

يقولون: أول خانقة بنيت في الشام كانت برملة بيت المقدس بناها أمير النصارى، حين استولى الفرنج على القدس.

هم يعرفون أن هؤلاء لا يمانعونهم.

الفرنسيون حينما كانوا يضربون الأزهر بالمدافع، كان الصوفية يقرءون صحيح البخاري بزعمهم أن ذلك يرد العدو.

ولذلك تجد الدعم الكبير بعصرنا هذا لتلك الطوائف المنحرفة من الصوفية؛ لأنه ليس عندهم ممانعة، ويعرضون إسلامًا خانعًا.

ثم أيضًا لو تقرءون في التاريخ حينما جاء الاستعمار الفرنسي -على سبيل المثال- في مصر كان القادة من هؤلاء الفرنسيين يحضرون في موالد الصوفية، حضور الموالد بناءً على ماذا؟ هو يعتقد أن النبي ﷺ هو رسول الله ويحتفي به ويعظمه؟، لا، إنما هو دعم لهؤلاء؛ لأنهم لم يجدوا وسيلة لتحقيق أهدافهم كما يكون ذلك على أيدي بعض المسلمين.  

فالأعداء ما زالوا يدعمون بعض الطوائف المنحرفة؛ لأنهم يحققون بذلك ما لا يستطيعون تحقيقه بجيوشهم.

بل لربما نتصرف نحن تصرفات، ونفعل بعض الحماقات التي يفرح بها الأعداء، ويتمنونها فتورث شرًّا كبيرًا وضررًا مستطيرًا.

نحن نفعل بأنفسنا هذا أحيانًا -للأسف- معاشر المسلمين، ولذلك قلت لكم قبل ليلة أو ليلتين: ما عدنا نفرق بين الأحمق والمندس، ما نفرق، تصرف يمكن أن يفعله أشد أعداء الإسلام نكاية بالمسلمين، وممكن أن يكون هذا التصرف من بعض المسلمين.

ولذلك يختلف العقلاء كما ترون في بعض التصرفات، هذا يقول: لا يمكن، هذا الذي فعله هم أعداء الإسلام، والآخر يقول: لا، بعض المسلمين هم الذين ارتكبوا هذه الشنائع والعظائم على جهالةٍ وغواية.

العقلاء يختلفون في تحليل هذه التصرفات، هل فعلها العدو أو فعلها هذا الذي بزعمه ينصر الإسلام! رأيتم؟

في نظري ليست قضية مهمة أن نعرف أن هذا فعل العدو، أو دعم العدو أو مدعوم من قبل الأعداء.

القضية أن هذا التصرف غير سوي، وهذا من المعايير التي نعرف بها هذا التصرف هو حق أو باطل، أن يختلف العقلاء فيه، هذا يقول: فعله ألد أعداء الإسلام، وهذا يقول: لا، الذي فعله إنما هو من جملة هؤلاء المسلمين الذين أغواهم الشيطان والنفس الأمارة بالسوء.  

فِعل واحد يختلف فيه العقلاء هذا الاختلاف يدل على ماذا؟ أن هذا الفعل فساد وشر وضرر؛ لأن العدو مهما فعل لن يجد أفضل من هذا في الإيقاع بالمسلمين والإفساد.

هذه الفِرق كثير والحديث عنها طويل لكن خُذ:

بعض السمات البارزة لهذه الفرق:

السمة الأولى: الفُرقة:

هؤلاء أهل تفرّق واختلاف، والله يقول: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ [الأنعام:159]، لست منهم في شيء وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ [آل عمران:105].

يقول بعض المفسرين: صاروا فِرقًا لاتباع أهوائهم، وبمفارقة الدين تشتتت أهواؤهم فافترقوا، يقول: ثم برأه الله منهم بقوله: لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ.  

وهم أصحاب البدع والضلالات، كما يقول الشاطبي -رحمه الله- في كتابه الموافقات ينقل عن بعض أهل العلم، يقول: "وجدنا أصحاب رسول الله ﷺ قد اختلفوا في أحكام الدين ولم يفترقوا، ولم يصيروا شيعًا؛ لأنهم لم يفارقوا الدين، وإنما اختلفوا فما أدى ذلك إلى التشتت والتمزق.

يقول: "فصاروا محمودين؛ لأنهم اجتهدوا فيما أُمروا به كاختلاف أبي بكرٍ وعمر وعلي وزيد". ذكر مسائل فقهية في المواريث، وغيرها.

يقول: "وكانوا مع هذا أهل مودة وتناصح، وأخوة في الإسلام فيما بينهم، فلما حدثت الأهواء المُردية التي حذر منها النبي ﷺ وظهرت العداوات، وتحزَّب أهلها، وصاروا شيعًا دل على أنه إنما حدث ذلك من المسائل المحدثة التي ألقاها الشيطان على أفواه أوليائه.

فكل مسألة حدثت في الإسلام -هذا ضابط- فاختلف الناس فيها، ولم يورث ذلك الاختلاف بينهم عداوة، ولا بغضاء، ولا فرقة علمنا أنها من مسائل الإسلام.

وكل مسألة طرأت فأوجبت العداوة والتنافر والتنابز -هذا كذا، وهذا كذا- والقطيعة علمنا أنها ليست من أمر الدين في شيء، وأنها التي عنى النبي ﷺ بتفسير الآية، وهي قوله: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا [الأنعام:159].

يقول: "فيجب على كل ذي دينٍ وعقلٍ أن يجتنبها" هذه التي تثير العداوات بين المسلمين.

يقول: ودليل ذلك قوله: وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا [آل عمران:103]، فإذا اختلفوا وتقاطعوا كان ذلك لحدث أحدثوه من اتباع الهوى.

يعقب الشاطبي على هذا، يقول: وهو ظاهر في أن الإسلام يدعو إلى الألفة والتحاب والتراحم والتعاطف، فكل رأي أدى إلى خلاف ذلك فخارج عن الدين.

يقول: وهذه الخاصية موجودة في كل فرقة من تلك الفرق، ألا ترى كيف كانت ظاهرة في الخوارج الذين أخبر بهم النبي ﷺ في قوله: يقتلون أهل الإسلام،ويدعون أهل الأوثان[14][15].

وبالمناسبة الخوارج فيما ذكرته، وما سأذكره لم يعهد قط في التاريخ من أوله إلى آخره أنهم فتحوا بلدًا واحدًا، أبدًا، ولا يوجد من قادة المسلمين رجل واحد من الخوارج، ولا يوجد من علماء المسلمين رجل واحد من الخوارج، وإنما هم معول هدم، يغيرون على البلاد الإسلامية على المدن والقرى، يقطعون الطرق، ويشغلون الناس بحروبهم وقتلهم وإفسادهم، وإراقة الدماء، هذا شغل الخوارج.

تخصص في بلاد المسلمين، نكاية؛ لأنهم يرون أن قتل هؤلاء وقتال هؤلاء أولى من قتل الروم، والهند، والصين، وغير ذلك.  

يقولون: إن البداية يجب أن تكون بهؤلاء المرتدين، حتى يفرغوا منهم، ثم بعد ذلك يذهبون إلى الصين والهند وغير ذلك فيقاتلونهم، عبر التاريخ الطويل ما غزوا غزوة واحدة للكفار، لا يعرف هذا في التاريخ، ولا فتحوا مصرًا واحدًا، ما هؤلاء؟!.

فرق الخوارج:

وإليكم نماذج عجيبة من سرعة التشتت والتشرذم والتفرّق.

أعطيكم مثالا على ذلك، هذا موجود في كل الفرق.

الخوارج مثلًا، انقسموا إلى عشرين فرقة: المُحكِّمة الأولى، الأزارقة، النَّجْدات، الصفرية، العجاردة افترقت إلى الخازمية، الشعيبية، المعلومية، هذه فرقة اسمها المعلومية، الفرقة الثانية اسمها المجهولية.

اسمعوا واضحك إن شئت وابكِ إن شئت واحمد الله على العافية، أصحاب طاعة لا يُراد الله تعالى بها هذا اسم طائفة، أصحاب طاعة لا يُراد الله بها، سمعتم بهذا؟! اقرءوا التاريخ.

الإنسان ليس له إلا نفس واحدة.

الصلتية، الأخنسية، الشيبية، الشيبانية، المعبدية، الرشيدية، المُكرَمية، الخُمرية، الشمراخية، الإبراهيمية، الوافقة، الأباضية، وهم فِرق حفصية، حادثية، يزيدية، ميمونية، العجاردة هؤلاء على فرقتين[16].

هؤلاء الخوارج قلنا بأنهم خرجوا على عليٍّ قيل: عددهم كان أربعة آلاف، ثم بعد ذلك تفرقوا، وصاروا إلى أن بقي ألف وثمانمائة، وقيل: ألف وخمسمائة، وقيل: ألف ومائتان فقُتلوا إلا نفرًا قليلًا -كما سبق.

بعضهم يقول: ما السبب في أنهم تفرّقوا على قائدهم عبد الله بن وهب الراسبي؟.

في أول لقاء الآن، في أول مواجهة مع خصومهم يقولون: إن هؤلاء الخوارج تنادوا عند إحاطة أصحاب عليًّ بهم، فقالوا: يا إخوتنا أسرعوا بنا الرَّوحة إلى الجنة، فقال قائدهم عبدالله بن وهب: فلعلها إلى النار.   

لا نعرف لماذا قال هذه الكلمة، ما ندري، ربما اعتبر قولهم: "أسرعوا بنا إلى الجنة" تزكية.

فقال بعضهم: نقاتل مع رجلٍ شاكٍّ؟ ففارقوه، وانقسموا عليه، وهم يستقبلون الحرب والمعركة، انقسموا إلى فرقتين[17].

اسمع وتعجب، واحمد الله على العافية .

فرقة الأزارقة:

هم أتباع نافع بن الأزرق الحنفي المُكنَّى بأبي راشد، هؤلاء من أشد فرق الخوارج، ومن أكثرهم عددًا وأعظمهم شوكة، هؤلاء يقولون بأن مخالفيهم من هذه الأمة -اسمعوا الخلافات وقارنوا بينها- مشركون، وكانت المُحكِّمة الأولى في عهد عليٍّ يقولون: إنهم كفرة لا مشركون -لاحظ الخلاف.

ويقول هؤلاء الأزارقة: إن القَعَدة، من هم القَعَدة؟، الذين ما يخرجون معهم في غزواتهم، وهم معهم على رأيهم، خوارج لكنهم لم يخرجوا معهم في غزواتهم، ولم يهاجروا إليهم يقولون: هؤلاء مشركون، ولو كانوا على رأي الخوارج، على رأي الأزارقة، وكانت المُحكِّمة الأولى لا يكفرون القَعَدة عنهم إذا كانوا على رأيهم.

الأزارقة هؤلاء أوجبوا امتحان من قصد عسكرهم إذا ادعى أنه منهم، ما الاختبار حتى يثبت أنه منهم؟ يعطونه أسيرًا من المسلمين من مخالفيهم ويأمرونه بقتله.  

يقولون: تفضل هذه السكين، فإن قتله صدقوه في دعواه، هؤلاء الأزارقة، وإن لم يقتله قالوا: هذا منافق ومشرك فقتلوه.

مما يقوله هؤلاء الأزارقة: إنهم يستبيحون قتل النساء، تستغرب لماذا قتلوا المرأة الفلانية، أو المرأة الفلانية مثلًا أم ولد ابن خباب!، يستحلون قتل نساء المخالفين، وقتل الأطفال وزعموا أن الأطفال مشركون، وقطعوا بأن أطفال مخالفيهم مخلدون في النار.

واختلفوا في أول من أحدث ما انفردت به الأزارقة من إكفار القَعَدة عنهم، ومن الامتحان لمن قصد عسكرهم. منهم من قال: إن أول من قال ذلك رجل منهم، يقال له: عبد الله بن الوضين خالف نافع بن الأزرق في ذلك، واستتابه منه، فلما مات ابن الوضين رجع نافع وأتباعه إلى قوله.

وقالوا: كان الصواب معه، لكنّ نافعًا لما رجع إلى قول ابن الوضين لم يكفر نفسه لما خالف ابن الوضين، وأكفر من يخالفه بعد ذلك.

نافع بن الأزرق يقول: الذي يخالفني كافر، ولم يتبرأ من المُحكِّمة الأولى في تركهم إكفار القَعَدة عنهم.

قال: ما أكفِّرهم، ما يكفِّر من؟ ما يكفر المُحكِّمة الأولى.

وقال: إن هذا شيء مازلنا دونهم.

يعني: هذا أمر انتهى، ونحن جئنا بعد هؤلاء، لكنه أكفر من يخالفه بعد ذلك في إكفار القَعدة عنهم، يعني: نافع بن الأزرق يقول إن القَعدة الذين لا يهاجرون إلينا من الخوارج كفار.

فإذا خالفه أحد من الخوارج، وقال: لا، ما نقول: هؤلاء كفار، يكفِّر الذي خالفه، يكفر الذي لا يكفر القَعدة، من لا يكفِّر، من لا يكفِّر، من لا يكفِّر، حتى يصير الواحد يكفر نفسه، انظروا في التاريخ.

زعم نافع هذا وأتباعه أن دار مخالفيهم دار كفر، يعني: البلاد الإسلامية هذه كلها هي دار كفر، ويجوز فيها قتل الأطفال والنساء.

وأنكر الأزارقة الرجم، واستحلوا كفر الأمانة التي أمر الله بأدائها، يعني الذين يخالفونهم يعتبرونهم من المشركين.

يقولون: لا يلزمنا أداء أمانة إليهم. يعني الغدر، لا عهد ولا ذمة، والرسل تقتل، إلى غير ذلك من الأشياء التي كانوا يعتقدونها وأحدثوها.

وزادوا على ذلك تكفير عثمان وطلحة والزبير وعائشة وابن عباس وسائر المسلمين معهم، وأنهم مخلّدون في النار.

عائشة عندهم -ا- مُخلدة في النار! هؤلاء بشر؟!.

هؤلاء الأزارقة بايعوا نافع بن الأزرق، وسموه أمير المؤمنين، بايعوه بالخلافة، وسموه أمير المؤمنين، وانضم إليهم خوارج عمان واليمن، فصاروا أكثر من عشرين ألفاً، واستولوا على الأهواز، وما وراءها من أرض فارس وكرمان، وجبوْا الخراج، إلى غير ذلك من أمور وحروب.

ابن الزبير كان أميرًا في مكة في الحجاز، فبعث إلى المهلب بن أبي صفرة وهو يومئذ بخراسان بعد أن هُزمت عدد من الجيوش أمام هؤلاء الخوارج يأمره بحرب الأزارقة وولاه ذلك، فرجع المهلب إلى البصرة، وانتخب من جندها عشرة آلاف وانضم إليه قومه من الأزد فصار في عشرين ألفًا وخرج وقاتل الأزارقة، وهزمهم عند دولاب الأهواز إلى الأهواز، ومات نافع بن الأزرق في تلك الهزيمة، ثم بعد ذلك حصلت أمور[18].  

هؤلاء في غاية العجب، الاختلاف بينهم كان ينشب لأتفه الأشياء، المهلب بن أبي صفرة كان قبل المعركة يدس إليهم من يثير قضية بينهم، فيكفر بعضهم بعضًا.  

خذ هذا المثال: المهلب بن أبي صفرة، قيل: إنه دس إليهم رجلاً من النصارى، وجعل له جُعلاً -يعني مالا- وقال له: إذا رأيت قَطَريًّا، قَطَري بن الفجاءة هذا من شجعان الخوارج، ومن زعمائهم الكبار ومن شعرائهم، إذا رأيت قطريًّا زعيم الأزارقة من الخوارج فاسجد له -هذا بعد نافع بن الأزرق- فإذا نهاك فقل: إنما سجدت لك، ففعل النصراني ذلك، فقال قطري: إنما السجود لله تعالى.  

فقال النصراني: ما سجدت إلا لك، فقال رجل من الخوارج: إنه قد عبدك من دون الله، وتلا قوله: إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ [الأنبياء:98].

فقال قطري بن الفجاءة: إن النصارى قد عبدوا عيسى ابن مريم، فما ضر ذلك عيسى شيئًا.

فقام رجل من الخوارج إلى النصراني فقتله.

فأنكر قطري ذلك عليه، وأنكر قوم من الخوارج إنكاره، الآن هم أمام جيش المهلب.

فوجه إليهم المهلب رجلًا آخر دسه، يسألهم فقال لهم: أرأيتم رجلين خرجا مهاجرين لكم -هم يوجبون الهجرة إليهم ومن لا يخرج فهو كافر- مات أحدهما في الطريق، وبلغ الآخر إليكم فامتحنتموه -يعني الذي ما مات- فلم يَجُز المحنة -يعني ما نجح في الاختبار أعطيتموه إنسانًا يذبحه فرفض- ما تقولون؟

قال بعضهم: أما الميت ففي الجنة، وأما الذي لم يَجُز المحنة فكافر حتى يُجيز المحنة.

قال آخرون: هما كافران حتى يُجيزا المحنة.  

فكثر الاختلاف وانقسموا، فخرج قطري إلى حدود إصطخر، فأقام شهرًا والقوم في خلافهم واختلافهم حتى أقبل عليهم رجل منهم يقال له: صالح بن مخراق، فقال: يا قوم، إنكم قد أقررتم عين عدوكم، وأطمعتموهم فيكم لما ظهر من اختلافكم، فعودوا إلى سلامة القلوب، واجتماع الكلمة.

ما تقولون في واحد هاجر ومات في الطريق؟، هؤلاء يقولون: كافر لأنه ما جاز المحنة ما ندري يجتاز أو ما يجتاز الأصل الكفر، وهؤلاء يقولون: لا، ما نكفره وينقسمون إلى فريقين[19].  

هذه عقول بشر؟!، يعقل أن يصل العقل إلى هذا؟!.

دعك من الدين، دعك من العلم، دعك من أي شيء آخر، العقل فقط العقل يصل إلى هذا المستوى؟!.

بعد ذلك جاء رجل منهم يقال له: عبيد الله بن مأمون التميمي، وصار بعد قطري بن الفجاءة.

طبعًا قطري بن الفجاءة يذكر بعض المؤرخين أن الذين قتلوه هم الخوارج؛ لأنه كان بينهم معارك، حصلت معارك اشتغلوا ببعضهم؛ لأنهم صاروا يكفرون بعضًا، حتى إنه في بعض المواجهات قصده رجل من الخوارج، وكان عليه الحديد والسلاح ما يظهر وجهه -الذي هو قطري بن الفجاءة- فلما جاء الخارجي يريد قتله في معركة بين الخوارج كشف وجهه -يعني قطري بن الفجاءة- ففر الخارجي لما رآه، خاف، فقال: ويحك أما تستحي؟ تنهزم؟ فقال: مِن مثلك لا يُستحيا من الهزيمة.  

يعني: أنت ما أحد يقف في وجهك، الذي ينهزم أمامك ما يعاب.

الشاهد قاتلهم المهلب بعد ذلك بالأهواز، وقُتل عبيد الله بن مأمون في تلك الواقعة، وقُتل أيضًا أخ له يقال له: عثمان مع ثلاثمائة من أشد الأزارقة، وانهزم الباقون منهم إلى أيدج، وبايعوا بعد ذلك أميرًا، وحتى قطري بن الفجاءة سموه أمير المؤمنين، وبايعوه على أنه أمير المؤمنين، ووقعت حروب طويلة بينهم وبين المهلب، وغير المهلب وانهزمت الأزارقة في آخرها إلى سابور من أرض فارس، وجعلوها دار هجرتهم، وبقي المهلب وأبناؤه على قتال هؤلاء تسع عشرة سنة[20]، تصور هذا الإشغال تسع عشرة سنة  يقاتلونهم!

فرقة النَّجْدات:

النَّجْدات: هؤلاء أتباع نَجْدة يقال كان السبب في رياسته وزعامته أن نافع بن الأزرق لما أظهر البراءة من القَعَدة عنه -وإن كانوا على رأيه- وسماهم بالمشركين، واستحل قتل الأطفال والنساء منهم.

ففارقه رجل يقال له: أبو قُديل، وعطية ابن الأسود اليمامي -هذا من أمراء الخوارج، وراشد الطويل، وِمقلاص، وأيوب الأزرق، وجماعة من أتباعهم، وذهبوا إلى اليمامة، فاستقبلهم نجدة بن عامر في جند من الخوارج يريدون اللحوق بعسكر نافع بن الأزرق.

فهؤلاء قالوا له: إن نافعًا تغير، وإنه صدرت منه أشياء توجب ردته، فردوهم إلى اليمامة، وبايعوا بها نجدة بن عامر، وأكفروا من قال بإكفار القَعَدة منهم عن الهجرة إليهم.

لاحظ: كفّروا الذي يكفر القَعَدة، وأكفروا من قال بإمامة نافع، الذي يقول: إن نافعًا إمام هذا كافر، وأقاموا على إمامة نَجْدة إلى أن اختلفوا عليه في أمور نقموها عليه، فلما اختلفوا عليه صاروا ثلاث فرق، فرقة صارت مع عطية بن الأسود الحنفي وراحوا إلى سجستان، وتبعهم خوارج سجستان؛ ولهذا قيل لخوارج سجستان في ذلك الوقت: عَطَوية.

وفرقة صارت مع أبي قُديل حربًا على نجدة -على صاحبهم، وهم الذين قتلوا نجدة، وفرقة عذروا نجدة في إحداثه وأقاموا على إمامته.

الذين نقموا على نجدة هؤلاء الذين كانوا من أتباعه، نقموا عليه ماذا؟ اسمع واحمد الله على العافية.

قالوا: إنه بعث جيشًا في غزو البر، وجيشًا في غزو البحر، ففضّل الذين بعثهم في البر على الذين بعثهم في البحر في العطاء، هذه واحدة، لماذا يفضل هؤلاء؟، كافر.  

ومنها أنه بعث جيشًا، فأغاروا على مدينة النبي ﷺ غزوة للمدينة النبوية، وأصابوا منها جارية من بنات عثمان بن عفان الآن السبي من؟ من بنات عثمان، حفيدة لعثمان فكتب عبدالملك بن مروان إلى نجدة في شأنها، فاشتراها نجدة من الذي وقعت في سهمه، وردها إلى عبدالملك بن مروان، فقالوا له: رددت جارية لنا على عدونا!. إذًا كافر.

ومنها: أنه -نجدة يعني- عذر أهل الخطأ في الاجتهاد بالجهالات، يعني: هذا الذي يقع في المخالفة وهو جاهل معذور، العذر بالجهل، قالوا: كيف تعذر بالجهل؟ أنت كافر، ما يُعذر بالجهل.

يقولون: كان السبب في ذلك أنه بعث ابنه المُطَرَّح -عنده ولد اسمه المُطَرَّح- مع جند من عسكره إلى القطيف -القطيف في ذلك الوقت كان فيها بنو عبد القيس- فأغاروا عليها وسبوا منها النساء والذرية وقوّموا النساء -مستعجلون، يريدون السبايا.

فقالوا: نحن نأخذ النساء قبل قسم الغنيمة، فإن كانت الواحدة عند الواحد منا تساوي سهمه فبها ونعمت.

وإن كانت تزيد على سهمه دفعنا التعويض، الآن أخذوا السبايا، واستحلوهن قبل قسم الغنيمة، ونكحوهن قبل إخراج الخمس من الغنيمة.

فلما رجعوا إلى نجدة سألوه عما فعلوا من وطء النساء، ومن أكل طعام الغنيمة قبل إخراج الخمس منها، وقبل قسمه لأربعة أخماس بين الغانمين، فقال لهم: لم يكن لكم ذلك.

فقالوا: لم نعلم أن ذلك لا يحل لنا، فعذرهم؛ لأنه يعذر من وقع في الجهل.

ثم قال: إن الدين أمران.

اسمع الآن ما شاء الله المذهب، الأصول، المتن -نسأل الله العافية.

يقول: الدين أمران -الآن يقرر العقيدةَ عندهم نجدة هذا- يقول لهم: الدين أمران؛ أحدهما: معرفة الله تعالى، ومعرفة رسله -هذا الأصل الأول الأركان، وتحريم دماء المسلمين.  

لاحظ هذا عندهم أصل والذي يخالفه كافر، تحريم دماء المسلمين.

وهؤلاء الذين تقتلونهم؟!، قالوا: هؤلاء كفار، أما دماء المسلمين فنحن نعوذ بالله لا نستحلها، ونعظمها، لا يمكن أن نستحل قتل مسلم، كيف؟.

المشكلة أنهم يرون أن هؤلاء كفار، هذه هي المشكلة.

فهذا يقول: تحريم دماء المسلمين، وتحريم غصب أموال المسلمين، والإقرار بما جاء من عند الله تعالى جملة، فهذا واجب معرفته على كل مكلف.  

يعني: هذا فرض عين، يقول: وما سواه، يعني هذه الأصول ما يعذر بها أحد بالجهل، وما سواه فالناس معذورون بجهالته حتى تقام عليهم الحجة في الحلال والحرام، فمن استحل باجتهاده شيئًا محرمًا فهو معذور، ومن خاف من العذاب على المجتهد المخطيء قبل قيام الحجة عليه فهو كافر.  

يقول: هذا الذي يُضلِّل، ويقول: هذا يكْفر، أو يخلد في النار قبل قيام الحجة عليه هذا كافر.

فهنا تبرأ منه بعضهم قالوا: كيف تعذر بالجهل؟ أنت كافر. وأشياء كثيرة.

يقول مثلاً: من نظر نظرة صغيرة، أو كذب كذبة صغيرة، وأصر عليها فهو مشرك، ومن زنا وسرق وشرب الخمر غير مصر عليه فهو مسلم، إذا كان من موافقيه على دينه.

فلما أحدث هذه الأمور، وعذر أصحاب الجهل استتابه أكثر أتباعه من هذه البدع والضلالات والكفريات بزعمهم.

وقالوا له: اخرج إلى المسجد، وتب من إحداثك، ففعل ذلك، ذهب إلى المسجد وندم، وأقر بأنه ضل، وأنه تاب، ثم ندم قوم منهم على استتابته، وانضموا إلى العاذرين له؛ لأنه كان هناك ناس عذروه قالوا: هو مجتهد، وهؤلاء قالوا: نحن ألزمناه بشيء، والآن ندمنا، وقالوا له: أنت الإمام، ولك الاجتهاد، ولم يكن لنا أن نستتيبك، فتب من توبتك.

إي والله يا إخوان هذا نص الكلام، وأنا حريص أن آتي به من أجل ألا يقال: هذه تحليلات، وهذه استنتاجات، لكن المشكلة أننا لا نقرأ، التاريخ مليء بالعجائب والغرائب، ولكن لا نقرأ.

قالوا له: فتب من توبتك واستتب الذين استتابوك.  

ليس فقط تتوب من توبتك، لا، الذين استتابوك لابد أن يستتابوا وإلا نابذناك، ففعل ذلك، تاب من توبته، فافترق عليه أصحابه، وخلعه أكثرهم وقالوا له: اختر لنا إمامًا، فاختار أبا فديك، وصار راشد الطويل مع أبي فديك يدًا واحدة، فلما استولى أبو فديك على اليمامة علم أن أصحاب نجدة إذا عادوا -يعني الذين عذروه وبقوا معه- من غزوتهم أعادوا نجدة إلى الإمارة، فطلب نجدة ليقتله، فاختفى نجدة في دار بعض عاذريه -يعني الذين قالوا: نحن نعذر نجدة لأنه اجتهد- ينتظر رجوع عساكره الذين كان فرّقهم في سواحل الشام ونواحي اليمن -غزوات إلى بلاد المسلمين الشام واليمن- ونادى منادي أبي فديك: من دلنا على نجدة فله عشرة آلاف درهم، وأي مملوك دلنا عليه فهو حر.

فدلت عليه أمة للذين كان نجدة عندهم، فأنفذ أبو فديك راشدًا الطويل في عسكر فكبسوه وحملوا رأسه إلى أبي فديك -ذبحوه وأخذوا رأسه وذهبوا به إلى أبي فديك- فلما قُتل نجدة صارت النَّجْدات بعده ثلاث فرق؛ فرقة أكفرته، وصارت إلى أبي فديك كراشد الطويل، وأبي بُهيس، وأبي الشمراخ، وأتباع هؤلاء. -سمعتم بهم؟.

وفرقه عذرته فيما فعل وهم النجدات اليوم -هذا الذي يقوله المؤرخون وأصحاب كتب الفرق، وفرقة من النجدات بعُدوا عن اليمامة -يعني كانوا في مواقع بعيدة في البصرة وغيرها- وشكوا فيما نقل من الأخبار عن نجدة، فقالوا: نتوقف ونحن لانعرف حقيقة ما جرى. لا نحكم عليه بشيء فلا نبرأ منه إلا باليقين[21].

هناك طائفة من هؤلاء الخوارج يقال لهم: الصُّفْرية ولهم أخبار عجيبة أيضًا.  

الوقت انتهى أتوقف هنا وأكمل -إن شاء الله تعالى- في الليلة القادمة لنعرف كيف كان هؤلاء وغير هؤلاء من أهل الضلال والبدع والأهواء يتفرقون على أتفه الأشياء.

نسأل الله أن يهدي قلوبنا، وأن يسدد ألسنتنا، وأن يعيذنا وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. انظر: الشريعة للآجري (5/ 2549)، رقم: (2057)، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/ 162)، رقم: (290).
  2. مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين (1/ 84).
  3. انظر: تهذيب التهذيب (2/ 321).
  4. انظر: منهاج السنة النبوية (8/ 7)، وتهذيب الكمال في أسماء الرجال (6/ 321).
  5. انظر: السنة لعبد الله بن أحمد (1/ 324).
  6. انظر: البداية والنهاية (3/ 56).
  7. انظر: مجموع الفتاوى (7/ 195).
  8. انظر: الإيمان لابن تيمية (ص:301).
  9. انظر: صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب معرفة الإيمان، والإسلام، والقدر وعلامة الساعة (1/ 36)، رقم: (8).
  10. انظر: القدر للفريابي (ص:240)، رقم: (348)، والشريعة للآجري (2/ 959)، رقم: (555)، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (4/ 827)، رقم: (1398).
  11. انظر: القدر للفريابي (ص:262)، رقم: (408)، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (4/ 826)، رقم: (1396).
  12. انظر: سير أعلام النبلاء (6/ 105).
  13. انظر: سير أعلام النبلاء (17/ 558).
  14. أخرجه البخاري، كتاب التوحيد (9/ 127)، رقم: (7432)، ومسلم، باب ذكر الخوارج وصفاتهم (2/ 741)، رقم: (1064).
  15. انظر: الموافقات (5/ 160-164).
  16. الفرق بين الفرق (ص:17- 18).
  17. انظر: التنبيه والإشراف (1/ 257).
  18. انظر: الفرق بين الفرق (ص:63- 64).
  19. أنساب الأشراف للبلاذري (7/ 429).
  20. انظر: الفرق بين الفرق (ص:65).
  21. انظر: الفرق بين الفرق (ص:66- 70).

مواد ذات صلة