الخميس 18 / رمضان / 1445 - 28 / مارس 2024
(4) من قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ} الآية:69 إلى قوله تعالى: {الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} الآية:122
تاريخ النشر: ٠٦ / صفر / ١٤٣١
التحميل: 8389
مرات الإستماع: 2974

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره:

وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ ۝ إِذْ قَالَ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ ۝ قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ ۝ قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ ۝ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ ۝ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلـُونَ ۝ قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ۝ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأقْدَمُونَ ۝ فَإِنَّهـُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ [سورة الشعراء:69-77].

هذا إخبار من الله تعالى عن عبده ورسوله وخليله إبراهيم إمام الحنفاء، أمر الله رسوله محمدًا ﷺ أن يتلوه على أمته، ليقتدوا به في الإخلاص والتوكل، وعبادة الله وحده لا شريك له، والتبري من الشرك وأهله؛ فإن الله تعالى آتى إبراهيم رشده من قبل، أي: من صغره إلى كبره، فإنه من وقت نَشأ وشبّ أنكر على قومه عبادة الأصنام مع الله : إِذْ قَالَ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ أي: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟

قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ أي: مقيمين على عبادتها ودعائها.

قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ ۝ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ ۝ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ يعني: اعترفوا بأن أصنامهم لا تفعل شيئا من ذلك، وإنما رأوا آباءهم كذلك يفعلون، فهم على آثارهم يُهرعون، فعند ذلك قال لهم إبراهيم: قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ۝ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأقْدَمُونَ ۝ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ أي: إن كانت هذه الأصنام شيئا ولها تأثير، فَلْتَخْلُص إليّ بالمساءة، فإني عدو لها لا أباليها ولا أفكر فيها، وهذا كما قال تعالى مخبرًا عن نوح، : فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ الآية [سورة يونس:71]. 

وقال هود إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ۝ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ ۝ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [سورة هود:54-56].

وهكذا تبرأ إبراهيم من آلهتهم وقال: وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ الآية [سورة الأنعام:81]، وقال تعالى: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ... إلى قوله: حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [سورة الممتحنة:4].

وقال تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ ۝ إِلا الَّذِي فَطـَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ۝ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يـَرْجِعُونَ [سورة الزخرف:26-28] يعني: لا إله إلا الله.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فقوله تعالى عن قيل إبراهيم : أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ۝ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأقْدَمُونَ ۝ فَإِنَّهـُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ الذي عليه الجمهور من المفسرين أن الضمير أعني "الهاء" في قوله: فَإِنَّهُمْ يعود إلى آلهة المشركين، إلى معبوداتهم فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي يعني أعداء لي، والعدو جنس يصدق على الواحد والجمع، سواء كان بالإضافة أو بدون إضافة كما مضى من نظائره في مواضع من هذا التفسير كما في سورة النور: أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء [سورة النور:31]، أي: الأطفال، وهكذا في قوله تعالى في الإضافة: أَوْ صَدِيقِكُمْ [سورة النور:61] يعني: أو أصدقائكم، وهكذا في قوله: لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء [سورة الممتحنة:1]، جمع: يعني أعدائي وأعدائكم.

فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي أي: أعداء لي، يعني الآلهة والمعبودات على قول عامة أهل العلم، وإن كان منهم من قال بأن ذلك يرجع إلى آبائهم الأقدمين، قال: أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ۝ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأقْدَمُونَ ۝ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي قالوا فالضمير يرجع إلى أقرب مذكور وهم الآباء فكانوا على عبادة الأصنام فهم أعداء له، ومن جهة أخرى فإنهم قالوا ذلك باعتبار أنهم نظروا إلى أن المعبودات عبارة عن أصنام، لا يصدر منها عداوة أو محبة فهي جمادات، فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي والعدو هو الذي تعاديه ويعاديك، فتقول: هذه السارية عدوي مع أنها لا يصدر منها شيء، فحملهم هذا النظر على القول بأن الضمير يرجع إلى الآباء.

وهذا فيه نظر؛ لأن السياق لا يساعد عليه -والعلم عند الله -تبارك وتعالى- بل المقصود تلك المعبودات، وجّه بعض أهل العلم ذلك، الذين قالوا بأنها المعبودات قالوا بأنها تنقلب إلى العداوة في الآخرة، تكون أعداء لهم هذه المعبودات التي عبدوها من دون الله ، كما يدل عليه القرآن، وبعضهم يقول: هذا من المقلوب فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي أي فإني عدو لهم؛ لأن من عاديته عاداك، هكذا قال الفراء، وهذا خلاف الأصل، فالأصل أن يكون الكلام على وجهه دون دعوى القلب.

والذي يظهر -والله تعالى أعلم- أن هذا لا إشكال فيه، وهذه المعبودات من دون الله -تبارك وتعالى- التي قالوا نعبد أصناماً- هو يعاديها وهي أيضاً تنقلب معادية لأصحابها في الآخرة، وإن لم يكن هذا المراد أعني أنها باعتبار ما يكون بالآخرة؛ لأن إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- قال: فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي ولم يقل: عدو لهم؛ لأنها تعادي من عبدوها.

لكن على كل حال هم جعلوها آلهة، وعبدوها من دون الله -تبارك وتعالى- ولم يكتفوا أن ينزلوها منزلة العقلاء، فهي عدو لإبراهيم -عليه الصلاة والسلام، هي عدو لأهل الإيمان باعتبار أنه يعاديها، فالعداوة تصدر من الطرفين، تقول: هذا عدو لي، وقد تكون العداوة متبادلة بين الطرفين، وقد تكون العداوة صادرة منه هو فقط، وقد تكون هذه العداوة صادرة منك أنت نحوه، فتقول في حقه: هذا عدو لي وإن لم يصدر منه شيء بالنسبة إليك، فعندما كانوا يرجون نفعها ودفعها وشفاعتها ونحو ذلك إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- وصفها بالعداوة يعني على خلاف ما كانوا يعتقدون فيها.

وقوله: إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ الاستثناء هنا باعتبار أنهم يعبدون الأصنام فهي عدو لي إلا رب العالمين يكون الاستثناء منقطعاً؛ لأن رب العالمين ليس من جنس المستثنى منه، وهذا يسمونه الاستثناء المنقطع، وهذا الذي ذهب إليه كثير من أهل العلم، وقال الزجاج بقول عامة العلماء، لكنه قال: ويجوز أن يكون الاستثناء متصلاً باعتبار أن هؤلاء كانوا يعبدون الأصنام، وكانوا يعبدون الله معها يشركون به، فهو يقول في هذه المعبودات: أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ۝ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأقْدَمُونَ ۝ فَإِنَّهـُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ يعني من معبوداتكم، فيكون الاستثناء متصلاً بهذا الاعتبار.

الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ۝ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ۝ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ۝ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ ۝ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ [سورة الشعراء:78-82].

يعني: لا أعبد إلا الذي يفعل هذه الأشياء، الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ أي: هو الخالق الذي قدر قدرًا، وهدى الخلائق إليه، فكل يجري على ما قدّر، وهو الذي يهدي من يشاء ويُضل من يشاء.

وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ أي: هو خالقي ورازقي، بما سخر ويَسّر من الأسباب السماوية والأرضية، فساق المُزْنَ، وأنزل الماء، وأحيا به الأرض، وأخرج به من كل الثمرات رزقا للعباد، وأنزل الماء عذبًا زلالا لـ نُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا [سورة الفرقان:49].

وقوله: وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ أسند المرض إلى نفسه، وإن كان عن قدر الله وقضائه وخلْقه، ولكن أضافه إلى نفسه أدبا، كما قال تعالى آمرًا للمصلي أن يقول: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ إلى آخر السورة [سورة الفاتحة:6، 7]، فأسند الإنعام إلى الله ، والغضب حُذف فاعله أدباً، وأسند الضلال إلى العبيد، كما قالت الجن: وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً [سورة الجن:10]؛ وكذا قال إبراهيم: وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ أي: إذا وقعت في مرض فإنه لا يقدر على شفائي أحد غيره، بما يقدر من الأسباب الموصلة إليه.

وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ أي: هو الذي يحيي ويميت، لا يقدر على ذلك أحد سواه، فإنه هو الذي يُبدئ ويعيد.

وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ أي: هو الذي لا يقدر على غَفْر الذنوب في الدنيا والآخرة، إلا هو، ومن يغفر الذنوب إلا الله، وهو الفعال لما يشاء.

هذا المعنى الذي نبه عليه الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في قوله -تبارك وتعالى: وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ من جهة التأدب مع الله -تبارك وتعالى- فيما يضاف إليه من الأوصاف أو التعبير يقال عن الله وهذا معنى لطيف ذكره الحافظ ابن كثير -رحمه الله- هنا، وبعض المفسرين ينبهون عليه في مواضع كقوله -تبارك وتعالى- في سورة الفاتحة صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ [سورة الفاتحة:7]، أضفت الإنعام إلى الله عليهم غَيرِ المَغضُوبِ ما قال: الذين غضبت عليهم، لما كان الإنعام محبوباً مطلوباً أضافه إلى الله -تبارك وتعالى، ولما كان الغضب والانتقام يكون عقوبة حذف الفاعل فأضاف إليه ما يتصل بالإنعام والإفضال، وحذف الفاعل فيما يختص بالعقوبة والانتقام مع أن ذلك جميعاً من الله

وهكذا تجد مثل هذا الكلام في مدارج السالكين للحافظ ابن القيم، وفي تفسير الشيخ عبد الرحمن السعدي، وفي القواعد الحسان له ذكر أمثلة على هذا، وكما في سورة الكهف أيضاً قوله -تبارك وتعالى: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا [سورة الكهف:79]، فأضاف العيب إليه، وفي الجدار وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا [سورة الكهف:82] فأضاف ذلك إلى الله .

وهذا له أمثلته في القرآن، ولكنه بطبيعة الحال ليس بمطرد في القرآن، فمثل هذا يفيد الناظر فيه في التأدب في المخاطبة، ولا شك أنها مطلوبة سواء كان فيما يتصل بالإضافات أو في التعبير بالألفاظ التي لا تحتمل المعاني الباطلة، لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا [سورة البقرة:104]، ولكن النوع الأول كما سبق ليس بمطرد؛ فإنك قد تجد في القرآن أشياء أضيف الفعل فيها إلى الله -تبارك وتعالى- وإن كان ذلك من جنس أوصاف الانتقام أو الغضب أو نحو ذلك، كقوله: وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ [سورة النساء:93] فتجد أمثلة لهذا متنوعة في القرآن، لكن هذا من اللطائف وليس من صلب التفسير.

وقوله -تبارك وتعالى- عن قول إبراهيم ﷺ: وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ [سورة الشعراء:82]، الطمع أصله يدل على معنى الرجاء، وتكلم أهل العلم على هذا الموضع، فإن بعضهم يقول: إنه قصد بقوله: أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ أن ذلك على ظاهره وهو الرجاء، وبعضهم يقول: قال ذلك تواضعاً، ولا شك أن المؤمن يطمع بمغفرة الله -تبارك وتعالى- له، ولخطيئته يوم الدين.

وأما خطيئته التي أشار إليها فبعضهم يقول: قال ذلك تواضعاً لربه، والأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- الراجح أنه تجوز عليهم الخطيئة، وإنما لا تقع منهم الكبائر ولا يصرون على الصغائر، كما لا تقع منهم الصغائر التي يقال لها: صغائر الخسة، كالأشياء المدنسة للعرض، وإن كانت من الصغائر، وخطيئة إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- المشار إليها حاول بعض أهل العلم أن يخصصها بنوع أو بفعل معين، فبعضهم يقول: حينما قال: هَذَا رَبِّي [سورة الأنعام:76]، وهذا ليس بخطيئة؛ لأنه قال ذلك مُناظراً لا ناظراً، ومن باب التنزل مع الخصم.

وبعضهم يقول: هو ما جاء من قوله عن زوجه سارة: هذه أختي، وصفها بأخته مع أنها زوجته، وهذا في الواقع من قبيل المعاريض، وهكذا حينما قال: إِنِّي سَقِيمٌ [سورة الصافات:89]، وهكذا حينما قال: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ [سورة الأنبياء:63] لما حطم الأصنام، هذا كله من قبيل المعاريض، ولا حاجة للتكلف في مثل هذه الأمور، وإنما من شأن المؤمن أن يطمع بمغفرة الله لخطاياه.

وقوله هنا: خَطِيئَتِي يمكن أن يفسر بخطاياي، ولا داعي لتخصيصه بخطيئة واحدة كما فعله بعض المفسرين، فالخطيئة هنا أضيفت إلى المعرفة، وذلك يكسبها معنى الجمع أو العموم، يعني خطاياي.

رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ۝ وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ ۝ وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ ۝ وَاغْفِرْ لأبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ ۝ وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ ۝ يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ ۝ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [سورة الشعراء:83-89].

وهذا سؤال من إبراهيم ، أن يؤتيه ربه حُكْما، قال ابن عباس: وهو العلم.

قال ابن عباس: هو العلم، وبعضهم يقول: هو المعرفة، وهذا داخل في الذي قبله، وبعضهم يقول: هو النبوة والرسالة، رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وحينما قال إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- لقومه ما قال، وحصلت منه هذه المحاورة والمجادلة لهم كان ذلك بعد النبوة، وحصلت له المعجزة العظيمة ألقوه في النار فلم يحترق، ثم مر في طريقه إلى الشام بعبدة الكواكب وحصلت المناظرة منه لهم، فتفسير الحكم بالنبوة والرسالة فيه إشكال؛ لأن ذلك قد حصل له، ولهذا قال ابن عباس -رضي الله عنهما: هَبْ لِي حُكْمًا أي: علماً، وهذا العلم يشمل العلم بحدود الله وأحكامه، والحكم يأتي بهذا المعنى، والله يقول: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ [سورة الأنعام:89] الكتاب، والحكم، والنبوة، والقاعدة أن التأسيس مقدم على التوكيد فلا يقال: إن العلم هو الكتاب، ولا يقال: هو النبوة في الآية التي في سورة الأنعام الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فيمكن أن يفسر الحكم بهذا العلم، أو الحكم والفصل بين الناس في الخصومات.

وقوله: وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ أي: اجعلني مع الصالحين في الدنيا والآخرة، كما قال النبي ﷺ عند الاحتضار: اللهم الرفيق الأعلى[1]، قالها ثلاثا.

رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا الحكم: ابن جرير -رحمه الله- فسره بالنبوة، وهذا أظنه قريباً -والله أعلم؛ لأن الله أعطاه نبوة فكيف يطلب شيئاً قد حصل وتحقق له؟ وحمل ابن جرير -رحمه الله- قوله: وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ على الرسالة، أي اجعلني في جملتهم يعني الرسل -عليهم الصلاة والسلام- هَبْ لِي حُكْمًا يعني النبوة وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ في الرسالة، ولكن مثل هذا -والله أعلم، كأنه قصرٌ للمعنى على ما هو أخص -والله أعلم، فمن أخص من مدلول اللفظ في ظاهره، ألحقني في الصالحين يعني في جملتهم، ومن في حكمهم يكون من جملة الصالحين، وفي عدادهم في الدنيا والآخرة، ويدخل على رأس هؤلاء الأنبياءُ والمرسلون -عليهم الصلاة والسلام، وهذا ظاهر كلام الحافظ ابن كثير -رحمه الله- أي اجعلني مع الصالحين في الدنيا والآخرة، هذا أعم من إلحاقه بهم في الرسالة.

وقوله: وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ أي: واجعل لي ذكرًا جميلا بعدي أذكر به، ويُقتدى بي في الخير، كما قال تعالى: وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ ۝ سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحـْسِنِينَ [سورة الصافات:108-110].

وهذا الذي حصل، أجاب الله دعاءه؛ ولهذا أجمعت الطوائف وأهل الملل على تعظيم إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- وكل طائفة تدعيه؛ ولهذا قال الله -تبارك وتعالى: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا [سورة آل عمران:67]، وقال: هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ [سورة آل عمران:66]، وأَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ [سورة البقرة:140]، فاليهود يدعون أنه منهم، والنصارى يدعون أنه منهم، والمسلمون يقولون هو إمام الحنفاء.

وقوله: وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ أي: أنعم عليّ في الدنيا ببقاء الذكر الجميل بعدي، وفي الآخرة بأن تجعلني من ورثة جنة النعيم.

قوله: وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ أي: تلك الجنة، تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا [سورة مريم:63]، وقال: أُورِثْتُمُوهَا [سورة الزخرف:72] وكذلك في قوله: وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ [سورة الزمر:74]، بعض أهل العلم يقول: أرض الجنة كما سبق، فالإيراث المراد به إيراث الجنة، وإذا أردت أن تنقر في هذه اللفظة، كلمة الإيراث، وفي مدلولها فهنا قد يكون هذا التنقير سبباً للإشكال أو الاختلاف.

ولهذا لما حاول بعض أهل العلم أن يدقق في مدلول هذه اللفظة قال: أورثهم مكان الآخرين؛ لأن كل كافر له منزل في الجنة والنار، فإذا دخل أهل النار النار، وأهل الجنة الجنة فإن أهل الجنة يرثون مع منازلهم منازل أهل النار في الجنة هذا معنى الإيراث، لكن في الاستعمال هل يشترط أن يكون الإيراث بعد القوم الآخرين؟ في قوله -تبارك وتعالى: وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ قال كثير من المفسرين: إن الأرض هذه، وليست أرض الجنة، لابد أن يكون ذلك بعد قوم آخرينأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ، لا حاجة لمثل هذا، فإذا صار ذلك إليه فإن ذلك يمكن أن يطلق عليه هذا، والله أعلم.

وقوله: وَاغْفِرْ لأبِي... الآية، كقوله: رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ [سورة إبراهيم:41]، وهذا مما رجَعَ عنه إبراهيم ، كما قال تعالى: وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ... إلى قوله: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ [سورة التوبة:114]، وقد قطع الله تعالى الإلحاق في استغفاره لأبيه، فقال: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ...، إلى قوله: وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ [سورة الممتحنة:4].

إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- كان يطمع ويرجو إيمان أبيه فوعده بالاستغفار، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ بمعنى أنه مات على الكفر تبرأ منه، ولما قال بعض المسلمين: استغفر إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- لأبيه، وأرادوا أن يستغفروا لآبائهم أنزل الله -تبارك وتعالى: وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ، مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [سورة التوبة:113]، والأسوة التي ذكرها هنا قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ...، وذكرت هناك أن الاستثناء إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ [سورة الممتحنة:4].

بعضهم يقول فيه: هذا الاستثناء من الأسوة، لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ [سورة الممتحنة:4] إلا في قوله: لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ فتكون أسوة فيها استثناء، وأخذ بعضهم من هذا -كما سبق- أن النبي ﷺ أفضل من إبراهيم، أي من جهة أن الله في سورة الأحزاب ذكر الأسوة بالنبي ﷺ وأطلق لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [سورة الأحزاب:21] من غير استثناء، وأن إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- ذُكر أسوة مع الاستثناء إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ فالأسوة المطلقة أكمل من الأسوة التي فيها استثناء، لكن هذا ليس محل اتفاق في المعنى، فمن أهل العلم من يقول: إن الاستثناء هناك منقطع إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ أي لكن قول إبراهيم، فتكون الأسوة مطلقة، ويكون الائتساء به من غير استثناء.

وقوله: وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ أي: أجرني من الخزي يوم القيامة ويوم يبعث الخلائق أولهم وآخرهم.

وروى البخاري في قوله: وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ عن أبي هريرة ، عن رسول الله ﷺ قال: إن إبراهيم رأى أباه يوم القيامة عليه الغَبَرَةُ والقَتَرَةُ[2].

وفي رواية أخرى عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ قال: يلقى إبراهيم أباه، فيقول: يا رب، إنك وعدتني أنك لا تخزيني يوم يبعثون، فيقول الله: إني حرمت الجنة على الكافرين[3].

هكذا رواه عند هذه الآية. وفي أحاديث الأنبياء ولفظه: يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة، وعلى وجه آزر قَتَرَةٌ وغَبَرة، فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك: لا تعصني؟ فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك، فيقول إبراهيم: يا رب، إنك وعدتني ألا تخزيني يوم يبعثون، فأي خزي أخزى من أبي الأبعد؟ فيقول الله تعالى: إني حرمت الجنة على الكافرين، ثم يُقال: يا إبراهيم، ما تحت رجليك؟ فينظر فإذا هو بِذِيخٍ متلطخ، فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار[4]، ورواه أبو عبد الرحمن النسائي في التفسير من سننه الكبرى.

المراد بالخزي هنا الفضيحة، والقترة: هي تغير في الوجه في هيئته وشكله من سواد ونحوه، والذكر من الضباع يقال له: ذِيخ، يعني أنه يقلب بهذه الصورة فلا يُعرف، ما يعرف الناس أن هذا أب لإبراهيم -عليه الصلاة والسلام، والله المستعان.

وقوله: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ أي: لا يقي المرءَ من عذاب الله مالُه، ولو افتدى بملء الأرض ذهبا: وَلا بَنُونَولو افتدى بِمَنْ في الأرض جميعا، ولا ينفعُ يومئذ إلا الإيمانُ بالله، وإخلاص الدين له، والتبري من الشرك.

قوله:لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ لا ينفع شيء لا المال، ولا البنون، والعشيرة، ولا أحد، ولهذا قال: وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهـَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ [سورة البقرة:48]، فنفى عنهم هذه الأمور الثلاثة التي يحصل بها الخلاص إما بواسطة أن يشفع له أحد أو يكون ذلك بالافتداء يفتدي نفسه بغيره، أو يكون ذلك بالقوة والغلبة يأتي من ينصره ويخلصه بالقوة، فنفى عنهم هذه الأشياء الثلاثة، وهنا خص المال والبنون لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ؛ لأنهما أقرب ما يلي الإنسان وينصره وهما مما يعتز به المرء؛ لأن ماله وولده من كسبه، ثم يأتي بعد ذلك ابن العم، والأخ والعشيرة ونحو ذلك، يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ۝ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ۝ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ [سورة عبس:34-36].

كل هؤلاء لا ينفعونه لكن أقرب ذلك إليه من ناحية الانتفاع والنصرة والتخليص من المكاره المال فهو تحت يده يتصرف به، ويفتدي نفسه، وكذلك الأبناء، ولهذا كان الرجل يفتخر بكثرة الأبناء -ولهذا جاء في الآيات الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ [سورة الكهف:46]، ولم يقل: والأولاد؛ لأن لفظ الأولاد يشمل البنات والبنين- لأنه يعتز بهم ويحتمي بهم، وهكذا من جهة المكاسب والتحصيل كل ذلك يرجع إلى البنين دون البنات.

ولهذا قال: إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ أي: سالم من الدنس والشرك، قال ابن سيرين: القلب السليم أن يعلم أن الله حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث مَنْ في القبور، وقال سعيد بن المسيب: القلب السليم: هو القلب الصحيح، وهو قلب المؤمن؛ لأن قلب الكافر والمنافق مريض، قال الله: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ [سورة البقرة:10].

وقال أبو عثمان النيسابوري: هو القلب السالم من البدعة، المطمئن إلى السنة.

كل ما ذكر يرجع إلى شيء واحد، وهذا من قبيل اختلاف التنوع، والقلب السليم: السلامة خلاف المرض، والكافر والمنافق قلبه مريض، والقلب السليم هو القلب الذي سلم من الشرك بالله تعالى، وسلم من مرض النفاق، ولم يتلطخ بشيء من الأمراض التي يحصل بها انحطاط مرتبة العبد سواء كان ذلك من قبيل الشكوك التي تزلزل إيمانه سواء كان بالله -تبارك وتعالى، أو بالملائكة، أو الرسل، أو القدر كما يقول ابن جرير -رحمه الله، أيًّا كان فإن هذه المعاني ترجع إلى شيء واحد القلب السليم، وأعظم ما تكون السلامة منه هو الإشراك هذا أصل في النجاة لا يمكن أن تحصل إلا بهذا، ثم بعد ذلك يحصل التفاوت بين الناس في سلامة القلب، فمن الناس من تكون سلامته أكمل من غيره، فلا تزاحم محبة الله تعالى في قلبه محبة أحد من المخلوقين، فالقلوب التي ابتليت بالعشق، فصار ذلك يملؤها ويشغلها عن ذكر الله ومحبته والإقبال عليه ليست كالقلوب الصافية التي مُلئت بمحبة المعبود وقل مثل ذلك في القلوب التي تشربت البدع والأهواء والضلالات ليست كالقلوب التي سلمت من هذا وصاحبها على السنة، وهكذا القلوب التي قد تشربت الشبهات ليست كالقلوب المصقولة التي سلمت من ذلك كله، والله المستعان.

قال الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى: "قوله -تعالى ذكره: يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ۝ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ والسليم هو السالم وجاء على هذا المثال لأنه للصفات كالطويل والقصير والظريف فالسليم القلب الذي قد صارت السلامة صفة ثابتة له كالعليم والقدير وأيضا فإنه ضد المريض والسقيم والعليل، وقد اختلفت عبارات الناس في معنى القلب السليم والأمر الجامع لذلك: أنه الذي قد سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه"[5].

هذا الأمر الجامع: أراد أن يجمع المعنى، وعامة المفسرين أنه السالم من الشرك، فالسلامة من الشرك تتحقق منها النجاة، وأنه لا يخلد في النار، ولكن القلب إذا كان متلطخاً بما دون الشرك فإن ذلك لا تحصل له السلامة الكاملة.

وقال ابن القيم -رحمه الله: "والأمر الجامع لذلك: أنه الذي قد سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه، ومن كل شبهة تعارض خبره، فسلم من عبودية ما سواه وسلم من تحكيم غير رسوله، فسلم في محبة الله مع تحكيمه لرسوله في خوفه ورجائه، والتوكل عليه والإنابة إليه، والذل له، وإيثار مرضاته في كل حال، والتباعد من سخطه بكل طريق وهذا هو حقيقة العبودية التي لا تصلح إلا لله وحده"[6].

القلب كامل السلامة ولكن النجاة لا تتوقف على هذا، بمعنى الخلود في النار أو النجاة من النار، والأساس في هذا قضية السلامة من الإشراك، ومع ذلك فإن القلوب تتفاوت فيه، ولكن لا تتوقف عليه النجاة بمعنى الخروج من النار، قد يكون الإنسان في قلبه شيء من الأهواء ولكنه لا يخلد في النار، في قلبه شهوات تزاحم محبة الله، والإقبال عليه تشغله وتعوقه، ولكنه لا يخلد في النار.

فالسلامة الكاملة ما ذكره الحافظ ابن القيم، فهذا مثل الإيمان يتفاوت، إسلام المرء يتفاوت كما أن الكفر يتفاوت، والنفاق يتفاوت، والإشراك يتفاوت، أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ [سورة الجاثية:23]، صار الآن هواه يطاع ويتبع فهذا نوع من الإشراك، ولكن هذا الإشراك لا يخلد في النار، وقل مثل ذلك في الكفر، الكفر يتفاوت فمنه ما يخرج من الملة، ومنه ما لا يخرج من الملة، ومنه كفر عملي، وكفر اعتقادي، وهكذا النفاق منه ما هو نفاق أكبر، ومنه ما هو نفاق أصغر، ولهذا تجد في كلام الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- بل في كلام الرسول ﷺ: يصبح الرجل مسلمًا، ويمسي كافرًا[7]، تدل على أن الناس يتقلبون في أحوال، فهذا الإنسان المصلي لربما ينقلب في موقف إلى حال آخر إلى كفر أو إلى نوع نفاق، ولهذا تجد الصحابة في بعض المواقف بعضهم يقول: نافق فلان، دعني أضرب عنق هذا المنافق، فالنفاق لا يختص بإظهار الإيمان وإبطان الكفر بالضرورة.

هذه صورة تعتبر أجلى صور النفاق وأسوأ صور النفاق، ولكن هناك صور أخرى قد يكون هذا الإنسان مصليا ولكنه في الواقع فيه نوع نفاق يزيد وينقص، ولهذا يستشكل بعض الناس حال بعض هؤلاء الذي يقولون عن أنفسهم إنهم ليبراليين، وأنا أقول: منافقين، فبعضهم يقول: هؤلاء بعضهم يصلي نقول: وإن صلى، والنفاق أنواع فبعضهم يظهر الإسلام ويبطن الكفر حقيقة، زنادقة، يدل على هذا كتاباتهم بأسماء مستعارة في مواقعهم في بيوت الضرار المعروفة، يكتبون كتابات هي عين الكفر، كفر لا شبهة فيه سخرية من الله، ومن الرسول ﷺ، ومن دين الإسلام صريحة، إذا كتبوا بأسماء مستعارة، قد حدثتني إحدى النساء من هؤلاء حصل عندها نوع اضطراب في موقف من المواقف، وشكت في حالهم فذكرت أموراً هي كفر صريح تذكر أنهم يتحدثون بها معها، فهذا إظهار للإسلام وإبطان للكفر، والبعض من هؤلاء قد لا يكون بهذه المنزلة من إظهار الإسلام وإبطان الكفر فيصلي ولكن عنده نوع نفاق.

فهذه القضية لابد أن تدرك، فليس من شرط النفاق أن يظهر الإنسان الإسلام ويبطن الكفر، فالصحابة عندما يقولون: نافق فلان لا يقصدون أنه يظهر الإسلام ويبطن الكفر، فالنفاق أنواع، فهؤلاء لا شك في نفاقهم ولكن نفاقهم يتنوع، وإن كان بعضهم يصلي، هذه قضية لابد من تحريرها ومعرفتها، فكثير من القضايا المتعلقة بالنفاق لم تحرر عند كثير من طلبة العلم فضلا عن غيرهم، يعني حتى المشهور جداً عند العلماء وطلبة العلم أن النفاق لم يعرف إلا في المدينة، وبالتحديد بعد غزوة بدر، هذا كلام يحتاج إلى تحرير.

في غزوة بدر ماذا قال الله : إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَؤُلاء دِينُهُمْ [سورة الأنفال:49]، ما نوع هذا المرض؟ النفاق وضعف الإيمان أليس كذلك؟ وفي بدر كان هناك منافقون وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ [سورة العنكبوت:11] والسورة مكية، فمن الناس من يحصل له تلون، لا يقال: كون المسلمين في مكة ما عندهم قوه تُرهب حتى يحتاج الإنسان أن يظهر الإسلام، ويبطن الكفر، فالنفاق أحيانا يظهر في مواطن الضعف يكون عنده إيمان ولكنه ضعيف، فإذا جلس مع الكفار صار كحالهم، وإذا جلس مع أهل الإيمان صار كما قال الله : فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فـَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً ۝ وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ... [سورة النساء:88، 89]، وقال سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا [سورة النساء:91] فهذا نوع نفاق.

وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ ۝ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ ۝ وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ۝ مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ ۝ فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ ۝ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ ۝ قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ ۝ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ۝ إِذْ نُسَوِّيكُم ْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ وَمَا أَضَلَّنَا إِلا الْمُجْرِمُونَ ۝ فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ ۝ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ۝ فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ۝ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ۝ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ [سورة الشعراء:90-104].

وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ أي: قربت الجنة وأدنيت من أهلها يوم القيامة مزخرفة مزينة لناظريها، وهم المتقون الذين رغبوا فيها على ما في الدنيا، وعملوا لها في الدنيا.

أصل معنى أُزْلِفَتِ أدنيت وقربت، لكن قوله: مزخرفة مزينة لناظريها هذا يفهم من أمور أخرى، وليس معنى أزلفت، وإنما هو قدر زائد عليه.

وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ أي: أظهرت وكُشف عنها، وبدت منها عُنقٌ، فزفرت زفرة بلغت منها القلوب إلى الحناجر.

وقيل لأهلها تقريعا وتوبيخا: أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ۝ مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصـِرُونَ أي: ليست الآلهة التي عبدتموها من دون الله، من تلك الأصنام والأنداد تغني عنكم اليوم شيئًا، ولا تدفع عن أنفسها؛ فإنكم وإياها اليوم حَصَبُ جهنم أنتم لها واردون.

وقوله: فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَقال مجاهد: يعني: فَدُهْوِرُوا فيها.

وقال غيره: كببوا فيها. والكاف مكررة، كما يقال: صرصر، والمراد: أنه ألقي بعضهم على بعض، من الكفار وقادتهم الذين دعوهم إلى الشرك.

اللفظة التي تتكرر فيها الحروف ككبكب وصلصل وزلزل وجلجل وحلحل تدل على تكرر في المعنى، فالزلزلة حركه فيها اضطراب، والحركة الواحدة ليس فيها اضطراب، وهكذا الصلصلة حينما تقول مثلاً صوت له صليل، أو له من صوت الجرس صلصلة، أو السلسلة أو نحو ذلك، إذا كان مرة واحدة فقط ما يقال له صلصلة، وهنا فَكُبْكِبُوايعني ألقي بعضهم على بعض في دفعات تُلقى، كقوله: كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ [سورة الملك:8] ويرمى فيهم في الجحيم ويطرح بعضهم على بعض، وبعضهم أيده وعبر عنه، ومعنى زائد وهو أن الكب يكون على الوجه يكب كبا، أي طرح بعضهم على بعض على وجوههم، كبكبوا.

وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ أي: ألقوا فيها عن آخرهم.

بعضهم يقول في قوله: وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ ذرية إبليس من الشياطين هم جنود إبليس، وجنود إبليس أعم من هذا أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ [سورة المجادلة:19] فحزب الشيطان هم جنود إبليس، فيدخل فيهم كل من كان بهذه الصفة من الجن والإنس؛ ولهذا قال الله -تبارك وتعالى: شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ [سورة الأنعام:112] كما أن الجن فيهم شياطين فالإنس فيهم شياطين، فجنود إبليس كل من كان داعية إلى عبادة غير الله ، وإلى طاعة الشيطان، ومروجاً لذلك، وساعياً فيه فهو من جنود إبليس، وكما قال الله -تبارك وتعالى: وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ [سورة الإسراء:64] وصّى بالغناء، وكل صوت يدعو إلى المنكر والباطل فهو داخل فيه، وقوله: بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ يعني كل راكب في المنكر والشر والصد عن سبيل الله فهو داخل في هذا بخليله، ورجلك كل ماشٍ وكل داعية إلى الإشراك، وإلى الكفر وإلى الفجور فهو من رَجِلِه، يعني الراجلة على الأرجل، هؤلاء كلهم من حزب الشيطان، ودعاته ومن جنوده.

قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ ۝ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ۝ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ أي: يقول الضعفاء الذين استكبروا: إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ [سورة غافر:47]، ويقولون وقد عادوا على أنفسهم بالملامة: تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ۝ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ أي: نجعل أمركم مطاعًا كما يطاع أمر رب العالمين، وعبدناكم مع رب العالمين.

بعضهم يقول: تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ "إن" مخففة من الثقيلة، وهذا مذهب البصريين إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ، وبعضهم يقول بأنها نافية، وقوله: إِنْ أَنتَ إِلَّا نَذِيرٌ [سورة فاطر:23] يعني ما أنت إلا نذير، وبعضهم يقول بأنها نافية، وأن اللام لقوله: "لفي" بمعنى إلا، إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ وهذا مذهب الكوفيين.

وقوله: إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ لم يسووهم بالله من كل وجه، فهم يعرفون أن الله -تبارك وتعالى- هو الخالق الرازق المدبر المحيي المميت يقولون: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [سورة الزمر:3]، لكن كما قال الله -تبارك وتعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ [سورة البقرة:165] سووا بينهم في المحبة والطاعة.

قال ابن القيم -رحمه الله- في قوله تعالى: تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ: "وقال أصحاب هذا الشرك لآلهتهم وقد جمعتهم الجحيم: تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ۝ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ومعلوم أنهم ما سووهم به سبحانه في الخلق والرزق والإماتة والإحياء والملك والقدرة، وإنما سووهم به في الحب والتأله والخضوع لهم والتذلل، وهذا غاية الجهل والظلم، فكيف يسوي من خُلق من التراب برب الأرباب؟ وكيف يسوي العبيد بمالك الرقاب؟ وكيف يسوي الفقير بالذات، الضعيف بالذات، العاجز بالذات، المحتاج بالذات الذي ليس له من ذاته إلا العدم بالغنىّ بالذات، القادر بالذات، الذي غناه وقدرته وملكه وجوده وإحسانه وعلمه ورحمته وكماله المطلق التام من لوازم ذاته؟!"[8].

وَمَا أَضَلَّنَا إِلا الْمُجْرِمُونَ أي: ما دعانا إلى ذلك إلا المجرمون.

فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ قال بعضهم: يعني من الملائكة، كما يقولون: فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ [سورة الأعراف:53]، وكذا قالوا: فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ ۝ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ أي: قريب.

أصل مادة حميم تدل على القرب، وعبارة أهل العلم فيها من اللغويين وغيرهم تتفاوت، ولكنها تدور على هذا المعنى: القرب الشديد، وبعضهم يقول: قيل له ذلك ووصف بهذا لأنه يحمى لصاحبه، يقول الحمية، فإذا أوذي صاحبه أو قيل فيه ما يسوء أو نحو ذلك فإنه يحمى، يعني تأخذه الحمية يغضب له، ولا حاجة لمثل هذا التكلف -والله تعالى أعلم، فالصديق الحميم أي: القريب جداً، علاقة حميمة يعني تحمى إلى صاحبها، يعني إذاً تغضب؟ لا، وإنما قريبة جداً.

فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وذلك أنهم يتمنون أنهم يردُّون إلى دار الدنيا، ليعملوا بطاعة ربهم -فيما يزعمون- وهو يعلم أنه لو ردهم إلى الدار الدنيا لعادوا لما نُهوا عنه وإنهم لكاذبون. وقد أخبر تعالى عن تخاصم أهل النار في سورة "ص"، ثم قال: إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ [سورة ص:64].

ثم قال تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ أي: إن في محاجة إبراهيم لقومه وإقامته الحجج عليهم في التوحيد لآيةً ودلالة واضحة جلية على أنه لا إله إلا الله وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ۝ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ.

قوله هنا: وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ هناك لما ذكر قوم فرعون وما حصل لهم من الغرق قال: إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وسبق الكلام على هذا المعنى وأن منهم من يقول: وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ يعني قوم فرعون، باعتبار أنه وجد فيهم من آمن كآسيا، وليس المقصود أفراد الجيش الذين كانوا معه؛ لأنهم غرقوا، وأن بعضهم كسيبويه قال: إن ذلك يتوجه للمشركين الذين بعث فيهم النبي ﷺ، فإن ذلك لا يؤثر فيهم، يعني ما يذكر من القصص والأخبار وهذه المَثُلات.

وهنا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ بعضهم يقول: قوم إبراهيم، وبعضهم يقول: أي المشركون، يعني المشركين الذين بعث فيهم النبي ﷺ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً يعني في محاجة إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- لقومه في التوحيد، هذه المحاجة فيها آية، في المحاجة ليس في ما ذكر من مصير الكفار مثلاً، وإنما في المحاجة هذا كلام ابن كثير وهو أيضاً قول ابن جرير -رحمه الله، والإشارة -قول ذلك- بمحاجة إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- إقامة الحجج عليهم في التوحيد لآيَةً دلالة واضحة على أنه لا إله إلا الله.

كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ ۝ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ ۝ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ۝ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ۝ وَمَا أَسْأَلُكُم ْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ [سورة الشعراء:105-110].

هذا إخبار من الله عن عبده ورسوله نوح ، وهو أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض بعدما عبدت الأصنام والأنداد، بعثه الله ناهيًا عن ذلك، ومحذرًا من وَبيل عقابه، فكذبه قومه واستمروا على ما هم عليه من الفعال الخبيثة في عبادتهم أصنامهم مع الله تعالى، ونزّل الله تكذيبهم له منزلة تكذيبهم جميع الرسل؛ ولهذا قال: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ ۝ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ.

يعني أن من كذب رسولاً واحداً فكأنما كذب الجميع؛ لأنه لم يكن رسول قبل نوح -عليه الصلاة والسلام، وأول نبي هو آدم ﷺ ، وأول رسول هو نوح -عليه الصلاة والسلام- فقال: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ، وإنما هو رسول واحد، قال الله: لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ [سورة البقرة:285]، وقال: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّه وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً ۝ أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا [سورة النساء:150، 151]، وكذلك في قوله بعده: كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ [سورة الشعراء:123] وقد كذبوا هوداً -عليه الصلاة والسلام- فقط.

إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ أي: ألا تخافون الله في عبادتكم غيره؟

إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ أي: إني رسول من الله إليكم، أمين فيما بعثني به، أبلغكم رسالة الله لا أزيد فيها ولا أنقص منها.

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ۝ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ أي: لا أطلب منكم جزاء على نصحي لكم، بل أدخر ثواب ذلك عند الله فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ فقد وضح لكم وبان صدقي ونصحي وأمانتي فيما بعثني به وأتمنني عليه.

قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأرْذَلُونَ ۝ قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يـَعْمَلُونَ ۝ إِنْ حِسَابُهُمْ إِلا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ ۝ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ ۝ إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ مُبِينٌ [سورة الشعراء:111-115].

يقولون: أنؤمن لك ونتبعك، ونتساوى في ذلك بهؤلاء الأراذل الذين اتبعوك وصدقوك، وهم أراذلنا؟

يعني هنا قالوا: أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأرْذَلُونَوالمقصود بهم الأسافل الوضعاء من الناس، ممن لا شأن لهم، ولا مرتبة، ولا غنى وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا [سورة هود:27]، هكذا قالوا له -عليه الصلاة والسلام- وهكذا قال المكذبون لأنبيائهم، وهكذا قال المشركون للرسول ﷺ وطلبوا منه إبعادهم وتنزهوا عن مجالستهم ومخالطتهم، اطْردْ عنا هؤلاء الأنجاس، وهكذا قوله: وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ [سورة هود:30]، فكانوا يتهمونهم ويقولون: إنهم إنما جاءوا لمآرب أخرى طلبا للطعام أو المال، وليس هؤلاء بأهل للنظر والتفكير والإيمان، ومعرفة الحجج والبراهين والآيات، إنما يتبعونك من أجل شيء يأكلونه يسدون به جَوعتهم، ولهذا كان الجواب:

إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ، مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ [سورة الأنعام:52]، قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لست مسئولا عن التنقير في نفوسهم وقلوبهم، وشق الصدور، وإنما نحكم بالظاهر، فهؤلاء آمنوا أذعنوا فيقبل ذلك منهم وحسابهم على الله، أما أن نقول بأن هؤلاء غير صادقين فإن ذلك ليس لنا، هذا هو المعنى والله تعالى أعلم، يتهمونهم لفقرهم.

إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ الأخوة هنا المقصود بها أخوة النسب، فإن ذلك يعبر عنه بهذا، فالأخوة تأتي بهذا الاعتبار، وتأتي بمعنى آخر وهو أنه من قومهم، وتأتي بمعنى أنهم يشتركون في بلد واحد، وتأتي بمعنى أعم من ذلك، وتأتي بمعنى الأخوة الإيمانية وهذه لا تكون إلا لأهل الإيمان، وليست مرادة هنا قطعًا، كما قال الله وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا [سورة الأحزاب:18]. 

ويحتمل أن يكون المراد بالأخوة أخوة النسب، كما جاء في بعض الروايات -لو صحت، ولا تخلو من ضعف- أن رجلاً قال لأخيه من النسب: هلمّ إلينا في قصة الخندق، أو يكون ذلك من الأخوة في الدين، وأنهم يقولون للمنافقين: هَلُمَّ إِلَيْنَا، فيحتمل أن يكون من جهة أنهم في قبيلة واحدة الأوس مثلاً أو الخزرج، فيحتمل أن يكون ذلك باعتبار أنهم في بلد واحد، يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا [سورة الأحزاب:13]، لكن الأخوة المنتفية هي الأخوة في الدين بين المؤمنين والكافرين هو من قومهم، منهم، من نسبهم، يرجع إليهم، يرجعون إلى أب واحد، ولهذا استشكل بعض أهل العلم إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ [سورة الشعراء:177] قالوا هنا: إنه ليس منهم، هكذا قال بعض أهل العلم والأقرب خلاف ذلك؛ لأن القرآن يفسر بعضه بعضا: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا [سورة الأعراف:85]، وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ [سورة الأحقاف:21] فهنا هم يرجعون إلى قبيلة واحدة، وتأتي بمعنى الصاحب، أو نحو ذلك أَخَا عَادٍ بمعنى صاحب عاد كما يقال: أخو كذا.

وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ؟ أي: وأي شيء يلزمني من اتباع هؤلاء لي، ولو كانوا على أي شيء كانوا عليه لا يلزمني التنقيب عنه والبحث والفحص، إنما عليَّ أن أقبل منهم تصديقهم إياي، وأَكِل سرائرهم إلى الله .

إِنْ حِسَابُهُمْ إِلا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ ۝ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ، كأنهم سألوا منه أن يبعدهم عنه ليتابعوه، فأبى عليهم ذلك، وقال: وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ ۝ إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ مُبِينٌ أي: إنما بعثت نذيرًا، فمن أطاعني واتبعني وصدقني كان مني وكنت منه ، سواء كان شريفًا أو وضيعًا، أو جليلا أو حقيرًا.

قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ ۝ قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ ۝ فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ۝ فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ۝ ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ ۝ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ۝ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ [سورة الشعراء:116-122].

لما طال مقام نبي الله بين أظهرهم يدعوهم إلى الله ليلا ونهارًا، وجهرًا وإسرارًا، وكلما كرر عليهم الدعوة صمموا على الكفر الغليظ، والامتناع الشديد، وقالوا في الآخر: لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ أي: لئن لم تنته عن دعوتك إيانا إلى دينك يا نوح لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ أي: لنرجمنَّك، فعند ذلك دعا عليهم دعوة استجاب الله منه.

قوله: لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ الحافظ ابن كثير -رحمه الله- يقول: أي لنرجمنك في الأصل هل زاد على هذا؟ ما فيه زيادة الرجم هنا، ويحتمل أن يكون بالسب والشتم، ويحتمل أن يكون بالحجارة، وهذا المعنى يذكر أيضا في قول آزر لإبراهيم -عليه الصلاة والسلام- لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا [سورة مريم:46]، فيه معنيان: فقيل: الرجم بالحجارة، وقيل: بالسب والشتم، وابن جرير -رحمه الله- هنا يقول: إن المراد هنا السب والشتم، لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ

لكن لماذا نستبعد أن يكون المراد الرجم بالحجارة؟ وهذان المعنيان يذكران في الاستعاذة حينما يقال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، والرجيم فعيل يأتي بمعنى فاعل، ومفعول، بمعنى أنه راجم؛ لأنه يرجم الناس بالوساوس والخواطر السيئة والشُّبه، والمعنى الثاني الذي عليه عامة المفسرين أنه المرجوم، والشيطان الرجيم هو الذي قطعاً مرجوم أي يُرجم باللعن والسب والشتم، والرجم بالجمار: إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- رمى الشيطان بالحجارة، فلا يقال: الشيطان الرجيم يعني المرجوم بالحجارة؛ لأن إبراهيم رمى الجمار، لكن في قوله: وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ [سورة الملك:5] هي النجوم، يرجمون بالشهب، أي الشيطان الرجيم الذي يرجم بالشهب، عندما تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم الأقرب أنه يفسر بالسب، وقد يقول قائل بأن ذلك جميعًا حاصل، والشيطان لا يقصد به إبليس بعينه، وإنما جنس الشياطين وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ [سورة المؤمنون:97] فلا يختص بإبليس.

فقال: رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ ۝ فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا... الآية، كما قال في الآية الأخرى: فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ... إلى آخر الآية، وقال هاهنا: فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ۝ ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ، والمشحون: هو المملوء بالأمتعة والأزواج التي حمل فيها من كل زوجين اثنين، أي: نجيناه ومن اتبعه كلهم، وأغرقنا مَن كذبه وخالف أمره كلهم، إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ۝ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ.

اختلف العلماء في المراد بقوله: وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ فقيل: يعني قوم نوح، وقيل: المقصود الذين بعث فيهم النبي ﷺ، وابن جرير -رحمه الله- يحمل ذلك على الثاني، أي ما كان أكثرهم من المشركين.

  1. رواه البخاري، كتاب المغازي، باب آخر ما تكلم به النبي ﷺ، برقم (4194)، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة -رضي الله تعالى عنهم، باب في فضل عائشة -رضي الله تعالى عنها، برقم (2444).
  2. رواه البخاري، كتاب التفسير، باب تفسير سورة الشعراء، برقم (4490).
  3. رواه البخاري، كتاب الأنبياء، باب تفسير سورة الشعراء، برقم (4491).
  4. رواه البخاري، كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى: وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً [سورة النساء:125]، برقم (3172)
  5. إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، لابن القيم(1/ 7).
  6. المصدر السابق (1/ 7).
  7. رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب الحث على المبادرة بالأعمال قبل تظاهر الفتن، برقم (118).
  8. الجواب الكافي، ابن القيم (92).

مواد ذات صلة