الخميس 19 / جمادى الأولى / 1446 - 21 / نوفمبر 2024
الاستعاذة
تاريخ النشر: ١٠ / شعبان / ١٤٣٦
التحميل: 2905
مرات الإستماع: 2323

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحابته الطيبين الطاهرين.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين، أما بعد:

فيقول الإمام ابن جُزي الكلبي:

"الكلام على الاستعاذة فيه عشر فوائد من فنون مختلفة:

الأولى: لفظ التعوذ على خمسة أوجه: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وهو المروي عن النبي ﷺ، والمختار عند القُراء، وأعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، وهو مروي عن النبي ﷺ، وأعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم، وأعوذ بالله القوي من الشيطان الغوي، وأعوذ بالله المجيد من الشيطان المريد، وهي مُحدثة".

الشيخ: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الكلام على الاستعاذة فيما ذكره المؤلف -رحمه الله- جاء في هذه المسائل العشر، وهذه أولاها وهي ما يتعلق بلفظ الاستعاذة، وحاصل هذه الصيغ التي تُذكر في الاستعاذة منها ما يرجع إلى المروي عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، ومنها ما يُنقل عن بعض السلف ، فالمنقول عن النبي ﷺ يرجع إلى أربع صيغ، وهناك صيغتان ترجعان إلى ذلك من جهة الأصل، يعني: أن أصحابهما كأنهم ركبوا من بعض الروايات الواردة عن النبي ﷺ صيغة، وأما باقي الصيغ فهي مما نُقل عن بعض السلف، ومنشأ ذلك أنهم فهموا من الأمر من الاستعاذة: فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [الأعراف:200]، أن المقصود هو تحقيق الاستعاذة، يعني: بأي صيغة كان، فجاءوا بمثل هذه الصيغ.

وأما الصيغ المنقولة بنصها عن رسول الله -ﷺ- فأول ذلك هي الصيغة الأشهر، وهي أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، هذا الذي عليه أكثر القُراء[1] كأبي عمرو وعاصم وابن كثير[2]، وهو المنقول عن عامة السلف -- من الصحابة فمن بعدهم، جاء ذلك عن عمر  [3] وعن ابن عمر[4]، ومن الأئمة جاء ذلك عن أبي حنيفة[5]، والشافعي[6]، وأحمد[7]، هذه الصيغة المشهورة، وهي المُختارة عند عامة القُراء.

أما الصيغة الثانية: وهي مروية عن النبي ﷺ وهي التي جاءت في دعائه ﷺ في صلاة الليل، فقد كان ﷺ يدعو بدعاء الاستفتاح، ثم بعد ذلك يقول: "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم"، فهذا منقول بحروفه عن رسول الله ﷺ لكن في صلاة الليل، فكأن هذا هو الذي حمل الجمهور على اختيار الصيغة الأولى؛ باعتبار أن هذه جاءت بمناسبة خاصة وهي قيام الليل.

كذلك الذين اختاروا هذه الصيغة الثانية نظروا إلى قوله تبارك وتعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [فصلت:36]، وفي الآية الأخرى: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأعراف:200].

أولئك نظروا إلى قوله تعالى: فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98]، وقالوا: هذا في خصوص القراءة، وأما هنا فإن ذلك لم يرد في خصوص التلاوة، وإنما جاء في نزغ الشيطان.

وأما ما جاء عن رسول الله ﷺ فذلك في صلاة الليل، فكأن ذلك كان سببًا للعدول عن هذه الصيغة إلى قول: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم".

على كل حال، هذه الصيغة الثانية اختيار جماعة من القُراء، وهي مروية عن حمزة[8]، وقد نُقلت أيضًا عن جماعة من السلف، كالحسن[9]، وابن سيرين[10]، وهي منقولة عن الشافعي[11]، وأحمد في رواية عنه[12]، وقد ذكر أبو عمرو الداني رحمه الله أن هذه الصيغة على استعمالها عامة أهل الأداء من أهل الحرمين والعراقيين والشام[13].

الصيغة الثالثة: أن يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، لكن مع زيادة: "من همزه، ونفخه، ونفثه، وهذا أيضًا جاء في حديث أبي سعيد الخُدري أيضًا في صلاته صلاة الليل، وفيه هذه الزيادة بعد دعاء الاستفتاح المعروف: سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك[14]، فيقول ذلك، فهذه على كل حال خصها بعض أهل العلم بقيام الليل، قالوا: لما يُنقل ذلك عن النبي ﷺ في تلاوته.

الصيغة الرابعة: "اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم، وهمزه ونفخه ونفثه"، يعني: من غير أن يقول السميع العليم، وفي مبدئها يقول: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم، وهذا جاء في حديث ابن مسعود عن النبي ﷺ أنه قال: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم، وهمزه ونفخه ونفثه[15]، وهذه الروايات الصحيحة الروايات الأربع ثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد اختار هذه الصيغة الأخيرة -وهي مروية عن الحسن البصري[16]- اختارها إسحاق بن راهوية رحمه الله[17].

فهذه الصيغ الأربع لقائل أن يقول إن الأكمل أن يختار أكمل هذه الصيغ، ومن نظر إلى ما يتعلق بالقراءة، وأن الله تبارك وتعالى قال: فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98]، فهذه بها أعلق مما يتصل بموضع خاص، أو بموطن خاص كنزغ الشيطان، أو ما جاء عنه ﷺ في صلاة الليل، ويمكن أن يقال: بأن القارئ مثلًا مُخير، وينوع بين هذه الصيغة، وأن ذلك جميعًا من الصائغ بما أنه قد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإن قوله تبارك وتعالى: فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98]، لم يُحدد الصيغة، وهذه جميعًا من صيغ الاستعاذة المنقولة عن النبي ﷺ، فهو مُخير يختار أي هذه الصيغ شاء، هذا لا إشكال فيه إن شاء الله، فلو اختار أكمل هذه الصيغ، أو أنه نوع بين هذه الصيغ، أو أنه اقتصر على الأولى باعتبار أن ذلك هو الأقرب إلى قوله: فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98]، مع أن قوله: فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98]، -كما سبق- لا يُحدد صيغة، فيكون القارئ مُخيرًا بين هذه الصيغ، يختار من أيها شاء.

وهناك صيغتان ترجعان إلى شيء من هذا؛ وذلك باعتبار أن هؤلاء كأنهم أخذوا من هذا وهذا، كقول بعضهم: بأنه يقول: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إن الله هو السميع العليم"، فهذه الصيغة بهذا اللفظ ليست مروية عن النبي ﷺ، ولكنهم أرادوا أن يجمعوا بين الصيغة الأولى: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، وما جاء في بعض تلك الروايات، وما جاء في الآيتين من ذكر السميع العليم في نزغ الشيطان، وهذا جاء عن نافع، وابن عامر، والكسائي[18]، من القُراء، وهو مروي عن حمزة وأبي عمرو، وقد روي عن بعض السلف كعمر ، وابن سيرين[19].

وممن قال به من أهل العلم: سفيان الثوري[20] والأوزاعي[21] وهو رواية عن أحمد اختارها بعض أصحابه[22].

وهناك صيغة أخرى أيضًا أن يقول: "أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم"، هذا مبناه على ما جاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -ا- عن النبي ﷺ أنه كان إذا دخل المسجد قال: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم[23].

أما الصيغ المنقولة عن السلف ، فهذه كثيرة جدًا، وكما قلت بأنهم لم يفهموا تحديد الصيغة لفظًا من الإطلاق المذكور في قوله تبارك وتعالى: فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98]، أن المطلوب هو الاستعاذة، ولكن يمكن أن يُقال: بأن هذه الاستعاذة التي أمر الله  بها هي مُبينة بمن تشرح سُنته القرآن، فعلمنا النبي ﷺ كيف نستعيذ، فمن هذه الصيغ: "أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم" و "أعوذ بالله العظيم السميع العليم من الشيطان الرجيم"، "أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم، إن الله هو السميع العليم"، "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، إن الله هو السميع العليم"، "أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم" أو: "نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم"، "أعوذ بالله القوي من الشيطان الغوي"، و "أعوذ بالله المجيد من الشيطان المريد"، "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، واستفتح الله وهو خير الفاتحين"، "أعوذ بالله السميع الرحمن الرحيم من الشيطان الرجيم"، و "أعوذ بك رب أن يحضرون، أو يدخل بيتي الذي يؤويني".

هذه أيضًا صيغة منقولة عن بعض السلف.

 و "ربي أعوذ بك من همزات الشياطين، وأعوذ بك ربي أن يحضرون"، "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إن الله هو السميع العليم".

و"أعوذ بالله السميع العليم من همزات الشياطين"، و"أعوذ بالله أن يحضرون"، لكن مثل هذه الصيغ يمكن أن يقال بأن ذلك لا يكون مُختارًا بحال من الأحوال، وقد جاءنا عن رسول الله ﷺ هذه الصيغ الثابتة الأربع، فيكون القارئ مُخيرًا بين الصيغ الأربع، والأمر في ذلك يسير.

"الثانية: يؤمر القارئ بالاستعاذة قبل القراءة، سواء ابتدئ أول سورة، أو جزء سورة، والأمر بذلك على الندب".

الاستعاذة تكون قبل القراءة؛ لقوله الله تبارك وتعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98].

وظاهر هذا قد يُفهم منه أن الاستعاذة تكون بعد القراءة، وهذا نُقل عن جماعة من أهل العلم نُقل عن حمزة[24] من القُراء، ونُقل عن آخرين وأبو حاتم السجستاني[25]، وأبي هريرة من الصحابة[26]، ونُقل عن جماعة من السلف كابن سيرين[27]، وإبراهيم النخعي[28]، ونُقل عن داود الظاهري من الفقهاء[29]، وهو محكي عن الإمام مالك[30]، وإن كان هذا قد استغربه بعض المالكية[31]، ولكن هذا النقل عن هؤلاء يرده بعض أهل العلم، ويقولون: إن ذلك لا يثبت عن أحد منهم كما سيأتي.

هؤلاء الذين يروى عنهم ذلك، وقد لا يثبت، ما مبنى هذا القول؟ مبناه ظاهر الآية، ومن جهة التوجيه أن هذه الاستعاذة التي تكون بعد القراءة تكون دافعة للعُجب، أن القارئ قد قام بعمل صالح، فهذه الاستعاذة تدفع عنه العُجب، وتبقى معه ثمرة القراءة.

لكن الذي عليه عامة أهل العلم، بل نقل عليه بعض أهل العلم الإجماع أن ذلك، إنما يكون قبل القراءة، وأن هذه الآية ليس محملها ما ذُكر من إن المطلوب أن يستعيذ بعد القراءة، فقالوا: إن هذه نظير ما جاء في قوله تبارك وتعالى: إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا [المائدة:6]، يعني: أردتم القيام فالوضوء يكون قبل الصلاة، فكذلك إذا أردتم قراءة القُرآن إذا أردت القراءة؛ فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وكما في قوله تبارك وتعالى: وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا [الأنعام:152]، يعني: إذا أردتم القول، وكقوله: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الأحزاب:53]، يعني: إذا أردتم سؤالهن فسألوهن من وراء حِجاب، وكقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً [المجادلة:12]، يعني: إذا أردتم المُناجاة، وليست الصدقة بعد المُناجاة؛ لأنه كان المقصود بهذه الصدقة كما هو معلوم التخفيف عن رسول الله ﷺ من كثرة النجوى.

فأوقع الماضي يعني: فَإِذَا قَرَأْتَ أوقع الماضي مكان المُستقبل، وقد دلت السنة على أن الاستعاذة قبل القراءة، كما في حديث أبي سعيد الذي أشرت إليه آنفًا، وهذا أنها تكون بعد القراءة، قول لا يعول عليه، وقد نص بعض أهل العلم على شذوذه، وإنما المقصود أن تكون الاستعاذة قبل القراءة من أجل أن القارئ بحاجة إلى ذلك؛ ليدفع عنه خواطر الشيطان يدفع وسواسه، ليتهيأ للقراءة، ليتطهر لسانه، كما قد تطهر قبل ذلك بالوضوء، فيجمع بين الطهارتين، والله -- يقول: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ [الحج:52]، وقد فُسر ذلك بالقراءة، يعني: في قراءته، والمخرج من ذلك بالاعتصام بالله تبارك وتعالى من الشيطان، فلا يُفسد عليه قراءته، ولا يُلقي في قلبه الخواطر والوساوس، فيكون القلب محلًا صالحًا للقرآن، وينتفع به، وقد حكى الإجماع على ذلك أنها قبل القراءة جمع من أهل العلم كالإمام مكي بن أبي طالب[32]، وخاتمة المُقرئين ابن الجزري[33]، قالوا: إن هذا بالإجماع، وضعفوا ما نُقل عن هؤلاء من السلف وغيرهم، وأن ذلك لا يثبت عن أحد منهم، ولا يصح عنهم شيء من ذلك.

فكذلك أيضًا تكون هذه الاستعاذة قبل البسملة بلا شك، وتكون في ابتداء السور بلا مرية، لكن إذا ابتدأ القارئ من وسط السورة، فهل يتعوذ أو يُبسمل، أو يتعوذ ويُبسمل؟ هذا فيه خلاف بين أهل العلم في وسط السورة، والأقرب والله أعلم أنه يتعوذ، ثم يقرأ بعد أن يقف، وله أن يصل الاستعاذة بالقراءة، وإن كان بعض أهل العلم استثنى بعض المواضع من جهة المعنى، يعني: كأنهم قالوا يقبُح الوصل بين الاستعاذة والابتداء ببعض الآيات كقوله مثلًا: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255]، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، الله لا إله إلا هو، قالوا: كأن المعنى ليس بذاك، هكذا قالوا قد يتوهم مع أن هذه الرجيم مجرورة والله مرفوعة، يعني: لا يقال: إن هذا من الأوصاف التابعة تعالى الله وتقدس عن ذلك، ولهذا لو أنه وصل، فإن ذلك لا يلتبس مثل هذه المواضع التي ذكروها، يعني: ما كان مبدأه بذكر اسم الله تبارك وتعالى، اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ [الروم:40]، أو إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ [فصلت:47]، يعني: لو أنه قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ [فصلت:47]، يقال: قد يُتوهم أن ذلك يرجع إلى الشيطان، لكن لو أنه وقف سكت سكتة فهذا حسن؛ لأن الاستعاذة الوقف عليها يكون تامًا، والوقف على ما كان من هذا القبيل يكون أولى، لكن هؤلاء يقولون: في مثل هذه المواضع يستعيذ ثم يُبسمل، وهذا لا دليل عليه، لكن أهل العلم قد يذكرون الاستحباب على ما لم يرد فيه دليل، لكنهم لا يعبرون عن ذلك بأنه يُسن فيُفرق بين هذا وهذا من جهة أن الاستحباب عند كثير منهم يمكن أن يرجع إلى معنى من النظر، يعني: مثلًا تجد أهل العلم يقولون: بأنه يُستحب له في الختم إذا كان في الشتاء أن يختم آخر النهار، وإذا كان في الصيف أن يختم في أول النهار، هذا لا يوجد دليل يدل عليه، فكيف أطلقوا الاستحباب؟ أطلقوا ذلك باعتبار النظر، يعني: ليس بدليل من النقل، وإنما بدليل من النظر.

والأدلة -كما هو معلوم- منها ما يكون من قبيل النقل والرواية، ومنها ما يكون من قبيل النظر، فقالوا: إنه في الشتاء يستقبل ليلًا طويلًا فيبتدئ بعد الختم بختمة جديدة يقطع فيها شوطًا صالحًا، الليل طويل، وفي الصيف لما كان النهار طويلًا فإنه يبتدئ بختمة جديدة يقطع بها أيضًا شوطًا صالحًا.

المقصود الشاهد من هذا بصرف النظر أنهم ذكروا الاستحباب، وهذا يذكرونه في مسائل تتعلق بالطهارة، وقضايا تتعلق بأنواع أخرى من العبادات بناء على النظر، فإذا رأيت مثل هذا فلا تعجل وتقول: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21]، كيف أطلقوا الاستحباب، والاستحباب حكم شرعي من غير دليل، لا لا، هم لا يقصدون هذا، وهم علماء وجبال، وفقهاء، وأئمة كِبار يعرفون هذا، ويعرفون أكثر منه، لكنهم هم يفرقون بين هذا وهذا، فإذا قالوا: هذا يُسن يقصدون عن رسول الله -ﷺ-، وإذا قالوا يُستحب فيكون ذلك أحيانًا ليس دائمًا، يكون لمُراعاة أمر يحسُن مراعاته.

فإذا قالوا: يُستحب أن يُبسمل مثلًا بعد الاستعاذة في هذه المواضع، قالوا: نظرًا لهذا المعنى لئلا يُفهم المعنى الآخر السيء فقط، قبلت هذا أو لم تقبل، لا تظن أن هؤلاء العلماء يقولون عن الله  بلا علم، وأنهم يشرعون من عند أنفسهم، إنما يقصدون مثل هذا المعنى الذي ذكرته، والله تعالى أعلم، لكن الأرجح -كما سيأتي- أن البسملة لا تكون في أوساط السور، وإن نُقل ذلك عن بعض أهل العلم، لكنه يستعيذ، فإذا كان المعنى قد يوهم مثل: إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ [فصلت:47]، فيسكت هُنيهة، ثم بعد ذلك يقرأ.

"الثالثة: يجهر بالاستعاذة عند الجمهور، وهو المُختار، وروي الإخفاء عن حمزة، ونافع".

الاستعاذة والجهر بها هذا يُنظر إليه باعتبارين:

  • الاعتبار الأول: وهو ما إذا كان في الصلاة.
  • الاعتبار الآخر: ما إذا كان خارج الصلاة.

فإذا كان في غير الصلاة، فالذي عليه عامة القُراء أنه يجهر بالاستعاذة، وهذا بطبيعة الحال ما إذا كانت قراءته جهرًا، أما إذا كانت قراءته سرًا فلا معنى لتقييد الاستعاذة بالجهر، إذا كان يقرأ جهرًا لنفسه، أو يقرأ لغيره، فهل يجهر بالاستعاذة أو لا يجهر؟ فالذي عليه عامة القُراء أنه يجهر بذلك، بل نقل الإمام مكي بن أبي طالب رحمه الله[34] -وهو من القُراء كما هو معروف من أئمة القراءة، وهو أيضًا مُفسر- أن ذلك هو المُختار لجميع القُراء، يعني: نسبه إلى الجميع، وأنه هو المعول عليه أن يجهر بها، لكن الواقع أنه وجِد من يقول: بأنه يُسر بالاستعاذة، يعني: ولو كانت قراءته جهرًا، وهذا منقول عن حمزة ونافع[35].

بل قال بعضهم: بأن الإمام نافع لم يكن يتعوذ[36]؛ لئلا يظن ظان أو يتوهم متوهم أن الاستعاذة من القرآن، أو أنها واجبة.

وقد كان بعض السلف يتركون بعض العمل المشروع دفعًا لوهم فاسد، كما نُقل عن بعضهم: أنه كان يترك الأضحية، وقد جاء عن ابن عباس ا: أنه يشتري اللحم أمام الناس في يوم الأضحى؛ من الجزار من أجل أن يراه الناس، يعني: أنه لم يُضحِ؛ لئلا يُفهم أنها واجبة.

لكن هنا الله -تبارك وتعالى- أمر بالاستعاذة فلا تتُرك من أجل هذا، غاية ما هُنالك أنه يُسر بها إذا خشي هذا الوهم.

ومن المعلوم أن الاستعاذة ليست من القرآن؛ ولذلك يقول أهل العلم -وهم السواد الأعظم الذين قالوا بأنه يجهر بها- قالوا: بأن هذا الوهم غير وارد، وإذا جهر بها؛ فإن ذلك يكون أدعى لدفع الشيطان، ولدفع وساوسه، وفيها تعليم أيضًا للجاهل، وتذكير للغافل وما إلى ذلك، والشيء إذا كان يقوله الإنسان بلسانه، ويطرق سمعه؛ فإن ذلك أدعى لوعيه، فإذا تتابع اللسان، ثم بعد ذلك طرق السمع، فهذا أقرب إلى أن يعيه المرء، والله أعلم.

وإذا كان الإنسان في صلاة فالذي عليه عامة أهل العلم من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من القُراء والفقهاء إلى أنه يُسر بالاستعاذة، وهذا منقول عن الخلفاء الأربعة -[37]-، ونُقل عن جماعة من الصحابة كابن عمر[38]، وابن مسعود[39]، ونُقل عن جماعة من التابعين، وبهذا قال جمع من الأئمة الفقهاء كأبي حنيفة[40]، وأحمد[41]، وهو أيضًا وجه في مذهب الشافعي[42] وهو قول الإمام مالك -رحمه الله- في قيام الليل[43].

ونُقل عن بعضهم أنه يجهر بها في الصلاة، وهذا مروي عن أبي هريرة [44]، وذكر بعض أهل العلم أن ذلك هو اختيار الإمام الشافعي، يجهر بالاستعاذة، فإن أسر فلا يضر[45]، وبعضهم يقول: يكون مُخيرًا بين الجهر والإسرار، وهذا أيضًا وجه في مذهب الشافعي[46].

لكن الذي عليه عامة أهل العلم، وهو الذي تدل عليه سنة النبي ﷺ أنه لا يجهر بالاستعاذة في الصلاة، وقد قال شيخ الإسلام -رحمه الله- أن الجهر بالتعوذ أحيانًا للتعليم لا بأس به، يعني: إذا كان يريد أن يُعلم الناس أنه يستعيذ في الصلاة، وأنها تُشرع قبل القراءة ،كما كان عمر  يجهر بدعاء الاستفتاح مدة[47]، يعني: لتعليم الناس، مع أنه لا يُشرع الجهر به.

يقول: وأما المداومة على الجهر بذلك يعني الاستعاذة فبدعة مُخالفة لسنة النبي ﷺ وخلفاءه الراشدين، فإنهم لم يكونوا يجهرون بذلك دائمًا، بل لم يُنقل ذلك عن رسول الله ﷺ أنه جهر بها[48].

لكن إذا جهر الإمام ولم يسكت، فهل يستعيذ المأموم أو يكتفي باستعاذة الإمام؟

هذا فيه روايتان عن الإمام أحمد رحمه الله: الأول: أنه يستعيذ لأنه مأمور بذلك قبل القراءة، والرواية الثانية أنه لا يستعيذ[49]، وهذا الذي قال عنه شيخ الإسلام -رحمه الله- أصح، وهو قول أكثر أهل العلم كالشافعي وأبي حنيفة[50].

"الرابعة: لا يتعوذ في الصلاة عند مالك، ويتعوذ في أول ركعة عند الشافعي وأبي حنيفة، وفي كل ركعة عند قوم، فحُجة مالك عمل أهل المدينة، وحُجة قول غيره قول الله تعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98]، وذلك يعم الصلاة وغيرها".

الاستعاذة عند قراءة القرآن في الصلاة أو خارج الصلاة ذكر فيه ابن جُزي -رحمه الله- هذه الأقوال الثلاثة، يعني: إن كان يتعوذ في الصلاة هل يتعوذ أيضًا في كل ركعة أو لا؟ فبعض أهل العلم يقولون: إن الاستعاذة واجبة في الصلاة، وخارج الصلاة، وهذا منقول عن بعض السلف كعطاء[51]، واختاره ابن حزم الظاهري[52]، أخذًا من الأمر في قوله تبارك وتعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98]، هذا أمر يقتضي الوجوب، وأنه لا صارف له.

واستدلوا بأن النبي ﷺ كان يواظف على الاستعاذة، ويُعلمها لأصحابه، قالوا: أيضًا من جهة النظر فإن شر الشيطان يجب دفعه بكل مُستطاع، وأعظم ما يُدفع به هو اللجوء إلى الله تبارك وتعالى، والاستعاذة به من شره، وأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، يعني: دفع الشيطان واجب، ولا يتم إلا بالاستعاذة؛ إذًا الاستعاذة واجبة.

فاستدلوا بالنقل، وبالنظر، وعند هؤلاء باعتبار أنها واجبة أنه إذا نسي في أول القراءة قطع، ثم استعاذ، ثم يبتدئ من حيث وقف.

وأما الذي عليه الجمهور من السلف فمن بعدهم فهو أن الاستعاذة مستحبة قبل كل قراءة للقرآن، سواء كان ذلك في الصلاة، أو خارج الصلاة، وهذا منقول عن ابن عمر، وأبي هريرة، وعطاء بن أبي رباح أيضًا والحسن البصري، وابن سيرين، وإبراهيم النخعي، ومن الفقهاء الأوزاعي، والثوري[53]، وهو قول أبي حنيفة[54]، وأحمد وإسحاق بن راهوية[55]، وهو الذي اختاره أكثر الشافعية وصححه عن الإمام الشافعي، رحم الله الجميع[56].

وحملوا قوله تبارك وتعالى: فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [النحل:98]، على الندب، وليس للوجوب، قالوا كقوله تبارك وتعالى: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ[النساء:3]، وكقوله: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ[النور:32]، فهذه أوامر، والأمر فيها للندب، وقالوا: إن الصارف له من الوجوب إلى الندب هو أن النبي ﷺ نُقل عنه أنه قرأ آيات، ولم يكن يتعوذ قبلها في هذه المرويات، فهذا صارف عندهم من الوجوب إلى الاستحباب، بل نقل كبير المفسرين أبو جعفر ابن جرير -رحمه الله- الإجماع على أنها ليست بواجبة، أنها مُستحبة[57]، ونقل الإجماع يكون صارفًا من الوجوب إلى الاستحباب.

ولكن هذا المروي عن بعض أهل العلم من أنها واجبة قال عنه بعض أهل العلم بأن ذلك مُخالف لإجماع السلف، حيث أجمعوا على أنها سُنة، لكن نحن نعلم أن ابن جرير -رحمه الله- إذا نقل الإجماع؛ فإنه يقصد به ليس إطباق الكافة إطباق جميع أهل العلم، وإنما يقصد به قول عامة أهل العلم، وهذا كثير في كلام ابن جرير -رحمه الله-، يقول: ولسنا نستجيز كذا، لسنا نستجيز مُخالفة هذا القول لإجماع أهل العلم على خلافه مثلًا، ثم يذكر بعده بسطر قولًا يُخالفه.

فالذي لا يعرف مُراده بالإجماع، يقول: إنه سرعان ما يتناقض، والواقع أنه لا يتناقض، ولكنه يقصد بالإجماع قول عامة أهل العلم، قول أكثر أهل العلم يسميه إجماعًا، وهذا اصطلاح وقد مشى عليه، رحمه الله.

ونقل الإجماع أيضًا بعض المفسرين، وبعض الفقهاء كابن عطية من المالكية[58]، وابن هُبيرة من الحنابلة، قال: "إنهم قد اتفقوا على أن التعوذ في الصلاة على الإطلاق قبل القراءة سُنة إلا مالكًا فإنه قال: لا يتعوذ في المكتوبة، أنه لا يتعوذ فيها أصلًا"[59].

فإذا قطع القراءة في غير الصلاة، هل يعيد الاستعاذة أو لا يُعيد؟ فرقوا في ذلك بينما إذا كان القطع لعارض طبيعي كالعُطاس، والسُعال ونحو ذلك، أو لكلام يتعلق بالقراءة، أو ما يكون من قبيل الذكر، كأن يُصلي على النبي ﷺ، أو يذكر ربه، أو إذا كان يسأل في موضع سؤال، أو يستعيذ في موضع استعاذة، يعني: مما يتعلق بالقراءة، فقالوا: لا يُعيد الاستعاذة في هذه الحال، وكذلك فيما لو رد السلام.

أما إذا قطعها بأجنبي كأن يتحدث في الهاتف -مثلًا- أو يتحدث مع صاحبه، أو يأمره، أو ينهاه، أو نحو هذا إعراضًا عن القراءة أصلًا، أو لاشتغاله بغيرها؛ فإنه يُعيد الاستعاذة استحبابًا[60].

لكن هذه الاستعاذة المشروعة في الصلاة هل يتعوذ في كل ركعة أو يكفي أنه يستعيذ في الركعة الأولى؟

الذي عليه عامة أهل العلم: أن الاستعاذة تكون في الركعة الأولى قبل القراءة؛ وذلك أن جميع الصلاة من أولها إلى آخرها كقراءة واحدة، يكفي فيها الاستعاذة في مبدئها، وهذا القطع الذي يحصل بالتكبير والتسبيح ونحو ذلك من الذكر ليس بقطع بشيء أجنبي عن القراءة، وإنما قطع ذلك بذكر الله تبارك وتعالى، ومن ثَم فإنه لا حاجة إلى أن يستعيذ في كل ركعة.

وهذا منقول عن جماعة من السلف كعطاء[61]، والحسن[62]، والنخعي[63]، والثوري[64]، وابن سيرين، وطاووس[65]، ومن الفقهاء منقول عن أبي حنيفة[66]، والشافعي[67]، وأحمد في رواية عنه[68].

فإذا نسي أن يتعوذ في الركعة الأولى تعوذ في الركعة الثانية عند الشافعي[69]، وقال الإمام أحمد -رحمه الله-: إن نسي التعوذ حتى شرع في القراءة لم يعد إليه لذلك[70]، هذا إذا شرع في القراءة، يعني: تذكر وهو في أثناء الفاتحة مثلًا أو في أثناء السورة، لكن لو أنه تذكر في الركعة الثانية، وهو يريد أن يقرأ الفاتحة، فإن المشروع أن يستعيذ، والله تعالى أعلم؛ لأن الله تبارك وتعالى قد أمر بذلك، ولكنه إن استعاذ في أول الصلاة فلا حاجة لأن يُعيدها في الركعة الثانية.

وجاء في حديث أبي هريرة ، قال: ((كان رسول الله ﷺ إذا نهض من الركعة الثانية استفتح القراءة ولم يسكت))[71]، هذا أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، ((ولم يسكت))، فدل على أنه لا يستعيذ وإنما تكفيه الاستعاذة الأولى؛ لأنه لم يتخلل القراءتين انقطع يوجب الاستعاذة، بل حصل بين القراءتين الاشتغال بالذكر، فالصلاة كلها كالقراءة الواحدة لو تخللها تسبيح وتهليل وتحميد، ونحو ذلك، أو تكبير، أو صلاة على النبي ﷺ، فإن ذلك لا يضر، وهذا الذي مشى عليه أيضًا الحافظ ابن القيم -رحمه الله[72]-.

إذًا: الحاصل أن الاستعاذة تكون في أول القراءة في الصلاة، ولا يستعيذ في كل ركعة، وإن قال بعض أهل العلم أن ذلك يُكرر، لكن الأقرب هو ما سبق، والقول بتكرارها كما سبق مروي عن بعض أهل العلم، كالنخعي، وابن سيرين[73].

كذلك أيضًا هو أحد الوجهين عند الشافعية[74]، وهو رواية عن الإمام أحمد[75]، وهو الذي ذهب إليه ابن حزم[76]، أما الإمام مالك -رحمه الله-؛ فإنه يرى أنه لا يتعوذ أصلًا لا في أولها، ولا في كل ركعة، هذا في المكتوبة، ولكنه يتعوذ في قيام الليل؛ لأن ذلك قد نُقل عن رسول الله ﷺ، وفي رواية عن مالك أنه يتعوذ في النافلة، وليس في الفريضة[77].

أيضًا مما قد لا يحتاج إلى الوقوف والشرح والتدليل أن الاستعاذة ليست من القرآن وهذا بالإجماع، هذه الاستعاذة مما لم يذكره ابن جُزي -رحمه الله- تدور على أركان كما هو معلوم أربعة: المُستعيذ، والمُستعاذ به، والمُستعاذ منه، والاستعاذة يعني نفس الاستعاذة، فعندنا استعاذة ومُستعيذ ومُستعاذ منه ومُستعاذ به، هذه أركان الاستعاذة وهذا أمر معلوم لا يخفى.

وأما المواضع التي تُشرع فيها فما نحن بصدده من أن ذلك يكون قبل قراءة القرآن، وهناك مواضع أخرى كما جاء في الآيتين في أول الكلام في قوله: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ [الأعراف:200]، فهنا يستعيذ، وقد قال النبي ﷺ: يأتي الشيطان أحدكم، فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول من خلق ريك، فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته[78].

وكذلك عندما يُلبس الشيطان عليه صلاته، فعن عثمان بن أبي العاص  أنه أتى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله، إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي، وقراءتي، يلبسها علي فقال رسول الله ﷺ: ذاك شيطان، يقال له خنزب، فإذا أحسسته، فتعوذ بالله منه، واتفل على يسارك ثلاثًا، قال: ففعلت ذلك، فأذهبه الله عني[79]، والحديث في صحيح مسلم.

وعن أبي هريرة  أن رسول الله ﷺ قال: إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان، وله ضراط حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضي النداء، أقبل، حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر، حتى إذا قضي التثويب أقبل، حتى يخطر بين المرء في نفسه، يقول: اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكر، حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى[80].

 وكذلك يستعيذ في حال الغضب، كما جاء في حديث سليمان بن صرد  قال: استبَّ رجلان عند النبي ﷺ، ونحن عنده جلوس، وأحدهما يسب صاحبه، مغضبًا قد احمر وجهه، فقال النبي ﷺ: إني لأعلم كلمة لو قالها، لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. فقالوا للرجل: ألا تسمع ما يقول النبي ﷺ فقال: إني لست بمجنون[81].

وكذلك إذا رأى الرؤيا التي يكرهها، فعن أبي قتادة ، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: الرؤيا من الله والحلم من الشيطان، فإذا رأى أحدكم شيئًا يكرهه، فلينفث عن يساره ثلاثًا، ويتعوذ بالله من شرها، فإنها لن تضره[82].

وعن جابر بن عبد الله  عن رسول الله ﷺ أنه قال: إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها، فليبصق عن يساره، وليتعوذ بالله من الشيطان، ويتحول عن جنبه الذي كان عليه[83].

وكذلك يتعوذ بالله من الشيطان عند دخول المسجد فعن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي ﷺ أنه: كان إذا دخل المسجد قال: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم[84].

وكذلك عند نهيق الحمار، ونُباح الكلاب وقد جاء ذلك مُقيدًا في بعض الروايات، فعن أبي هريرة  أن النبي ﷺ قال: إذا سمعتم صياح الديكة فسلوا الله من فضله، فإنها رأت ملكًا، وإذا سمعتم نهيق الحمار، فتعوذوا بالله من الشيطان، فإنه رأى شيطانًا[85].

وعن جابر بن عبد الله  قال: قال رسول الله ﷺ: إذا سمعتم نباح الكلاب، ونهيق الحمر بالليل فتعوذوا بالله فإنهن يرين مالا ترون[86].

كذلك إذا نزل منزلًا فإنه كما جاء عن النبي ﷺ يقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق[87]، فيدخل بذلك الشيطان وغير الشيطان.

كذلك عند دخول الخلاء: اللهم إني أعوذ بك من الخُبث والخبائث[88].

وكذلك أيضًا إذا وجد ألـمًـا في جسده فكما قال النبي ﷺ: ضع يدك على الذي يألم من جسدك وقل بسم الله ثلاثًا، وقل سبع مرات أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأُحاذر[89].

وهكذا جاء في مواضع أخرى عند الصباح والمساء، وعند النوم وعند الفزع من النوم كل هذا قد جاء عن رسول الله ﷺ وصحت به الأحاديث.

"الخامسة: إنما جاء أعوذ بالمضارع دون الماضي لأن معنى الاستعاذة لا يتعلق إلا بالمستقبل لأنها كالدعاء، وإنما جاء بهمزة المُتكلم وحده مُشاكلة للأمر به في قوله: فاستعذ".

الشيخ: يقول: "إنما جاء أعوذ بالمضارع دون الماضي لأن معنى الاستعاذة لا يتعلق إلا بالمستقبل لأنها كالدعاء"، إلى آخر ما ذكر، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أعوذ بالله يعني: أعتصم وألتجأ إلى الله تبارك وتعالى، وقد مضى في الكلام على المُفردات في الكلام على العوذ بأنه عند ابن جُزي -رحمه الله- بمعنى الالتجاء إلى الشيء في أصل معناه، يعني: أستجير بالله وأتحرز به وأمتنع به من المكروه، ألوذ به، بعض أهل العلم يُفرق بين العوذ واللوذ، يقولون: العوذ يكون بالالتجاء من المكروه، واللوذ في المرغوب والمحبوب ويذكرون قول المتنبي المشهور:

يا من ألوذ به فيما أُؤمله ومن أعوذ به مما أُحاذره

ففرق بين هذا وهذا، ولهذا قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "بأن العياذة تكون لدفع الشر واللياذ يكون لطلب الخير"[90]؛ لكن هذا ليس محل اتفاق على كل حال فبعض أهل العلم يقول إنهما بمعنى واحد.

أعوذ بالله: والباء هذه للاستعانة، يعني: مستعينًا بالله، وقيل غير ذلك، وأما لفظ الجلالة فالله هو المألوه كما هو معلوم، المعبود محبة وتعظيمًا، تأله القلوب -وسيأتي الكلام على هذا إن شاء الله- وهذه الجملة أعوذ بالله هي جملة خبرية تُعبر بالماضي كما ذكر ابن جُزي -رحمه الله-، لكن معناها الطلب؛ لأنه يريد أمرًا مستقبلًا أن يُعيذه الله تبارك وتعالى من الشيطان الرجيم.

إذًا: هي صيغة خبرية أعوذ بالله هو مُخبر أنه يستعيذ بالله لكنه من جهة المعنى طالب من الله تبارك وتعالى أن يُعيذه، مثل هذا الطلب يكون معناه المستقبل لا يتعلق إلا بالمستقبل، قال: لأنها كالدعاء، وإنما جاء بهمزة المتكلم وحده يعني ما قال نعوذ مشاكلة للأمر به في قوله: فَاسْتِعِذْ، فيقول: أعوذ، ما يقول نستعيذ، نعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يعني لماذا جاء بصيغة الإفراد أعوذ؟ فَاسْتِعِذْ يقول: أعوذ.

"السادسة: الشيطان يحتمل أن يُراد به الجنس فتكون الاستعاذة من جميع الشياطين، أو العهد فتكون الاستعاذة من إبليس وهو مشتق من شطن إذا بعُد فالنون أصلية والياء زائدة ووزنه فيعال، وقيل من شاط إذا هاج فالنون زائدة والياء أصلية ووزنه فعلان، وإنما سُميت به لم ينصرف على الثاني لزيادة الألف والنون وانصرف على الأول، وإن سُميت به لم ينصرف على الثاني لزيادة الألف والنون وانصرف على الأول".

إن سُمي به أو سميت به، يعني: قُصد التسمية، هكذا والله أعلم، وإن سميت به لم ينصرف على الثاني لزيادة الألف والنون وانصرف على الأول، انصرف على الأول.

وأعوذ بالله من الشيطان: طبعًا من هذه للابتداء الغاية كما يقوله بعض أهل العلم من الشيطان.

فهذا الشيطان عند عامة أهل العلم عند الجمهور من أهل اللغة أنه مأخوذ من شطن، بمعنى بعُد وهذا الذي ذهب إليه عامة المفسرين أنه من شطن بمعنى بعُد.

نأت بسعاد عنك نوى شطون فبانت والفؤاد بها رهين

يعني: بعُدت، ويقال: بئر شطون يعني بعيدة القعر، وقد قال ابن فارس رحمه الله: "بأن الشين والطاء والنون أصل مطرد، ويدل على البُعد"[91] .

ما ذكرنا في الكلام على الغريب، يدل على البُعد، الشيطان على وزن فيعال للدلالة على أنه بلغ الغاية في البُعد، هذا هو المشهور أنه من بُعد، أنه بعيد عن الخير بعيد عن رحمة الله تبارك وتعالى.

وبعضهم يقول: إنه مأخوذ من شاط يشيط إذا هاج واشتد غضبًا، يقال: استشاط فلان غضبًا، شاط يشيط، وهكذا إذا احترق وهلك.

كما يقوله أُمية بن أبي الصلت، يمدح نبي الله سليمان :

أيما شاطن عصاه عكاه ثم يُلقى في السجن والأكبال

أي: ما شاطن عصاه عكاه، فالمشهور هو الأول شطن، يعني: بُعد، هذا الذي عليه عامة أهل اللغة، وعامة المفسرين.

و"أل" هذه التي في الشيطان للجنس فهو يشمل كل مُتمرد عاتٍ خارج عن طاعة الله -- من الجن والإنس والدواب أيضًا، هو كل شيء يصدق عليه أنه شيطان، قال النبي ﷺ: الكلب الأسود شيطان[92].

ولهذا جاء الجمع في قوله تبارك وتعالى: وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ [المؤمنون:97]، وبعضهم يقول: بأن أل للعهد، أعوذ بالله من الشيطان، يعني: للعهد أنه مثلًا الشيطان الأكبر، الذي هو إبليس، أو الشيطان المُختص بالصلاة خِنزب مثلًا، لكن الأقرب أن هذا للجنس، وهو يستعيذ من كل شيطان، وهو الشياطين، كما ذكر النبي ﷺ، وذكر حالهم بأنهم يتخللون المصلين في الصف، وهذا الشيطان يُطلق ذلك على الإنس والجن، كما قال الله تبارك وتعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا [الأنعام:112].

وهكذا أيضًا قد جاء ذلك في قوله تبارك وتعالى: مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ۝ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ۝ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ [الناس:4-6]، وذكرنا الاحتمالين في الآية.

وعلى كل حال الإنس فيهم شياطين، والجن فيهم شياطين، وليس كل الجن شياطين، ولكن منهم شياطين وهم يتفاوتون في مرتبتهم في ذلك، والله -- قال: وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ [البقرة:14]، هنا المقصود شياطين الإنس، فكما أن الجن لهم شياطين، أو فيهم شياطين كذلك الإنس فيهم شياطين، فيقال: شيطان، وكذلك أيضًا يقال: مارد، وهذا أعلى مرتبة من المرتبة الأولى التي هي مرتبة الشيطان، وأعلى منه كما ذكر بعضهم قالوا: العفريت أعلى من المارد وأقدر وأقوى، فيقول جرير الشاعر:

أيام يدعونني الشيطان من غزل وهن يهوينني إذ كنت شيطان

يعني: يتحدث عن النساء والشواب من النساء، كيف يُعجبن به، كُن يُعجبن به أيام الشباب، ويقلن عنه بأنه شيطان، ويهوينه لنشاطه وطاقته وفرط قوته، ثم بعد ذلك لما ضعُف وشاب أعرضن عنه.

كما يكون ذلك أيضًا في الحيوانات؛ فإن النبي ﷺ لما سُأل ما بال الكلب الأسود فيما يقطع الصلاة، فقال: الكلب الأسود شيطان، وهذا الذي يتمرد عن نظائره من بني جنسه، سواء كانوا من الجن، أو من الحيوانات، أو من الآدميين، أو غير ذلك، هذا التمرد يؤهله؛ لأن يُقال له ذلك أنه شيطان؛ لأنه قد فارق نظائره، أو فارق بني جنسه في أخلاقه وأفعاله وأوصافه وطباعه وباعدهم، فهؤلاء الشيطان من الإنس والجن، لما كانوا في حال من العتو والفجور والفِسق والإعواء، والبُعد عن الخير، وعن رحمة الله تبارك وتعالى قيل لهم ذلك، هذا الشيطان.

"السابعة: الرجيم فعيل بمعنى مفعول، ويحتمل معنيين: أن يكون بمعنى لعين وطريد وهذا يُناسب إبليس لقوله: فَإِنَّكَ رَجِيمٌ [الحجر:34]، وأن يكون من الرجم بالنجوم وهذا يُناسب الجنس لقوله تعالى: وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ [الملك:5]، والأول أظهر".

فعيل يكون بمعنى مفعول، ويأتي بمعنى فاعل، فهنا إذا قلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، هل المعنى أنه بمعنى مفعول؟ يعني: مرجوم كما يقال مثلًا سعير، بمعنى مسعور، وقتيل بمعنى مقتول، وجريح بمعنى مجروح، وأسير بمعنى مأسور، فيكون هنا رجيم بمعنى أنه يُرجم بالقول وبالفعل مرجوم، فالرجم يكون بالشُهب، هذا الرجم الحسي وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ [الملك:5]، ويكون بالقول، وهو أحد القولين في قوله تبارك وتعالى عن قول آزر لإبراهيم : لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ [مريم:46]، قيل: بالقول، يعني: بالشتم، ونحو ذلك والسب وسيء القول، وقيل: بالحجارة، يعني: يكون الرجم بالفعل، فالشيطان مرجوم بالفعل والقول معًا، فهو مرجوم حسًا ومعنى، فقد طرده الله تبارك وتعالى من رحمته، قلنا: هذه المادة تدل على البُعد، فهو بعيد عن رحمة الله تبارك وتعالى طرده الله من الملأ الأعلى، وقال الله تبارك وتعالى: فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ [الأعراف:13]، وقال: اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا [الأعراف:18]، وقال: فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ۝ وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ [الحجر:34-35]، وإلى غير ذلك من الآيات، فهذا كله من الرجم، وهو بمعنى الإبعاد والطرد ونحو ذلك.

كذلك هو مرجوم حسًا، قال تعالى: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ [الملك:5].

وقال: إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ ۝ وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ ۝ لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ۝ دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ ۝ إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ [الصافات:6-10]، فهذا رجم حسي، وهكذا ما جاء في الآيات الأخرى: إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ [الحجر:18]، فكل ذلك يكون قد اجتمع له.

وبعضهم يقول: إن رجيم هنا فعيل بمعنى فاعل بمعنى أنه هو الذي يرجم الناس، يرجمهم بماذا؟ يرجمهم بالوساوس والخواطر السيئة، وما إلى ذلك مما يُزين لهم به المنكر، لكن الذي عليه عامة أهل العلم أن رجيم فعيل بمعنى مفعول، بمعنى مرجوم، والله تعالى أعلم.

إذا كان هذا معنى الاستعاذة "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، الزيادات التي وردت في بعضها "السميع العليم"، السميع العليم: اسمان من أسماء الله تبارك وتعالى، السميع مُشتق من صفة السمع، صيغة مبالغة على وزن فعيل، بمعنى فاعل، أي: أنه سامع شديد السمع للمسموعات.

وكذلك أيضًا العليم هذا اسم من أسماءه تبارك وتعالى مشتق من العلم، والعلم معروف، وهذه صيغة مُبالغة فهو ذو العلم التام المُحيط الشامل الواسع لا يفوته شيء، يعلم الماضي والحاضر والمستقبل.

وكذلك أيضًا جاء في الصيغة الأخرى: "من همزه، ونفثه، ونفخه"، فهمز الشيطان فُسر بالموتة، وهي الخنق نوع من الجنون والصرع، وقيل غير ذلك، والنفخ فُسر بالكِبر، والنفث فُسر بالشِعر؛ لأنه يُنفث من الفم، وفسره بعضهم بالسحر، وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ [الفلق: 4]، فالساحر يعقد العقدة، ويُنفث فيها.

فعلى كل حال، فنفث الشيطان يحتمل أن يكون هو الشعر، ويحتمل أن يكون بمعنى السحر، والمقصود بالشعر بطبيعة الحال الشعر المذموم.

فهذا المُستعيذ يلجأ إلى الله تبارك وتعالى، ويعتصم به من شر الشيطان، ووساوسه وكيده وخواطره وإضلاله، ويسأل ربه العِصمة منه.

"الثامنة: من استعاذ بالله صادقًا أعاذه، فعليك بالصدق، ألا ترى امرأة عمران لما أعاذت مريم وذريتها عصمها الله، ففي الحديث الصحيح: أن رسول الله ﷺ قال: ما من مولود إلا نخسه الشيطان، فيستهل صارخًا إلا ابن مريم وأمه[93]".

هو الآن انتهى إلى نهاية المسألة السابعة من الكلام على المسائل العلمية المتعلقة بالاستعاذة، وكذلك ما يتصل بتفسير بعض ألفاظ الاستعاذة.

والآن بدأ يتحدث عن قضايا أخرى يذكرها ويطرقها في هذا الكتاب مما يُنبه القارئ إلى بعض المعاني، والملاحظ التي يحسن التنبيه عليها بعض هذه الأشياء تتعلق بجوانب تربوية، وبعض هذه الأشياء يتعلق بقضايا تتصل بأعمال قلبية، وبعض هذه القضايا تتصل بأمور وعظية، يعني أن ذلك يكون خارجًا عن التفسير.

فهذه الاستعاذة على كل حال كما يقول هنا: "من استعاذ بالله صادقًا أعاذه"، هذا نوح قال: أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ [هود:47]، فكما يقول بعض أهل العلم بأن الله أعطاه لما استعاذ خلعتين السلام والبركات، اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ [هود:48].

ويوسف لما قال: مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي [يوسف:23]، أن الله أعطاه أيضًا خلعتين صرف عنه السوء والفحشاء، وقال أيضًا: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ [يوسف:79].

حينما قال لإخوته، قالوا: فأعطاه الله خلعتين رفع أبويه على العرش وخروا له سُجدا.

وكذلك ما قاله موسى : أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ [البقرة:67]، لما قالوا له: أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا [البقرة:67] في قصة القتيل الذي أمرهم بضربه ببعض البقرة، فأعطاه الله خلعتين إزالة التُهمة، وإحياء القتيل، وهكذا حينما قال: وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ [الدخان:20]، لما قاله لفرعون، وفي الآية الأخرى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ [غافر:27]، فأعطاه الله خلعتين أفنى عدوه وأورثهم أرضهم وديارهم.

وكذلك أيضًا امرأة عمران حينما قالت: وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [آل عمران:36]، فأعطاها الله خلعتين فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا [آل عمران:37]، وكذلك مريم لما رأت جبريل في صورة بشر قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ تَقِيًّا [مريم:18].

فحصل لها نعمتان هذا الولد من غير أب وبرأها الله تبارك وتعالى بلسان هذا الولد عن السوء قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ... [مريم:30]، الآية.

هكذا ذكر بعض أهل العلم على كل حال، وبعض هذه المواضع التي استشهد بها الواقع أن الله أعطى فيها هذا المستعيذ أكثر من ذلك، لكن هذا من جملة اللطائف بناء على ما أشار إليه ابن جُزي -رحمه الله-.

"التاسعة: الشيطان عدو حذر الله منه؛ إذ لا مطمع في زوال علة عداوته -ولفظة علة هذا زائدة في النُسخ الخطية- إذ لا مطمع في زوال عداوته، -وفي نُسختين إذ لا مطمع في زوال عاديته- وهو يجري من ابن آدم مجرى الدم، فيأمره أولًا بالكفر، ويُشككه في الإيمان، فإن قدِر عليه وإلا أمره بالمعاصي، فإن أطاعه وإلا ثبطه عن الطاعة، فإن سلم من ذلك أفسدها عليه بالرياء والعُجب".

عداوة الشيطان معروفة، وقد توعد آدم وذريته، ولا شك أن شياطين الجن أعظم عداوة وأشد ضراوة من شياطين الإنس، وقد ذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في الكلام على الاستعاذة بأنها استعانة بالله واعتراف له بالقدرة، وللعبد بالضعف والعجز عن مقاومة هذا العدو المُبين الباطني، الذي لا يقدر على منعه ودفعه إلا الله تبارك وتعالى، الذي خلقه وهو لا يقبل مصانعة، ولا يُدارى بالإحسان، بخلاف العدو من نوع الإنسان كما دل على ذلك الآيات من القرآن في ثلاث من المثاني كما في قوله تبارك وتعالى: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا [الإسراء:65].

وقد نزلت الملائكة كما يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله- لمقاتلة العدو البشري، فمن قتله العدو الظاهر البشري كان شهيدًا، ومن قتله العدو الباطني كان طريدًا، يعني: صرعى إبليس شياطين الجن يكون ذلك بالغواية، فيكون صاحبه يكون القتيل المصروع بالغواية يكون طريدًا، ومن غلبه العدو الظاهري كان مأجورًا، ومن قهره العدو الباطني كان مفتونًا أو موزورًا.

ولما كان الشيطان يرى الإنسان من حيث لا يراه استعاذ منه بالذي يراه ولا يراه الشيطان.

وذكر أيضًا بأن الشيطان لا يكفه عن الإنسان إلا الله؛ ولهذا أمر ربنا تبارك وتعالى بمصانعة شيطان الإنس وبمداراته وإسداء الجميل إليه، يقول: ليرده طبعه عن ما هو فيه من الأذى، يعني: أصله طيب هذا شيطان الإنسان، وأمر بالاستعاذة به من شيطان الجن؛ لأنه لا يقبل رشوة، ولا يؤثر فيه جميل؛ لأنه شرير بالطبع، ولا يكفه عنك إلا الذي خلقه، وهذا المعنى في الآيات الثلاث التي أشار إليها يقول: لا أعلم لهن رابعة:

الأولى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199]، فهذا مما يتعلق بمعاملة الأعداء من البشر، الإحسان خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ، ثم قال: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأعراف:200].

وقال أيضًا: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ [المؤمنون:96]، هذا في العدو من الإنس، وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ ۝ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ [المؤمنون:97-98].

وقال: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [فصلت:34]، هذا مع العدو من الإنس فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ۝ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ۝ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [فصلت:34-36][94].

فهذا لا طب فيه بل هو أعظم ضررًا على الإنسان من النفس الأمارة بالسوء، والنفس الأمارة بالسوء يدفعها الشيطان، ويحركها ويُغريها بالمنكر ويوسوس لها فهي مركب الشيطان، هي الأداة التي يُحركها الشيطان من أجل فعل الشر والمنكر والمعصية.

ولذلك تجدون كثيرًا في القرآن ذكر الشيطان ولكن النفس الأمارة بالسوء لا تكاد تُذكر في القرآن إلا قليلًا بالنظر إلى كثرة ما جاء من ذكر الشيطان والتحذير منه وبيان ضرره وشدة خطره، أما النفس ففي ثلاثة مواضع: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ [يوسف:53]، في قول امرأة العزيز، وهكذا في القسم الذي أقسم الله به: وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ [القيامة:2]، وفي قوله: وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى [النازعات:40]، فكثرة ذكر الشيطان يدل على أنه أخطر بلا شك، أخطر بكثير، ولم يؤمر بالاستعاذة من النفس في شيء من القرآن، وإنما جاء ذلك في حديث أبي هُريرة -- في الكلمات التي علمها النبي ﷺ لأبي بكر  أن يقولها إذا أصبح، وإذا أمسى، وإذا أخذ مضجعه أن يقول: أعوذ بالله من شر نفسي[95]، إلى آخره، وفي خطبة الحاجة: ونعوذ بالله من شرور أنفسنا[96].

"العاشرة: القواطع عن الله أربعة: الشيطان، والنفس، والدنيا، والخلق، فعلاج الشيطان الاستعاذة والمخالفة له -وفي نسخة خطية فعلاج الشيطان بالاستعاذة والمخالفة له- وعلاج النفس بالقهر، وعلاج الدنيا بالزهد، وعلاج الخلق بالانقباض والعُزلة".

الشيخ: هنا الشاهد ما يتعلق بالشيطان أنه يستعيذ بالله ويُخالف الشيطان ويتخلص من فتنة الشيطان بالاستعاذة وكذلك أيضًا بالإيمان والعمل الصالح طاعة الله وطاعة رسوله -ﷺ- إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [النحل:99]، إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ [الإسراء:65]، والنبي -ﷺ- يقول: من صلى الصبح فهو في ذمة الله[97].

وهكذا أيضًا البُعد عن القبائح والمنكرات والمعاصي؛ فإن ذلك يكون أعني مواقعة هذه الأمور تكون سببًا لتسلط الشيطان، والله يقول: وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ [الإسراء:64]، وصوته مزامير الشيطان، وكل قول باطل، ودعوة إلى الباطل والضلال.

وهكذا أيضًا هناك ما يطرد الملائكة من الصور والتماثيل، وكذلك أيضًا الكلب فإن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب ولا صورة، فإذا ذهبت الملائكة فإن ذلك يكون موضعًا للشياطين، هذا بالإضافة إلى ملازمة قراءة القرآن والأذكار، ونحو ذلك، وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا [الإسراء:46]، وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [الزخرف:36].

وهكذا في قول النبي ﷺ: لا تجعلوا بيوتكم قبورًا؛ فإن الشيطان ينفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة[98].

وهكذا ملازمة الأذكار والأوراد في الصباح والمساء ونحو ذلك، والله  يقول: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف:201].

وحديث أبي هريرة في قراءة آية الكُرسي: إذا أويت إلى فراشك فقرأ آية الكُرسي؛ فإنه لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تُصبح[99].

وقال رسول الله ﷺ: من قرأ الآيتين، من آخر سورة البقرة كفتاه[100]، وهذه الكفاية تكون من الشيطان.

وكذلك الأذان كيف ينفر الشيطان منه، وحضور مجالس الذكر، وهذا شيء مُشاهد، حضور مجالس الذكر والعلم ونحو هذا يكون الإنسان في حال أقوى بدفع الشيطان، سواء من جهة المعاصي، وتزيين المنكر وقوة الإيمان، أو كان ذلك أيضًا بدفع تسلطه بالأذى بأنواعه، فقد يكون ذلك التسلط بالمس ونحو هذا؛ فإن هذا يضُعف بهذه الأمور التي من جُملتها حضور مجالس الذكر، وبعض الإخوان الذين يحضرون معنا يُحدثني بهذا أن جلوسه في مجالس العلم، ومجالس الذكر يجد أثره في ضعف ما يُعانيه ويُكابده من المس الذي لربما يتسلط ويقوى معه، حتى إنه لا يكاد يستطيع الدخول إلى المسجد، ويُغريه إغراءً شديدًا بالفاحشة والمُنكر.

وكذلك أيضًا الصلاة صلاة النوافل في البيوت، كما في الحديث: اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورًا[101].

فإذا كانت هذه البيوت بمثابة القبور، فالشياطين تكون ترتع فيها.

وكذلك أيضًا ترك الفضول من الأكل والنوم والخُلطة، ونحو ذلك النظر فإن الشيطان حينما يشبع البطن هو يجري من ابن آدم مجرى الدم من العروق، فتتوسع مجاريه، وإنما يُضيق مجراه بالصوم.

أما ما يتعلق بالنفس فبالقهر تحتاج إلى مُجاهدة، وأما ما يتعلق بالدنيا فالحل هو الزُهد فيها، والزُهد إنما يكون بالقلب ويظهر أثره على سلوك الإنسان، فإذا كان القلب فقيرًا مُتعلقًا بالدنيا فلو أُعطي ما فيها، فإنه لم يشبع ويوقعه ذلك في قطيعة الرحم، وطلب المال من الحرام.

وأما الخلق فالانقباض والعُزلة يقصد إذا كانت الخُلطة تضره، وهو لابد له من خُلطة ومُعاشرة، فيكون ذلك بالمعروف، وكما قال ابن الجوزي -رحمه الله-: "أنه يجعل صُحبته وخُلطته وعلائقه على ثلاث مراتب، فالمرتبة الأولى وهم خاصة الخاصة هؤلاء أفراد ممن إذا رآهم ذكروه بالله ممن يتصفون بالعقل والدين والحكمة والأوصاف الكاملة، فيتخذ هؤلاء أصفياء، والدائرة الثانية وهم أولئك الذين يربطهم به رابط من عمل ونحوه يؤدونه، أو يشتركون في برنامج، أو نحو هذا فيؤدي معهم ذلك، والدائرة الثالثة وهم عموم الناس، فيؤدي لهم حقوق المسلمين، فإذا وجد في من اصطفاهم من لا يصلح لهذا، يعني: أنه أخطأ في الاختيار، أو أن أحدهم قد طرأ له ما غيره؛ فإنه يتلطف -كما يقول ابن الجوزي- في إبعاده إلى الدائرة التي تليق به"[102].

لكن لا تسمح لأحد أن يفرض عليك علاقة، أنت الذي تختار الخواص الذين تُخالطهم، فهؤلاء الذين تُخالطهم تنظر في ما تحتاج إليه، فمن هؤلاء من يكون مُعينًا على العلم، ومنهم من يكون مُذكرًا بالله --، ومنهم من يكون حكيمًا راشدًا في رأيه وحُسن نظره وتدبيره، ومنهم من يكون النظر إليه يذكرك بالله ، ويُغريك بطاعته والاستقامة على أمره، إلى غير هذا من المعاني المطلوبة، فهؤلاء هم الذين تُصاحبهم، وقد يكون ذلك لأمور أخرى يتخيرها المرء، كأن يكون بعض هؤلاء مثلًا ممن يحمل قلبًا نظيفًا صافيًا، قلبًا أبيضًا لا يحمل الغل والحقد، ونحو ذلك، فهؤلاء أكثر من مجالستهم، ومُخالطتهم، ومُصاحبتهم والسفر معهم؛ لأن ذلك مما يُعين على سلامة الصدر للمسلمين، وسلامة الصدر للقريب والبعيد وهذا من أعظم المطالب، والله  يقول: إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء: 89]، فإن استطعت أن يكون هذا القلب سليمًا لإخوانك المسلمين فافعل ما استطعت، فهذه من الأمور التي تُعين عليه، فمن الناس من يكون قد جُبل على هذا خِلقة، ومن الناس من يحصل له هذا بالمجاهدات، وترك حظوظ النفس، وما إلى ذلك، ومن الناس من يكون قلبه كقلب جمل -نسأل الله العافية- يحقد ويتحامل، ويحمل الغِل مثل هذا صُحبته لا شك أنها داء، ويحتاج إلى ألوان من المدارة والدفع بالتي هي أحسن.

هذا وأسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، ويجعلنا وإياكم هداة مهتدين.

  1.  انظر: النشر في القراءات العشر (1/243).
  2. المبسوط للسرخسي (1/13).
  3. أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصلاة، باب التعوذ بعد الافتتاح، رقم: (2358).
  4. مصنف ابن أبي شيبة (1/214)، رقم: (2457).
  5. انظر: فتح القدير، لابن الهمام (1/291)..
  6. انظر: الأم (1/107)، أحكام القرآن،  للشافعي (1/62).
  7. المغني (1/343).
  8. الإقناع في القراءات السبع (ص:50).
  9. مصنف عبد الرزاق الصنعاني (2/86)، رقم: (2591).
  10. إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان ط عالم الفوائد (1/162).
  11. المجموع شرح المهذب (3/323).
  12. المغني لابن قدامة (1/343).
  13. النشر في القراءات العشر (1/249).
  14. أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة، رقم: (399).
  15. أخرجه ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة، والسنة فيها، باب الاستعاذة في الصلاة، رقم: (808)، والحاكم في المستدرك على الصحيحين (1/325)، رقم: (749).
  16. مصنف عبد الرزاق الصنعاني (2/82)، رقم: (2572).
  17. إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/95)
  18. انظر: الإقناع في القراءات السبع  (1/150)، والمبسوط، (1/13).
  19. النشر في القراءات العشر  (1/10).
  20. المجموع شرح المهذب (3/325)، تفسير الرازي (1/68).
  21. تفسير الرازي (1/68).
  22. المغني لابن قدامة (1/343).
  23. أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب فيما يقوله الرجل عند دخوله المسجد، رقم: (466).
  24. تفسير ابن كثير (1/110).
  25. المصدر السابق.
  26. تفسير الرازي (20/269)، المجموع شرح المهذب (3/325).
  27. مصنف عبد الرزاق الصنعاني (2/86)، رقم: (2590).
  28. المصدر السابق (2/87)، رقم: (2593).
  29. تفسير ابن كثير (1/111)، تفسير القرطبي (1/88).
  30. تفسير القرطبي (1/88).
  31. استغربه ابن العربي في أحكام القرآن لابن العربي (3/159).
  32. انظر: الكشف عن وجوه القراءات السبع، (1/9).
  33. النشر في القراءات العشر (1/254).
  34. المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (1/58).
  35. انظر: الإقناع في القراءات السبع (1/152).
  36. النشر في القراءات العشر (1/252).
  37. انظر: مجموع الفتاوى (22/405).
  38. السنن الكبرى للبيهقي (2/55).
  39. المحلى بالآثار (2/280).
  40. انظر: المبسوط، (1/13).
  41. المغني لابن قدامة (1/343).
  42. تفسير ابن كثير (1/113).
  43. انظر: النشر (1/254).
  44. مجموع الفتاوى (22/405).
  45. المجموع شرح المهذب (3/324).
  46. المصدر السابق.
  47. أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة، رقم: (399).
  48. مجموع الفتاوى (22/405).
  49. المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين (1/116).
  50. مجموع الفتاوى (22/341).
  51. مصنف عبد الرزاق الصنعاني (2/83)، رقم: (2574).
  52. المحلى بالآثار (2/278).
  53. المجموع شرح المهذب (3/325).
  54. انظر: المبسوط (1/13).
  55. المغني لابن قدامة (1/343).
  56. انظر: المجموع شرح المهذب (3/326،325).
  57. تفسير الطبري (14/357).
  58. تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (1/58).
  59. الإفصاح (1/125).
  60. انظر: المجموع شرح المهذب (3/325).
  61. مصنف عبد الرزاق الصنعاني (2/83)، رقم: (2576).
  62. مصنف عبد الرزاق الصنعاني (2/86)، رقم: (2587).
  63. مصنف عبد الرزاق الصنعاني (2/85)، رقم: (2586).
  64. انظر: المجموع شرح المهذب (3/326).
  65. أحكام القرآن للجصاص (3/191)
  66. فتح القدير للكمال ابن الهمام (1/290).
  67. المجموع شرح المهذب (3/322).
  68. المسائل الفقهية (3/115 - 116).
  69. المجموع  شرح المهذب (3/324).
  70. المغني لابن قدامة (1/382).
  71. أخرجه مسلم،  كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة، رقم: (599).
  72. زاد المعاد في هدي خير العباد (1/234).
  73. تفسير القرطبي (1/86).
  74. التبيان في آداب حملة القرآن (ص:81).
  75. المسائل الفقهية (3/115-116).
  76. المحلى بالآثار (2/278).
  77. المدونة (1/162).
  78. أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، رقم: (3276)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها، رقم: (134).
  79. أخرجه مسلم، كتاب السلام، باب التعوذ من شيطان الوسوسة في الصلاة، رقم: (2203).
  80. أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب فضل التأذين، رقم: (608)، ومسلم، كتاب الصلاة، باب فضل الأذان وهرب الشيطان عند سماعه، رقم: (389).
  81. أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب الحذر من الغضب، رقم: (6115)، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل من يملك نفسه عند الغضب وبأي شيء يذهب الغضب، رقم: (2610)، واللفظ للبخاري.
  82. أخرجه البخاري، كتاب التعبير، باب إذا رأى ما يكره فلا يخبر بها ولا يذكرها، رقم: (7044)، ومسلم، كتاب الرؤيا، رقم: (2261).
  83. أخرجه مسلم، كتاب الرؤيا، رقم: (2262).
  84. أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب فيما يقوله الرجل عند دخوله المسجد، رقم: (466).
  85. أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب: خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال، رقم: (3303).
  86. أخرجه أبو داود، أبواب النوم، باب ما جاء في الديك والبهائم، رقم: (5103).
  87. أخرجه مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب في التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء وغيره، رقم: (2708).
  88. أخرجه البخاري، كتاب الوضوء، باب ما يقول عند الخلاء، رقم: (142)، ومسلم، كتاب الحيض، باب ما يقول إذا أراد دخول الخلاء، رقم: (375).
  89. أخرجه مسلم، كتاب السلام، باب استحباب وضع يده على موضع الألم مع الدعاء، رقم: (2202).
  90. انظر: تفسير ابن كثير (1/114).
  91. مقاييس اللغة (3/183).
  92. أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب قدر ما يستر المصلي، رقم: (510).
  93. أخرجه مسلم، كتاب الفضائل، باب فضائل عيسى ، رقم: (2366).
  94. تفسير ابن كثير (1/114).
  95. أخرجه أبو داود، أبواب النوم، باب ما يقول إذا أصبح، رقم: (5067)، والترمذي،  أبواب الدعوات، رقم: (3392).
  96. أخرجه أبو داود، كتاب النكاح، باب في خطبة النكاح، رقم: (2118).
  97. أخرجه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة، رقم: (657).
  98. أخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها،  باب استحباب صلاة النافلة في بيته، وجوازها في المسجد، رقم: (780).
  99. أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، رقم: (3275).
  100. أخرجه البخاري،  كتاب فضائل القرآن، باب فضل سورة البقرة، رقم: (5009)، ومسلم،  باب فضل الفاتحة، وخواتيم سورة البقرة، والحث على قراءة الآيتين من آخر البقرة، رقم:  (808).
  101. أخرجه البخاري، كتاب التهجد، باب التطوع في البيت، رقم: (1187)، ومسلم، باب استحباب صلاة النافلة في بيته، وجوازها في المسجد، رقم: (777).
  102. [لم أقف على مرجع].

مواد ذات صلة