الأحد 20 / جمادى الآخرة / 1446 - 22 / ديسمبر 2024
البسملة
تاريخ النشر: ١١ / شعبان / ١٤٣٦
التحميل: 2348
مرات الإستماع: 1974

"الكلام على البسملة فيه عشر فوائد: 

الأولى: ليست البسملة عند مالك آية من الفاتحة ولا من غيرها إلا في النمل خاصة، وهي عند الشافعي آية من الفاتحة، وعند ابن عباس آية من أول كل سورة، فحُجة مالك ما ورد في الحديث الصحيح أن رسول الله ﷺ قال: أُنزلت عليّ سورة ليست في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها ثم قال: الحمد لله رب العالمين[1]، ولم يذكر البسملة، وكذلك ما ورد في الحديث الصحيح: إن الله يقول: قسمت بيني وبين عبدي نصفين، يقول: الحمد لله رب العالمين[2]، فبدأ بها دون البسملة، وفي نُسخة خطية فبدأ بهذا دون البسملة، وحُجة الشافعي ما ورد في الحديث أن رسول الله ﷺ كان يقرأ باسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وحجة ابن عباس ثبوت البسملة مع كل سورة في المصحف".

البسملة هي مصدر بسمل، يعني: قال باسم الله، وهذا الذي يُسمى بالنحت في اللغة، أو ما يُشبه النحت، يقولون: حوقل، يعني: قال لا حول ولا قوة إلا بالله، وهيلل قال لا إله إلا الله، وحمدل قال: الحمد لله، وحيعل قال: حي على الصلاة، وحسبل قال: حسبنا الله، والسحبلة يقول: سبحان الله، الجعفلة يقول: جُعلت فداك، الطلبقة والدمعزة، يعني: حكاية قول القائل أطال الله بقاءك طلبقة، والدمعزة أدام عزك.

فهذا على كل حال يأخذون من اسمين مثلًا فينحتون منهما لفظًا واحدًا فينسبون إليه، كما في الِنسبة حينما يقول: فلان عبشمي، يعني: نسبة إلى عبد شمس، نسبه يرجع إلى هذا فيُنسب إليهم، وكذلك في البلدان أيضًا حضرمي وما شابه ذلك.

في النسب يقولون: مثلًا عقبسي، يعني: نسبة إلى عبد قيس، عبشمي نسبة إلى عبد شمس، وهكذا، فالنسبة إليه تكون بذلك، وهذا معروف عند العرب وقد جاء في شِعر عمر بن أبي ربيعة:

لقد بسملت ليلى غداة لقيتها فيا حبذا ذاك الحبيب المُبسملُ

بسملت، يعني قالت: باسم الله.

وما ذكره ابن جُزي -رحمه الله- فيما يتصل بالبسملة هي آية مستقلة من القرآن، أو من سورة الفاتحة، أو من كل سورة سوى سورة براءة، أو أنها ليست بآية، هذا فيه خلاف بين أهل العلم، فهم مُجمعون على أنها بعض آية من سورة النمل: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [النمل:30].

واختلفوا فيما وراء ذلك، فبعضهم يقول بأن البسملة ليست آية من القرآن مطلقًا إلا في سورة النمل فهي بعض آية، وإنما كُتبت البسملة في بعض أوائل السور لاستفتاح بها والابتداء والتبرك والتيمن والفصل بين السور، وهذا يروى عن قُراء المدينة والبصرة والشام، وهو منقول عن الإمام مالك -رحمه الله-[3]، وعن جماعة وذلك أيضًا يُعزى لأبي حنيفة ولبعض أصحابه[4]، وكذلك الأوزاعي[5]، وهو رواية محكية عن الإمام أحمد -رحمه الله-[6]، لكن قال شيخ الإسلام بأن هذا لا يصح عنه، وإن كان قولًا في مذهبه.

ومثل هذا القول قد يستدل أصحابه ببعض ظواهر من الأحاديث التي جاء فيها أن النبي ﷺ وأن أصحابه كالخلفاء الراشدين كانوا يستفتحون القراءة أو الصلاة بالحمد لله رب العالمين كما ذكر وأشار ابن جُزي -رحمه الله-، وهذه لا تدل على أنهم ما كانوا يُبسملون سرًا، أنهم كانوا يتركون البسملة مثلًا، فيحمل ذلك أصحاب هذا القول على أنها ليست بآية مُستقلة للفصل بين السور، وليست بآية من السورة.

وهكذا قالوا بأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر، أنه لا يوجد تواتر هنا، ورد على هؤلاء مثل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- بإعادة وقلب ذلك الدليل عليهم، بأن الصحابة  قد كتبوها في المصاحف، ومثل هذا منقول بالتواتر، وأن الصحابة ما كانوا ليُدخلوا شيئًا في المصاحف يكون خارجًا عن القرآن لمجرد التيمن ونحو ذلك، فهذا الذي مكتوب بين اللوحين كله من القرآن، وأن الصحابة كانوا يُدققون في ذلك، ويتحرون غاية التحري، فذلك يدل على أن البسملة آية من القرآن[7].

وقد ذكر بعض أهل العلم مثل الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- فيما نُسب إلى الإمام مالك -رحمه الله- بأنها ليست آية أصلًا أن هذا القول لا يوافق قاعدة أصولية ثابتة ولا قراءة صحيحة[8].

القول الثاني: أنها آية من سورة الفاتحة فقط، وأن هذا القول عن طائفة من أهل العلم فمن بعدهم ،كسعيد بن جُبير[9]، ونُقل عن أكثر القُراء والفقهاء من أهل مكة[10] والكوفة[11]، وهو قول الشافعي[12] وبالمناسبة فإن قول الشافعي في الأصل من أهل مكة، وأهل مكة يقرءون بقراءة ابن كثير -رحمه الله- وقراءة ابن كثير على أن البسملة من الفاتحة، ولذلك فإن مذهب الشافعي -رحمه الله- أنها من الفاتحة، وهذه رواية عن الإمام أحمد[13]، ومروي ذلك عن إسحاق بن راهوية[14] وقبله هو مروي أيضًا عن أبي عُبيد القاسم بن سلام وكذلك جاء هذا عن جماعة من التابعين أو من صغار التابعين كالزُهري، وقبله أيضًا روي عن جماعة من التابعين كعطاء ومحمد بن كعب القُرضي[15] هؤلاء يستدلون بإثباتها في المصاحف مع الفاتحة.

وكذلك يستدلون بحديث أُم سلمة -ا-: ((أنها سُئلت عن قراءة النبي ﷺ فقالت: كان يُقطع قراءته آية آية بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم))[16].

فهكذا استدلوا مع أنه لا يلزم من قراءتها مع الفاتحة أن تكون منها، يعني: كأنها أرادت أن تُمثل أو أن القراءة تُفتتح بالبسملة فهي تُقرأ مع كل سورة.

كذلك احتجوا بحديث أنس : ((أنه سُئل عن قراءة النبي ﷺ قال: كانت مدًا، ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، يمد باسم الله، ويمد بالرحمن ويمد بالرحيم))[17]، وهو مُخرج في الصحيح، فهذا يمكن أن يُستدل به ويُحتج به على الذين يقولون بأنها ليست بآية من القرآن مطلقًا.

لكن لا يلزم من ذلك أن النبي ﷺ حينما كان يمُد القراءة في ذلك أن تكون آية من الفاتحة ولا أيضًا من غير الفاتحة يعني من السور الأخرى، فهذا غاية ما هنالك أن هذا يدل على أنها كانت تُقرأ، كان النبي ﷺ يقرأ البسملة، لكن ليس بالضرورة أنها آية من الفاتحة أو من غيرها من السور.

كذلك يحتجون بحديث نُعيم بن المُجمر، قال: ((صليت وراء أبي هريرة فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن حتى بلغ ولا الضالين، فقال: آمين، فقال الناس آمين))، إلى آخر ما ذكر في صفة صلاته، ((فلما سلّم قال: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله ﷺ))[18].

قالوا: قرأ البسملة، هذا الحديث ضعفه جماعة من أهل العلم، وعلى فرض صحته فليس فيه ينص على أنها آية من الفاتحة، غاية ما هنالك أن أبا هريرة  قرأ البسملة مع الفاتحة بصرف النظر عن الإسرار أو الجهر بها، لكن قراءتها مع الفاتحة لا يلزم أنها آية منها.

ويحتجون بحديث أبي هريرة  أن النبي ﷺ قال: إذا قرأتم الحمد فاقرءوا: بسم الله الرحمن الرحيم، إنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني، وبسم الله الرحمن الرحيم أحد آياتها[19].

لكن هذا لا يصح رفعه إلى النبي ﷺ، وقد ذكر بعض أهل العلم أنه موقوف من كلام أبي هريرة ، ولا يقال: إن هذا له حكم الرفع، فقد يكون أبو هريرة  فهم ذلك استنباطًا، ولم يسمعه من رسول الله ﷺ، فلا يكون ذلك عن توقيف، وإنما سمع النبي ﷺ يقرأ البسملة فظن أنها من الفاتحة، وذكر هذا الزيلعي -رحمه الله-، وقال: "بأن المحفوظ الثابت عن سعيد الراوي عن أبي هريرة في هذا الحديث عدم ذكر البسملة، كما رواه البخاري في صحيحه من حديث ابن أبي ذئب عن سعيد عن أبي هريرة  فقال: قال رسول الله ﷺ: الحمد لله هي أم القرآن، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم[20].

القول الثالث: أنها آية أو بعض آية من كل سورة سوى سورة براءة، وهذا يُنسب لأيضًا قراء مكة والكوفة، وللفقهاء في مكة والكوفة[21]، هذا مروي عن ابن عباس -ا- وابن عمر وابن الزبير وأبي هريرة من الصحابة ، ومنقول عن جماعة من التابعين كعطاء وطاووس، وكذلك سعيد بن جُبير وعن مكحول والزُهري[22].

وهذا هو المشهور من مذهب الشافعي[23] ورواية عن الإمام أحمد[24] وهو أيضًا مما يُعزى لأبي حنيفة[25] وممن أيضًا نُسب إليه ذلك سفيان الثوري وابن المبارك[26]، وإسحاق بن راهوية ويُعزى لأبي عُبيد القاسم بن سلام[27] والأوزاعي[28].

ويحتجون بأدلة منها ثبوت البسملة في المصاحف بخط المصاحف مع كل سورة سوى براءة، مما يدل على أنها آية أو بعض آية من كل سورة، وهذا ليس بلازم، فعدد الآيات باتفاق العادين في بعض السور كان باعتبار أن البسملة ليست بآية منها، وسيأتي أيضًا ما يدل على هذا.

كذلك ما جاء عن أنس بن مالك  قال: ((أغفى النبي ﷺ إغفاءة، ثم تبسم ضاحكًا فقال: أُنزل عليّ آنفًا سورة ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1]))[29]، إلى آخر السورة وهو في صحيح مسلم.

وهذا كما يظهر -والله تعالى أعلم- أنه كون النبي ﷺ قرأها لا يلزم أن تكون آية من السورة، ولهذا اتفق العادون على أن سورة الكوثر ثلاث آيات بدون البسملة.

وقد ذكرت في الكلام على الهدايات التي تُستخرج من القرآن في التحدي في الكلام على قوله تبارك وتعالى: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [البقرة:23]، قلنا أن هذا التحدي بالاتفاق أنه يصدق على أقصر صورة وذلك في ثلاث آيات وذلك في ثلاث سور من القرآن، فهذه باعتبار أن البسملة ليست منها، وإلا كانت أربع آيات مع البسملة.

وكذلك أيضًا استدلوا بحديث أم سلمة -ا- السابق: ((أن النبي ﷺ كان يُقطع قراءته آية آية بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين))، إلى آخره، والجواب عنه ما تقدم، كون النبي ﷺ يقرأ البسملة مع الفاتحة لا يدل على أنها آية منها، فكيف تكون آية من غيرها؟

كذلك احتجوا بحديث أنس  لما سُئل كما مضى عن قراءة النبي ﷺ قال: كانت مدًا يمد باسم الله ويمد بالرحمن ويمد بالرحيم، فإذا تبين مما مضى أن ذلك لا يدل على أنها من الفاتحة، فكذلك من باب أولى أنها ليست من غيرها.

كذلك أيضًا يحتجون بحديث ابن عباس -ا- قال: ((كان النبي ﷺ لا يعرف فصل السورة حتى تنزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم))[30]، يعني: أنها كانت تنزل مع السورة الجديدة، ففهموا من ذلك أنها منها، وهذا ليس بالضرورة، كونها تنزل للفصل بين السور هذا وارد.

القول الرابع: أن البسملة آية مستقلة من القرآن، وليست من السور، لا الفاتحة ولا غير الفاتحة، إنما تنزل مع كل سورة للفصل بينها وبين التي قبلها، هذا قول ذهب إليه جماعة من أهل العلم كالإمام أحمد وهو المنصوص الصريح عنه[31]، وهو أيضًا منقول عن ابن المبارك[32]، ومحمد بن الحسن الشيباني[33]، وعن جماعة من الفقهاء، وعن داود الظاهري[34]، واختاره أبو جعفر ابن جرير الطبري[35]، وإمام الأئمة ابن خُزيمة[36]، وذهب إليه جماعة من المتأخرين كابن قدامة -رحمه الله-[37] وشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-[38].

واستدلوا بإجماع الصحابة -ا- على إثباتها في المصاحف كتبوها بخطه وقلمه ونُقلت كما نُقل القرآن، وأنه لا يجوز الخروج عن إجماعهم؛ وذلك أنهم جردوا المصاحف عن غير القرآن.

وكذلك ما جاء في الحديث السابق عن أنس : ((بينا رسول الله ﷺ بين أظهُرنا إذا أغفى إغفاءة))، فلما سُأل ((قرأ بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر)).

مع أن سورة الكوثر بالإجماع ثلاث آيات، فقرأ البسملة، فدل على أنها للفصل بين السور.

وكذلك حديث ابن عباس -ا-: ((كان النبي ﷺ لا يعرف فصل السورة حتى تنزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم))، فقالوا: كون البسملة تنزل يدل على أنها آية من القرآن، وهي فصل بين السور، وليست من السورة، وإنما هي آية مستقلة.

كذلك حديث أبي هريرة ، قال النبي ﷺ: إن سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غُفر له، وهي سورة تبارك الذي بيده الملك[39]، فهذا الحديث يدل على أن البسملة ليست من السورة.

أول شيء أن النبي ﷺ قال: تبارك الذي بيده الملك، ولم يبدأ بالبسملة، والأمر الآخر أنه قال ثلاثون آية، وسورة الملك بالإجماع -إجماع العادين- هي ثلاثون آية من غير البسملة، وهذا دليل قوي كما ترون.

كذلك حديث أبي هريرة  عن النبي ﷺ قال: من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خِداج ثلاثًا غير تمام، فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام؟ فقال: اقرأ بها في نفسك، فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدي...[40]، إلى آخر الحديث.

فابتدأ بالحمد ولم يبدأ بالبسملة، إلى أن يقول: فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ۝ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة: 6-7]، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ، الحديث مُخرج في صحيح مسلم.

فهذا الحديث يدل على أنها ليست من الفاتحة فضلًا أن تكون من سائر السور؛ لأنه ابتدأ بالحمد وأيضًا القسمة المذكورة في هذا الحديث كونها على نصفين بين الرب تبارك وتعالى والعبد، فهي سبع آيات باتفاق أهل العلم، فقوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، هذا الذي يكون بين الرب وبين عبده، فهذا منتصف السورة، فقوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ، وما قبله ثلاث آيات ونصف، يعني: من غير البسملة، حمد وثناء وتجميد وعبادة لله تبارك وتعالى، وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، وما بعده ثلاثة آيات ونصف للعبد، دعاء ومسألة، فيكون اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، هو الآية السادسة، وقوله: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ، هي الآية السابعة، وبهذا تكون الفاتحة مُنصفة، ثلاث ونص وثلاث ونصف، وذلك كما في قوله ﷺ فيما يرويه عن ربه: حينما يقرأ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، يقول: هذه بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، لكن لو قيل لو كانت البسملة آية من الفاتحة لن يتحقق هذا التنصيف، فيكون إياك نعبد وما قبله أربع آيات ونصف، ويكون إياك نستعين وما بعده في آيتين ونصف.

فما صارت مُنصفة والحديث يدل على أنها على نصفين.

وقد قال حافظ المغرب ابن عبد البر -رحمه الله-: "بأن القُراء أجمعوا كذلك الفقهاء على أنها سبع آيات، لكن اختلفوا فمن جعل بسم الله الرحمن الرحيم آية من الفاتحة لم يعد أنعمت عليهم آية، ومن لم يجعل بسم الله الرحمن الرحيم آية عد أنعمت عليهم آية، وهو عدد أهل المدينة وأهل الشام وأهل البصرة، وأما أهل مكة وأهل الكوفة من القُراء والفقهاء فإنهم عدوا بسم الله الرحمن الرحيم آية، ولم يعدوا أنعمت عليهم، يقول: وهذا الحديث أبين ما يروى عن النبي ﷺ: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، يعني: في سقوط بسم الله الرحمن الرحيم من آي فاتحة الكتاب وهو قاطع لموضع الخلاف [41].

وكذلك ذكر شيخ الإسلام بأن هذا الحديث صحيح صريح بأنها ليست من الفاتحة، ولم يُعارضه حديث صريح صحيح[42]، طبعًا إذا كانت ليست من الفاتحة فمن باب أولى أنها ليست من غيرها.

كذلك احتجوا بحديث عائشة -ا- في قصة بدء الوحي، وفيه: أنه لما جاءه الملك قال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق: 1][43]، مُخرج في الصحيحين متفق عليه.

فشيخ الإسلام -رحمه الله- يقول: هذا أول ما نزل لم ينزل قبل ذلك بسم الله الرحمن الرحيم[44].

قال أيضًا أعني شيخ الإسلام: الذين قالوا ليست من السورة قالوا إن جبريل ما أت النبي ﷺ يأمره بقراءتها، بل أمره أن يقرأ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، ولو كانت أول السورة يعني منها لأمره به[45].

كذلك احتجوا بحديث أنس : ((صليت خلف النبي ﷺ، وخلف أبي بكر وعمر وعثمان لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم، لا في أول قراءة، ولا في آخرها))[46]، وهو في صحيح مسلم.

هذا طبعًا ليس كالذي قبله بصراحته وقوته؛ لأنهم يمكن أن يكونوا قرأوها بل يقرؤونها سرًا، وهناك فرق بين أن قول إنها من السورة، أو من الفاتحة وبين مسألة الجهر، لا مُلازمة بين الأمرين، وهذا ينبغي أن يُدركه طالب العلم.

كذلك احتجوا بحديث عائشة -ا-: ((كان النبي ﷺ يفتتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين))[47].

كذلك حديث أبي هريرة : ((كان النبي ﷺ إذا نهض من الركعة الثانية، استفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين))[48]، يعني: ما قرأ البسملة، وقال ولم يسكت وهو مُخرج في صحيح مسلم.

لكن كان النبي ﷺ يقرأها سرًا، يعني: هذه تدل على عدم الجهر، وقوة هذه الأدلة في الدلالة على أنها ليست من السورة، أو ليست من الفاتحة تتفاوت كما هو ظاهر، لكن وجه الدلالة في هذه الأحاديث على أن البسملة آية مستقلة، وذلك باعتبار أنهم لم يجهروا بها كبقية آيات الفاتحة، وكذلك السور ففرقوا بين السورة وبين البسملة، فكانوا يُسرون بها، يدل على أنها لم تكن آية منها، هكذا يمكن أن يقول أو يستدل بعض أهل العلم.

كذلك أيضًا فإن قوله تبارك وتعالى: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، أخذوا منه على أن البسملة ليست أيضًا من الفاتحة من أجل أن لا يكون ذلك من قبيل التكرار، بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ ۝ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فيكون قد كرر ذلك.

وهكذا أيضًا فإن قوله: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ، أن هذه آية واحدة بهذا الطول، قالوا: هذا غير مُناسب لبقية الآيات في مقاديرها، يعني: آيات سورة الفاتحة، فهذا يكون أطول منها، وغالب السور تكون آياتها متناسبة في الطول والقِصر.

والجمهور على أن قراءتها مستحبة قالوا وهذا يدل على أنها ليست منها، قول عامة أهل العلم، وشيخ الإسلام يقول: هذا قول سائر من حقق القول في هذه المسألة، وتوسط فيها وجمع بين مقتضى الأدلة، وأن كتابتها هكذا في سطر مُنفصل عن هذه السورة[49] يدل على هذا، وأن هذا هو أعدل الأقوال[50].

لكن حينما يروى ذلك عن بعض القُراء والقراءة إنما هي بالتلقي والرواية، فإن هذا يمكن أن يُقال معه والله تعالى أعلم: بأن ذلك يمكن أن يرجع إلى القراءة، فمن قرأ بقراءة تكون البسملة آية من الفاتحة مثلًا أو من السورة فإنه لا يترك البسملة، ومن قرأ بقراءة ليست البسملة من السورة أو من الفاتحة، فإنه إذا أسقطها فإن ذلك لا يكون خللًا في صلاته، أو في قراءته، لكن يستحب له أن يقرأها، وأيضًا خروجًا من الخلاف لاسيما في الفاتحة باعتبار أنها رُكن في الصلاة.

لكن من نسي الفاتحة هل تصح صلاته أو لا؟ الذين يقولون أنها آية منها، وأن الفاتحة رُكن معنى ذلك أنه أسقط آية من الفاتحة، فهذا القول المتوسط الذي جمع فيه بين هذه الأقوال أن من قرأ بقراءة هي منها لم يدع قراءة الفاتحة، وأنها تُعتبر آية من السورة على بعض القراءات، وليست بآية على بعض القراءات، وهذا الذي قال فيه صاحب المراقي:

وبعضهم إلى القراءة نظر وذاك للوفاق رأي معتبر[51]

الوفاق يعني الجمع بين الأقوال، وهذا ذهب إليه خاتمة المُقرئين ابن الجزري -رحمه الله- وكذلك ابن حزم قبله، ومن المتأخرين السيوطي، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي، أن ذلك يرجع إلى اختلاف القراء بحسب الرواية، وأن ذلك من جُملة الحروف التي يقرؤون بها فتتنوع قراءتهم، فمن قرأ بحرف نزلت فيه عدها آية، وهذا عند قالون، وابن كثير، وعاصم، والكسائي، وأبي جعفر[52].

من قرأ بغير ذلك فإنه لا يعُد البسملة آية، وهذا عند الباقين كورش وأبي عمرو وابن عامر وحمزة وخلف ويعقوب[53].

هذا قول وسط يجمع بين هذه الأقوال.

لكن لماذا تُركت قبل سورة براءة؟ لماذا أُسقطت البسملة وذلك في جميع المصاحف في كل نُسخ المصاحف؟ وإذا ابتدئ بسورة براءة فإنه لا يُبسمل، لكن ما هو التعليل؟

اختلفوا فيه، فذهب بعض أهل العلم إلى أن ذلك كما جاء عن ابن عباس -ا- عن عثمان  لما سأله عن هذا أنه قال: بأن النبي ﷺ لم يُبين لهم في شأنها شيئًا، وأن قصتها -يعني براءة- مع الأنفال براءة تُشبه الأنفال فقرنوا بينهما ولم يكتبوا بسم الله الرحمن الرحيم[54]، وهذا ذهب إليه الطحاوي[55] وصححه ابن العربي[56]، لكن هذه الرواية لا تصح، هذه الرواية ضعيفة أن النبي ﷺ توفي ولم يُبين لهم ذلك.

التوجيه الآخر: أن ذلك جريًا على عادة العرب، وقد نزل العرب على معهودهم في الخطاب، فكان العرب إذا كان بينهم وبين قوم عهد فإذا أرادوا نبذ العهود إلى هؤلاء المُعاهدين كتبوا لهم كتابًا، ولم يكتبوا لهم فيه بسم الله الرحمن الرحيم، فلما نزلت براءة بنبذ العهود إلى هؤلاء عهود هؤلاء المشركين، وأن النبي ﷺ بعث بها عليًا بن أبي طالب كما هو معلوم  في الحجة التي كانت في السنة التاسعة، فقرأها عليهم في الموسم، ولم يُبسمل جريًا على عادتهم.

  • وبعضهم يقول: باعتبار أن البسملة أمان وبراءة نزلت بالسيف، وهذا منقول عن بعض السلف وبعض أصحاب معاني القرآن.
  • وبعضهم يقول: هذا باعتبار أن البسملة رحمة وبراءة سُخط، وهذا يُشبه الذي قبله.
  • وبعضهم يقول: باعتبار أن ذلك من قبيل الإعظام للبسملة من خطاب المشركين.
  • وبعضهم يقول: هذا يرجع إلى اختلافهم في براءة والأنفال، هل هما سورتان أو سورة واحدة؟ فتُركت بينهما فُرجة لقول من قال أنهما سورتان، وتُركت البسملة لقول من قال إنهما سورة واحدة، وهذا فيه بُعد، والله أعلم.

يقول القُرطبي -رحمه الله-: والصحيح أن التسمية لم تكبت؛ لأن جبريل لم ينزل بها مع هذه السورة وكفى، ولو نزلت مع هذا السورة لحُفظت مع ما حُفظ ونُقلت إلينا، فدل ذلك على أنها لم تنزل[57].

ما هو التعليل؟ يحتمل بعض هذه الأقوال التي ذُكرت والعلم عند الله تبارك وتعالى، أما القول بأن النبي ﷺ لم يُبين لهم كما يروى عن ابن عباس -ا- فهذا لا يصح.

وأما القول بأن الصحابة اختلفوا هل الأنفال وبراءة سورة واحدة أو سورتان فإن الصحابة  إنما روي عنهم هل براءة سورة مستقلة أو هي من سورة الأنفال، ولهذا فصلوا بينهما لكن لا على أن ذلك لشك في نزول البسملة مع هذه السورة هل نزلت أو لا، هذا الذي بين دفتي المصحف كله كلام الله تبارك وتعالى كما أُنزل لم ينقص منه شيء، وأداه الصحابة  كما تلقوه عن رسول الله ﷺ والله أعلم بتعليل ذلك.

"الثانية: إذا ابتدأت أول سورة بسملت إلا براءة، وسنذكر علة سقوطها من براءة في موضعه، وإذا ابتدأت جزء سورة فأنت مُخير بين البسملة وتركها عند أبي عمرو الداني، وتُترك البسملة عند غيره، وإذا أتممت سورة وابتدأت أخرى فاختلف القُراء في البسملة وتركها".

هذا مضى الكلام على بعضه: "إذا ابتدأت أول سورة بسملت إلا براءة"، فهذا بلا إشكال، "وإذا ابتدأت جزء سورة فأنت مُخير بين البسملة وتركها عند أبي عمرو الداني وتُترك البسملة عند غيره"، يعني: إذا قرأت من وسط السورة مثلًا، وسيأتي الكلام على ذلك، نعم تفضل الثالثة.

"الثالثة: لا يُبسمل في الصلاة عند مالك، ويُبسمل عند الشافعي جهرًا في الجهر وسرًا في السر، وعند أبي حنيفة سرًا في الجهر والسر، فحُجة مالك من وجهين: أحدهما: أنها ليست عنده آية في الفاتحة حسب ما ذكرنا، والآخر ما ورد في الحديث الصحيح عن أنس أنه قال: ((صليت خلف رسول الله ﷺ وأبي بكر وعمر وعثمان، فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول الفاتحة ولا في آخرها)) وحجة الشافعي من وجهين أحدهما: أن البسملة عنده آية من الفاتحة، والآخر ما ورد في الحديث من قراءتها حسب ما ذكرنا".

ذكرت آنفًا أنه ليس هناك ملازمة بين كونها من الفاتحة مثلًا والجهر بها، لكن فيما يتعلق بقراءتها في الصلاة، فإن أهل العلم قد اختلفوا في ذلك:

فمنهم من ذهب إلى وجوب قراءتها في الصلاة، باعتبار أنها آية من الفاتحة، وهكذا قول من قال بأنها آية من كل سورة سوى براءة، يقال: لا يُسقط آية من السورة، لكن بالنسبة للقرآن فيما عدا الفاتحة، فإن الله أمر بقراءة ما تيسر، فإن صلاته لا تبطل إذا كان قد قرأ بعد البسملة باعتبار أنها آية من السورة في أولها، لكن في الفاتحة باعتبار أنها رُكن فذلك يجب بهذا الاعتبار.

وهذا منقول عن جماعة من الصحابة فمن بعدهم، ومروي عن ابن عباس وابن عمر، وجمع من التابعين كالزهري ومجاهد[58]، وكذلك عن جماعة من الفقهاء كإسحاق بن راهوية[59] وأيضًا أبي عُبيد القاسم بن سلام[60] وهذا هو المشهور من مذهب الشافعي[61]، ورواية عن الإمام أحمد[62].

هذا باعتبار أنها آية من الفاتحة، فتجب قراءتها عندهم كما تجب قراءة بقية آيات الفاتحة، وكذلك يُشرع الجهر بها عندهم كما يجهر ببقية آيات الفاتحة.

القول الثاني: أن قراءتها في الصلاة مستحبة مع الفاتحة ومع كل سورة سوى براءة، هذا قول الجمهور كأبي حنيفة[63] وهي الرواية المشهورة عن أحمد[64]، وقول أكثر أهل الحديث[65] باعتبار أنها آية مستقلة كما سبق يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: فهي ليست من السورة لا من الفاتحة ولا غير الفاتحة فلا تجب قراءتها بهذا الاعتبار، ولكن تُستحب مع الفاتحة، ومع كل سورة سوى براءة؛ لكونها أُثبتت في المصاحف، ومع الفاتحة، ومع بقية السور سواء براءة.

كذلك ما جاء في حديث أنس وعائشة وأبي هريرة  أن النبي ﷺ وخلفاءه الراشدين ما كانوا يجهرون بها، فلو كانت القراءة قراءة البسملة واجبة وجوب الفاتحة لجهروا بها كما يجهرون ببقية آيات الفاتحة، كما يقوله بعض أهل العلم، مع أن هذا كما ذكرت ليس بلازم.

القول الثالث: أنه لا تُشرع قراءتها في الصلاة المكتوبة لا سرًا ولا جهرًا، قلنا هذا المنقول عن مالك -رحمه الله-[66]، لكنه قال في قيام الليل تُقرأ، ونُقل عنه أن ذلك أيضًا في النفل، وكذلك في خارج الصلاة.

بل نُقل القول بعدم مشروعية قراءتها عن الأوزاعي[67]، ومبنى هذا القول على أن البسملة ليست آية من القرآن، لا في أول الفاتحة، ولا في أوائل السور، وليست بآية مستقلة.

وعرفنا من قبل ما احتج به هؤلاء، والجواب عن ذلك، ويحتجون أيضًا بأن النبي ﷺ وخلفاءه الراشدين كانوا يستفتحون القراءة والصلاة بالحمد لله رب العالمين، وحديث أبي هريرة: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فليس من ذلك البسملة، لكن هذا ليس فيه نفي قراءة البسملة، وإنما غاية ما هنالك الجهر بها، فكانوا لا يجهرون بباسم الله الرحمن الرحيم كما في بعض روايات حديث أنس، وفي بعضها فكانوا يُسرون بسم الله الرحمن الرحيم.

وهكذا سائر الروايات التي بهذا المعنى، وقد ذكر ابن حُزيمة -رحمه الله- بعد أن أخرج روايات حديث أنس، والتي في بعضها التصريح بأن النبي ﷺ وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يسرون ببسم الله الرحمن الرحيم، ولا يجهرون بها.

قال: "هذا الخبر يُصرح بخلاف ما توهم من لم يتبحر العلم وادعى أن أنس بن مالك أراد بقوله: ((كان النبي ﷺ وأبو بكر وعمر يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين))، وبقوله: ((لم أسمع أحدًا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم))، أنهم لم يكونوا يقرءون بسم الله الرحمن الرحيم جهرًا ولا سرًا، وهذا الخبر يُصرح أنه أرد أنهم كانوا يُسرون به ولا يجهرون به عند أنس"[68].

وكذلك ذكر شيخ الإسلام -رحمه الله- أن الاحتجاج بحديث أنس على تركها غير صحيح، وإنما غاية ما هنالك أنه يدل على عدم الجهر، ويُراجع كلامه في هذا، وأن أبا هريرة  قال: ((أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ماذا تقول؟ قال: أقول كذا وكذا))[69]، إلى آخره.

وفي الصحيحين وغيرهما من حديث عمران وأُبي وغيرهما: ((أنه كان يسكت قبل القراءة))، وفيها أنه كان يستعيذ كما يقول شيخ الإسلام -رحمه الله- يقول: "وإذا كان له سكوت فلم يمكن أنسًا  أن ينفي قراءتها في ذلك السكوت .... إلى آخر ما ذكر[70].

كما اختلفوا أيضًا فيما إذا جهر الإمام ولم يسكت هل يُبسمل المأموم، يعني: في الجهرية إذا لم يُمهله الإمام أو لا يُبسمل باعتبار أنه مُطالب بقراءة الفاتحة، فمنهم من قال: لا يُبسمل، الذين قالوا إنه لا يقرأ أصلًا لا الفاتحة ولا غير الفاتحة، قالوا: لا يُبسمل، ولا يقرأ، بل يُنصت.

والذين قالوا يجب عليه قراءة الفاتحة، قالوا: يستعيذ لأنه مأمور بهذا، ثم يُبسمل ويقرأ الفاتحة؛ وذلك لأنها لا تسقط عنه، وأن قراءة الإمام لا تُجزيه عن الفاتحة، وخلافهم في هذا معروف.

أما في غير الصلاة فقد نُقل الإجماع على مشروعية التسمية وأنها مُستحبة بعد الاستعاذة سوى براءة، فإنه لا يُبسمل كما سبق، لكن في أوائل السور في غيرها فإنه يُبسمل لا يدع البسملة استحبابًا على قول عامة أهل العلم، باعتبار أنها آية من القرآن نزلت مع كل سورة سوى سورة براءة، يعني: للفصل بين السور.

لكن الذين يقولون بأنها من السورة فإنهم يقولون إذا قرأ فإنه لا يدع البسملة باعتبار أنها آية منها، والقُراء أيضًا يختلفون في قراءتها في حال الوصل بين السور، وقد قرأ ابن كثير، وقالون، وعاصم، والكسائي بالفصل بالتسمية بين السور سوى الأنفال وبراءة.

ورُوي عن بعض القُراء ترك ذلك في الوصل كما جاء عن حمزة، وجاء عن ورش الفصل وعدم الفصل.

واختلف عن الباقي أيضًا هم خلف وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب ونافع، يعني: بين الفصل بالبسملة والوصل في السورتين أو السكت بينهما، يعني: إذا وصل بين السور: السورة والسورة التي بعدها، هل يُسقط البسملة أو لا يُسقطها؟ هذا جاء في بعض القراءة، فلا يُنكر، والله تعالى أعلم.

والقراءة سُنة متبعة، فإذا قرأ على بعض هذه القراءات وأسقط البسملة فلا إشكال، وبعض الناس لربما يكسل في الأذكار التي تقال بعد الصلاة مثلًا في قراءة المعوذات، وقل هو الله أحد، فتجد أن بعض هؤلاء يسألون عن البسملة، كأنما يستطيلون ذلك، فيقولون: هل لنا أن نُسقطها؟ فيقال: إذا قرأتم بقراءة البسملة ليست فيها آية من السورة، فلكم أن تسقطوا ذلك، ولاسيما مع الوصل، وله أن يُسقطها على كل حال، وله أن يقف على آخر السورة، ثم يُبسمل، ثم يصل البسملة بأول السورة الأخرى، وله أن يصل آخر السور بالبسملة، ويصل البسملة بأول السورة الأخرى، وكذلك أيضًا له أن يقف على نهاية السورة، ثم يُبسمل ويقف، ثم يقرأ السورة التي بعدها، فهذا وقف تام.

هل يقرأ البسملة في أوساط السور أو يكتفي بالاستعاذة؟

يعني: إذا أراد أن يقرأ من وسط السورة هو مأمور بالاستعاذة هل يؤمر بالبسملة أو لا؟ أكثر أهل العلم يقولون: لا تُشرع، وإنما تكون في أول السور فيستعيذ فقط، وبعض أهل العلم يقول: يُبسمل ويستعيذ قبل البسملة، وبعضهم يقول: يُبسمل فقط ولا يستعيذ، والواقع أنه مأمور بالاستعاذة مطلقًا، أما البسملة فهي في أوائل السور، وليست في وسطها، لكن من أهل العلم من قال أنه يُبسمل في وسط السورة، والذي عليه عامة أهل العلم أنه يترك البسملة.

الجهر والإسرار بالبسملة في الصلاة وخارجها:

أما مسألة الجهر والإسرار بها في الصلاة وخارج الصلاة، ففي خارج الصلاة فإن أكثر القُراء على الجهر بها[71] هذا بطبيعة الحال إذا قرأ جهرًا، وجاء عن بعضهم الإخفاء للبسملة هذا مروي عن حمزة ونافع[72] معه أنه روي عنهما الجهر بها، وأخذ بعض أهل الأداء بالتسمية جهرًا لجميع القراء، وأخذ أيضًا بعض أهل الأداء لهم الإخفاء.

وأما في الصلاة: فأهل العلم قد اختلفوا في هذا، فمنهم من قال أنه يُسن الجهر بها في الصلاة الجهرية، والإسرار في الصلاة السرية، وهذا يروى عن بعض الصحابة  كعمر، وعلي، وعبد الله بن الزبير، وابن عمر، وأبي هريرة، ومعاوية، وشداد بن أوس[73]، رضي الله عن الجميع.

وعن جمع من التابعين كسعيد بن جُبير، والزهري،[74] ومجاهد، وعطاء، وطاووس، وعكرمة، وأبي قلابة، وعلي بن الحسين، وابن المسيب، وسالم، ومحمد بن كعب القُرظي، وكذلك هو مروي عن ابن سيرين، وابن المنكدر، ونافع مولى ابن عمر، وعمر بن عبد العزيز، وغير هؤلاء كثير[75].

وهو المشهور من مذهب الشافعي[76] كما هو معلوم، وهذا أيضًا ذُكر على أنه رواية للإمام أحمد[77]، ولكن قال ابن قدامة: "لا تختلف الرواية عن أحمد أن الجهر بها غير مسنون"[78].

وعلى كل حال، مضى في الكلام على أدلة القائلين بوجوب قراءة البسملة في الصلاة، فهم يذكرون هذا في الكلام على الجهر بها باعتبار أن الصحابة كتبوها في المصاحف، مع أنهم جردوا المصاحف من غير القرآن، فقالوا: تقرأ كما يقرأ القرآن؛ فإذا قرأ جهرًا جهر بها، والواقع أن ذلك ليس بلازم، وأن المعول عليه هو هدي النبي ﷺ في القراءة، فما كان النبي ﷺ يجهر بالبسملة.

وكذلك ما جاء عن نُعيم بن المُجمر لما قال: ((صليت وراء أبي هريرة))، وذكر فيه: ((أنه قرأ بسم الله الرحمن الرحيم، وأنه قال: إني لأشبهكم صلاة برسول الله ﷺ)) ، وعرفنا الجواب عن هذا، وذلك أن هذه الرواية أو هذا الحديث فيه ضعف من جهة الإسناد.

وكذلك أيضًا قالوا: هذا قد يكون استنباطًا من أبي هريرة  أو ذكر مجموع الصلاة، وليس يعني بالضرورة الجهر، أو أنه جهر بها من أجل التعليم أن النبي ﷺ كان يقرأها، فيقول: ((أشبهكم صلاة برسول الله ﷺ))، فيُعلمهم مشروعية القراءة.

كذلك ما جاء من حديث أنس  أن معاوية  لما قِدم المدينة صلى بهم فلم يجهر بالبسملة، قالوا: فأنكر عليه المهاجرون والأنصار، فأعاد بهم الصلاة وجهر بهم[79].

فهذا باطل لا يصح بحال من الأحوال لا يثبت عن معاوية ، وممن ضعفه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- من ستة أوجه، وقال: بأنه باطل[80].

وتكلم الزيلعي عليه وبين أنه لا يصح بحال[81].

كذلك يحتجون بما جاء عن أنس : ((أنه سُئل عن قراءة النبي ﷺ فقال: كانت مدًا يمد بسم الله))، إلى آخره، كما سبق.

وكذلك حديث أُم سلمة في تقطيع قراءته ﷺ: بسم الله الرحمن الرحيم، إلى آخر الحديث الذي سبق.

قلنا: بأن هذا ليس بالضرورة أنها منها من الفاتحة، وكذلك ليس هناك ملازمة في موضوع الجهر.

ويحتجون بأن النبي ﷺ كما جاء في حديث أنس : ((أنه كان يجهر بالقراءة ببسم الله الرحمن الرحيم))، فهذا تكلم عليه أهل العلم في صحته.

وكذلك أيضًا قالوا: هذا يُعارض به ما ثبت في الصحيحين وغيرهما أن أنس  قال: ((أن النبي ﷺ والخلفاء الراشدين لم يكونوا يجهروا بها))، فهذه الأحاديث التي يحتجون بها إما ضعيف أو موضوع أو مما لا حُجة لهم فيه كما ذكر ذلك جمع من أهل العلم.

وقد قال الدراقطني -رحمه الله-: "كل ما روي عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في الجهر فليس بصحيح، وأما عن الصحابة فمنه صحيح، ومنه ضعيف".

قال ابن الجوزي بعد ما نقل كلام الدارقطني: "ثم إن بعد ذلك نحمل أحاديثهم على أحد أمرين: إما أن يكون جهر بها للتعليم، كما روي أنه كان يصلي الظهر ويُسمعهم النبي ﷺ الآية والآيتين بعد الفاتحة أحيانًا"[82].

وقال ابن قدامة: "بأن سائر أخبار الجهر ضعيفة، وأن رواتها هم رواة الإخفاء، وأن إسناد الإخفاء صحيح ثابت بغير خلاف، فدل على ضعف رواية الجهر"[83].

هذا المعنى ذكره جماعة من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية[84]، والحافظ ابن القيم -رحمه الله-[85]، فقد قرر أن صحيح تلك الأحاديث غير صريح وأن صريحها غير صحيح.

وعلى كل حال، المسألة مبسوطة معروفة في كتب أهل العلم من كتب الفقه، وشروح الحديث، وتناولها بعض المفسرين، وصنف بعضهم في ذلك مصنفات.

القول الآخر: أنه يُسن الإسرار بالبسملة في الصلاة مطلقًا، وهذا قول الجمهور من المحدثين والفقهاء، وغيرهم فهذا الثابت الصحيح عن النبي ﷺ وعن الخلفاء الراشدين[86]، وعن جمع من الصحابة كأنس[87] وعائشة[88] وهو المروي عن ابن عباس[89] وبه قال ابن مسعود، وابن الزبير، وعمار بن ياسر، وعروة بن الزبير، وجمع من التابعين كابن سيرين، وإبراهيم النخعي[90]، والحسن وقتادة[91]، وغير هؤلاء كثير، جماعة ممن روي عنهم الجهر الواقع أن المروي عنهم أيضًا الإسرار سواء من الصحابة أو من التابعين.

وهذا قول أبي حنيفة وأصحابه[92]، وأحمد[93]، وابن المبارك، وإسحاق بن راهوية[94]، وهو قول أبي عُبيد[95] وأيضًا جماعة من أصحاب الشافعي[96] وغيرهم.

ويحتجون بأدلة صحيحة ثابتة صريحة كحديث أنس  السابق أنهم لم يكونوا يجهروا لا النبي ﷺ ولا الخلفاء الراشدين.

وكذلك جاء في ألفاظه: ((كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين))[97].

وكذلك: ((صليت خلف النبي ﷺ وأبي بكر وعثمان، فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة، ولا في آخرها))[98].

وفي بعض ألفاظه: ((صليت مع رسول الله ﷺ وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدًا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم))[99].

وجاء في الألفاظ: ((صلى بنا رسول الله ﷺ فلم يُسمعنا قراءة بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى بنا أبو بكر وعمر فلم نسمعها منهما))[100].

وفي بعض الألفاظ: ((صليت خلف رسول الله ﷺ وأبي بكر وعمر وعثمان ، فلم أسمع أحد منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم))[101].

هذه الألفاظ إذا جمعتها كلها تدل على وتؤكد على أنهم ما كانوا يجهرون بها، وتُراجع هذه الألفاظ، فهذا بعض منها، بل قال الدارمي -رحمه الله- في السنن: "باب كراهية الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم"[102]، وهذا التبويب الذي تجدونه عند الدارمي وتجدونه عند ابن خُزيمة وابن حبان هو فقه في تراجم تلك الأبواب، فيحسُن تتبعه ومراجعته لطالب العلم.

وقال شيخ الإسلام رحمه الله: "أما حديث أنس  في نفي الجهر حديث صحيح بأنه صريح لا يحتمل التأويل"[103].

فقوله هنا: ((بأنه صلى خلف النبي ﷺ وأبي بكر وعمر وعثمان، فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها))، فلا يجزم بمثل هذا إلا مع العلم بهذا، لا يكون مجرد استنباط أو ظن.

وهكذا جاء في حديث عائشة -ا-: ((كان رسول الله ﷺ يفتتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد))، هذا يدل على عدم الجهر.

كذلك حديث أبي هريرة : ((كان النبي ﷺ إذا نهض إلى الركعة الثانية استفتح القراءة ولم يسكت)) كما سبق.

وحديث أبي هريرة أنه قال: قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، فما ذكر البسملة، قال ابن قدامة: "وهذا يدل على أنه لم يذكر بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ولم يجهر بها"[104].

وعلى كل حال، هذه الأدلة التي سبقت يحتجون بها أيضًا على ترك الجهر، ويقول شيخ الإسلام: "بأن النبي ﷺ لم يثبت عنه أنه كان يجهر بها، والأحاديث الصريحة بالجهر كلها ضعيفة أو موضوعة"[105]، إلى آخر ما ذكر.

القول الثالث: أن المصلي مُخير بين الجهر والإسرار، وهذا جاء عن بعض الفقهاء كإسحاق بن راهوية[106]، وجماعة كابن أبي ليلى[107]، والحكم بن عُتيبة[108]، واختاره ابن حزم[109].

فهؤلاء كأنهم أرادوا الجمع بين الأدلة التي ذُكر فيها الجهر، والأدلة التي ذُكر فيها الإسرار، مع أن أدلة الجهر محمولة على التعليم، لا أنه يواظب على ذلك.

والحافظ ابن كثير -رحمه الله- نقل الإجماع على صحة صلاة من جهر بالبسملة، ومن أسر بها[110].

لكن الكلام في المشروع، ما هو المشروع؟ مع أنه قد يجهر بها أحيانًا للمصلحة بلا إشكال، وأن الحاجة إذا كانت داعية إلى الجهر أو الإسرار من أجل تأليف القلوب عند من يرى الجهر مثلًا، فيترك الجهر عند قوم لا يرونه، أو العكس.

وغاية ما هنالك أن ترك الجهر لا تبطل به الصلاة حتى عند القائلين بأن البسملة آية من الفاتحة، وهنا أيضًا يمكن أن يُضاف إلى ذلك كما أن البسملة تُقرأ في أول الفاتحة، وفي أوائل السور عدا براءة، كذلك أيضا تُشرع في ابتداء الكتب والرسائل والخُطب، ونحو ذلك فالقرآن ابُتدئ بالبسملة.

وكذلك أيضًا كتب النبي ﷺ لما كتب إلى هرقل مثلًا: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله ﷺ إلى هِرقل عظيم الروم[111].

وكذلك كتاب سُليمان لملكة سبأ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [النمل:30]، وتُشرع في مواضع أخرى عند الوضوء والدخول إلى المسجد، والخروج منه، وعند الركوب، والذبح، والصيد، وعند الأكل، والجماع، والخروج من المنزل، والصباح والمساء، والنوم، وعند دخول الخلاء، كل هذا جاء في أحاديث صحيحة معروفة.

"الرابعة: كانوا يكتبون باسمك اللهم حتى نزلت، وفي نسخة خطية حتى نزل: بِاِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا [هود:41]، فكتبوا باسم الله حتى نزلت: أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ [الإسراء:110]، فكتبوا بسم الله الرحمن حتى نزل: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [النمل:30]، فكتبوها، وحذفت الألف في باسم الله لكثرة الاستعمال، وفي نسخة خطية وحُذفت الألف من باسم الله".

هذا التدرج الذي ذكره يحتاج إلى دليل، وإذا قيل: بأنها آية من السورة، فمعنى ذلك أنها كانت تنزل مع السور هكذا بهذا اللفظ: "بسم الله الرحمن الرحيم" لأول وهلة من أول الأمر، وعلى القول بأنها آية مستقلة للفصل بين السور فتكون نازلة من أول ما نزل من القرآن للفصل بين السور، وأن هذا التدريج لم يدل عليه دليل، إنما لفظ البسملة هو هكذا "بسم الله الرحمن الرحيم".

وهذا على كل حال هو المشروع فيما يتصل بالقراءة عند جميع القُراء وباتفاق أهل العلم، فلا يصح أن يقرأ أو يقول عند القراءة: باسمك اللهم أقرأ، ولا يقول عند الذبح أيضًا باسمك اللهم أذبح، وإنما يقول بسم الله، ولا يقول باسمك اللهم مثلًا، أو نحو ذلك.

يقول: "كانوا يكتبون، يقول: فكتبوها وحُذفت الألف في باسم الله؛ لكثرة الاستعمال"، حُذفت الألف لفظًا وخطًا، قالوا هكذا تخفيفًا لكثرة الاستعمال، ولا تُحذف إلا مع لفظ الجلالة بسم الله، لكن لو قال باسم الرحمن فإنها لا تُحذف اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق: 1]، بإثبات الألف، وإذا أُضيف اسم إلى لفظ الجلالة فإنها تُحذف؛ لكثرة الاستعمال.

وبعضهم يقول: ليوافق الخط اللفظ، وبعضهم يقول: لا حذف أصلًا؛ وذلك لأن الأصل سِم سِمُ، أو سُمُ بدون واو سُمُ بكسر السين أو ضمها، فلما دخلت الباب سُكنت السين تخفيفًا؛ لأنه وقع بعد الكسرة كسرة أو ضمة، فالله تعالى أعلم، لكن المشهور هو أن ذلك كان للتخفيف.

وقد ذكر الخليل بن أحمد -رحمه الله- أنها حُذفت الألف في بسم الله؛ لأنها إنما دخلت بسبب أن الابتداء بالسين الساكنة غير مُمكن، فلما دخلت الباء على الاسم نابت عن الألف، فسقطت في الخط، وإنما لم تسقط في اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق: 1]؛ لأن الباء لا تنوب عن الألف في هذا الموضع كما في بسم الله، يمكن حذف الباء من اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، مع بقاء المعنى صحيحًا، وهذا ظاهر لو تأملته، فإنك لو قلت: اقرأ اسم ربك، صح المعنى، أو لو حذفت الباء من باسم لم يصح المعنى سم ربك فهذا هو الفرق عند الخليل بن أحمد[112].

"الخامسة: الباء من بسم الله متعلقة باسم محذوف عند البصريين والتقدير ابتداء كائن بسم الله فموضعها رفع، وعند الكوفيين تتعلق بفعل تقديره أبدأ، أو أتلوا فموضعها نصب، وينبغي أن يُقدر متأخرًا لوجهين: أحدهما: إفادة الحصر والاختصاص، والآخر: تقديم اسم الله تعالى اعتناء كما قدم في بِاِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا [هود:41]".

الجار والمجرور (بسم الله) في محل نصب متعلقان بفعل محذوف، هذا الفعل المحذوف قدره الكوفيون متقدمًا، يعني: هم اختلفوا هل المُقدر اسم أو فعل، وهل هو مُقدم أو مؤخر وهل هو عام أو خاص، هذا محور كلام أهل العلم، أولًا: هل هو اسم أو فعل؟ ثانيًا: هل هو مقدم أو مؤخر؟ ثالثًا: هل هو عام أو خاص؟

فالكوفيون قالوا: بأنه فعل المقدر فعل محذوف وهو متقدم مثل: أبتدئ، وأبتدئ هذا عام أو خاص؟ عام يصح للذبح، والقراءة، والأكل، والنوم ونحو ذلك، أبتدئ بسم الله، ومثل اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق:1].

وبعضهم قدره فعلًا متأخرًا بسم الله أبتدئ، هذا إذا قلنا بأنه عام، وعلى القول بأنه خاص يقول: اقرأ بسم الله، تقديره فعل خاص يعني اقرأ، وإذا كان البسملة في الأكل أو للأكل؛ فإنه يقول: آكل بسم الله، أذبح بسم الله، وإذا كان متأخرًا باسم الله أذبح، بسم الله آكل، بسم الله أركب، بسم الله اقرأ، وهكذا.

وبعضهم يقولون: إنه متعلق باسم محذوف وقع خبرًا على تقدير البصريين، وأكثر النحويين يقولون: إنه متقدم ابتدائي كائن بسم الله، أو مستقر بسم الله، أو ابتدائي بسم الله.

وبعضهم يُقدره متأخرًا وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِاِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا [هود:41]، لاحظ هنا متأخر مَجْرَاهَا، وهو أيضًا المقدر هنا اسم، فهذا يحتج به من يقول بأنه اسم وأنه مؤخر وأنه خاص مَجْرَاهَا، فهنا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا يدل على هذا عند من قدّره اسمًا متأخرًا خاصًا مع أن بعضهم يقدره عامًا، بسم الله ابتدائي يقولون: ليصلح ذلك لكل شيء. والذين يقدرونه خاصًا يقولون: ليكون أعلق بالمراد. وكما يدل عليه الآية: بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا، وكذلك أيضًا يحتج من يقول: بأنه فعل وأنه متأخر وأنه خاص. يقولون: لأن الأصل في العمل هو الأفعال وليس الأسماء. فهي تعمل بدون شروط، أما الأسماء فما يعمل منها كاسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة إنما يعمل بشروط، قالوا: تقدير ذلك أنه فعل أولى من تقديره بالاسم؛ لأن الأصل الأفعال في العمل. وهل يكون متأخرًا أو متقدمًا؟ قالوا: يكون متأخرًا. لماذا؟ قالوا: تيمنًا وتبركًا بالبداءة بـ (بسم الله)، وأن هذا هو المقصود فلا يذكر شيء قبله. يقول: أذبح، أقرأ بسم الله. وأيضًا لإفادة الحصر فإن تقديم الجار والمجرور يفيد الحصر، بسم الله يعني لا باسم غيره أذبح، بسم الله يعني لا باسم غيره أقرأ، فهذا يفيد الحصر، تقديم ما حقه التأخير كما في قوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: 5]، يعني لا أقرأ إلا بسم الله، ولا أذبح إلا بسم الله، وهكذا. قالوا: ويكون خاصًا لا يكون عامًا؛ لأنه أدل على المقصود وأبين للمراد. يكون فعلًا ومتأخرًا وخاصًا، فعند القراءة يكون التقدير: بسم الله أقرأ. عند الوضوء: بسم الله أتوضأ. عند الذبح: بسم الله أذبح. والآية التي سبقت تدل على هذا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا، لكنه لم يذكر الفعل، ولكن احتجوا به على التخصيص، وقالوا: إن قوله: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق:1].

وكذلك قول النبي ﷺ: من لم يذبح فليذبح بسم الله[113]، كل هذا يحتجون به على التخصيص، أنه في كل موضع يُذكر ما يناسبه، وعلى كل حال الأمر في ذلك يسير.

"السادسة: الاسم مشتق من السمو عند البصريين فلامه واو محذوفة، وعند الكوفيين مشتق من السِمة وهي العلامة ففاءه محذوفة، ودليل البصريين التصغير والتكبير؛ لأنهما يردان الكلمات إلى أصولها[114]، وقول الكوفيين أظهر في المعنى؛ لأن الاسم علامة على المُسمى".

يقول: الاسم مشتق من السمو عند البصريين. بسم الله الباء هذه للاستعانة والاسم بعضهم يقول: إنه مأخوذ من الوسم وهو العلامة؛ لأن الاسم علامة على ما وضع له. هذا قول الكوفيين وطائفة من النحاة. القول الآخر قول البصريين وأكثر النحاة: أنه مأخوذ من السمو وهو العلو والارتفاع باعتبار أن الاسم يسمو بالمسمى فيرفعه عن غيره. وقيل: لأن الاسم علا بقوته على الفعل والحرف؛ لأنه الأصل. فالذين يقولون بأن الاسم علامة على من وضع له، الآن إذا نظرت إلى تصريف الاسم، نظرت إلى جمعه مثلًا فإن ذلك قد يؤيد قول البصريين بأنه من السمو وهو العلو والارتفاع، وهو يُجمع على أسماء وأسامي ويصغر على سُمي، ولو كان من السمة لكان أصله وسم، ويجمع على أوسام، ويصغر على وسيم؛ لأن الجمع والتصغير كما ذكر ابن جزي يردان الأسماء أو يردان الأشياء إلى أصولها. وأولئك نظروا إلى أن الاسم يرفع المسمى فيكون فيه معنى العلو والارتفاع، يميزه عن غيره فيكون فيه معنى، فالذين قالوا من السمة العلامة باعتبار أنه يميزه عن غيره قالوا من السمو؛ لأنه يرتفع به المسمى.

على كل حال، الأمر في ذلك يسير، فـ (اسم) هذا مفرد أضيف إلى لفظ الجلالة بسم الله، وهو معرفة يعني اسم هنا نكرة أضيف إلى لفظ الجلالة وهو أعرف المعارف فهذه الإضافة تكسبه العموم، فيعم جميع أسماء الله تبارك وتعالى الحسنى، كأنك تقول: أبدأ مستعينًا بكل اسم لله. الباء للاستعانة مستعينًا بكل اسم لله تبارك وتعالى. أذبح مستعينًا بكل اسم لله تبارك وتعالى. آكل مستعينًا بكل اسم لله تبارك وتعالى. اسم مفرد مضاف إلى معرفة وهذه الإضافة تكسبه العموم، والله أعلم.

"السابعة: قولك: الله، اسم مرتجل جامد والألف واللام فيه لازمة لا للتعريف، وقيل: إنه مشتق من التأله وهو التعبد، وقيل: من الولهان وهي الحيرة لتحير العقول في شأنه، وقيل: أصله إله من غير ألف ولام ثم حُذفت الهمزة من أوله على غير قياس، ثم أُدخلت الألف واللام عليه، وقيل: أصله الإله بالألف واللام ثم حُذفت الهمزة ونُقلت حركتها إلى اللام كما تُنقل في الأرض وشبهه فاجتمع لامان فأُدغمت إحداهما في الأخرى وفُخم للتعظيم إلا إذا كان قبله كسرة".

هذا الاسم الكريم (الله) يقول: اسم مرتجل جامد. جامد يعني غير مشتق، والأرجح أن جميع الأسماء الحسنى مشتقة، والأسماء الحسنى لا شك أنها أبلغ من الجامدة؛ وذلك أنها إذا كانت مشتقة فهي متضمنة لأوصاف الله تبارك وتعالى، فهذا الاسم الكريم هو أعرف المعارف كما قال سيبويه -رحمه الله- وهو أصل أسمائه الحسنى، وهو دال عليها وعلى جميع الصفات، وقد ذكرنا في بعض المناسبات قول من قال: بأنه هو الاسم الأعظم. ومما احتجوا به أن جميع الأسماء تعود إليه لفظًا ومعنى، أما لفظًا باعتبار أنها تُعطف عليه، وأما معنى فإن الإله المألوه هو الذي يكون ربًا وخالقًا ورازقًا محيًا غنيًا سمعيًا بصيرًا عليمًا ... إلخ، ولا بد فهو متضمن لأوصاف الكمال، فقد ذكر بعض أهل العلم أنه هو الاسم الأعظم وهو قول قوي لعله أقوى الأقوال في ذلك، وقد مضى الكلام على هذا في مقدمات الأسماء الحسنى.

وعلى كل حال، فهل هذا الاسم مشتق أو غير مشتق هذه مسألة خلافية عند أهل السنة، ولا يترتب عليها شيء مما يتصل بالبدعة، فبعضهم يقول: إنه مرتجل غير مشتق.

يعني جامد، وأن الألف واللام لازمة له لا لتعريف ولا لغيره، يعني لا تفيد التعريف، وهذا قال به الخليل، وسيبويه وهؤلاء من أهل السنة كما هو معروف، وهذا قول أكثر الأصوليين والفقهاء، وقال به من أصحاب معاني القرآن الزجاج[115].

والقول الآخر: أنه مشتق.

واختلفوا في اشتقاقه، فبعضهم يقول: من أله إذا عبد فهو مصدر في موضع المفعول أله الرجل يأله إلاهة إذا تعبد وتأله. وبعضهم يقول غير ذلك، في كلام لأهل العلم كثير في هذا في مادة الاشتقاق، لكن المهم أن نعرف أنه مشتق، ومعنى هذا الاسم الكريم (الله): أي المألوه والمعبود الذي تعبده الخلائق وتتأله له محبة وتعظيمًا وخضوعًا، وتفزع إليه في النوائب والحوائج وما إلى ذلك، وهذا يتضمن صفة الإلهية وهي أوسع الصفات.

"الثامنة: الرحمن الرحيم، صفتان من الرحم، ومعناهما: الإحسان فهي صفة فعل، وقيل: إرادة الإحسان فهي صفة ذات".

قوله: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: صفتان من الرحم ومعناها؛ الإحسان فهي صفة فعل. هذا تأويل واضح الرحمة يؤولها الأشاعرة ومن وافقهم من المتكلمين بأنها إرادة الإحسان، فهذا تفسير لها لبعض لوازمها، والصحيح أن الرحمة صفة ثابتة لله  ليست بمعنى إرادة الإحسان، ويرد على هؤلاء كما هو معلوم بأن هؤلاء فروا من إثبات الصفة، صفة الرحمة باعتبار أنه وقع في أذهانهم مشابهة المخلوقين باعتبار أن الرحمة انعطاف ورقة في القلب، قالوا: هذا لا يليق بالله  قاسوه على المخلوقين، فرحمة الله غير رحمة المخلوق، فقالوا: هي إرادة الإحسان. فنقول لهم: المخلوق له إرادة فشبهتموه أيضًا بالمخلوق بهذا الاعتبار. فسيقولون: إرادة الله تختلف عن إرادة المخلوق.

فنقول لهم: فرحمة الله تختلف عن رحمة المخلوق. قولوا في الرحمة مثل ما قلتم في الإرادة.

يقول: "ومعناها الإحسان فهي صفة فعل، وقيل: إرادة الإحسان، فهي صفة ذات". نقول: لا هذا ولا هذا، وإنما الرحمة ثابتة لله على ما يليق بجلاله وعظمته. وذكر الفرق بعده في التاسعة بين الرحمن والرحيم.

"التاسعة: الفرق بين الرحمن الرحيم، وفي النُسخة الخطية الرحمن والرحيم، على ما روي عن رسول الله ﷺ: أن الرحمن في الدنيا والرحيم في الآخرة، وقيل: الرحمن عام في رحمته المؤمنين والكافرين والرحيم خاص بالمؤمنين؛ لقوله: وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا [الأحزاب:43]، فالرحمن أعم وأبلغ، وقيل الرحيم أبلغ لوقوعه بعده على طريقة الارتقاء إلى الأعلى".

هنا هذا الحديث الذي ذكره أن الرحمن في الدنيا والرحيم في الآخرة، ذكر المحقق في التعليق عليه بأن ابن الجوزي ذكره في الموضوعات[116]، وقال ابن كثير: هذا غريب جدًا[117]، وقد يكون صحيحًا إلى من دون رسول الله ﷺ، وقد يكون من الإسرائيليات لا من المرفوعات.

"العاشرة: إنما قدم الرحمن لوجهين: اختصاصه بالله وجريانه مجرى الأسماء التي ليست بصفات".

الرحمن الرحيم اسمان ثابتان لله تبارك وتعالى مشتقان من الرحمة، ويدل على هذا حديث عبد الرحمن ابن عوف  قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: قال الله تعالى: أنا الرحمن، وهي الرحم، شققت لها اسمًا من اسمي، من وصلها وصلته، ومن قطعها بتته[118].

فالرحمن الرحيم مشتقان من الرحمة دالان على صفة الرحمة أيضًا، والرحم مشتقة من اسمه الرحمن، فالرحمن على وزن فعلان، والرحيم على وزن فعيل، وكل منهما صفة مشبهة، ومن صيغ المبالغة، لكن أيهما أبلغ؟ العلماء -رحمهم الله- ذكروا أن الرحمن أبلغ من الرحيم، مع أن الرحيم أيضًا صيغة مبالغة؛ وذلك باعتبار أن الرحمن قالوا: هذا الوزن فعلان يدل على الامتلاء. كما يقال: شبعان، غضبان. شبعان يدل على الامتلاء، وغضبان قد امتلأ أيضًا غضبًا، قالوا: ولهذا قُدم على الرحيم. وكذلك أيضًا ما ذكره ابن جرير -رحمه الله- بأن الرحمن معدول به عن نظائره، يعني يقال: رحم فهو رحيم، سمع فهو سميع. ونحو ذلك، هنا قال: رحم فهو رحمان. فعُدل به عن نظائره يعني ما قيل على وزن فعيل رحيم، قال: فالمعدول به عن نظائره يكون ذلك أبلغ في الوصف. فاعتبروا أن الرحمن أبلغ من الرحيم، وأيضًا الرحمن من الأسماء المختصة بالله  لا يسمى به أحد من المخلوقين، الله وكذلك الرحمن، وما عُرف أحد أنه تسمى بالرحمن إلا ما ذُكر عن الكذاب مسيلمة رحمان اليمامة، ما اجترأ أحد عليه لا في جاهلية ولا في إسلام، ولقد سمعت أن بعض الجهلة في هذا العصر في بعض النواحي والبوادي أنه لربما سُمي بـ رحمان وهذا منكر، لا يجوز ويجب تغييره، فالمقصود أن هذين الاسمين يدلان على صفة الرحمة.

والله  يقول: فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ [الأنعام:147]، وقال: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الأعراف:156]، وقال: كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام:12].

والأدلة على ثبوت هذا كثيرة، لكن إذا اجتمع الرحمن والرحيم فما الفرق بينهما؟ مثل ما في البسملة هنا وكذلك في الفاتحة، فهنا يفترق المعنى فبعض أهل العلم -وكأن هذا من أقرب الأقوال- واختيار الحافظ ابن القيم: بأن الرحمن يدل على الصفة أو على الرحمة الذاتية لله ، يعني يدل على ما يرجع إلى الله من هذه الصفة، والرحيم يدل على ما يتعدى منها إلى المخلوقين، تأمل قوله تبارك وتعالى: وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ [الأنعام:133]: فهذا ما يعود على الله تبارك وتعالى، الرحمة الذاتية القائمة به تبارك وتعالى، وقال تعالى: فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ[الأنعام:147]، وأن الرحيم يدل على إثبات صفة الرحمة الفعلية لله ، والصفات منها ما هو ذاتي ومنها ما هو فعلي، ومنها ما يكون ذاتيًا فعليًا. فهذه تدل على الرحمة المتعلقة بالمرحوم، فالله تبارك وتعالى فاعل الرحمة وهو موصلها إلى من شاء من خلقه، يعذب من يشاء ويرحم من يشاء إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ [الإسراء:54]، فالأول للوصف والثاني للفعل، الأول يدل على أن الرحمة صفة، والثاني يدل على أنه يرحم خلقه بهذه الرحمة، لكن إذا جاء كل واحد منهما منفردًا فذلك يدل على صفة الرحمة بإطلاق: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الإسراء:110]، و وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا [الأحزاب:43]، فهذا يدل على إثبات صفة الرحمة باعتبارها صفة ذاتية وباعتبارها أيضًا صفة فعلية لله تبارك وتعالى، والعلماء -رحمهم الله- ذكروا فروقات أخرى بين الرحمن والرحيم، هذا كأنه هو الأقرب، والله أعلم، يعني بعضهم يقول: الرحيم هذه الرحمة الخاصة بالمؤمنين، والرحمن هي الرحمة العامة. لكن هذا يُشكل عليه بعض ما جاء في آيات من كتاب الله تبارك وتعالى، يعني هم يحتجون بقوله مثلًا: وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا، قد الجار والمجرور فيدل على الاختصاص، لكن الله  أيضًا يقول: إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ [البقرة: 143]، عموم الناس، فهذا قد يكون فيه شيء من الإشكال، والله أعلم، لكن الرحمن يختص بالله، والرحيم يمكن أن يسمى به المخلوق أو يوصف به، والرحمن أبلغ من الرحيم كما عرفنا، والله تعالى أعلم.

نكون بهذا انتهينا من الاستعاذة والبسملة.

أسئلة وردت:

س: ما هو تفسير قول النبي ﷺ: الكلب الأسود شيطان؟.

جـ: هذا على ظاهره، الكلب الأسود شيطان، ولهذا النبي ﷺ رخص بقتله، وبعض أهل العلم يحمل ذلك على أنه خرج عن نظائره، لكن الحديث على ظاهره.

س: من كان رأيه أن البسملة آية من الفاتحة هل يجهر بها؟.

جـ: مضى الكلام على هذا، السؤال كان في أول الدرس.

س: كيف نذاكر ما دُرس في الغريب هل بالحفظ أم ماذا؟.

جـ: يمكن أن يحفظ ما يحتاج إليه، وهذه الأشياء التي دُرست يمكن أن تراجعها وتعيد هذه المقدمات وأن تسمعها مرارًا تُكرر سماعها في السيارة تذهب وتجيء أو تعيد سماعها وتكتب ما تحتاج إليه حتى يثبت المقدمات الأولى في علوم القرآن، وهذه المقدمة الأخرى في الغريب فهي في غاية الأهمية، كونك تدرس كتاب في غريب القرآن فإذا كررته وبهذه الطريقة، فهاتان المقدمتان هما أرضية للانطلاق في التفسير في خلفية جيدة -إن شاء الله-.

س: ما هو أفضل تفسير يتحدث عن الإعجاز اللفظي مثل التعبير بلفظة دون لفظة؟.

جـ: هذه كتب التفسير البلاغي، كذلك بيان البلاغة في القرآن، كُتب التفسير البلاغي عمومًا تُعنى بهذا، وبعض كتب إعراب القرآن للمعاصرين مثل كتاب (الجدول في إعراب القرآن)، وكذلك الكتاب الآخر عندنا كتاب الدرويش، وكتاب الحمصي، هذه الكتب يذكرون فيها الإعراب ويذكرون فيها أيضًا الجوانب البلاغية، وهناك كتب خاصة كُتبت في بلاغة القرآن تُذكر فيها هذه، لكنها مبثوثة في كتب التفسير البلاغي مثل ابن عاشور وأبي السعود وكذلك أيضًا الألوسي وقبل هؤلاء الزمخشري، تجد في البيضاوي وحواشيه، وحواشي الزمخشري أشياء من هذا لاسيما الطيبي.

س: التفسير الصحيح لمثل قوله: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ [البقرة:15].

جـ: هذا مضى الكلام عليه وأن الاستهزاء صفة ثابتة لكنها لا تكون كمالًا بإطلاق، أما المضاف منها إلى الله فلا شك أنه كمال فيكون فيمن يستحق ذلك، وأما النسيان فإن النسيان يقال بمعنيين:

الأول: الذهول عن المعلوم. قال صاحب المراقي:

ذهاب ما عُلِم قل نسيان والعلم في السهو له اكتنان

ذهاب ما علم قل نسيان: علمته ثم ذهب، وفي السهو العلم اكتن لكن سهوت عنه، فهذا النسيان هو الذي نفاه الله عن نفسه تنزه عنه: لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى [طه:52].

الثاني: النسيان بمعنى الترك. فهذا: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ [التوبة:67]، ونحو ذلك بمعنى الترك.

س: يقول: ما من مولود إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخًا إلا ابن مريم ... الحديث، وقيل: إنها في الأنبياء عمومًا، يقول: إن أهل الطب يعتبرون بكاء الطفل ظاهرة صحية وتقوم بتشجيع عمل الرئة التي تكون معطلة في بطن الجنين، هل هناك من تعارض؟.

جـ: ليس هناك تعارض، لكن ما تعليل هذا البكاء، قال أهل العلم: لا يوجد في الدنيا شر محض، إنما الشر المحض في جهنم والخير المحض في الجنة، فالدنيا ليس فيها شر محض، فينخسه الشيطان فيستهل صارخًا، حينما يستهل صارخًا يحصل به نفع للجنين؛ لذلك يقولون: بكاء الصبي حتى في غير هذه اللحظة -بعد ما يخرج من بطن أمه- بأن بكاء الصبي ينفعه في جوانب معينة تتعلق بالصوت والرئة والأوتار الصوتية، ونحو ذلك، هذا يذكره الأطباء.

س: هل يصح الاستعاذة ثم القراءة دون البسملة حتى لو كانت بداية وردي اليومي؟.

جـ: مضى الكلام على هذا.

س: هل يصح الاستعاذة والبسملة في وسط سورة براءة عند بداية القراءة للورد اليومي؟.

جـ: أما الاستعاذة فيستعيذ، أما البسملة فإنه لا يبسمل أصلًا في وسط السورة لا من براءة ولا من غيرها، فإذا كان لا يبسمل في أولها فهو لا يبسمل في وسطها.

س: هل يصح في أذكار النوم أن نقول: باسمك اللهم؟.

جـ: ورد في الحديث: باسمك اللهم أموت وأحيا، لكن الكلام فيما ورد فيه التسمية هكذا بسم الله عند القراءة أو عند الذبح أو نحو هذا فإنه لا يقول: باسمك اللهم.

س: إذا جهر القارئ بالقراءة فهل يجود الاستعاذة كتجويد القرآن أم يقرؤها كما يقرأ سائر الكلام؟.

جـ: على كل حال هي ليست من القرآن فإذا حسّن بها صوته فلا إشكال لكن القدر المطلوب هو أن يأتي بها على وجه صحيح كما تنطق العرب، هذا هو المطلوب، والله  أمر بترتيل القرآن وهي ليست منه، فإن حسّن بها صوته فهذا لا يُنكر، بل يقال ذلك في غيرها يعني كأن يحسن صوته بقراءة الحديث أو قراءة كتاب من كتب أهل العلم أو نحو هذا فمثل هذا قد جرى عليه عمل بعض الناس، والأمر في هذا يسير.

س: إذا مر القارئ بآية عذاب فهل يجهر بالاستعاذة أم يلفظها مخافتًا أم يقولها في سره سواء في الصلاة أو خارج الصلاة؟.

جـ: أما في الفرض فلا فهذا الذي يظهر، وما كان النبي ﷺ فيما يبدو -والله أعلم- يجهر بشيء إلا ما جاء من أنه كان ﷺ إذا قرأ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى:1] قال: سبحان ربي الأعلى، فهذا يُحمل على أنه في الفرض والنفل، فكون ذلك نُقل عن النبي ﷺ دل ذلك على أنه كان يسمعونه، فإذا أسر به فلا إشكال وإذا أسمعهم فلا إشكال، وهكذا كان إذا قرأ أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى [القيامة:40] قال: (سبحانك، فبلى)، كان إذا قرأ.

فيدل على المداومة فيكون ذلك في الصلاة وخارج الصلاة، فإذا أسمعهم ذلك فلا إشكال والأمر في هذا يسير، أما ما عدا ذلك إذا مر بآية رحمة ونحو هذا فهذا لم يكن النبي يفعله النبي ﷺ في الفرض، لكن لو فعله في القراءة في صلاة الليل فهذا هو المشروع الذي نُقل عن النبي ﷺ، فإذا فعله أثناء القراءة فهذا لون من التفاعل مع القراءة والتدبر فإن ساغ ذلك في النافلة فهو في خارج الصلاة من باب أولى، والله أعلم.

س: لماذا يسمي العلماء بسملة في سورة النمل إذا تكلموا في مسألة البسملة في أوائل السور، أليست بسملة النمل خارج النزاع أصلًا؟.

جـ: لئلا يفهم أنهم ينكرون أن البسملة من القرآن كما يقال: إن الاستعاذة ليست من القرآن. فيقولون: هي جزء من آية بالاتفاق كمقدمة لئلا يُفهم معنى غير المراد.

س: من قال من أهل العلم إن البسملة قد تقال في وسط السورة؟.

جـ: هذا ذكرناه وهو منقول عن الإمام الشافعي -رحمه الله- أيضًا وهذا مما لم أذكره، وقد ذكر السيوطي في الإتقان هذا.

س: حديث: باسمك اللهم أموت وأحيا، و بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا [هود:41] ألا يدل على قول من قال: إنها خاص ومؤخر؟.

جـ: على كل حال هذا يحتمل ويستدل به من يقول: بأنه مؤخر. وسمعتم أدلة كل قول.

س: في الفائدة التاسعة في الاستعاذة  في نسخة: في عداوته. وفي نسخة: في عاديته. يقول: إذ لا مطمع في زوال علة عداوته، وفي نسخة عاديته هل هي بنفس المعنى أم أن هناك فرق؟.

جـ: يصح أن يقال: عاديته. لكن الأقرب والذي يذكره أهل العلم عادة ولا سبيل إلى دفع عداوته إلا بهذا، وهو توعد وعدو إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ [فاطر:6]، لكن عاديته أيضًا بمعنى عدوان الشيطان على ابن آدم.

س: القول بأن الاستعاذة واجبة في الحِلق، حلقات التحفيظ مثلًا أو التعليم ماذا يصنعون؟ هل يكفي واحد؟.

جـ: الجواب: لا، لأن كل واحد بحاجة إلى أن يدفع عن نفسه الشيطان ووساوسه ونحو ذلك، والأمر هنا: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ [النحل:98]، فهذا يتوجه إلى كل مكلف، والله أعلم.

 

  1. أخرجه الترمذي، أبواب فضائل القرآن عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في فضل فاتحة الكتاب، رقم: (2875).
  2. أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، وإنه إذا لم يحسن الفاتحة، ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها، رقم: (395).
  3. القوانين الفقهية (ص:44)، مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (1/10)، المعونة على مذهب عالم المدينة (ص:217).
  4. البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (1/331).
  5. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (19/208).
  6. المغني لابن قدامة (1/347).
  7. انظر: مجموع الفتاوى (22/78).
  8. انظر: كلمة الحق،  أحمد محمد شاكر ، ص(124).
  9. تفسير البغوي (1/51).
  10. انظر: الاستذكار (2/173)، مجموع الفتاوى (22/441).
  11. تفسير القرطبي (1/94).
  12. المجموع شرح المهذب (3/333).
  13. زاد المسير في علم التفسير (1/14).
  14. الاستذكار (2/176).
  15. أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن، ص:(114 – 115).
  16. أخرجه أبو داود، كتاب الحروف والقراءات، رقم: (4001)، والترمذي، باب في فاتحة الكتاب رقم: (2927).
  17. أخرجه البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب مد القراءة، رقم: (5046).
  18. أخرجه النسائي، كتاب الافتتاح، قراءة {بسم الله الرحمن الرحيم} [الفاتحة:1]، رقم: (905).
  19. أخرجه الدارقطني في سننه، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة والجهر بها واختلاف الروايات في ذلك، (2/86)، رقم: (1190)، البيهقي في السنن الكبرى، باب الدليل على أن بسم الله الرحمن الرحيم آية تامة من الفاتحة، (2/67)، رقم: (2390).
  20. نصب الراية (1/344).
  21. تفسير النسفي = مدارك التنزيل وحقائق التأويل (1/26).
  22. تفسير ابن كثير (1/116).
  23. المجموع شرح المهذب (3/333).
  24. المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين (1/118).
  25. البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (1/330).
  26. تفسير البغوي (1/51).
  27. تفسير ابن كثير (1/116).
  28. الاستذكار (1/456).
  29. أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب حجة من قال: البسملة آية من أول كل سورة سوى براءة، رقم: (400).
  30. أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب من جهر بها، رقم: (788).
  31. المغني لابن قدامة (1/347)، مجموع الفتاوى (22/353).
  32. مجموع الفتاوى (22/353).
  33. المبسوط للسرخسي (1/16).
  34. المحلى بالآثار (2/283).
  35. تفسير الطبري (1/109، 147).
  36. صحيح ابن خزيمة (1/249) .
  37. المغني لابن قدامة (1/347).
  38. مجموع الفتاوى (22/276).
  39. أخرجه الترمذي، أبواب فضائل القرآن عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في فضل سورة الملك، رقم: (2891)، وابن ماجه، كتاب الأدب، باب ثواب القرآن، رقم: (3786)، والنسائي في السنن الكبرى، رقم: (11548).
  40. أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، وإنه إذا لم يحسن الفاتحة، ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها، رقم: (395).
  41. الاستذكار (1/453).
  42. انظر: مجموع الفتاوى (22/277 - 278).
  43. أخرجه البخاري، بدء الوحي،  كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله ﷺ؟ رقم: (3)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بدء الوحي إلى رسول الله ﷺ، رقم: (160).
  44. مجموع الفتاوى (22/277).
  45. مجموع الفتاوى (22/349).
  46. أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة، (1/299).
  47. أخرجه أبو داود، أبواب تفريع استفتاح الصلاة، باب من لم ير الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، رقم: (783).
  48. أخرجه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة، رقم: (599).
  49. مجموع الفتاوى (22/435).
  50. المصدر السابق (22/439).
  51. مراقي السعود (97).
  52. الإقناع في القراءات السبع (1/158)، النشر في القراءات العشر (1/259).
  53. الإقناع في القراءات السبع (1/158 – 162)، النشر في القراءات العشر (1/259 – 260).
  54. أخرجه أبو داود، أبواب تفريع استفتاح الصلاة، باب من جهر بها، رقم: (786)، والترمذي، أبواب تفسير القرآن عن رسول الله ﷺ، باب: ومن سورة التوبة، رقم: (3086).
  55. مشكل الآثار (2/155).
  56. أحكام القرآن (2/891-892).
  57. تفسير القرطبي (8/63).
  58. الاستذكار (2/181).
  59. المصدر السابق (2/176).
  60. تفسير القرطبي (1/96).
  61. المجموع شرح المهذب (3/332).
  62. انظر: مجموع الفتاوى (22/353).
  63. تبيين الحقائق للزيلعي مع حاشية  الشلبي (1/112)، وينظر: اختلاف الأئمة العلماء لابن هبيرة (1/109).
  64. مطالب أولي النهى (1/504)، والمغني، لابن قدامة (1/345).
  65. انظر: مجموع الفتاوى (22/436).
  66. النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات (1/172)، التلقين في الفقه المالكي (1/44)، اختلاف أقوال مالك وأصحابه (ص:104).
  67. مجموع الفتاوى (22/407).
  68. صحيح ابن خزيمة (1/249).
  69. أخرجه مسلم، باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة، رقم: (598).
  70. انظر: مجموع الفتاوى (22/413 - 415).
  71. النشر في القراءات العشر (1/265).
  72. الكشف عن وجوه القراءات السبع (1/11-12).
  73. انظر: السنن الكبرى للبيهقي (2/69-73).
  74. السنن الكبرى للبيهقي (2/73).
  75. انظر: تفسير ابن كثير (1/117).
  76. الأم للشافعي (1/130)، المجموع شرح المهذب (3/333).
  77. مجموع الفتاوى (22/442).
  78. المغني لابن قدامة (1/345).
  79. مسند الشافعي (ص:37).
  80. انظر: مجموع الفتاوى (22/430 - 432).
  81. انظر: نصب الراية (1/353).
  82. التحقيق في مسائل الخلاف، لابن الجوزي (1/357).
  83. المغني لابن قدامة (1/346).
  84. انظر: مجموع الفتاوى (22/415).
  85. انظر: زاد المعاد في هدي خير العباد (1/200).
  86. أخرجه الترمذي، أبواب الصلاة عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في ترك الجهر ب {بسم الله الرحمن الرحيم} [الفاتحة: 1]، رقم: (244). عن الخلفاء الثلاثة، وأخرجه عن علي عبد الرزاق في مصنفه (2/88)، رقم: (2601).
  87. صحيح البخاري (1/149)، رقم: (743)، وصحيح مسلم (1/299).
  88. صحيح مسلم، رقم: (498).
  89. مصنف عبد الرزاق الصنعاني (2/89)، رقم: (2605).
  90. مصنف ابن أبي شيبة (1/359-361).
  91. مصنف عبد الرزاق الصنعاني (2/89)، رقم: (2604).
  92. الاختيار لتعليل المختار (1/50)، المبسوط للسرخسي (1/15).
  93. شرح الزركشي على مختصر الخرقي (1/550)، المبدع في شرح المقنع (1/384)، شرح منتهى الإرادات (1/188).
  94. سنن الترمذي (2/12)، رقم: (244).
  95. تفسير القرطبي (1/96).
  96. انظر: مجموع الفتاوى (22/442).
  97. أخرجه البخاري، باب ما يقول بعد التكبير، رقم: (743)
  98. أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة (1/299).
  99. أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة، رقم: (399).
  100. أخرجه النسائي، كتاب الافتتاح، ترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، رقم: (906).
  101. أخرجه النسائي، كتاب الافتتاح، ترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، رقم: (907).
  102. سنن الدارمي (ص:319).
  103. انظر: مجموع الفتاوى (22/410).
  104. المغني لابن قدامة (1/346).
  105. انظر: مجموع الفتاوى (22/422).
  106. القطع والائتناف، للنحاس، (1/106).
  107. أحكام القرآن للجصاص (1/16).
  108. القطع والائتناف، للنحاس، (1/106).
  109. انظر: المحلى بالآثار (2/284).
  110. تفسير ابن كثير (1/118).
  111. أخرجه البخاري، كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله ﷺ؟ رقم: (7).
  112. انظر: تفسير الرازي (1/103).
  113. أخرجه البخاري، أبواب العيدين، باب كلام الإمام والناس في خطبة العيد، وإذا سئل الإمام عن شيء وهو يخطب، رقم: (985)، ومسلم، كتاب الأضاحي، باب وقتها، رقم: (1960).
  114. وفي نسخة: لأنهما يردّان الكلمات إلى أصولها، فقول العرب: أسماء وسمي دليل على أن الفاء هي السين وأن اللام حرف علية، وقول الكوفيين ... إلخ.
  115. انظر: تفسير أسماء الله الحسنى للزجاج (ص:25)، تفسير القرطبي (1/102)
  116. الموضوعات لابن الجوزي (1/204).
  117. تفسير ابن كثير  (1/119).
  118. أخرجه داود، كتاب الزكاة، باب في صلة الرحم، رقم: (1694).

مواد ذات صلة