الجمعة 20 / جمادى الأولى / 1446 - 22 / نوفمبر 2024
(012-ب) من قوله تعالى (واتبع ملة إبراهيم..) الآية 124 – إلى قوله تعالى (وإن يتفرقا يغن الله) الآية 129
تاريخ النشر: ٢٤ / رجب / ١٤٣٨
التحميل: 886
مرات الإستماع: 1003

قوله: "وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ [النساء:125] أي: دين الإسلام".

"أي: دين الإسلام" باعتبار أن الملة في الأصل تُقال للدين والطريقة، ويُعبر بها أيضًا عن أصول الشرائع، مشتقة من أمللت أي أمليت؛ لأنهم يقولون: تُبنى على مسموع متلو، ملة يقولون: إذا أُريد بها الدين باعتبار الدعاء إليه قيل: ملة، وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ [النساء:125] وإذا أُريد باعتبار الطاعة والانقياد له قيل: دين، هذا متى يُقال دين؟ ومتى يُقال ملة؟ الملة هي الدين، لكن عند من فرق بين الملة والدين، فالملة تُستعمل في مقام الدعاء إلى الدين وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ [النساء:125] ولم يقل: اتبع دين إبراهيم، وإن أُريد باعتبار الطاعة أو الانقياد قيل: دين، هذا دين الأنبياء، وهذا دين المسلمين، وهذا دين الإسلام إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ [البقرة:132]، ولم يقل: إن الله اصطفى لكم الملة.

"حَنِيفًا [النساء:125] حالٌ من المتبع، أو من إبراهيم".

أن اتبع ملة إبراهيم حال كونك حنيفًا، أو وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ [النساء:125] حال من إبراهيم، حال كونه حنيفًا، والحنف مضى كلام عليه، فالكثير يفسره بالميل عن الشرك إلى التوحيد، وهذا المعنى بناءً على ما ورد عند جمعٍ من أهل اللغة، وذكرت لكم حينها قول أم الأحنف بن قيس حينما كانت ترقصه، وهو صغير، وتقول:

والله لولا حنفٌ في رجله ما كان في فتيانكم من مثله[1]

فالحنف: هو الميل في القدمين، تميل إحداهما إلى الأخرى، مع أن بعض أهل العلم لا يُسلم بهذا، وابن جرير -رحمه الله- يرى أنه بمعنى الاستقامة[2]، وبين المعنيين ملازمة، فالذي يستقيم على الإيمان والتوحيد فذلك يقتضي أنه مائل عما سواه، من الشرك والضلال والكفر، فإبراهيم لا شك أنه حنيف، إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا [النحل:120] بهذا الاعتبار وهو بأن حنيفًا أنه حال من إبراهيم هذا تشهد له هذه الآية.

وعلى القول بأن ذلك يرجع إلى المتبع، أي اتبع ملة إبراهيم حال كونك حنيفًا، كما قال الله : حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ [الحج:31] فهذا صحيح أيضًا، فالمتبع مأمورٌ بأن يكون حنيفًا، وإبراهيم كان حنيفًا.

"وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً [النساء:125] أي: صفيًا، وهو مشتقٌ من الخُلة، بمعنى المودّة، وفي ذلك تشريفٌ لإبراهيم، وترغيبٌ في اتباعه".

يقول: "وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً [النساء:125] أي: صفيًا، وهو مشتقٌ من الخُلة" اللسان يسبق أحيانًا بأشياء لا يريدها المتكلم، فأحد الإخوان ذكر لي أني قلت: المرأة المترجلة، والمترجلة التي تمشي على رجليها، يقال: ترجلت المرأة أي: نزلت عن مركبها مثلاً وصارت على قدميها، وترجل الفارس، ونحو ذلك، الصحيح أن يقال: المرأة المسترجلة، فإذا كنت قلت: مترجلة، فهذا مني سبق لسان.

هنا يقول: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً [النساء:125] قال: "أي: صفيًا، وهو مشتقٌ من الخُلة" بالضم؛ لأن الخَلة هي الحاجة، والخُلة هي درجة عالية في المحبة، كما هو معلوم، فهي كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: الخلة هي كمال المحبة، المستلزمة من العبد كمال العبودية لله، ومن الرب سبحانه كمال الربوبية لعباده الذين يحبهم ويحبونه[3].

ويقول هنا: "أي: صفيًا، وهو مشتقٌ من الخُلة بمعنى المودّة" يعني نهاية المحبة، يُقال لها: خُلة، كأنها تخللت روح المحب وقلبه، حتى لم يبقَ فيه موضع لغير المحبوب، فلا تدع فيه خللاً إلا ملأته، هذا تفسير الخُلة في اللغة، لكنها من الله -تبارك وتعالى- تدل على كمال المحبة، وما في ضمن ذلك من كمال الربوبية؛ وذلك يعني أن هذا العبد بمنزلةٍ عند الله -تبارك وتعالى-.

والمعتزلة لأنهم ينفون الصفات، يقولون في قوله: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً [النساء:125] أي: فقيرًا، وهذا غلط؛ لأنهم فسروه بالخَلة التي هي الحاجة، ثم هذا التفسير لا يستقيم، فإذا كان اتخذه فقيرًا فكل الخلق فقراء إلى الله، أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ [فاطر:15] فهذا لا يخرج منه مخلوق، فما مزية إبراهيم بهذا الاعتبار؟! وقول النبي ﷺ: لو كنت متخذًا من أهل الأرض خليلاً هل معناه فقيرًا؟ هذا لا يمكن لاتخذت ابن أبي قحافة خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الله[4].

س: هل من هذا الباب قول القائل:

قد تخللت مسلك الروح مني وبذا سُمي الخليل خليلاً؟[5]

نعم هو كذلك، قيل لها ذلك؛ لأنها تتخلل قلب المحب، فلا يبقى فيه موضع للاشتغال بغير محبته.

"وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ [النساء:127] أي: يسألونك عما يجب عليهم في أمر النساء".

يعني ليس في ذوات النساء؛ لأن الأحكام لا تُناط بالذوات، مثل قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ [النساء:23] يعني الاستمتاع بأمهاتكم، وهكذا حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ [المائدة:3] يعني أكل الميتة، فهنا يوجد مقدر محذوف، فقوله: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ [النساء:127] يعني عما يجب عليهم في أمر النساء.

"وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ [النساء:127] عطفٌ على اسم (الله) أي: يفتيكم الله، والمتلوّ في الكتاب يعني القرآن".

وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ [النساء:127] (ما) هذه اسم موصول، والتقدير: والذي يُتلى عليكم، وهو مبني في محل رفع، على أنه معطوف على ضمير الفاعل في (يفتيكم) يعني: الله، والتقدير: الله يفتيكم فيهن والمتلو في الكتاب، يعني والمتلو في الكتاب يفتيكم فيهن، يعني والذي يُتلى عليكم في الكتاب يفتيكم في شأن النساء.

"فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ [النساء:127] كان الرجل من العرب يتزوّج اليتيمة من أقاربه بدون ما تستحقه من الصداق".

وفي أسباب النزول جاء عن عروة بن الزبير أنه سأل عائشة -ا-عن قول الله: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [النساء:3] قالت: يا ابن أختي هي اليتيمة تكون في حجر وليها تشاركه في ماله، فيعجبه مالها وجمالها، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يُقسط في صداقها، فيعطيها مثلما يُعطيها غيره، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يُقسطوا لهن، ويبلغوا بهن أعلى سنتهن من الصداق، وأُمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن.

قال عروة: قالت عائشة: ثم إن الناس استفتوا رسول ﷺ بعد هذه الآية فيهن، فأنزل الله : وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ [النساء:127] الآية، فهذا الشاهد، قالت: والذي ذكر الله تعالى أنه يُتلى عليكم في الكتاب الآية الأولى التي قال الله فيها: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:3] قالت عائشة -ا-: وقول الله في الآية الأخرى وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ [النساء:127] رغبة أحدكم عن اليتيمة التي تكون في حجره، حين تكون قليلة المال والجمال، فنُهوا أن ينكحوا ما رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء، إلا بالقسط، من أجل رغبتهم عنهن، وهذا مُخرج في الصحيحين[6].

"فقوله: مَا كُتِبَ لَهُنّ [النساء:127] يعني ما تستحقه المرأة من الصداق، وقوله: وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ [النساء:127] يعني: لجمالهن ومالهن من غير توفية حقوقهن، فنهاهم الله عن ذلك أول السورة، في قوله: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى [النساء:3] الآية".

وهذا الذي أشارت إليه عائشة -ا-.

"وهذه الآية هي التي تُليت عليهم في يتامى النساء".

قوله تعالى: وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ [النساء:127] يحتمل أن يكون المعنى: أنه يرغب في نكاحها لجمالها أو مالها، ولا يعطيها مهر مثيلاتها، ويحتمل أن يكون المعنى: وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ [النساء:127] يعني: وترغبون عن نكاحهن لقلة جمالهن، أو مالهن فيكون المعنى عكس الآخر، فهذا بعضهم يعده من قبيل المشترك من جهة التركيب، والاشتراك قد يكون في حرف، وقد يكون في اسم مثل (القرء) وقد يكون في فعل مثل (عسعس)، وقد يكون من جهة التصريف مثل (يُضار) وقد يكون من جهة التركيب، مثل هذا وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ [النساء:127] فهل هذا التركيب مقصود: وترغبون عن نكاحهن، أو ترغبون في نكاحهن، والآية إذا احتملت معنيين كلاهما صحيح، فإنه يمكن أن تُحمل على هذا وهذا، يعني يجب الإقساط إلى النساء هؤلاء اليتيمات في كل الحالات، سواء أن كان يرغب في نكاحها لجمالها أو مالها، أو لا يرغب في ذلك، فلا يجوز له أن يظلمها، والله أعلم.

"وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ [النساء:127] عطفٌ على (يتامى النساء) والذي يُتلى في المستضعفين من الولدان".

يعني ما يُتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء والمستضعفين من الولدان، وهو قوله: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ [النساء:11].

"وهو قوله: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ [النساء:11] لأن العرب كانت لا تورث البنت، ولا الابن الصغير، فأمر الله أن يأخذوا نصيبهم من الميراث".

يعني هذا تحذيرٌ من ظلم هؤلاء الضعفة، وحثٌ على أداء حقوقهم.

"وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ [النساء:127] عطفٌ على المستضعفين، أي: والذي يُتلى عليكم في أن تقوموا لليتامى بالقسط".

هنا وَأَنْ تَقُومُوا [النساء:127] هذا مصدر مؤول، معطوف على يتامى النساء، يعني: ما يُتلى عليكم في يتامى النساء، وفي المستضعفين، وفي القيام لليتامى بالعدل.

"ويجوز أن يكون منصوبًا، تقديره: ويأمركم أن تقوموا، أو الخطاب، في ذلك للأولياء، والأوصياء، أو للقضاة، وشبههم، والذي يُتلي عليهم في ذلك هو قوله: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْمًا [النساء:10] الآية، وقوله: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِل [البقرة:188] إلى غير ذلك".

يقول: "ويجوز أن يكون منصوبًا، تقديره: ويأمركم أن تقوموا" لكن هذا خلاف الأصل؛ لأن الأصل عدم التقدير، فإذا أمكن حمله على وجهٍ صحيح من غير حاجة إلى التقدير فذلك أولى.

يقول: "أو الخطاب في ذلك للأولياء"

هل هي (أو) أو (واو)؟

كأن الصواب: والخطاب وليس أو الخطاب.

"والخطاب في ذلك للأولياء والأوصياء" يعني الولي على الصغير، أو المرأة، أو الوصي على اليتيم، "أو للقضاة وشبههم".

وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ [النساء:127] فهذا الأمر بالقيام لليتامى بالقسط لا شك أن يتوجه إلى الأولياء والأوصياء، وكذلك أيضًا القضاة فلهم أيضًا ولاية أحيانًا في مثل هذا، وقد يكون هؤلاء القضاة حاكمين، في شأن اليتامى، والنساء، وقد يكون تزويجهن عن طريق القاضي، وقد يكون مال اليتيم في عهدة القاضي، ونحو ذلك، فيتوجه الخطاب إلى هؤلاء جميعًا، والله أعلم.

"وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا [النساء:128] معنى الآية: إباحة الصلح بين الزوجين إذا خافت النشوز أو الإعراض، وكما يجوز الصلح مع الخوف كذلك يجوز بعد وقوع النشوز، أو الإعراض، وقد تقدّم معنى النشوز".

(فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَصّالحَا) هذا على قراءة نافع المدني، وقرأ بها بعض البصريين، لكن قراءة عامة الكوفيين وهي التي نقرأ بها أن يُصْلحا بينهما صلحًا[7].

يقول: "معنى الآية إباحة الصلح بين الزوجين، إذا خافت النشوز، أو الإعراض" النشوز معروف، وهو ترفُّع المرأة عن طاعة الزوج، يقول: "وكما يجوز الصلح مع الخوف كذلك يجوز بعد وقوع النشوز" وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا [النساء:128] فالخوف هنا يمكن أن يُفسر بوجود أمارات النشوز، يعني إذا قويت هذه الأمارات فخافت من بعلها نشوزًا، أو كان ذلك بمعنى العلم أي علمت منه نشوزًا، فقد يفسر الخوف هنا بمعنى العلم، فيما إذا تحققت ذلك، وعلمته.

يقول: "وكما يجوز الصلح مع الخوف، كذلك يجوز بعد وقوع النشوز" وهذا لا إشكال فيه، يعني إذا رأت مقدمات ذلك، أو علمت منه أنه سيتركها، أو نحو هذا فلا بأس، وكذلك إذا وقع النشوز، فنصرف عنها زوجها "بعد وقوع النشوز، أو الإعراض، وقد تقدم معنى النشوز" وهو بمعنى: الترفع، يقال: الأرض الناشزة، المرتفعة، فأصله من الارتفاع والعلو، فإذا خشيت المرأة من زوجها الإعراض والبعد، والنيء عنها، أو البغض والكراهية، ونحو ذلك، فلا بأس أن يُصلحا بينهما صلحًا.

"وأما الإعراض فهو أخف منه، ووجوه الصلح كثيرة".

الله يقول: خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا [النساء:128] فما الفرق بين النشوز والإعراض؟ يقول: "الإعراض أخف من النشوز" يعني باعتبار أن النشوز يكون بمعنى البغض والترك بالكلية، لكن هذا إعراض بوجود شيء من الزهد فيها، ولربما شيء من النُفرة، وقلة الرغبة بهذه المرأة، فالإعراض يقول: "هو أخف منه".

وفرَّق بينهما بعضهم كالنحاس بأن: النشوز: هو التباعد، والإعراض: ألا يكلمها، ولا يأنس بها[8]، وفسره ابن جرير بأن النشوز: الاستعلاء عليها لبغضٍ أو غيره، والإعراض: الانصراف عنها بوجهه، أو ببعض المنافع[9]، وعلى تفسير النحاس، وتفسير ابن جرير واضح أن النشوز أشد من الإعراض.

"وأما الإعراض فهو أخف منه، ووجوه الصلح كثيرة: منها: أن يعطيها الزوج شيئًا، أو تعطيه هي، أو تُسقط حقها من النفقة، أو الاستمتاع، أو غير ذلك، وسبب الآية أن سودة بنت زمعة لما كبرت خافت أن يطلقها رسول الله ﷺ، فقالت له: أمسكني في نسائك، ولا تقسم لي، وقد وهبت يومي لعائشة".

وجوه الصلح كثيرة، منها: "ليعطيها الزوج شيئًا، أو تعطيه هي، أو تُسقط حقها من النفقة أو الاستمتاع، أو غير ذلك" يعني أن يصلحوا بينهم، كأن يعطيها الزوج شيئًا، أو تعطيه، مثل أن تكون هذه المرأة قد تزوج عليها مثلاً، وحصل منها نُفرة وكراهية، وتتمنع على الزوج، فأعطاها مالاً، أرضاها به، فهذا من وجوه الصلح، أو كان هذا الرجل حصلت منه نُفرة، ورغب أن يتزوج عليها، ونحو ذلك، فأعطته مالاً على أن لا يتزوج عليها، أو أن لا يُطلقها، أو قالت: مثلاً أنا أكفيك نفقة الأولاد، أو نحو ذلك فأبقاها، فهذا يكون إعطاء منها، أو يكون بالإسقاط، كأن تتنازل عن نفقاتها ليبقيها في ذمته، أو تتنازل عن ليلتها، وقد تتنازل عن جميع حقوقها، على أن يبقيها، تربي أولادها في كنفه مثلاً، وتقول: لا أريد منك لا نفقة ولا مبيت، إذا خشيت أن يطلقها.

وقد يكون النفرة من المرأة نفسها، وقد تُغلب على هذا، إما لشدة بغض، أو لأمرٍ عارض، كأن تُسحر أو يصيبها شيء من هذه العلل، فتجد في نفسها نُفرةً شديدة لا تطيق رؤيته، ولا سماع صوته، ولا سماع اسمه، ولا تطيق أن ترى ثيابه إطلاقًا.

وقد يكون ذلك من قبل الزوج لا تطيق أن تغسل ثوبه مثلاً، ففي مثل هذه الحال يمكن أن يحصل اتفاق على أن تربي أولاده، وتعيش معهم، وتُسقط حقها مثلاً في المبيت والنفقة، فهي لا تطيق أن يعاشرها، فيتفقون على إسقاط ذلك، وأن يتزوج امرأةً أخرى، وتبقى في ذمته من أجل أن يدخل ويخرج على أولاده، فهذا من وجوه الصلح، بالدفع والإعطاء، أو بالإسقاط.

وذكر سبب النزول في سودة -ا- لما كبرت وخافت أن يطلقها رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، كما جاء في حديث عائشة -ا-، في هذه الآية، قالت: الرجل تكون عنده المرأة ليس بمستكثرٍ منها، يريد أن يفارقها، فتقول: أجعلك من شأني في حل، فنزلت هذه الآية في ذلك، فهذا صريح في سبب النزول، فنزلت الآية في ذلك، لكنها لم تذكر سببًا معينًا في واقعةٍ محددة.

لكن جاء عن هشام بن عروة عن أبيه، قال: قالت عائشة -ا-: يا ابن أختي كان رسول الله ﷺ لا يفضل بعضنا على بعضٍ في القسم، من مكثه عندنا، وكان قل يوم إلا وهو يطوف علينا جميعًا، فيدنو من كل امرأةٍ، من غير مسيس، يعني إن لم تكن الليلة لها، حتى يبلغ التي هو يومها، فيبيت عندها، ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنت وفرقت أن يفارقها رسول الله ﷺ: يا رسول الله يومي لعائشة، فقبل ذلك رسول الله ﷺ منها، قالت: نقول: في ذلك أنزل الله تعالى، وفي أشباهها، أراه قال: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا [النساء:128] وهذا غير صريح في سبب النزول.

والذي قبله هو صريح لكنه لم يحدد فيه واقعة معينة.

وجاء عن عائشة -ا- قالت: كان رسول الله ﷺ إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، وكان يقسم لكل امرأةٍ منهن يومها وليلتها، غير أن سودة بنت زمعة وهبت يومها وليلتها لعائشة زوج النبي ﷺ تبتغي بذلك رضا رسول الله ﷺ[10]، وهذا ليس فيه ذكر سبب النزول، فيبقى أن القول بأن سبب النزول هو أن سودة -ا- وهبت يومها لعائشة -ا- ليس بصريح، والله أعلم.

وفي قولها: "وكان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه" فهذا هو الصحيح، وهذه هي السنة، إذا أراد إنسان أن يسافر أجرى قرعة بين نسائه، ولا يلزم أن يسافر بكل واحدة يقسم الإجازة، أو يقسم رمضان يذهب بهذه عمرة، ثم يرجع بالثانية، والثالثة، والرابعة، أو الحج يحج بهذه هذه السنة، ويحج بالأخرى السنة القادمة؛ لأنه حج بهذه في السنة الأولى، ويبقى الإنسان في حال من الانقطاع عن الأشغال بالاشتغال بهؤلاء النساء سفرًا بعد سفر، فهذا غير صحيح، وإنما يجري قرعة ومن خرج سهمها خرجت معه، ولا يُلزم أن يعوض الثانية بسفرٍ مثله، كما يفعل بعض الناس، يقسم رمضان، ويسافر أربع مرات للعمرة، كل زوجة يسافر بها في نهاية أسبوع، فيبقى الشهر كله بهذه الطريقة، هذا غير صحيح، وليس هذا من العدل المأمور به، لكن هذا فضل منه، لكن يصعب تحقيق مثل هذا، والاستمرار عليه.

وهكذا إذا أراد أن يسافر في إجازة فلا يلزم أن يقسم الإجازة أربعة أقسام، فيسافر بكل زوجة، وإنما قرعة، فمن خرج سهمها سافر بها، والباقي فرص قادمة -إن شاء الله تعالى-.

ولا يصح أن يكون من غير إجراء قرعة؛ لأنه إذا تساوت الحقوق فالقرعة، فهذه القاعدة شرعًا، اللهم إلا إذا كان السفر له اعتبار لإحداهن، كأن تكون سافر بها لاختبار، أو دراسة، أو لعلاج، أو لزيارة أهلها، وأهل الأخرى في البلد، فلا وجه لئن تطالب الأخرى أن يسافر بها؛ لأنه ذهب بهذه إلى أهلها، يقول لها: إذا انتقل أهلكِ -إن شاء الله- إلى بلدٍ آخر سافرت بكِ إليهم.

كما أنه إذا ذهب بهذه إلى أهلها في نهاية الأسبوع، فلا تطالب هذه: أن يذهب بها إلى أهلها في البلد الآخر نهاية الأسبوع، فهذا غير صحيح، بهذا يصير الرجل ألعوبة بين النساء، وهذا الذي يكون سببًا للشد والجذب والمشكلات لكثير من المعددين.

"وَالصُّلْحُ خَيْرٌ [النساء:128] لفظٌ عامٌ يدخل فيه صلح الزوجين، وغيرهما، وقيل: معناه صلح الزوجين خيرٌ من فراقهما، فخير على هذا للتفضيل، واللام في الصلح للعهد".

(ال) في الصلح عهدية، أو تكون للجنس، والصلح عمومًا خير، يعني لا يختص ذلك بالزوجين، ولا شك أن ما يتصل بالزوجين يدخل فيه دخولاً أوليًا؛ لأن السياق في ذلك، قال ابن عباس -ا-: فما اصطلح عليه من شيءٍ فهو جائز[11].

وجاء عن ابن عباس: "أن يُخير الزوج امرأته بين الإقامة والفراق" أي: أن تبقى في ذمته أو أن يفارقها "خير من تمادي الزوج على أثرة غيرها عليها"[12]، فيصطلحون على البقاء، أو الفراق، لكن ما ذُكر قبل من أن يكون ذلك بصلحٍ بدفع أو بإسقاط، دفع شيء من المال، أو نحو ذلك أو بإسقاط لبعض الحق، فهذا أقرب، والله أعلم.

ولهذا قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: بأن الظاهر من الآية أن صلحهما على ترك بعض حقهما، وقبول الزوج ذلك خير من المفارقة بالكلية[13]، كذلك لو أنه أيضًا تنازل عن بعض حقه، وقد يصعب المحاقة في ذلك، والمطالبة بالحق كاملاً، والاستيفاء؛ ولهذا جاء عن الحسن -رحمه الله- قال: ما أحب أن أستوفي حقي منها[14]، يقال: ما استوفى كريمٌ قط، فلا يستوفي يستنطف كل الحق، وإنما يكون الإغضاء والتنازل، هذا يتنازل، وهي تتنازل بعض الشيء، فيحصل الوفاق.

"وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ [النساء:128] معناه: أن الشح جُعل حاضرًا مع النفوس، لا يغيب عنها؛ لأنها جبلت عليه.

والشح هو: ألا يسمح الإنسان لغيره بشيء من حظوظ نفسه، وشح المرأة من هذا هو طلبها لحقها من النفقة والاستمتاع، وشح الزوج هو منع الصداق والتضييق في النفقة، وزهده في المرأة لكبر سنها، أو قبح صورتها".

الشُح مضى الكلام عليه، في الكلام على الغريب، والفرق بين الشُح والبخل، وقُلنا: بأن الشُح أشد من البخل، وإن اختلف العلماء في توصيف ذلك وتبيينه، هل الشح هي الصفة النفسانية، والبخل هو الممارسة العملية الذي هو الأثر العملي السلوكي؟ أو أن الشح أن يمنع حق الله ، وحقوق الخلق، والبخل يكون دون ذلك، أو أن الشح أن يبخل على نفسه، والبخل أن يبخل على الناس، أو أن الشح يكون بأن يبخل بما في يده، وبما في أيدي الناس، يعني إذا رأى أحد يتصدق وينفق ويعطي ضاق صدره، أو أن الشح يكون بإمساك ما في يده، والتطلع إلى ما في أيدي الناس، والبخل دون ذلك، فالبخل أدنى من الشح وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ [النساء:128] فالشح أصله: المنع، وهو الإفراط في الحرص، أو أنه بخلٌ مع حرص، فيكون حريصًا شحيحًا.

وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ [النساء:128] يعني أُلزمت وجُعلت حاضرةً له مطبوعةً عليه، أو "أحضرت أنفس النساء أهواءَهن، من فرط الحرص على حقوقهن من أزواجهن"[15]، كما يقول ابن جرير، يعني أنها لا تفوت شيئًا، وتريد أن تستوفي حقها، وهذا كثير، ومتى يكون عادةً ذلك؟ إذا تزوج بأخرى، تسمع أسئلة النساء غريبة، يشتري لها أدوية، وأجهزة طبية، أريد أن يعوضني، فيقال لها: إذا مرضتِ -إن شاء الله- مثلها سيشتري لكِ أدوية، وسيشتري لكِ أجهزة طبية، فاحمدي الله على العافية، أو تقول: زوجته الأولى عندها أطفال، ويشتري لهم ألعابًا، وحلوى، طيب هل يشتري لك ألعابًا وحلوى؟ ويشتري لك أرجوحة؟ فتريد أن يعوضها من الألعاب والحلوى! لماذا يشتري ألعابًا وحلوى؟

أو تقول: زوجته الأولى عندها بيت أكبر، أنا ساكنة في شقة، وهي ساكنة في فيلا، طيب أنتِ واحدة، وهذه عندها عشرة أولاد، يسكنون بشقة، غرفتين وصالة! لازم نسوي بينكم؟ فلا يشترط ذلك.

أو تقول: يسافر بها إلى أهلها، طيب وماذا يصنع يمنعها ويحرمها من أهلها؟ وأنت بجوار أهلك تدخلين وتخرجين عليهم صباح مساء.

أو تقول: نفقة البيت هناك كذا، ونفقتي كذا، وأحيانًا تكون أسئلتها بذكاء، فيقول لها مثلاً: كم يكفيكِ من النفقة؟ فتقول: مثل الذي تعطيه فلانة أعطني، فهي تريد تعرف كم يعطيها؟ لا شأن لكِ بها أصلاً، فمطالبك غير مطالبها، وحاجتك غير حاجتها، فتجد مثل هذه التصرفات التي تنبأ عن شُح، وتمسك بالحق، ذهب بها، وسافر بها في الإجازة، وبقي معها هناك عند أهلها، فهل يحل له ذلك؟ وهل يجوز؟ فهي تريد أن تقول: لا يجوز، حتى تقول له: اقرأ، هذا ظلم، حرام، فهي تتمسك بحقها كاملاً، ولا تتنازل عن شيء.

وربما الزوج أيضًا يتمسك بحقه، وتكون المشكلة أعظم إذا كان بينهما مولود طفل، فتحصل المضارة بسبب هذا الولد، فلربما تخلت عنه من أجل أن تُذيق الزوج ألوان العقاب بسبب تزوجه مثلاً عليها، أو أخذت الولد ومنعته من رؤيته وزيارته، ونحو هذا من باب المضارة والضغط على هذا الزوج، فهذا كله لا يحل ولا يجوز.

فيقول الشنقيطي -رحمه الله- في قوله: وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ [النساء:128]: أي: جعل شيئًا حاضرًا لها، كأنه ملازم لها، لا يفارقها؛ لأنها جبلت عليه[16]؛ لذلك قال الله : وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ [الحشر:9] فأضاف الشح إلى الأنفس لشدة ملازمته لها، فالشح ملازم للنفوس، مركوز فيها؛ ولهذا قال: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9] فحكم بالفلاح لمن وقي شح نفسه، والسبب كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: واتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم[17]، باعتبار أنه أدى بهم إلى سفك الدماء، وقطيعة الأرحام، وتضييع حقوق الله ، فلا يخرج الزكاة، وتضييع حقوق الخلق، كالنفقات الواجبة، ويكون سببًا للمنابذة والمقاطعة على أدنى الأشياء، فيقطع رحمه من أجل ذلك، فهذا هو الشحيح، فلا يتنازل عن شيء، ولا يُغضي، فيكون شديد الخصومة والمطالبة.

"وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ [النساء:129] معناه: العدل التام الكامل في الأقوال، والأفعال، والمحبة، وغير ذلك، فرفع الله ذلك عن عباده، فإنهم لا يستطيعون.

وقد كان رسول الله ﷺ يقسم بين نسائه، ثم يقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تؤاخذني بما لا أملك[18]، يعني: ميله بقلبه، وقيل: إنّ الآية نزلت في ميله ﷺ بقلبه إلى عائشة، ومعناها اعتذارٌ من الله تعالى عن عباده".

يقول الله: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ [النساء:129] والمقصود به العدل التام، في الأقوال والأفعال، والمحبة، وغير ذلك، فإنه وإن وقع القسم الصوري ليلةً وليلة، وهكذا في النفقة، فلا بد من التفاوت في المحبة والشهوة والجماع؛ لأنه يجب عليه القسم في المبيت، لكن لا يجب عليه إذا جامع هذه أن يجامع هذه، فقد يبيت عندها، ولا يُجامع، لكن لا يُلحق بها الضرر بالهجر، وترك الجماع، وإنما يُعاشر بالمعروف، فقد يجامع هذه كل ليلة يبيت عندها، والأخرى قد لا يجامعها في كثيرٍ من الليالي، فإذا وجد القسم الصوري فإن ذلك لا يعني وجود العدل التام فيما لا يملكه الإنسان من المحبة والشهوة، بل حتى الجماع مع أنه يملك ذلك، لكنه لا يجب عليه، كما جاء عن ابن عباس -ا-، وجماعة من السلف: كعبيدة السلماني، ومجاهد، والحسن، والضحاك[19]، فخفف الله عن العباد في مثل هذا.

ولهذا قال النبي ﷺ: اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تؤاخذني بما لا أملك[20]، وهذا الحديث عند بعض أصحاب السنن، وقد صحح إسناده الحافظ ابن كثير -رحمه الله-[21]، وضعفه الشيخ ناصر الدين الألباني[22]، رحم الله الجميع.

وقوله: اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تؤاخذني بما لا أملك[23]، يعني: الميل بالقلب "وقيل: إنّ الآية نزلت في ميله ﷺ بقلبه إلى عائشة".

وهنا يقول في الحاشية نقلاً عن ابن كثير، حيث نقل رواية ابن أبي حاتم، من طريق حسين الجعفي، عن زائدة، عن عبد العزيز بن رفيع، عن ابن أبي ملكة، قال: نزلت هذه الآية وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ [النساء:129] في عائشة، يعني أن النبي ﷺ كان يحبها أكثر من غيرها، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن... إلى آخره[24]، وذكر هذا الحديث، قال: اللهم هذا قسمي فيما أملك[25]، قال: يعني: القلب، قال: وهذا إسنادٌ صحيح[26]، لكن هذه الرواية كما ترون مرسلة، ثم في إسنادها أيضًا من هو مضعف، إضافةً إلى أنها ليست من قبيل الصريح في سبب النزول، يقول هنا: "نزلت هذه الآية في عائشة" يعني ذلك مما يدخل في المعنى، لكن الرواية أصلاً ضعيفة، فلا يُقال: أن ذلك له تعلق بأسباب النزول.

"فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ [النساء:129] أي: لا ذات زوج، ولا مطلقة".

جعل هذا المعنى عن ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والحسن، والضحاك، والربيع بن أنس، والسُدي ومقاتل[27].

وفي قراءة أُبي: (فتذروها كالمسجونة)[28]، بمعنى أنها لا تتصرف كالخلية، فتتزوج، وليست أيضًا بذات حظوة عنده، وإنما حبسها عنده مع تضييع حقوقها، فلا هي ذات زوج، ولا مطلقة، معلقة.

"وَإِنْ يَتَفَرَّقَا [النساء:130] الآية، معناها: إن تفرّق الزوجان بطلاق أغنى الله كل واحد منهما من فضله عن صاحبه، وهذا وعدٌ بخيرٍ وتأنيس".

الله -تبارك وتعالى- يُغني الزوج ويُغني الزوجة، فلا تتصور الضياع إذا طُلقت من قبل هذا الزوج، فتُرزق بزوج آخر، ويسوق الله إليها من ألطافه، ولن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها، سواء كانت مع هذا الزوج، أو كانت بعيدًا عنه.

  1. المخصص (1/177) من رجز قالت فيه:
    والله لولا حنف في رجله *** ودقة في ساقه من هزله
    وقلة أخافها من نسله *** ما كان في فتيانكم من مثله
  2. تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (3/107).
  3. العبودية (ص:107).
  4. أخرجه البخاري في كتاب مناقب الأنصار، باب هجرة النبي ﷺ وأصحابه إلى المدينة برقم: (3904) ومسلم في كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل أبي بكر الصديق برقم: (2383) واللفظ لمسلم.
  5. البيت غير منسوب لقائل في المنتحل (ص:222) ومحاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء (2/14) والدر الفريد وبيت القصيد (8/259).
  6. أخرجه البخاري في كتاب الشركة، باب شركة اليتيم وأهل الميراث برقم: (2494) ومسلم في كتاب الإيمان برقم: (3018).
  7. الحجة للقراء السبعة (3/183).
  8. إعراب القرآن للنحاس (1/241).
  9. تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (9/268).
  10. أخرجه البخاري في كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب هبة المرأة لغير زوجها وعتقها، إذا كان لها زوج فهو جائز، إذا لم تكن سفيهة، فإذا كانت سفيهة لم يجز برقم: (2593).
  11. تفسير ابن أبي حاتم، الأصيل - مخرجا (4/1080-6043).
  12. تفسير ابن كثير ت سلامة (2/429).
  13. تفسير ابن كثير ت سلامة (2/429).
  14. تفسير القرطبي (18/187).
  15. تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (9/282).
  16. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (1/316).
  17. أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم برقم: (2578).
  18. أخرجه الترمذي ت شاكر في أبواب النكاح، باب ما جاء في التسوية بين الضرائر برقم: (1140) وأبو داود في كتاب النكاح، باب في القسم بين النساء برقم: (2134) وابن ماجه في كتاب النكاح، باب القسمة بين النساء برقم: (1971) وضعفه الألباني، وأخرجه أحمد ط الرسالة (42/46-25111) وقال محققو المسند: "هذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير حماد بن سلمة، وعبد الله ابن يزيد- وهو رضيع عائشة- فمن رجال مسلم".
  19. تفسير ابن كثير ت سلامة (2/430).
  20. سبق تخريجه.
  21. تفسير ابن كثير ت سلامة (2/430).
  22. ضعيف الجامع (ص:662-4593).
  23. سبق تخريجه.
  24. تفسير ابن كثير ت سلامة (2/430).
  25. سبق تخريجه.
  26. تفسير ابن كثير ت سلامة (2/430).
  27. تفسير ابن أبي حاتم - محققا (4/1084) وتفسير ابن كثير ت سلامة (2/430).
  28. تفسير الزمخشري = الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (1/572) وتفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (11/237) واللباب في علوم الكتاب (7/57).

مواد ذات صلة