الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فمن الآيات التي قد تُفهم على غير مراد الله -تبارك وتعالى- ما قاله الله في سورة النجم بعد أن ذكر خبر ذلك الذي أعطى قليلاً وأكدى، يقول الله تعالى: أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى [النجم:36-37]، يعني: فعل ما أمره الله به، وترك ما نهاه عنه، ومن ذلك أنه ابتُلي ذلك البلاء العظيم بذبح ولده فانقاد واستجاب لأمر الله ، فلما كان مُكمِّلاً للدين بفعل المأمورات واجتناب المنهيات صار إماماً وقدوة وجامعاً لخصال الخير فسماه الله أمّة إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ [النحل:120].
فالشاهد: يقول الله : أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى [النجم:36-37]، ما الذي في هذه الصحف؟، أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى [النجم:38-41]، الذي في صحف إبراهيم وصحف موسى -عليهم الصلاة والسلام- هو ما ذُكر بعده، أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ، يعني: النفس المُثقلة بالأوزار الحاملة للذنوب لا تحمل ذنوب غيرها، فالأمر كما قال الله : كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ [المدثر:38-39]، وقال: مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الإسراء:15]، وقال: وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ، أي: عمله، فِي عُنُقِهِ [الإسراء:13]، وربطه بالعنق؛ لأنه محل لا انفكاك منه إلا بمفارقة الحياة، أما اليد فقد تُقطع ويتخلص الإنسان من القيد الذي فيها، والرِّجل قد تُقطع وينطلق الإنسان، لكن العنق تنفصل الحياة بإبانته، وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ، أي: عمله، فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا [الإسراء:13]، مفتوحًا، اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الإسراء:14]، والله يقول: وَوُضِعَ الْكِتَابُ أي: كتاب الأعمال، فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49]، أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ [المجادلة:6]، والله يقول: يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ أي: عامل، إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ [الانشقاق:6]، فملاقٍ كدحك وعملك، كما أنك ستلاقي أيضاً ربك، فهنا قرر الله أنه لا يحمل أحد عبء غيره وأوزار وذنوب الآخرين.
وهذا معنى مقرر في القرآن كما ذكرت لكم بعض شواهده، وقد جاءت بعض الآيات التي ذكر الله فيها عن أقوام أنهم يتحملون أعباء وأوزار الآخرين كما قال الله : وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ [العنكبوت:13]، وقال: وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ [النحل:25]، وحينما يدخل الكفار النار القادة والأتباع: قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ وَقَالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ [الأعراف:38-39]، الحاصل أن هذا الضِّعف الذي ذكره الله هو بسبب أنهم أضلوا غيرهم، ولهذا قال النبي ﷺ: ومن دعا إلى ضلالة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة[1].
فالقادة يتحملون مثل أوزار الأتباع ولا ينقص ذلك من أوزار الأتباع شيئاً، وهذا الإنسان من الأتباع، الله قال: لِكُلٍّ ضِعْفٌ [الأعراف:38]، ومن أحسن ما قيل في تفسيره أن هؤلاء الأتباع أيضاً لا يتخلف الواحد منهم من نوع تبعة بإضلال كما قال النبي ﷺ: فأبواه يهودانه[2]، فنشَّئوا أولادهم على الكفر بالله ومحادّته ومحادّة رسله -عليهم الصلاة والسلام، وإن كانوا ضعفاء من الأتباع، والذين لا يُعبأ بهم ولا شأن لهم.
فالشاهد أن هذه الآيات متوافقة غاية التوافق، المعنى هنا الله يقول: أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [النجم:38]، فالإنسان يحمل أوزاره، لا يستطيع أن يلقيها على الآخرين، والله -تبارك وتعالى- يقول عن ذلك اليوم: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ [عبس:34-36]، فلا أحد يتحمل عن أحد، ولا أحد يستطيع أن يفتدي بغيره، ولهذا نفى الله جميع المخارج وطرق الخلاص كما في قوله -تبارك وتعالى: وَاتَّقُوا يَوْمًا، يعني: واتقوا أوجال يوم، وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ [البقرة:48]، الإنسان إمّا بالفداء، وإما بالشفاعة، وإما بالقهر يُخلَّص وينُصر، فنفى الشفاعة ثم قال: وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ [البقرة:48]، وذلك الفداء، وَلا هُمْ يُنصَرُونَ [البقرة:48]، لا أحد يستطيع أن يُخلصهم من عذاب الله -تبارك وتعالى، كل هذا لا واسطة ولا فدية، ولا بالقوة، فكل إنسان مرتهن بعمله.
فهذه الآية أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [النجم:38]، لا تعارض الآيات والنصوص التي تقرر أن أناساً يتحملون أوزاراً لآخرين، وذلك أن إضلالهم من جملة عملهم، إذا أضل غيره فهذا من جملة عمله، فيتحمل كأوزار أولئك الذين أضلهم، هذا بالنسبة لهذه الآية.
ثم قال الله : وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [النجم:39]، هنا نفى عن الإنسان قال: وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [النجم:39]، فما المراد به؟.
بعض أهل العلم قالوا: المراد بذلك الإنسان الكافر، لا ينتفع بعمل أحد يُهديه له، يُهدي ثوابه، وهذا قول ضعيف.
ومن أهل العلم من قال: هذه الآية منسوخة بقوله -تبارك وتعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [الطور:21]، فقالوا: هؤلاء الذرية انتفعوا بعمل الآباء، وارتفعوا في درجات الجنة، فقالوا: هذه ناسخة، وإن أُريد بالنسخ الرفع فالقاعدة أن النسخ لا يثبت بالاحتمال؛ ولهذا كان هذا من الأقوال الضعيفة، وإن قُصد كما هو الجاري في تعبيرات السلف أنهم يعبرون عن التخصيص وكل ما يتطرق للنص العام من تقييد ونحو ذلك بالنسخ فهذا قول له وجه قوي من النظر، أن قوله: وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [النجم:39]، مخصَّص، مخصَّص بالنصوص الأخرى كهذه الآية: وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [الطور:21]، وكذلك قول النبي ﷺ: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث[3]، ونحو ذلك مما ورد بالترخيص بالحج للتي استأذنت أن تحج عن أبيها الذي لا يثبت على الراحلة[4]، إلى آخره.
وسعد بن عبادة سأل النبي ﷺ عن أمه حينما خرجت نفسها ولم تتكلم قال: وأظنها لو تكلمت تصدقت، أفأتصدق عنها؟ قال: نعم[5].
فهذه النصوص تدل على أن الإنسان ينتفع بعد موته بهذه الأعمال، ولهذا قال بعضهم: ذاك في الكافر، والمؤمن ينتفع، وأطلق.
وبعضهم قال: هذه الآية: وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ [النجم:39]، منسوخة، فإن قُصد به الرفع فغير صحيح، وإن قُصد به التخصيص بمثل هذه النصوص فهذا لا إشكال فيه.
ومن أهل العلم من قال كابن عقيل الحنبلي -رحمه الله- قال: "إن ذلك إنما هو متولد من كسبه وسعيه، فهؤلاء الذين يدعون له أو يحجون أو يعتمرون أو يتصدقون هم فعلوا ذلك إما أنهم من أولاده -وولده من كسبه، أو أن هؤلاء انتفعوا به في الدنيا، انتفعوا به بإحسانه، بصدقته عليهم، بمواساته، بمعاملته الطيبة لهم، فكان ذلك جالباً لهذا الإحسان منهم، فكان ذلك يعود إلى كسبه هو، وهذا استحسنه الحافظ ابن القيم -رحمه الله-[6])؛ لأنه لا يميل إلى أن ثواب الأعمال يصل بالإهداء.
ومن أهل العلم من قال: وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [النجم:39]، المقصود به أن لا يتملك سعياً لغيره، وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [النجم:39]، ليس للإنسان، فاللام للملك، الإنسان لا يملك عمل غيره، فالذي قررته الآية هو هذا القدر فقط، أنك لا تملك عملاً لغيرك، كل إنسان مرتهن بعمله، ولكن الآية لم تنفِ أن الإنسان ينتفع بعمل غيره إذا تبرع به له، كما أنك لا تملك مال الآخرين فكذلك أيضاً أنت لا تملك أعمالهم، ليس لك إلا كسبك فقط.
إذنلو أن هؤلاء تنازلوا عن هذا الكسب والسعي لك فإن الآية لم تنفِ هذا، الآية نفت أن يملك الإنسان سعي غيره، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله، وهي من المسائل القليلة التي اختلف فيها ابن تيمية مع تلميذه ابن القيم، فابن القيم يقرر بقوة أن ثواب الأعمال لا يصل.
ومن أهل العلم من خص ذلك بما ورد به الحديث في الثلاث: إلا من ثلاث.
ومن أهل العلم من قال: إن هذه الثلاث أصلاً داخلة في الكسب، انقطع عمله إلا من ثلاث، فهي من عمله، علم يُنتفع به، صدقة جارية، ولد صالح يدعو له، وهذا صحيح أن هذه الثلاث هي من كسبه، هي من عمله، فالحديث يقرر معنى الآية، وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ [النجم:39]، لأنها من سعيه، لكن يبقى سعي الآخرين، جاء إنسان وقرأ ختمة وأهداها لأبيه، جاء فطاف سبعة أشواط وأهداها لأمه أو لفلان من الناس لصديقه، هل يُجزئ هذا أو ما يُجزئ؟ تصدق، بعض أهل العلم يقول: نقف عند ما وردت به الأحاديث، الثلاث التي في الحديث: إلا من ثلاث، والحج والعمرة والصدقة، هذا الذي ورد فيه الحديث، لكن هل جاء عن النبي ﷺ الحصر، سئل عن قضايا فأجاب فيها بالإثبات، الذي أظنه أقرب -والله تعالى أعلم، أن ثواب الأعمال بالإهداء يصل، وأن هذه الآية لا تعارضه، وأن قول النبي ﷺ: انقطع عمله إلا من ثلاث، فهي من كسبه، الكلام عن كسب الآخرين، ينقطع عمله، لكن هؤلاء هذا من عملهم أهدوه له، نزلوا عنه لهذا الإنسان فهذا يصل إليه الثواب، والله أعلم.
لكن هل هذا يُشرع أو لا يُشرع؟.
المشروعية قدر زائد على مجرد الجواز، بمعنى أن هذا طلبه الشارع طلباً جازماً -يعني واجبًا- أو غير جازم -يعني مستحبًّا، هل هذا أمر مطلوب أو غير مطلوب شرعاً؟، بمعنى هل يُشرع؟، هل نحث الناس عليه نقول: اقرءوا القرآن لغيركم؟، اذهبوا واعتمروا لغيركم، حجوا لغيركم تطوعاً، مع أنه حج واعتمر، لكن الناس إذا مات واحد جعلوا له وقفًا، كلما مات واحد جعلوا له وقفًا، أتي أصحابه وقالوا: هيا نجعل له وقفًا وجمعوا له تبرعات، هل هذا مشروع؟ الجواب: لا، الحياة فرصة، إنما هي أنفاس، ساعات، وأيام، وشهور، وسنوات ثم تنقضي، هذا الإنسان الذي دخل مع هذا الباب وخرج مع هذا الباب أخذ فرصته في الحياة، جَدَّ واجتهد ربما أكثر منك، قصَّر هو وعمله، لكن أنت أيضاً ليس لك إلا نفس واحدة وعمر واحد، ولا تدري متى يأتيك الموت، فالذي ينبغي للإنسان أن يجدّ ويجتهد، يعمل لنفسه هو لا للآخرين، ولكنه ماذا يصنع للآخرين؟.
يدعو لهم، يجتهد في هذا الدعاء، فهو يؤجر على الدعاء، والملَك يقول: ولك مثله، بخلاف العمل الذي يصرفه لغيره، وبعض الناس يتصدق عن غيره ويظن أن مثل هذه الصدقة تكون له، لا، لا تكون له، هي ذهبت للمتصدق عنه، ولذلك هؤلاء الذين يجعلون هذه الأوقاف وإن شئت أن نعبر بعبارة قد تكون قوية: هذه البدعة الجديدة، كلما مات واحد جعلوا له وقفًا، هذا لم يكن من عمل السلف، يُعمل له وقف من أين؟ من أمواله، من تركته هو، يتبرع الورثة بهذا، أو هو يعمل وقفًا لنفسه في حياته، أمّا أن تُجمع التبرعات من أجل أن يُعمل له وقف، وأحياناً يُكتب على البطاقة: ولك بمثل، وهذا ليس بصحيح، ما لك بمثل إطلاقاً، هي ذهبت له، وأنت أحوج منه لهذه الصدقة، قد يكون هذا الإنسان يعمل أعمالا كبيرة، وأفنى عمره في طاعة الله وأنت أيها الفقير المسكين الذي ما عندك حسنات تأتي وتعطيه إياها، تدعو له، ادعُ له بأن يرفع الله درجاته في الجنة ويغفر له، وأنت اعمل لنفسك، فهذا كثُر، ولا زال الناس يسألون عنه، ماتت صديقة لنا نريد أن نعمل لها وقفًا، نجمع لها تبرعات؟، لا، اعملوا وقفًا لأنفسكم، مات صاحب لنا، مات إمام المسجد، مات كذا، نعمل له وقفًا، ما كان السلف يفعلون هذا، الإنسان يعمل لنفسه ويجتهد لنفسه.
فأقول: يحتاج الإنسان أن يتبصر في هذه المعاني وفي سعيه وعمله، وماذا قدم في هذه الفرصة القليلة في الحياة، ونحن في هذه الأيام الشريفة وهذه الليلة الفاضلة ليلة السابع والعشرين من هذا الشهر الكريم هي من أرجى الليالي أن تكون ليلة القدر، ولا يمكن أن يخرج الإنسان -والله أعلم- إلى شيء أنفع وأعظم وأجلّ من أن يبقى يصفّ قدميه يصلي أو يقرأ القرآن أو يذكر الله ، بينما أكثر ما يخرج الناس للأسواق في العام هذه الأيام، أكثر خروج الناس هذه الأيام، لأسباب، في عيد الأضحى لربما كثير منهم يسافر، ويسميه كثير من الناس عيد الأضاحي، وكثير منهم يحج أصلاً، وكثير من النساء زوجها قد ذهب للحج، ما عندها من يذهب بها إلى الأسواق، بينما هذه الأيام أبداً، الأسواق تمتلئ بالناس في هذه الليالي الشريفة فكيف يُضيع هذا بهذا؟، أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ؟ [البقرة:61] فأقول: ينبغي لنا أن نجدّ وأن نجتهد، وأن لا نفوت هذه الفرصة سواء في هذه الأيام أو في غيرها من الأيام، فإن العمر يتلاشى، وما نخرج له من كد الدنيا وسعيها، تذكروا من مات، من يخطر في بالك أترف المترفين ممن مات، لو أتينا بأبأس إنسان من هؤلاء العمال الذين ينظفون الشوارع أو غير ذلك وقلنا له: تود أن تكون في حفرته؟، قال: لا والله، أعيش هذه الحياة البائسة ولا أدخل في هذه الحفرة، أليس كذلك؟ أترف إنسان تخيل من هو في بالك أترف واحد دخل في التراب، هات أبأس واحد من هؤلاء الذين يقمّون الشوارع قل له: ما رأيك تتنازل عن عمرك ونضعك في حفرة هذا، أنت الذي تموت و تكون في القبر؟، يقول: لا والله ما أتمنى هذا، الحياة البائسة ولا أموت، طيب على أي شيء؟، أين العمل؟ أين الجد في طاعة الله ؟، فالموفق من وفقه الله.
فنسأل الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يجعلنا وإياكم من المقبولين، وأن يعتق رقابنا ورقاب آبائنا من النار، وأن يرحمنا جميعاً برحمته، وأن يلطف بنا وأن يصلح أحوال المسلمين، وأن ينصرهم في كل مكان، اللهم انصرهم في العراق، وفي فلسطين، وفي الشيشان، وفي أفغانستان، وفي كل أرض يُذكر فيها اسمك.
نسأل الله منزل الكتاب ومجري السحاب أن يهزم أعداء الدين، وأن يخذلهم، وأن يشتت شملهم، وأن يوقع بهم بأسه الذي لا يُرد عن القوم المجرمين.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.
- أخرجه مسلم، كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة، أو كلمة طيبة وأنها حجاب من النار، برقم (1017).
- أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات، هل يصلى عليه، وهل يعرض على الصبي الإسلام، برقم (1358)، ومسلم، كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة وحكم موت أطفال الكفار وأطفال المسلمين، برقم (2658).
- أخرجه مسلم، كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، برقم (1631).
- أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب وجوب الحج وفضله، برقم (1513)، ومسلم، كتاب الحج، باب الحج عن العاجز لزَمانة وهرم ونحوهما، أو للموت، برقم (1334).
- أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب موت الفجأة البغتة، برقم (1388)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه، برقم (1004).
- انظر: الروح، لابن القيم (128).