الخميس 18 / رمضان / 1445 - 28 / مارس 2024
(012) تتمة قوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً...} الآية
تاريخ النشر: ١٥ / شوّال / ١٤٣٧
التحميل: 830
مرات الإستماع: 1426

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فلا زال الحديث متصلاً بقوله -تبارك وتعالى-: رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران:8]، الدعاء بهذا الاسم الكريم "ربنا" يعني: يا ربنا حُذف منه ياء النداء، ربنا لا تُزغ قلوبنا، وقد ذكرنا في بعض المناسبات أن عامة أدعية الأنبياء في القرآن هي بهذا الاسم الكريم ربنا، وذلك أن من معاني الربوبية التي تضمنها هذا الاسم الكريم العطاء والمنع، فالسائل حينما يسأل فهو يطلب ربه -تبارك وتعالى- أن يُعطيه وأن يُجيب سؤله وذلك من معاني الربوبية، فناسب أن يُدعى بهذا الاسم الكريم "ربنا" يا خالقنا والمُتصرف فينا، ومن معاني الرب أنه المُربي خلقه بالنِعم الظاهرة والباطنة، فهم يسألونه فضله وألطافه بهذا الاسم الكريم، وقد نبه على هذا المعنى جمع من أهل العلم ذكره الشاطبي -رحمه الله- في الموافقات، وذكره غيره ممن كتب في علوم القرآن.

رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، هذا يدل أيضًا على حال الافتقار، فالعبد بحاجة إلى تثبيت الله له، فهو لا يركن إلى نفسه طرفة عين، لا يركن إلى علمه وأنه لا يضل ولا إلى تربيته ولا إلى بيئته، وإنما يلجأ إلى الله ويخرج من حوله وطوله وقوته وقدراته وإمكاناته مع الابتعاد عن أسباب الفتنة سواء كانت فتنة الشهوات أو فتنة الشبهات، يبتعد ويسلُك طُرق الهداية، ويسأل ربه ويُظهر الافتقار إليه، فالعبد لا يستغني عن ربه بحال من الأحوال، والنبي ﷺ يقول:  إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد، يصرفه حيث يشاء[1].

رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا، ودل على أن الهدى والضلال من الله -تبارك وتعالى، ولذلك قال الله لنبيه ﷺ: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ [القصص:56]، فالهداية هداية التوفيق بيده وحده، كما أن الإضلال بيده، كل ذلك عن علم وحكمة.

ثم أيضًا: رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا، أضاف ذلك إلى القلوب؛ لأن الزيغ إنما هو شأن القلوب، فالزيغ يكون في القلب، رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وهذا حينما يقولونه لا يقولونه على سبيل الافتخار، أو الإدلال أو نحو ذلك: بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وإنما يقولونه من باب التوسل إلى الله بسابق فضله، وهذا من الأدب في الدعاء، أن يتوسل الإنسان إلى ربه -تبارك وتعالى- بسوابق المِنن والإنعام والإفضال فيقول: يا رب أعطيتني وهديتني وأوليتني فلا تُزغ قلبي، لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، يقولون: مننت علينا بالهداية فلا تُزغ قلوبنا بعد هذه الهداية.

وهكذا المؤمن يخاف على إيمانه، ويحترز لذلك، ويسأل ربه أن يحفظ ذلك الإيمان، وأن يحفظ هذا القلب، فلا يحصل به زيغ فيضل الإنسان عن صراط الله المستقيم، وهؤلاء الذين ذاقوا طعم الهداية، وعرفوا حقائق الإيمان، وذاقوا حلاوته؛ ينبغي أن يكونوا أشد الناس خوفًا وإشفاقًا على هذا الإيمان من أن يُفقد، رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وهذه الأدعية في القرآن ليست بحفظ المال، أو العافية في البدن ونحو ذلك، وإنما هي في سؤال الله -تبارك وتعالى- المطالب العالية.

وقد ذكرنا في الكلام على الأسماء الحسنى، والكلام في الأعمال القلبية ما ذكره الحافظ ابن القيم -رحمه الله-[2] من علو الهمة في الدعاء، وعلو الهمة في التوكل على الله -تبارك وتعالى-، في الكلام على التوكل من الأعمال القلبية، وأن من الناس من يكون توكله فيما يتعلق بعيش يأكله ونحو ذلك، ومن الناس من تكون همته أعلى من هذا فيما يتعلق بمصالح الأمة، ونصر الدين، وإعزاز الحق، وما إلى ذلك من المطالب العالية كما هو حال الرسل -عليهم الصلاة والسلام-.

وهكذا أيضًا: رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ [آل عمران:192]، ونحو ذلك، هذا كله يدل على الارتباط بهذا الرب -تبارك وتعالى- وشدة الاتصال به، فهو يلجأ إليه أعظم مما يلجأ الصغير إلى أمه في حاجاته ومُلماته، فيكون العبد كثير الضراعة إلى الله والارتباط به، تكون صلته بالله قوية، ينبغي للعبد أن يكون في حال رخائه وعافيته دائم الصلة بالله ، فإذا وقعت الشدة والبلاء كان على عهد بمن يملك أزمة الأمور، وعلى صلة وثيقة قوية به، فعندها يُسدد ويثبت ويُنصر ويُعان وتكون العاقبة له.

لكن أولئك الذين لا يعرفون الله -تبارك وتعالى- إلا في حال شدة، هؤلاء قد يضطربون وينتابهم ما ينتابهم من الشكوك المُقلقة، والأحوال المزعجة مما قد يحصل معه ذهاب وزوال الثقة بالله  وحُسن الظن به، فتسوء ظنونهم بالله -تبارك وتعالى-؛ لأنهم لا عهد لهم به، ولا ثبات لقلوبهم.

كذلك أيضًا: وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً [آل عمران:8]، لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا هذا من باب التخلية، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً هذا من باب التحلية، فالتخلية قبل التحلية، يعني: السلامة أولاً ثم طلب الرحمة، فإذا لم يحصل لهم هذا الزيغ فعند ذلك بقي عليهم الرحمة: وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، وهذا يدل على أن الرحمة التي منها الهدى أنها توفيق من الله ، وفضل منه، ومواهب يهبها لمن يشاء من عباده، وهي مراتب: فالهداية إلى الإسلام نعمة وموهبة عظيمة، فكم من الخلق قديمًا وحديثًا ممن فقدوا هذه النعمة ولم يوفقوا إليها، فيحمد الإنسان ربه أن هداه إلى الإيمان وإلى الإسلام التي هي أعظم النِعم وأجل النِعم، هؤلاء الذين يتخبطون بأنواع الكفر على اختلاف مللهم وأهوائهم ونِحلهم.

لو شاء ربك كنت أيضًا مثلهم فالقلب بين أصابع الرحمن[3].

فيُحافظ الإنسان على هذا الإيمان ولا يجعل إيمانه عُرضة لكل آسر وكاسر، لا يُفرط ويُضيع أو يتخلى، أو يُدير ظهره ثم بعد ذلك يكون متبعًا للمغضوب عليهم، أو لسُنن الضالين بعد إذ هداه الله ، وقد يكون للعباد من الهداية ما هو أخص من ذلك فيُهدى بعد هدايته إلى الإسلام إلى مراتب من الإحسان والتقوى، أو قد يُهدى إلى سلوك طريق العلم الصحيح، فهذه نعمة تحتاج إلى ثبات وشكر فيعمل بمقتضى هذا العلم ويُحافظ على هذا الإحسان أو التقوى التي وفقه الله  لها، ولا يغفل ولا يُفرط ولا يُضيع ولا يصحب من يختطف عليه هذه النِعم بأسباب من الغفلة والإغراء بالمنكر والباطل ونحو ذلك، وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [الكهف:28]، ومقتضى المحافظة على هذا الإيمان والتقوى وهذه المراتب من الإحسان أن تُحاط بسياج من كل ما يؤثر عليها سلبًا.

كذلك أيضًا: وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً هذا يدل على أن تطهير القلوب لابد منه من أجل أن يزكوا فيها نبات الإيمان ويستتم، وقد تكلم شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-[4] على هذه المسألة فيما يتعلق بتزكية النفوس، وأن التزكية تشتمل على التخلية فهي من باب التطهير، وكذلك من الزكاء الذي هو النماء، فتشتمل على الأمرين، وأنه لا يمكن للزرع أن ينمو ويستتم إلا إذا وجد المحل الصالح بتنقية الموضع للنبات بإزالة الشوائب، ونحو ذلك، تكون الأرض صالحة للبذر، هكذا القلب يحتاج إلى تفريغ من كل الصوارف التي تصرفه عن الحق، والآفات التي تفتك به، وهو يحتاج -أيضًا- إلى عمارة بالإيمان، فيكون إزالة تلك العوالق من باب تخلية المحل وتنقيته وتطهيره؛ ليتحقق المقصود الأساس وهو عمارة القلب بالإيمان، فهذا هو المقصود لذاته، وأما الأول فهو مقصود لغيره.

وهكذا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً هذه الرحمة أضافها إلى الله مِنْ لَدُنْكَ من عندك، وهذه فيه من التعظيم لهذه الرحمة لاسيما مع قوله بعده: "رحمة" مُنكرة فالتنكير هنا يدل على العظيم، رحمة عظيمة، وإذا كانت من لدن الله فلا تسأل عن عطاياه وهباته، فهو العظيم فعطاياه عظيمة جليلة القدر.

وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وهذا يدل أيضًا على أن هذه الرحمة المطلوبة أنها لا تكون من غير الله ، ولا يستطيع أحد أن يهب أحدًا رحمة، إنما الذي يهب هو الله -تبارك وتعالى-، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، فكل خير يصل إلى الإنسان فهو من الله وحده، وقد يكون العباد سببًا من الأسباب، ولكن الذي منه العطاء والمنع حقيقة هو الله، فيرتبط القلب به، ولا يرتبط بالعباد، وفيه كمال الالتجاء إلى الله دون الالتفات إلى المخلوقين، إذا أردت الرحمة فتوجه إلى الله فهو الذي يملكها، أما الخلق ليس عندهم شيء، هم لا يملكون ذلك لأنفسهم حتى يُعطوا غيرهم.

كذلك أيضًا: هَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً يدل على الاستغناء عن المخلوقين بحيث لا يكون لهم مِنة على الإنسان، النبي ﷺ قد بايع بعض أصحابه أن لا يسألوا أحدًا من الناس شيئًا، فكان السوط يسقط من أحدهم فلا يقول لصاحبه ناولنيه، استغناء كامل، هذه المرتبة لا تُطلب من جميع الناس لكنها من المراتب العالية، إن استطعت أن لا تفتقر إلى مخلوق فافعل، ولهذا ذكر شيخ الإسلام تلك العبارة الجميلة التي ذكرتها في بعض المناسبات وهي قوله: "استغنِ عن من شئت تكن نظيره، وأحسن إلى من شئت تكون أميره، واحتج إلى من شئت تكون أسيره"[5].

استغنِ عن من شئت تكن نظيره مثله لا فضل له عليك، وأحسن إلى من شئت تكن أميره اليد العليا خير من اليد السفلى، والإحسان يأسر فكن آسرًا ولا تكن مأسورًا، واحتج إلى من شئت تكن أسيره، من الناس من يُعلق جميع الحاجات بالمخلوقين، فهو يعتقد أنه لا يمكن أن يتحقق له مصلحة إلا عن طريق هؤلاء الناس بالافتقار إليهم، فهو إذا أراد أن يدرس في الجامعة كلم فلانًا وفلانًا وفلانًا، إذا أراد أن يتوظف كلم فلانًا، هم يعتقدون هكذا بنظر قاصر أن المصالح عند هؤلاء الخلق، وأنه لا يمكن أن يتم للإنسان مطلب إلا إذا كان عن طريق المعرفة والشفاعات، وهذا كلام غير صحيح.

إذا أراد الله للإنسان شيئًا فلا بد أن يقع، فلا داعي لاستجداء الناس، وإذلال النفس لهم، وإنما الاستغناء عنهم قدر الإمكان، هكذا إذا أراد أن يواصل الدراسة أو نحو ذلك ذهب يُكلم هذا وهذا والثاني والثالث والعاشر والمائة والألف، لماذا؟! هو يبذل السبب ويُقدم وإذا كان الله يُريد له ذلك لا بد أن يقع، وانظروا إلى أحوال الخلق ترون فيها من العِبر، من الناس من لا يخطر لربما في باله بعض الأمور، ثم بعد ذلك تجده يوضع فيها، وآخر يبذل دينه ويبذل ماء وجهه سنين طويلة وهو يجري خلف هذا الشيء الذي يظن أن فيه ما فيه من الرفعة والمكانة والمنزلة والجاه ويبقى العمر وهو يبذل دينه قبل أن يبذل ماء وجهه ولا يحصل له، هذا مُشاهد.

فالاستغناء عن الخلق قدر المستطاع وإن كان لا يمكن للناس أن تقوم معايشهم ومصالحهم إلا بالتواصل فيما بينهم وتبادل المنافع لكن من غير الافتقار، ولهذا كان شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-[6] يرى أن الأفضل أن لا يطلب الإنسان من الآخرين الدعاء أيضًا باعتبار أنه نوع افتقار، وفيه تزكية لهذا الذي يُطلب منه، وفيه ترك هذه العبادة التي أُمر بها، عبادة جليلة وهي الدعاء فيطلب ذلك من غيره مع أنه ليس بممنوع أن يطلب الإنسان الدعاء من غيره هذا لا يُمنع شرعًا، لكن شيخ الإسلام يتكلم عن الأفضل والأكمل أن لا يطلب من أحد شيئًا حتى الدعاء لا يقول: يا فلان ادع لي.

فرحمة الله -تبارك وتعالى، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً المقصود هنا: الرحمة الخاصة لأوليائه وأصفياءه وأهل الإيمان، فالله -تبارك وتعالى- كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله: "له رحمة عامة عمت جميع الخلق البر والفاجر، السعيد والشقي، وله رحمة خص بها المؤمنين، هذه رحمة خاصة هي رحمة الإيمان، وله رحمة خص بها المتقين، وهي رحمة الطاعة لله -تبارك وتعالى، وله رحمة خص بها الأولياء نالوا بها الولاية، وله رحمة خص بها الأنبياء نالوا بها النبوة"[7]، ومن هنا قال الراسخون في العلم باعتبار أن هذا من تمام قولهم: وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وظاهر كلام شيخ الإسلام أن ذلك من تمام كلامهم.

كذلك أيضًا يؤخذ من هذه الآية أن العبد حينما يدعوا ربه بذلك: وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران:8] أنه لا ينظر إلى عمله باعتبار أن ذلك يكون مقابلة ومكافأة لهذا العمل، وإنما هي هِبة من الله ، هي عطية منه ، فيُظهر التواضع والفقر، ما يقول: يا رب أنا صاحب مجاهدات، وصاحب أعمال، ومزاولات فهب لي رحمة من عندك تُكافأ هذا الجهد الذي أبذله في إصلاح النفس وتزكيتها، ونحو ذلك.

ثم أيضًا في قوله تعالى: وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ قدم ما يتعلق بالرب -تبارك وتعالى- وذلك فيه ما فيه من التعظيم له، وبيان أيضًا عِظم هذا المطلب: مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً.

وإِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران:8] فهذا اسم من أسمائه -تبارك وتعالى- يتضمن صفة الهِبة، فهي صفة ثابتة لله -تبارك وتعالى-، ومن الصفات الفعلية.

إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ، و"إنَّ" هذه تُشعر بالتعليل وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران:8]، كما ذكرنا في الكلام على الأسماء الحسنى، أن الدعاء يكون في كل مطلوب بحسبه، فهنا يسأل الهبة هِبة الرحمة فيقول: إنك أنت الوهاب، كأنه يقول لأنك أنت الوهاب، فـ"إنّ" تُشعر بالتعليل، فلكونك الوهاب هب لنا من لدنك رحمة.

ويمكن أن تكون تعليلاً للسؤال يقول: سألناك لأنك أنت الوهاب، توجهنا إليك لأنك أنت الوهاب، وكذلك أيضًا الوهاب صيغة مُبالغة تدل على كثرة العطاء والهِبات منه -تبارك وتعالى-، فهذه الهِبات دنيوية وأُخروية.

أسأل الله أن يهبنا رحمة من عنده، وأن يدخلنا أعلى جنته، وأن يغفر لنا ولوالدينا ولإخواننا المسلمين، هذا، والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

  1. أخرجه مسلم، كتاب القدر، باب تصريف الله -تعالى- القلوب كيف شاء، برقم (2654).
  2. الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = (الداء والدواء) (ص:21).
  3. نونية ابن القيم (الكافية الشافية) (ص:20).
  4. انظر: مجموع الفتاوى (16/ 560).
  5. مجموع الفتاوى (1/ 39).
  6. انظر: مجموع الفتاوى (1/ 328).
  7. المستدرك على مجموع الفتاوى (1/ 204)، ومختصر الفتاوى المصرية (ص:103).

مواد ذات صلة