الجمعة 20 / جمادى الأولى / 1446 - 22 / نوفمبر 2024
(120) قوله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ...} الآية 110
تاريخ النشر: ١٠ / ربيع الآخر / ١٤٣٨
التحميل: 466
مرات الإستماع: 1093

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

لما ذكر الله -تبارك وتعالى- ما امتن به على هذه الأمة من جمع شتاتها، وانتظام سلكها، واجتماعها بعد فرقتها، وما حصل لهم من النجاة ببعث النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- حيث كانوا على شفا حفرة من النار، فأنقذهم منها، ثم نهاهم كما مضى عن مشابهة أهل التفرق، والاختلاف من أهل الكتاب، وبين ما يصير إليه الناس بعد ذلك، حيث تسود وجوه، وتبيض وجوه، وذكر مآل الفريقين، ثم ذكر ملكه للسماوات والأرض، ثم ذكّر ثانية بالمزية التي اقتضت الخيرية لهذه الأمة كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ [آل عمران:110].

كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ بمعنى أنتم، فـ"كان" هنا لا تدل في مثل هذا الموضع على وصف مضى، وانقضى، وإنما تدل على حالة ثابتة راسخة في الماضي وفي الحاضر وفي المستقبل، وذلك كقوله -تبارك وتعالى- في أوصاف الله وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:96]، ونحو ذلك مما يضاف إلى الله بفعل الكون الماضي وَكَانَ فالأصل أن ذلك في الماضي، ولكنه في مثل هذه المواضع يكون في الماضي والحاضر والمستقبل.

أنتم أيها الأمة يا أمة محمد ﷺ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ فإن "خير" هنا المقصود بها أفعل التفضيل، خَيْرَ أُمَّةٍ يعني: أخير أمة -كما ذكرنا في بعض المناسبات-: أن خير وشر تأتيان بمعنى أخير وأشر، وذكرنا قول ابن مالك -رحمه الله-: وغالبا أغناهم خير وشر عن قولهم: أخير منه وأشر، فهي أفعل تفضيل، ومعلوم أن أفعل التفضيل تدل على اثنين شيئين اشتركا في صفة، وزاد أحدهما على الآخر، تقول: زيد أكرم من عمرو، زيد أعلم من عمرو، زيد أشجع من عمرو، فكلاهما اشتركا في وصف الكرم، أو العلم، أو الشجاعة، وزاد أحدهما، لكن لو لم يكن الآخر من هذا الوصف فإن ذلك يكون لأغراض أخرى، ولا تكون أفعل التفضيل على بابها كما قيل:

أما ترى أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا

لا مقارنة بين السيف والعصا، والعصا لا تقطع على كل حال.

كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ يعني أخير أمة، أفضل أمة أخرجت للناس، خير أمة أظهرها الله  للناس ما هذا الوصف الذي أوجب لها هذه المزية، واقتضى الخيرية تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وقد ذكرنا في الآية السابقة عند قوله: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:104] أن المعروف هو كل ما عرف شرعًا، وما عرف بطريق النقل: الكتاب والسنة؛ الوحي، وعرف أيضًا حسنه بطريق العقل، ولا منافاة بين العقل والنقل.

وكذلك أيضا ما عرفه أهل الإيمان حيث تكون الفطر نظيفة سليمة، والعقول صحيحة، فأولئك الذين يعرفون المعروف، ويعرفون المنكر، ويميزون بينهما، وقد سئل أعرابي بما عرفت أنه رسول الله؟ فقال: ما أمر بشيء فقال العقل: ليته نهى عنه، وما نهى عن شيء، فقال العقل: ليته أمر به، هذا العقل الصحيح، العقل السليم، أما العقول الفاسدة فقد تستحسن المنكر والشر والفساد، وهكذا الفطر حيث تنتكس.

وقوله هنا تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:110] فأصل المنكر هو ما أنكر الله -تبارك وتعالى- أنكره أهل الإيمان، رأوه قبيحًا، ولذلك سميت معصية الله -تبارك وتعالى- منكرا؛ لأنها منكرة في الشرع، منكرة عند أهل الإيمان، يستعظمون ركوبها كما يقول كبير المفسرين أبو جعفر بن جرير الطبري -رحمه الله-[1].

تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110] تؤمنون بالله بمعنى الإقرار والإذعان بما يجب الإقرار والانقياد والإذعان له -كما هو معلوم- فيتبع ذلك الإيمان بما يجب الإيمان به من ملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وما إلى ذلك مما يجب الإيمان به وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ [آل عمران:110] اليهود والنصارى بمحمد -صلى الله عليه وآله وسلم-، واتبعوه لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ [آل عمران:110] يعني في الدنيا والآخرة، ثم ذكر حالهم، فقال: مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ [آل عمران:110] منهم من اتبع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- كعبد الله بن سلام ، وغيره، ومنهم من كفر، وهم الأغلب لا سيما في اليهود، وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ الخارجون عن طاعة الله، وعن الإيمان به، وتوحيده.

بعد ذلك أذكر جملة من الهدايات، والفوائد التي تضمنتها هذه الآية الكريمة:

كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110] يقول أبو هريرة مبينًا ذلك، كنتم خير الناس للناس، تأتون بهم بالأقياد، والسلاسل حتى تدخلوهم الجنة، يعني: بذلك ما يؤخذ من الأسارى، ونحو ذلك، ثم بعد ذلك يفتح الله قلوبهم، فيهتدون، والمعنى أوسع من ذلك؛ الدعوة إلى الله، والبلاغ إلى العالمين، تبليغ دعوة الإسلام.

وكما سبق في قوله -تبارك وتعالى-: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ فهذا من جملة ما يدخل فيه، فهنا بين الله -تبارك وتعالى- أن هذه الأمة خير الأمم للناس، فهم أنفعهم لهم، وأعظمهم إحسانًا إليهم؛ لأنهم كملوا أمر الناس بالمعروف، ونهيهم عن المنكر كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- سواء من جهة الصفة، أو القدر؛ حيث أمروا بكل معروف، ونهوا عن كل منكر لكل أحد من الناس: الصغير والكبير، والرجل والمرأة، والرئيس والمرؤوس، وأقاموا ذلك بالجهاد في سبيل الله بأنفسهم وأموالهم، فهذا كمال النفع للخلق[2]، والجهاد هو من جملة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.

وهكذا بالنسبة لسائر الأمم فإنهم -كما يقول شيخ الإسلام-: لم يأمروا كل أحد بكل معروف، ولا نهوا كل أحد عن كل منكر، ولا جاهدوا على ذلك، بل منهم من لم يجاهد يقول: والذين جاهدوا كبني إسرائيل فعامة جهادهم كان لدفع عدوهم عن أرضهم كما يقاتل الصائل، لا لدعوة المجاهَدين، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر"[3]، فهذا فرق ظاهر سيأتي في التعليل بسبب تأخير الإيمان في صفة هذه الأمة عن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر كما في هذه الآية.

وقوله -تبارك وتعالى-: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ خير أمة هذا يدل على تفاضل الأمم، ليسوا سواء، ويدل أيضا على تفاضل العاملين، فهذه الأمة حصلت من الكمالات بألوان المزاولات من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإيمان بالله ما جعلها تكون راجحة، مقدمة على غيرها، فهي أفضل وأبر وأكمل الأمم، وهذا من أول الأمم منذ أن بعث الله نوحًا ، وهو أول رسول إلى أهل الأرض، إلى أن بعث محمد ﷺ كانت هذه الأمة آخر أمة، وهي خير أمة، والداخلون من هذه الأمة في الجنة هم أكثر من غيرهم، وقد دلت على هذا أحاديث معروفة.

وإذا كان الأمر كذلك كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ أن هذه أفضل أمة، وأكمل أمة؛ فينبغي على الأمة أن تعرف قدرها، وأن تعرف منزلتها في الأمم، وأن تعرف مكانها، فهي أمة لا تصلح إلا في الصدر، ولا يصلح لها إلا أن تكون طليعة متقدمة على سائر الأمم، ولا يصلح لها الذيل بحال من الأحوال، وإنما الذيل للذيول، أما هذه الأمة فهي رأس، وهي شامة بيضاء مشرقة بالنسبة لسائر الأمم، فينبغي أن تكون لها القيادة والريادة؛ لأنها خير أمة، أفضل أمة أخرجت للناس بشهادة الله ، وليست بدعاوى المنتسبين إليها مع أنهم هم العدول وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة:143].

فهذه الأمة، أمة وسط، ومعنى الوسط العدول الخيار، هذا المراد بالوسط هنا، أي: عدولاً خيارًا، فالله هو الذي عدل هذه الأمة، وبماذا تتحقق هذه العدالة، وبماذا تكون؟

إذا قامت بأمر الله -تبارك وتعالى- حققت الإيمان كانت آمرة بالمعروف، ناهية عن المنكر، بهذا تتحقق عدالتها، وتحصل خيريتها، فهنا القيادة والريادة إنما تكون للخير وليست للشر، الذي ينبغي أن يكون في الصدارة وأن يكون في المقدمة هم الأخير، خير الأمم، وليس أولئك الذين قد انغمسوا في الشر بضروبه وأنواعه وأشكاله المختلفة، سواء كان ذلك في أبواب الإيمان والاعتقاد، لا يعرفونه ولا يؤمنون به، أو كانوا قد انغمسوا في الشهوات واللذات المحرمة، فهم يحيون حياة بهيمية إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ [الأنفال:22] فهؤلاء الصم البكم الذي لا يعقلون، هم أهل الكفر، هم أهل الضلالة، فأين هؤلاء من خير أمة أخرجت للناس.

وإذا كان الأمر كذلك -أيها الأحبة-، فهل يليق بحال من الأحوال أن تكون هذه الأمة متلقية عن غيرها، تبحث هنا وهناك فيما يتصل بثقافتها، وفيما يتصل بمفاهيمها وقيمها وتصوراتها عن الكون والحياة، وما إلى ذلك، تتلقى ذلك من هؤلاء الذين صاروا بهذه الصفة التي ذكرها الله صم بكم عمي، وفي كل ركعة اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ۝ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7] تتقلب بين أهل الضلال وأهل الغضب.

لا يمكن، ولا يليق بحال من الأحوال أن تنتكس الأمور، وتنعكس الموازين، فتتحول أفضل الأمم إلى أمة تابعة، مهمشة، لا قيمة لها، ولا وزن، ولا اعتبار، ويقضى بقضاياها في المحافل الدولية من غير أن تستأذن، ولا تستشار، هذا لا يليق أبدًا.

بل ينبغي أن تكون هذه الأمة صاحبة القرار، أن تكون أمة قوية، أمة ممكنة؛ لأن من مقوماتها هذا الدين المتين، وهذا التوحيد الموافق للفطرة والإيمان، وهذه الثروات بأنواعها، وكذلك المواقع الاستراتيجية، واللغة الواحدة، لغة القرآن التي يشتركون فيها، ويتعلمونها ديانة، فهذا لا يوجد في أمة من الأمم.

إذا نظرت إلى الأمم الأخرى في أوروبا، أو في أفريقيا، أو في آسيا، أو في غير ذلك تجد أقاليم كثيرة، لكل ناحية لغة، ومذاهب وآراء، وديانات كثيرة مختلفة، وأعراق وأجناس، فهؤلاء لا يوجد بينهم مقومات في الالتقاء، فالكفر يضرب أطنابه بينهم، لكنهم قد تقاسموا الكفر والضلالة بمذاهبها ونحلها وأهوائها.

هذا حالهم، فكيف يجتمعون، ويلتئمون، وتكون لهم القوة، ويكون لهم التأثير؟

فلذلك أقول -أيها الأحبة- ينبغي للمؤمن أن يعتز بإيمانه، أن يعتز بمبادئه، أن يعتز بهذا الذي حباه الله به، فلا يطأطأ رأسه، ولا يشعر بالدون والضعف والهزيمة أمام هؤلاء الأعداء الذين هم أحوج ما يكونون إلى هذه المبادئ التي امتن الله بها على هذه الأمة، إلى هذا الإيمان، إلى هذه القيم والفضائل والأخلاق إن صح التعبير.

هم بحاجة إلى هذا لأنهم قد ضلوا عنها، فهم يعيشون في شهواتهم، ولا يعرفون إلا المال، لا يعرفون إلا الدولار، يعبدون المال عبادة يحيون من أجله ويموتون، لا يعرفون الله ، أنفسهم ممزقة، ولو حصل لهم غلبة من الناحية العسكرية فذلك كغلبة السباع الضارية، بما لها من أنياب، وما لها من مخالب.

لكن ما الذي تحمله هذه السباع من المفاهيم والقيم والثقافة والإيمان، ونحو ذلك؟ لا شيء، فقوتهم قوة سبعية، ولا يصلح لهم ريادة وقيادة؛ لأن ذلك يودي بالعالم إلى فساد عريض؛ فالقوي يأكل الضعيف، ويحكم عليه، ويتصرف في مصالحه وحقوقه وحظوظه، وما إلى ذلك.

ينبغي للأمة أن تعتز، وأن تراجع نفسها، وأن تبذل وتقدم لهؤلاء ما يكون به صلاح حالهم، واستقامة أمورهم، وما يحصل لهم به الإيمان والسعادة، وتخليص هؤلاء من شقاء الدنيا وعذاب الآخرة، هذا هو اللائق.

أما أن تتحول الأمة إلى باحثة عن شيء مفقود علها تجده عند أهل الضلال، أو أهل الغضب، أو أهل الأوثان من الشرقيين، أو غير ذلك، سواء كان ذلك يقدم إليها عن طريق دورات وثنية، أو كان ذلك بثقافات مختلفة، أو كان بصورة من الصور التي تعرفون، هذا لا يصح بحال من الأحوال، ولا يليق بأهل الإيمان أن يكونوا كذلك.

فينبغي أن نعرف قدرنا للأسف إن الأعداء يعرفون قدر هذه الأمة أكثر من معرفتها بنفسها، ولذلك انظر إلى الفزع الذي هم فيه الآن، هم أقوياء، ولديهم من الصناعات والآلات والمبتكرات والترسانة العسكرية، وما إلى ذلك، ومع ذلك يعيشون في فزع، في فزع من ماذا؟

أمة مفرقة، أمة ضعيفة، ومع ذلك يهابونها، ويعيشون في فزع قد أقض مضاجعهم، فداسوا على مبادئهم التي كانوا يعلنونها من احترام حقوق الإنسان والحريات، وما إلى ذلك، فصاروا يتدخلون في أخص الخصوصيات للناس، وذهب ما هنالك من الدعاوى التي كنا نعرف أنها كاذبة، لكن كيف نستطيع أن نقنع الناس بمثل هذا؟

أما الآن فقد صار ذلك معروفًا عند القاصي والداني، ولم يعد خافيًا، فهذا لا شك أنه مما يجلي ويبين حقيقة ما جاء به الرسول ﷺ، وأن تلك الزيوف والدعاوى والبريق والبهرج الذي يلمع به الباطل أنه يتقشع ويزول.

زالت الشيوعية في غضون ثمانين سنة تقريبًا بمبادئها، ولا زلت أذكر إحدى المقابلات، كانت قبل سقوطهم بمدة، كان المتحدث يقول: بأن العالم جرب كذا، وكذا، وكذا، وذكر منها الإيمان، ثم بعد ذلك الرأسمالية، ثم بعد ذلك وصل العالم إلى مراحل متقدمة، وذكر الشيوعية، وأنها آخر ما توصل إليه العقل، والجهد البشري، هذه الشيوعية تطور الإنسان بمفاهيمها الشاملة، هذا الكلام كان يقوله.

ويقول: إن الرأسماليين سيتحولون إلينا في يوم من الدهر، ولكننا سبقناهم، ثم ما لبثوا أن تهاووا، وصاروا خبرًا، وعبرة للمعتبرين.

وغير هؤلاء سيتبعهم، الآن الرأسمالية تتعرى، ويظهر إفلاسها، وما عادت تلك المبادئ والقيم، وما إلى ذلك، التي كانت تعلنها، وتتجمل بها، لم تعد تلك الدعاوى مرفوعة الآن، بل أصبح الجميع يعرف أنها دعاوى كاذبة، لا حقيقة لها، وهم أول من يمزقها.

فهذا كله من معطيات، ومقومات الرجوع إلى الإسلام، والإقبال على الإسلام في عالم الغرب والشرق، واسألوا أولئك الذين يمارسون الدعوة هناك، ويختلطون بذلك العالم، يقولون: بأنهم يجدون من الإقبال على الإسلام في مثل هذه السنوات ما لا يجدونه قبل ذلك، وعلى الرغم من ضخامة الدعاية ضد الإسلام وأهله، إلا أن الإقبال أكبر وأشد.

فهذا الدين قوته ذاتية؛ لأنه دين الله لأنه نوره وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ [الصف:8] فهؤلاء لا يمكن أن يطفئوه يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ۝ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [التوبة:32-33] ليس فقط الإتمام، لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة:33] فيدخل في طوائف الكفر والشرك المختلفة، ولو كرهوا فإن كراهتهم لا تحجز إرادة الله -تبارك وتعالى-، فمتى تفيق الأمة؟! ومتى تعرف قدرها؟! والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

  1. انظر: تفسير الطبري، (7/105).
  2. انظر: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، (7).
  3. انظر: الاستقامة، (2/203).

مواد ذات صلة