الأحد 22 / جمادى الأولى / 1446 - 24 / نوفمبر 2024
(121) تتمة قوله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ...} الآية 110
تاريخ النشر: ١١ / ربيع الآخر / ١٤٣٨
التحميل: 541
مرات الإستماع: 1060

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

لم يزل الحديث متصلاً فيما يُستخرج من الهدايات والمعاني من قوله -تبارك وتعالى-: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُون [آل عمران:110] وقد تكلمنا على صدر هذه الآية الكريمة.

ومما أيضًا يُستخرج منها: فضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث كان سببًا لخيرية هذه الأمة، مع الإيمان كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ فهذا كالتعليل لما قبله، والبيان لوجه هذه الخيرية، وهو: تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ فدلَّ ذلك على أن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإيمان: مناط خيرية الأمة، فإذا تخلت الأمة عن هذه الشعيرة، وتركت إيمانها، فإنها تكون قد تخلت عن مقومات خيريتها، ثم إنّ خيريتها لا تكون إلا بأمور عِظام، ودعائم كبار؛ ولذلك عد بعض أهل العلم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأصول الكبار والأركان العظيمة في دين الإسلام، وكلامهم في ذلك معروف، ويدل ذلك أيضًا على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أفضل شرائع الإسلام، وأن الأمر إذا كان كذلك، فإن من تلبس بهما، وقام بهذه الوظيفة، فإنه يكون شريفًا عظيمًا؛ لأن العمل الذي يقوم به، والوظيفة التي توظف بها، ولا أعني بذلك أن تكون في وظيفة يتقاضى عليها أجرًا، وإنما أقصد العمل الذي يزاوله هو من أجلّ الأعمال.

وفي هذه الآية: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ وقوله في آية أخرى: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُون ۝ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ [المائدة:78-79] وكذلك في قوله: وَمَنْ أَحْسَنُ يعني: لا أحد أحسن قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ [فصلت:33] والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر لا شك أنه من الدعوة إلى الله -تبارك وتعالى-، فهذا يتضمن دعوة الخلق إلى الإسلام، وأعظم المنكرات الشرك والكفر، وعبادة غير الله -تبارك وتعالى-، فالنهي عن ذلك يكون أولاً؛ ولذلك كانت أول دعوة الرسل: اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:65] الدعوة إلى التوحيد، فهو الأصل الأعظم، والركن الأكبر الذي إذا صح واستقام استقام ما بعده، وإذا اندك هذا الركن وانخرم، فإن ما بعده يكون كذلك.

وأيضًا بناء على القاعدة المعروفة: أن الحكم المعلق على وصف يزيد بزيادته، وينقص بنقصانه، فهنا قال: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ حكم بأنها خير أمة، والوصف تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ فدلّ ذلك على أن هذا الحكم المعلق على هذا الوصف يضعف بضعفه، ويقوى بقوته، فإذا قوي هذا الوصف في الأمة وتحقق، وقامت به خير قيام، فإنها تكون في المرتبة العليا، وإذا ضعُف ذلك وتلاشى، فإنها تضعف خيرتها، وتضعف مكانتها ومنزلتها، ثم يتفشى فيها العِلل والأوصاب والأوضار من البدع والمعاصي، سواء كان ذلك من علل الشهوات، أو كان ذلك من علل الشبهات؛ لأنه بعد ذلك يكون الميدان مفتوحًا لكل أحد، يفعل ويتفوه بما يحلو له، فصاحب الشهوات يُظهرها ويروجها، وصاحب الشبهات يُثيرها، ويدعو إليها، وصاحب العقائد الفاسدة يدعو إلى عقائده، فيجترئ الناس، ويظهر أصحاب الشر والباطل والمنكر، ويُعلنون بذلك، ويجترئون على الله بسببه، وللسخرية من أسمائه وصفاته، وغير ذلك، وهكذا السخرية من الأنبياء والرسل، والوحي المُنزل، وشرائع الدين، وأئمة الإسلام، وحملة الرسالة، يجترئون لأنهم لا يؤمرون ولا يُنهون ولا يؤخذ على أيديهم، فيكون الناس كقوم ركبوا في سفينة، كما في الحديث: مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا، ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعًا[1]، يعني: هؤلاء يدعون أن هذا النصيب لهم، وأنهم يتصرفون كما شاء، والواقع أن الجميع في مركب واحد، وسيكون مصيرهم الغرق، فهكذا تغرق المجتمعات، وتنزل العقوبات والمثولات، فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يعني: أصحاب عقول راجحات، يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ [هود:116] وهكذا فيما قصّ الله -تبارك وتعالى- في خبر القرية، الذين كانوا يعتدون في السبت، إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ [الأعراف:163] فكانت طائفة تأمر وتنهى، وطائفة اتخذت موقفًا سلبيًا، ويئست من هؤلاء، وقالوا للذين يأمرون وينهون: لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ [الأعراف:164] أي: أن نصحنا ووعظنا، لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ [الأعراف:164] يعني: نعظهم موعظتنا {مَعْذِرَةً}، يعني: للإعذار إلى الله -تبارك وتعالى-، فماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة: أن الله -تبارك وتعالى- أنجى الذين ينهون عن السوء، وأخذ الذين ظلموا بالعذاب، فمسخوا قردة، وسكت عن الساكتين، واختلف فيهم أهل العلم، هل نجوا فلم يُذكروا؛ لأنهم لا يستحقون أن ينوه بهم وبنجاتهم، أو أنهم هكلوا مع من هلك؟

وفي الحديث: أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: نعم إذا كثُر الخبث[2]، فهذه أمانة عُظمى، ومسؤولية كبرى، يُسأل عنها الإنسان: ماذا عملت؟ ثم أيضًا ذلك مصير للمجتمع، فقد تنزل عقوبة الله مباشرة بعذاب مباشر، أو يكون ذلك بغيره مما يعتري الناس من الأمراض التي تنتشر فيهم، أو الفقر، أو الحروب والفتن، ويُسلط بعضهم على بعض، إلى غير ذلك من أنواع العقوبات.

وأيضًا في قوله -تبارك وتعالى-: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ فوصف هذه الأمة بهذه الصفة، وهي الأمة الخاتمة يدل على أن ذلك باقٍ فيها، والنبي ﷺ أخبر أنه: لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم، حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك[3]، فلا بد أن يوجد في الأمة من ينهض بأمر الله، ولا يمكن أن تتفق الأمة على ترك شرائع الإسلام، فهذا يدل -والله أعلم- على بقاء هذه الشعيرة في هذه الأمة، قد تضعف في ناحية، وتقوى في ناحية، وهكذا، لكنها لا تُنزع من هذه الأمة، والفلاح إذا كان معلقًا بهذه الشعيرة وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون كما في الآية السابقة وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون [آل عمران:104] وصف هؤلاء بالفلاح، فمن رام الفلاح فعليه أن يتحقق بهذا الوصف، والفلاح هو إدراك المطلوب، والنجاة من المرهوب، فإذا كانت الأمة تريد تحقيق مطالبها، وتنجو من المخاوف بأنواعها، فعليها أن تكون متحققة بمثل هذا، فهذا هو عنوان خيريتها، فهذه الآية وحدها تكفي في بيان عِظم هذه الشعيرة، فضلاً عن النصوص الأخرى في كتاب الله -تبارك وتعالى-، وسنة رسوله ﷺ، بل أخذ بعض أهل العلم من هذه الآية الكريمة صحة الإجماع، باعتبار أن هذه الأمة لا يمكن أن تجتمع على ضلالة، وإلا لو أنها وقعت في ضلالة فيوجد من لا يُقرها، ومن يغير عليها، ومن يُنكر، لا بد أن يوجد في الأمة من ينهض بهذه الشعيرة، فدل على أنهم لا يمكن أن يتواطؤوا على باطل وضلال؛ لأن هناك من يصحح الطريق، ويوجه ويقوم، ويأمر وينهى، وهكذا، فيكون اجتماعهم حجة ما اجتمعوا على باطل، والمقصود بالإجماع: إجماع أهل الحل والعقد من العلماء الراسخين على حكم شرعي.

وقدّم الأمر بالمعروف عن النهي عن المنكر تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ فيمكن أن يكون هذا باعتبار أن الأمر بالمعروف هو الأصل، أما النهي عن المنكر فهو عارض، فهو من باب تنقية المحل، ومن باب التنظيف، لكن كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- بأن النفوس خُلقت لتعمل[4]، فالقلوب ينبغي أن تُعمر بالإيمان وتقوى الله، وتُعمر الجوارح أيضًا بالعمل الصالح، فهذا هو المقصود، أما النهي عن المنكر فهو مقصود لغيره، وليس بمقصود لذاته، يعني المقصود هو تحقيق عبادة الله وطاعته وطاعة رسوله -عليه الصلاة والسلام-، هذا هو المطلوب وهو تحقيق العبودية، لكن قد يرد ما يؤثر على ذلك، فهنا يُحتاج إلى دفعه، فهذا هو النهي عن المنكر؛ ولذلك لا يصح في التعليم والتربية والدعوة أن يكون شُغل الإنسان دائمًا: النهي، أو التحذير، سواء كان في بيته، أو كان في مدرسته، أو غير ذلك، ينهى ويُحذر، لا تفعل، ممنوع، هذا غير صحيح، النفوس خُلقت لتفعل، فتحتاج إلى أن توجه إلى العمل الصحيح المُثمر النافع الذي يحصل به عمارة القلوب والجوارح بالإيمان، فالإيمان قول وعمل، وأما أن يُترك هذا، ثم بعد ذلك يُحذر الناس من كذا وكذا وكذا، ثم ماذا؟! ماذا حصل بعد ذلك من العمل والقيام بوظائف العبودية؟! فهذا أوجه هذه الوجوه في سبب تقديم الأمر بالمعروف على النهي عن المنكر.

وأما ما قد يرد من سؤال: لماذا أُخر الإيمان على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان هو الأصل؟ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ فمن أهل العلم من قال: إن ذلك من أجل التنويه بهذه الشعيرة، ومن أهل العلم من أجاب عن ذلك بأن السياق هنا في بيان خيرية الأمة، فكانت المزية التي تميزت بها على سائر الأمم هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أما قضية الإيمان فهي قضية مشتركة عند سائر الأمم، وهذا جواب وجيه وحسن، فيكون المقصود هنا ذكر ما تميزت به هذه الأمة على غيرها، نعم هم يوجد عندهم أمر بمعروف، ونهي عن منكر، كما قال الله : كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ [المائدة:79] ولذلك وقع عليهم اللعن، فلو لم يكن واجبًا عليهم لما حلت بهم اللعنة، لكن لم يكن بهذا القدر والحجم الذي شُرع لهذه الأمة، ذات الشريعة الواسعة، كما قال شيخ الإسلام: بأن هذه الشريعة كالشرائع المتعددة في سعتها وشمولها[5]، فباب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من أوسع الأبواب، فهنا قُدم على الإيمان بالله -تبارك وتعالى-.

وكذلك أيضًا قد يكون لا يخلو من تعريض لأهل الكتاب الذين ضيعوا هذه الشريعة، فيقول أنتم خير أمة تقومون بهذه الوظيفة التي استحقوا اللعن حينما ضيعوها وأهملوها وتركوها، فهم يدعون الإيمان، لكن تركوا الأمر والنهي.

ثم أيضًا يمكن أن يُقال: بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأهميته فهو سياج يحفظ الأمة فُقدم، وهو الرافد الكبير لحفظ الضرورات الخمس من الجهتين: من جهة الوجود، ومن جهة العدم، جهة الوجود بتقرير ما يُثبت دعائمها، ويقوي أركانها، فالدين أعلاها، ثم النفس، ثم العقل، ثم العرض، ثم المال، وهذه هي الضرورات الخمس، والنهي عن المنكر يحفظ هذه الضرورات في جانب العدم، فمن اعتدى عليها، أو أخل بها أُخذ على يده، فالمُبتدع أو مُثير الشبهات، وصاحب المعاصي والمجون والفسق، إلى غير ذلك، يؤخذ على يديه، وكذلك فيما يتعلق بعقول الناس، كالمسكرات ونحوها، وما يتعلق بالأعراض، كالقذف، أو الزنا، وما يتعلق بالأموال كالسرقة والاختلاس والرُشا؛ ولهذا شُرعت جميع الحدود لحفظ الضرورات الخمس من جانب العدم، ففيما يتعلق بالدين، قال: من بدل دينه فاقتلوه[6]، وما يتعلق بالنفس: النَّفْسَ بِالنَّفْسِ [المائدة:45] وما يتعلق بالعقل حد المُسكر، وما يتعلق بالعرض حد القذف، وحد الزنا بنوعيه المُحصن وغير المُحصن، وما يتعلق بالمال حد السرقة، فشرعت هذه الحدود حفظًا لهذه الضرورات، فهذه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو السياق الذي يحفظها؛ ولذلك فإن عبيد الشهوات يُقلقهم ويزعجهم هذا، فهي القضية التي تؤرقهم، فيُكثرون من ذمها، والتبرم بها، وبأصحابها والقائمين به، يُكثرون من ذلك بأقلامهم وألسنتهم، وفي كل فُرصة تلوح لهم يفترون ويُلفقون عليها الأكاذيب، ويطيرون إذا وجدوا شيئًا من الأخطاء، فيُضخمونها، وينفخون فيها فعل الشياطين، ويشوهون هذه الشعيرة، وهي بنص القرآن عنوان خيرية هذه الأمة، فإذا سُلبت ما الذي يبقى؟! وكما قال الله : وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا [النساء:27] هو لا يكفيهم أن يقعوا هم في الشهوات، وإنما يريدون أن تميلوا أنتم أيضًا، كما جاء عن عثمان : "ودت الزانية أن النساء كلهن يزنين"[7]، فهؤلاء يُزعجهم أن يروا المجتمع نظيفًا طاهرًا، وإنما يريدون أن يغمس الجميع في الوحل؛ ليستووا في الرذيلة والفساد، وما إلى ذلك.

على كل حال يبقى في هذه الآيات وقفات.

أسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، ويجعلنا وإياكم هداة مهتدين.

اللهم ارحم موتانا، واشفِ مرضانا، وعافِ مبتلانا، واجعل آخرتنا خيرًا من دنيانا، والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري في كتاب الشركة، باب هل يقرع في القسمة والاستهام فيه برقم (2493).
  2. أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء باب قصة يأجوج، ومأجوج برقم (3346) ومسلم في الفتن وأشراط الساعة، باب اقتراب الفتن وفتح ردم يأجوج ومأجوج برقم (2880).
  3. أخرجه البخاري في كتاب المناقب برقم (3641) ومسلم في كتاب الإمارة، باب قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم)) برقم (1037).
  4. اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (2/126).
  5. مجموع الفتاوى (19/310).
  6. أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب لا يعذب بعذاب الله برقم (3017).
  7. المبدع في شرح المقنع (8/320).

مواد ذات صلة