الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
قال الله تعالى في سياق ذكر أوصاف المتقين: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِين الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين [آل عمران:133-134] وتحدثنا عن هذا القدر من الأوصاف، ثم بعد ذلك قال الله -تبارك وتعالى-: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُون [آل عمران:135].
وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أي: إذا ارتكبوا ذنبًا كبيرًا عظيمًا، أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بترك طاعة الله، أو فعل معصيته، فهذا من باب عطف العام على الخاص، فإن ظلم النفس يتضمن الكبائر، كما يتضمن أيضًا الصغائر، ذَكَرُوا اللَّهَ أي: ذكروا وعده ووعيده، وذكروا عظمته، وذكروا نظره إليهم، فعادوا إليه منيبين، فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ فطلبوا غفران الذنوب، والتجاوز عنها، مع سترها، كما عرفنا أن الغفر: يتضمن هذا وهذا، يعني: الستر، والوقاية، فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ لخطاياهم وجرائرهم.
وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ هذا استفهام يُفيد معنى التقرير، ومن يغفر الذنوب إلا الله، فالله وحده هو الذي يغفر الذنوب، فعلموا أن لهم ربًّا يغفر الذنب، فأنابوا إليه، واستغفروا وتابوا، ومن ثَم قال الله تعالى: وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُون يعني: لم يُقيموا على هذه الذنوب والفواحش والمعاصي، وهم يعلمون أنهم عصوا الله ، ويعلمون أن ربهم -تبارك وتعالى- يقبل التوبة عن التائبين، ونحو ذلك مما يذكره أهل العلم.
فيؤخذ من هذه الآية الكريمة من الهدايات والمعاني: أنه ليس من شرط التقي أن لا تقع منه المعصية، فهذه أوصاف المتقين، ومن أوصافهم أنهم: إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ فليس من شرط التقوى العِصمة، وقد قال النبي ﷺ: كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون[1]، فإذا كان الحال كذلك، فالفرق بين المتقين وغيرهم، أن المتقي إذا وقعت منه الزلة تذكر مُباشرة، فأناب إلى الله، واستغفر من ذنبه وتاب، وغيره يُصر على معصيته، ولا يُبالي بحدود الله -تبارك وتعالى-، وحرماته، فينتهك ذلك، وهو غير مُكترث، وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ هذا يُشعر أن ذلك خلاف الأصل، فحين ذكر في صفاتهم أنهم ينفقون قال: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ فجاء بالفعل المضارع؛ لأن الإنفاق متكرر، لكن في الكلام على المعصية قال: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فعبّر بالماضي؛ لأن هذا خلاف الأصل، فليست هذه عادتهم، ولا ديدنهم، وإنما قد تقع الزلة والغفلة، والخطأ، وقد تغلب الإنسان نفسه الأمارة بالسوء فيزل، لكنه يُبادر إلى التوبة.
فيؤخذ أيضًا من قوله: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ أن من يقع من الإنسان من الإساءات والخطايا والذنوب، ونحو ذلك أنه في الواقع ظلم للنفس، كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم [يونس:23]، مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا [فصلت:46] فالإنسان حينما يُقارف ما يُقارف من الذنوب والخطايا، إنما يضر نفسه، فيحمل أوزارًا يأتي بها يوم القيامة على ظهره تُرهقه وتُثقله، وهو الذي يلقى غِبها وجزاءها، فيحتاج العبد أن يقف مع هذا مليًّا، فإذا فوت العبد الصلاة، أو أضاع حقًّا من حقوق الله، أو فعل شيئًا من معاصيه، أو غير ذلك، فالواقع أنه يظلم نفسه.
ولاحظ هنا ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ فالفاء تدل على التعقيب المُباشر، وهي تدل أيضًا على ترتيب ما بعدها على ما قبلها، وأن ذكر الله يوجب الذكر، ذكرٌ بالقلب واستحضار عظمته، ونظره، ومراقبته، فيوجب الإنابة.
ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ فهنا مُباشرة يأتي الاستغفار، وهذا الاستغفار المقصود به التوبة؛ لأن الله ذكره في سياق المدح لهؤلاء، بخلاف الاستغفار الذي يجري على اللسان من غير مواطأة القلب، يقول الإنسان: أستغفر الله، وهو يفعل الذنب، ويواقع المعصية، فهذا لون من التلاعب، وليس بتوبة، فالاستغفار قد يكون توبة إذا كان مع مواطأة القلب، والندم على ما وقع من الإنسان.
فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ ففي هذه الآية الحث على الاستغفار المُضمن التوبة المُضمنة الندم على ما وقع من الإنسان، والعزم على عدم العود إليه مستقبلاً، فهذه التوبة الصحيحة، بخلاف من يستغفر، أو يقول: بأنه تائب وهو في نفسه لو حصل له مستقبلاً فرصة للوقوع بالذنب لوقع فيه، فمثل هذا ليس بتائب حقيقة، بل لا بد من العزم الأكيد على عدم العود إلى ذلك.
وقوله: وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ يدل على أنه وحده -تبارك وتعالى- المرجو المتوجه إليه بغفران الذنوب، فلا يحتاج العبد إلى مُكاشفة مخلوق، فالنصارى يذهبون إلى القسيس في غُرفة الاعتراف، وهذا الشيء موجود إلى اليوم، ويجلس الإنسان أمامه، ثم بعد ذلك يذكر جرائره وجرائمه بالتفصيل، ثم بعد ذلك يزعم هذا القسيس أنه قد غفر له، وهكذا بعض أهل الضلال الذي يعطون من شاءوا صكوك الغفران، فهؤلاء ضُلال، ولا يمكن أن يملك أو يمنح أحد المغفرة إلا الله ، وللأسف يوجد في بعض بلاد المسلمين التي ينتشر فيها الجهل والتصوف، وهذا موجود إلى الآن، تجد الرجل يكون تاركًا للصلاة العُمر كله، ثم إذا مات جاء قريبه، أو نحو ذلك، بمال إلى كبير المشيخة، ثم يجمع هذا الكبير أفراد المشيخة، ويتحلقون حلقة، ثم بعد ذلك يقول هذا القريب، أو يقول الشخص نفسه إذا كان في آخر حياته مثلاً، وقد ترك الصلاة في العُمر كله: أسقط عني صلاتي في حياتي، فيأخذ كبيرهم هذا المال، ثم يقول: أسقطت عنك صلاتك في حياتك، ويُسمي قريبه فيقول: أسقطت الصلاة عن فلان مدة حياته، ثم يعطيه للذي بجواره، فيقول مثل هذا، ثم يُعطيه للذي بجواره ويقول مثل هذا، إلى أن يدور على هؤلاء جميعًا، ثم بعد ذلك يقول: سقطت عنه الصلاة، ثم يقتسمون هذا المال بينهم، هذا معمول به الآن للأسف في بعض البلاد، ممن ينتسبون إلى الإسلام، فالذي يملك المغفرة هو الله، وليس القسيس، وليس المُعمم، وليس هذا الذي ينتسب إلى المشيخة، فهذه تدل على عظمة هذا الدين، والحق الذي جاء به الرسول -عليه الصلاة والسلام-، فلم يجعل بين الناس وبين الله -تبارك وتعالى- واسطة، يتوددون إليه، ويستجدونه، ونحو ذلك؛ ليغفر لهم، بل مباشرة لا يعلم به أحد من الخلق، ولا حاجة لئن يفتضح، وإنما يعلم الله من قلبه أنه نادم وعازم على عدم العود، ويستغفر ربه، والله يقبل التوبة عن عباده، ويفرح بها، كما جاء في الحديث، فهذا من لُطفه ورحمته، وسعة مغفرته، وقُربها، فهو مفزع المذنبين والخاطئين والمقصرين، وكلنا ذلك الرجل، ومهما تعاظمت الذنوب، وتكاثرت الخطايا، فإن مغفرة الله -تبارك وتعالى- أوسع، وتعرفون حديث الذي قتل تسعًا وتسعين نفسًا، فهذا كمل المائة بالذي قنطه من التوبة، فإلى أن قال له ذلك الرجل: ومن يحول بينه وبين التوبة[2]، فمهما كثرت الذنوب، وتعاظمت، فالله غفّار، كثير الغفر، وهو غفور، وهذه أيضًا صيغة مبالغة، على كثرة الخلق، وكثرة جناياتهم، فهذا هو الطريق، ومن هنا فلا يأس ولا قنوط وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وذكر الفاحشة وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحشَةً والفاحشة هي الذنب العظيم الكبير، فلا يقنط العبد من رحمة ربه -تبارك وتعالى-، مهما كثُرت، لكن لا يُصر على الخطايا.
وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ هذه أوصاف المتقين، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في أوصافهم في الآية التي قبلها: وصفهم بالكرم، وأنهم ينفقون في السراء والضراء، والحِلم، وكظم الغيظ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ والعفو عن الناس، ثم لما جاءت الشهوات المحرمات وصفهم بالتوبة منها، وترك الإصرار عليها، لا بترك ذلك بالكلية[3]، وليس معنى ذلك أن يتساهل الإنسان، ويقول: أنا سأفعل المعاصي والكبائر، ونحو ذلك، وإنما هذا فيمن وقع منه بغلبة هواه، فإنه سرعان ما يتذكر ويرجع، ويُنيب إلى ربه -تبارك وتعالى-، وإلا فلا يحق لأحد أن يجترئ على الله، وعلى حدوده.
ويؤخذ أيضًا من هذه الآية: أنه مهما كان من العبد من ذنب، فإذا أذنب واستغفر، ثم أذنب واستغفر، ثم أذنب واستغفر، فإن الله يغفر له، وإن تكرر الذنب منه؛ لأنه قال: وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُون ولم يقل: ولم يعيدوا ما فعلوا، أو لم يُكرروا ما فعلوا، وإنما قال: وَلَمْ يُصِرُّوا والإصرار المداومة، لكن هذا الإنسان الذي أذنب، ثم تاب توبة صحيحة، مُحي الذنب الأول، فإذا غلبته نفسه فوقع في الذنب ثانية، فإنه يُبادر إلى التوبة، فيمحو الله ذنبه، فيكون كأن لم يكن عليه خطيئة، ثم بعد ذلك إن وقع في ذنب يستغفر، فيمحو الله ذنبه، فهذا هو الطريق الصحيح، والشيطان يُيأسه من هذا، ويُشعره ويوهمه بأنه مُتلاعب بالتوبة بهذا الصنيع، وليس كذلك، فالتوبة تمحو أثر الذنب، لكن عليه أن يُبادر؛ لأنه لا يدري متى يموت؟ وبماذا يُختم له؟ وقد يُحال بين قلبه والتوبة، كما ذكرنا في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ [الأنفال:24] يعني: قد يريد التوبة ولا يستطيع، ولا يوفق، فيحتاج إلى المُبادرة، وبعض الناس ربما يُقدم على الذنب ويقول: أتوب بعده، وما يُدريه، فهذا لا شك أنه استخفاف بالتوبة، وبعظمة الله -تبارك وتعالى-.
أُوْلَـئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِين [آل عمران:136] أي: أولئك الموصوفون بهذه الصفات الكاملة {جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ} وعرفنا المغفرة أنها: ستر الذنوب، الوقاية من المؤاخذة والعذاب والعقوبة.
وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ والجنات هي البساتين، كثيرة الأشجار، تجري من تحت أشجارها وقصورها الأنهار، خَالِدِينَ فِيهَا أي: لا يخرجون منها، فهم مخلدون وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ هذه الجنات والمغفرة من الله -تبارك وتعالى-.
وقوله: أُولَئِكَ أشار إليهم بالبعيد؛ لرفعة درجتهم، ومنزلتهم، أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ سماه جزاء، فهذا يدل على أن الأعمال تكون سببًا لدخول الجنة، ومغفرة الذنوب، سواء أعمال القلوب، أو أعمال الجوارح، يعني: الإنفاق، والتوبة والاستغفار، فالتوبة من أعمال القلوب، وهكذا الاستغفار المُضمن للتوبة، فهو من عمل اللسان والقلب، إلى غير ذلك، وكظم الغيظ، فهذه من الصفات النفسية؛ وذلك يكون مبدأه القلب، فهؤلاء أصحاب هذه الصفات الكاملة جَزَاؤُهُم فسماه جزاء، جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ ونُكرت المغفرة، وهذا التنكير يُفيد التعظيم، يعني مغفرة عظيمة، يمحو الله بها خطاياهم وجرائرهم، وهذه المغفرة كائنة من الرب -تبارك وتعالى-، مِّن رَّبِّهِمْ وإذا أُضيفت إليه مِّن رَّبِّهِمْ فهذا يعني أن هذا الذي أضيف إلى العظيم الأعظم أنه عظيم وكبير.
وهذا الاسم الكريم هنا في هذا الموضع مِّن رَّبِّهِمْ معنى التربيب والتربية، وهو الذي يتعاهد خلقه بما يغذوهم به، من النِعم الظاهرة والباطنة، وما إلى ذلك، فهذا من ألطافه ورحمته بعباده، وأنه يغفر ذنوبهم، ويقبل توبتهم، ويمحو خطاياهم.
مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ يعني: كائنة من ربهم، وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ والتنكير في (جنات) أيضًا يدل على التعظيم، وقد تكلمنا عن طرف من هذا في مناسبات، فإذا كانت شجرة واحدة في الجنة، كما يقول النبي ﷺ: إن في الجنة لشجرة، يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام ما يقطعها[4]، فهذه شجرة واحدة "طوبى"، يسير الراكب الجواد المُضمر السريع، تحت ظلها مائة عام، لا يقطعها، فكيف بسعة الجنة التي عرضها السماوات والأرض، كما سبق، وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أنهار المياه العذبة، وأنهار اللبن، وأنهار الخمر، وأنهار العسل المُصفى، خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ الخلود: البقاء الأبدي السرمدي، وكما ذكرنا في عدد من المناسبات بأنه لا يُنغص النِعيم إلا المُفارقة، فإذا تذكر الإنسان أنه يُفارق هذا النعيم، فإنه يتنغص عليه هذا النعيم، ويتكدر، فهنا ذكر الخلود، والإقامة الدائمة في هذه الجنات.
وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ فهذا مدح وثناء وإطراء لهذا الأجر، وسماه أجرًا، وهذا من فضله على عباده، وإلا فإن أعمالهم لا تكون موفية لبعض نِعمه عليهم، ومع ذلك شرع لهم الأعمال، وهداهم إليها، وأثابهم، وسمى هذا الثواب أجرًا، كالأجر الذي يُعطى للعامل، مع أنه هو الموفق لهم لهذا العمل، وهو الذي شرعه وبينه، وأرسل الرسل، وهو الذي هداهم، وهو الذي قبل منهم، فسماه أجرًا، وهذا من فضله وكرمه.
أسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.
- أخرجه الترمذي في أبواب صفة القيامة والرقائق والورع برقم (2499) وحسنه الألباني.
- أخرجه مسلم في كتاب التوبة، باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله برقم (2766).
- مجموع الفتاوى (17/29).
- أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار برقم (6553) ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها باب إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها برقم (2828).