الخميس 19 / جمادى الأولى / 1446 - 21 / نوفمبر 2024
طلب العلم - نزول القرآن
تاريخ النشر: ٢٨ / ذو القعدة / ١٤٢٣
التحميل: 1985
مرات الإستماع: 1668

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقبل أن أبدأ أذكِّر بقضية أظن أنها مهمة، وهي: أن هذه الدورات والدروس التي تحضرونها، هي: عمل صالح تجتمعون عليه، والله يجزيكم عليه الجزاء الأوفى، إذا كان للإنسان فيه نية، سواء في ذلك حصَّل من العلم شيئًا أو لم يُحصِّل، فكلكم في عبادة، وهي: من أجل العبادات، ولا أعلم عملاً بعد الفرائض أفضل وأشرف مما أنتم فيه، فهذه واحدة.

الأمر الآخر: أن هذه الدروس وهذه الدورات لم تعقد من أجل تخريج علماء، وإنما كما قيل:

ولكن تأخذ الأذهان منه على قدر القرائح والفهوم

فكل إنسان بحسب ما أعطاه الله .

فهذه دروس بمختلف العلوم مبسطة وميسرة، يفهم منها كل واحد بحسب ما أعطاه الله من الفهوم والمدارك، ثم بعد ذلك يستطيع الواحد منكم أن يسلك الطريق، وأن يسير على الجادة، وأن يستمر في التحصيل، وأن يتتبع أهل العلم، وأن ينظر في الكتب، وأن يسأل، وأن يناقش، ثم بعد ذلك يحصل تحصيلاً كثيرًا، إذا كان له جد وتشمير مع ذهن ونية، ولكن كل إنسان في مثل هذه المجالس يأخذ بحسب ما أعطاه الله ، على قدر أخذه، فهذه قضية ينبغي أن تكون واضحة، ولم نعقد هذه الدورات من أجل أن نخرج علماء، ثم بعد ذلك نُسْأَل، ويقال: أين هؤلاء العلماء الذين تخرجوا؟ فلم تعقد هذه الدورات من أجل هذا.

ثم أيضا من الأمور التي ينبغي التنبه لها في مثل هذه الدورات والمجالس: أن من حضرها يستفيد علما، ويستفيد أدبا، ويستفيد هديا ودلا وسمتا، وصحبة صالحة، وتحفه الملائكة بأجنحتها، وتغشاه السكينة، ويذكره الله في من عنده، وقد يقوم من هذا المجلس مغفورا له، وأي المجالس يحصل فيها مثل هذه الفضائل سوى مجالس العلم؟!

فهذه الأمور ينبغي أن تلاحظ، إضافة إلى ما في هذه الدروس والدورات من: إحياء العلم، وتحبيبه للنفوس، وإلف الشباب في مقتبل العمر لهذه المجالس، حينما يحملون الكتاب والقلم، ويحضرون، ويدونون، ويتربون هذه التربية التي هي: من أرقى وأفضل مراتب التربية، فهذا يكفي أن يحضر الشاب في مقتبل عمره، وهو: يحمل كتابا، وكذلك يحضر الكبير، وهو: يحمل كتابا، فيتعلم الأدب والتواضع، ويتعلم أشياء كثيرة مما يتعلق بالإلقاء وطريقة التعليم والتعَلُّم، ثم يحصل له من بركة المجلس أشياء كثيرة جدا في الفهم لا تحصل له إذا قرأ في بيته، وانظروا أنتم في هذا الوقت اليسير بين المغرب والعشاء لو جلست في بيتك كيف تفرق عليك الوقت، بينما أنت هنا قد تجد أن هذا الوقت في غاية الطول، وهذا لا يحصل إذا خرج الإنسان من المسجد، فانظر ماذا تقضي أنت من الفوائد، وانظر ماذا يقضي كثير من الناس في مثل هذا الوقت خارج المسجد، فهو: وقت قصير، وهكذا الأوقات الأخرى التي يحضرها الإنسان في مجالس العلم، فيحصل له من أنواع البركات شيء كثير؛ ولذلك أحث الإخوان على الحرص على مجالس العلم، ويكون ذلك بإذن الله عاصما لهم من كثير من الشرور، والفتن والآفات، وبنيات الطريق، وقطاع الطرق، وما أشبه ذلك ممن يقطعون عليهم سيرهم إلى الله -تبارك وتعالى، فهذه أمور مهمة.

وأما من لم يعتد ثني الركب في مجالس العلم التي بكى عليها معاذ بن جبل عند موته، فقال: "أبكي على ثلاث، وذكر منها: مزاحمة العلماء بالركب"[1]، من لم يعتد على هذه المجالس، ويثني ركبته، ويتعلم كيف يتواضع ويتأدب، فإنه وإن حصَّل من الكتب، فإنه يحصل تحصيلا مع خلل كثير في الأدب، يتطاول فيه على الكبير والصغير، ويترفع ويتكبر ويتعالى على عباد الله ، ولا يملأ عينه أحد، لا من السلف ولا من الخلف، فهو: يغمز هذا، ويلمز هذا، ويقع في عرض هذا، وينتقد هذا، وينتقص ذاك، بينما إذا تعلم الطالب كيف يتأدب، وكيف يحضر هذه المجالس، ارتفعت عنه كثير من هذه الآفات، فإذا تكلم يتكلم بأدب، ويحفظ لسانه، ويراقب حركاته وسكناته، ولا يترفع، ولا يتكبر عن فائدة أو عن مجلس علم، فكم يُحصِّل من حضر مجالس العلم في المساجد من خير كثير، أسأل الله أن يبارك لنا ولكم في مثل هذه المجالس، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه.

بعد ذلك أقول: بقي من موضوعنا السابق بقية يسيرة، فكنا نتحدث عن آية الشورى، وهي قوله -تبارك وتعالى: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ [الشورى:51]، وقلنا إن قوله: إِلَّا وَحْيًا، يشمل: الرؤيا الصالحة، والنفث في الروع، والإلهام.

وقوله: أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، يتضمن: التكليم الإلاهي المباشر.

وقوله: أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً، أي: أن يرسل رسولا من الملائكة إلى رسول من البشر، أو أن يرسل رسولا بشريا إلى الناس؛ لأن الله لا يخاطب الناس فيما أراد منهم، وإنما يرسل رسولا إليهم يخاطبهم بما أراد الله -تبارك وتعالى.

والمَلَك حينما يأتي للرسول البشري، أو قل لنبينا ﷺ، يأتيه بصور متعددة، فهذه هي الصور:

الصورة الأولى منها: أن يأتيه على صورته الحقيقية، وقد حصل ذلك للنبي ﷺ مرتين، المرة الأولى، وهي: أنه رآه النبي ﷺ على كرسي، أو عرش بين السماء والأرض، كما في حديث جابر الذي يفسر قول الله وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى ۝ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى [النجم:13-14]، فهذه هي المرة الثانية: عند سدرة المنتهى، والمرة الأولى: كانت في الأرض، كما في حديث جابر: فبينا أنا أمشي سمعت صوتا من السماء، فرفعت رأسي، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض[2]، وفي رواية: ثم نوديت، فرفعت رأسي، فإذا هو قاعد على عرش في الهواء، يعني: جبريل، فأخذتني رجفة شديد[3]، فهذه هي الحالة الأولى: أن يأتي على صورته الحقيقية، وقد حصل ذلك للنبي ﷺ مرتين.

الصورة الثانية: أن يأتيه ولا يراه النبي ﷺ، ولكن تُرى بعض الآثار على النبي ﷺ، وقد تُسْمع بعض الأصوات، ولكن جبريل لا يُرى، فالصحابة كانوا يسمعون عند وجه النبي ﷺ إذا نزل عليه جبريل، يسمعون صوتا كدوي النحل عند وجهه ﷺ، ويتفصد العرق من جبينه في اليوم الشاتي، ويدل على ذلك: حديث عائشة -ا: أن الحارث بن هشام سأل رسول الله ﷺ، فقال: يا رسول الله! كيف يأتيك الوحي؟ فقال النبي ﷺ: أحيانا يأتيني مثل: صلصلة الجرس، وهو: أشد علي، فيفصم عني وقد وعيت ما قال[4]، يأتي مثل صلصلة الجرس، وذكر النبي ﷺ الحالة الثانية للحارث بن هشام، وهو: أن يأتيه على هيئة رجل، فيكلمه، فيعي ما يقول.

فالحاصل أن الحالة التي تأتيه هنا، الحالة الأولى المذكورة في حديث الحارث بن هشام: أن يأتيه على مثل صلصلة الجرس، يعني: أن النبي ﷺ يسمع صوتا كصلصلة الجرس، والصلصلة هي: صوت متدارك، وهو معروف، والجرس معروف، هو الجلجل.

وبعض أهل العلم يقولون: إن النبي ﷺ يسمع هذا الصوت، والصحابة يسمعون كأزيز النحل عند وجهه ﷺ[5]، فبالنسبة إليهم يسمعون صوت النحل، كدوي النحل، وبالنسبة للنبي ﷺ يسمع صوتا كصلصلة الجرس.

ومما يدل على ذلك أيضًا حديث عمر بن الخطاب أنه قال: كان النبي ﷺ إذا نزل عليه الوحي يسمع عند وجهه كدوي النحل، فأُنْزِل عليه يومًا، فمكثنا ساعة، ثم سري عنه، فقرأ: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون:1][6]، وكذلك حديث عبادة بن الصامت قال: كان نبي الله ﷺ إذا نزل عليه: كَرِبَ لذلك، وتَرَبَّد له وجهه[7].

وقالت عائشة -ا: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا[8]، وهذا هو: الغالب من الحالات التي كان يأتي بها جبريل إلى رسول الله ﷺ.

الحالة الثالثة: أن يأتي للنبي ﷺ على هيئة، أو على صورة رجل، ويدل على ذلك: حديث الحارث بن هشام الذي روته عائشة -ا، وفيه: وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا، فيكلمني، فأعي ما يقول[9].

وكذا حديث ابن عمر -ا: كان جبريل يأتي النبي ﷺ في صورة دحية الكلبي[10]، وهو رجل من الصحابة، فيأتي في صورته، وكذلك حديث عمر ، وهو ما يعرف بحديث جبريل المشهور: لما جاء جبريل في هيئة رجل، شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يعرفه منهم أحد، ولا يرى عليه أثر السفر[11]، ومن ذلك أيضًا: ما وقع للنبي ﷺ في طفولته: حيث جاءه رجلان، فشقا صدر النبي ﷺ...، الحديث[12]، فهذا كله مما يستدل به على هذه الحالة.

وهنا سؤال، وهو: أن الحارث بن هشام عندما سأل النبي ﷺ عن كيفية مجيء الوحي إليه؛ أجابه النبي ﷺ بصورتين: كصلصلة الجرس، وعلى صورة رجل، مع أن هناك بعض الصور الأخرى من صفات الوحي وحالاته: كدوي النحل، والنفث في الروع، والإلهام، والرؤيا، والتكليم بلا واسطة، وكذلك مجيء جبريل إلى النبي ﷺ بصورته الحقيقية، فهذه خمس صور ذكرناها فيما سبق لم ترد في حديث الحارث بن هشام لما سأل النبي ﷺ، فلماذا ذكر له النبي ﷺ حالتين فقط؟

فيقال: لأنها هي الغالب، سأله فأجابه النبي ﷺ بالغالب، فيمكن أن يقال هذا.

أو أن ما ذكر وقع بعد سؤال الحارث بن هشام؛ وهذا فيه بُعد، بل هو غلط، وإن قاله بعض أهل العلم[13]؛ لأن جبريل جاء للنبي ﷺ بصورته الحقيقية في أول النزول في مكة، وقصة الحارث بن هشام كانت في أواخر العهد المدني، لأن الحارث بن هشام أسلم عام الفتح, لما دخل النبي ﷺ مكة فاتحا، وهذا في أواخر حياة النبي ﷺ، فهذا الجواب لا يصلح.

أو أن النبي ﷺ لم يذكر صورة الملك حينما يأتي بصورته الحقيقية مثلا؛ لأن ذلك نادر، وأيضًا: لم يذكر النبي ﷺ الإلهام والرؤيا؛ لأن هذه أمور قد تقع ولا غرابة فيها، وإنما سأله: كيف يأتي إليه الملَك فيوحي إليه بالوحي الذي تظهر آثاره على رسول الله ﷺ؟ أو كيف يأتيه بصورة لا يأتي بها إلى الناس سوى رسول الله ﷺ؟ أما الإلهام فيقع للناس، وكذلك الرؤيا الصالحة، فهو: لم يسأل عن ذلك.

ويمكن أن يقال أيضًا: بأن دوي النحل لا يتعارض مع صلصلة الجرس التي ذكرها النبي ﷺ؛ للاعتبار التي ذكرته فيما سبق، والعلم عند الله -تبارك وتعالى، وهكذا يمكن أن يحمل النفث في الرُّوع، أن يعاد إلى إحدى الحالتين، فيمكن أن يأتيه الملك فينفث في رُوعه، إما عن طريق، بأن يأتي بصفة صلصلة الجرس، الذي يسمعه النبي ﷺ، أو يأتي على هيئة رجل، ثم ينفث في رُوع النبي ﷺ لا مانع من ذلك، والأحاديث تحتمله، والعلم عند الله -تبارك وتعالى.

ويمكن أن يكون السؤال: عن صفة الوحي الذي يأتي بحامل، لا مجرد الرؤيا، ولا مجرد الإلهام، وهكذا: التكليم الإلهي المباشر، كالتكليم ليلة المعراج، فإنه لم يسأل عن ذلك.

وهناك احتمال: أن يكون  سأل عن الحالات التي يأتي بها الملك في اليقظة، فتخرج من ذلك الرؤيا الصالحة، أو لأن بعض الحالات لا تخفى على السائل، فهذه احتمالات يذكرها العلماء -رحمهم الله- في الجواب عن هذا الإشكال.

بعد ذلك أورد سؤالاً آخر، وهو: أن آية الشورى تضمنت الأنواع الخمسة التي ذكرناها، وقلنا: هي: أجمع آية في أنواع الوحي، لكن هنا سؤال، وهو: أن من أنواع الوحي: أن يكتب الله لنبي من الأنبياء كتابًا، أن ينزل عليه كتابًا، وهذا لم يرد في آية الشورى فيما يتبادر لمن نظر فيها؛ فما الجواب عن ذلك؟

فيقال: إن مسألة الكتابة وإنزال الكتب، هذه ثابتة لا شك فيها، والله أخبر: بأنه أنزل التوراة على موسى في الألواح، وأنه كتبها له، في سورة الأعراف قال: وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا [الأعراف:145].

وكذلك في قوله -تبارك وتعالى- عن موسى وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ [الأعراف:150]، وكذا في قوله: وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ [الأعراف:154]، وفي الحديث: إن الله خلق آدم بيده، وغرس جنة عدن بيده، وكتب التوراة بيده[14]، وهذه الألواح الأقرب أنها هي: التوراة، بدليل هذا الحديث، وكذلك في قوله -تبارك وتعالى: وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ [الأعراف:145].

وبعض أهل العلم يقولون: إن الألواح هي: الوصايا العشر[15]، وهذا فيه نظر، لكن يمكن أن يقال في الجواب:

بأنه يؤخذ من نفس الآية: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا [الشورى:51]، فالآية تكلمت عن طرق تكليم الله لأنبيائه -صلى الله عليهم وسلم، وما تكلمت عن الكتابة، يمكن أن يقال هذا، ويمكن أن يناقش أيضًا هذا الجواب.

ويمكن أن يقال، لمن أراد أن يرد هذا الجواب، ويقول: إن الكتابة هي: أحد اللسانيين، فهي: لون من الكلام، يمكن أن يقال: إن الكلام في قوله: أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا إلخ، أن يكون عن طريق الوحي، ويمكن أن يكون منه الكتابة.

أو يقال: الكلام في قوله: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الشورى:51]، إما مباشرة، أو أن يرسل رسولا، فيكون الملك قد جاء بهذه الألواح، أو بالتوراة، فيكون داخلاً في قوله: أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً [الشورى:51]، فهي: إما تدخل تحت قوله: إِلَّا وَحْيًا، أو تدخل تحت قوله: أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً.

ويمكن أن يقال: إن الآية تكلمت عن الكلام، كما يدل عليه أولها، -والله تعالى أعلم.

بعد ذلك أنتقل إلى موضوع آخر، وهو: الكلام على: تنزلات القرآن، ويعبر عنه أيضًا: بنزول القرآن.

الله يقول: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185]، ويقول: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر:1]، فالقرآن أخبر الله عن نزوله في شهر رمضان: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185]، وأخبر عن الليلة التي أنزل القرآن فيها، وهي: ليلة القدر، فالقرآن نزل إلى سماء الدنيا ليلة القدر جملة واحدة، ثم نزل بعد ذلك منجما في: عشرين سنة، أو ثلاث وعشرين سنة، أو خمس وعشرين سنة، على حسب الخلاف في مدة إقامة النبي ﷺ بعد البعثة في مكة، وبهذا تعرف جوابًا عن إشكال لربما يرد، وهو: أن الله تعالى قال: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر:1]، وقال: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185]، مع أن القرآن نزل على الليالي والأيام والشهور في ربيع، وذي القعدة، وذي الحجة، وغير ذلك، وفي أماكن مختلفة، وفي رمضان وغير رمضان، وفي ليلة القدر وفي غير ليلة القدر.

إذن: بإنزاله في شهر رمضان وفي ليلة القدر منه؛ أنه نزل جملةً إلى سماء الدنيا، ثم بعد ذلك نزل مفرقا في الأيام والليالي المختلفة، وقد صح عن ابن عباس من طرق متعددة أنه قال: "أنزل القرآن في ليلة القدر جملة واحدة إلى سماء الدنيا، وكان بمواقع النجوم، وكان الله ينزله على رسوله ﷺ بعضه في أثر بعض"[16]، وهذا ثابت عن ابن عباس.

وكذلك جاء عنه أنه قال: "أنزل القرآن في ليلة واحدة إلى سماء الدنيا ليلة القدر، ثم أنزل بعد ذلك بعشرين سنة، ثم قرأ: وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا [الفرقان:33]، وقرأ: وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً  [الإسراء:106][17].

وصح عنه أنه قال: "فُصِل القرآن من الذكر، فوضع في بيت العزة من السماء الدنيا، فجعل جبريل ينزل به على النبي ﷺ"[18].

وجاء بإسناد حسن أيضا عنه أنه قال: "أنزل القرآن في ليلة القدر في شهر رمضان إلى سماء الدنيا جملة واحدة، ثم أنزل نجوما"[19]، وأيضا بإسناد حسن عنه أنه قال: "أنزل القرآن جملة واحدة حتى وضع في بيت العزة في السماء الدنيا، ونزله جبريل على محمد ﷺ بجواب كلام العباد وأعمالهم"[20]، وبإسناد حسن أيضا عنه قال: "دفع إلى جبريل في ليلة القدر جملة واحدة، فوضعه في بيت العزة، ثم جعل ينزله تنزيلاً"[21].

فهذه الروايات التي ثبتت عن عبد الله بن عباس -ا- تدل على هذا المعنى، ولا يجوز العدول عنها؛ لأن لها حكم الرفع إلى النبي ﷺ؛ ولأن ذلك لا يقال من جهة الرأي.

ولا مانع أن يقال: بأن الله أنزل القرآن إلى سماء الدنيا في رمضان في ليلة القدر، وأن أول ما نزل على النبي ﷺ من القرآن أيضًا كان أيضًا في رمضان في ليلة القدر، فهذا لا مانع من أن يقال، وإن كان لا يقطع به، وبهذا يجمع بين بعض الأقوال التي وردت عن بعض السلف ؛ لأن بعضهم حمل قوله: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185]، وإِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر:1]، على أن الله ابتدأ إنزاله على النبي ﷺ، فيمكن أن يجمع بين هذه الأقوال فيقال: الله أنزله جملة إلى سماء الدنيا في ليلة القدر في رمضان، ويحتمل أن يكون ابتدأ الله إنزاله إلى النبي ﷺ أيضا في رمضان في ليلة القدر، ثم صار ينزل على النبي ﷺ في الأيام والليالي المختلفة.

وإذا قلنا: إن الله أنزله في ليلة القدر إلى سماء الدنيا، فمن أين أخذه جبريل ؟ وهذه مسألة من المسائل المهمة التي بنى عليها أهل السنة اعتقادهم في هذه القضية، فعقيدة أهل السنة والجماعة: أن جبريل سمع القرآن من الله مباشرةً، ونزل به على النبي ﷺ، وقد يسأل البعض فيقول: إذا كان سمعه من الله، فلماذا نزل في اللوح المحفوظ، كما قال الله عن القرآن بأنه: قُرْآنٌ مَجِيدٌ ۝ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ [البروج:21-22]؟ ولماذا جعله: فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ ۝ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ ۝ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ ۝ كِرَامٍ بَرَرَةٍ [عبس:13-16]؟ ولماذا جعله الله في بيت العزة في سماء الدنيا؟

فنقول: هذا يدل على مزيد عناية الله بهذا القرآن، فهو: حينما كتبه الله في اللوح المحفوظ لم يمنع ذلك من إنزاله إلى بيت العزة في سماء الدنيا، ولا يمنع ذلك من أن جبريل يسمعه من الله -تبارك وتعالى- مباشرة.

وكلمة التنزيل تدل على: نزول، كما يدل عليه ظاهرها، نزول من أعلى، وهذه الكلمة تدل على هذا المعنى بجميع استعمالاتها، ونحن حينما ننظر إلى القرآن حينما يحدثنا الله عن إنزاله، وننظر إلى استعمالات هذه اللفظة: النزول، في كتاب الله ؛ نجد أن ذلك على ثلاثة أنواع لا رابع لها:

النوع الأول: الإخبار بأن الشيء منزل منه ، أي: أن يضيف ذلك إليه سبحانه.

الثاني: أن يقيده بأمر آخر، أو بشيء آخر، كالسماء وغيرها.

الثالث: وهو: أن يطلقه من غير قيد.

أما النوع الأول، وهو: الإنزال الذي قيده الله  بأنه منه؛ فلم يرد في جميع المواضع في كتاب الله ؛ إلا في إنزال القرآن فقط، والآيات التي في هذا المعنى كثيرة جدا، كقوله -تبارك وتعالى: وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ [الأنعام:114]، ولم يقل: من السماء، وكقوله: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ [النحل:102]، وهكذا في قوله: تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [الزمر:1]، وهكذا أيضا في سائر المواضع التي من هذا القبيل.

والنوع الثاني: ما كان الإنزال فيه بقيد، لكن بقيد آخر؛ مثل: الإخبار بأن هذا أنزل من السماء، كقوله -تبارك وتعالى- مثلا عن المطر: فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً [الحجر:22]، والمقصود: مطلق العلو، والسحاب يقال له: سماء، كما قال الشاعر:

إذا نزل السماء بأرض قوم  رعيناه وإن كانوا غضابا

وكذلك في قوله -تبارك وتعالى- مما يفسر هذا المعنى: أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ [الواقعة:69]، فحينما يخبر عن إنزال المطر من السماء، يعني: من السحاب، وكقوله: فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ [النور:43]، من خلال السحاب.

وهكذا حينما أخبر الله -تبارك وتعالى- عن بعض الأشياء أنه أنزلها بقيد، كقوله: وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ [الزمر:6]، على أحد التفسيرات في الآية، مما يصلح هنا أن يكون شاهدا: وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ، يمكن أن يكون: أنزل أصولها، ويكون هذا من قبيل الإنزال المطلق، وهو: النوع الثالث الذي سيأتي، ويمكن أن يكون: وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ، أي: أن أولاد الأنعام تنزل، إما لأنها إذا ولدت سقطت أولادها إلى الأرض، فهذا نزول، أو لأن فحولها تنزو على إناثها، وهذا فيه معنى النزول، فيستقر ذلك في الأرحام.

وأما النوع الثالث، وهو: الإنزال المطلق، الذي لم يقيده بشيء، لا بالسماء ولا بغيرها، فكما قال الله في إنزال السكينة: ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ [التوبة:26]، من أين أنزلها؟ ما أخبر، وكقوله: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ [الفتح:4]، فما قال: أنزل السكينة منه، أو ما قال: أنزل السكينة من السماء، وإنما قال: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ [الفتح:4].

وهكذا: قد تنزل الملائكة بالسكينة في قلوب المؤمنين، كما قال الله إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا [الأنفال:12]، فتنزل الملائكة بالسكينة في قلوبهم، ويحصل الثبات من جراء ذلك، وهكذا قول النبي ﷺ: إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم علموا من القرآن، ثم علموا من السنة[22].

إذن: بهذا نعرف أنه لم يرد: إنزال شيء في كتاب الله، ولم ترد هذه اللفظة: لفظة التنزيل والإنزال والنزول مقيدة بأنها من الله إلا في شيء واحد، وهو: القرآن فقط، وأما الباقي مما أخبر الله أنه أنزل؛ فإما أن يُذكر بالإنزال والتنزيل المطلق، أو يقيد بشيء آخر كالسماء، وهذا يدل على: أن القرآن يختص بالله ، وأنه كلامه -تبارك وتعالى، وهذا هو: الاعتقاد المنجي الذي لا يجوز لأحد أن يعتقد في القرآن سواه، والآيات الدالة على نزول القرآن أو غيره من الوحي تقارب خمسين ومائة آية، وهذا يدل على: أهمية هذه العقيدة، ومنزلتها، فالله سبحانه يكررها بصور شتى، كما قال الله وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ۝ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ [الشعراء:192-194]، وكما قال: يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ، يعني: الوحي، يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ [النحل:2].

ومما يدل على ذلك، وعلى الخصوص: أن جبريل يأخذ الوحي من الله مباشرة، ولا يأخذه من بيت العزة، ولا من اللوح المحفوظ؛ الحديث المشهور: حديث النواس بن السمعان : أنه حدث عن النبي ﷺ أنه قال: إذا أراد الله أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي، أخذت السماوات منه رجفة، أو قال: رعدة شديدة؛ خوفًا من الله، فإذا سمع بذلك أهل السماوات صعقوا، وخروا لله سجدًا، فيكون أول من يرفع رأسه جبريل، فيكلمه الله من وحيه بما أراد، ثم يمر جبريل على الملائكة، كلما مر بسماء سأله ملائكتها: ماذا قال ربنا يا جبريل؟ فيقول جبريل : قال: الحق وهو العلى الكبير، فينتهي جبريل بالوحي حيث أمر الله [23]، فهذا الحديث نص صريح في أن الله يتكلم بالوحي، وأن أهل السماوات يصعقون، وأن جبريل يكون أول من يفيق، ثم يتلقف هذا الوحي من الله ، ثم ينزل به من سماء إلى سماء حتى يبلغ به ما أراد الله -تبارك وتعالى.

ويدل على ذلك أيضا: حديث ابن مسعود مرفوعًا إلى النبي ﷺ، وموقوفا على ابن مسعود أيضًا[24]، وهكذا حديث أبي هريرة  مرفوعًا.

وجاء في ذلك عدد من الأحاديث، ومن ذلك: حديث ابن عباس -ا- قال: "أخبرني رجل من أصحاب النبي ﷺ من الأنصار: أنهم بينما هم جلوس ليلةً مع رسول الله ﷺ، رمي بنجم فاستنار"، يعني: رأوا شهابًا، إلى أن قال: ولكن ربنا -تبارك وتعالى اسمه- إذا قضى أمرًا، سبح حملة العرش، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا، ثم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: ماذا قال ربكم؟ فيخبرونهم ماذا قال[25]، الحديث.

وثبت أيضًا عن ابن عباس -ا- أنه قال: بينما جبريل قاعد عند النبي ﷺ سمع نقيضًا من فوقه أي: سمع صوتًا فوقه، فرفع رأسه، فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملك فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض، لم ينزل قط إلا اليوم، فسلم، وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة[26]، والحديث في صحيح مسلم، فهذا الملك جاء بهذه البشارة إلى النبي ﷺ، وهذا واضح.

وهنا سؤال: فقد فهم فاهمون من هذا الحديث: أن غير جبريل قد يأتي ببعض القرآن إلى الرسول ﷺ، والله يقول: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ [الشعراء:193]، فهؤلاء الذين فهموا من هذا الحديث هذا الفهم أجابوا عن الآية: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، وعن قوله: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ [النحل:102]، قالوا: هذا باعتبار الغالب، ولا يمنع أن يكون نزل بآية أو سورة أو نحو ذلك غير جبريل.

وهذا فيه نظر، وإنما ذكرته؛ لأنه كتب في بعض الكتب المفيدة المتداولة في الأيدي، يقرؤها العامة والخاصة في موضوع الرسل والرسالات، فهذا فيه نظر، والله -تعالى- أعلم؛ إذ إن هذا الملك جاء بالبشرى، والبشارة قد تكون قبل وجود الشيء، كما بشرت الملائكة إبراهيم بغلام حليم، فمن جاء بالبشارة لا يعني: أنه جاء بالشيء، وقد تكون البشارة بعده، كما نبشر نحن من رزق بغلام بذلك، وهو: بعد حصول هذا الشيء.

فالمقصود: إذا نظرنا إلى ما بشر به هذا الملك حين قال: أبشر بنورين أوتيتهما، فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، فهذه الواقعة وقعت في المدينة، والذي يحدث بها هو: ابن عباس -ا، وسورة الفاتحة نزلت قطعًا في مكة، وهذا الحديث الذي في صحيح مسلم حمل بعض أهل العلم إلى قول غريب، وهو: أن سورة الفاتحة نزلت في المدينة، ولما استشكلوا ردا قال فيه بعض أهل العلم: إن النبي ﷺ لم يكن يصلي بمكة من غير الفاتحة، ومعلوم أنها من السور المكية، وهذا مشهور ومستفيض؛ قالوا: إذن: نزلت مرتين، وبعضهم قال: نزلت نصفين، وهذا غريب غاية الغرابة.

فسورة الفاتحة نزلت في مكة، وهذا الملك جاء بالبشارة، وأما سورة البقرة فقد نزلت في أول ما نزل بعد الهجرة في المدينة، وبهذا يتضح معنى هذا الحديث، وما يرد عليه من إشكال، والجواب عنه، والعلم عند الله -تبارك وتعالى.

ومما يدل على مسألتنا الأصلية، وهي: أن جبريل أخذ الوحي من الله مباشرة: حديث أبي سعيد الخدري -، عن النبي ﷺأنه قال: ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحًا ومساءً[27].

ومما يدل عليه أيضًا: قول ابن شهاب الزهري -رحمه الله: "آخر القرآن عهدًا بالعرش آية الدين[28]، وهذا يدل على: أن الاعتقاد السائد عند السلف : أن القرآن ينزل من الله -تبارك وتعالى- مباشرةً؛ ولهذا عبر الزهري بقوله: "آخر القرآن عهدًا بالعرش آية الدين"، فمعناه: لو كان ينزل من السماء الدنيا، كان ما كان آخر القرآن عهدًا بالعرش، فهذه مسألة مهمة يحتاج من نظر في هذا العلم إلى معرفتها؛ لأنه قد يشكل عليه بعض الأشياء التي يجدها في كثير من الكتب.

وهنا سؤال، وهو: أن قوله -تبارك وتعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر:1]، هذا إخبار عن نزول جملة القرآن في ليلة القدر، وهذه الآية من سورة القدر هي جزء من القرآن، فهل نزلت معه، أو نزلت بعد إنزاله جملة؟ فالسؤال هو: الله يقول: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر:1]، وهذه الآية هي بعض القرآن، فهل نزلت هذه بعد أن أنزله الله سوى هذه الآية، ثم أخبرت هذه الآية عنه: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر:1]، أو أنها نزلت معه؟ فكيف جاءت مخبرة بنزوله في ليلة القدر وهي: واحدة منه؟

فالجواب أن يقال: يمكن أن يكون: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ يعني: حكمنا بإنزاله؛ فهي: إخبار عن أمر مستقبل، فهذا جواب، وإذا فهمت ما سبق: من أن الله كتبه في اللوح المحفوظ، وأنزله إلى السماء الدنيا، وأن الله يتكلم به فيسمعه جبريل، فينزل بالآية على النبي ﷺ، ارتفع عنك هذا الإشكال، فالله كتب القرآن جميعا في اللوح المحفوظ، ومنه هذه الآية، وأنزله إلى بيت العزة في السماء الدنيا، ومنه هذه الآية، ثم هو يتنزل على النبي ﷺ إما ابتداء وإما بسبب معين، ولا إشكال، فنزل على النبي ﷺ من جملة ما نزل مما يحدثه عن هذا القرآن هذه الآية: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر:1]، وأما التمحل والتكلف في مثل هذه المسائل، فلم يكن من شأن السلف ، ولولا كثرة من يذكر هذه الأشياء لما ذكرتها؛ لأنها قد تصادف الإنسان ويجد أجوبة لا تصلح لذلك، والله تعالى أعلم.

ومما يدل على ذلك: حديث واثلة بن الأسقع ، أن النبي ﷺ قال: أنزلت التوراة لستٍ مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت منه، والزبور لثمان عشرة خلت منه، والقرآن لأربع وعشرين خلت منه، وفي وراية: وصحف إبراهيم لأول ليلة[29]، وهذا بإسناد حسن، وهو مطابق لقول الله إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر:1].

وقد يسأل بعض الناس فيقول: المشهور: أن النبي ﷺ نُبِّئ في شهر ربيع، فكيف نزل القرآن في ليلة القدر في رمضان؟

فالجواب أنه يمكن أن يقال: نزل إلى سماء الدنيا في رمضان، ونُبِّئ النبي ﷺ في ربيع، وإذا عرفتم أن النبي ﷺ ابتدِئ بالرؤيا الصالحة ستة أشهر، كما في حديث عائشة السابق[30]، ثم بعد ذلك نزل عليه القرآن، فلو قلنا: من ربيع إلى رمضان، هذه ستة أشهر، ثم نزل عليه القرآن في ربيع، فإذا قلنا: إنه نزل إلى السماء الدنيا فلا إشكال، وإذا قلنا: ابتدأ إنزاله إلى النبي ﷺ وهو: الوجه الآخر الذي جمعنا به مع القول الأول، فيكون ابتدِئ بالرؤيا الصالحة ستة أشهر من ربيع إلى رمضان، ثم نزل عليه القرآن في رمضان، والله تعالى أعلم.

بعد ذلك هنا سؤال آخر، وهو: نحن عرفنا أن القرآن كتب في اللوح المحفوظ، وأنزل جملة إلى السماء الدنيا، ثم فرق بعد ذلك، فما الحكمة من نزول القرآن مفرقًا؟ لماذا فرقه الله ؟

أولاً: ما الحكمة من نزول القرآن جملة إلى سماء الدنيا؟ أو نسأل سؤالا قبله: القرآن نزل مفرقا على النبي ﷺ، والكتب السابقة هل نزلت مفرقة أو نزلت جملة؟

الجواب: نزلت جملة، والدليل على ذلك: صحف موسى ، كما يدل عليه قوله تعالى:وَأَلْقَىالْأَلْوَاحَ [الأعراف:150]، فَخُذْمَا آتَيْتُكَ [الأعراف:144]، فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ [الأعراف:145]، فهذا كله يدل على ذلك.

وأيضًا يدل عليه: ما جاء عن ابن عباس -ا: "قالت اليهود: يا أبا القاسم! لولا أنزل هذا القرآن جملة واحدة، كما أنزلت التوراة على موسى، فنزلت الآية، وهي قوله تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ [الفرقان:32]"[31]، فسبب النزول له حكم الرفع إلى النبي ﷺ، فهؤلاء قالوا للنبي ﷺ: لولا أنزل هذا القرآن جملة واحدة، كما أنزلت التوراة على موسى.

وكذلك في نفس الآية: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً.

وقد يقول قائل: هذا الأثر عن ابن عباس، والقول الذي في الآية حكاه الله عن اليهود، هو: قول اليهود، وقول اليهود لا يعني: أنه صحيح، فكيف تحتج بالآية، وبقول ابن عباس في سبب النزول على: أن الكتب السابقة نزلت جملة واحدة؟

فالجواب: أن الله أقر ذلك؛ ولو كان هذا الأمر على خلاف هذه الحقيقة التي ذكروها، كان الله قال لهم: هكذا أنزلنا الكتب السابقة، أو هكذا سنة إنزال الكتب، فالله لما قالوا: وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ [الفرقان:7]، أخبرهم الله : أنه جعل المرسلين كذلك، فلما أقر الله ذلك دل على صحته.

ومعلوم: أن حكايات الأقوام التي يحكيها الله عن قوم أنهم قالوها، إذا لم تعقب في القرآن بما يدل على إبطالها، فإن هذا يدل على صحتها، إلا ما ندر، يعني: غالبًا يدل ذلك على صحتها، مثل: ما جاء في خبر أصحاب الكهف: سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ [الكهف:22]، ماذا قال: رَجْمًا بِالْغَيْبِ، ثم قال: وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ [الكهف:22]، فما أنكره وما أبطله، قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ، فهذا يشعر أن هذا القول في عدد أصحاب الكهف هو: الصحيح، وهذا له أمثله كثيرة، كقوله -تبارك وتعالى:وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا [الأعراف:28]، فأبطل أحد الأمرين، وسكت عن الآخر؛ مما يدل على صحته: قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ، وسكت عن: وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا، وهذا معنى صحيح.

ومما يدل على أن الكتب السابقة نزلت جملةً: ما جاء عن ابن عباس -ا- بإسناد حسن، قال: "أعطي موسى التوراة في سبعة ألواح"[32]، يعني: أنه أعطي ذلك جملة.

فإذا عرفنا هذا، فأقول بعده: بأن هذا القرآن الذي نزل مفرقا على النبي ﷺ، تارة ينزل على النبي ﷺ السورة بكاملها، وتارة ينزل عليه صدر السورة، وتارة ينزل عليه آية، وتارة ينزل عليه آيات، وتارة ينزل عليه بعض آية، فآيات الإفك، وهي: عشر آيات، نزلت جملة[33]، وسورة الفاتحة نزلت جملةً, وسورة الإخلاص نزلت جملة، وهكذا سور كثيرة من القرآن، ونزل أول سورة: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون:1]، عشر آيات دفعة واحدة[34]، وصح نزول: غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ [النساء:95]، بعد ما جاء ابن أم مكتوم، وقد نزل أول الآية، وهذا في البخاري[35]، وصح عن عكرمة في تفسير قوله تعالى: فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ [الواقعة:75]، قال: "أنزل الله القرآن نجومًا: ثلاث آيات، وأربع آيات، وخمس آيات"[36]، يعني: وأكثر من ذلك وأقل، فهذا النزول، منه: ما يكون بسورة كاملة، ومنه: ما يكون بأقل من ذلك.

بعد ذلك نرجع إلى السؤال الذي ذكرته سابقًا: ما الحكمة في نزول القرآن جملةً واحدة إلى سماء الدنيا؟

يمكن أن يقال: هذا أمر غيبي لا نخوض فيه بأفهامنا وآرائنا، فنمسك عنه، ونفوض العلم إلى عالمه، فنحن نعلم أنه نزل جملة، ونسلم بذلك، لكن لا شك أن هذا يدل على معنى، وهو: عظم عناية الله بهذا القرآن، ونقف عند هذا، وأما التفاصيل التي يذكرها بعض أهل العلم، فهذا نتوقف عنه، فلا نخوض فيه؛ لأنه من أمر الغيب، ولم يخبرنا الله عنه.

نأتي إلى سؤال آخر، وهو: ما الحكمة في نزول القرآن مفرقًا منجمًا على النبي ﷺ؟

الجواب: يمكن أن أذكر حكمًا كبيرة يندرج تحتها أشياء، فأذكر الحكمة ثم أذكر ما يدخل تحتها، أو وجه ذلك:

فالأولى: تثبيت فؤاد النبي ﷺ، كما قال الله كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً [الفرقان:32]، فهذه واحدة، وهذا التثبيت من خمسة أوجه، ما وجه هذا التثبيت بإنزاله مفرقا؟

هذه الوجوه الداخلة تحته أقول: أولها: أن في تجدد الوحي للنبي ﷺ مرة بعد مرة؛ انشراح لصدره ﷺ، لما في ذلك من عناية الله به، حينما يتعاهده الملك.

والثاني: أن ذلك أيسر لفهمه وحفظه، فيكون ذلك من تثبيت فؤاد النبي ﷺ بهذا القرآن من جهة الفهم والحفظ.

وكذلك أيضًا: أنه في كل مرة ينزل عليه القرآن، هو في الواقع: يأتيه بمعجزة جديدة، فيكون ذلك مزيدًا من التثبيت لرسول الله ﷺ.

وأيضًا: أن نزوله مفرقًا يكون ذلك تأييدًا له مرة بعد مرة؛ لأنه إذا نزل يدحض شبه المبطلين، ويرد على افتراءاتهم، ويكسرهم، وهم أعداء النبي ﷺ، فيكون ذلك مقويًا له، وناصرًا له على هؤلاء الذين يتقولون عليه زورًا وبهتانًا.

وخامسها: أن في ذلك من تعاهد الله لرسوله ﷺ عند اشتداد الأمور ما فيه، فكلما تعددت الشدائد كلما تعدد ما يرفعها ويدفعها، فيخف عنه الألم والبلاء، ويتسلى رسول الله ﷺ بذلك، ولو اجتمع عليه من بأقطارها.

فهذه خمسة أوجه تدخل تحت هذا الأمر الأول، وهو: تثبيت فؤاد لنبي ﷺ.

ننتقل إلى الثانية من الحكم التي تذكر في نزول القرآن مفرقا، نقول: التدرج في تربية الأمة، في الأمور العلمية والأمور العملية، وهذا أيضًا من خمسة أوجه:

أولها: تيسير الحفظ على الأمة؛ فلو نزل جملة واحدة لشق عليهم، لكن في ثلاث وعشرين سنة، مرة تنزل آية، ومرة تنزل ثلاث، ومرة خمس، فيتلقفونها فيحفظونها.

وهكذا: تيسير الفهم، فيتعلمون العلم والعمل جميعًا، لا سيما مع معايشة الوقائع، فترسخ؛ لأنها نزلت في حادثة يشاهدونها.

وهكذا أيضًا: التمهيد لكمال تخليهم عن عقائدهم الباطلة؛ كما قالت عائشة -ا: "لو كان أول ما نزل: لا تشربوا الخمر؛ لقالوا: لا ندعها أبدًا"[37]، وهكذا: لو نزل لأول وهلة كل ما في القرآن من الأحكام والشرائع؛ لما أطاقه هؤلاء الناس، ولكنه نزل شيئًا فشيئًا حتى يتخلوا عن باطلهم الذي نشؤوا وشبوا وشابوا عليه.

وهكذا: التدرج معهم في الأحكام، وتربيتهم بهدايات القرآن شيئًا بعد شيء، ولو أنه فاجأهم بهذه الأحكام جميعًا، وطالبهم بتطبيقها، ما استطاعوا.

ثم أيضًا الخامس: تثبيت قلوب المؤمنين، وتسليحهم بعزيمة الصبر واليقين؛ لأن القرآن حينما ينزل عليهم يعالج الحوادث، ويبين لهم الأحكام مرة بعد مرة، ففي مرة يذكر لهم قصة نبي، وفي مرة يذكر لهم واقعة من الوقائع...، إلى آخره؛ فهذه الأمور هي: تربية يتربون عليها.

والحكمة الثالثة هي: مسايرة الحوادث والوقائع، وذلك من ثلاثة أوجه:

الأول: إجابة الأسئلة؛ فالنبي ﷺ توجه له الأسئلة، فيأتي الوحي.

وأيضًا: الأحداث التي تكون في السيرة، فينزل، كما تخلف أُناسٌ عن غزوة تبوك، وإذا فعل المنافقون فعلاً، وقال اليهود قولاً، فنزلت الآيات تتحدث عن هذا الأمر، وتبين الموقف منه، وتجلي حقيقته، وأنت تجد الناس اليوم إذا وقع حدث بدأوا يبحثون عن المحللين، ومن يطمئنون إليهم، ويثقون بهم؛ ليحللوا لهم خلفيات هذا الحدث، فالقرآن كان ينزل، فيعالج هذه القضايا، ويبين الموقف الصحيح منها، فهذه أمة رباها القرآن.

ثالثها: كشف حال المنافقين، وأعداء الإسلام؛ ولهذا سميت سورة براءة: بالفاضحة والمقشقشة؛ حتى قال ابن عباس: "ما زال الله يقول: ومنهم، ومنهم، ومنهم، ومنهم، -يعني: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي [التوبة:49]، وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ [التوبة:58]، ومنهم من يقول كذا- حتى ظننا أنها لا تبقي أحدًا"[38]، ففضحتهم وكشفتهم.

إذن: الحكمة الأولى هي: تثبيت فؤاد النبي ﷺ.

والثانية: التدرج في تربية الأمة في العلم والعمل.

والثالثة: مسايرة الحوادث.

وأما الرابعة من هذه الحكم والأخيرة: فالإرشاد إلى مصدر القرآن، فحينما ينزل هذا القرآن في ثلاث عشرين سنة على النبي ﷺ، وعلى نفس المستوى من البلاغة والفصاحة والقوة، فهذا يعني: أن مصدره من الله .

فالآن حينما يؤلف الإنسان كتابًا في ثلاث وعشرين سنة، لو نظرت إلى السنة الأولى والسنة الرابعة أو الخامسة والسنة العاشرة والسنة الخامسة عشرة والسنة الأخيرة؛ تجد تفاوتًا كبيرًا، بل إن الإنسان يكتب، فإذا قرأ ما كتب بعد سنتين أو ثلاث أو أربع؛ لربما يعجب كيف كتب هذا الكلام؟! واحتاج إلى إعادته.

فكونه ينزل على نفس المستوى، ونفس النمط، من أول مرة: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق:1]، وقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة:278]، آخر آية، وأول آية: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق:1]، فهل تجد فرقًا في الفصاحة والعذوبة والقوة؟! أبدًا، وبين هذه وهذه ثلاث وعشرون سنة.

ونحن حينما نرى بعض الكتب التي يكون العالم قد وُفِّق فيها، وكتبها بأسلوب محرر، نقول: لعل هذا من آخر مؤلفاته، وإذا رأينا له كتابا فيه شيء من الضعف، قلنا: هذا لعله من أول تصانيفه؛ لأن الإنسان لا يزال يُحصِّل المَلَكات، ويتدرج في سلم الكمال، حتى يُحصِّل من ذلك ما يشاء الله .

أما هذا القرآن؛ فهو: كلام رب العالمين، لا ترى فيه هذا التفاوت، ولو كان من عند أحد من البشر؛ لرأيت فيه تفاوتًا عظيمًا، وهذا داخل تحت عموم قوله -تبارك وتعالى: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا [النساء:82]، فهذا الاختلاف يشمل صورًا متعددة، منها: هذا التباين في الفصاحة والبلاغة، وما إلى ذلك.

بعد ذلك نأتي إلى الموضوع الآخر، وهو: أسباب النزول.

فسبب النزول ما هو؟ نقول: هو ما نزلت الآية أو الآيات متحدثة عنه، أو مبينة لحكمه أيام وقوعه، سواء كان حادثة أو سؤال، لكن أيام وقوعه، وأيام وقوعه هذه العبارة ما الفائدة منها؟ ماذا نستفيد من قولنا: أيام وقوعه؟ يعني: مثلاً في قوله -تبارك وتعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ [الفيل:1]، هي تحدثت عن قصة الفيل، لكن هل يقال: سبب نزول سورة الفيل هو قدوم أبرهة؟ الجواب: لا، وكذلك الآيات التي تحدثت عن فلق البحر لموسى ، هل نقول: سبب نزول الآية: لما فلق الله البحر لموسى؟ الجواب: لا، فقولنا: أيام وقوعه، لا يعني: ما نزل مما حكاه القرآن قبل ذلك بمدة طويلة، لكن سبب النزول هو: حينما تنزل والقضية جديدة، فيتحدث القرآن عنها، وليست قضية غابرة قديمة قصها القرآن علينا، فهذا من قصص القرآن، ومن أخبار القرآن، فسبب النزول يتحدث عن: واقعة نزلت، وعايشها الصحابة، فينزل القرآن مبينا لها.

ونزول القرآن منه: ما ينزل ابتداء، وهو: الأكثر والغالب، ومنه: ما ينزل بسبب واقعة أو سؤال، كأن تحصل حادثة، أو النبي ﷺ يوجه له سؤال، فتنزل آيات معينة.

وإذا عرفت هذا، حصل لك التوسط بين من بالغ، وأراد أن يبحث لكل آية عن سبب نزول، حتى صار يتكلف في أشياء لم يرد فيها رواية أصلاً، ويقول: سبب نزول هذه الآية كذا، ولم يرد فيها رواية، وبين من لم يلتفت إلى هذا أصلاً؛ كأبي عبيدة، معمر بن المثنى المعتزلي، صاحب مجاز القرآن، فإنه يأتي فيفسر قول الله إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ [الأنفال:11]، فيقول: "يربط على القلوب، فتثبت الأقدام في المعركة، فلا تفر إذا ربط على القلوب"[39]، فهذا الكلام هنا غير صحيح؛ لأن سبب النزول موجود، فكان من المفترض أن ينظر في سبب النزول قبل أن يفسر هذا التفسير اللغوي؛ لأن سبب النزول يدل على: أن الصحابة كانوا في أرض دهسة، تسوخ فيها الأقدام، فأنزل الله  عليها المطر، فتلبدت، فثبتت الأقدام عليها[40]، فمن عرف سبب النزول، والواقعة، والملابسات؛ عرف معنى الآية، وسيأتي ذلك في فوائد معرفة أسباب النزول؛ ولهذا نقول: إن معرفة هذا الباب، أي: أسباب النزول، أمر ضروري لمن أراد أن يفهم القرآن، فهو: من الشروط الأساسية لذلك، مع أننا نقول: بأن أسباب النزول ليست على وتيرة واحدة في الأهمية من حيث انكشاف المعنى الذي يترتب على معرفتها، وهذا سأذكره؛ لأنه على مراتب خمس، ففائدة معرفة سبب النزول، وأهمية معرفة سبب النزول ليس على وتيرة واحدة، فأحيانًا حتى لو ما عرفناه يكون المعنى واضحًا، وأحيانا لا، فقد لا نفهم الآية إلا بسبب النزول، فهو على خمس مراتب من حيث الأهمية، سيأتي ذكرها.

بعد ذلك أنتقل إلى النقطة الأخرى: ما الفوائد من معرفة سبب النزول؟

أقول: هناك فوائد كثيرة، منها مثلاً: معرفة الحكمة التي من أجلها شُرِع هذا الحكم، الله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً [المجادلة:12]، قد يتساءل الإنسان، فيقول: ما الحكمة من هذه الصدقة؟! لماذا؟! فإذا عرف سبب النزول، وهو: أنهم أكثروا على النبي ﷺ من النجوى، كل لحظة يجي واحد إلى النبي ﷺ يقول: أريدك في موضوع خاص، أريد أتكلم معك على جنب، فكثر ذلك على النبي ﷺ وشق عليه، وكان النبي ﷺ يستحي من الناس أن يردهم، فنزلت هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً [المجادلة:12]، فهذا فيه: نفع للفقراء، وفيه: تزكية للإنسان حينما يتصدق.

وفيه أيضًا: الأصل من شرع الحكم والحكمة منه، وهو: التخفيف على رسول الله ﷺ، فلما شرع هذا الحكم توقفوا عن النجوى، فالنجوى بصدقة، تصدق ثم تعالى تناجي رسول الله ﷺ، فاستراح النبي ﷺ، فإذا عرفت سبب النزول تعرف الحكمة التي من أجلها شرع هذا الحكم، فهذه فائدة.

وهناك فائدة أخرى، ولا حاجة بنا إليها على قول الجمهور، وهي: تخصيص الحكم به عند من يرى أن العبرة بخصوص السبب، والواقع: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وبالتالي لا حاجة بنا إلى هذه الفائدة، إنما يحتاج إليها من يقول: بأن العبرة بخصوص السبب.

والفائدة الثالثة: أن اللفظ قد يكون عامًا، وقد يأتي دليل مخصص يخرج بعض الأفراد، فصورة السبب قطعية الدخول في العام، ولا يجوز إخراجها منه، فنعرف هذا، فإذا عرفنا السبب، فإن صورة السبب قطعية الدخول في العام، ولا يجوز إخراجها منه بالاجتهاد، ومسألة التخصيص هي: مسألة اجتهادية، تجمع بين دليلين، هذا عام وهذا خاص، وتقول: حتى نجمع بين الدليلين، نقول: إن هذا الخاص يخرج بعض الأفراد من العام، فنقول له: أخرج ما شئت مما يمكن أن يخرجه هذا الخاص، بشرط: ألا تتعرض لصورة سبب النزول؛ لأنها قطعية الدخول في هذا العام الذي نزلت الآية فيه.

والرابع: الوقوف على المعنى وإزالة الإشكال؛ لأنه في كثير من الأحيان لا يمكن الوقوف على المعنى إلا بمعرفة سبب النزول؛ ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله: "إن معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية، فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب"[41].

نعطيكم مثالاً أو مثالين في ذلك: الله يقول: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [المائدة:93]، فليس عليهم جناح فيما طعموا، فيأكلون ما يريدون، ويشربون ما شاءوا، فقدامة بن مظعون ممن شهد بدرا، شرب الخمر، وجيء به في عهد عمر ، وكان هو: في البحرين، فجيء به من البحرين، فقيل له: لماذا شربت الخمر؟ فقال: الله يقول: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ، وليس عليهم جناح، يعني: حرج، وقال: وأنا آمنت، وهاجرت، وشهدت بدرًا مع النبي ﷺ، فشربت الخمر، فبين له عمر: أن هذا ليس هو المقصود من الآية، وبين له سبب النزول، فهذه الآية نزلت بسبب، وهو: أن بعض الصحابة قبل تحريم الخمر خرجوا إلى أحد وقد شربوا من الخمر ما شربوا، ومنهم: حمزة ، ألم يشرب حمزة الخمر، وعقر الشارفين لعلي ، التي أخذها من سهمه في بدر، ولما جاء بالنبي ﷺإليه قال: "هل أنتم إلا عبيد لأبي"[42]، يقول لعلي، ويقول للنبي ﷺ، وهو: سكران قبل تحريم الخمر؟! فخرجوا إلى أحد، وكثير منهم قد شرب ما شرب من الخمر، فقتلوا والخمر في أجوافهم، فلما حرمت الخمر استشكل الصحابة ذلك، وقالوا: كيف بإخواننا الذين قتلوا وهي في أجوافهم؟ فأنزل الله لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [المائدة:93]، أي: قبل تحريم الخمر[43]،لاحظت! كيف يكون سبب النزول في غاية الأهمية؟!

وخذ مثالا آخر: الله يقول: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115]، فلو جاء إنسان وأخذ الآية كما هي في ظاهرها، لقال: إن الصلاة ما يشترط فيها الاتجاه إلى القبلة، وما يذكره الفقهاء من هذا الاشتراط، فإن الآية تدل على خلافه، فصل في أي جهة، فنقول: معرفة سبب النزول تزيل هذا الإشكال، وذلك: أن قومًا اجتهدوا في السفر، فصلى كل رجل حسب اجتهاده، ووضعوا خطوطًا في ليلة غائمة، فلما أصبحوا وجدوا أن بعضهم صلى إلى غير القبلة، فأنزل الله: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115][44].

وأيضًا: صح أن اليهود لما حولت القبلة من بيت المقدس احتجوا على المؤمنين، فقال الله فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115][45]، وليس معناه: أنك تتجه حيث شئت.

وهكذا: عروة بن الزبير حينما جاء إلى عائشة -ا- يقول في قوله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البقرة:158]، يعني: إن أراد أن يسعى بين الصفا والمروة في الحج والعمرة سعى، وإلا فلا حرج، فهو: مخير، لقوله: فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ، أي: لا حرج عليه، فلا يجب السعي عليه، هكذا فهم، فردت عليه عائشة -ا، وبينت سبب النزول، وهو: أن الأنصار الأوس والخزرج كانوا يتحرجون من السعي بين الصفا والمروة؛ لأنه كان على الصفا صنمان، "إساف ونائلة"، فكانوا يطوفون بهما في الجاهلية، يسعون ويدورون على هذه الأصنام تقربًا إليها، فظنوا أن السعي بين الصفا والمروة من شعائر الجاهلية، فلما أسلموا تحرجوا من السعي، فالله قال لهم: لا، فقال الله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البقرة:158][46]، لا حرج عليه أن يسعى بين الصفا والمروة، فزال الإشكال بمعرفة سبب النزول؟! وهكذا في أمثلة أخرى.

والخامس هو: دفع توهم الحصر، الله يقول: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ [الأنعام:145]، فذكر ثلاثة أشياء، أين باقي الأشياء المحرمة، كالأشياء الضارة؟ وأين لحوم الحمر الأهلية؟ وأين كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير؟ مع أن الآية ظاهرها الحصر، فمن عرف السبب الذي نزلت الآية مجيبة عنه انحل عنه الإشكال، وذلك أن المشركين في مكة كانوا يحللون أشياء ويحرمون أشياء، كما قال الله تعالى: وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ [الأنعام:138]، وقال: وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ [الأنعام:139]، فالله رد عليهم أعنف الرد، كأنه قال لهم: الحلال ما حرمتم، والحرام ما أحللتم، على سبيل المبالغة في الرد: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ [الأنعام:145][47]، لا هذه السفسطة التي تحرمون بها، وتحللون: الظهور، وما في الأحشاء، ... إلى آخره، من عند أنفسكم، فهذا هو: الخامس.

والسادس والأخير: معرفة المبهم، أو اسم من نزلت فيه الآية؛ وهذا قليل الفائدة والجدوى، إلا في بعض الحالات القليلة، فمن هذه الحالات القليلة: أن مروان بن الحكم حينما كان يخطب على منبر النبي ﷺ، وذكر عهد معاوية إلى ابنه يزيد بالخلافة، وقال: سنة أبي بكر وعمر، فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ، قال: سنة هرقل وقيصر تجعلونها لأبنائكم، فقال مروان للحرس: خذوه، فدخل في بيت عائشة -ا، وهي: أخته، فقال مروان على المنبر: هذا الذي أنزل الله فيه: وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي [الأحقاف:17]، فقالت عائشة من وراء الحجاب: "والله ما نزلت فينا، وما نزل فينا شيء من القرآن غير عذري، يعني: في قصة الإفك، في براءتها -ا، ولو شئت أن أسمي من نزلت فيه لسميته"[48]، فاستفدنا من معرفة سبب النزول من هو: النازل فيه الآية، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله، وصحبه.

  1. أخرجه أحمد في الزهد (ص:148)، أخبار معاذ بن جبل ، برقم (1011)، وابن أبي الدنيا في المحتضرين (ص:110)، باب: تعزية النفس عند الاحتضار بالصبر والاحتساب، برقم (127)، وابن عبد ربه الأندلسي في العقد الفريد (3/ 184)، العقد الفريد (3/ 184) القول عند الموت، وأبو نعيم في حلية الأولياء (1/ 239)، وابن الجوزي في صفة الصفوة (1/ 190)، معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس.
  2. أخرجه البخاري، كتاب بدء الوحي، كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله ﷺ؟، برقم (4)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب: بدء الوحي إلى رسول الله ﷺ، برقم (161).
  3. أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب: بدء الوحي إلى رسول الله ﷺ، برقم (161).
  4.  أخرجه البخاري، كتاب بدء الوحي، كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله ﷺ؟، برقم (2)، ومسلم، كتاب الفضائل، باب: عرق النبي ﷺ في البرد وحين يأتيه الوحي، برقم (2333).
  5. أخرجه الترمذي، أبواب تفسير القرآن عن رسول الله ﷺ، باب: ومن سورة المؤمنون، برقم (3173)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير وزيادته (ص:632)، برقم (4352).
  6. أخرجه الترمذي، أبواب تفسير القرآن عن رسول الله ﷺ، باب: ومن سورة المؤمنون، برقم (3173)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير وزيادته (ص:632)، برقم (4352).
  7. أخرجه مسلم، كتاب الفضائل، باب: عرق النبي ﷺ في البرد وحين يأتيه الوحي، برقم (2334).
  8. أخرجه البخاري، كتاب بدء الوحي، باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله ﷺ؟، برقم (2).
  9. أخرجه البخاري، كتاب بدء الوحي، باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله ﷺ؟، برقم (2)، ومسلم، كتاب الفضائل، باب: عرق النبي ﷺ في البرد وحين يأتيه الوحي، برقم (2333).
  10. أخرجه أحمد في المسند، برقم (5857)، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح على شرط مسلم"، وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة (3/ 104)، برقم (1111).
  11. أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب: معرفة الإيمان، والإسلام، والقدر وعلامة الساعة، برقم (8).
  12. أخرجه البخاري، كتاب التوحيد، باب: قوله: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:164]، برقم (7517)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب: الإسراء برسول الله ﷺ إلى السماوات، وفرض الصلوات، برقم (162).
  13. انظر: فتح الباري لابن حجر (1/ 19).
  14. انظر: الزهد والرقائق لابن المبارك والزهد لنعيم بن حماد (1/ 512)، باب: فضل ذكر الله ، برقم (1458)، والشريعة للآجري (3/ 1185)، كتاب الإيمان والتصديق بأن الله كلم موسى ، باب: الإيمان بأن الله خلق آدم بيده وخط التوراة لموسى بيده, وخلق جنة عدن بيده, وقد قيل: العرش, والقلم, وقال لسائر الخلق: كن فكان, فسبحانه، برقم (759)، والعظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (5/ 1555)، وصفة الجنة لأبي نعيم الأصبهاني (1/ 48)، ذكر خلق الجنة وأمر الله إياها بعد الخلق بالكلام، برقم (23)، الإبانة الكبرى لابن بطة (7/ 301)، باب: الإيمان بأن الله خلق آدم بيده، وجنة عدن بيده، وقبل العرش والقلم، برقم: (230)، وقال الألباني: وإسناده صحيح، في مختصر العلو للعلي العظيم (ص:129-130)، برقم (104).
  15. انظر: التحرير والتنوير (9/ 96).
  16. أخرجه الحاكم في المستدرك، برقم (3958)، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، والبيهقي في السنن الكبرى (4/ 504)، كتاب الصيام، باب: فضل ليلة القدر، برقم (8521)، والنسائي في السنن الكبرى، برقم (11501)، والطبراني في المعجم الكبير (12/ 44)، برقم (12426).
  17. أخرجه الحاكم في المستدرك، برقم (2879)، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه".
  18. أخرجه النسائي في السنن الكبرى، برقم (7937)، والطبراني في المعجم الكبير، برقم (12381)، والحاكم في المستدرك على الصحيحين، برقم (2881)، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه".
  19. أخرجه النسائي في السنن الكبرى، برقم (7937)، والطبراني في المعجم الكبير، برقم (12381)، والحاكم في المستدرك على الصحيحين، برقم (2881)، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه".
  20. أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (10/ 3452) برقم (19425)، والطبراني في المعجم الكبير، برقم (12382).
  21. أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (6/ 144)، كتاب فضائل القرآن، في القرآن متى نزل؟، برقم (30190)، وانظر الإتقان في علوم القرآن (1/ 147).
  22. أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب: رفع الأمانة، برقم (6497)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب: رفع الأمانة والإيمان من بعض القلوب، وعرض الفتن على القلوب، برقم (143).
  23. أخرجه الطبري في تفسيره، (جامع البيان) (20/ 397)، وابن خزيمة في التوحيد (1/ 348)، باب: صفة تكلم الله بالوحي وشدة خوف السماوات منه، وذكر صعق أهل السماوات وسجودهم لله ، وأبو الشيخ الأصبهاني في العظمة (2/ 500)، ذكر شأن ربنا -تبارك وتعالى- وأمره وقضائه، والبيهقي الأسماء والصفات (1/ 511)، باب: ما جاء في إسماع الرب بعض ملائكته كلامه الذي لم يزل به موصوفا ولا يزال به موصوفا, وتنزيل الملك به إلى من أرسله إليه, وما يكون في أهل السماوات من الفزع عند ذلك، برقم (435)، وابن أبي عاصم في السنة (1/ 226)، باب: ذكر الكلام والصوت والشخص وغير ذلك، برقم (515)، والآجري في الشريعة (3/ 1092)، كتاب التصديق بالنظر إلى الله ، باب: ذكر السنن التي دلت العقلاء على أن الله على عرشه فوق سبع سماواته وعلمه محيط بكل شيء, لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، برقم (668).
  24. أخرجه ابن حبان في صحيحه، برقم (37)، وقال محققه الأرناؤوط: "إسناده صحيح"، والبيهقي في الأسماء والصفات، برقم (433)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (1293).
  25. أخرجه مسلم، كتاب السلام، باب: تحريم الكهانة وإتيان الكهان، برقم (2229).
  26. أخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: فضل الفاتحة، وخواتيم سورة البقرة، والحث على قراءة الآيتين من آخر البقرة، برقم (806).
  27. أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب: بعث علي بن أبي طالب ، وخالد بن الوليد ، إلى اليمن قبل حجة الوداع، برقم (4351)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب: ذكر الخوارج وصفاتهم، برقم (1064).
  28. انظر: الإتقان في علوم القرآن (1/ 148)، وأخرجه الطبري في تفسيره، (6/ 41)، برقم (6316)، عن ابن شهاب قال: حدثني سعيد بن المسيب: أنه بلغه أن أحدث القرآن بالعرش آية الدين.
  29. أخرجه أحمد في المسند برقم (16984)، وقال محققوه: "حديث ضعيف، تفرَّد به عمران القطان، وهو ممن لا يحتمل تفرُّدُه، وقد ضعَّفه أبو داود والنسائي والعُقيلي وابنُ معين في رواية، وقال في رواية: صالح الحديث، وقال أحمد: أرجو أن يكون صالح الحديث، وقال البخاري: صدوق يهم، وقال الدارقطني: كان كثير المخالفة والوهم، وقال ابن عدي: هو ممن يكتب حديثه"، والطبراني في المعجم الكبير (22/ 75)، برقم (185)، وفي المعجم الأوسط (4/ 111)، برقم (3740)، وقال: لم يرو هذا الحديث عن قتادة، إلا عمران القطان، ولا يروى عن رسول الله ﷺ إلا بهذا الإسناد، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (4/ 104)، برقم (1575).
  30. أخرجه البخاري، باب: بدء الوحي، كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله ﷺ؟، برقم (3)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب: بدء الوحي إلى رسول الله ﷺ، برقم (160).
  31. أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (8/ 2689)، برقم (15127).
  32.  أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (5/ 1562)، برقم (8957).
  33. أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب: حديث الإفك، برقم (4141)، ومسلم، كتاب التوبة، باب: في حديث الإفك وقبول توبة القاذف، برقم (2770).
  34.  أخرجه الترمذي، أبواب تفسير القرآن عن رسول الله ﷺ، باب: ومن سورة المؤمنون، برقم (3173)، وقال الألباني: منكر، انظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (3/ 394)، برقم (1242).
  35. أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب: قول الله تعالى: لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ  [النساء:95]، إلى قوله غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:96]، برقم (2832)، ومسلم، كتاب الإمارة، باب: سقوط فرض الجهاد عن المعذورين، برقم (1898).
  36.  أخرجه الطبري في تفسيره (23/ 147).
  37. أخرجه البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب: تأليف القرآن، برقم (4993).
  38. أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب: الْجَلَاءَ [الحشر:3] الإخراج من أرض إلى أرض، برقم (4882)، مسلم، كتاب التفسير، باب: في سورة براءة والأنفال والحشر، برقم (3031).
  39. انظر: مجاز القرآن (1/ 242).
  40. أخرجه الطبري في تفسيره (13/ 424)، برقم (15771).
  41. مجموع الفتاوى (13/ 339).
  42. أخرجه البخاري، في أول كتاب فرض الخمس، برقم (3091)، ومسلم، كتاب الأشربة، باب: تحريم الخمر، وبيان أنها تكون من عصير العنب، ومن التمر والبسر والزبيب، وغيرها مما يسكر، برقم (1979).
  43. أخرجه النسائي في السنن الكبرى (5/ 138)، برقم (5270)، وعبد الرزاق الصنعاني في مصنفه (9/ 240)، برقم (17076)، والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 547)، برقم (17516).
  44. أخرجه الترمذي، أبواب الصلاة عن رسول الله ﷺ، باب: ما جاء في الرجل يصلي لغير القبلة في الغيم، برقم (345)، وقال: "هذا حديث ليس إسناده بذاك، لا نعرفه إلا من حديث أشعث السمان، وأشعث بن سعيد أبو الربيع السمان يضعف في الحديث"، وابن ماجه، أبواب إقامة الصلوات والسنة فيها، باب: من يصلي لغير القبلة وهو لا يعلم، برقم (1020)، وحسنه الألباني في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (1/ 323)، برقم (291).
  45. أخرجه الطبري في تفسيره (2/ 527)، وأخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب: الصلاة من الإيمان، برقم (40).
  46. أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب: وجوب الصفا والمروة، وجعل من شعائر الله، برقم (1643)، ومسلم، كتاب الحج، باب: بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن لا يصح الحج إلا به، برقم (1277).
  47. انظر: تفسير الطبري (12/ 190-192).
  48. أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب: وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ [الأحقاف:17]، برقم (4827).

مواد ذات صلة