الخميس 19 / جمادى الأولى / 1446 - 21 / نوفمبر 2024
النسخ
تاريخ النشر: ٢٩ / ذو القعدة / ١٤٢٣
التحميل: 1428
مرات الإستماع: 1402

إن السور من كتاب الله قد تكون من حيثية أماكن النزول لها حكم واحد، بمعنى أنها مكية بأجمعها، أو مدنية بأجمعها، وقد يستثنى منها آية أو آيات، فصارت عندنا أربع أنواع:

مثال الأول: وهو ما كان مكيًا بأجمعه كسورة المدثر.

ومثال الثاني: وهو ما كان مدنيًا بأجمعه كسورة آل عمران.

وأمّا ما فيه آيات مكية وآيات مدنية: فهذا كثير، ولكنه يحتاج إلى تحرير، يمثلون مثلا بسورة الأعراف، وهي سورة مكية يستثنون منها بعض الآيات يقولون: إنها مدنية، وهذا يحتاج إلى تأمل.

وهكذا على كل حال سورة الحج هي سورة مدنية يستثنون منها بعض الآيات يقولون: إنها مكية، أو يستثنون آية، وهذا أيضا يحتاج إلى تحرير.

وعرفنا متى توصف السورة بأنها مكية، أو مدنية، وعرفنا أن هذا الخلاف لا يترتب عليه شيء، بقي نقطة واحد مهمة ثم أقفل هذا الموضوع، وهي: أن السور والآيات المدنية ينبغي أن تنزل في الفهم على الآيات والسور المكية، وهكذا المكي بعضه مع بعض، والمدني بعضه مع بعض على حسب ترتيبه في النزول، فهذه قضية هامة لمن أراد أن يعرف فقه الشريعة، وتدرج الشريعة بالمكلفين إلى مراتب الكمال، وكيف نقلتهم من طور إلى طور؟ ولماذا أمر الله بهذا في هذا الوقت ثم أمر به في الوقت الآخر بكذا؟

وهكذا إذا فهمت هذا الأصل صار لك من الفقه شيء كثير، ومعلوم أن جميع الرسالات وشرائع الأنبياء عليها الصلاة والسلام هي بمثابة اللبنات التي تكتمل بها البناء، ويرتبط بعضه ببعض فتمثل صرحا لهداية البشرية، يوضح ذلك الحديث المشهور الذي أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال:  إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتًا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟ فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين[1].

فهذه منزلة هذه الشريعة بالنسبة للشرائع السابقة وهذه منزلة هذا النبي ﷺ بالنسبة للأنبياء السابقين، وهكذا ينبغي أن يكون النظر أيضا في داخل هذه الشريعة، حينما تنظر إلى الآيات والسور المكية ينبغي أن ننظر إلى الآيات والسور التي سبقتها، فتنزل المتأخر في الفهم على المتقدم، ونراعي ذلك فيه، وهكذا ما نزل في المدينة نلاحظ فيه هذا الترابط، ونلاحظ فيه هذا التعاقب، كما أننا نلاحظ فيه البناء في الفهم على ما نزل قبله بمكة.

الحاصل أن هذه الشريعة جاءت متممة لمكارم الأخلاق، ومصلحة لما أفسده الناس من ملة إبراهيم ، هذه منزلتها بالنسبة للشرائع التي كانت قبلها.

وهكذا يكون القول في هذه الشريعة بعضها مع بعض، كما يقول الشاطبي -رحمه الله- في كتابه الموافقات، فالمتأخر مبني على المتقدم، ومتمم له وشارح، مما يدل على ذلك: أن الخطاب المدني في الغالب مبني على المكي، كما أن المتأخر من كل واحد منهما مبني على ما قبله، وهذا معلوم من جهة الاستقراء؛ إذ أن المتأخر غالبًا هو بيان لمجمل قبله، أو تخصيص للعام قبله، أو تقييد للمطلق، أو تفصيل لما لم يفصل، أو تكميله لما لم يظهر تكميله مما قبله[2].

فالمحصلة أنها لا بد للمفسر من مراعاة ذلك حينما ينظر في كتاب الله -تبارك وتعالى- أن يراعي هذا الترابط بين الآيات المكية والمدنية، والآيات المكية بعضها مع بعض، وهكذا المدنية.

نعطيكم مثالا على ذلك: سورة الأنعام سورة طويلة نزلت كاملة في مكة، وهي من أوائل السور النازلة في مكة، وتعنى بتقرير الأصول الكبار في العقائد، ومشتملة على كليات الشريعة، ولما هاجر النبي ﷺ إلى المدينة كان أول ما نزل عليه في المدينة سورة البقرة، والحقيقة أن سورة البقرة هي تفصيل لتلك القواعد المجملة التي في سورة الأنعام، وهي مبينة لأقسام أفعال المكلفين، ومقررة لقواعد التقوى المبنية على قواعد سورة الأنعام كما يقول الشاطبي -رحمة الله-[3].

فإنها بينت من أقسام أفعال المكلفين جملتها، وإن تبين في غيرها تفاصيل لها كالعبادات التي هي قواعد الإسلام، والعادات من أصل المأكول والمشروب وغيرهما، والمعاملات من البيوع والأنكحة وما دار بها، والجنايات من أحكام الدماء وما يليها، وأيضا فإن حفظ الدين فيها، وحفظ العقل والنفس والنسبة والمال مضمن فيها، وهذه الأمور تسمى الضرورات الخمس، وما خرج عن المقرر فيها فبحكم التكميل، فغيرها من السور المدنية المتأخرة عنها مبني عليها كما كان غير الأنعام من المكي المتأخر عنها مبني عليها، وإذا تنزلت إلى سائر السور بعضها مع بعض في الترتيب وجدتها كذلك حذوة القذة بالقذة، فلا يغيبن عنك هذا المعنى الكبير، والأصل العظيم في فهم كتاب الله -تبارك وتعالى، وهذا من أنفع الأشياء، وقلَّ من ينبه لذلك ممن يكتبون في أصول التفسير، أو في علوم القرآن.

بعد ذلك أنتقل إلى موضوع جديد، وهو يتعلق أيضًا بنزول القرآن، وما الذي نزل أولاً منه؟ وما الذي نزل آخرًا، قد يسأل سائل فيقول: ذكرتم في أول هذه الدروس أنكم تعنون بالأمور التي يتحقق نفعها، وأما الأمور الأخرى فلا تذكر فما فائدة طرح هذا الموضوع؟

أولاً: حينما نعرف أول ما نزل وآخر ما نزل، هذا يدل على شدة عناية الصحابة بكتاب الله ضبطوا هذه الأمور، وهذا لا تجده في كتاب آخر من الكتب التي نزلت على الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام.

وهذا دليل أكيد على سلامة القرآن من التبديل والتحريف لعظم العناية التي حظي بها، إضافة إلى أن الله تكفل بحفظه، فكان من أسباب الحفظ التي يسرها الله له أن جعل الصحابة يعنون به هذه العناية العظمى.

وفائدة أخرى: هي إدراك أسرار التشريع، والمنهج التربوي القرآني، فكان أول ما نزل عليه ما يتعلق بتقرير الأصول الكبار والعقائد، وما أشبه ذلك، وكان التركيز عليها، ثم بعد ذلك جاءت الأمور الأخرى مشروحة في المدينة، وكان من أواخر ما حرّم عليهم بعض الأمور التي كانوا يتعلقون بها أشد التعلق خلاف عبادة غير الله  فهذا أصل قرر القرآن من أول وهلة أنه أمر باطل، وأنه لا يعبد إلا الله .

أيضًا تمييز الناسخ والمنسوخ، فهذه فوائد ثلاث يمكن أن يقتصر عليها.

بعد ذلك أقول: ما أول ما نزل من القرآن بإطلاق؟ ومعنى بإطلاق، يعني: ليس في موضوع معين، فأول آية طرقت سمع النبي ﷺ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ  [العلق:1]، هذا أول ما نزل على النبي ﷺ من كتاب الله ، والدليل على ذلك: ما أخرجه الشيخان من حديث عائشة -ا- قالت: ((أول ما بادئ به رسول الله ﷺ من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصباح، ثم حبّب إليه الخلاء، فكان يأتي حراء فيتحنث فيه ذوات العدد ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة -ا، فتزوده لمثلها حتى فجأة الحق، وهو في غار حراء، فجاءه الملك فيه، فقال: اقرأ، قال النبي ﷺ فقلت: ما أنا بقارئ ...))[4].

فهذا أول ما نزل بإطلاق، وإذا قلنا هذا أول ما أنزل لهذا الدليل، ولحديث عائشة أيضا الآخر -ا- قالت: ((أول سورة نزلت من القرآن اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق:1]))[5]إسناده حسن.

وكذلك أيضًا ما صح عن أبي رجاء قال: كان أبو موسى يقرئنا، فيجلسنا حلقا عليه ثوبان أبيضان، فإذا تلى هذه السورة اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق:1]، قال هذه أول سورة أنزلت على محمد ﷺ[6]. إسناده صحيح

وأيضًا صح عن عبيد بن عمير قال: جاء جبريل إلى النبي ﷺ فقال له: اقرأ قال: وما أقرأ؟ فوالله ما أنا بقارئ، فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق:1] فكان يقول: هو أول ما نزل[7]. فهذا مرسل، وإسناده صحيح إلى عبيد بن عمير، ولكنه مع إرساله يعتضد بما قبله.

وكذلك صح عن مجاهد قال: إن أول ما أنزل من القرآن اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ون وَالْقَلَمِ [8].

فإذا تقرر هذا المعنى فإنه يرد عليه إشكال يحتاج إلى جواب، وهذا الإشكال هو حديث أخرجه الشيخان عن جابر بن عبد الله لما سأله أبو سلمة بن عبد الرحمن أي القرآن أنزل قبل ؟ قال: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [المدثر:1] يقول أبو سلمة قلت: أو اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق:1]قال: أحدثكم ما حدثنا ربه رسول الله ﷺ، إني جاورت بحراء فلما قضيت بجواري نزلت فاستنبطت الوادي فنظرت أمامي وخلفي، وعن يميني وشمالي، ثم نظرت إلى السماء فإذا هو يعني -جبريل- فأخذني رجفة فأتيت خديجة، فأمرتهم فدثروني فأنزل الله: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ۝ قُمْ فَأَنْذِرْ [المدثر:1-2])) [9].

واضح الآن الإشكال فماذا تقولون؟ ما الجواب عنه؟ ولعلكم تفطنتم للفظ الحديث لتستخرجوا منه جوابًا.

أحد الأجوبة أن يقال: مقصود جابر لعله أراد أول ما نزل من سور القرآن كاملاً، لأن سورة اقرأ نزلت إلى قوله عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق:5] وما نزلت كاملة، ثم نزلت المدثر كاملة قبل تمام اقرأ، فيمكن هذا الجواب أن يقال: لعله قصد ما نزل كاملاً من السور.

أو يقال: أنه نبئ بـ "اقرأ"، وأرسل بـ "المدثر" هذا جواب آخر.

أو يقال: قوله: ((سمعت رسول الله ﷺ يحدث عن فترة الوحي)) فإذا هذا أول ما نزل بعد فترة الوحي، إذا الوحي نزل قبل ذلك بنص هذا الحديث.

وجواب آخر من نفس الحديث أن يقال: ((سمعت صوتا فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض)) إذا جاءه بحراء أول مرة فنزل بـ "اقرأ"، ثم جاء الثانية فنزل بـ "المدثر"، فهذان شاهدان من نفس الحديث. فصار عندنا ثالثة أجوبة.

والرابع: أن يقال: لعل ذلك قاله جابر اجتهادًا منه والاجتهاد يصيب ويخطئ.

هنا إشكال آخر: يحتاج إلى جواب وهو ما أخرجه الشيخان من حديث عائشة -ا- قالت: ((إن أول ما نزل سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام))[10].

أول ما نزل سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، سورة "اقرأ" فيها الجنة والنار؟! الجواب لا، والحديث في الصحيحين فما الجواب عنه؟

 أن (مِن) مقدرة، وهذا أحسن ما يجاب به في المسألة، يعني أن من أول ما نزل يعني: هي تريد ابتداء نزول الوحي لا تريد أن تقرر أول سورة نزلت من القرآن بإطلاق، وإنما تريد أن تبين تدرج التشريع، فيفهم هذا من السياق، والله تعالى أعلم، وإلا فمعلوم أن ذكر الجنة والنار في آخر سورة المدثر، ولهذا يمكن أن يقال: والله تعالى أعلم أن أول ما نزل سورة "اقرأ" لم تنزل كاملة، ثم بعد ذلك نزلت سورة "المدثر"، وفيها ذكر الجنة والنار، ثم بعد ذلك بوقت الله أعلم كم يمتد نزل بقية سورة "اقرأ".

فإذا أول سورة نزلت فيها ذكر الجنة والنار هي سورة المدثر في الواقع، وعائشة أرادت أن تبين معنا آخر وهو ما يتعلق بتدرج التشريع، ولم يكن قصدها شيء آخر مما يتعلق بتقرير أول ما نزل من كتاب الله ، هذا أول ما نزل بإطلاق، إذا هذا القول لا يجارى ولا يبارى.

وأما الأقوال الأخرى -غير هذا القول الذي قاله جابر، أو قالته عائشة- فهي أقوال ساقطة لا تستحق الذكر الأقوال الأخرى، يعني الآن ذكرت قولين قول عائشة وقول جابر، وهي أقوال قوية تشكل على القول الأول، وذكرنا الجواب عنها؛ باقي الأقوال التي لم أذكرها لا تستحق الذكر، أقوال بعيدة تمامًا، فلا نشتغل بها.

إذا عرفت أول ما نزل مطلقا نقول هناك أشياء يقال عنها هي أول ما نزل باعتبار موضوع خاص.

فمثلاً: في القتال صح عن ابن عباس أن أول آية نزلت فيه: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا [الحج:39] [11]، هذه أول آية نزلت في موضوع القتال الإذن لم يفرض، وإنما أذن فيه فقط.

أول آية في الخمر: صح عن عمر أنه قال: اللهم بين لنا في الخمر بيان شفاء، فنزلت التي في البقرة: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ  [البقرة:219]. فدعي عمر فقرأت عليه – قال اللهم بين لنا في الخمر بيان شفاء– فنزلت الآية في النساء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى  [النساء:43]، فدعي عمر فقرأت عليه، ثم قال: اللهم بين لنا الخمر بيان شفاء، فنزلت التي في المائدة: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [المائدة:91]، فدعي عمر فقرأت عليه فقال: انتهينا انتيهنا) [12]، هذه آخر آية نزلت في الخمر، وأول آية نزلت فيه ما هي يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ[البقرة:219].

أول سورة نزلت فيها سجدة: سورة النجم، هذا في البخاري عن ابن مسعود [13].

وصح بإسناد حسن عن مجاهد في قوله: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ  [التوبة:25] قال: هي أول ما نزل من سورة براءة[14]، ومعلوم أن سورة براءة من آخر ما نزل من القرآن.

أيضا صح عن أبي الضحى قال: أول ما نزل من براءة: انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً  [التوبة:41]، ثم نزل أولها، ثم نزل آخرها[15]. فهذه عن بعض التابعين ولها حكم المرسل.

أول ما نزل من آل عمران: صح عن سعيد بن جبير، قال: هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:138]، ثم أنزلت بقيتها يوم أحد[16].

هذه بعض الروايات الصحيحة الثابتة في تحديد أول ما نزل في موضوع معين، أو في سورة معينة، وهناك روايات كثيرة جدًا لكن هذه الروايات في أغلبها لا تصح فتركتها، وفي هذه الدروس لا أورد لكم رواية إلا صحيحة، أو حسنة، إلا إذا بينت ضعفها.

ننتقل إلى قسم آخر، وهو آخر ما نزل من القرآن بإطلاق، فما هو آخر ما نزل؟

أخرج البخاري عن ابن عباس -ا، قال: آخر آية نزلت آية الربا[17].

وصح عن أبي سعيد الخدري، قال: خطبنا عمر فقال إن من آخر القرآن نزولاً آية الربا[18]. هذا ليس بقاطع؛ لأنه قال: إن من آخر القرآن نزولا، لكن عندنا روايات صريحة إنها آخر ما نزلت.

أيضا صح عن ابن عباس قال: آخر شيء نزل من القرآن: وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [البقرة:281] الآية[19].

وصح عن ابن شهاب الزهري قال: -وهو من صغار التابعين- آخر القرآن عهدًا بالعرش آية الربا، وآية الدين[20].

فكيف نرجح، أو نجمع بين هذه الأقوال؟

نستطيع أن نجمع بين هذه الروايات الصحيحة المشهورة أن آخر ما أنزل آية الربا، آية الدين وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [البقرة:281]. أن يقال: هذه الآيات نزلت –هي متتابعة في المصحف كما هو معروف- فهي نزلت جملة واحدة، فيصح بهذا الاعتبار إذا تحدثت عن آية منها أن تقول هي آخر ما نزل من القرآن.

ويصح أن تقول آية الدين بهذا الاعتبار آخر ما نزل، ويصح أن نقول آية الربا آخر ما نزل، ويصح أن نقول آية: وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [البقرة:281] آخر ما نزل؛ لأنها نزلت جملة واحدة، فلا إشكال، فهذا هو وجه الجمع بين هذه الروايات الصحيحة المشهورة في آخر ما نزل، والقصة واحدة، فهي نازلة دفعة واحدة، فأخبر كل عن بعض ما نزل بأنه آخر، وهذا لا إشكال فيه.

وقد صح عن البراء كما أخرج الشيخان: قال آخر ما نزل:  يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ [النساء:176][21]، فهذا يشكل على ما سبق، فماذا نقول؟ كيف نجمع بين حديث البراء وبين ما قبله من أن الآيات الثلاث هي آخر ما نزل؟

إما أن نقول هذا اجتهاد من البراء، فقال بحسب ما أدّاه اجتهاده، بحسب ما علم، أو نقول ممكن أن تقول هذا أيضا نزلت في ذلك الوقت فتكون هي فعلا في حكم تلك الآيات هي آخر ما نزل.

ويمكن أن نقول: هي آخر ما نزل بموضوع خاص فيما يتعلق في المواريث، هي آخر ما نزل في المواريث فقط، أما تلك فهي آخر ما نزل من القرآن مطلقًا.

ويمكن أن يقال: إن كل واحد من هؤلاء سمع النبي ﷺ في آخر أيامه نزل عليه شيء من هذه الآيات، ولم يعلم بنزول ما بعدها، فحكم على هذا بأنه آخر ما نزل، والله تعالى أعلم.

وقد جاء بإسناد حسن عن عائشة -ا- قالت: ((آخر سورة نزلت المائدة، فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه))[22].

هل هذا يشكل على ما سبق؟ الجواب: لا هي تتكلم عن السور، فسورة المائدة لا شك أنها آخر ما نزل، وإن لم تكن نزلت كاملة.

وجاء أيضا بإسناد حسن عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: ((آخر سورة نزلت سورة المائدة والفتح))[23]، يعني: ليست إنا فتحنا لك، وإنما يقصد إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر:1] فأما سورة: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر:1] فيمكن أن يقال هي آخر سورة نزلت كاملة، ولهذا استنبط منها ابن عباس -ا- أنها نعي للنبي ﷺ، نعيت إليه نفسه ﷺ.

فالحاصل يجاب عن هذه الروايات بمثل ما سمعتم، والعلم عند الله -تبارك وتعالى، وليس في هذا شيء مرفوع إلى رسول الله ﷺ فيمكن أن تكون هذه اجتهادات من الصحابة، ويمكن أن يكون كل إنسان حدث بحسب ما شاهد وظن أنه فعلاً آخر ما نزل.

ومن غريب ما ورد في ذلك: ما جاء عن معاوية بن أبي سفيان أنه تلا قوله -تعالى: فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110] سورة الكهف، قال إنها آخر آية نزلت من القرآن[24]، وهذا إسناده حسن.

فهذا استشكله الحافظ ابن كثير -رحمه الله، وقال: ولعله أراد أنه لم ينزل بعدها آية ناسخة -تنسخها، يعني ولا تغير حكمها- بل هي مثبتة محكمة[25].

يعني: لا يقصد الآخرية المطلقة، ولكن يقصد أن حكمها ثابت لم يتغير.

وهكذا ما أخرجه البخاري من حديث ابن عباس قال: ((نزلت هذه الآية: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ [النساء:93] هي آخر ما نزل وما نسخها شيء))[26].

وعند أحمد والنسائي بإسناد حسن عنه، لقد نزلت في آخر ما نزل ما نسخها شيء[27].

فكيف نجيب عنه؟

إما أن نقول: إن الثاني تفسير للأول؛ نزلت في آخر ما نزل، يعني هي من أواخر ما نزل، أو نقول: هي آخر آية نزلت في موضوع القتل.#

بعد ذلك: قد يسأل بعضكم، يقول: اشتهر على ألسن الناس، وطرق أسماعهم كثيرًا أن آخر ما نزل هو قول الله -تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة:3] هذا الذي يتبادر إلى أذهان الكثيرين أنه آخر ما نزل، وهذا غير صحيح إطلاقا، فإن النبي ﷺ بقي بعد هذه الآية مدة تزيد على الثمانين يومًا، فنزل بعدها فرائض، ونزل بعدها أحكام، فمثلاً آية الربا نزلت بعدها، وآية الدين، وآية الكلالة، هذا أيضا يشكل على المعنى قال الله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3] مع أن هذه الأحكام نزلت بعدها فما الجواب؟!

يقال: معنى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3] كما قال ابن جرير -رحمه الله: أكمل لهم دينهم بإفرادهم بالبلد الحرام، وإجلاء المشركين عنه حتى حجه المسلمون لا يخالطهم المشركون، ثم أيده بما أخرجه من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: كان المشركون والمسلمون يحجون جميعًا فلما نزلت براءة نفى المشركون عن البيت، وحج المسلمون لا يشاركهم في البيت الحرام أحد من المشركين، فكان ذلك من تمام النعمة وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي [المائدة:3][28].

إذًا ما معنى اليوم أكملت لكم دينكم؟! يعني: بإقرارهم بالبيت الحرام، وإفرادهم فيه، فكان المسلمون يحجون مع المشركين، فمنعوا في حجة أبي بكر ، فحجوا مع النبي ﷺ في السنة العاشرة حج المسلمون منفردين بالبيت الحرام، ما حج معهم مشرك؛ لأن النبي ﷺ أمر مناديًا ينادي في عام تسع في حجة أبي بكر أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان[29].

انتهينا من هذا الموضوع، ننتقل إلى موضوع آخر، وهو: موضوع الناسخ والمنسوخ، وهذا الموضوع يعد من أهم الموضوعات التي يحتاجها المفسر، والتي يحتاجها الفقيه، ولا يجوز لأحد أن يتكلم في الفقه والأحكام، أو في معاني القرآن وهو لا يعرف الناسخ والمنسوخ، وقد كثر كلام السلف في بيان هذا المعنى، ويقولون: إن من لم يعرف الناسخ والمنسوخ، فإنه لا يجوز له أن يفسر القرآن، وهم يقصدون معنى أعم من معنى النسخ الذي نتحدث عنه، وهو الرفع -كما سيأتي- رفع الحكم الشرعي إلى آخره- يقصدون معنى أوسع يدخل فيه تقييد المطلق، وتخصص العام، ورفع الحكم الذي هو النسخ بالمعنى المتأخر، ويقصدون به بيان المجمل، وهكذا كل ما يعرض للفظ العام، أو للنص العام، أو المطلق كل ما يعرض له يسمونه نسخًا.

بعد ذلك أقول: ما معنى النسخ؟

في اللغة: يقال: النسخ في لغة العرب يطلق على معنيين على معنى النقل أو ما يشبهه، النقل: مثل ما يقال: تناسخ الأرواح تنتقل الروح من هذا إلى هذا في اعتقاد هؤلاء المنحرفين.

أو ما يشبه النقل، لماذا قلنا أو ما يشابه النقل؟ هم يقولون النقل يعني مثل نسخ الكتاب، وإنما عبرنا بما يشبه النقل؛ لأن هذا أدق لأنك حينما تنسخ الكتاب هل نقلت فعلاً الحروف المنقوشة في الكتاب الأول إلى الكتاب الثاني؟ أو أنك نقلت صورة هي نظير ما في الأصل هذا الواقع، فلم ينتقل الذي في الأصل برمته، وإنما أوجدنا نسخة أخرى منه، فهذا يشبه النقل.

فهذا المعنى الأول: النقل أو ما يشبهه، هذا في كلام العرب.

المعنى الثاني: الإزالة، وهذه الإزالة على وجهين، أما على سبيل الانعدام، إزالة بالكلية مثل نسخت الريح الأثر، يعني خلاص لم يبق شيء، أما على سبيل الانعدام، وهو أيضا على قسمين: إما إلى بدل في اللغة، وإما إلى غير بدل هذا غير موضوع النسخ إلى بدل أو غير بدل سيأتي الكلام عليه في المعنى الشرعي، لا لا هذا في المعنى اللغوي.

فالنسخ يأتي بمعنى النقل، أو ما يشبهه، المعنى الثاني: الإزالة والرفع وهو قسمان:

ما كان على سبيل الانعدام، إزالة على سبيل الانعدام، وهي على قسمين: قسم إلى غير بدل، مثل: نسخت الريح الأثر فيه بدل بعده؟ ما فيه بدل.

أو إلى بدل، مثل: نسخ الشيب السواد، وإذا شئت أن تقول: نسخ الشيب الشباب، يعني قوة الشباب، ونضارة الشباب، نسخ الشيب الشباب، فهذا حلّ مكان شيء آخر، فهذا انعدام الشباب، أو انعدم الشعر الأسود.

إِن شَرْخَ الشبابِ والشَّعَر الأسْ  وَد ما لم يُعاصَ كان جنونا

فانعدم الشعر الأسود، واشتعل الرأس شيبًا، فتحول هذا التحول فما الذي حلّ مكانه؟ انعدم الشعر الأسود إلى بدل، فصار فيه شعر أبيض، وهكذا حينما، تقول: نسخت الشمس الظل، هذا إلى بدل أو إلى غير بدل؟! إلى بدل، راح الظل، وجاء مكانه الشمس.

ب- ما كان عن جهة الانتقال، الإزالة على جهة الانتقال، والواقع أن الأمثلة السابقة يمكن أن نجعلها التي هي على سبيل البدل، فنترك إلى سبيل البدل، ونجعله على سبيل الانتقال، ويكون عندنا قسمان.

بعد ذلك أقول ما معنى النسخ عند السلف؟!

النسخ عن السلف: يأتي بمعنى البيان -وهذه لا بد من فهمها- يأتي بمعنى البيان، فيشمل تخصيص العام، وتقييد المطلق، وبيان المجمل، ورفع الحكم من أصله الذي يقال له: النسخ بالمعنى الذي ندرسه الآن، حتى أن السلف يسمون الاستثناء، والشرط وكذلك الصفة يسمون ذلك نسخًا لتضمن ذلك رفع دلالة الظاهر، وبيان المراد، فالنسخ عندهم في لسانهم هو "بيان المراد بغير ذلك اللفظ، بل بأمر خارج عنه مطلقا"

فهو كل ما يعرض عندهم للنص العام، أو المطلق، أو المجمل يسمونه نسخًا بالإضافة إلى الرفع الذي نتحدث عنه، والذي لا يعرف هذا المعنى فهو السلف ينظر في كثير مما ينتقل عنهم في الروايات في التفسير، وفي كتب الناسخ والمنسوخ، يقولون: هذه الآية نسخت هذه الآية، هذه الآية منسوخة بكذا، وهو كثير، وربما يكون بالمئات، فيظن أن هذه أقوال للسلف فيما نحن فيه، وهذا كما سيأتي أحد أهم الأسباب التي امتلأت بعض الكتب في الناسخ والمنسوخ، امتلأت فيها بدعاوى النسخ، كثرت دعاوى النسخ جدًا، والواقع أن الآيات المنسوخة حقيقة هي آيات قليلة جدًا، وأشهر الآيات التي وقع فيها الكلام هي إحدى وعشرون آية، نظمها السيوطي، وشرحها شرحا مختصرًا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في ملحق آخر أضواء البيان، وهذه الآيات ليست جميعًا يثبت نسخها، بل بعضها يثبت وبعضها لا يثبت، الراجح أنها ليست كذلك أيضًا.

وأما عند المتأخرين، وهو المعنى الذي عقد من أجله هذا الدرس، فهو: رفع الحكم الثابت بخطاب متقدم بخطاب متراخ عنه.

أو يمكن أن نقول -على سبيل الاختصار: هو رفع الحكم الشرعي بخطاب متراخ، فهذا التعريف اشتمل على جملة من القيود، أذكرها مضمنة بعض الفوائد.

الأول: أن النسخ رفع لأصل الحكم، وجملته بحيث يبقى الحكم بمنزلة ما لم يشرع البتة، وليس تقييدًا واستثناء، أو تخصيصا، النسخ الذي نحن فيه في المعنى المتأخر رفع، وأما التخصيص والتقييد، وما إلى ذلك من الاستثناء، فهذا من قبيل البيان.

الثاني: عرفنا من خلال التعريف أن النسخ رفع للحكم الشرعي الثابت بخطاب متقدم، وليس رفع حكم البراءة الأصلية الثابت بدليل العقل، لابد أن يكون رفع حكم شرعي، فمثلا إيجاب الصلاة، هذا رافع للبراءة الأصلية، كانت الذمة بريئة، فهل نقول: أن فرض الصلوات الخمس مثلا هذا نسخ للبراءة الأصلية، هل يقال له نسخ؟

الجواب: لا، لابد من النسخ يكون رفعًا لحكم شرعي، لا رفعًا للبراءة الأصلية، واضح الآن، لو فرض علينا صيام شهر محرم، أو صفر، هل يكون هذا من قبيل النسخ ؟ الجواب: لا، هذا رفع للبراءة الأصلية، وليس من قبيل النسخ، وليس منه في شيء.

الثالث: أن النسخ رفع للحكم الشرعي بخطاب شرعي آخر، وهذا احتراز عما رفع بغير خطاب، وما الذي يمكن أن يرفع بغير خطاب؟

إذا جن الإنسان أو وصل إلى حالة الهرم التي لا يعقل معها، نقول هو مطالب بالصلاة والتكاليف الشريعة أو ارتفع عنه التكليف؟ ارتفع عنه التكليف.

هل ارتفع عنه التكليف بخطاب جديد؟ الجواب: لا، وإنما لزوال الأهلية، ارتفع عقله، فارتفع عنه التكليف، فهل يقال له نسخ، نسخ التكليف في حقه؟ الجواب: لا، إذا لا بد في النسخ من أن يكون الرفع بخطاب، المرفوع لابد أن يكون ثبت بخطاب، حتى يكون شرعي ما يكون ببراءة أصلية، والرافع لا بد أن يكون خطابا.

وإذا مات الإنسان هل يبقى مكلفًا؟! الجواب: لا، فإذا مات ارتفع عنه التكليف؛ لأن من شروط التكليف الحياة والعقل.

الرابع: أن النسخ رفع بخطاب شرعي ثانٍ متراخ عن الخطاب الأول، لكن لو اتصل به، هل يقال له نسخ؟! يقال له تخصيص، فلا بد من مهلة بعد مدة.

الآن في قوله -تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران:97]، بدل بعض من كل من استطاع إليه سبيلاً، خرج به من لم يستطيع، فهل هذا يقال له نسخ؟ لا، يقال له تخصيص، لكن على مفهوم السلف وتعبير السلف ابن عباس بكل بساطة يقول: نسختها التي بعدها، يعني: مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران:97] نسخ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ [آل عمران:97]، يعني أنها خصصتها؛ لأنهم يسمون التخصيص نسخًا، فإذا لا بد من التراخي، فهذه القيود الأربعة إذا وجدت وجدت حقيقة النسخ في معناه الاصطلاحي، وتحقق، أما إذا اختل شيء منها، فإن حقيقة النسخ لا تكون موجودة، ما الذي يوجد؟ حالة ثانية ما هذه الحالة الثانية؟ قد تكون تقييدًا وبيانا، وذلك إذا لم يرفع أصل الحكم وجملته، بل  رفع بعضه، أو تغيرت صفته بزيادة شرط أو قيد ومانع، وقد تكون الحالة هي عبارة عن حكم جديد قرر، وذلك إذا لم يكن المرفوع حكمًا شرعيًا، بل كان المرفوع حكم البراءة الأصلية، كما قلنا فيما سبق: حكم جديد فرض ما يقال له نسخ للبراءة الأصلية، وقد يكون إسقاطا وإلغاء أصلا، مثل لو ارتفع الحكم بدون خطاب، وإنما بسبب الموت أو الجنون، فهذا لا يقال له نسخ إنما يقال له إسقاط للتكليف، أو إلغاء للتكليف، وقد يكون بيانًا وتخصيصًا، وذلك إذا لم يحصل التراخي بين الخطابين، بل كانا متصلين كما سبق.

ننتقل إلى مسألة ثانية وهي شروط النسخ:

يشترط عدة أمور:

أولاً: وجود حقيقة النسخ، وإنما توجد بالأمور التي ذكرتها آنفا فتراجع.

الثاني: أن يكون الناسخ وحيا من كتاب أو سنة، الله يقول: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ [يونس:15].

فالناسخ لابد أن يكون وحيًا، فإذا قلنا: إن الناسخ لابد أن يكون وحيًا، فإننا بذلك نعلم أن النسخ بمجرد الإجماع لا يجوز، طيب العلماء كثيرًا ما يقولون: هذه الآية نسخت بالإجماع، ماذا يقصدون؟ يقصدون مستند الإجماع، فالإجماع هو اتفاق أهل الحل والعقد اتفاق العلماء، اتفاق المجتهدين من أمة محمد ﷺ على أمر من الأمور، أو على أمر شرعي، فالمقصود إن الإجماع يكون له مستند، وإن خفي علينا، ما مستنده؟ دليل من الكتاب أو من السنة، فحينما يقولون: هذا الحديث أو هذه الآية نسخه الإجماع، الإجماع لا ينسخ وإنما الذي نسخه مستند الإجماع.

وأمر آخر نعرفه من خلال الشرط السابق -وهو أن يكون الناسخ وحيا- نعرف أيضا أنه لا يجوز النسخ بالقياس؛ لأن القياس ليس بدليل نقلي، وإنما هو دليل مركب على الدليل النقلي، وللعقل فيه شائبة، وهو نوع اجتهاد في الواقع على تفاوت في مراتبه ووضوحه.

ونعرف أيضا أنه لا يجوز النسخ بأدلة العقل؛ لأن أدلة العقل منها ما لا يجوز أن يأتي الشرع بخلافه أصلاً، فلا يتصور نسخ الشرع به، ومنها ما يجوز أن يرد الشرع بخلافه وهو البقاء على حكم الأصل، فهذا يجب العمل به عند عدم النقل، الذي هو استصحاب حكم الأصل – الذي هي البراءة الأصلية.

وأيضا لا يشترط في الناسخ أن يكون أقوى من المنسوخ، نحن نقول يشترط أن يكون الناسخ وحيًا، لابد أن يكون ثابتا، لكن لا يشترط أن يكون أقوى من المنسوخ، وبهذا يمكن أن تنسخ السنة القرآن، والآحاد ينسخ المتواتر ولا إشكال في ذلك، فيكفي الصحة والثبوت.

الشرط الثالث: لا بد أن يتأخر الناسخ عن المنسوخ، وكيف نعرف أنه متأخر؟ نعرف بطرق:

منها الإجماع، أن يجمع العلماء على أن هذه بعد هذه، وإجماع الأمة حجة، أو تجمع الأمة على خلاف ما ورد من الخبر، أحد الخبرين، فنقول: أكيد ما دام أجمعت الأمة على خلاف بمقتضاه فما كان ذلك إلا بنسخ؛ لأن الأمة لا تجتمع على ضلالة، ونعرف أيضًا هذا التأخر والتقدم بقول النبي ﷺ وبفعله كأن يقول: كنت نهيتكم عن كذا، وكذا قول الراوي، كأن يقول رخص في كذا ثم نهي عنه، فعرفنا المتقدم والمتأخر، مثل: نهينا عن زيارة القبور.

وكذلك إذا عرفنا التواريخ أن هذا واقع أول الهجرة، وهذا واقع في الغزوة الفلانية في آخر عند النبي ﷺ في المدينة، أو نحو ذلك.

وأيضا أقول: خلاصة ذلك أن الناسخ المنسوخ إنما يعرف بالنقل، ولا يعرف بمجرد دليل العقل ولا القياس، ولا مدخل للعقل ولا القياس في الحكم بالناسخ، هذه قضية يجب أن تعلم.

الشرط الرابع: أن يمتنع اجتماع الناسخ والمنسوخ بأن يكونا متنافيين من كل وجه قد تواردا على محل واحد، فهذا شرط في حال التعارض حينما نجد حديثين، أو حديث وآية، أو آيتين بينهما تعارض لا يمكن معه الجمع، وعرفنا المتقدم من المتأخر، فماذا نصنع؟ نلجأ إلى النسخ إذا لم يمكن الجمع، إذا هذا الشرط أن يمتنع الجمع بين الدليلين في حال التعارض.

الشرط الخامس: أن يكون المنسوخ حكمًا لا خبرًا؛ لأن الأخبار لا يدخلها النسخ كأخبار ما كان وما يكون. وأخبار الجنة والنار، وما ورد من أسماء الله وصفاته، أما نسخ لفظ الخبر فقط فهذا لا إشكال فيه، بإجماع من يقررون النسخ ويقولون به، نسخ لفظ الخبر، وهذا كأن تنزل الآية مخبرة عن شيء، ثم تنسخ تلاوتها فقط مثاله: لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى واديا ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب[30].

كان هذا من القرآن، ومعناه ثابت، لكنه نسخ لفظه وهل هذا حكم أو خبر؟ خبر، فنسخ لفظه، فالخبر يمكن أن ينسخ لفظه ولا إشكال لكن مضمونه لا يمكن أن ينسخ.

أو أن تكون الآية بلفظ الخبر لكنها في معنى الإنشاء، الإنشاء يعني مثل الأمر النهي، مثل: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ [البقرة:233] هذا ظاهره الخبر، لكنه بمعنى الإنشاء، بمعنى الأمر، يعني: هو أمر بالإرضاع، فهذا يمكن أن ينسخ؛ لأن العبرة بمعناه، فمعناه الإنشاء، فهذا مثل الأمر والنهي الذي يدخله النسخ.

مسألة أخرى: النسخ جائز، وواقع بين الشرائع، فالشرائع ينسخ بعضها بعضًا، وهذه الشريعة جاءت مهيمنة على سائر الشرائع وناسخة لها، أما هذه الشريعة فلا يجوز أن تنسخ بكاملها إطلاقًا، والنبي ﷺ هو خاتم الأنبياء، وهذه عقيدة يجب على كل مسلم أن يعتقدها.

وأما النسخ في داخل هذه الشريعة، يعني: في بعض جزئياتها، وفي بعض أحكامها، فهذا أمر ثابت بإجماع من يعتد به من علماء المسلمين، فالله يقول: يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:39]، ويقول: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا [البقرة:106]، ويكفي وقوع ذلك ليكون شاهدًا على ثبوته.

ما الحكمة من وقوع النسخ؟

أقول: هناك حكم كثيرة، منها: الرحمة بالمكلفين، هذا إذا كان النسخ إلى أخف، فمثلاً الله يقول: يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ [النساء:28]، فإذا كان النسخ إلى ما هو أخف فيكون ذلك جليًا واضحًا هذه حكمة، كان في أول الأمر يجب على الواحد أن يصابر عشرة في القتال، ثم خفف ذلك، قال تعالى: إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ [الأنفال:65] في أول الأمر ثم قال: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ[الأنفال:66][31].

فصار الحكم المستقر إلى اليوم أن الواحد يجب أن يثبت أمام اثنين، في السابق الواحد أمام عشرة لا يجوز أن يفر، فهذا تخفيف، هذه حكمة.

حكمة أخرى: تكثير الأجر للمؤمنين، والله يعظم الأجور للصابرين، فهذه الحكمة تتضح في النسخ إلى الأثقل، قد يكون في أول الأمر مثلاً كان الواجب صيام عاشوراء، ثم نسخ وجوبه، وصار الفرض صيام شهر رمضان، أيهما أثقل؟ شهر رمضان ولا شك، وحتى لما فرض شهر رمضان كان على التخيير، من أراد أن يصوم، ومن أراد أن يطعم، فنسخ ذلك إلى الأثقل، وهو الإلزام بالصوم لكل مستطيع.

حكمة ثالثة: أن يكون النسخ مستلزمًا لحكمة خارجة عن ذاته، وهذا فيما كان الناسخ فيه نظيرًا للمنسوخ مماثلاً له، ليس أثقل، ولا أخف، مثال استقبال بيت المقدس، كان المشركون يحتجون على النبي ﷺ، يقولون: أنت تدعي أنك على ملة إبراهيم، ثم خالفته في القبلة، واليهود يحتجون على النبي ﷺ، يقولون: تستقبل قبلتنا، ثم تذمنا وتخالفنا في أشياء كثيرة وتكفرنا، فحول الله  القبلة إلى الكعبة؛ لئلا يكون للناس على هذه الأمة، أو على النبي ﷺ حجة.

ومن الحكم أيضًا: أن يتميز قوي الإيمان من ضعيف الإيمان، وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ [البقرة:143] فهذا الرابع الامتحان أيضًا بكمال الانقياد والابتلاء بالمبادرة إلى الامتثال، وحاصل القول في حكمة النسخ أن يقال: إن الله ينقل الناس من خير إلى ما هو أنفع لهم، وما هو أعظم وأكثر خيرية كما قال الله : مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا [البقرة:106]، فالناسخ خير سواء كان إلى أخف أو إلى أثقل أو إلى مساوٍ، وينبغي أن نعلم أن أحكام الله وشرائعه مشتملة على  الحكم العظيمة، فإذا شرع لنا شرعًا ثم غيره إلى شرع آخر في قضية من القضايا شرعها، فإن ذلك لحكمة قد تبدوا لنا وقد تخفى علينا.          

بعد ذلك أنتقل إلى نقطة أخرى لربما تستشفونها من خلال الأشياء السابقة عند الكلام عن شروط النسخ، أو بعض الفوائد التي استخرجتها من التعريف.

فأقول: كيف نعرف النسخ؟ إذا تعارض دليلان ولم يمكن الجمع بينهما ففي هذه الحالة لا بد أن يقال إن أحدهما ناسخ والآخر منسوخ إذا عرفنا التاريخ، فقد نعرف ذلك من خلال النص، كما قال الله في آية المجادلة أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ [المجادلة:13] هذا واضح، وكذلك قد ينعقد الإجماع  في تعيين المتقدم والمتأخر، أو أن يأتي من طريق صحيح عن أحد الصحابة يعين فيه المتقدم أو المتأخر، أما إذا قال الصحابي هذه آية ناسخة للآية الفلانية، فهل هذا يجب الوقوف عنده ؟ هل هذا حجة؟ الجواب: لا؛ لأنه قد يقوله باجتهاده، وقد يخالفه غيره، فليس ذلك بحجة ملزمة.

من الأمور الهامة التي ينبغي أن تعرف في هذا الباب أيضًا أن النسخ لا يثبت بالاحتمال، وهذا أصل مهم؛ لأن كثيرًا من دعاوى النسخ هي بمجرد الاحتمال، سرعان ما يقولون هذه الآية منسوخة، ولذلك كثرت دعاوى النسخ جدًا، وألفت فيه مجلدات، لربما تجد كتابًا واحدًا في الناسخ والمنسوخ يقع في ثلاثة مجلدات، ومن أسباب ذلك أنهم يبنون في كثير من الأحيان على الاحتمال، فالنسخ لابد فيه من دليل يدل عليه سواء من الآية نفسها، أو بواسطة النقل الصحيح عن النبيﷺ، أو عن الصحابة، أو إجماع الأمة، أو عن طريق وقوع التعارض الحقيقي مع معرفة التاريخ؛ لأن ذلك يدل على النسخ، وأما كون الصحابي هذا أسلم متأخرا، أو أنه كان صغيرا مثلا أو نحو ذلك فهذا لا يعرف به المتقدم من المتأخر، ولا يبنى عليه الحكم بالنسخ؛ لأنه قد يكون حدث عن صحابي آخر، وإن لم يكن حاضرًا القصة.

من الفوائد واللطائف: أنه لا يوجد بالقرآن آية منسوخة إلا والناسخة بعدها، إلا في موضعين اثنين من القرآن -على القول بأن النسخ واقع فيهما:

الموضع الأول: يقول الله في سورة البقرة في عدة المتوفى عنها زوجها: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا  [البقرة:234]، في الآية 240 يعني: بعدها بآيات: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ [البقرة:240] فأين الناسخة من المنسوخة؟ الجواب: الأولى هي الناسخة للثانية، وكون الترتيب في المصحف هذه فيه متقدمة وهذه فيه متأخرة، ولكن لا يعنى أن المنسوخة نزلت بعد الناسخة، هذا لا يمكن، وإنما نزلت قبلها، ولكن النبي ﷺ يرشدهم إلى موضعها من السورة، فالترتيب في الآيات في السورة المعينة ليس على ترتيب نزول الآيات على النبي ﷺ، وتعرفون أن الآيات تنزل في أوقات مختلفة، فهذا موضع، والراجح أن هذه الآية فعلا ناسخة للآية الثانية، وبعض أهل العلم يقول خلاف ذلك كشيخ الإسلام ابن تيميه -رحمه الله، يقول: بقاءها مدة الحول مستحب، وليس منسوخ، وإنما ذكر المدة المستحبة والمدة الواجبة[32].

الموضع الثاني: وهو قوله -تعالى- في سورة الأحزاب: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ [الأحزاب:50]، وفي آية رقم 52 يقول: لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ [الأحزاب:52].

كثير من أهل العلم يقولون الآية الأولى ناسخه للآية الثانية، فعلى هذا القول تكون هاتان الآيتان الناسخ فيها قبل المنسوخ في ترتيب المصحف، مع أن الراجح في هذه الآية هو أنها ليست بمنسوخه لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ [الأحزاب:52]، يعني: من بعد الموصوفات بنات عمك، وبنات خالك، إلى آخره.

نعطيكم بعض الأمثلة على ما وجد فيه دليل في الآية نفسها على النسخ، الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ [الأنفال:66] هذا دليل، كذلك: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ [البقرة:187] فهذا دليل.

وكذلك: أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ [المجادلة:13] إلى آخره، فهذا دليل.

مثال ما دل عليه التعارض الحقيقي مع معرفة المتقدم والمتأخر: آية العدة للمتوفي عنها زوجها، وقد سبق. 

فائدة أخرى -وقد أشرت إليها فيما سبق: أن النسخ لا يقع إلا في الأمر أو النهي، ولو بلفظ الخبر، وقد سبق الكلام عليه.

 [mk1]ما كان مكيًّا بأجمعه

  1. أخرجه البخاري، كتاب المناقب، باب خاتم النبيين ﷺ، رقم: (3535)، ومسلم، كتاب الفضائل، باب ذكر كونه ﷺخاتم النبيين، رقم: (2286).
  2. الموافقات (4/ 256).
  3. الموافقات (4/ 257).
  4. أخرجه البخاري، كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله ﷺ؟ رقم: (3)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بدء الوحي إلى رسول الله ﷺ، رقم: (160).
  5.  أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين (2/ 576)، رقم: (3953).
  6. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (7/ 139)، رقم: (1502).
  7. الإتقان في علوم القرآن (1/ 92).
  8. فضائل القرآن للقاسم بن سلام (ص:364).
  9. أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ [المدثر:3]، رقم: (4924)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بدء الوحي إلى رسول اللهﷺ، رقم: (161).
  10. أخرجه البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب تأليف القرآن رقم: (4993).
  11.  أخرجه النسائي في السنن الكبرى، كتاب الجهاد، وجوب الجهاد، (4/ 264)، رقم: (4278)، وأحمد، رقم: (1865).
  12. أخرجه أبو داود، كتاب الأشربة، باب في تحريم الخمر، رقم: (3670)، والترمذي، أبواب تفسير القرآن عن رسول اللهﷺ، باب: ومن سورة المائدة، رقم: (3049).
  13. أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا [النجم:62] رقم: (4863).
  14. الدر المنثور في التفسير بالمأثور (4/ 158).
  15. مصنف ابن أبي شيبة، رقم: (19368).
  16. الدر المنثور في التفسير بالمأثور (2/ 329).
  17. أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [البقرة:281]، رقم: (4544).
  18.  الإتقان في علوم القرآن (1/ 101).
  19. أخرجه النسائي في السنن الكبرى (10/ 39)، رقم: (10991).
  20. فضائل القرآن للقاسم بن سلام (ص:369).
  21. أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ، رقم: (4605)، ومسلم، كتاب الفرائض، باب آخر آية أنزلت آية الكلالة، رقم: (1618).
  22. أخرجه أحمد (42/ 353)، رقم: (25547).
  23. أخرجه الترمذي، أبواب تفسير القرآن عن رسول الله ﷺ، باب: ومن سورة المائدة، رقم: (3063).
  24. تفسير الطبري (18/ 136).
  25. تفسير ابن كثير (5/ 209).
  26. أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ[النساء:93]، رقم: (4590).
  27. أخرجه أحمد، رقم: (1941)، والنسائي، رقم: (4864).
  28. تفسير الطبري (9/ 521).
  29. أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب لا يطوف بالبيت عريان، ولا يحج مشرك، رقم: (1622)، ومسلم، كتاب الحج، باب لا يحج البيت مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، وبيان يوم الحج الأكبر، رقم: (1347).
  30. أخرجه مسلم، كتاب الزكاة، باب لو أن لابن آدم واديين لابتغى ثالثا، رقم: (1050).
  31. أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ... رقم: (4652).
  32. المستدرك على مجموع الفتاوى (2/ 32).

مواد ذات صلة