الحمد لله ربِّ العالمين، والعاقبة للمُتقين، وصلَّى الله وسلّم وبارك على عبده ورسوله محمدٍ، وعلى آله وصحابته الطيبين الطَّاهرين.
أما بعد: فاللهم اغفر لنا، ولوالدينا، ولشيخنا، وللمُستمعين.
يقول الإمامُ ابنُ جزي الكلبي -رحمه الله-:
"الباب العاشر: في الفصاحة والبلاغة وأدوات البيان:
أمَّا الفصاحة فلها خمسة شروط:
الأوّل: أن تكون الألفاظُ عربيةً، لا مما أحدثه المولّدون، ولا مما غلطت فيه العامّة.
الثاني: أن تكون من الألفاظ المستعملة، لا من الوحشية المستثقلة.
الثالث: أن تكون العبارةُ واقعةً على المعنى، مُوفيةً له، لا قاصرة عنه.
الرابع: أن تكون العبارةُ سهلةً، سالمةً من التَّعقيد.
الخامس: أن يكون الكلام سالـمًا من الحشو الذي لا يُحتاج إليه".
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد: فقوله: "الباب العاشر: في الفصاحة والبلاغة وأدوات البيان"، وعند المتأخّرين: علم المعاني، والبديع، والبيان. ومثل هذا يُحتاج فيه إلى معرفة هذه الاصطلاحات؛ وذلك لأنها تتكرر في الكتاب، فسنجد في الكتاب أنَّه يذكر أنواعًا من الاستعمالات البلاغية، فيقول: هذا من قبيل الطِّباق، هذا من قبيل الجناس، هذا من قبيل الترديد، وهكذا. ومثل هذا لا بدَّ من معرفة المراد به، ومن ثمَّ فإنَّه قد ذكره في أول هذا الكتاب.
هذه الفصاحة -وهي في الكلام عمومًا- يقول: لها خمسة شروط، وسواء حُصر ذلك بخمسة شروط، أو أُجمِل بما دونها، لكن أهل البلاغة يذكرون أنَّ البلاغة: أن يُؤدّى الكلام واضحًا وكاملًا، ويكون سليمًا من العيوب اللَّفظية والتركيبية، يعني: السلامة في المفردات –الألفاظ-، والسَّلامة أيضًا في التراكيب، يعني: في مُفرداته يسلم من تنافر الحروف، وغرابة الاستعمال، ووعورة اللَّفظ، وما أشبه ذلك، بحيث لا تكون اللفظةُ غير فصيحةٍ، لا يكون الكلامُ بليغًا والألفاظ وحشيَّة، الألفاظ ينبو عنها السَّمع، فلا بدَّ من مُراعاة هذا في الألفاظ.
وكذلك أيضًا أن يكون سليمًا في التركيب، فإنَّ الكلام لا يُؤدِّي معناه إلا إذا كان مُركبًا، وهذا التركيب لا بدَّ أن يسلم من ضعف التَّأليف، وتنافر الكلمات بعضها مع بعض، والتعقيد اللَّفظي والمعنوي، وتكرار القبيح الذي يُسيء إلى المعنى، وما إلى ذلك مما يرجع إلى مُراعاة الأصول الصَّرفية والنَّحوية، ومراعاة أصول الذوق ومبادئ التعبير، يعني: من غير غموضٍ ولا التواء؛ لذلك تسمع أحيانًا الخطبة فتطرب لها، وتسمع الخطبة أحيانًا وتسأم وتملّ وتنتظر متى ينتهي هذا الخطيب، وتعزم على ألا تعود إليه ثانيةً؛ لأنَّ كلامَه مملّ، أو لأنَّ كلامه ربما غير مفهوم، أو لأنَّ كلامه مُفكك، أو لأنَّ كلامه فيه تكرار كثير في العبارات، يُكرر عبارات من غير حاجةٍ، فيسأم السامع، فهذا لا يُقال عنه أنَّه فصيح.
إذن الفصاحة أصلها في اللغة: البيان، والبيان يرجع إلى معنى الظهور والوضوح، بحيث لا يبقى في المعنى غموض ولا التواء، والإنسان يُبِيْن عمَّا في نفسه، فإذا كان لا يستطيع أن يُوصل ما يريد إلى المستمع بطريقةٍ واضحةٍ لا غموضَ فيها لم يكن فصيحًا، فهذه الفصاحة في اللغة.
إذن الفصاحة تقع وصفًا للفظة المفردة، يُقال: هذه كلمة فصيحة، وهذه كلمة غير فصيحة، هذه كلمة عامية، هذه كلمة أعجمية، هذه كلمة مُولّدة، ليست فصيحةً.
وكذلك أيضًا الكلام يُوصف بأنَّه فصيحٌ، الكلام المركب.
وكذلك أيضًا المتكلم، يُقال: فلان فصيح. فهذه الفصاحة، وسيأتي في الكلام على البلاغة أنها مُطابقته لمقتضى الحال مع فصاحته، فالفصاحة شرطٌ في البلاغة، والبلاغة أعمّ من الفصاحة من وجهٍ، وأخصّ من وجهٍ، فالفصاحة -كما سيأتي في الفرق بينها وبين البلاغة- أعمّ من البلاغة من جهة أنها تُوصف بها اللَّفظة، ويُوصف بها الكلام المركب، أمَّا البلاغة فإنَّها لا يُوصف بها إلا الكلام المركب.
فهذه الشروط الخمسة:
- أن تكون الألفاظُ عربيةً، يعني: غير مُولَّدة.
- أن تكون مُستعملة، غير وحشيّة، يعني: غير مهجورة.
- أن تكون واقعةً على المعنى، مُوفيةً له، لا قاصرة عنه.
- أن تكون سهلةً، سالمةً من التَّعقيد.
- أن يكون الكلامُ سالـمًا من الحشو الذي لا يُحتاج إليه.
بعض هذه الأشياء ترجع إلى التركيب، وبعض هذه الأشياء ترجع إلى اللَّفظة المفردة؛ لأنَّه -كما سبق- يُقال: "كلمة فصيحة" للفظة، ويُقال: كلام فصيح، لكن لا يُقال: هذه لفظة بليغة، وإنما يُقال ذلك للمركب -كما سيأتي-.
البلاغة يقول: "هي سياق الكلام على ما يقتضيه الحال والمقام"، وذكر أحوالًا من الإيجاز والإطناب، إلى آخره، الكلام يُسمّى "بليغًا" لبلوغه الأوصاف اللَّفظية والمعنوية، يعني: لا بدَّ في البلاغة من مُراعاة الألفاظ والمعاني والتركيب، فهي تشمل اللَّفظ والمعنى، ومن ثم فإنَّ كل كلامٍ بليغٍ يجب أن يكون فصيحًا، وليس كل كلامٍ فصيحٍ بليغًا، أو ليس كل فصيحٍ بليغًا، فهي إذن لا تكون إلا في اللَّفظ والمعنى بشرط التركيب.
إذن الفصاحة يمكن أن تكون في اللَّفظة المفردة، واللَّفظة المفردة لا يُقال عنها: بليغة، وإنما يُقال عنها: فصيحة، والسَّبب أنَّه لا يُقال عنها: بليغة؛ لأنَّه لا يوجد هناك معنًى مُفيد؛ لأنَّ الإفادة لا تحصل إلا بالتركيب: (كلامنا لفظٌ مُفيدٌ كاستقم)[1]، يعني: استقم أنت، يعني: إما حقيقة، وإما تقديرًا، تقول: جاء زيدٌ، هذا حقيقة، يعني: أنك ذكرتَ الفعل والفاعل، جملة فعلية، أو تقديرًا: (استقم) استقم أنت.
فإذن اللَّفظة المفردة لا يُقال عنها: بليغة، لكن يمكن أن يُقال: فصيحة.
وبلاغة المتكلم: هي مَلَكَة يكون معها قادرًا على تأليف الكلام البليغ، والبلاغة في الكلام تعني بالضَّرورة: التَّحرز عن الخطأ في تأدية المعنى المطلوب. ويحتاج أن يُميز أيضًا بين الكلام الفصيح وغير الفصيح.
والبلاغة قسّمها المتأخّرون إلى العلوم الثلاثة -أو الفروع الثلاثة- المعروفة: علم المعاني، وعلم البيان، وعلم البديع. فما يُحترَز به من الخطأ هذا علم المعاني، وما يُحترز به من التَّعقيد المعنوي هذا علم البيان، وما يُعلم به وجوه تحسين الكلام -بعد مُراعاة ما يعني مُقتضى الحال- هذا الذي يُقال له: البديع، يعني مثل: المحسّنات اللَّفظية: الطِّباق، والجِناس، ونحو ذلك: (مَن عزّ بزّ)، ونحو ذلك.
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ [الروم:٥٥]، (الساعة، ساعة) هذه مُحسّنات لفظية ترجع إلى البديع.
إذن إذا كان الكلامُ مُطابقًا لمقتضى الحال مع فصاحته فهو بليغ، قيل له ذلك لأنَّه يبلغ المتكلّم به إلى الإفصاح عن جميع مُراده بكلامٍ سهلٍ، واضحٍ، يقبله السَّامع، ويصل إلى نفسه، فهذا يُقال له: كلام بليغ، يبلغ به المراد، وهذا بطبيعة الحال لا يكون إلا إذا كان فصيحًا.
المتكلم يريد أن يُوصل ما في نفسه إلى السَّامعين، فالبليغ هو الذي يستطيع ذلك، وبعض الناس يتكلم ولا تفهم ماذا يُريد؟! يخطب خطبةً طويلةً، ولا تعرف ما هو الموضوع؟! يريد أن يتحدّث عن ماذا؟! يكتب لك رسالةً لا تفهم ماذا يقصد؟! ماذا يريد؟! كلامٌ غير واضحٍ، فهذا خلاف البلاغة.
البعض قد يُطيل جدًّا في الكلام الذي يمكن أن يُختصر من غير حاجةٍ، فهذا كلام بليغ؟!
يعني: إذا بدأ يتكلم معك بشيءٍ، يريد أن يسألك سؤالًا، أطال في السؤال جدًّا حتى تملّ، وكان من الممكن أن يُختصر بكلمتين، فيذهب الزمانُ وهو يصوغ السؤال، فهذا غير فصيحٍ، فتقول له: يا أخي، يمكن أن تقول كلمتين، تسأل عن كذا. فيحتاج إلى تعبيرٍ طويلٍ وتفاصيل تملّ وأنت تسمعها، رأيتم كيف تُؤثر؟
على تفاوت بين الناس: فمنهم مَن يبلغ المراتب العالية، ومنهم مَن يكون عكس ذلك، يعني: لا يستطيع أن يُبِين عن مُراده أصلًا، أو لا يُبين إلا بصعوبةٍ بالغةٍ، وهذا شيء مُشاهد، يعني: يوجد مَن ربما يقف معك ربع ساعة كاملة حتى يسألك عن سؤالٍ، وهذا السؤال يمكن أن يُلخص بكلمتين، وبعض هؤلاء في مضامين سؤاله الجواب!
فهذه البلاغة لا بدَّ فيها من معرفة اللَّغة: معرفة النَّحو والصرف، لا بدَّ –يعني- من معرفة جملة أمورٍ، لا يكون الكلامُ مُفكَّكًا.
انظر مثلًا إلى كلامنا مع الأعاجم: (أنت فيه يبغى، أنا فيه يعطي)، هذا أبعد ما يكون، وهذا إفسادٌ للغة، وهدمٌ لها، لا يصحّ بحالٍ من الأحوال.
وأحيانًا يكون ذلك مع التَّفكيك يُؤدِّي معانٍ قبيحة جدًّا، لا يتفطّن لها السامع أو المتكلم، فهذا مع الأيام تختلّ به اللغة، ويبدو أنَّ هذه قضية قديمة، لكن يبدو أنها كانت لدى بعض الأفراد، حتى إنَّ الجاحظ يذكر أنَّه سأل رجلًا دخيلًا في العربية عن صبيٍّ أخذته الشرطة في سرقةٍ اتُّهِم بها قائلًا: في أيّ شيءٍ أسلموا هذا الصَّبي؟ في أي شيءٍ أسلموه؟ يعني: أخذوه. فأجاب هذا الرجل: في أصحاب سند نعال. يعني: في أصحاب النِّعال السّندية. فهذا مثل: (أنت فيه روح، أنا فيه يجي)، نفس الطَّريقة، (في أصحاب سند نعال)، النِّعال السّندية، يعني: كأنَّه سرق نعال سندية، أو وقعت له مشكلة مع هؤلاء.
وقال مرةً يشتم غلامًا للجاحظ: الناس ويلك، أنت حياء كلّهم أقلّ! يعني يريد: أنت أقلّ الناس حياءً! وسمّى هذا الرجل.
هذا أقبح ما يكون من الكلام، لكن أيضًا توجد أشياء أخرى قد تكون دون ذلك، مثل: الذي لا يعرف أن يركب الجمع والتَّثنية، فيقول: اشتريتُ فرسًا وفرسًا. اشتريتُ فرسين.
والناس يتفاوتون في هذا تفاوتًا كبيرًا، قد يصل إلى التَّفكيك والإبهام، وقد يكون دون ذلك، لكن مع التَّطويل والإملال حتى تفهم ماذا يريد؟!
ومن ثم فإنَّك يصعب أن تفهم أحيانًا الأعجمي، إذا تكلّم حاول أن يتكلم بالعربية، تتحقق منه، تُعيد عليه، تحاول أن تُعمل جميع الحواس لتفهم مُراده، والسَّبب أنَّه غير بليغٍ: أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ [فصلت:٤٤]، هذا يُقابل هذا؛ ولهذا يُقال: هذا الكلام فيه عُجْمَة.
إذن العلم الباحث عن القواعد التي تُصيّر الكلام دالًّا على جميع المراد وواضح الدّلالة هو علم البلاغة.
هناك مُحسّنات متى اشتمل عليها حصل له مزيدٌ من الحُسن والقبول عند السامع، ويطرب له، فهذه من اللَّواحق، سواء كان الحسنُ عارضًا للفظ من جهة الموقع المعنوي كالطِّباق، يعني مثل: أَضْحَكَ وَأَبْكَى [النجم:٤٣]، مُقابلة الضَّحك بالبكاء، أَمَاتَ وَأَحْيَا [النجم:٤٤]، حينما يستعمل الكلام فيه، أو كان الحُسن عارضًا من جهة تركيب الحروف كالجناس، مثل الذي يقول:
سِمْ سِمَةً تُحمد آثارها | واشكر لمن أعطى ولو سِمْسِمه[2] |
(سِمْ سِمةً) يعني: اترك أثرًا، (تُحمد آثارها * واشكر لمن أعطى ولو سمسمه)، فهذا يُسمّى: جناسًا، فيه تشابه بالحروف، فهذه تُسمّى: مُحسّنات، توابع للبلاغة، هذا الذي يُلقبونه: بالبديع، فانحصر علمُ البلاغة بهذه الفنون الثلاثة.
المعاني: هي المسائل التي بمعرفتها يستطيع المتكلم أن يُعبِّر عن جميع المراد بكلامٍ خاصٍّ.
قيل له: علم المعاني؛ لأنَّ مسائله تُعلّمنا كيف نُفيد معانٍ كثيرة بألفاظ قليلة: إمَّا بزيادة لفظ قليل يدلّ على معنى ربما يُؤدَّى بجُمَلٍ.
يعني مثلًا: "إنما" هذه تُفيد الحصر، يمكن أن نتكلم بكلامٍ طويلٍ حتى نُوصل إلى السامع أننا نريد الحصر، لكن هذا يتأتى بلفظة: "إنما".
كلمة "إن" هذه بمنزلة إعادة الجملة مرتين، "إن" للتوكيد، فبدلًا من أن نقول: جاء زيد، جاء زيد. نقول: إنَّ زيدًا قد جاء، مثلًا.
وقد لا يزيد شيئًا، ولكنَّه يُرتّب الكلام على طريقةٍ تُؤدِّي بهذا الترتيب معنًى زائدًا، يعني مثلًا: تقديم المعمول على العامل يُفيد معانٍ كالحصر، وتقديم الظرف، وتقديم الجار والمجرور، تقول: إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:٥]، يعني: نعبدك وحدك دون ما سواك. فإذا قدّمه فهذا غير (نعبدك): إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، وهذا التَّقديم يدلّ على الحصر، فهذا من علم المعاني، نعرف هذه الأشياء، وهذا هو معظم علم البلاغة، هو علم المعاني.
أما البيان فهو: المسائل التي بمعرفتها يُعرف وضوح الدّلالة على المراد.
في علم البيان تقول: فلان أسد، يعني: شجاعًا. فلان كثير الرّماد، يعني: كريمًا. وهكذا.
فإذا صار يستعمل هذه الأشياء جميعًا فهذا هو البليغ، هذا هو البليغ يعني: يُضمِّن كلامه ما يتّصل بعلم المعاني -يُراعي ذلك-، وعلم البيان، وعلم البديع على تفاوتٍ، يعني: ليس بالضَّرورة أن يستعمل المحسنات اللَّفظية هذه حتى يكون بليغًا، ولكن هذه من الأمور الإضافية الزائدة.
وكما سبق في أنَّ البلاغة إنما تكون بتأدية المعنى وإيصاله إلى السَّامع بحسب الـمَقام، فإذا كان الإنسانُ يستعمل أشياء من السَّجع ونحو ذلك من قبيل التَّكلف، حتى إنَّه يُبْهِم على السامعين، أو ربما يَشغلهم ذلك عن المعنى المطلوب؛ فإنَّ هذا لا يكون بليغًا، يعني: أحيانًا بعض الخُطباء قد يتكلّف، أو بعض الكاتبين يتكلّف السّجع بطريقةٍ ممجوجةٍ، أمَّا في الدعاء فهو مذمومٌ -كما هو معلومٌ-.
إذن يقول: "البلاغة هي: سياق الكلام على ما يقتضيه الحال والمقام من الإيجاز والإطناب"، يعني: هذه مُقتضيات الأحوال، أحيانًا الحال يقتضي الإيجاز، والأصل في الكلام أن يُؤدَّى بألفاظٍ على قدر المعاني، هذا الأصل في الكلام، لكلِّ معنًى لفظٌ يدلّ عليه، ظاهر أو مُقدّر، فهذا الذي يُقال له: المساواة، فالألفاظ مُساوية للمعاني، فإذا نقصت الألفاظُ عن عدد المعاني، مع إيفائها بجميع تلك المعاني –يعني: ما اختلّت ولا نقصت- فهذا هو الإيجاز، وهذا أنواع، مثل: الحذف لما من شأنه -مثلًا- أن يُذكر في كلامهم إذا قامت القرينة، يعني: كأن يتوخّى لفظًا يدلّ على مجموع معانٍ، إذا كان الغالبُ في الكلام الدّلالة على تلك المعاني بعدّة ألفاظ.
فإذا زادت الألفاظ على عدد المعاني، مع عدم زيادة المعاني؛ فذلك الإطناب، زاد اللَّفظ على المعنى، فهذا هو الإطناب، مثل: التوكيد اللَّفظي، والتَّكرير، وذكر الخاصّ بعد العامّ، والتفسير: إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ [المعارج:19-٢٢]، فهذا إطنابٌ، وليس الإطناب بعيبٍ في الكلام، وإنما إذا كان في موضعه فهو من البلاغة؛ ولذلك عُدّ من أنواع البلاغة: الإطناب، لكن الإطناب من غير حاجةٍ في غير موضعه لا يكون من البلاغة في شيءٍ.
فالقرآن تجد فيه الإيجاز، وتجد فيه المساواة، وتجد فيه الإطناب، كلّ هذا موجودٌ في القرآن، وهو موجودٌ في كلام الفُصحاء أيضًا.
العرب من عادتها أن تُوجز في الكلام قدر المستطاع؛ ولذلك لاحظوا في مثل هذه الأدوات: إنما، إن، الضَّمائر، كلّ ذلك يختصر الكلام؛ ولذلك العرب تطوي بعض الكلام ثقةً بفهم السامع، يعرفون أنَّ المعنى مُدرك فيختصرون؛ ولهذا قال ابنُ مالك:
وحذف ما يُعلم جائزٌ كما | تقول: زيدٌ، بعد مَن عندكما؟[3] |
(مَن عندكما؟) فلا يحتاج أن تقول: عندنا زيد، وإنما تقول: "زيد" اختصارًا.
فالعرب تميل إلى الإيجاز، وسواء كان إيجازَ حذفٍ مثل هذا، أو إيجاز اختصارٍ أو قِصَرٍ؛ فإيجاز الحذف مثل: حذف الـمُسْنَد إليه، والـمُسند، والمفعول، والتَّحذير، والإغراء. تقول: النار النار!! يعني: احذر النَّار.
وحذف المفعول هو أكثر أنواع الحذف في الإيجاز؛ ولهذا حذف الـمُقتضى عمومًا –يعني: الـمُقدّر هذا الذي يكون غالبًا من قبيل المفعول-، هذا أكثر أنواع الإيجاز، وهو الذي قال فيه صاحب "المراقي": (والمقتضى أعمّ جُلّ السَّلَفِ)[4].
(أعمّ) يعني: عمّمه، فالمقتضى: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ [المائدة:٩٠]، لاحظ: ما قال: اجتنبوا شُربه، اجتنبوا بيعَه، اجتنبوا إهداءه، اجتنبوا تخزينه، اجتنبوا تخليله. "اجتنبوه"، فيشمل جميع هذه الأنواع، هذا إيجازٌ، كان بالإمكان أن يشرح هذا الكلام بكلامٍ طويلٍ، ثم قد يترك المتكلم، يعني: غير الله ؛ لأنَّه لا تخفى عليه خافية، لكن المتكلم لو أراد أن يحصر بكلامه أشياء؛ تفوته أشياء، فهذا "فاجتنبوه" يشمل جميع الأنواع، وهذا كثيرٌ.
وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ [يونس:٢٥]، يدعو مَن؟ يدعو كلّ أحدٍ.
كذلك حذف الـمُضاف يُمثّلون له: وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف:82] يعني: أهلَ القرية، أهل: مضاف، والقرية: مضاف إليه. هذا حذف المضاف.
وحذف الصِّفة مثل: وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ [الكهف:٧٩] "صالحةٍ" في القراءة غير المتواترة، "صالحة" حُذفت، وحينما حُذِفت فهذا معلومٌ من السياق أنَّه يأخذ السَّفينة الصَّالحة، بدليل أنَّه قال: فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا [الكهف:٧٩]، فهو لا يأخذ المعيبة، وإنما يأخذ الصَّالحة، فحذف هذا الوصف.
كذلك حذف الجملة أو الجمل التي يدلّ عليها السِّياق: أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ [الشعراء:63]، (فضربه) هذه جملة فعلية: ضربه فانفلق، فحذف هذه الجملة ثقةً بفهم السامع، فلا يحتاج أن يطول الكلامُ بها: فضرب فانفلق.
فَأَرْسِلُونِ يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ الآية [يوسف:45-٤٦]، قال لهم: فَأَرْسِلُونِ، ثم قال: يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ، إذن فأرسلوه فقال: يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا، حُذف هذا: فأرسلوه فقال ...، لماذا؟ لأنَّ السامع يفهم ويُدرك ذلك، لا يخفى عليه.
كثيرٌ من الأمثال عند العرب تشتمل على الإيجاز، كثيرٌ منها يشتمل على الإيجاز، وهناك إيجاز الاختصار أيضًا؛ تُؤدَّى فيه المعاني بألفاظ أقلّ منها عددًا دون حذفٍ، فذاك دون حذفٍ، لكن بتوخّي ما يُفيد من الألفاظ عدّة معانٍ، يعني: كلمات مُعبّرة، وافية.
من أمثال العرب مثلًا: (القتل أنفى للقتل)، ما فيه حذف، يعني: إذا قُتِل القاتل امتنع الناسُ من القتل، وأبلغ منه: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ [البقرة:١٧٩]، هناك قال: "القتل" في أمثال العرب، هنا قال: "القصاص"؛ لأنَّ القتل هناك عند العرب قد لا يكون بحقٍّ؛ يقتلون غير القاتل، أو يقتلون بالقاتل مجموعةً لم يُشاركوا في قتله، وقد يكون هذا القتلُ بنوعٍ من التَّعدي والتَّشفي بالتَّمثيل ونحو ذلك؛ ولهذا قال الله : فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا [الإسراء:٣٣].
ثم قال: "القتل أنفى للقتل"، وفي الآية: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ القصاص العادل حَيَاةٌ، فهنا جاء بها مُنكّرة: "حياة"، حياة كاملة، حياة حقيقية، قد ينتفي القتلُ، لكن حياة لا خيرَ فيها، لا قيمةَ لها، وهذا التَّنكير يدلّ على التَّعظيم.
والبعض -بعض الفُصحاء- يقولون: "أولو الفضل في أوطانهم غُرباء"، يعني: أنَّ طبائعهم تختلف عن طبائع الناس، الناس يستنكرون أفعالهم، يقولون: هذا يضيع ماله، يعني: إذا كان كريمًا، وهذا يضيع وقتَه وجهدَه، إذا كان يسعى بحاجات الناس، ونحو ذلك، يعني: من غير مردودٍ ماديٍّ، وهكذا.
وكثيرٌ من أمثال العرب يشتمل على إيجاز الاختصار، كذلك الحِكَم.
ونجد الإيجاز كثيرًا في مثل قصص الأنبياء، أحيانًا تُذكَر على هذا السَّبيل بالإيجاز، وأحيانًا تُذكر بإطنابٍ.
فيما يتعلّق بالإطناب: هذا يكون بالتَّكرير مثلًا في مقام التَّهويل: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ [المرسلات:١٥]، تجد أنها تتكرر، وهذا التَّكرار ليس بتكرار محض، والأرجح أنَّ كل واحدةٍ تتصل بما قبلها، يعني: ما ذُكِر قبلها، هذا يُقابل الإطناب.
عرفنا أنَّ العرب تميل إلى الإيجاز، لكن الإطناب يكون بليغًا في موضعه، وإلا فكما قال بعضُ كبار الأدباء والبُلغاء لكُتّابه: "إن قدرتم أن تجعلوا كتبَكم توقيعات فافعلوا"[5].
يعني: رسائلكم، يعني: خطاباتكم، "توقيعات" يعني: كلمات معدودة، لا تَشرح شرحًا طويلًا، فهذا هو الإيجاز الذي يُقابله الإطناب.
الإطناب يُعبّر عن المعاني القليلة بالكثير من الألفاظ، يقابل الإيجاز، تقول مثلًا: العلم علمان: علم الأبدان، وعلم الأديان. في فلان ثلاث خصال حميدة: الكرم والشَّجاعة والعلم. كان بالإمكان أن تقول: فلان شجاع وكريم وعالم. يقول: لا، في فلان ثلاث خصالٍ حميدة. ثم تذكر هذه الخصال، فهذا يُعتبر من الإطناب؛ فهذا يُقبل إذا كانت الزيادةُ لفائدةٍ، وهو كما قال الخليلُ بن أحمد: "يُطوَّل الكلامُ ليُفهم، ويُوجَز ليُحفظ، تستحبّ الإطالة عند الإعذار، والإنذار، والترهيب، والترغيب، والإصلاح بين القبائل"[6]، هنا يصلح الكلام الكثير.
وأحيانًا يقتضي المقام كلمات قليلة؛ إنسان يحتاج إلى كلامٍ كثيرٍ: عنده مشكلة، عنده مُعاناة، يحتاج أن تقلب له وجوه الكلام، وتنوع في الأساليب؛ لتصل معه إلى المطلوب.
وأحيانًا الكلام لا يقتضي هذا، قد يقطع عليك الكلام، ويقول لك: هاتِ الخُلاصة، هاتِ الزّبدة، ليس عندي وقتٌ أستمع لهذا الشَّرح الطويل.
وهذا شيء مُشاهَد حينما تحضر في مكانٍ فيه مُداخلات؛ مُلتقى علمي، وتسمع المداخلات، بعض المداخلات أحيانًا تشعر معها بصداعٍ وتعبٍ، خاصّةً إذا تكرر هؤلاء الذين يُداخلون بنفس الطريقة: كلام طويل يمكن أن يُلخَّص بكلمتين.
وهكذا في التأليف تجد بعض الناس يُؤلّف ويكتب في القضية التي يمكن أن تُكتب برسالةٍ صغيرةٍ، يكتب فيها مجلدًا ضخمًا: سبعمئة صفحة، وإذا قرأتَه لا تخرج يدك بشيءٍ كثيرٍ يُذكر، كلام طويل والحصيلة قليلة، ومن ثم فإنَّك بمجرد أن ترى مُؤلَّفًا لهذا تُعْرِض عنه، تعرف أنَّه ليس تحت هذه الأوراق الكثيرة، والمجلد الضَّخم، والعنوان البرَّاق؛ ليس تحتهم شيء.
يقول: "الإيجاز والإطناب والتَّهويل".
التهويل: يعني: مثل قراءة ابن عبَّاس -رضي الله عنهما-: وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ مَنْ فِرْعَوْنَ [الدخان:٣٠-31].
والقراءة المتواترة: مِنْ فِرْعَوْنَ، نجيناهم من العذاب المهين: مِن فِرْعَوْنَ، مَن فِرْعَوْنَ؟ على سبيل الاستفهام: (مَن)؟
فهنا لما وصف العذابَ بأنه مُهين لشدّته وفظاعته أراد أن يُصوّر –يعني- كُنهه فقال: مَن فِرْعَوْنَ؟ يعني: تعرفون مَن هو في فرط العتو والتَّجبر، فما ظنّكم بعذابٍ يكون هو المعذّب به، ثم عرف حاله بقوله: إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِّنَ الْمُسْرِفِينَ [الدخان:٣١].
في قوله: وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ [البقرة:١١٩]، لا تُسأل عنهم، قيل هذا على سبيل التَّهويل، كقولك: لا تسأل عن فلان، يعني: لشدّة حاله، لشدّة فقره.
مثلًا: فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ [طه:٧٨]، ما الذي غشيهم؟ هنا إبهامٌ لقصد التَّهويل.
يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ [يس:٣٠] هذا يدلّ على التَّهويل أيضًا؛ لكفرهم وعتوهم على الله وعلى رسله -عليهم السلام-.
إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ [الإنشقاق:١]، جواب: "إذا" محذوف؛ ليكون أبلغ في التَّهويل، فيُقدِّر السامع أقصى ما يُتصور.
وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ [الانفطار:١٧-١٨]، كرره للتَّهويل.
الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ [الحاقة:١-٣] يذهب الذهنُ في كل اتجاهٍ.
الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ [القارعة:١-٣]، كلّ هذا يدلّ على شدّة الأمر، والتَّهويل، وكذلك أيضًا التَّعظيم والتَّحقير، وهذه أشياء يُوجد بينها تقارب، يعني: مثل التَّهويل والتَّعظيم؛ ولذلك فإنَّ بعضهم يُفسِّر التَّعظيم بالتَّفخيم، ويُمثّلون له ببعض أمثلة التَّهويل، مثل: الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ.
وهذه الأشياء التي تُذكر هنا في البلاغة تجد بين المؤلفين في البلاغة في تعريفها، وفي أمثلتها؛ أشياء مُتداخلة كثيرة، ويختلفون في بعض توصيفاتها، يعني: هل هذا من المجاز، أو من الحقيقة؟ هذا نوعٌ من المجاز، أو ليس بنوعٍ منه؟ مثل: الاستعارة يختلفون فيها، بصرف النَّظر عن المجاز وثبوته، أنا لا أتكلم عن هذه القضية الآن، وإنما توضيح مثل هذه الاستعمالات: التَّعظيم والتَّفخيم:
أخي ما أخي لا فاحش عند بيته | ولا ورع عند اللِّقاء هيوب[7] |
هذا للتَّعظيم.
إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى [النجم:١٦]، ما الذي يغشاها؟ أبهمه لقصد التَّعظيم.
وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ [الواقعة:٢٧]، فهذا للتعظيم.
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ [الواقعة:١٠]، مثلما تقول: أنت، أنت. وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ.
وهكذا تجدهم أيضًا يذكرون أمثلةً قد تُذكر هناك، مثل: الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ، الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ، ونحو ذلك في التَّهويل، فهما في غاية التَّقارب والتَّشابه.
التَّعظيم والتَّحقير: التَّحقير مثل: مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [الكهف:٥١]، الضَّمير يرجع إلى الشياطين على وجه التَّحقير لهم، وكذا الكفَّار وجميع الخلق: جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّنَ الْأَحْزَابِ [ص:١١]، (مَّا هُنَالِكَ) صفة لـ"جند"، يقولون: فيها تحقيرٌ لهم.
كذلك أيضًا التَّصريح والكناية: الكناية سيشرحها ويتكلم عليها، لكن فيما يتعلّق بالتَّصريح؛ التَّصريح بعد الإبهام، هذا الذي سمّاه ابنُ القيم: التَّصريح، يقول: "التَّصريح بعد الإبهام هو التَّفسير".
وبعضهم يُسميه: التبيين، وهو أن يذكر لفظًا ويتوهم أنَّه يحتاج إلى بيانه، ويُعيده مع التفسير: وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ [النور:45].
ثلاثة تُشرق الدنيا ببهجتهم | شمس الضُّحى وأبو إسحاق والقمر[8] |
يعني: يتساءل السامع: مَن هؤلاء؟ هذا التَّصريح.
وكذلك أيضًا الإشارة: والإشارة هنا ليس المقصودُ بها الإشارة عند الأصوليين -دلالة الإشارة-، وليس المقصودُ بها أيضًا الإشارة عند الصُّوفية -التفسير الإشاري-، لكن في أصل الاستعمال هنا وهناك يوجد نوعُ ارتباطٍ، مَن تأمّل ونظر يجد نوعَ ارتباطٍ، لكن لا تفهم أنَّ الاصطلاح هو الاصطلاح، يوجد نوع ارتباطٍ، لكن هذا عند البلاغيين، ولكل قومٍ اصطلاحهم وعُرْفُهم.
بعضهم يذكر من أنواع الإشارة أيضًا: الإيماء، والتَّعريض، والتلويح، والكناية، والتمثيل، والرمز، والإلغاز، واللحن، والتعمية، والحذف، والتورية.
ابن القيم -رحمه الله- ذكر أنَّ الإشارة تُطلق على أن تأتي بلفظٍ جليٍّ تريد به معنًى خفيًّا، فهذا من مُلَح الكلام، يأتي بالنَّثر والنَّظم: الشعر والنَّثر. تذكر كلامًا واضحًا في ظاهره، ولكنَّه يُراد به معنًى خفي، إلغاز. هذه الإشارة.
النبي ﷺ في غزوة الأحزاب لما نقضت قريظةُ العهدَ مع رسول الله ﷺ، أرسل لهم السَّعدين، وأمرهما ومَن معهما إذا كان هؤلاء على العهد أن يُعلنوا ذلك في الناس، وإن لم يكونوا فيلحنوا له لحنًا يعرفه، فلمَّا رجعوا ذكروا له كلامًا يدلّ على هذا المعنى، ذكروا له اسم قبيلتين غدرتا: عُضَل والقارة.
بعضهم يُدخل في هذا أشياء مما يتصل بالكناية.
وبعضهم سمّى هذا بالإيجاز، وجعلوه من قبيل إيجاز القِصَر: وَغِيضَ الْمَاءُ [هود:٤٤]، فهنا: غِيضَ الْمَاءُ على هذا التَّفسير الآن باعتبار أنَّ الإشارة هي الإيجاز.
غِيضَ الْمَاءُ لو جئنا نفصّل ما تحت هذه اللَّفظة: إيجاز قِصَر، كلام قصير، فهنا الآية تُشير إلى انقطاع مادة الماء من نبع الأرض ومطر السَّماء، وإلا كيف غاض الماء؟
غِيضَ الْمَاءُ دلّت على هذا جميعًا، ما احتاج أن يقول: توقّفت السَّماء عن المطر، والأرض عن النَّبع. وإنما قال: وَغِيضَ الْمَاءُ؛ لأنَّ هذه هي النَّتيجة المطلوبة.
قال: "وشبه ذلك بحيث يهزّ النفوس، ويُؤثّر في القلوب ..." إلى آخره.
أدوات البيان: نحن عرفنا أنَّ البلاغة تشمل العلوم الثلاثة، وأدوات البيان يقول: "هي صناعة البديع، وهو تزيين الكلام كما يُزين العلمُ الثوبَ".
كما ذكرنا أنَّ هذا البديع هو مُحسنات لفظية، وأنَّه من المكملات والتوابع، فهو العلم الذي تُعرف به وجوه تحسين الكلام، منه ما يكون معنويًّا يرجع إلى تحسين المعنى، ومنه ما يكون لفظيًّا ويُحسَّن به اللَّفظ.
من أبرز وجوه البديع المعنوي: الطِّباق، ومُراعاة النَّظير، والإرصاد، والطيّ والنَّشر، والتَّجريد، والتّورية، وبراعة الطلب، وتأكيد المدح فيما يُشبه الذَّم.
ومن أهم وجوه البديع اللَّفظي: الجناس، والسَّجع، وستأتي -إن شاء الله تعالى- أمثلة لهذه، أو لكثيرٍ من هذه الأشياء، مثل: الطباق، والتَّجريد، ونحو ذلك -وستأتي لها أمثلة-، واللَّف والنَّشر، والمشوش والمرتّب -وسيأتي الكلام عليها-، هذا من المعنوي، واللَّفظي: الجناس، والسّجع.
يقول: "أدوات البيان: صناعة البديع ..." إلى آخره.
عرفنا أنَّ علم البيان: هو علمٌ يُقصد به إيراد المعنى بأساليب مُختلفة؛ لإفادة ذلك المعنى إيضاحًا، ويكون أكثر –يعني- تمثيلًا لموضوع الكلام، هذا يرجع إلى التَّشبيه، والمجاز، والاستعارة، والكناية. بخلاف علم المعاني؛ فهو يبحث في الجملة، بحيث تأتي مُعبّرة عن المعنى المقصود، فهذا يحترز فيه المتكلم من الخطأ في تأدية المراد، فهذا يدخل فيه: الخبر والإنشاء، والحذف والذكر، والتَّقديم والتَّأخير، والفصل والوصل، وما إلى ذلك.
(فنّ البديع) يقولون: هو أول ما أُفرِد بالتَّأليف من علوم البلاغة، ألّف فيه عبدُالله بن المعتز العباسي. أول ما أُلِّف في البديع.
قوله: "وقد وجدنا في القرآن منها اثنين وعشرين نوعًا، ونبّهنا على كل نوعٍ في المواضع التي وقع فيها من القرآن، ونذكر هنا أسماءها، ونُبين معانيها:
النوع الأوّل: المجاز: وهو اللَّفظ المستعمل في غير ما وُضِعَ له لعلاقةٍ بينهما، وهو اثنا عشر نوعًا: التَّشبيه، والاستعارة، والزِّيادة، والنُّقصان، وتسمية المجاور باسم مُجاوره، والملابِس باسم مُلابِسه، وإطلاق اسم الكلِّ على البعض، وعكسه، وتسمية السَّبب باسم المسبّب، وعكسه، والتَّسمية باعتبار ما يُستقبل، والتَّسمية باعتبار ما مضى، وفي هذا خلافٌ: هل هو مجاز أو حقيقة؟
واتَّفق أكثرُ أهل علوم اللِّسان وأهل الأصول على وقوع المجاز في القرآن؛ لأنَّ القرآن نزل بلسان العرب، وعادة فُصحاء العرب استعمال المجاز، ولا وجهَ لمن منعه؛ لأنَّ الواقع منه في القرآن أكثر من أن يُحْصَى".
المجاز: هو استعمال اللَّفظ في غير ما وُضِعَ له، ما وُضِعَ له أين؟
يقولون: ما وُضِعَ له في الأصل مع قرينةٍ تدلّ على عدم إرادة المعنى الأصلي.
يقولون: ولا بدَّ من علاقةٍ بين المعنيين، فإن كانت المشابهة قيل له: "استعارة" عند مَن يُدْخِلون الاستعارة في المجاز، وهذا ليس محل اتِّفاقٍ بينهم، وإن كانت غير المشابهة قيل له: المجاز المرسَل.
في المجاز يذكرون أشياء وتفاصيل كثيرة جدًّا، لكن نحن نتكلم عمَّا ذكره المؤلفُ هنا: "هو اللَّفظ المستعمل في غير ما وُضِعَ له لعلاقةٍ بينهما".
"هو اللَّفظ المستعمل في غير ما وُضِعَ له"، إذن عندهم مبنى المجاز على أنَّ كلام العرب يوجد له استعمال أول، واستعمال ثانٍ، فإذا أردتَ الاستعمال الأول -المعنى الأصلي- فهذا حقيقة، وإذا أردتَ الاستعمال الآخر فهو مجاز، عملية الانتقال من المعنى الأصلي إلى المعنى الآخر –الثاني- يُقال لها: تأويل، الأَوْل بمعنى: الرجوع، تنتقل من المعنى الأصلي إلى المعنى الآخر، وضابط المعنى الأصلي عندهم: هو الحقيقة، إرادة المعنى الأصلي، والمعنى الثاني: هو المجاز.
طبعًا هذا يحتاج إلى ضبطٍ، فهم يقولون: ضابطه: أنَّ المعنى المتبادر هو الأصل، هو الحقيقة، والمعنى الآخر يُفْهَم مع قرينةٍ تدلّ على أنَّ المعنى الأصلي غير مُراد، المتبادر هو الأصلي.
هذا مبنى هذا الكلام عند هؤلاء، الذي يقول فيه المؤلف أنَّه اتَّفق أكثرُ أهل علوم اللِّسان وأهل الأصول على وقوع المجاز في القرآن، يعني: أصول الفقه؛ لأنَّ القرآن نزل بلسان العرب، وعادة فُصحاء العرب استعمال المجاز، ولا وجهَ لمن منعه؛ لأنَّ الواقع منه في القرآن أكثر من أن يُحْصَى.
الصَّحيح أنَّ الأكثرين من الأصوليين والمؤلفين في اللغة يُثبتون المجاز، ونفاه بعضُ أهل العلم: كابن خويز منداد[9] المتوفى سنة ثلاثمئة وتسعين -من المالكية-، وشيخ الإسلام[10]، وابن القيم[11]، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي[12].
شيخ الإسلام تكلّم عنه بكلامٍ مُفصّلٍ طويلٍ في كتابه: "الإيمان الكبير"، وابن القيم -رحمه الله- في كتابه: "الصواعق المرسلة"، تجدونه في المختصر سمَّاه: طاغوتًا[13]، وأبطله بأكثر من خمسين وجهًا، أو نحو هذا، أبطل المجاز، وذكر أنَّ المجاز هو حِمار التَّأويل[14]، التَّأويل: تحريف النُّصوص عن طريق المجاز.
يقول هؤلاء العلماء: أنَّ هذا المجاز كان ذريعةً لتحريف النصوص، فأهل الكلام حرَّفوا نصوص الصِّفات مثلًا لتُوافق مُرادهم واعتقادهم، وحملوها على معانٍ غير المعاني الظَّاهرة، بل اجترأ بعضُهم وقال: "إنَّ حمل نصوص القرآن على ظواهرها من أصول الكفر"[15].
وقالوا: "إنَّ ظواهرها تُوهِم التَّشبيه والتَّجسيم"[16]، فهذه جرأة وسُوء أدبٍ مع الله، ومع كتابه، وفي هذا إزراء بالسلف الصَّالح -رضي الله تعالى عنهم-.
هذا المجاز لم يكن معروفًا عند السَّلف، وإنما وُجِدَ -كما يقول شيخُ الإسلام رحمه الله- بعد ذلك[17]، في المئة الرابعة.
وأمَّا كتاب أبي عبيدة مَعْمَر ابن المثنى، وهو الرجل الذي يُرمى برأي الخوارج، ويُرمى بالاعتزال، في كتابه: "مجاز القرآن" -وهو مطبوعٌ- لا يقصد به المجاز هذا، هو لا يقصد هذا المجاز الاصطلاحي.
وهؤلاء الذين يُثبتون المجاز يقولون: كان ذلك معلومًا عندهم، وإن لم يكن بهذا الاسم، وتُوجد في بعض عبارات المتقدمين من أهل السُّنة -كالبخاري -رحمه الله- في كتابه: "خلق أفعال العباد"- بعض العبارات التي قد يُفْهَم منها أنَّه قصد بذلك المجاز.
قضية المجاز مُخْتَلَفٌ فيها عند أهل السُّنة: منهم مَن يُثبتُه، يقول: لكن لا نُجريه في تحريف النصوص، ولا نُحاكم النصوص إلى تلك القواعد الكلامية، وإنما نحملها على ظواهرها، هذه أمور غيبية لا يجوز أن نتعرض لها: التحريف، ونحو ذلك.
وبعضهم يقول: القرآن نزل بلغة العرب، وهذه من عادة فُصحاء العرب، لكن ما كلّ ما جاز في اللغة جاز في القرآن باعتراف أهل اللغة وأهل الكلام، هناك أشياء موجودة في اللغة وليست موجودةً في القرآن، بل يختلفون في أشياء ربما الراجح أنها موجودة أصلًا، يختلفون فيها: هل هي موجودة، أو ليست موجودة؟
والسبب أنَّ القرآن له خصائصه، وله أيضًا اعتبارات؛ باعتبار الـمُتكلِّم به، ونحو ذلك، يعني مثلًا: توجد في لغة العرب الأمثال التي يقصد بها الأدباء تلك العبارة السَّائرة التي لها مَورد، ولها أيضًا –يعني- مصدر أو موضع تُقال فيه، أو مناسبة تُقال في مثلها، كلمة قيلت في مناسبةٍ فصارت سائرةً، ذائعةً، مثل قولهم مثلًا: "الصيف ضيّعت اللَّبن"، هذه امرأة خطبها رجلٌ فأبت، فلمَّا جاء الشتاء افتقرت المرأةُ، واحتاجت، فجاءت إليه، وكان عنده مالٌ وغنمٌ ودوابٌّ، فجاءت تسأل، فقال لها: الصيف ضيّعت اللَّبن.
جاءت تُريد لبنًا، قال: "الصيف ضيّعت اللبن"، يعني: هو خطبها بالصيف، فذهبت مَثَلًا تُقال في كل مناسبةٍ مُشابهة؛ تطلب من إنسانٍ شيئًا فيأبى، ثم يحتاج ويأتي إليك، فتقول: "الصيف ضيّعت اللبن"، حينما أتيتُك قبل فلم تُجبني، فالآن أنا كذلك.
هذا لا يوجد في القرآن بالاتِّفاق، وتعالى الله عن أن يتمثّل بقول أحدٍ من الناس.
وقد مضى الكلامُ في شرح الأمثال مُفصلًا ومُطولًا، وذكرنا أنَّ هذا النوع لا يوجد في القرآن، وأنَّ الأمثال التي في القرآن غير هذا تمامًا، فما كلّ ما وُجِدَ في اللغة وُجِدَ في القرآن، هذا مثال واضح.
فالذين ينفون منهم مَن يقول: يوجد في اللغة، ولا يوجد في القرآن؛ لأنَّ ما كل ما جاز في اللغة جاز في القرآن. ومنهم مَن ينفيه في اللغة وفي القرآن؛ شيخ الإسلام وابنُ القيم يقولون: هذا مُحْدَث، اجترأ به المتكلمون على تحريف الصِّفات، فقالت طوائف الباطنية: لستم بأحقّ منا. فأجروه على نصوص المعاد وما إلى ذلك من حقائق الشَّرع، فقالوا: الصلاة مُناجاة الولي. والصّفا: النبي. والمروة: علي. والصيام: كتم أسرار المذهب. والغُسل من الجنابة: هو التوبة من إفشاء سرّ المذهب. مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ [الرحمن:١٩] علي وفاطمة، يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ [الرحمن:٢٢] الحسن والحسين.
فحُرّفت النصوص بهذه الطَّريقة، فصارت لا جنةَ، ولا نار، ولا صلاة، ولا صيام، قالوا: هذه كلّها رموز وإشارات تدلّ على معانٍ باطنة. حرَّفوها.
وجاءت الصوفيةُ أيضًا عن طريق التَّفسير الإشاري فحرَّفوا النصوص كذلك: قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ [التوبة:١٢٣] قالوا: هي النَّفس تُذبح بسكين الطَّاعة. وهلمّ جرًّا.
هذه جناية المجاز، وأهل السُّنة مختلفون في إثباته، لكن الأقوال فيه ثلاثة:
القول الأول: أنَّه لا وجودَ له في اللغة، ولا في القرآن.
القول الثاني: أنَّه يوجد في اللغة، وليس في القرآن؛ باعتبار أنَّ ما كلّ ما جاز في اللغة جاز في القرآن.
القول الثالث: أنَّه موجودٌ في اللغة وفي القرآن.
(التَّبادُر) يقولون: هو الحقيقة –يعني: أصحاب المجاز-.
والذين ينفون المجاز مثل: شيخ الإسلام ومَن معه، والشَّنقيطي له رسالة: "منع جواز المجاز في المنزل للتَّعبد والإعجاز"، ومطبوعة في آخر "الأضواء"، ومطبوعة مُستقلّة.
وهؤلاء الذين ينفون المجاز يقولون أولًا: من أين لكم أنَّ هذا الاستعمال الأول، وهذا الاستعمال الثاني؟! من أين لكم هذا؟!
ويأتونهم بأمثلةٍ مُحيّرةٍ، ويقولون: أين الأول؟ وأين الثاني؟ يعني: يستوي فيها هذا وهذا.
ويقولون لهم أيضًا: أنتم الآن في قولكم بأنَّ الحقيقة هي المعنى المتبادر، يقولون: هذا التبادر يكون من اللَّفظ، وقد يكون التبادر من التركيب، فهذا المتبادر أنتم تقولون مع قرينةٍ، إذا وُجدت قرينة تصرف صار ذلك من قبيل المجاز، يُحمل على المعنى المجازي، هو يقول: هذه القرينة تجعله مُتبادرًا في المعنى الآخر، فحينما تقول: رأيتُ أسدًا يُقاتل، رأيتُ أسدًا يحمل سيفًا. لا يتبادر إلا الرجل الشُّجاع، فيقول: هذه هي الحقيقة، المعنى المتبادر، فالكلام قد يتبادر المراد منه من اللَّفظة، وقد يتبادر منه من خلال السياق واللّحاق والسِّباق، ونحو ذلك، كتركيب الكلام، فهذا المجاز.
يقول: "وهو اثنا عشر نوعًا"، وذكر منها التَّشبيه.
- "ألفية ابن مالك" (ص9).
- "خريدة القصر وجريدة العصر" -قسم شعراء العراق (ج4/ م2/ص672).
- "ألفية ابن مالك" (ص18).
- "نشر البنود على مراقي السّعود" (1/226).
- انظر: "العقد الفريد" (2/131)، و"أدب الكتاب" للصولي (ص228)، و"الصناعتين: الكتابة والشعر" (ص173).
- "العمدة في محاسن الشعر وآدابه" (1/186).
- "الأصمعيات" (ص95)، و"العقد الفريد" (3/226)، و"جمهرة أشعار العرب" (ص556).
- "ديوان المعاني" (1/28)، و"الحماسة المغربية" (1/393)، و"تاج العروس" (25/500).
- "مجموع الفتاوى" (7/89).
- انظر: "مجموع الفتاوى" (7/88-89).
- انظر: "مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة" (ص286-287).
- في كتابه: "منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز".
- "مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة" (ص285).
- انظر: "الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة" (1/302).
- انظر: "منهج الأشاعرة في العقيدة - تعقيب على مقالات الصابوني" (ص34).
- انظر: "تفسير الرازي = مفاتيح الغيب، أو التفسير الكبير" (1/134).
- "مجموع الفتاوى" (7/88).