الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فلا زال الحديث متصلاً بقوله -تبارك وتعالى-: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:26].
وقد ذكرنا في الدرس الماضي طرفًا من الفوائد والهدايات المُستخرجة منها، ومن هذه المعاني والهدايات أن في قوله -تبارك وتعالى-: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ "مالك الملك" فذكرنا بأن الملك "ال" الداخلة عليه للاستغراق والعموم فهو يملك الملك كله، الملك لله، وأن ما يُعطاه العباد أو بعض العباد من ذلك إنما هو بوهب الله -تبارك وتعالى- لمن شاء، وأن هذا مُلك مؤقت، وهو مُلك محدود كما ذكرنا أنه مسبوق بفقد، ويتبعه فقد، وما بين ذلك فيه ما فيه من النقص، أما مُلك الله -تبارك وتعالى- فهو الملك الكامل من كل وجه، له الملك في الدنيا والآخرة.
وفي قول -تبارك وتعالى-: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ، هذا أبلغ مما لو قال تؤتي الملك بعض خلقك، وتُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ يدل على أن له المشيئة المُطلقة .
وأيضًا في تقديم الإيتاء على النزع: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ، فيه ما يتصل بتقديم المحبوب على المكروه، وذلك أن الإيتاء أمر مرغوب فيه بخلاف النزع، فقدم ما فيه الرغبة على ما فيه الرهبة، كما هو الغالب في القرآن، ثم أيضًا الجمع بينهما: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ يدل على كمال القدرة، فقد يستطيع الإنسان أن يوصل إلى غيره نفعًا ولكنه لا يستطيع أن ينتزع منه نعمة، أما الله -تبارك وتعالى- فله الأمر كله، يؤتي الملك من شاء من عباده، وينزع الملك ممن شاء، فجمعت هذه الآية بين الترغيب والترهيب، ودلت على كمال القدرة وأن الأمر بيد الله -تبارك وتعالى-، وهذا فيه من التوحيد الاعتماد على الله ، وأنه لا قيام للناس ولا يتحقق شيء من مصالحهم ومطالبهم إلا بإقامة الله -تبارك وتعالى- لهم، وعونه، وتوفيقه، وإرادته، ومشيئته، فمن رام الفلاح فعليه أن يتسبب في طلب مرضاته -تبارك وتعالى- وأن يجعل الذي بينه وبين الله عامرا ولو سخط الخلق، من أراد القوة ومن أراد التمكين ومن أراد أن تتحقق مطامحه وآماله ومطالبه فعليه أن يتوجه إليه ويبحث عن مرضاته ومحابه فيتبع ذلك، وينظر في مساخطه، وموجبات غضبه فيجتنب ذلك، هذا هو الطريق، فينبغي أن يكون ذلك حاضرًا في الأذهان، وفي سعي الناس وفي عملهم ونظرهم وآمالهم ونحو ذلك، فيكون العمل على هذا أولاً ماذا يريد الله؟ وماذا يُحب؟ كيف ننصره من أجل أن ينصرنا؟ وإلا فمهما أوتي الخلق من القُدرات والإمكانات والأموال والخبرات فلا يمكن أن يتوصلوا إلى تحقيق مطالبهم بعيدًا عن إرادة الله ، فالله الأمر كله بيده، وهو مالك الملك، ومن ثَم فيحتاج العبد أن يعتصم به، وأن يركن إليه، وأن يثق به، وأن يتوكل عليه، وأن يعمر ما بينه وبين الله .
وفي قوله -تبارك وتعالى-: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ هنا يطمئن المؤمن حينما يرى بعض المحادين لله -تبارك وتعالى- الكافرين قد صار لهم شيء من التمكين فإن ذلك عن علم وحكمة، أن ذلك شاءه الله لغاية وحكمة عظيمة وإن خفيت علينا، فهؤلاء لم يحصل لهم هذا التمكين، والملك الذي قد يكون لبعض الكفار لم يحصل لهم ذلك بعيدًا عن إرادة الله ، وأنهم قد اختطفوا ذلك قهرًا عنه، كلا، فإن الخلق أعجز وأضعف من ذلك، فإذا رأى المؤمن بعض هؤلاء الكفار حصل لهم من التمكين المؤقت فيعلم أن ذلك إنما هو بوهب الله وعطاءه ابتلاء وامتحانًا واختبارًا أو استدراجًا لهم، ثم بعد ذلك يأخذهم، والتاريخ من عهد نوح إلى عصرنا الحاضر مليء بالشواهد، فقوم نوح أخذهم الله بعد تجبرهم وتكبرهم وتعاظمهم على الله، وعتوهم على نبيه .
وهكذا أخذ عادًا وثمودًا وقوم شعيب وقوم إبراهيم وقوم لوط، وهكذا أهلك فرعون وجنوده، فما دفعت عنهم أموالهم، وأجنادهم، وقواهم، وإمكاناتهم، لكن الذين كانوا يعيشون في ذلك الزمان لربما تصوروا أن هؤلاء عندهم من أسباب القوة والتمكين ما يتعاصى على من أراد قهرهم ودحرهم، لكن بالنسبة إلى الله كان ذلك أسهل الأشياء بثلاثة أمور سهلة: الماء، والهواء، والصوت -الصيحة-، ثلاثة أشياء أهلكت أعتى الأمم، قوم نوح بالماء، وفرعون بالماء، وأولئك إما بالريح كما حصل لعاد، أو بصيحة صاح بهم الملك فهلكوا رجفت بهم الأرض، صيحة صوت، الخلق أضعف من أن يتعاظموا ويتجبروا على الله -تبارك وتعالى-، بأضعف الأشياء يهلكهم الماء والهواء والصوت، ما احتاجوا إلى شيء أكبر من ذلك.
وقوم لوط قلب الله ديارهم، يُقال: إن الملك جبريل بطرف جناحه، قلب قرى وليست قرية واحدة، والمؤتفكات أقلّها -حتى قيل: إن الملائكة سمعت صوت كلابهم- ثم قلبها عليهم، جعل عاليها سافلها، وأتبعهم بالحجارة، فهذا بأسه -تبارك وتعالى-.
وهذا الإيتاء: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ عُبر بالإيتاء ولم يقل: تُملك، إنه إيتاء: إعطاء، وهب مؤقت، ثم تؤتي يدل على أن هذا لم يكن بمقدراتهم ومُكتسباتهم، أبدًا، وإنما إيتاء من الله إيتاء: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ، فلما ذكر إيتاء الملك ونزع الملك ذكر أيضًا ما يعقب ذلك من الأوصاف ويتبعه غالبًا، وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ، فقوله: وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ بحيث يكون له من المنعة والرفعة والقوة بحيث لا يُغالب، فالعزة وصف إنما يتحقق من مجموع أوصاف فيكون صاحب ذلك عزيزًا، وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ فدل ذلك على أن العزة بيده -تبارك وتعالى-، ولهذا من كان يُريد العزة فينبغي أن يتوجه إليه وحده فلله العزة جميعًا، فله وحده، وأما ما أُضيفت فيه العزة لله ولرسوله وللمؤمنين فذلك في مقامه وموضعه بحيث إن العزة الحاصلة للنبي ﷺ وللمؤمنين إنما هي بإعزاز الله لهم.
وأما العزة بالنظر إلى من يملكها فهي لله وحده، ولكن من يوصف بالعزة فإن المخلوق قد يوصف بذلك بأنه عزيز، وقد يُسمى بهذا: قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ [يوسف:51]، وكما جاء في الحديث: عزيز عارم، منيع في رهطه[1]، وصفه بهذا "عزيز" وفي قول ملكة سبأ وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً [النمل:34]، فالخلق قد يكون لهم شيء من العزة؛ ولكن هذه العزة إنما هي من الله، ما يكون لأهل الإيمان فهذه العزة المحمودة، فهذه تكون من الله، وبحسب ما يكون عليه العبد من الطاعة والإيمان واليقين والتقوى والصلة بالله -تبارك وتعالى- يكون له من العزة، ولو لم يكن عنده كثير مال ولا أتباع ولا جنود ولا أعوان يكون عزيزًا، ولهذا تجدون في تراجم كثير من السلف وأهل العلم من وصفوا بهذا، فكان بعض هؤلاء إذا دخل على أحد من الخلفاء ونحو ذلك ظهر أثر ذلك عليه، يعني على المدخول عليه حينما يراه، فهذه تكون بوهب الله وإعزازه لأوليائه؛ ولهذا قال: وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون:8] والحكم المعلق على وصف يزيد بزيادته وينقص بنقصانه، فبقدر الإيمان تكون العزة.
أما العزة التي قد تكون للكافرين فهذه عزة لا حقيقة لها، بل إن الذل يغشاهم، وكيف لا يغشاهم وهم يتمرغون في الكفر ووحل المعصية، فهذا لا يمكن أن يكون صاحبه عزيزًا ولو كان في الظاهر كذلك، والآيات والنصوص تدل على هذا المعنى دلالة واضحة، أبى الله إلا أن يُذل من عصاه.
فقوله: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ يدل على كمال غناه، وكمال ملكه، وكمال عظمته، وكمال سلطانه، وأن ذلك جميعًا عنده، كذلك أيضًا حينما عطف هذا على ما قبلها: وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ دل على أنه لا مُلازمة بين الملك والعزة، فكما قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "أنه قد يكون في الظاهر ملكًا مطاعًا، وفي الباطن عبدًا مُطيعًا لمن لا يقوم ملكه إلا به"[2]، بمعنى ليس من حصل له ملك أنه يكون عزيزًا، ولذلك تعرفون في التاريخ أن من الممالك من لم يجدوا إلا امرأة فملكوها، ما وجدوا إلا إحدى البنات.
وفي بعض الحالات كان الذي يورث الخلافة لربما في المهد، وبعضهم لم يبلغ السابعة، وبعضهم جاوزها بقليل، ومن الذي يقوم على ذلك ويُدبر شؤون الملك هو وصيه، فهذا في الظاهر أنه خليفة، ولكنه في الواقع مقهور مأمور، وذلك لمن يُديره ويُدبره فلا مُلازمة بين العز والملك، وهذا معروف في أوقات الضعف، اقرءوا في تاريخ الدولة العباسية -مثلاً في أواخرها- تجد أن بعض هؤلاء الخلفاء لربما الذين يُدبرونهم هم النساء والخدم، كبار الخدم هم الذين يُدبرون شؤون الدولة، فيعزلون من شاءوا ويُنصبون من شاءوا، ونحو ذلك، فتضطرب الأحوال، والخليفة في حال من الضعف والمهانة لا يستطيع أن يرد، وحينما يبدوا منه شيء من التمنع لربما قتل، وقد قتل عدد من الخلفاء بيد هؤلاء الأعوان، هذا حصل في الدولة العباسية.
وخبر المُقتدر، وكذلك أيضًا في الدولة العثمانية كان الواحد من هؤلاء يُقتل ولربما بطرق عجيبة.
فهنا: وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ هذا يدل على أن العزة مِلك لله؛ فينبغي أن يتوجه إليه في طلبها، هذه العزة لا تتحقق بمجرد سعي الإنسان إليها بالأخذ بأسباب القوة مثلاً، وإنما تكون بقوة الصلة بمالك العزة، فالله يُعز أوليائه.
تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:26]، فكأن هذا تعليم من الله -تبارك وتعالى- بالثناء عليه بمثل هذا الثناء؛ لأجل تحصيل هذه المطالب التي في مضامين هذه الآية الكريمة، يعني: من سؤال العزة والخير؛ لأن الخير بيد الله -تبارك وتعالى-.
وقوله: بِيَدِكَ الْخَيْرُ فيه إثبات صفة اليد لله -تبارك وتعالى- على ما يليق بجلاله وعظمته.
وكذلك أيضًا "ال" الداخلة على الخير: بِيَدِكَ الْخَيْرُ فهذا للعموم، كل الخير بيده، فالخير يُضاف إلى الله -تبارك وتعالى-، أفعاله كلها خير، وأوصافه كلها خير، والشر ليس إليه مع أن الله -تبارك وتعالى- خالق الخير والشر ولكن الشر في مفعولاته وليس في أفعاله، فأفعاله كلها خير وحكمة، يعني: مثلاً نزول المطر خير لكن قد يُتلف بعض الزروع لبعض الناس، وقد يغرق بعض الناس، وقد تتهدم دور بعض الناس، وقد تتعطل مصالح بعض الناس، وقد يُفسد ذلك معايش بعض الناس وتجارة بعض الناس، ونحو هذا، فهو بالنسبة إليهم شر، لكن عموم نزول المطر لا شك أنه خير، فتقدير الله وفعله خير، ولهذا كان من الأدب أن لا يُضاف ذلك إليه كما ذكرنا في أمثلة: وَإِذَا مَرِضْتُ فأضاف المرض إلى نفسه، فَهُوَ يَشْفِينِ [الشعراء:80]، فأضاف الشفاء إلى الله.
وقوله: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا [الكهف:79]، فأضاف العيب إلى نفسه يعني الخضر، ولما ذكر بناء الجدار: وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ [الكهف:82]، ما قال: فأردت فأضاف ذلك إلى الله -تبارك وتعالى-.
وهكذا في قوله: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، بينما في الإنعام: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7]، ما قال: المُنعم عليهم، فأضاف الإنعام صراحة إليه مع أنه هو الذي غضب أيضًا على هؤلاء اليهود، فالشر ليس إليه يعني وصفًا وفعلاً وإن كان خلقًا له.
وفي قوله -تبارك وتعالى-: بِيَدِكَ الْخَيْرُ إذا كان الخير كله بيد الله -تبارك وتعالى- فـ"ال" للاستغراق فمن أراد الخير -كل أحد يريد الخير- فعليه أن يتوجه إلى من يملك الخير، والنفع، والضر، فلا يُذلّ الإنسان نفسه لمخلوق من أجل أن يُحصل شيئا من النفع، وإنما النفع كله بيد الله : واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك[3]، فالنفع عنده ولا يستطيع أحد أن يحجزه عنك، بِيَدِكَ الْخَيْرُ ومن هنا تكون الرغبة والرهبة إلى الله -تبارك وتعالى- وحده، فمن رام التوفيق فهو عند الله، من رام الفلاح فهو عند الله، من رام الولد الذرية المال الشفاء كل ذلك عند الله .
بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ هذا تذييل لهذه الآية يُجلي ما تضمنته من هذه المعاني الكبار العظيمة: إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ تهب الملك لمن تشاء، وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء، وتذل من تشاء، بيدك الخير.
وكذلك أيضًا التقديم الذي يدل على الحصر: بِيَدِكَ الْخَيْرُ، ما قال الخير بيدك فهذا يدل على أن الخير محصور؛ وذلك أنه بيد الله ليس بيد أحد سواه.
وهكذا: إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "إنّك" "إنّ" دخول "إنّ" هذه للتوكيد، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فجاء بأقوى صيغة من صيغ العموم: عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وجاء بصيغة المُبالغة "قدير" على وزن فعيل، فقدرته نافذة لا يمكن أن يمتنع عليه شيء .
وتأمل في الألفاظ المكررة في هذه الآية، قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ.
وهكذا في قوله -تبارك وتعالى-: مَنْ تَشَاءُ، كل هذا يدل على تفخيم وتعظيم.
فنسأل الله -تبارك وتعالى- أن يُعزنا وإياكم بطاعته، وأن يغفر لنا ولوالدينا ولإخواننا المسلمين، اللهم ارحم موتانا، واشفِ مرضانا، وعافِ مبتلانا، واجعل آخرتنا خيرًا من دنيانا، والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
- أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ [الانشقاق:19]، برقم (4942)، ومسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء، برقم (2855).
- انظر: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان (ص:15).
- أخرجه الترمذي، في أبواب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله ﷺ، برقم (2516)، وقال: "هذا حديث حسن صحيح"، وأحمد في المسند، برقم (2669)، وقال محققوه: "إسناده قوي".