الخميس 09 / شوّال / 1445 - 18 / أبريل 2024
(062) قوله تعالى: {وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ .. } الآية 49
تاريخ النشر: ١٧ / محرّم / ١٤٣٨
التحميل: 489
مرات الإستماع: 1039

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

يقول الله -تبارك وتعالى- في هذه السورة الكريمة (سورة آل عمران) فيما قصَّ من خبر عيسى ، وما جاء به، وما أظهر على يديه من الآيات البينات، والمعجزات الواضحات: وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين [آل عمران:49].

فقوله: وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أي: أن الله -تبارك وتعالى- جعل عيسى رسولاً إلى بني إسرائيل خاصة، باعتبار أن رسالته لم تكن عامة، وقد جاء في بعض كتبهم أنه قال: "أرسلت إلى خراف بني إسرائيل الضالة"[1]، وهذا يدل على خصوص رسالته، وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية بناء على المعنى الذي ذكره للرسول والفرق بينه وبين النبي، حيث يرى شيخ الإسلام -رحمه الله- أن الفرق بين النبي والرسول أن الرسول يكون قد بُعث إلى قوم من الكفار يدعوهم إلى الإيمان، وأما النبي فجاء مُقررًا لشريعة من قبله، خلافًا للمشهور المتداول من أن الرسول هو الذي أُوحي إليه بشرع وأُمر بتكليفه، وأن النبي أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتكليفه[2]، فهذا لا يخلو من إشكال؛ لأن الله أخذ العهد على النبيين في البيان فكيف يُقال لم يؤمر بتبليغه؟ فقال: لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ [آل عمران:187] فالمقصود أنه بناء على هذا التفريق فعيسى رسول، فشيخ الإسلام يقول: بأنه أُرسل إلى بني إسرائيل، وإلى الكفار من اليونان أيضًا يدعوهم إلى الإيمان، فعلى كل حال هو رسول بنص هذه الآية إلى بني إسرائيل، وهم أولاد يعقوب ، وإسرائيل هو يعقوب.

وقوله: أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم هكذا على هذه القراءة بفتح الهمزة، وعلى القراءة الأخرى المتواترة: (إنِّي) مكسورة[3]، وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي فيكون ذلك تفسيرًا للرسالة بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وهي البرهان الذي يدل على صدقه أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ يعني: أنه يعمل مجسمًا على هيئة الطير، فينفخ فيه فيكون طيرًا بإذن الله، فهو يصنع طيورًا متعددة، ولم تكن المعجزة بواحد، وفي القراءة الأخرى المتواترة: (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّائرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَائرًا بِإِذْنِ اللّهِ) وفي قراءة أخرى متواترة أيضًا: (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَائْرًا بِإِذْنِ اللّهِ) يعني: أنه يخلق بإذن الله واحدًا بعد واحد، وقراءة الجمع تدل على أنه يخلق بإذن الله المجموع.

وقوله: وَأُبْرِئ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ الأكمه قيل: هو الذي يولد وهو أعمى، وقيل: مطموس العين، فلا عين له أصلاً، وبعضهم يقول: هو الأعمى مطلقًا، والأبرص هو داء معروف يُصيب الجلد، عافا الله الجميع منه.

وقوله: وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ يعني: من مات فإنه يُحييه بإذن الله ، وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ يعني: من الطعام، فهذا كله دلائل على نبوته، وصحة وصدق ما جاء به إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين [آل عمران:49].

فيُؤخذ من هذه الآية الكريمة: وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ بيان خصوص الرسالة، وقد قال النبي ﷺ: وكان النبي يُبعث إلى قومه خاصة، وبُعثت إلى الناس عامة[4] فكان ذلك من خصائصه -عليه الصلاة والسلام-، وإذا كان الأمر كذلك وهو أن عيسى قد بُعث إلى بني إسرائيل خاصة، وهم أولاد يعقوب، فما شأن الأفارقة والإندونيسيين والعرب بدعوة النصارى والإرساليات التنصيرية التي تجوب العالم بجيوش من الأطباء وغيرهم لا تُحصى؟! وأيضًا بأرصدة مالية يُخطئ الناظر في قراءتها، ولديهم من الطائرات والإمكانات المادية ما يفوق الحصر، فهؤلاء قد جيشوا هذه الإمكانات لتنصير العالم، وكانوا يُراهنون على أن تكون أكبر دولتين للمسلمين نيجيريا في الغرب، وإندونيسيا في الشرق عام 2000م نصرانية، فعيسى يقول: وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ [آل عمران:49] فيكون عملهم هذا باطلاً بنص القرآن، وأيضًا بما جاء في كتبهم.

والمراد بالآية في قوله: بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ الجنس، وليس المُفرد؛ لأنه ذكر بعدها هذه الآيات من إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص، والإخبار عن أمور غيبية، مما يأكلون، وما يدخرون في بيوتهم.

وقوله: بِإِذْنِ اللّهِ هذا يدل على أنه لا يفعل ذلك من قِبل نفسه، على سبيل الاستقلال، وإنما بتمكين الله -تبارك وتعالى- له من ذلك، فهو عبد لله ، والله -تبارك وتعالى- هو الذي أظهر على يده هذه الآيات، ولا يستطيع عيسى ، ولا غيره من البشر أن ينفرد مستقلاً بمثل هذا، وإنما الله -تبارك وتعالى- أجراه على يده إظهارًا للمعجزة، وهذا الإذن هنا بِإِذْنِ اللّهِ ينتظم النوعين: الإذن الكوني، والإذن الشرعي، الإذن الشرعي أنه يعمل مجسمات على هيئة الطير ونحو ذلك من هذه المزاولات، وينفخ في هذه الطيور فتكون طيرًا بإذن الله، فهذا إذن شرعي، وإلا لا يجوز وضع التصاوير أصلاً، ولا يجوز لأحد أن يُقدم على أعمال كهذه عمومًا، وهو أن يحاول أن يُحيي الموتى، وينفخ في طين كهيئة الطير، ولا أن يصنع الطين كهيئة الطير، ولكنه فعل ذلك بإذن الله الشرعي، فالله أذن له بذلك، وإلا فقد جاء في الحديث: إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون[5]، وذكر النبي ﷺ: إن أصحاب هذه الصور يوم القيامة يعذبون، فيقال لهم: أحيوا ما خلقتم[6]، وفي الحديث القدسي: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي[7]، والحديث الآخر: تخرج عنق من النار يوم القيامة لها عينان تبصران، وأذنان تسمعان، ولسان ينطق، يقول: إني وكلت بثلاثة، بكل جبار عنيد، وبكل من دعا مع الله إلهًا آخر، وبالمصورين[8]، فالتصوير من كبائر الذنوب، لكنه كان يفعل ذلك بإذن الله -تبارك وتعالى-.

ثم أيضًا هذا الإذن كوني باعتبار أن ذلك جرى منه وأجراه الله على يديه، ولو لم يكن الإذن الكوني القدري موجودًا لم يحصل تحريكة ولا تسكينة من ذلك، ولم يتحقق ذلك في الوجود أصلاً، يعني: لم يقم به عيسى فضلاً عن أن يتحقق مراده من إحياء الميت، وتحول هذا الطين إلى طير بعد هذه النفخة، ولم يحصل البُرء ولا غير ذلك للأكمه والأبرص، فهذا يدل على أن ذلك قد وقع بإذن الله ، يعني مثلاً بناء هذا المسجد اجتمع فيه الإذن الكوني باعتبار أنه وجد؛ لأن الله لو لم يأذن بذلك كونًا لم يوجد؛ لأنه لا يكون في ملك الله إلا ما يشاء، والإذن الشرع، كما في قوله: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ [النور:36] فهذا إذن شرعي، صلاتكم هذه التي صليتموها العشاء -أسأل الله القبول للجميع- حصل فيها الإذن الكوني، والإذن الشرعي، الإذن الكوني أن الله أراد ذلك شرعًا، حيث أمر بالصلاة وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ [البقرة: 43] وأذن بذلك وأراده كونًا وإلا لم يتحقق.

فهنا بِإِذْنِ اللّهِ يشمل هذا وهذا، وأيضًا قوله: بِإِذْنِ اللّهِ هذا يدفع الوهم بأن عيسى كما يعتقد النصارى بأنه إله، أو أنه ابن الله، فمثل هذا الذي يحصل من إحياء الموتى، وخلق هذا الطير من هذا الطين هذا يمكن أن يكون سببًا للاشتباه والالتباس، فجاء بهذا القيد، وقد ذكرنا لكم أن المحترزات في القرآن تأتي في كل موضع بحسبه.

ويُؤخذ من قوله: أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ أنه ذكر الإذن في هذين الموضعين أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ لكن في قوله: وَأُبْرِئ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ لم يقل: وأُبرئ الأكمه بإذن الله، وأُبرئ الأبرص بإذن الله، وإنما قال: وَأُبْرِئ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ فجاء الإذن بعد الخلق من الطين كهيئة الطير، فينفخ فيه فيكون طيرًا بإذن الله، فهذا أعجب في الآية، فالخلق أمر خارج بلا شك عن قدرة البشر، وهو من خصائص الله -تبارك وتعالى-، كذلك أيضًا إحياء الموتى لا أحد يستطيع أن يُحيي الموتى، فهذا أمر من خصائص الله -تبارك وتعالى- لهذا ذكر الإذن بعدهما؛ لأنهما أعظم وأعجب، والله تعالى أعلم.

ثم ذكر من هذه الأدواء: إبراء الأكمه والأبرص، وهناك أدواء كثيرة في الناس، ولكن ذكر بعض أهل العلم أن ذلك لكونهما من الأدواء المستعصية على الأطباء، يعني الأطباء إلى الآن لا يجدون علاجًا للبرص، وتجد الطبيب لربما يكون مختصًا بمعالجة الجلد، ومع ذلك يُبتلى بهذا المرض، وهذا مُشاهد.

وأيضًا إبراء الأكمه وهو الذي ولد أعمى هذا أصعب، دكتور متخصص في العيون، الذي يولد أعمى، فيه طب يعني: مثل هذا قد يكون الإنسان يذهب بصره بسبب ربما مياه زرقاء، أو نحو ذلك، ثم بعد ذلك تُزال فيُبصر، لكن يولد أعمى، ثم بعد ذلك يمسح عليه فيبرأ، حتى قيل: إنه كان لا يمسح على ذي عاهة إلا برئ.

وقد ذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله- وغيره كثيرون: من أن زمانه كان زمان الطب والأطباء، وكانت آيته من جنس ما يعهدون[9]، فموسى -عليه السلام- كان في بيئة انتشر فيها السحر، فجاء بآية يعجز عنها السحرة، فكانت الحية تلقف ما يأفكون، فكان أول من أدرك ذلك، وعرف هذه الآية العظيمة هم السحرة؛ لأنهم أعلم الناس بالسحر، وعرفوا أن هذا لا علاقة له بالسحر، وعيسى قالوا كان في بيئة يكثر فيها الأطباء، ومثل هذه العلوم، فجاءهم بآية مُبهرة، تخرج عن نطاق علومهم ومعارفهم ومزاولاتهم.

ثم أيضًا في قوله -تبارك وتعالى-: وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [آل عمران:50] ذكر هذا مرتين للتأكيد، هذه الأمور الخارجة عن المألوف التي لا عهد للناس بها لا شك أنها داعية إلى التصديق والإيمان والانقياد لهذه الآيات لمن كان طالبًا للحق، فذكر ذلك أولاً وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ثم ذكر هذه الآيات.

ثم قال: إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً أي: في ذلك المذكور آية، أي علامة واضحة، تدل على صدق ما جئت به.

كذلك أيضًا في قوله -تبارك وتعالى-: إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين فدل ذلك على أن الإيمان يحمل صاحبه على التصديق والقبول عن الله -تبارك وتعالى-، وقبول الآيات، وترك المكابرة والتكذيب والعناد.

وأيضًا في هذه الأمور المذكورات إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ {وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران:50] هذا يدل على أهمية هذه الأمور، وأنها دلائل واضحة وقوية وظاهرة، فالآية هي العلامة كما هو معلوم في أصل كلام العرب.

وقوله: أَنِّي أَخْلُقُ فَأَنفُخُ وَأُبْرِئ وَأُحْيِـي وَأُنَبِّئُكُم كله بالمضارع، والمضارع يدل على الاستمرار، فدل ذلك على أن هذه الأمور تتكرر، يعني: يُحيي أكثر من ميت، وكذلك يُبرئ أكثر من أعمى وأكمه، ويُخبرهم بما في بيوتهم مرارًا، فهي آيات متكررة، وما ذكره بعض أهل العلم من السلف: إنما خلق طيرًا هو الخفاش، فهذا إنما هو مأخوذ من بني إسرائيل، ولا صحة لذلك، ولا دليل عليه، يقولون: إنه سألهم: ما هو في الخلق أشد؟ فقالوا: الخفاش، إنما هو بضعة لحم، فخلق لهم الخُفاش، لكن هذا لا يثبت، ويقولون: بأنه أحيا أحد أولاد نوح، سام بن نوح، لكن هذا لا يثبت.

ولاحظوا في قوله -تبارك وتعالى- هنا: أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ فأضاف الخلق إلى نفسه أَنِّي أَخْلُقُ والله يقول: وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ [المائدة:110] فأضاف الخلق إلى المخلوق وهو الإنسان، فدل ذلك على أنه يمكن أن يُضاف ذلك، لكن لا على سبيل الإطلاق، فهنا لأنها آية خارقة أضاف ذلك إلى عيسى باعتبار أنه جرى على يده فصح إضافة ذلك إليه؛ لأن الخلق كما ذكرنا في الأسماء الحسنى يأتي لمعنيين: بمعنى: التقدير، وبمعنى: الإيجاد من العدم، ويأتي أيضًا بمعنى الإيجاد مطلقًا، يعني ولو لم يكن من العدم، يعني: على سبيل المثال هذه الطاولة قبل أن توجد الذي قدّر أبعادها، وطولها وعرضها وارتفاعها إلى آخره هذا التقدير يُقال له: الخلق في اللغة، ثم أيضًا تقطيع الخشب، ووضع الطاولة بهذا الوضع يُقال له أيضًا: خلق، فالذي ينفرد الله به هو الإيجاد من العدم، أما التقدير فإن هذا يكون للإنسان، كما قال الشاعر يمدح ملكًا:

فلأنت تفري ما خلقت وبعض القوم يخلق ثم لا يفري[10]

يقول: أنت تُقدر وتخطط ثم تنفذ لكمال قدراته وقوته، لكن غيرك يخلق يعني يُخطط ويُقدر، ولكنه يعجز عن التنفيذ لضعفه، فهذا معروف عند العرب في كلامهم؛ ولذلك لو أن أحدًا من الناس عبّر وقال مثلاً: نخلق مثلاً أفكار لهذا المشروع، أو نخلق فكرة ينتفع الناس بها، أو نحو ذلك، فهذا التعبير لا إشكال فيه، وهكذا لو أنه مثلاً قال: نريد أن نخلق مشروعًا من المشروعات، ينتفع به الناس أو نحو هذا، فالله أضاف إلى عيسى ذلك، وبعضهم ذكر هذا المعنى عند قوله -تبارك وتعالى-: فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِين [المؤمنون:14] فذكرها بصيغة الجمع، لكن الخلق الذي هو الإيجاد من العدم فهذا مما يختص الله به.

والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. إنجيل متى (15/24).
  2. النبوات لابن تيمية (2/718).
  3. حجة القراءات (ص:164).
  4. أخرجه صحيح البخاري في كتاب التيمم برقم (335)، ومسلم في أول كتاب المساجد ومواضع الصلاة برقم (521).
  5. أخرجه مسلم في كتاب اللباس والزينة، باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة برقم (2109).
  6. أخرجه البخاري في كتاب البيوع، باب التجارة فيما يكره لبسه للرجال والنساء برقم (2105) ومسلم في كتاب اللباس والزينة، باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة برقم (2107).
  7. أخرجه البخاري في كتاب اللباس باب نقض الصور برقم (5953) ومسلم في كتاب اللباس والزينة، باب لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة برقم (2111).
  8. أخرجه الترمذي في أبواب صفة جهنم، باب ما جاء في صفة النار برقم (2574) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (8051).
  9. تفسير ابن كثير ت سلامة (2/45).
  10. البيت لزهير بن أبي سلمى الدر في الفريد وبيت القصيد (10/466) وفي غيره.

مواد ذات صلة